المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فوائدمن كتاب المناقلة بالأوقاف - المنتقى من فرائد الفوائد

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌فوائدمن كتاب المناقلة بالأوقاف

وما لم يأكلها، ولا بأس بأكل الهدهد والخطاف.

24-

قال النخعي: أكل الطير حلال إلا الخفاش، وسئل أحمد عن الخطاف؟ فقال: لا أدري.

25-

26- الببغاء والطاووس فيهما وجهان للشافعية، أصحهما التحريم.

27-

28- وفي العندليب والحمرة لهم وجهان أيضاً، والصحيح إباحتهما.

29-

حشرات الطير، كالنحل، والزنابير حرام عند أكثر العلماء.

30-

الجلالة، فمذهب مالك جواز أكل لحمها، أما لبنها وبولها: فنجسان عنده

يطهران إذا حبست عن أكل النجس مدة يغلب على الظن عدم بقاء شيء في جوفها منه، ومذهب الشافعية: ان لحمها ولبنها مكروه كراهة تنزيه، وقيل: تحريم، ورخص الحسن في لحومها وألبانها.

31-

الزروع والثمار التي سقيت بالنجاسة أو سمدت، أكثر العلماء على أنها طاهرة،

وأن ذلك لا ينجسها، وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما، ونقل عن أبي حنيفة.

‌فوائد

من كتاب المناقلة بالأوقاف

الفائدة الأولى (ص11) : أما لو شرط حالة وقفه أن له بيعه متى شاء، فقد نص أحمد على بطلان هذا الشرط، وهو قول الشافعي وغيره، وذهب أبو يوسف إلى صحة هذا الشرط، وأن له بيعه ونقض الوقف، وممن حكاه عنه الإمام أحمد، وهو قول إسحاق بن راهويه، وهو مذهب الشيعة.

الفائدة الثانية: (ص20) : وفي مذهبه- أي أحمد- قول آخر: أنه لا زكاة في عين الوقف لقصور ملكه، اختاره القاضي في ((المجرد)) وابن عقيل؛ وهو قول أكثر أصحاب الشافعي.

ص: 194

الفائدة الثالثة: (ص21) : وقد قال أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد: يجوز الوقف في كل شيء.

الفائدة الرابعة: (ص26) : قال- أي: أحمد -في رواية أبي داود، في رجل بنى مسجداً، فجاء رجل فأراد أن يهدمه ويبنيه بناء أجود من ذلك، فأبى عليه الأول، وأحب الجيران أن يتركه يهدمه، فقال: لو تركه وصار إلى رضى الجيران، لم يكن به بأس.

فائدة

عن ابن أبي واقد، عن أبيه- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع: ((هذه ثم ظهور الحصر)) ؛ رواه أبو داود (1) وفي رواية للطبراني، وأبي يعلى، عن أم سلمة بلفظ:((هي هذه الحجة، ثم الجلوس على ظهور الحصر في البيوت)) قال في ((الترغيب)) (ص213ج2) : رواته ثقات.

والحصر: جمع حصير، قال في ((النهاية)) بضم الصاد، وتسكن تخفيفاً، قال في ((الفتح)) (ص74ج4) : وإسناد حديث أبي واقد صحيح، وذكر قبل ذلك أن نساءه صلى الله عليه وسلم، كن يحججن إلا سودة وزينب، وذكر اعتذاراً لهن بأنهن يتاولن ذلك على أن المراد لا يجب عليهن غير تلك الحجة، وكأن عمر رضي الله عنه كان متوقفاً في جواز الحج لهن؛ ثم ظهر له الجواز.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: منعنا عمر الحج والعمرة حتى إذا كان آخر عام، فأذن لنا (2) . اهـ.

(1) رواه أبو داود في المناسك (1722) وأحمد في مسند الأنصار (21398)

(2)

ذكر ابن حجر أن ابن سعد رواه من طريق أم درة.

ص: 195

فائدة

ولي خالة وأنا خالها ولي عمة وأنا عمها

فأما التي أنا عمها فإن أبي أمه أمها

أبوها أخي وأخوها أبي ولي خالة هكذا حكمها

صورة الأولى: أن أخاه من أمه تزوج أم أبيه، فأتت ببنت.

وصورة الثانية: أن أخته من أبيه تزوجها أبو أمه، فأتت ببنت.

فائدة

المستحاضات في عهده صلى الله عليه وسلم نحو من عشر:

فاطمة بنت أبي حبيش؛ حديثها في الصحيحين وغيرهما.

حمنة بنت جحش؛ حديثها رواه أحمد، والترمذي وقال: حسن صحيح، وحسنه البخاري، وصححه آخرون.

أم حبيبة بنت جحش؛ حديثها في الصحيحين وغيرهما.

زينب بنت جحش حديثها رواه النسائي، قال في ((نيل الأوطار)) : رواته ثقات. اهـ.

وعليه: فتكون بنات جحش الثلاث كلهن مستحاضات؛ فحمنة زوجها طلحة، وأم حبيبة زوجها عبد الرحمن بن عوف، وزينب زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ((صحيح البخاري)) : أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وهي مستحاضة (1)، وروى سعيد بن منصور بهذه الطريق: أنها أم سلمة.

سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها العلاء بن المسيب، قال

(1) رواه البخاري في الحيض (311)

ص: 196

في ((الفتح)) : قلت وهو حديث ذكره أبو داود من هذا الوجه تعليقاً، وذكر البيهقي أن ابن خزيمة أخرجه موصولَا.

أسماء بنت عميس، حكاه الدارقطني من رواية سهل بن أبي صالح، عن الزهري، عن عروة، عنها.

سهلة بنت سهيل، ذكرها أبو داود.

أسماء بنت مرثد، ذكرها البيهقي وغيره.

بادية بنت غيلان، ذكرها ابن مندة. ملخصاً من ((فتح الباري)) (ص412ج1) .

فائدة

إذا انقطع مصرف الوقف مثل أن يقول: هذا وقف على زيد، ويسكت، فيموت الموقوف عليه، فلمن يعود الوقف؟ في هذا روايات عن الإمام أحمد:

إحداها: يعود إلي ورثة الموقوف عليه، قال ابن رجب- رحمه الله في ((الفائدة التاسعة)) من الفوائد التي في آخر ((القواعد)) (ص395) : وهذا هو المنصوص عن أحمد في رواية حرب وغيره، وظاهر كلامه: أنه يعود إليهم إرثاً لا وقفاً، وبه جزم الخلال في ((الجامع)) ، وابن أبي موسى، وهذا منزل على كونه ملكاً للموقوف عليه؛ كما صرح به أبو الخطاب وغيره.

الرواية الثانية عن أحمد: أنه يعود إلي ورثة الواقف حين الانقراض نسباً، وعلى هذه الرواية: فهل يختص بالعصبة أو يشمل ذوى الفروض أيضاً؟ وهل يكون ملكاً لهم أو قفاً عليهم؟:

فالمشهور عند المتأخرين: أنه لا يختص بالعصبة؛ بل يشمل ذوى الفروض أيضاً، ويكون وقفاً عليهم بقدر إرثهم.

وقيل: الذكر والأنثى سواء، وظاهر كلام الحارثي: الميل إلى ذلك،

ص: 197

قال في ((الإنصاف)) : وما هو ببعيد.

وعنه: يكون ملكاً لا وقفاً.

وقيل: إن عاد إلى العصبة فهو وقف، وإن عاد إلى الورثة فهو ملك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا أصح، وأشبه بكلام أحمد.

وعن الإمام أحمد رواية: أنه يعود إلى العصبة فقط: إما ملكا، أو قفاً على الخلاف المذكور في رجوعه إلى الورثة عموماً، وعلى هذه الرواية- وهي رواية رجوعه إلى ورثة الواقف على ما تقدم من الخلاف-فهل يختص بالفقراء منهم أو حتى الأغنياء؟ على وجهين.

الرواية الثالثة عن أحمد: أن المنقطع يصرف في المصالح العامة.

الرواية الرابعة: أنه يصرف لفقراء المسلمين.

وعلى هاتين الروايتين: فهو وقف بكل حال.

الرواية الخامسة: أنه يرجع إلى واقفه الحي.

وبهذا تبين أن الوقف إذا انقطع، ففيه أقوال:

الأول: أنه يرجع إلى ورثة الموقوف عليه، وهو المنصوص عن أحمد، وظاهر كلامه، أنه يعود إليهم إرثاً لا وقفاً.

الثاني: يرجع إلى ورثة الواقف نسباً؛ وقفاً عليهم بقدر إرثهم، وهذا هو المذهب عند المتأخرين، ومتى كان الواقف حياً، رجع إليه.

الثالث: يرجع إلى هؤلاء ملكاً لا وقفاً.

الرابع: يرجع إلى هؤلاء وقفاً بالسوية لا بقدر الإرث.

الخامس: يرجع إلى عصبة الواقف وقفاً عليهم.

السادس: يرجع إليهم ملكاً.

السابع: يرجع إلى الورثة أو العصبة مختصاً بالفقراء منهم، قلت: وعلى هذا القول: فالظاهر أنه يرجع وقفاً بكل حال، إذ لا وجه لاختصاصه

ص: 198

بالفقراء وهو ملك.

الثامن: يصرف لفقراء المسلمين.

التاسع: يصرف في المصالح العامة.

وعلى هذين القولين: فهو وقف بكل حال.

فائدة

قال في ((المنتهي)) وشرحه في آخر باب السلم: وما قبضه أحد الشريكين من دين مشترك بإرث، أو إتلاف، أو عقد، أو ضريبة سبب استحقاقها واحد، فشريكه مخير بين أخذ من غريم أو قابض ما لم يستأذنه، فإن أذن له في القبض من غير توكيل في نصيبه، فقبضه لنفسه، لم يحاصصه، أو يتلف مقبوض فيتعين غريم والتالف من حصة القابض.

وقال في ((الإقناع)) وشرحه في أثناء شركة العنان: وإن تقاسما الدين في الذمة، بأن كان لهما على زيد مائة، فقال: أنا آخذ خمسين وأنت تأخذ خمسين، لم يصح، أو تقاسها الدين في الذمم، بأن كان لهما ديون على جماعة، ورضي كل ببعضهم، لم يصح، فلو تقاسما وضاع البعض، وقبض البعض مما قبض لهما وما ضاع، فعليهما. اهـ.

فائدة

وجدت في مجلة حديثة ما نصه: ونتج عن تلك الأبحاث: أن الصواعق تنبعث من سحب قد حملت بشحنة كهربائية سالبة، وأن جهدها الكهربي يتزايد من عشرة إلى مائة مليون فولت، وذلك في وقت لا يتجاوز جزءاً من الثانية، فسبحان الله القوي العزيز.

فائدة

رفع عقيرته، أي: رفع صوته ببكاء أو غناء.

واصله: أن رجلاً انعقرت رجله، فرفعها على الأخرى، وجعل

ص: 199

يصيح، فصار كل من رفع صوته، قيل: رفع عقيرته وإن لم يرفع رجله. قال ثعلب: وهذا من الأسماء التي استعملت على غير أصلها أهـ. ((فتح الباري)) (ص263ج7) .

فائدة

إجلاء اليهود من خيبر

ذكر في ((الكامل)) في حوادث سنة عشرين: أن عمر- رضي الله عنه أجلاهم في تلك السنة، وقسم خيبر بين المسلمين، ثم ذكر بعد أن مظهر بن رافع الأنصاري قدم من الشام ومعه من علوجها، فلما كان بخيبر، أمرهم قوم من اليهود، فقتلوه؛ فأجلاهم عمر؛ ذكر ذلك (ص398ج2) .

فظاهر: أن سبب إجلائهم أمرهم العلوج بقتل مظهر.

وفي ((صحيح البخاري)) أن عمر- رضي الله عنه أجلاهم إلى تيماء وأريحاء (1)، قال في ((الفتح)) : موضعان مشهوران بقرب بلاد طيئ على البحر في أول طريق الشام من المدينة؛ ذكره ((ص52ج5) .

وفي ((كتاب الشروط)) ((باب: إذا اشترط في المزارعة: إذا شئت أخرجتك)) من ((صحيح البخاري)) : أن أهل خيبر فدعوا عبد الله بن عمر، فخطب عمر- رضي الله عنه فقال:((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: ((لا نقركم ما أقركم الله تعالى)) ، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتها، وقد رأيت إجلاءهم

الحديث؛ وفيه: ((فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلا وعروضاً من أقتاب، وحبال، وغير ذلك (2) .

(1) رواه البخاري في المزارعة (2338)

(2)

رواه البخاري في الشروط (2730)

ص: 200

قال في ((الفتح)) : وهذا لا يقتضى حصر السبب في إجلاء عمر إياهم، وقد وقع لي فيه سببان آخران:

أحدهما: ما رواه الزهرى، عن عبيد بن عبد الله بن عتبة، قال: ما زال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: ((لا يجتمع في جزيرة العرب دينان)) فقال: من كان له من أهل الكتابيين عهد، فليأت به أنفذه له، وإلا فإني مجليكم؛ فأجلاهم. أخرجه ابن أبي شيبه وغيره.

ثانيهما: رواه عمر بن شيبه في ((أخبار المدينة)) من طريق عثمان بن محمد الأخنسي، قال: لما كثر العيال- أي: الخدم- في أيدي المسلمين، وقووا على العمل في الأرض، أجلاهم عمر:

وبهذا تبين في إجلاء عمر لليهود ما يأتي:

إن إجلاءهم كان في سنة عشرين من الهجرة.

إن إجلاءهم كان إلى أريحا وتيماء.

أن أسباب إجلائهم أربعة:

الأول: تحريضهم العلوج على قتل مظهر بن رافع.

الثاني: فدعهم ابن عمر.

الثالث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يجتمع في جزيرة العرب دينان)) .

الرابع: استغناء المسلمين عنهم.

فائدة

((واعجباً)) قال في ((الفتح)) (ص491ج7) : بالتنوين، اسم فعل بمعنى: أعجب و (وا) مثل واهاً، وعجباً للتوكيد، وبغير التنوين بمعنى: واعجبي؛ فأبدلت الكسرة فتحة؛ كقوله: يا أسفي.

فائدة

قاتل عمر: هو أبو لؤلوة النصراني غلام المغيرة بن شعبة.

ص: 201

وقاتل عثمان: سودان بن حمران الغافقي، وقيل: كنانة بن بشر التجيبي.

وقاتل علي: عبد الرحمن بن ملجم المرادي.

فائدة

اختلف العلماء- رحمهم الله تعالى - في التيمم، هل يرفع الحدث أو يبيح ما لا يحل فعله مع الحدث؟ على قولين:

فالمشهور من المذهب: أنه مبيح.

وعن أحمد رحمه الله رواية: رافع رفعاً مؤقتا إلى حين القدرة على استعمال الماء.

وقال ابو الخطاب في ((الانتصار)) يرفعه رفعاً مؤقتاً بالوقت على رواية.

وفي ((الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص352مج21) : وقد تنازع العلماء في التيمم: هل يرفع الحدث رفعاً مؤقتاً إلى حين القدرة على استعمال الماء أم الحدث قائم ولكن تصح الصلاة مع وجود الحدث المانع؟ وهذه مسألة نظرية.

ثم قال في (ص355) : قول القائل: ((يرفع الحدث أو لا يرفعه)) : ليس تحته نزاع عملي، وإنما هو نزاع اعتباري لفظي، وذلك أن:

الذين قالوا: ((يرفع الحدث)) ، لو رفعه، لم يعد بعد إذا قدر على استعمال الماء، وقد ثبت بالنص والإجماع: أنه يبطل بالقدرة على استعمال الماء.

والذين قالوا: ((يرفع الحدث)) ، قالوا: إنما قالوا: برفعه رفعاً مؤقتاً إلي حين القدرة على استعمال الماء، فلم يتنازعوا في حكم عملي شرعي.

وفي (ص359) : فصاحب هذا القول، إنما قال: برفع الحدث رفعاً

ص: 202

مؤقتاً إلي أن يقدر على استعمال الماء، ثم يعود، وهذا ممكن وليس بممتنع، والشرع قد دل عليه؛ فجعل التراب طهوراً، وإنما يكون طهوراً، إذا زال الحدث، وإلا فمع بقاء الحدث لا يكون طهوراً..

إلى أن قال: من قال: ((هو رافع للحدث)) : إن أراد بذلك أنه يرفعه كما يرفعه الماء، فلا يعود إلا بوجود سبب آخر، كان غالطاً؛ فإنه قد ثبت بالنص والإجماع: أنه إذا قدر على استعمال الماء، استعمله، وإن لم يتجدد بعد الجنابة الأولى جنابة ثانية. اهـ. كلام الشيخ رحمه الله وهو صريح بأن التيمم لا يرفع الحدث رفعاً كاملاً مطلقاً بالنص والإجماع.

فائدة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ص442مج6) من ((مجموع الفتاوى الكبير)) : من الذي يقول ما من عموم إلا وقد خص إلا قوله: (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: 92) ؛ فإن هذا الكلام- وإن كان يطلقه بعض السادات المتفقهة، وقد يوجد في كلام بعض المتكلمين في أصول الفقة- فإنه من أكذب الكلام وأفسده، والظن بمن قاله أنه إنما عنى أن العموم من لفظ ((كُلِّ شَيْءٍ) مخصوص إلا في مواضع قليلة، وإلا فأي عاقل يدعي هذا في جميع صيغ العموم في الكتاب، والسنة، وسائر كتب الله، وكلام أنبيائه، وسائر كلام الأمم عربهم وعجمهم، وأنت إذا قرأت القرآن الكريم من أوله إلى آخره، وجدت غالب عموماته محفوظة لا مخصوصة. ثم ذكر أمثله في الفاتحة والبقرة وغيرهما.

ثم قال: فالذي يقول بعد هذا: ((ما من عموم إلا وقد خص إلا كذا وكذا)) : إما في غاية الجهل، وإما في غاية التقصير في العبارة. اهـ.

فائدة

ثبوت دخول شهر رمضان، فيه:

ص: 203

حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((جاء أعرابي فقال: إني رأيت

الهلال

إلى قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال، أذن في الناس، فليصوموا)) ؛ أخرجه الأربعة، وابن خزيمة، وابن حبان في ((صحيحيهما)) والحاكم في ((المستدرك)) (1)، وقال: على شرط مسلم، وقال الترمذي: أكثر أصحاب سماك يروونه عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، أي: بدون ذكر ابن عباس، قال النسائي: وهذا أولى بالصواب؛ لأن سماكاً كان يلقن فيتلقن.

2-

حديث ابن عمر- رضي الله عنهما: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه)) ؛ رواه أبو داود، والحاكم في ((مستدركه)) وقال: على شرط مسلم، ورواه ابن حبان بسند أبي داود، ورواه أيضاً الدارقطني في ((سننه)) ، وابن حبان، والبيهقي، وصححه ابن حزم (2) .

3-

حديث طاووس: أنه جاء رجل إلي والي المدينة، فشهد على رؤية هلال رمضان،

فسأل ابن عمر، وابن عباس، فأمراه أن يجيز شهادته، وقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين، أخرجه الدارقطني. وقال: تفرد به حفص ابن عمر الأبلي، وهو ضعيف، قال صاحب ((التنقيح)) : هو ضعيف باتفاقهم، ولم يخرج له أحد من أصحاب السنن.

هذه هي الأحاديث المعروفة في ثبوت دخول رمضان، وقد أخذ بها

(1) رواه أبو داود في الصوم (2340) ، والترمذي في الصوم (691) والنسائي في الصيام (2112) وابن ماجه في الصيام (1652) والدارمي في الصوم (1692) .

(2)

رواه أبو داود في الصوم (2342) والدارمي في الصوم (1691)

ص: 204

أحمد في المشهور عنه، والشافعي في الصحيح عنه، وهو قول عمر وعلى.

والرواية الثانية عن أحمد: لا يقبل إلا عدلان، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال مالك، والليث، والثوري، والأوزراعي، وقال به عثمان بن عفان.

وقال أبو حنيفة: إن كان غيماً فواحد، وإن كان صحواً فلابد من الاستفاضة.

وأما ثبوت خروجه، ففيه:

حديث ربعي بن حراش، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

((اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان، فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله لأهلا الهلال أمس عشية، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا)) رواه أحمد، وأبو داود، وزاد في رواية:((وأن يغدوا إلى مصلاهم)) (1) ؛ قال في ((نيل الأوطار)) : رجاله رجال الصحيح.

حديث أنس بن مالك، عن عمومة له: ((أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه

وسلم فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وإذا اصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم)) ؛ أخرجه أحمد، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، وصححه ابن المنذر، وابن السكن، وابن حزم. (2)

حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: أنه خطب في اليوم الذي شك فيه، فقال:

ألا أني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألتهم وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها؛ فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، فإن شهد شاهدان مسلمان، فصوموا

(1) رواه أبو داود في الصوم (2339) وأحمد في أول مسند الكوفيين (18345)

(2)

رواه أبو داود في الصلاة (1157) ، والنسائى في صلاة العيدين (1557) ، وابن ماجه في الصيام (1653) ، وأحمد في أول مسند البصريين (20056)

ص: 205

وأفطروا)) ؛ رواه أحمد، ورواه النسائي، ولم يقل: مسلمان.

فائدة

من ((اقتضاء الصراط المستقيم)) ، (ص434) : والأقصى اسم للمسجد كله، ولا يسمى هو ولا غيره حرماً، وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصةً، وفي وادي وج الذي بالطائف نزاع بين العلماء.

فائدة المدفون الذي لفظته الأرض

وفي ((صحيح البخاري)) (ص624ج6) من ((فتح الباري)) الطبعة الأخيرة في

((باب علامات النبوة في الإسلام)) ، عن أنس بن مالك قال: كان رجل نصرانياً فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا، فألقوه؛ فحفروا له فأعمقوا، فأصبح وقد وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه، فحفروا لهم وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه، وفي رواية ثابت:((فتركوه منبوذاً (1) ، وكان هذا الرجل من بني النجار.

وذكر ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا)(النساء: 94) : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث محلم بن جثامة في بعث، فلقيه عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكان بينهم إحنة في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله

الحديث، وفيه: أن

(1) رواه البخاري في المناقب (3617) ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم (2781) .

ص: 206

محلم بن جثامة، ما مضت له سابعة حتى مات ودفنوه، فلفظته الأرض، فجاءوا إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك، فقال:((إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم، ولكن الله أراد أن يعظكم)) ، ثم طرحوه بين صدفي جبل، وألقوا عليه الحجارة.

وفي ((ابن جرير)) (ص79ج9) على تفسير هذه الآية مرسلاً، عن قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقبروه، فلفظته الأرض ثلاث مرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الأرض أبت أن تقبله؛ فألقوه في غار من الغيران)) .

فائدة

إذا تداعى اثنان عيناً، فلا يخلو من أربع حالات:

الأولى: أن لا تكون بيد أحد، فإن كان لأحدهما بينة، فهي له ببينته.

وإن لم تكن بينة، وكان لأحدهما ظاهر يرجح قوله، فهي له بيمينه، مثل: أن يتنازعا عرصةً بينهما فيها بناء أو شجر لأحدهما، فهي له بيمينه، أو جداراً، معقوداً ببناء أحدهما أو متصلاً به اتصالاً لا يمكن إحداثه عادة، فهو له بيمينه.

وإن لم تكن بينة، ولا ظاهر يرجح قول أحدهما، فإنهما يتحالفان فيحلف كل منهما أن نصف العين المدعى بها له، ويجوز أن يحلف أن كلها له.

وقال الزركشي: الذي ينبغي أن تجب اليمين على حسب الجواب، وهذا هو الصحيح، فإذا تحالفا، قسمت بينهما نصفين؛ هذا هو المذهب عند المتأخرين.

وظاهر كلام أحمد، في رواية صالح، في اثنين تداعيا كيساً ليست أيديهما عليه: أنهما يستهمان عليه؛ فمن خرج سهمه، فهو له مع يمينه، فظاهر هذا: أنها لأحدهما بالقرعة مع يمينه، وهو الوجه الثاني، وهو

ص: 207

الذي قدمه في ((الفروع)) ، وقال: إنه نقله صالح وحنبل.

الحالة الثانية: أن تكون العين المدعي بها بيد أحدهما:

فإن كان للمدعى بينة، فهي له ببينته، وإن لم يكن له بينه، فهي لمن هي بيده بيمينه، لكن لا يكون ثبوت ملكه فيها كثبوته بالبينة، فلا شفعة له بمجرد اليد، وإن حكمنا بأنها له، ولا تضمن عاقلة صاحب الحائط المائل الذي حكم له به بمجرد اليد، قال الأصحاب: إلا أن يكون لمن هي بيده بينة، فلا تلزمه اليمين؛ اكتفاء بالبينة.

قال في ((الإنصاف)) : وفيه احتمال ذكره المصنف، قلت: ذكره في ((المغني)) فقال: ويحتمل أن تشرع اليمين أيضاً؛ لأن البينة هنا يحتمل أن يكون مستندها اليد والتصرف؛ فلا تفيد إلا ما أفادته اليد والتصرف، وذلك لا يغني عن اليمين؛ فكذا ما قام مقامه. اهـ.

وإن أقام كل منهما ببينه أنها له، فهي مسألة الداخل والخارج؛ فالخارج: المدعي، والداخل: المدعى عليه؛ قال في ((المغني)) (ص275ج9) : وقد اختلفت الرواية فيها عن أحمد:

فالمشهور عنه: تقديم بينة المدعى، ولا تسمع بينة المدعى عليه بحال، وهو قول إسحاق.

وعنه رواية ثانية: إن شهدت بينة الداخل بسبب الملك بأن قالت: نتجت في ملكه، أو اشتراها، أو نسجها، أو كانت بينته أقدم تاريخاً، قدمت.

وذكر أبو الخطاب رواية ثالثة: أن بينة المدعى عليه تقدم بكل حال؛ وهو قول شريح، والشعبي، والنخعي، والحكم، والشافعي، وأبي عبيد، وقال: هو قول أهل المدينة، وأهل الشام، وروي عن طاووس، ثم ذكر حجج هذه الرواية، والرواية الأولى.

ص: 208

ثم قال: وأي البينتين قدمناها، لم يحلف صاحبها معها، وقال الشافعي في أحد قوليه: يستحلف صاحب اليد؛ لأن البينتين سقطتا بتعارضهما؛ فصارا كمن لا بينة لهما؛ فيحلف الداخل كما لو لم تكن لواحد منهما بينة. اهـ. وما ذكره عن الشافعي في أحد قوليه، هو الصحيح؛ لقوة تعليله.

الحالة الثالثة: أن تكون العين بيديهما جميعاً، وليس لأحدهما مزية، ولا بينة، كبعير كل منهما ممسك بزمامه، فيحلف كل منهما أن له نصفه لا حق للآخر فيه، والظاهر: أنه لا يضر أن يحلف أن كله له كالمسألة التي قبلها في الحالة الثانية.

فإذا تحالفا كذلك، فبينهما نصفين؛ على المشهور من المذهب.

وعن الإمام أحمد رواية ثانية: أن يقرع بينهما؛ فمن قرع، فهي له بيمينه، نقلها في ((الإنصاف)) عن ((الترغيب)) ، قال الأصحاب: إلا أن يدعى أحدهما النصف فأقل، والآخر الجميع أو أكثر مما بقي، فيحلف مدعي الأقل ويأخذه بيمينه، لأنه يدعى أقل مما بيده ظاهراً، أشبه ما لو انفرد باليد، وقيل: يتحالفان، كما لو ادعى كل منهما جميع العين.

وإن نكلا جميعاً عن اليمين، فكما لو تحالفا.

وإن حلف لأحدهما، ونكل الآخر، فهي للحالف.

وإن كان لأحدهما مزية بقوة اليد؛ مثل أن تكون العين جملا أحدهما راكبه، والثاني سائقه، فهو للراكب بيمينه، لقوة يده.

ومثله لو تنازع رب دابة وآخر في رحل عليها، وكل واحد منهما ممسك بالرحل، فهو لرب الدابة بيمينه، لأن الظاهر معه.

وإن كان لأحدهما بينة، فهي له ببينته.

وإن كان لكل واحد منهما بينة، وتساوتا من كل وجه، تساقطتا وصار

ص: 209

كمن لا بينة لهما؛ على ما سبق.

وقيل: تقدم أسبقهما تاريخاً؛ وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو قول أبي حنيفة.

الحالة الرابعة: أن تكون بيد ثالث، ولا بينة للمدعي: فإن ادعاها لنفسه، فهي له بيمينه، فيحلف لكل منهما يميناً، وتبقى له، فإن نكل عن اليمين لهما، قضي عليه بالنكول، ولزمه دفعها ودفع بدلها وهو مثلها إن كانت مثلية، وقيمتها إن كانت متقومة، ثم يقترع المتنازعان على العين وبدلها.

وإن حلف لأحدهما دون الآخر، قضي عليه بالنكول للآخر، ولزمه تسليمها له.

فائدة

في ((فتح الباري)) في ((كتاب الرقاق)) ((باب كيف الحشر)) (ص383ج11) ذكر الخلاف في عد الأحاديث التي رواها ابن عباس مباشرة، وقال: إنه اعتنى بجمعها، فزاد على الأربعين ما بين صحيح وحسن، خارجاً عن الضعيف، وزائداً أيضاً على ما هو في حكم السماع، كحكايته حضور شيء فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم.

فائدة

قال الشيخ تقي الدين في ((الاختيارات)) (ص235) : لا يجوز أن يخالع الرجل إذا

كان مقصوده التزوج بالمرأة.

وقال أيضاً (ص521) : ويجوز الخلع عند الأئمة الأربعة والجمهور من الأجنبي؛

فيجوز أن يختلعها، كما يجوز أن يفتدي الأسير، ولهذا ينبغي أن يكون ذلك مشروطاً بما إذا كان قصده تخليصها من رق الزوج ولمصلحتهما في ذلك.

ص: 210

ونقل مهنا عن الإمام أحمد، في رجل قال لرجل: طلق امرأتك حتى أتزوجها، ولك ألف درهم، فأخذ منه الألف، ثم قال لامرأته: أنت طالق، فقال: ((سبحان الله! رجل يقول لرجل: طلق امرأتك؛ حتى أتزوجها! لا يحل هذا.

فائدة

في (ص249) من ((الاختيارات)) قال: قياس المذهب عندي: جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره، لأنه إذا جاز للزوج أن يأخذ عوضاً عن حقه منها، جاز لها أن تأخذ العوض عن حقها منه؛ لأن كلا منهما منفعة بدنيّة، وقد نص الإمام أحمد في غير موضع على انه يجوز أن تبذل المرأة عوضاً ليصير أمرها بيدها.

ولأنها تستحق حبس الزوج؛ كما يستحق الزوج حبسها، وهو نوع من الرق؛ فيجوز أخذ العوض عنه.

وقد تشبه هذه المسألة الصلح عن الشفعة، وحد القذف.

فائدة

قال شيخ الإسلام في رسالة ((حقيقة الصيام)) (ص70) من الطبعة التي يوزعها المكتب الإسلامي:

ليس في الأدلة ما يقتضى أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطراً هو ما كان واصلاً إلى دماغ أو بدن، أو ما كان داخلاً من منفذ، أو واصلاً إلى الجوف، ونحو ذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هى مناط الحكم عند الله وعند رسوله.

وفي (ص79) : فإن قيل: بل الكحل قد ينزل إلى الجوف، ويستحيل دماً)) :

قيل: هذا كما يقال في البخار الذي يصعد من الأنف إلى الدماغ

ص: 211

فيستحيل دماً، وكالدهن الذي يشربه الجسم، والممنوع منه: إنما هو ما يصل إلى المعدة؛ فيستحيل دماً، ويتوزع على البدن.

فائدة

يقع من كبار أهل العلم بعض الأحيان أجوبة غريبة، ولكن لعل الحامل لذلك النسيان، أو المضايقات بالمناظرة، ونحوها.

ومن غريب ذلك: ما أجاب به الإمام أحمد- رحمه الله حينما قال: إن المتمتع إذا ساق الهدي، ثم قدم في العشر، لم يحل، فقيل له: حديث معاوية أنه قصر النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص عند المروة، فأجاب رحمه الله إنما حل بمقدار التقصير، ذكره في ((الفروع)) (ص258ج2) من طبعة المنار.

ومن غريب ذلك: جواب ابن عقيل- رحمه الله عن حديث تظليل أسامة أو بلال النبي صلى الله عليه وسلم من الحر بثوب حتى رمى جمرة العقبة، رواه مسلم (1) أجاب ابن عقيل بأجوبة، منها: أن له عذراً وفدى أو أنه لم يعلم بذلك، ذكره عنه في ((الفروع)) (ص282ج2) من طبعة المنار.

وقد أجاب ابن القيم عن حديث معاوية بأنه خطأ وغلط، ذكره في (ص392-393ج1) من ((زاد المعاد))

فائدة

من شروط الحكم بالصحة للحديث: أن لا يكون الحديث معللاً بعلة قادحة: إما في السند كتعليله بالانقطاع، أو في المتن كوقف مرفوع ونحوه، فإن لم تكن العلة قادحة، لم تؤثر قي صحة الحديث.

مثال العلة غير القادحة في السند: ما ذكره في ((المنتقى)) في ((باب ما جاء في المني)) : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المني يصيب الثوب؟ فقال: ((إنما

(1) رواه مسلم في الحج (1298)

ص: 212

هو بمنزلة المخاط)) ، الحديث، رواه الدارقطني، وقال: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق، عن شريك، قال ((صاحب المنتقى)) وهذا لا يضر؛ لأن إسحاق إمام مخرج له في الصحيحين.

ومثال العلة غير القادحة في المتن: ما ذكره ابن القيم في ((الهدي)) في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السنن الرواتب (165ج1) طبعة فقي: أن ابن عمر- رضي الله عنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)) ، فأعله أبو الوليد الطيالسي بحديث ابن عمر:((حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات في اليوم والليلة)) (1) ، فلو كان هذا لعده، قال ابن القيم: وليس هذا بعلة أصلاً، فإن ابن عمر أخبر عما حفظه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن غير ذلك؛ فلا تنافي بين الحديثين ألبته.

فائدة

قال في ((القواعد)) (ص234) قاعدة (105) :

وأما الدعوى على المبهم: فلا تصح، ولا تسمع ولا تثبت بها قسامة ولا غيرها، فلو قال: قتل أبي أحد هؤلاء الخمسة، لم يسمع، قال في ((الترغيب)) : ويحتمل أن يسمع للحاجة؛ فإن مثله يقع كثيراً، ويحلف كل واحد منهم، قال: وكذلك يجرى في دعوى الغصب والاتلاف والسرقة، ولا يجري في الإقرار والبيع إذا قال: نسيت، لأنه مقصر. اهـ.

وذكر في ((الاختيارات)) (ص330) : أن ظاهر كلام الشيخ صحة الدعوى على المبهم.

فائدة

نقل في ((النكت)) (ص291ج1)، عن الشيخ تقي الدين قوله: إذا

(1) رواه البخاري في الجمعة (1181)

ص: 213

بيعت العين المؤجرة أو المرهونة ونحوها مما يتعلق به حق غير البائع وهو عالم بالبيع، فلم يتكلم، فينبغي أن يقال: لا يملك المطالبة بفساد البيع بعد هذا؛ لأن إخباره بالعيب واجب بالسنة بقوله: ولا يحل لمن علم ذلك إلا أن يبينه، فكتمانه تغرير، والغار ضامن.

وكذلك ينبغي أن يقال فيهما إذا رأى عبده يبيع، فلم ينهه.

وفي جميع المواضع، فالمذهب: أن السكوت لا يكون إذناً، فلا يصح التصرف، لكن إذا لم يصح يكون تغريراً، فيكون ضامناً، فإن ترك الواجب عندنا يوجب الضمان كفعل المحرم، كما نقول في مسألة المستضيف ومن أمكنه إنجاء شخص من الهلكة بل هنا أقوى اهـ. كلامه.

فائدة

من ((المنتقى)) في ((باب ما جاء في الأجرة عل القرب)) عن خارجة بن الصلت، عن عمه؛ أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم أقبل راجعاً من عنده، فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا قد حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيء نداويه؟ قال: فرقيته بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين، فبرأ، فأعطوني مائتي شاة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال:((خذها، فلعمري، من أكل برقية باطل، فقد أكلت برقية حق)) ، رواه أحمد، وأبو داود (1)، قال في ((نيل الأوطار)) : رجاله رجال الصحيح، إلا خارجه المذكور، وقد وثقه ابن حبان. اهـ.

قلت: وفيه دليل على جواز قول الرجل: ((لعمري)) .

فائدة

روى مسلم، عن عطاء، عن جابر، في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم العيد، وأنه

(1) رواه ابو داود في الطب (3896) وأحمد في مسند الأنصار (21328)

ص: 214

أتى النساء فوعظهن، فقيل لعطاء: أحقاً على الإمام الآن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن؟ قال: إي لعمرى إن ذلك لحق عليهم، وما لهم لا يفعلون ذلك؟! (1) ذكره مسلم في صلاة العيدين.

ففيه: إفراد النساء بالموعظة، وجواز قول ((لعمري)) على رأي عطاء، رحمه الله.

فائدة

قال شيخ الإسلام في ((الفتاوى)) (ص12مجلد 33) :

فإذا قال لزوجته: أنت طالق اثنتين أو ثلاثاً أو عشراً أو ألفاً، لم يكن قد طلقها إلا مرة واحدة، وذكر نحوه (ص80) في المجلد المذكور.

وفي (ص81) : وإذا كان إنما أبيح- يعني: الطلاق- للحاجة، فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باقٍ على الحظر.

فائدة

من ((فتح الباري)) (ص398ج10) : أن ابن مندة جمع من أردفهم النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، فبلغوا ثلاثين.

فائدة

الصفرة والكدرة في دم الحيض:

إن كانت قبل الطهر، فهي حيض، قالت عائشة- رضي الله عنها:((لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء)) (2) .

وإن كانت بعد الطهر: فليست بشيء، قالت أم عطية- رضي الله عنها:((كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً)) ؛ رواه البخاري، ورواه أبو داود،

(1) رواه مسلم في صلاة العيدين (885)

(2)

ذكره البخاري في الحيض، باب إقبال الحيض وإدباره.

ص: 215

وزاد: بعد الطهر (1) .

وإن كانت في زمن الحيض، ولم تتصل بدم قبلها ولا بعدها، فظاهر حديث أم عطية السابق: أنها ليست بشيء، وظاهر كلام الأصحاب رحمهم الله أن الصفرة والكدرة إن كانت من مبتدأه، فهي حيض. قال في ((المنتهى)) وشرحه: والمبتدأة بدم أو صفرة أو كدرة تجلس بمجرد ما تراه، أي: ما ذكر من دم أو صفرة أو كدرة أقله، ثم تغتسل.

وإن كان من معتادة، فهو حيض زمن العادة فقط، قال في المصدر المذكور: وصفرة وكدرة في أيامها حيض تجلسه، لقوله تعالى:(وَيَسْئلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً)(البقرة: 222) ، وهو يتناولها، ولقول عائشة:((لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء)) .

وقال في ((الإنصاف)) عن المبتدأة بصفرة أو كدرة: إنها لا تجلسه وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وصححه المجد في ((شرحه)) وقدمه ابن تميم، والرعاية الكبرى، والفائق، ومجمع البحرين، وابن عبيدان.

وقال في المعتادة: قوله: ((والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض)) يعني: في أيام العادة، وهذا هو المذهب، وعليه الأصحاب. وحكى الشيخ تقي الدين وجهاً أن الصفرة والكدرة ليستا بحيض مطلقاً.

ثم قال في الإنصاف:

(فائدة) : لو وجدت الصفرة والكدرة بعد زمن الحيض، وتكررتا، فليستا بحيض؛ على الصحيح من المذهب، واختاره الشيخ تقي الدين وغيره.

وعنه: إن تكرر، فهو حيض؛ اختاره جماعة، منهم القاضي، وابن

(1) رواه البخاري في الحيض (326) وأبو داود في الطهارة (307)

ص: 216

عقيل، قلت: وهو الصواب، قال ابن تميم: فعلى رواية: أنه حيض إذا تكرر، لكن لو رأته بعد الطهر وتكرر، لم تلتفت إليه في أصح الوجهين اهـ. من ((الإنصاف)) ملخصاً.

وفي ((الفروع)) : والصفرة زمن العادة حيض، وعنه: وبعدها إن تكرر، اختاره جماعة، وشرط جماعة اتصالها بالعادة اهـ.

وفي ((المغنى)) : وإن طهرت، ثم رأت كدرة أو صفرة، لم يلتفت إليها؛ لخبر أم عطية، وعائشة، فظاهره اشتراط الاتصال.

وفي ((شرح المهذب)) للنووي (ص442ج2) : أما إذا كان الذي رأته صفرة أو كدرة، فقد قال الشافعي في ((مختصر المزني)) : الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، واختلف أصحابنا في ذلك على ستة أوجه:

الصحيح المشهور: أنها في زمن الإمكان- وهو خمسة عشر- حيض، سواء كان من مبتدأة أو معتادة، وافق عادتها أم لا.

الثاني: إن رأته في أيام العادة فهو حيض؛ وإلا فلا، فإذا رأته مبتدأة أو معتادة في غير أيام العادة، فليس بحيض.

الثالث: إن تقدمه دم قوى اسود أو أحمر ولو بعض يوم، فهو حيض، وإلا لم يكن حيضاً بانفراده.

الرابع: إن تقدمه دم قوى يوماً وليلة فهو حيض، وإن تقدمه دون ذلك، فليس بحيض.

الخامس: إن تقدمه دم قوى ولحقه دم قوى، فهو حيض؛ وإلا فلا.

السادس: إن تقدمه دم قوى يوماً وليلة، ولحقه دم قوى يوماً وليلة، فهو حيض؛ وإلا فلا. اهـ. ملخصاً.

وقد نقل بعد ذلك، عن أبي ثور: أنه إن تقدمها دم فهي حيض؛ وإلا فلا، قال: واختاره ابن المنذر.

ص: 217

وفي ((المحلى)) (ص169ج2) : وقال أبو ثور وبعض اصحابنا: الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض ليستا حيضاً، وفي أيام الحيض قبل الدم ليستا حيضاً، وأما بعد الدم متصلاً به فهما حيض.

وأما رأيه هو، فيقول (ص162) من الجزء المذكور: الحيض هو الدم الأسود الخاثر الكريه الرائحة خاصة، فإذا رأت أحمر، أو كغسالة اللحم، أو صفرة أو كدرة، أو جفوفاً، فقد طهرت.

وفي (ص165) : أن الحمرة والصفرة والكدرة عرق وليست حيضاً. اهـ.

فائدة

قال في ((الآداب الكبرى)) (ص269ج2) :

فتصافح المرأة المرأة، والرجل الرجل، والعجوز والبرزة غير الشابة، فإنه يحرم مصافحتها للرجل، ذكره في ((الفصول)) و ((الرعاية)) .

وقال ابن منصور لأبي عبد الله: تكره مصافحة النساء؟ قال: أكرهه، فال إسحاق بن راهويه: كما قال.

وقال محمد بن عبد الله بن مهران: إن أبا عبد الله سئل عن الرجل يصافح المرأة؟ قال: لا، وشدد فيه جداً، قلت: فيصافحها بثوبه، قال: لا، قال رجل: فإن كان ذا محرمٍ، قال: لا، قلت: ابنته، قال: إذا كانت ابنته فلا بأس.

فهاتان روايتان في تحريم المصافحة وكراهتها للنساء، والتحريم اختيار الشيخ تقي الدين، وعلل بأن الملامسة أبلغ من النظر، ويتوجه تفصيل بين المحرم وغيره، فأما الوالد: فيجوز.

وفي ((صحيح البخاري)) : أن أبا بكر دخل على أهله، فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى، فقبل خدها، وقال: كيف أنت يا

ص: 218

بنية (1) ، ورواه أحمد، ومسلم.

إلى أن قال: وتباح المعانقة، وتقبيل اليد والرأس تديناً وإكراماً واحتراماً مع أمن الشهوة، وظاهر هذا: عدم إباحته لأمر الدنيا، واختاره بعض الشافعية، والكراهة أولى، وذكر عن أحمد: إن كان على طريق الدنيا، فلا، إلا رجلاً يخاف سيفه أو سوطه، وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله كثيراً يقبل وجهه ورأسه وخده، ولا يقول شيئاً، ولا يمتنع من ذلك، ولا يكرهه.

إلى أن قال: وقال الشيخ تقي الدين: تقبيل اليد لم يكونوا يعتادونه إلا قليلاً، ورخص فيه أكثر العلماء؛ كأحمد وغيره على وجه الدين، وكرهه آخرون؛ كمالك وغيره، وقال سليمان بن حرب: هي السجدة الصغرى، وتناول أبو عبيدة يد عمر ليقبلها فقبضها، فتناول رجله، فقال:((ما رضيت منك بتلك، فكيف بهذه؟!)) .

وقال علي- رضي الله عنه: قبلة الوالد عبادة، وقبلة الولد رحمه، وقبلة المرأة شهوة، وقبلة الرجل أخاه دين..

إلى أن قال: وقال إسحاق بن إبراهيم: إن أبا عبد الله احتج في المعانقة بحديث أبي ذر أن النبي- عليه الصلاة والسلام عانقه. وقال الشعبي: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا، فإذا قدموا من السفر، عانق بعضهم بعضاً. إسناد جيد.

وقال الشيخ وجيه الدين أبو المعالي في ((شرح الهداية)) : تستحب زيارة القادم، ومعانقته، والسلام عليه، قال: وإكرام العلماء واشراف القوم بالقيام سنة مستحبة، كذا قال، وجزم في كتاب ((الهدي)) : بتحريم

(1) رواه البخاري في المناقب (3918) .

ص: 219

السجود والانحناء والقيام على الرأس، وهو جالس. اهـ.

إلى أن قال: ويكره تقبيل الفم؛ لأنه قل أن يقع كرامة.

وروي الترمذي وحسنه عن أنس، قال:((قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقاه أخوه أو صديقه، أينحني له؟ قال: لا، قال: فليتزمه ويقبله؟ قال: لا، فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال، نعم)) (1) ؛ ورواه أحمد وابن ماجه..

إلى أن قال: وعن عائشة- رضي الله عنها قالت: ((قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه يجر ثوبه، فاعتنقه وقبله)) ؛ رواه الترمذي، وحسنه (2) .

وفي (ص279) في تقبيل المحارم من النساء في الجبهة والرأس، قال ابن منصور لأبي عبد الله: يقبل الرجل ذات محرم منه؟ قال: إذا قدم من سفر، ولم يخف على نفسه وذكر حديث خالد بن الوليد. قال إسحاق بن راهويه: كما قال. وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم من الغزو، فقبل فاطمة

إلخ (3) ؛ ولكن لا يفعله على الفم أبداً، الجبهة والرأس.

وسئل الإمام أحمد عن الرجل يقبل أخته؟ قال: قد قبل خالد بن الوليد أخته.

فتلخص من هذا أمران:

أحدهما: في المصافحة، مصافحة المرأة للمرأة، ومصافحة الرجل

(1) رواه الترمذي في الاستئذان والآداب (2728) وابن ماجه في الأدب (3702)

(2)

رواه الترمذي في الاستئذان والآداب (2732)

(3)

قلت: وفي ((فتح الباري) 9 صلى الله عليه وسلم (50) ج (11) عن عائشة رضي الله عنها: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأي فاطمة بنته قد أقبلت، رحب بها، ثم قام فقبلها ثم أخذ بيدها حتى يجلسها في مكانه)) ، رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان والحاكم.

ص: 220

للرجل، فهذه جائزة.

أما مصافحة الرجل للمرأة: فإن كانت عجوزاً، فلا بأس، وإن كانت شابة، فحرام هذا مقتضى كلام ((الفصول)) و ((الرعاية)) .

ومقتضى كلام أحمد: الكراهة أو التحريم مطلقاً، ولو من وراء حائل إلا للوالد.

ومقتضى كلام الشيخ تقي الدين: أن يكون كالنظر؛ وعليه: فيتوجه التوجيه الذي ذكره المصنف، وهو التفريق بين المحرم وغيره، وهذا إذا لم يخف على نفسه، وإلا حرم في المحرم وغيره.

الأمر الثاني: التقبيل والمعانقة، فإن كان له سبب، كقدوم من سفر، فهو مشروع، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في زيد بن حارثة، وكما حكاه الشعبي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن الأسباب أن يفعل ذلك إكراماً وإجلالاً لمن يستحق.

ولا يقبل الرجل المرأة على الفم أبداً وإن كانت ذات محرم، وأما في الجبهة والرأس، فجائز بشرط أن لا يخاف على نفسه، وأن تكون من محارمه، وأن يكون لسبب، كقدوم من سفر.

فائدة

ذكر الأصحاب رحمهم الله أن وصل المرأة شعرها بغير الشعر لا بأس به، وفيه نظر، لأن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:((لعن الله الواصلة والمستوصلة)) (1) ، العموم، فتخصيصه لا دليل عليه.

ويؤيد العموم: ما رواه مسلم في ((صحيحه)) (ص167ج6) في ((كتاب اللباس والزينة)) باب تحريم فعل الواصلة؛ عن جابر - رضي الله

(1) رواه البخاري في اللباس (5937) ومسلم في اللباس والزينة (2124)

ص: 221

عنه- قال: ((زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئاً)) (1) . وفي ((الترغيب والترهيب)) (ص122ج3) - وعزاه للبخاري ومسلم- أن معاوية قال ذات يوم: ((إنكم قد أحدثتم زي سوء، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور)) (2)، قال قتادة: يعني ما يكثر به النساء اشعارهن من الخرق.

والقول بتحريم الوصل مطلقاً إحدى الروايتين عن أحمد، قال في ((الآداب الشرعية)) (ص355ج3) : ولا بأس بالقرامل، وعنه: هي كالوصل بالشعر، قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن المرأة تصل رأسها بقرامل فكرهه، وقال له أيضاً: فالمرأة الكبيرة تصل رأسها بقرامل؟ فلم يرخص لها. اهـ. والقرامل: ما تصل به المرأة شعرها من صوف وغيره؛ كالضفائر.

فائدة

كان كثير من الناس يضمخون جنائزهم بالزعفران، وقد كره ذلك الفقهاء، رحمهم الله.

وفي (ص304ج10) من ((فتح الباري)) الطبعة السلفية: قوله: ((ولأبي داود من حديث عمار، رفعه: ((لا تحضر الملائكة جنازة كافر ولا مضمخ بالزعفران)) :

ثم إني راجعت الحديث في أبي داود في الباب الثامن من كتاب الترجل (ص398ج2) ، وفي مختصر السنن (ص91ج6) ، وفي مسند أحمد (ص320ج4)، فوجدته بلفظ:((إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير، ولا المتضمخ بالزعفران، ولا الجنب)) ، وليس في لفظ أحمد:((بخير)) (3) .

(1) رواه مسلم في اللباس والزينة (2126)

(2)

رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3468) ومسلم في اللباس والزينة (2127) .

(3)

رواه أبو داود في الترجل (4176) ، وأحمد في أول مسند الكوفيين (18407)

ص: 222

وفي رواية لأبي داود: ((ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ)) (1) .

والحديث الأول فيه عطاء الخراساني، فيه كلام. والحديث الثاني منقطع.

وعلى كل حال: فليس في ذلك ما يدل على أن التضمخ بالخلوق يختص بالميت، بل هو عام؛ بل ظاهره يدل على أن المراد به الحي.

فائدة

حديث عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر:((إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يري منها إلا هذا وهذا، وأشار إلي وجهه وكفيه)) (2) : ضعيف من وجوه ثلاثة:

الأول: أنه منقطع؛ لأن راويه عن عائشة- وهو خالد بن دريك- لم يدركها؛ قاله أبو داود (ص 383ج2) تحت عنوان ((باب فيما تبدي المرأة من زينتها)) .

الثاني: أن في إسناده سعيد بن بشير الأزدي؛ ضعفه الإمام أحمد، وابن معين، وابن المديني، والنسائي.

الثالث: أنه إن كان قبل نزول آية الحجاب، فلا دليل فيه على جواز كشف الوجه واليدين، وإن كان بعد الحجاب، فهو بعيد جداً، لأن أسماء ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، فيكون لها عند نزول آية الحجاب نحو ثلاث وثلاثين سنة، ويبعد من مثلها أن تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب رقاق فيعرض عنها.

فالحديث إذن ضعيف سنداً ومتناً؛ فلا يحتج به، وتترك الأحاديث

(1) رواه أبو داود في الترجل (4180)

(2)

رواه أبو داود في اللباس (4104)

ص: 223

الصحيحة من أجله.

فائدة

روى الإمام أحمد من حديث ابن مسعود- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف، قلت: حتى يقول (ص410ج1) وسنده: حدثني أبي، ثنا عفان، وبهز قالا: ثنا شعبة، قال: سعد بن إبراهيم أخبرني قال: سمعت أبا عبيدة يحدث عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه (ص386)، وسنده: حدثنى أبي، ثنا يحيي بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني سعد بن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن أبيه.

ورواه النسائي في ((باب تخفيف التشهد الأول)) (ص149ج1)، قال: أخبرنا الهيثم عن أيوب الطالقاني، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثني أبي، عن أبي عبيدة، عن أبيه.

ورواه أبو داود في ((باب تخفيف القعود)) (ص228ج1) ، عن حفص بن عمر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن أبيه.

ورواه الترمذي في ((باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين)) (ص160ج2) ، من شرح ابن العربي، وقال: حديث حسن.

قال ابن العربي: وإنما حسنه ولم يصححه؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.

شعبة: إمام حافظ، وسعد بن إبراهيم، قال أحمد: لم يكن به بأس.

فائدة

كانت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل، على رأي جمهور العلماء، وقيل: بعده بعشر سنين، وقيل: بثلاث وعشرين، وقيل: بثلاثين، نقله موسى بن عقبة، عن الزهري، واختاره، وقيل: بأربعين.

وكانت في ربيع الأول، على رأي جمهور العلماء، وقيل: في رمضان

ص: 224

ليلة اثنتي عشرة منه، وعلى رأي الجمهور: كانت في الثاني من الشهر؛ قاله ابن عبد البر، وقيل: في الثامن؛ حكاه الحميدي عن ابن حزم، ونقل ابن عبد البر، عن أصحاب التاريخ: أنهم صححوه، وقطع به الحافظ الكبير الخوارزمي، ورجحه أبو الخطاب بن دحية، وقيل: في العاشر، وقيل: في الثاني عشر، وهو المشهور عن الجمهور، وقيل: في السابع عشر، وقيل: لثمان بقين منه؛ نقل هذا كله ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (ص260ج2) .

ورأيت حاشية على الكامل لابن الأثير (ص270ج1) : أن المرحوم محمود باشا الفلكي حقق بأدلة علمية أنها كانت ليلة التاسع من شهر ربيع الأول، ونقله عنه مرتضياً له محمد الخضري في ((تاريخ الأمم الإسلامية)) (ص62ج1) ، وأن هذا اليوم يوافق العشرين من شهر إبريل سنة 571م، وكذلك في ((نور اليقين)) (ص8)

وذكر في ((معالم الهجرة)) (ص 58) أنها كانت في صباح اليوم الثاني عشر، أو التاسع؛ على ما حققه المرحوم العلامة الجليل محمود باشا الفلكي.

وفي ((مختصر السيرة)) للشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ص8) : أنها كانت لثمان خلون من ربيع الأول، وقيل: لعشر، وقيل: لاثنتي عشرة.

وفي ((ألفية العراقي)) في السيرة النبوية (ص15) : قدم أنه ولد لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل: لاثنتي عشرة، قال المناوي في شرحها: الأصح عند الجمهور الأول، وذكر الأقوال السابقة عن ابن كثير.

فائدة

من كتاب ((ما يقال عن الإسلام)) لعباس محمود العقاد (ص267) :

ص: 225

ولهذا كان من الخطأ أن نقرر أن القرآن الكريم يؤيد النظرية السديميّة في نشأة المنظومة الشمسية، أو نشأة الكواكب عموماً، من دخان المجرة المشهودة، أو دخان المجرات الأخري التي لا تري بالعين، ولا بالمناظير، فقد تعاقبت النظريات منذ أيام العالم الطبيعي (بوفون) إلى اليوم، عن نشأة المنظومة الشمسية، ولم يزل ينقض بعضها بعضاً حتى الساعة.

فائدة

كانت مدة أخذ القرامطة الحجر الأسود ثنتين وعشرين سنة إلا أياماً، وذلك من ذي الحجة سنة 317هـ إلى ذي القعدة سنة 339هـ؛ ذكره في ((الكامل)) و ((البداية والنهاية)) .

أخذه في الكامل (ص203، 204ج6) وفي ((البداية)) (ص160، 161ج11) .

ورده في الكامل (ص335)، وفي ((البداية)) (ص223) من الجزأين المذكورين قال في ((الكامل)) : إن الذي رده هم القرامطة أنفسهم، وأنهم لما أرادوا رده، حملوه إلي الكوفة، وعلقوه بجامعها حتى رآه الناس، ثم حملوه إلى مكة، ونحوه في ((البداية والنهاية)) إلا أنه زاد أنهم علقوه على الأسطوانة السابعة من جامع الكوفة.

وهذا وقد قال القرامطة كما في ((الكامل)) و ((البداية)) هنا: إنهم أخذوه بأمر فلا يردونه إلا بأمر، وأن بحكم الأمير التركي دفع لهم خمسين ألف دينار على أن يردوه إلى موضعه، فلم يفعلوا.

وفي ((الكامل)) (ص204) : أن المهدي أبا محمد عبيد الله بأفريقية كتب إلى أبي طاهر القرمطي الذي أخذه يوبخه ويلومه، ويتبرأ منه إن لم يرده هو والكسوة وما أخذ من أموال الناس، فرد الحجر، وما أمكنه من

ص: 226

أموال الناس.

فائدة

قال في ((الفتح)) (ص307ج10) : وإن قلنا: النهي عنها- أي: عن المياثر الحمر- من أجل التشبه بالأعاجم، فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ، وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم، زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة.

وفي ((الفتح)) أيضاً (ص272ج10) : أن مالكاً سئل عن لبس البرانس؟ فقال: لا بأس به، قيل: فإنه من لبوس النصارى؟ قال: كان يلبس هاهنا.

فائدة

قال في ((الفتح)) (ص230ج2) : والسكتة التي بين الفاتحة والسورة ثبت فيها حديث سمرة عند أبي داود وغيره.

فائدة

صفات الأذان والإقامة عند العلماء

قال الإمام أحمد: الأذان: خمس عشرة جملة، أربع تكبيرات في أوله، وشهادة الوحدانية لله تعالى والرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، مثنى مثنى، بدون ترجيع، وحيعلة الصلاة مرتين، وحيعلة الفلاح مرتين، وتكبيرتان، ولا إله إلا الله مرة واحدة.

والإقامة: إحدى عشر جملة؛ تكبيرتان، وشهادة الوحدانية لله، والرسالة لرسوله مرة مره، وحيعلة الصلاة والفلاح مرة مرة، وقد قامت الصلاة مرتين، وتكبيرتان، ولا إله إلا الله.

ومذهب الشافعي: كمذهب أحمد، لكن يرجع الشهادتين في الأذان خاصة بأن يأتي بها خافضاً صوته جميعاً، ثم يعيدها رافعاً صوته، وليس كما نقل عنه: يخفض شهادة التوحيد أولاً، ثم يأتي بها رافعاً صوته، ثم

ص: 227

يأتي بشهادة الرسالة كذلك.

وعلى هذا: يكون الأذان تسع عشرة جملة.

ومذهب مالك: كمذهب الشافعي في الأذان، إلا أن التكبير في أوله مرتان فقط، فيكون الأذان سبع عشرة جملة.

أما الإقامة: فهي وتر في جميع جملها، ما عدا التكبير فمثنى، فتكون عشر جمل، الله أكبر مرتين، والشهادتان، والحيعلتان وقد قامت الصلاة مرة مرة، والله أكبر مرتين، ولا إله إلا الله.

ومذهب أبي حنيفة: كمذهب أحمد في الأذان، فيكون خمس عشرة جملة غير مرجع.

وأما الإقامة فيه: كالأذان عنده بزيادة: قد قامت الصلاة مرتين، فتكون سبع عشرة جملة.

وذكر في ((شرح المهذب)) (ص100ج3) أقوالاً للشافعية في الإقامة:

منها: أن يكون تسع جمل بإفراد كل جملها، ما عدا التكبير في أولها فمرتين.

ومنها: أن تكون ثماني جمل بإفراد جميع جملها.

قلت: وحديث أنس: ((أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة)) (1) يدل على أن الأذان مثنى مثنى في تكبيره وتشهده وحيعلته، ما عدا التوحيد في آخره، فهو مرة لبقطع، على وتر، وأن الإقامة مرة مرة ما عدا ((قد قامت الصلاة)) .

ويؤيده: ما ذكره في ((شرح المهذب)) (ص102ج3) عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: ((إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين،

(1) رواه البخاري في الأذان (605) ، ومسلم في الصلاة (378) .

ص: 228

والإقامة مرة مرة، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة)) ؛ رواه أبو داود، والنسائي، بإسناد صحيح (1) ، فإن كان أحد من أهل العلم قال بذلك، فهو أقرب الأقوال إلى الصواب؛ وإلا فلا يمكن الخروج عما أجمعت عليه الأمة والله أعلم.

فائدة

في (ص154ج24) من ((الفتاوى)) جمع ابن القاسم، قال: وإن كان البيهقي روى هذا، فهذا مما أنكر عليه، ورآه أهل العلم لا يستوفي الآثار التي لمخالفيه كما يستوفي الآثار التي له، وأنه يحتج بآثار لو أحتج بها مخالفوه، لأظهر ضعفها، وقدح فيها.

وإنما أوقعه في هذا مع علمه ودينه: ما أوقع أمثاله ممن يريد أن يجعل آثار النبي صلى الله عليه وسلم موافقة لقول واحد من العلماء دون آخر، فمن سلك هذا السبيل، دحضت حججه، وظهر عليه نوع من التعصب بغير الحق، كما يفعل ذلك من يجمع الآثار، ويتأولها في كثير من المواضع بتأويلات يبين فسادها؛ لتوافق القول الذي ينصره، كما يفعله صاحب ((شرح الآثار)) أبو جعفر، مع أنه يروي من الآثار أكثر مما يروي البيهقي؛ لكن البيهقي ينقي الآثار، ويميز بين صحيحها وسقيمها أكثر من الطحاوي.

فائدة

أكثر بعض الناس التساؤل عن الجمع بين الأمر بالتيامن وإعجابه النبي صلى الله عليه وسلم وبين ما ثبت من كون النبي صلى الله عليه وسلم يعطى فيشرب، ثم يعطيه من على يمينه، فإن هذا يقتضي أن يبدأ بالأفضل دون الأيمن.

وكنا نجيب على ذلك: بأن للنبي صلى الله عليه وسلم من التوقير والإكرام ما لا يساويه

(1) رواه أبو داود في الصلاة (510) والنسائي في الأذان (628) وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة (5544)

ص: 229

غيره من ذوى الفضل، فلاختصاصه بذلك اختص الحكم به في البداءة.

وأيضاً: فإن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)(الحجرات: 1) ، فلا يمكن لأحد أن يتقدم بالأخذ قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما أصحابه الذين هم اشد الناس توقيراً واحتراما له.

وأيضاً: فإنه يحتمل أن من جاء بالشراب إنما أراد به النبي صلى الله عليه وسلم أصالة دون غيره، ولكن لكرم النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطى من معه.

وأيضاً: فإنه يحتمل أن يكون الذي طلبه أولاً هو النبي صلى الله عليه وسلم فيقدم، لأنه هو طالبه.

ومن أجل هذه الوجوه: صار فعله وأخذه الشراب لا يعارض ما أمر به من البداءة بالأيمن؛ لأن القاعدة الأصولية أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله لما يلابس الفعل من الاحتمالات.

ثم وجدت في ((صحيح البخاري)) ما يدل بصراحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد طلب الشراب، ففي (ص201ج5) المطبعة السلفية من ((الفتح)) عن أنس- رضي الله عنه قال:((أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه، فاستسقي، فحلبنا له شاة لنا، ثم شُبْته من ماء بئرنا هذه، فأعطيته، وأبو بكر عن يساره، وعمر تجاهه، وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ، قال عمر: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابي فضلةً، ثم قال: الأيمنون الأيمنون؛ ألا فيمنوا، قال أنس: فهي سنة، فهي سنة، ثلاث مرات)) (1) .

وفي حديث سهل بن سعد، ((أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشراب، فشرب منه..)) الحديث في ((صحيح البخاري)) (2) ، هو ظاهر في أن المقصود به رسول

(1) رواه البخاري في الهبة وفضلها والتعريض عليها (2571) ومسلم في الأشربة (2029)

(2)

رواه البخاري في المساقاة (2351) ومسلم في الأشربة (2030)

ص: 230

الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

فائدة

في ((الفتح)) (ص193ج1) : وقد قلنا غير مرة: إن الاحتمالات العقلية لا مدخل لها في الأمور النقلية، ولو استرسل فيها مسترسل، لقال: يحتمل أن يكون (وذكر مثالاً)، ثم قال: فيخرج بذلك إلى ما ليس بمرضي. أهـ.

فائدة

وفي ((الفتح)) (ص511ج2) : أن الدمياطي أفاد أن ابتداء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالقحط كان بمكة قبل الهجرة حين طرحوا على ظهره سلا الجزور، وقد دعا عليهم، أيضاً- بعد الهجرة، كما في حديث أبي هريرة المذكور في الباب الثاني من صلاة الاستسقاء (ص492) من المجلد المذكور.

قال: ولا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصص؛ إذ لا مانع أن يدعو عليهم بذلك مراراً، والله أعلم. اهـ بتصرف.

وقد أقر ابن جرير- رحمه الله كلام الدمياطي؛ أن ابتداء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالقحط كان حين طرحوا سلا الجزور على ظهره، والذي رأيته في ((البخاري)) : أنه لم يدع عليهم بذلك، بل قال:((اللهم عليك بقريش ثلاثاً)) ثم سمى سبعة أشخاص قتل أكثرهم في بدر، وألقوا في القليب.

وعليه: فالظاهر أن الدعاء عليهم بالقحط بعد الهجرة؛ كما هو صريح حديث أبي هريرة أو ظاهره.

ص: 231

ثم تبين لي: أن أصل الدعاء بالقحط كان قبل الهجرة، لكن ليس بعدد سنين كسنى يوسف، ولم يكن سببه وضع السلال على ظهره؛ بل إبطاء قريش عن الإسلام، والله أعلم.

فائدة

في ((الآداب الشرعية)) (ص103-104ج3) :

روى أبو بكر بن أبي شيبة، بإسناده، عن عائشة رضي الله عنهما أنها كانت لا تري بأساً أن تعوذ بالماء، ثم يصب على المريض.

وفي (ص 477ج2) من الكتاب المذكور: قال صالح (يعني: ابن أحمد بن حنبل، رحمهما الله تعالى) : ربما اعتللت، فيأخذ أبي قدحاً فيه ماء، فيقرأ عليه، ويقول لي: اشرب منه، واغسل وجهك ويديك..وذكر نصوصاً أخرى.

قلت: وفي ((سنن أبي داود)) (ص477ج2) الطبعة الأولى، شركة مصطفي الحلبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ثابت بن قيس وهو مريض، فقال:((اكشف الباس، رب الناس، عن ثابت بن قيس بن شماس، ثم أخذ تراباً من بطحان، فجعله في قدح، ثم نفث عليه بماء، وصبه عليه)) (1) .

فائدة

قال ابن حجر في ((فتح البارى)) (ص203ج9) :

والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية، والنظر إليها، وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية. اهـ.

(1) رواه أبو داود في الطب (3885)

ص: 232

فائدة

سئلتُ عن رجل تزوج امرأة، ثم تبين أن زوجة جده أرضعتها بعد موت جده بعشرين سنة، لأنها حضنت هذه الزوجة، فدرت عليها بعد أن انقطع لبنها.

فتوقفت فيها، ثم نظرت في كلام أهل العلم في ذلك، فوجدت أصرح كلام فيها كلام الشافعية، حيث قال في ((شرح منهاج الطالبين)) : ولا تنقطع نسبة اللبن عن زوج مات أو طلق وله لبن، طالت المدة، أو انقطع وعاد؛ لأنه لم يحدث ما يحال عليه، وقيل: إن عاد بعد أربع سنين، لا ينسب إليه؛ كما لو أتت بولد بعدها. اهـ. حاشية قليوبي وعميرة (ص56ج4) .

وقال في ((المهذب)) (ص96ج17) ، نشر مكتبة الإرشاد، إذا ثار لها لبن على ولد من زوج، فطلقها، وتزوجت بآخر، فاللبن للأول، فإن أرضعت طفلاً، كان للأول، زاد اللبن أم لم يزد، انقطع ثم عاد أو لم ينقطع؛ لأنه لم يوجد سبب يوجب حدوث اللبن غير الأول. اهـ.

وهذا فيما إذا لم تحمل من الثاني، فإن حملت منه، فقد ذكر حكمه.

وفي ((إعانة الطالبين)) (ص288ج3) : ولا تنقطع نسبة اللبن عن صاحبه وإن طالت المدة جداً أو انقطع ثم عاد، إلا بولادة من آخر، فاللبن قبلها للأول، واللبن بعدها للآخر. اهـ.

أما كلام الحنابلة: ففيه إيماء إلى مثل ما قاله الشافعية، قال في ((الإقناع)) وشرحه (ص296ج3) : وإذا تزوج امرأة لها لبن من زوج قبله، فحملت منه ولم تلد ولم يزد لبنها، أو لم تحمل، فهو للأول..إلى أن قال: وإن انقطع لبن الأول، ثم ثاب بحملها من الثاني، فهو لهما، لأن اللبن كان للأول، فلما عاد بحدوث الحمل، فالظاهر: أن لبن الأول ثاب بسبب الحمل من الثاني؛ فكانا مضافاً إليهما، كما لو لم ينقطع اهـ.

ص: 233

أما المالكية: فكلامهم يدل على أن اللين يكون لمن نسب إليه حتى ينقطع، قال في ((جواهر الإكليل)) (ص400ج1) : وقدر الطفل ولداً لصاحبه، أي: اللبن، سواء كان زوجاً أو سيدا، من حين وطئه صاحبة اللبن الذي أنزل فيه، لا من عقده ولا وطئه بلا إنزال ويستمر تقدير الوالدية لصاحبه، لانقطاعه (يعني: إلى انقطاعه) ، ولو كان الانقطاع بعد سنين من غير تحديد بعدد مخصوص، كما في ((المدونة)) ولو طلقها أو مات عنها، وتمادى بها اللبن أكثر من خمس سنين. اهـ.

فتبين بذلك أن هذه المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن اللبن ينسب إلى من ثاب منه، ولو انقطع ثم عاد، سواء تزوجت بعد الأول أم لا، وهذا مذهب الشافعي، ما لم تلد من الثاني، فيكون اللبن منسوباً إليه.

وعلى هذا: فنكاح هذه المرأة باطل، لأن اللبن الذي ارتضعته ينسب إلى جد زوجها، فتكون عمة له أو خالة.

القول الثاني: أنه إن عاد قبل أربع سنين من البينونة، نسب إليه، وإن عاد بعدها، لم ينسب إليه، وهذا أحد القولين في مذهب الشافعية.

القول الثالث: أن اللبن ينسب إلي من ثاب منه إلي انقطاعه، فإذا انقطع، ثم عاد، لم ينسب إليه وهذا ظاهر مذهب مالك. وعلى هذين القولين فنكاح هذه المرأة صحيح لأن للبن الذي ارتضعته لا ينسب إلى جد زوجها، فلا يكون بينها وبينه محرمية، لأنها بنت امرأة جده حيث ثبتت الأمومة هنا دون الأبوة.

والراجح عندي من هذه الأقوال: أن اللبن ما دام مستمرا لم ينقطع، أو انقطع لسبب ثم عاد بزواله، فهو منسوب لمن ثاب منه، سواء بقيت عنده أو بانت منه، إلا أن تلد من زوج بعده، فاللبن للثاني.

ص: 234

وأما إذا انقطع لغير سبب ثم عاد:

فإن كانت باقية مع من ثاب منه، فاللبن منسوب إليه، لأن الفراش باق له، والنسب لاحق له، فكذلك اللبن.

وإن كانت قد بانت منه، لم ينسب اللبن إليه، فلا تثبت أبوته لمن ارتضعه، لكن إن عاد عند الزوج الثاني، فالظاهر: أنه ينسب إليه، فيكون أباً لمن ارتضعه؛ لأن الفراش له، والنسب لاحق له، فكذلك اللبن، وهذا الظاهر متعين ما لم يمنع منه إجماع.

فائدة

إذا تزوجت المرضع زوجاً آخر، فأرضعت عنده بلبنها طفلاً، فلا يخلو من خمس حالات:

الأولى: أن لا تحمل من الثاني: فاللبن للأول بكل حال.

الثانية: أن تلد من الثاني، فاللبن له بكل حال، قاله في ((الكافي)) ، وهو الصواب، والمذهب - كما في ((الإقناع)) و ((المنتهى)) -: يكون للأول والثاني، إلا أن يزيد اللبن، فيكون للثاني.

الثالثة: أن تحمل من الثاني، فيزيد اللبن بالحمل، فاللبن لهما؛ هذا ما في ((الكافي)) وهو الصواب، والمذهب - كما في ((المنتهى)) و ((الإقناع)) -: يكون للأول إلا أن تكون الزيادة في أوانها، فاللبن لهما.

الرابعة: أن تحمل من الثاني، ولا يزيد اللبن، فاللبن للأول.

وهذه الأحوال كلها فيما إذا كان اللبن مستمراً لم ينقطع، فأما إن انقطع ثم عاد بالحمل، فهي الحال الخامسة، وفيها ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه للثاني، وهو الصواب.

والثاني: أنه للأول.

والثالث: إن عاد في أوانه، فلهما، وإن كان قبل أوانه، فللأول.

ص: 235

(انظر الفائدة السابقة) .

فائدة

في ((الصحيحين)) عن عائشة- رضي الله عنها في قصة حيضها وهي معتمرة في حجة الوداع؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (1) ، فتوهم بعض الناس أنه أباح لها أن تسعى بين الصفا والمروة، وهى لم تطف، وهذا وهم باطل لوجوه:

أحدها: أن في ((الموطأ)) من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عنها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري)) (2)(ص377ج2) ش الزرقاني.

الثاني: أن في ((الصحيحين)) عنها، قالت:((فقدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فقال: انقضي رأسك وامتشطي وأهلى بالحج ودعي العمرة)) ؛ (البخاري ص415ج 3فتح، ومسلم ص870) .

الثالث: أن في ((صحيح مسلم)) عن جابر (ص881) ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي، ثم أهلي بالحج)) ؛ ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت، طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال:((قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً)) .

فهذه نصوص ظاهرة في أنها لم تسع بين الصفا والمروة، إلا بعد أن طهرت.

فائدة

اختلف العلماء- رحمهم الله في المتمتع هل يلزمه سعيان، أو يكفيه

(1) رواه البخاري في الحيض (305) ومسلم في الحج (1211)

(2)

موطأ مالك، كتاب الحج (941)

ص: 236

سعى واحد؟

والصواب: أنه يلزمه سعيان، لما رواه البخاري (ص433ج3 فتح)، عن ابن عباس- رضي الله عنهما-أنه سئل عن متعة الحج؟ فذكر الحديث وفيه: ثم أمرنا (يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك، جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وقد تم حجنا وعلينا الهدي.

ولما رواه أيضاً (ص415) ، من الجزء المذكور، عن عائشة- رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:((من كان معه هدي، فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً)) فذكرت الحديث، وفيه: قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من مني، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحدا.

فائدة

قال الشيخ تقي الدين (ص180ج12) من ((مجموع الفتاوى)) :

وأما التكفير، فالصواب: أنه من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقصد الحق، فأخطأ- لم يكفر، بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين - فهو كافر، ومن اتبع هواه، وقصر في طلب الحق، وتكلم بلا علم-فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقاً، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته، فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كل مبتدع ولا مخطئ ولا جاهل ولا ضال يكون كافراً، بل ولا فاسقاً بل ولا عاصياً اهـ.

ص: 237

فائدة

قال الشيخ تقي الدين (ص307ج11) من ((مجموع الفتاوى)) :

والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوال:

من كان يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله، ويأمر الإنس بذلك، فهو من افضل أولياء الله.

من كان يستعمل الجن في أمور مباحة له، فهو كمن استعمل الإنس في ذلك.

(ج) من كان يستعملهم فيما نهي الله عنه ورسوله؛ كالشرك، وقتل المعصوم، والعدوان

عليه بما دون القتل: فإن استعان بهم على الكفر، فهو كافر، وعلى المعاصى، فهو عاص: إما فاسق، وإما مذنب غير فاسق. اهـ. ملخصاً.

وقال (ص62ج19) من ((المجموع)) : وأما سؤال الجن، وسؤال من يسألهم، فإن

كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به، والتعظيم للمسئول: فهو حرام، وإن كان ليمتحن حاله، ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز به صدقه من كذبه: فهذا جائز، وذكر أدلة ذلك، ثم قال: وكذلك إذا كان يسمع ما يقولونه، ويخبرون به عن الجن، كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار، ليعرفوا ما عندهم فيعتبروا به، وكما يسمع خبر الفاسق ويتبين ويتثبت، فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة.

ثم ذكر أنه روي عن أبي موسى الأشعري، أنه أبطأ عليه خبر عمر، وكان هناك امرأة لها قرين من الجن، فسأله عنه؟ فأخبره: أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة، وفي خبر آخر: أن عمر أرسل جيشاً، فقدم شخص إلي المدينة، فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم، وشاع الخبر، فسأل عمر عن ذلك، فذكر له، فقال: هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن، وسيأتي

ص: 238

بريد الإنس بعد ذلك، فجاء بعد ذلك بعدة أيام اهـ.

وقال في ((كتاب النبوات)) (ص260) : والجن الذين يطيعون الإنس، وتستخدمهم الإنس ثلاثة أصناف:

أعلاها: أن يأمرهم بما أمر الله به ورسله

وذكر كلاماً.

ثم قال: ومن الناس من يستخدم من يستخدمه من الإنس في أمور مباحة، كذلك فيهم من يستخدم الجن في أمور مباحة، لكن هؤلاء لا يخدمهم الإنس والجن إلا بعوض، مثل أن يخدموهم كما يخدمونهم، أو يعينوهم على بعض مقاصد، وإلا فليس أحد من الإنس والجن يفعل شيئاً إلا لغرض، والإنس والجن إذا خدموا الرجل الصالح في بعض أغراضه المباحة: فإما أن يكونوا مخلصين يطلبون الأجر من الله، وإلا طلبوه منه: إما دعاؤه لهم، وإما نفعه لهم بجاهه، أو غير ذلك.

القسم الثالث: أن يستخدم الجن في أمور محظورة، أو بأسباب محظورة، وذكر أن هذا من السحر، وذكر كلاماً كثيراً.

ثم قال (ص27) : والجن المؤمنون قد يعينون المؤمنين بشيء من الخوارق، كما يعين الإنس المؤمنون للمؤمنين بما يمكنهم من الإعانة. اهـ.

فائدة

قال شيخ الإسلام في ((كتاب النبوات)) (ص172-173)، مفرقاً بين النبي والرسول: أن النبي صلى الله عليه وسلم ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه، فهو رسول. وأما إذا كان إنما كان يعمل بالشريعة قبله، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة، فهو نبي وليس برسول.

فائدة

في ((صحيح البخاري)) ، باب غزوة الفتح في رمضان، عن ابن عباس-

ص: 239

رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر حين بلغ الكديد، فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر)) (1) .

فائدة

ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه: أنه لا يقبل الرجوع عن الإقرار في ((مجموع الفتاوى)) (ص31-32ج16)، قال: وقد قيل في ماعز: إنه رجع عن الإقرار، وهذا هو أحد القولين فيه في مذهب أحمد، وهو ضعيف، والأول أجود.

وهؤلاء يقولون: سقط الحد؛ لكونه رجع عن الإقرار، ويقولون: رجوعه عن الإقرار مقبول، وهو ضعيف، بل فرق بين من أقر تائباً، ومن أقر غير تائب، فإسقاط العقوبة بالتوبة كما دلت عليه النصوص أولى من إسقاطها بالرجوع عن الإقرار، والإقرار شهادة منه على نفسه، ولو قبل الرجوع، لما قام حد بإقرار، فإذا لم نقبل التوبة بعد الإقرار مع أنه قد يكون صادقاً، فالرجوع الذي هو فيه كاذب أولى. اهـ.

فائدة

قال في ((مختصر الصواعق)) ، أثناء كلامه على حديث النزول (ص381) مطبعة الإمام:

الحادي عشر: أن الخبر وقع عن نفس ذات الله تعالى، لا عن غيره؛ فإنه قال:((إن الله ينزل إلى السماء الدنيا)) فهذا خبر عن معنى لا عن لفظ، والمخبر عنه هو مسمى هذا الاسم العظيم، فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة، وهو قليل، ويكون عن مسماه ومعناه، وهو الأكثر، فإذا قلت:((زيد عندك، وعمرو قائم)) فإنما أخبرت عن الذات لا عن الاسم.

(1) رواه البخاري في المغازى (4275) ، ومسلم في الصيام (1113)

ص: 240

فقوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)(الزمر: من الآية62) هو خبر عن ذات الرب تعالى، فلا يحتاج المخبر أن يقول: خالق كل شيء بذاته، وقوله (اللَّهُ رَبُّكُمْ) قد علم أن الخبر عن ذاته نفسها، وقوله:(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام: 124) ، وكذلك جميع ما أخبر الله به عن نفسه إنما هو خبر عن ذاته، لا يجوز أن يخص من ذلك إخبار واحد ألبته.

فالسامع قد أحاط علماً بأن الخبر إنما هو عن ذات المخبر عنه، ويعلم المتكلم بذلك، لم يحتج أن يقول: إنه بذاته فعل وخلق واستوى، فإن الخبر عن مسمى اسمه وذاته، هذا حقيقة الكلام، ولا ينصرف إلى غير ذلك، إلا بقرينة ظاهرة تزيل اللبس، وتعين المراد، فلا حاجة بنا أن نقول: استوى على العرش بذاته، وينزل إلي السماء بذاته، كما لا يحتاج أن نقول: خلق بذاته، وقدر بذاته، وسمع وتكلم بذاته، وإنما قال الأئمة ذلك إبطالاً لقول المعطلة اهـ،

وقوله: فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة، مثاله: قول المعربين في: ((زيد قائم: زيد: مبتدأ، وقائم: خبره.

فائدة

آخر قرن الصحابة: سنة (110-120هـ) .

وآخرون قرن التابعين: سنة (180هـ) .

وآخر قرن تابعي التابعين: سنة 220هـ. وانظر ((فتح الباري)) (ص6ج7) .

فائدة

((من الصواعق المرسلة)) (2/579) لابن القيم.

ولا خلاف بين الأئمة أنه إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن عدم العلم بالقائل به مسوغاً لمخالفته؛ فإنه دليل موجب للاتباع، وعدم العلم بالمخالف لا يصلح أن يكون معارضاً، فلا يجوز ترك الدليل له.

ص: 241

وإذا تأملت هذا الموضع، وجدت كثيراً من أعيان العلماء قد صاروا إلى أقوالٍ متمسكهم فيها عدم العلم بالمخالف، مع قيام الأدلة الظاهرة على خلاف تلك الأقوال، وعذرهم رضي الله عنهم: أنهم لم يكن لأحد منهم أن يبتدئ قولاً لم يعلم به قائلاً، مع علمه أن الناس قد قالوا خلافه، فيتركب من هذا العلم وعدم ذلك العلم الإمساك عن اتباع ذلك الدليل، وها هنا انقسم العلماء إلى ثلاثة أقسام:

فقسم: أخذوا بما بلغهم من أقوال أهل العلم وقالوا: لا يجوز أن نخالفهم، ونقول قولاً لم نسبق إليه؛ وهؤلاء معذورون قبل وصول الخلاف إليهم.

وقسم: توقفوا وعلقوا القول فقالوا: إن كان في المسألة إجماع، فهو أحق ما اتبع، وإلا فالقول فيها كيت وكيت، وهو موجب الدليل، ولو علم هؤلاء قائلاً به، لصرحوا بموافقته، فإذا علم به قائل، فالذي ينبغي ولا يجوزه غيره: أن يضاف ذلك القول إليهم، لأنهم إنما تركوه لظنهم أنه يضاف لا قائل به، وأنه لو كان قائل، لصاروا إليه، فإذا ظهر به قائل، لم يجز أن يضاف إليهم غيره إلا على الوجه المذكور، وهذه الطريقة أسلم.

وقسم ثالث: اتبعوا موجب الدليل، وصاروا إليه، ولم يقدموا عليه قول من ليس قوله حجة، ثم انقسم هؤلاء إلى قسمين:

فطائفة: علمت أنه يستحيل أن تجمع الأمة على خلاف هذا الدليل، وعلمت أنه لابد أن يكون في الأمة من يقول بموجبه وإن لم يبلغهم قوله، فما كل ما قاله كل واحد من أهل العلم وصل إلى كل واحد من المجتهدين، وهذا لا يدعيه عاقل، ولا يدعى في أحد..

وطائفة قالوا: يجوز أن لا يتقدم به قائل، ولكن لا يلزم انعقاد الإجماع على خلافه؛ إذا لعل تلك النازلة تكون قد نزلت، فأفتى فيها بعض

ص: 242

العلماء أو كثير منهم أو أكثرهم بذلك القول، ولم يستفت فيها الباقون، ولم تبلغهم، فحفظ فيها قول طائفة من أهل العلم، ولم يحفظ لغيرهم فيها قول، والذين حفظ قولهم فيها ليسوا كل الأمة فتحرم مخالفتهم..

ومما يوضح ذلك: أن كل من ترك موجب الدليل لظن الإجماع، فإنه قد تبين لغيره أنه لا إجماع في تلك المسألة، والخلاف فيها قائم، ونحن نذكر طرفاً من ذلك يسيراً يستدل به العالم على ما وراءه:

فمن ذلك: قول مالك- رحمه الله: لا أعلم أحداً أجاز شهادة العبد، وروى أحمد عن أنس: لا أعلم أحداً رد شهادة العبد.

ومن ذلك قول مالك: لا أعلم أحداً أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع أن وجوبها محفوظ عن أبي جعفر الباقر.

وقال الشافعي: أجمعوا على أن المعتق بعضه لا يرث، وقد صح توريثه عن علي، وابن مسعود رضي الله عنهما.

وقال سفيان الثوري: فيمن طلق المدخول بها، ثم راجعها، ثم طلقها: تستأنف العدة، قال: أجمع الفقهاء على هذا؛ فقد حكى الإجماع، مع أن النزاع موجود في ذلك قبله وبعده.

وحكى الليث بن سعد الإجماع على أن المسافر لا يقصر الصلاة في أقل من يومين، والنزاع في ذلك أشهر من أن يذكر.

وقال الشافعي: ودل إجماعهم على أن من حلق في الإحرام عمداً أو خطأ، أو قتل صيداً عمداً أو خطأ، في الكفارة سواء، ومعلوم ثبوت النزاع في ذلك قديماً وحديثاً.

ونقل ابن المنذر: إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم: أنه إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثاً إن دخلت الدار، ثم طلقها ثلاثاً قبل أن تدخل، فتزوجت، ثم عادت للأول، فدخلت الدار: أنه لا يقع عليها الطلاق،

ص: 243

والنزاع في هذه المسألة معروف.

ونقل ابن المنذر أيضاً إجماع من يحفظ عنه أهل العلم: أنه إذا قال لامرأته: أنت طالق إن شئت، فقالت: قد شئت إن شاء فلان، أن هذا رد منها، ولا تطلق إن شاء فلان، مع أن لأصحاب الشافعي فيها وجهين.

ونقل أيضاً إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم: أنه إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين، تطلق واحدة، والخلاف في هذا مشهور، فإن مذهب أحمد أنها تطلق ثلاثاً، وقال أبو بكر بن عبد العزيز: لا يصح الاستثناء في الطلاق.

ونقل ابن عبد البر الإجماع على أن الاعتكاف يلزم بالشروع، والخلاف في ذلك أشهر شيء.

قلت: ونقل ابن عبد البر، وأبوعبيد الإجماع على أنه لا يقضى من الزكاة دين على ميت، ونقل ابن المنذر، عن أبي ثور: جوازه، واختاره شيخنا، وذكره إحدى الروايتين عن أحمد، قاله في ((الفروع)) .

ونقل صالح بن أحمد، عن أبيه: أنه لا اختلاف أن لا يرث المسلم الكافر، والخلاف في ذلك مشهور عن الصحابة والتابعين.

وكذا قال ابن القيم، ولعل المراد الكافر المرتد.

ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يقبل في رؤية هلال شوال إلا شهادة رجلين عدلين، والخلاف في ذلك مشهور، وقد حكى ابن المنذر، عن أبي ثور وطائفة من أهل الحديث: القول بقبول الواحد في الصوم والفطر.

وذكر ابن القيم رحمه الله ما ذكره بعض العلماء من أن الحالف بالطلاق والعتق يقع طلاقه وعتقه، وأن المتكلم بالطلاق الثلاث مرة واحدة يقع به الثلاث، وأن الطلاق في الحيض يقع مع أن الخلاف في ذلك

ص: 244

ثابت.

قلت: ومن ذلك نقل الإجماع على أن الأب يزوج ابنته البكر الصغيرة ولو كانت لا يؤطأ مثلها. وقد حكي ابن حزم عن ابن شبرمة، أنه لا يزوجها حتى تبلغ وتأذن.

فائدة

في ((فتح الباري)) (13/219) ورد في عدة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم حرس في بدر، وأحد، والخندق، وفي رجوعه من خيبر، وفي وادي القرى، وعمرة القضية، وحنين، قال: وتتبع بعضهم أسماء من حرس النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع منهم: سعد بن معاذ، ومحمد بن مسلم، والزبير، وأبو أيوب، وذكوان بن عبد القيس، والأدرع السلمي، وابن الأدرع واسمه محجن، ويقال: سلمة، وعباد بن بشر، والعباس، وأبو ريحانة؛ فهؤلاء عشرة رجال، وسبع وقائع.

فائدة

عن عوف بن مالك بن الطفيل؛ أن عائشة- رضي الله عنها حدثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال- في بيع أو عطاء أعطته عائشة-: والله لتنتهين عائشة، أو لأحجرن عليها، فهجرته لذلك، فلما طال الهجر، استشفع إليها ابن الزبير، فلم تقبل، لأنها نذرت الهجر، فكلم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وقال لهما: أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبلا حتى استئذنا على عائشة وسلما، فقالت: ادخلوا، قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه، ويقولان: النبي صلى الله عليه وسلم نهى

ص: 245

عما عملت من الهجرة، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فلما أكثروا طفقت تذكرهما وتبكي وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها، رواه البخاري في ((الأدب)) من ((صحيحه)) (1) .

في هذا الحديث فوائد:

منها: أن الحجاب الذي كان لأمهات المؤمنين ليس الحجاب الذي كان لغيرهن، فإن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن هذا الحجاب كان يحجبها حتى جسدها عن العيون، بدليل:((دخل ابن الزبير الحجاب)) ، وهو ظاهر. (انظر الفائدة الآتية) .

فائدة

في ((صحيح البخاري)) عن عروة بن الزبير، قال: كان عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وكان أبر الناس بها، وكانت لا تمسك شيئاً مما جاءها من رزق الله تصدقت، فقال ابن الزبير: ينبغي أن يؤخذ على يديها، فقالت: أيؤخذ على يدي؟ ! على نذر إن كلمته، فاستشفع إليها برجال من قريش وأخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، فامتنعت، فقال له الزهريون أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمن بن السود بن عبد يغوث، والمسور بن مخرمة-: إذا استأذنا فاقتحم ففعل، فأرسل إليها بعشر رقاب، فأعتقتهم، ثم لم تزل تعتقهم حتى بلغت أربعين، فقالت: وددت أني جعلت حين حلفت عملاً أعمله فأفرغ منه. ذكره البخاري في ((مناقب قريش)) (2) وفيه: دليل على إجراء النذر مجري

(1) برقم (6075)

(2)

برقم (3505)

ص: 246

اليمين. (وانظر تمام القصة في الفائدة السابقة) .

فائدة

العدالة الظاهرة يكتفى بها على المذهب في مواضع:

الأول: فيما إذا أخبره بنجاسة الماء.

الثاني: في الأذان.

الثالث: في ولاية المال.

الرابع: في ولاية النكاح.

الخامس: في شهادة النكاح.

وأما في الدلالة على الماء، وفي التنبيه على زيادة أو نقص في الصلاة: فإن ظاهر كلامهم: لا تكفي العدالة ظاهراً، وفيه نظر؛ فإن ذلك خبر ديني، فيكون كالأذان، أو الإخبار بنجاسة الماء ونحوه، وقد صرحوا باشتراط العدالة باطناً في الإخبار بدخول رمضان.

السادس: في الموصى إليه.

السابع: في ناظر الوقف؛ حيث اشترطت في ظاهر قولهم، فإنهم قاسوها على ولاية مال الصبي.

فائدة

من المشهود لهم بالجنة: العشرة، وهم: أبو بكر، وعمر وعثمان، وعلى، وسعد أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وابو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، ومنهم: عبد الله بن مسعود، وعكاشة بن محصن، وثابت بن قيس، وأبو سفيان بن الحارث، كما في ((الهدي)) (ص389ج2) ، وعبد الله بن سلام، وسعد بن معاذ، وبلال، وأم سليم امرأة أبي طلحة، وأصيرم أو الأصرم عمرو بن ثابت بن عبد الأشهل الأنصاري، من شهداء أحد، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم،

ص: 247

وعمير بن الحمام؛ كما في قصة بدر، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب؛ ذكره ابن القيم في ((غزوة الفتح)) .

فائدة

قوله:

(حرف أبوها أخوها من مهجنةٍ وعمها خالها قوداء شمليل)

صورة ذلك: جمل أورق أضرب ابنته، فنتجت بكراً أزرق، ثم أضربها مرة ثانية، فنتجت بكراً أملح.

ثم أن الأملح أضرب أمه بنت الأورق، فأتت ببكرة سوداء؛ فهذه السوداء أبوها هو أخوها من أمها، وهو الأملح، وعمها خالها هو الأزرق، لأنه أخو أمها من أبيها، فهو خال، وأخو أبيها من أمه وأبيه، فهو عم، وهو - أيضا- من جهة أخرى: أخوها من أمها؛ فهو خال عم خال، والله أعلم.

انتهى

((المنتقى من فرائد الفوائد))

بقلم كاتبه:

محمد بن صالح العثيمين

والحمد لله رب العالمين.

ص: 248