المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهمية صلاة الاستسقاء في الإسلام والاستغاثة المشروعة - أهمية صلاة الاستسقاء في الإسلام والاستغاثة المشروعة

[عزيزو محمد المغربي]

الفصل: ‌أهمية صلاة الاستسقاء في الإسلام والاستغاثة المشروعة

‌أهمية صلاة الاستسقاء في الإسلام والاستغاثة المشروعة

للطالب محمد عزيزو المغربي الطالب بالمعهد الثانوي بالجامعة

لقد أعلن جلالة الملك فيصل حفظه الله وأطال عمره لخدمة الإسلام والمسلمين، عن إقامة صلاة الاستسقاء في أنحاء المملكة نظراً لتأخر نزول المطر، وسمع الناس النداء الملكي عن طريق الإذاعة والتلفزيون وفي المساجد، وعُيّن اليوم المشهود لذلك. ولكن مع كامل الأسف والحسرة تخلف الكثير من المسلمين وكأن الأمر لا يعنيهم. ففُتحت المتاجر وعُرضت السلع والبضائع أمام مرأى المارين الممتثلين الأمر والقاصدين المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. هذا المسجد العظيم الذي لم يمتلئ يوْمَها. وكان ينبغي أن يعمره المسلمون فيضيق بهم. وما ذلك التخلف إلا لجهلهم بحكمة وشدة حاجة الملة إلى هذه الشعيرة التعبدية العظيمة.

والاستسقاء هو طلب السقي أو الماء أو الغيث كما سماه الله تعالى في كثير من آيات كتابه العزيز. ولا يُطلب الغيث إلا من المغيث سبحانه وتعالى الذي يقدر وحده على إنزاله. وليس إنزال المطر مجرّد بُخار البحر تحت تأثير حرّ الشمس كما تدعيه عقولٌ مؤمنةٌ بالطبيعة إيماناً أعمى وكافرةٌ وجاحدةٌ لوجود الله، خالق الكون كله ورب العالمين. ثم هذه الطبيعة من خلقها وأوجدها؟ وهل تسمع وتبصر وتعطي وتمنع أم هي صمّاء وعمياء عاجزة لا تقدر؟ ولماذا لم تخلق البشر على صورة واحدة وطبع واحد؟ أأخطأت التقدير أم أساءت التدبير؟ أين عقولكم يا قوم؟

ص: 132

جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ".

هذا الحديث انفرد به البخاري عن مسلم.

ويقول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} . فسمى الله الغيث رحمة إذ تهتز به الأرض وتربو وتنبت من كل زوج بهيج فتسر الناظرين بعد أن لكانت يابسة ميْتة فينتفع بها الناس والحيوان. والله تعالى ينزل الغيث لحكمة ويؤخره أو يمنعه لأخرى، في الوقت الذي يشاء فيصيب به جهة دون جهة وقوما دون آخرين. ويسلّطه عقاباً أليماً على عباد له عصَوْه وفسقوا عن أمره:{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ}

ولا يهمني في عرض هذا الحديث ذكر صفة هذه الصلاة لأن كتب الحديث والفقه هي المرجع الوحيد، بقدر ما يهمني جوهرها. وأعني بالجوهر هو الدعاء والتضرع المشروع فيها، والإنابة والتوبة المرجُوّة منها، والاستقامة على أمر الله ليحصل المقصود منها. أجل إن الدعاء هو العبادة ولُبها. فإن مظهر هذه الصلاة بما فيه من خطبة ووقوف وتحويل للأردية ورفع للأيدي مع الضراعة إلى الله غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، بقلوب منيبة معترفة بالخطأ والتقصير نحو الله جلّ وعلا، نادمة وعازمة على الإقلاع عن المعاصي والمخالفات التي تغضب رب الكائنات _ إذ الغضب صفة من صفاته _ مع عدم الرجوع إلى المنهيات؛ وبذلك تَتِمُ شروط توبتها إلى بارئها. هذا المظهر بمافيه من رفع الأيدي السائلة، والعيون الدامعة الذارفة، والأصوات الخافتة، لَهُوَ صورة حية ناطقة وشاهدة على إعلان العباد الافتقار إلى رحمة الله والاحتياج إلى مغفرة الله. وربنا يحب _ إذ المحبة صفة أخرى من صفاته التي تليق بجلاله وعظيم سلطانه _ أن يرى عبده متذللاً خاضعاً، ومنكسر القلب حياء من الرب. ومتى كان العباد صادقين في الطلب وإخلاص الدعاء له، استجاب لهم ربهم

ص: 133