المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) رسالة في ارتباط الآيات في سورة البقرة - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - مقدمة ٧

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌(4) رسالة في ارتباط الآيات في سورة البقرة

(4) رسالة في ارتباط الآيات في سورة البقرة

لعل هذه الرسالة ألفها الشيخ في حيدراباد أيام اشتغاله مصححًا بدائرة المعارف العثمانية، ويدل على ذلك أنه أحال فيها على كتاب "الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح" للعلامة عبد الحميد الفراهي رحمه الله، فقال وهو يذكر ارتباط الآية (144):

"وذكر الفاضل المعلم عبد الحميد الفراهي في كتابه (الرأي الصحيح في من هو الذبيح) ــ وهو كتاب نفيس ــ أن في الآيات إشارة إلى أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام

انظر التفصيل في الكتاب المذكور".

وقال مرة أخرى: "وقد حقق هذا البحث المعلم عبد الحميد الفراهي في كتاب الرأي الصحيح، فانظره".

وقد طبع كتاب الرأي الصحيح سنة 1338 قبل نحو سبع سنوات من وصول الشيخ المعلمي إلى حيدراباد سنة 1345، ومن المستبعد أن يكون قد وقف عليه من قبل، وهو في الحضرة الإدريسية.

وقد أشار الشيخ في تعقيبه على تفسير سورة الفيل للفراهي إلى كتب أخرى له وقف عليها واستفاد منها، وذكر منها "الرأي الصحيح"، مع "إمعان في أقسام القرآن"، و"تفسير سورة الشمس" بصورة خاصة. وقد توفي الفراهي سنة 1349، والتزم الشيخ في رده عليه بالترحم عليه كلما ذكره، خلافًا لهذه الرسالة فإنه ذكره فيها مرتين دون الترحم عليه، فهل ألفها في حياة الفراهي، أي فيما بين سنة 1345 و 1349؟

لا يمكن القطع بذلك، لأن نسخة الرسالة التي بين أيدينا هي المسودة،

ص: 18

وقد افتتحها بقوله: "الحمد لله وسلام" كذا، فترك البياض، ولم يكمل الصلاة والسلام، ولا كتب مقدمة للرسالة. وكان رحمه الله كثير التعديل والتغيير في مسوداته، وقد يشرع في بحث فيكتب صفحة أو أكثر ثم يضرب عليها ويبدأ من جديد، ويفعل هذا ثلاث مرات أو أكثر، فلعله كتب في المرة الأولى الحمد والصلاة على وجه التمام، ثم بدأ التسويد من جديد فاختصر ومضى، وأجّل تكملته لوقت التبييض الأخير.

وفي مثل هذه الحالة لا يتوقع منه أن يترحم على الفراهي، وهو لم يكمل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه لا يقتصر في ذلك على صيغة "صلى الله عليه وسلم" بل يلتزم إضافة "وآله" بعد "عليه".

الرسالة في نسختها التي بين أيدينا ليست كاملة، إذ وصل المؤلف رحمه الله في بيان ارتباط الآيات إلى قوله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ففسر المقصود بالإكراه في الآية، وبيّن ارتباط الآية بما قبلها، ثم شغلته مناقشة ما يمكن إيراده على ما اتفق عليه المفسرون في معنى الجملة المذكورة، وانقطع الكلام. وكذلك أحال في موضع (ص 7) على "فوائد"، وهي غير موجودة في هذه النسخة، والظاهر أنه كان يريد تقييدها بعد إكمال الرسالة.

ثم ما الذي بعث الشيخ على تأليف هذه الرسالة، وهل كان ينوي بيان ارتباط الآيات في سور القرآن كلها على هذا النحو، أو أراد قصره على سورة البقرة فحسب، ولماذا اختار سورة البقرة وحدها؟ وهل وقف على تفسير البقاعي أو لا؟ لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة لأن الرسالة خالية من المقدمة، ولم نجد إشارة في أثنائها تُعين على ذلك.

ص: 19

نعم وقف الشيخ على كتب الفراهي، وذكر ثلاثة منها في مقدمة تعقيبه على تفسيره لسورة الفيل كما سبق. وأحدها: تفسير سورة الشمس، وقد طبع سنة 1326. وفي هذه السنة طبع تفسير سورة العصر، وتفسير سورة التحريم، وتفسير سورة الكافرون. وقد طبع تفسير سورة القيامة وسورة اللهب منها سنة 1324، ثم طبع تفسير سورة الذاريات وعبس نحو سنة 1338، وبعدها تفسير سورة التين. أما تفسير سورة المرسلات وتفسير سورة الكوثر فطبعا

نحو سنة 1351 هـ.

وقد عني الفراهي في تفسيره بارتباط الآي بل بنظام السورة عناية بالغة، وقد سمى تفسيره "نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان". و"النظام" ــ وقد يستعمل كلمة النظم ــ عنده يختلف عن "التناسب" الذي اهتم به كثير من المفسرين، فهو قريب من الوحدة الموضوعية عند المعاصرين.

ولا يبعد أن يكون الشيخ المعلمي قد لقي في حيدراباد بعض أصحاب الفراهي وتلامذته، وسمع منهم ثناء عاطرًا على الفراهي ومنهجه في تفسير القرآن، ثم وقف على بعض أجزاء تفسيره، مما دفعه إلى تأليف هذه الرسالة في ارتباط الآي في سورة البقرة.

وقد ذكر القاضي ابن العربي في سراج المريدين أن "ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة

" (الإتقان 5/ 1837).

ويقول الفراهي في مقدمة تفسيره: "وقد يسر الله تعالى لي بمحض

ص: 20

نعمته فهم نظم القرآن في سورة البقرة وسورة القصص من نفس القرآن". وانكشاف النظام في سورتين حمله على التدبر في سائر السور، ولكنه فسر في البداية جملة من السور من آخر القرآن، ولما بدأ بالتفسير من أول القرآن على المنهج الذي ارتضاه أخيرًا وصل إلى الآية 62 من البقرة وتوقف. غير أنه كتب مقدمة لتفسير سورة البقرة، تتضمن تحليلًا جيدًا لنظامها الإجمالي، وقد طبع هذا التفسير بأخرة في الهند في نحو ثلاث مائة صفحة.

وقد تكلم الشيخ عبد الله دراز رحمه الله (ت 1377) في كتابه "النبأ العظيم"(ص 163 - 210) على نظام سورة البقرة أيضًا.

ونظرة الشيخ المعلمي رحمه الله في ارتباط الآي في سورة البقرة وإن لم تكن نظرة كلية شاملة تكشف عن النظام العام للسورة، وإنما تغلب عليها الجزئية، ولكنها مع ذلك تحوي نظرات دقيقة، وهي مع محاولتي العلامة الفراهي والشيخ عبد الله دراز رحمهما الله تقدم مادة ثريَّة لدراسة مقارنة في نظام سورة البقرة.

النسخة التي اعتمدنا عليها في نشر هذه الرسالة هي مسودة، رقمها في فهرس مكتبة الحرم المكي الشريف 4714، وهي عبارة عن دفتر مذكرات فيه 54 ورقة، ورسالتنا تبدأ فيها من الورقة الثانية وتنتهي في الورقة 32. ولكن الحقيقة أنها انتهت في ق 25/ب، فإن المؤلف رحمه الله قد أضاف كلامًا في ق 24/ب في السطر الرابع عشر، وبدأ كتابته في الحاشية العليا من الصفحة، واستمر هذا الاستدراك في الحواشي العليا إلى ق 32، وترك الصفحات الثلاث عشرة بيضاء لبيان ارتباط الآيات الباقيات.

ص: 21