الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشبه بمن يدب على الأرض من الإنسان في تعقله وعمله، وبما يجري فوقها من الدواب في حركاتها وأعمالها الأخرى، فهذا يشير له معنى قوله تعالى:{أَخْرَجْنَا لهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ} ، وهذه الدابة تبين للناس حقائق، وتدرس لهم حكمة وتريهم أنهم غافلون جاهلون ضالون، فيجلس أمامها أكبر الضالين، وأعظم الفاسقين وأشد الغافلين، ومن يدعي أنه ملك مقاليد العلم، وبرع في الحكمة الهادية، فيخر ساجدا لربه، خاضعا لخالقه، موقنا أن روحه ستبقى بعد موته، فهذا معنى تكلمهم.. الخ، وقرأ ابن مسعود:(تكلمهم بأن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) ، وهذا هو الحاصل الآن بعينه، وهذه معجزة القرآن، وحكمة ثابتة للفرقان، فإن الآلاف المؤلفة من البشر اليوم في أنحاء العالم يوقنون إذا تحققوا مذهب الأرواح، وليس الإيمان بكاف، بل اليقين هو أكمل الإيمان، فتعجب من الآية، وانظر كيف كان هذا مظهرها، وهي مسألة ظهور الأرواح والقرآن يشير إليها.." ا?
ولما أحسّ الشيخ أنه أبعد النجعة عن الحقيقة، وسلك التعسف سبيلا إلى فهم الآية، عاد يقول:"إني لم أقل إن هذا هو المعنى، ولكن أقول: إنه رمز له1 وإشارة، فالآية باقية على ظاهر معناها ترمز إلى ما ذكرنا، فالدابة باقية على المعنى الأصلي، نكل علمها إلى الله تعالى2، وتكون رمزا لهذا، فهذا قسم من أقسام الكناية في علم البيان3، فاللفظ على حاله يشير لما اقترب منه كما وضحه الإمام الغزالي في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة"؛ فقد جعلهما على حالهما، ورمز بهما إلى الشهوة والغضب4، فافهم فإذا فهمت هذا قطعت جهيزة قول كل خطيب، وقطع لسان كل معترض بعدك، فقد سدت في وجهه أبواب الجدال {وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَال} "ا?.
2-
أ-
خروج الدابة وأبطولة (الرجعة) :
الرجعة من العقائد الأصيلة للشيعة كما هو معروف، ولقد كانت آية الدابة من بين الآيات التي يتخذون منها مستندا يدعمون به معتقدهم في الرجعة، وفي هذا المعنى قال
1 سلك الشيخ في تفسيره هذا المسلك الرمزي، ولقد كانت (الرمزية) سلاحا من أخبث أسلحة (الباطنية) لحرب الإسلام وتعطيل أحكامه، والعبث بشرائعه، ولقد استعملت هذا السلاح الغادر (ربائب) الباطنية من الفرق الزائفة كالبهائية والقاديانية.
2 أن نكل علم الغيب إلى الله: قاعدة جليلة ليت الشيخ اتبعها ووقف عندها.
3 هذا لا يسلم له، فمن الذي قال إن الدابة يكنى بها عن الأرواح.
4 لست أدري كيف تدل كلمة (الكلب والصورة) على الشهوة والغضب، وإذا كان هناك من صريح نصوص القرآن والسنة المطهرة ما ينهيان عن رذيلتي الشهوة والغضب، فلماذا هذا الشطط في التأويلات، وعجيب أن يقول بهذه التأويلات من كتب (فضائح الباطنية) ليكشف عوارها، ويهتك أسرارها..ولكن هل قطعت حبال الود بين الباطنية والتصوف؟.
الطبرسي1 المفسر الشيعي في قوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ} تخرج من بين الصفا والمروة فتخبر المؤمن بأنه مؤمن، والكافر بأنه كافر، وعند ذلك يرتفع التكليف، ولا تقبل التوبة وهو - يعني خروجها- علم2 من أعلام الساعة، وقيل لا يبقى مؤمن إلا مسحته، ولا يبقى منافق إلا حطمته، تخرج ليلة جمع3 والناس يسيرون إلى منى..
ثم روى الطبرسي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: "سئل عليٌّ - صلوات الرحمن عليه - عن الدابة فقال: (أما والله ما لها ذنب، وأن لها لحية".
ثم قال الطبرسي: "وفي هذا إشارة إلى أنها من الإنس".
ثم ذكر أن ابن عباس وحذيفة يقولان: "إنها من دواب الأرض".
ثم قال الطبرسي: وروي عن وهب أنه قال: وجهها وجه رجل، وسائر خلقها خلق الطير.
ثم عقب الطبرسي على هذه الرواية قائلا: "ومثل هذا لا يعرف إلا من النبوة الإلهية، وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال: "إنه صاحب العصا والميسم"4، وروى علي بن إبراهيم بن هاشم5 في تفسيره عن أبي عبد الله6 عليه السلام قال: قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان: "آية في كتاب الله أفسدت قلبي"7 قال عمار: وأية آية هي؟ فذكر له الرجل الآية، وسأله عن دابة الأرض؟ فقال عمار: والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين، وهو يأكل تمرا وزبدا، فقال: يا أبا اليقظان هلم، فجلس عمار يأكل معه، فتعجب الرجل منه، فلما قام عمار، قال الرجل: سبحان الله!! حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب حتى ترينها، قال عمار: أريتكها إن كنت تعقل، وروى العياشي هذه القصة بعينها عن أبي ذر رحمه الله.
ثم ذكر الطبرسي الآية التالية لآية الدابة وهي قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} (83: النمل)، ثم قال الطبرسي8: "واستدل بهذه الآية على صحة الرجعة، من ذهب إلى ذلك من الإمامية، بأن قال: إن دخول (من) في الكلام يوجب التبعيض، فدل على أن اليوم المشار إليه في الآية
1 هو أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي انظر تفسيره (مجمع البيان في تفسير القرآن) ج 20 ص 248، 251 ط مكتبة الحياة بيروت 1380?.
2 بفتح العين واللام أي العلامة.
3 هي ليلة النحر سميت بذلك لاجتماع الحجيج فيها بعد الإفاضة من عرفات، ويوم جمع هو يوم عرفة.
4 إشارة إلى ما ورد في بعض الروايات من أن الدابة تحمل عصا وميسما، انظر ابن كثير ج 3 ص 375، 376.
5 مفسر شيعي معروف بالغلو والتطرف.
6 يعني الحسين عليه السلام.
7 تنزه كتاب الله عن ذلك.
8 انظر تفسيره ج 20 ص 251.