الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم وتعريف
تقديم وتعريف
…
المصلحة المرسلة1 محاولة لبسطها ونظرة فيها
لفضيلة الدكتور علي محمد جريشة كلية الشريعة
أولا: تقديم وتعريف:
1-
إن الله بالناس لرؤف رحيم، لم يخلقهم عبثا بل جعل لهم غاية، ولم يتركهم سدا بل هداهم السبيل وحدد معالمه.. كل ذلك بما شرع لهم من أحكام في دينه، وكانت أحكامه محققة لمصالحهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم.. وقد ثبت لدى العلماء من تتبع أحكام الشرع واستقرائها أنها تحقق مصالح خمسا وتحافظ عليها هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال وهي في تحقيقها لهذه المصالح تتدرج بين مراتب ثلاثة:
هي الضرورات: وهو لابد منها لإقامة هذه الخمسة وحفظها، والحاجيات وهي وإن لم تلزم لقيام الخمسة فإنها تلزم لرفع الضيق والحرج عند الأخذ بها، والتحسينات وهي ليست بلازمة لقيام هذه المصالح ولا لدفع الضيق والحرج عند الأخذ بها ولكنها استكمال لحسن الأمر وتحقيق لصالح الخلق2.
وتقف كل مصلحة من المصالح الخمسة مكملة للتي تسبقها وخادمة لها، كذلك تقف كل مرتبة من المراتب الثلاثة مكملة للتي تسبقها وخادمة لها.
ففي المصلحة الأولى وهي الدين تقف في المرتبة الأولى الضرورات، وفي
1 يذكرها البعض في بحوث ((أدلة الأحكام الشرعية)) ويتناولها آخرون تحت عنوان مصادر الأحكام الشرعية. ويظنها كثيرون خروجا عن الكتاب والسنة.. وسوف نرى بمشيئة الله كيف يمكن بيسر ردها إلى الكتاب والسنة.
2 المستصفى للغزالي ج 1، ص 283، رسالة دكتوراه للأخ الدكتور محمد سعيد البوطي، 1385هـ-1965م صفحات 78 وما بعدها ص 181، 185-187.
مقدمتها شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلابد من إقامتها لإقامة الدين، ولو أدى ذلك إلى التضحية بالمصلحة التي تليها وهي النفس، وذلك عن طريق الجهاد إعلاء لكلمة الله، وتمكينا لدينه..
ومن الحاجيات المكملة لإقامة الدين ما شرعه الله من تيسير في بعض أحكامه، رفعا للعنت والحرج1 ومنعا من الضيق والملل، كأداء الصلاة قعودا لمن كان ذا عذر، وقصرها للمسافر وما شرع الله من عقود وأحكام للمعاملات.
ومن التحسينات المكملة لإقامة الدين ما ينبغي أن يتحلى به المسلم من خلق العفو والصفح الجميل ودرء السيئة بالحسنة.
ووقوف المصلحة وراء كل حكم أنزله الله أمر يراه كل ذي بصيرة فإن خفيت فإيمان المسلم ويقينه بأن الله لا يريد به إلا اليسر، ولا يشرع له إلا الحق والخير.. كل ذلك كاف لأن ندرك ما قرره علماء الشريعة من أن وراء كل حكم شرعي مصلحة.
والقول بأن وراء كل مصلحة حكم شرعي2 ينبغي أن يتقيد بالشروط والقيود التي سنشير إليها، وإلا فليست كل مصلحة يتصورها إنسان يمكن أن يبنى عليها حكم شرعي.
2-
والمصلحة التي يورد الشارع حكما يحققها تسمى مصلحة معتبرة3 وتلك التي يأتي النص بعدم اعتبارها تسمى مصلحة ملغاة4.
والتي لم يعتبرها الشارع ولم يلغها هي المصلحة المرسلة5- وهي موضوع هذا البحث.
1 دفع الحرج غالبا يكون تحقيقا لحاجة لكنه قد يكون ضروريا إذا تعارضت مصلحة شخصية مؤكدة مع محرم لغيره لا محرم لذاته، ذلك أن المحرم لذاته لا يباح إلا لضرورة كأكل الميتة ولحم الخنزير وأكل مال الغير أما المحرم لغيره فهو يباح للحاجة ولا يشترط الضرورة، فرؤية عورة المرأة محرم لغيره لا محرم لذاته إذا هو محرم لما قد يفضي إليه من زنى.. لذلك أجيز للطبيب رؤية عورة المرأة لحاجة المرض.
((موسوعة الفقه الإسلامي –جمعية الدراسات الإسلامية، إشراف الشيخ أبو زهرة ص 50، 51)) .
2 من العبارات الجارية ((إذا وجدت المصلحة فثم شرع الله)) وهذه إن تركت بغير قيود كانت خطأ إذ ليس كل مصلحة –أيا كانت- تحقق شرع الله، ولكن إن فهمت مع قيودها وضابطها كانت صحيحة على النحو الذي سنشير إليه –راجع عز الدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام ج 1 ص 4.
3 مثلها ما شرعه الله من إفطار المسافر والمريض فقد أردف ذلك بقوله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وما شرعه الله من قصاص لتحقيق حياة رافهة بالحق والعدل فاكهة بالأمن والطمأنينة {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} .
4 ومثلها ما قد يظنه البعض مصلحة، لكن الشارع الحكيم نهى عنه.. مثل الربا والزنى وشرب الخمر.
5 راجع أمثلة كثيرة للإمام الشاطبي في الاعتصام ج 2 ص 287-3040 وراجع قبلها حديثه عن المصلحة أو الاستدلال المرسل ص 283-287.