المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تأويل المعجزات والغيبيات: - المعجزات والغيبيات بين بصائر التنزيل ودياجير الإنكار والتأويل

[عبد الفتاح إبراهيم سلامة]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌تأويل المعجزات والغيبيات:

- ‌الإغارة على المعجزات والغيبيات:

- ‌صور من تأويلات منكري المعجزات:

- ‌تأويل حول غرقى الطوفان

- ‌ تأويل ناقة صالح عليه السلام بأنها رمز:

- ‌ تأويل الهدهد بأنه رجل وليس طائرا:

- ‌ تأويل النمل بأنهم قوم ضعاف:

- ‌ تأويل عقاب المسخ:

- ‌أقدم محاولة لتأويل المسخ:

- ‌ رأي الطبري:

- ‌ رأي الزمخشري:

- ‌ رأي الجاحظ:

- ‌ رأي الفخر الرازي:

- ‌ رأي ابن كثير

- ‌ رأي القاسمي

- ‌ رأي الشيخ رشيد رضا:

- ‌ رأي الشيخ عبد الجليل عيسى

- ‌ تفسير الوجه بمعناه الجسماني وهو وجه البدن:

- ‌ تأويل طمس الوجوه بردها عن الحق:

- ‌ تأويل الوجوه بالديار والمساكن:

- ‌ تأويل طمس الوجوه بإبطال المؤامرات:

- ‌ تأويل الوجوه بالرؤساء والوجهاء:

- ‌تأويلات شتى حول " مادة الحواريين

- ‌ رأي ابن جرير الطبري:

- ‌ محتويات المائدة:

- ‌ المائدة في رواية (إنجيل متى)

- ‌ تأويل صاحب قصص الأنبياء لنزول المائدة:

- ‌ المآخذ على تأويله:

- ‌نسج الخيال حول المائدة

- ‌ تعقيب:

- ‌ اختلافات المفسرين حول قوله تعالى: {هَل يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ}

- ‌ اختيارنا في المسألة:

- ‌ رأي القاسمي:

- ‌ تأويل الفلاسفة لكيفية الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌ تأويل الفجر بتفجر الماء:

- ‌ تأويل (الأوتاد) بالأهرامات:

- ‌ الدابة التي تكلم الناس والتأويلات المتهافتة:

- ‌ خروج الدابة وظهور الأرواح:

- ‌ خروج الدابة وأبطولة (الرجعة) :

- ‌ رد الطبرسي على متأولي الرجعة من الشيعة:

- ‌ زعم الشيعة أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى عليا رضي الله عنه (دابة الأرض) :

- ‌ رأي شيعي معاصر:

- ‌تسرب الراوية الشيعية حول الدابة إلى بعض التفاسير السنية:

- ‌ الدابة وعصا موسى عليه السلام:

- ‌ الدابة بين الكَلم والكلام:

- ‌تأويل الدابة بدودة القطن

- ‌ تأويل الدابة بالمذياع:

- ‌ تأويل الدابة بسفينة الفضاء:

- ‌ الدابة والإسرائيليات:

- ‌ تصورات متوهمة في شأن الدابة:

- ‌ هل الدابة داعية يبعث ليقيم الحجة على الكافرين:

- ‌تنفيذ القرطبي لهذا التأويل

- ‌الرأي الذي نرتضيه حول الدابة:

- ‌ تأويلات حول أخبار جهنم:

- ‌هل تتكلم جهنم:

- ‌كيفية دعاء النار للكافرين:

- ‌دفاع الشيخ المغربي عن المجاز في تفسير الآية:

- ‌تعقيب على دعاوى الشيخ المغربي:

- ‌هل ترى النار أصحابها حقيقة

- ‌رد ابن المنير على الزمخشري:

- ‌كيفية اطلاع النار على الأفئدة:

الفصل: ‌تأويل المعجزات والغيبيات:

القبلة) انصرفت هذه الصفحات إلى نقاشه، نقاشا يعتمد على أمانة النقل عنه، وينهض على بيان الحجة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة.

والمحظور عند كاتب هذه السطور هو القول على الله بغير علم، والاحتكام إلى أقوال الرجال، والمحذور هو المسارعة إلى تكفير الناس بغير سلطان، أو تفسيقهم بغير برهان، والحكم الفصل في الأمور كلها لله وحده، ومن الرسول عليه الصلاة والسلام البلاغ والبيان، وعلينا حسن الاستماع، وتمام الانقياد لله، والاتباع لرسوله.

وأما تزكية العباد فإلى الله وحده، ونعوذ بالله أن نكون ممن قال عنهم:{أَلمْ تَرَ إِلى الذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} (49: النساء) .

نسأل الله أن يجعلنا ممن يشاء، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا.

ولنبدأ سويا السير على دروب الدرس المستأني، سائلين الله أن يجنبنا عثرة الرأي، وسوء القصد، إنه على ما يشاء قدير.

ص: 162

‌تأويل المعجزات والغيبيات:

قبل أن نتحدث عن وقائع التأويل في هذه القضية، نبدأ فنعرف بما تدل عليه ألفاظها:

فالغيب لغة: كما قال ابن فارس1: "الغين والياء والباء: أصل صحيح يدل على تستر الشيء عن العيون، ثم يقاس؛ من ذلك الغيب: ما غاب مما لا يعلمه إلا الله، ويقال: غابت الشمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا، وغاب الرجل عن بلده، وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها، ووقعنا في غيبة وغيابة، أي هبطة من الأرض يغاب فيها، قال الله تعالى على لسان قائل من إخوة يوسف في قصة يوسف عليه السلام:{وَأَلقُوهُ فِي غَيَابَتِ الجُبّ..} (10: يوسف)، والغابة: الأجمة، والجمع: غابات وغاب، وسميت غابة لأنه يغاب فيها، والغيبة: الوقيعة في الناس من هذا؛ لأنها لا تقال إلا في غيبة.

1 انظر معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس ج 4 ص 403 ببعض تصرف.

ص: 162

والغيب شرعا: هو ما سوى الشهادة، والخلق كله منقسم إلى عالمين، عالم غيبي مستور، وعالم مشهود محس.

والغيب منه ما هو مطلق، ومنه ما هو نسبي، ومنه ما مضى، ومنه ما لم يقع بعد، ولكنه سيقع في الدنيا، ومنه ما هو من أمر الآخرة، ولهذا وصف الله جل ذكره نفسه بأنه {عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ} (9: الرعد) ؛ فالإيمان بالله: إيمان بالغيب، والإيمان بالملائكة بالنسبة لعامة الناس: إيمان بالغيب، وبالنسبة للأنبياء والمرسلين الذين شاهدوا جبريل عليه السلام، وشاهدوا غيره من الملائكة، إيمان بالشهادة، ويقاس على الأنبياء في هذا من ورد به النص: كمريم عليها السلام، حين رأت جبريل، وتمثل لها بشرا سويا، والإيمان بالمعجزات بالنسبة لمن شاهدوها: إيمان بشيء شاهدوه، وبالنسبة لغيرهم: إيمان بالغيب، والإيمان بالجن، والجنة، والنار، والميزان، والحور العين، والولدان المخلدين، وبالخَزَنة، والزبانية، وحملة العرش، وأنواع النعيم الأخروي، وصنوف العذاب في جهنم؛ كل هذا من الإيمان بالغيب.

وأخبار الرسل مع أقوامهم هي لمن بعدهم من أحاديث الغيب، كما قال جل ذكره خطابا للنبي صلى الله عيه وسلم بعد ما قص عليه من أنباء نوح عليه السلام:{تِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِليْكَ مَا كُنْتَ تَعْلمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ} (49: هود)، وبعد ما قص عليه ربنا سبحانه من أنباء الكليم عليه السلام قال له:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (44: القصص)، وبعد ما قص عليه من أنباء الطاهرة مريم عليها السلام قال له:{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِليْكَ وَمَا كُنْتَ لدَيْهِمْ إِذْ يُلقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} (44: آل عمران) ، فكل هذه الأحداث سماها القرآن غيبا؛ إذ هي كذلك بعد انقضاء الأعوام علة وقوعهان وزوال الأعيان.

والمعجزات لغة: مشتقة من الإعجاز تقول: أعجزت فلانا وعجَّزته وعاجزته إعجازا، أي: جعلته عاجزا، والإعجاز: الفوت والسبق.

ص: 163

وعرفت اصطلاحا بأنها1: بأنها أمر خارق للعادة يؤيد الله بها أنبياءه لإظهار صدقهم، وتكون كما لو قال تعالى:"صدق عبدي فيما بلغ عني"، ولا يشترط أن تكون استجابة لتحدي المعاندين.

وقد وردت مشتقات للكلمة في القرآن الكريم، نذكر منها بعض ما يقارب وجهتنا.

فمن ذلك قوله تعالى على لسان الجن: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الأَرْضِ وَلنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً} (12: الجن)، والمعنى: أن مؤمني الجن استيقنوا أنهم لا يستطيعون الإفلات من قدرة الله وحسابه.

ومنها قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} (44: فاطر) .

ومنها قوله عز من قائل: {وَلا يَحْسَبَنَّ الذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ} (59: الأنفال) .

وقوله سبحانه: {وَالذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحَابُ الجَحِيمِ} (51: الحج) .

وقوله: {وَالذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولئِكَ فِي العَذَابِ مُحْضَرُونَ} (38: سبأ) .

وقوله سبحانه وتعالى خطابا للمشركين متوعدا لهم: {وَإِنْ تَوَليْتُمْ فَاعْلمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3: التوبة) .

فهذه الآيات يتضافر معناها لبيان حقيقة القدرة الإلهية، وعجز المحاولات البشرية.

وأما لفظة (المعجزة) بمعنى الأمر الخارق للعادة: فلم ترد في كتاب الله، وإنما وردت لفظة (الآية) أو (الآيات) لتدل على هذا المعنى، كما في قوله جل ذكره: {سَل بَنِي

1 قارن وجوه الاشتباه والافتراق بين هذا التعريف وبين ما أورده علي بن محمد الجرجاني في التعريفات ص 195 ط: الحلبي القاهرة.

ص: 164