المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المصلحة المرسلة عند الجمهورر - المصلحة المرسلة محاولة لبسطها ونظرة فيها

[علي جريشة]

الفصل: ‌المصلحة المرسلة عند الجمهورر

وقد يكون هذا التفريط رد فعل لذلك الإفراط، لكنهم يبررون ذلك بما يلي:

1-

أن الله سبحانه إذا قرر {أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} قد كفل له من الأحكام ما يكفل له تنظيم حياته دون حاجة إلى جديد {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} .

2-

أن المصالح الحقيقية هي التي وردت بها الأحكام، وما لم يرد به حكم فليس بمصلحة {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .

3-

أنها مظنة الحكم بالهوى ما دامت ليست معتبرة من الشارع، بل هي مترددة بين الاعتبار والإلغاء وفي هذا يقولون إنها ما دامت مترددة بين الاعتبار والإلغاء فإن انحيازها إلى جانب الاعتبار ليس أولى من انحيازها إلى جانب الإلغاء1.

ص: 42

‌المصلحة المرسلة عند الجمهورر

ب. المصلحة المرسلة عند الجمهور:

10-

شاع لدى البعض أن الإمام مالك وحده هو الآخذ بالمصالح المرسلة كدليل من أدلة الأحكام الشرعية2 وأضاف البعض إليه الإمام أحمد.

لكن النظر الدقيق يثبت أن الأئمة الأربعة أخذوا بها وإن كان ذلك تحت مسميات أخرى فالعبرة بالمعنى قبل المبنى.

فالإمام الشافعي عالجها تحت باب القياس وهذا في رأيي نظر ثاقب من الإمام الشافعي لأن المصلحة قياس معنى وإن لم تكن قياس لفظ كما سيبين إن شاء الله والإمام أبو حنيفة عالجها تحت باب الاستحسان والعرف3.. والمصلحة قريبة من الاستحسان..

وعلى ذلك يمكن أن نقول أن المصلحة كدليل شرعي مسلم بها من جمهور الفقهاء.

11-

ودليلهم في ذلك:

(1)

أن الشارع دلً عليها على سبيل الإشارة، حين بين لنا الأحكام وكشف

2 الرسالة للشافعي 515، عبد الوهاب خلاف –ص 83، 516، الاجتهاد في الرأي للمرحوم عبد الوهاب خلاف ص 83.. سلم الوصول إلى علم الأصول للشيخ عمر عبد الله ص 315- وراجع ذلك ابن حجر في فتح المبين لشرح الأربعين ص 94 ط، الزنجاني في تخريج الفروع على الأصول ص 169-171.

3 الغزالي في كتابه المنخول –مخطوط- ورقو 131-133 (تحت رقم 188 بدار الكتب المصرية) .

ص: 42

في بعضها عن المصالح التي تتحقق من ورائها.. فكأنه سبحانه. بذلك يدل على أن وراء كل حكمة مصلحة، وكأنه بذلك سبحانه يدلنا على أن نقيس على المصالح، فبعد أحكام الصيام نجد قول الله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .

وبعد أحكام الوضوء نجد قول الله {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُم} وعن الصلاة يقول سبحانه {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} .

وفي تحويل القبلة يقول سبحانه {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} . وفي القصاص قول الله سبحانه {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَاب} .

فماذا على الناس بعد ذلك أن يرعوا المصالح التي أرشد إليها رب الناس؟

(2)

إن المصالح تدور في فلك مقاصد الشارع التي استقرئت من أحكامه وهي:

الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

وبالنظرة الفاحصة فإن الأخذ بالمصلحة على هذا النحو يمثل لونا من القياس على النصوص ليس في عبارتها ومبناها ولكن في مقاصدها ومعناها1..

فهي ليست كما ظن البعض انفلاتا من النصوص أو خروجا عليها أو حكما بالرغبة والهوى والتشهي وإنما هي حكم بالنصوص بروحها ومقاصدها إلى جوار ألفاظها وعبارتها.

وهي بذلك تحقق شمولا واتساعا ومرونة هي سر من أسرار خلود هذه الشريعة.

(3)

سلك الصحابة سبيل الاجتهاد بناء على المصلحة، فجمع أبو بكر المصحف ودوًن عمر الدواوين وسك العملة، وعلى ضمن الصناع وقال ((لا يصلح الناس إلا ذاك)) .

والصحابة في ذلك لا يصدرون عن رأي مجرد أو هوى متبع، وإنما يصدرون عن القرآن الذي تلقوه، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي تعلموا على يديه، ومسلكهم في هذا السبيل نقتدي به ونقتفي أثره عملا بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".

ولقد وقع البعض في خطأ كبير إذ ظنوا أن الصحابة كانوا يعملون المصلحة ولو صادمت النصوص.

1 في هذا المعنى يقول الأستاذ أبو زهرة.. المصلحة من جنس المصالح التي أقرها الإسلام فهي رجوع إلى عموم المقاصد التي أخذت من النصوص (تاريخ المذاهب الفقهية –ج 2 ص 400) .

ص: 43