الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقيدة أهل السنة والجماعة
التعريف:
أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الذين أخبر النبي صلى الله عنهم بأنهم يسيرون على طريقته وأصحابه الكرام دون انحراف؛ فهم أهل الإسلام المتبعون للكتاب والسنة، المجانبون لطرق أهل الضلال. كما قال صلى الله عليه وسلم:" إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة " فقيل له: ما الواحدة؟ قال: " ما أنا عليه اليوم وأصحابي ". حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره.
وقد سموا " أهل السنة " لاستمساكهم واتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وسموا بالجماعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في إحدى روايات الحديث السابق: " هم الجماعة ". ولأنهم جماعة الإسلام الذي اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في الدين، وتابعوا منهج أئمة الحق ولم يخرجوا عليه في أي أمر من أمور العقيدة. وهم أهل الأثر أو أهل الحديث أو الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجية.
أصول عقيدة أهل السنة والجماعة:
? هي أصول الإسلام الذي هو عقيدة بلا فِرَق ولا طرق ولذلك فإن قواعد وأصول أهل السنة الجماعة في مجال التلقي والاستدلال تتمثل في الآتي:
ـ مصدر العقيدة هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع (*) السلف الصالح.
ـ كل ما ورد في القرآن الكريم هو شرع للمسلمين وكل ما صَحَّ من سنة رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وإن كان آحادًا (*) .
ـ المرجع في فهم الكتاب والسنة هو النصوص التي تبينها، وفهم السلف الصالح ومن سار على منهجهم.
ـ أصول الدين كلها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد تحت أي ستار، أن يحدث شيئًا في الدين (*) زاعمًا أنه منه.
ـ التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس ولا ذوق ولا كشفٍ (*) مزعوم ولا قول شيخ موهوم ولا إمام ولا غير ذلك.
ـ العقل (*) الصريح موافق للنقل الصحيح ولا تعارض قطعيًّا بينهما وعند توهم
التعارض يقدم النقل على العقل.
ـ يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة وتجنب الألفاظ البدعية.
ـ العصمة ثابتة لرسول (*) الله صلى الله عليه وسلم، والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، أما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، والمرجع عند الخلاف يكون للكتاب والسنة مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة.
ـ الرؤيا الصالحة حق وهي جزء من النبوة (*) والفراسة الصادقة حق وهي كرامات (*) ومبشرات ـ بشرط موافقتها للشرع ـ غير أنها ليست مصدرًا للعقيدة ولا للتشريع.
ـ المراء في الدين (*) مذموم والمجادلة بالحسنى مشروعة، ولا يجوز الخوض فيما صح النهي عن الخوض فيه.
ـ يجب الالتزام بمنهج (*) الوحي في الرد، ولا ترد البدعة (*) ببدعة ولا يقابل الغلو (*) بالتفريط ولا العكس.
ـ كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
التوحيد العلمي الاعتقادي:
ـ الأصل في أسماء الله وصفاته: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل (*) ؛ ولا تكييف (*) ؛ ونفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف (*) ولا تعطيل (*)، كما قال تعالى:(ليس كمِثْلِه شيءٌ وهو السميع البصير) مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص، وما دلّت عليه.
ـ الإيمان بالملائكة الكرام إجمالاً، وأما تفصيلاً، فبما صحّ به الدّليل من أسمائهم وصفاتهم، وأعمالهم بحسب علم المكلف.
ـ الإيمان بالكتب المنزلة جميعها، وأن القرآن الكريم أفضلها، وناسخها، وأن ما قبله طرأ عليه التحريف، وأنه لذلك يجب إتباعه دون ما سبقه.
ـ الإيمان بأنبياء الله، ورسله ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وأنهم أفضل ممن سواهم من البشر، ومن زعم غير ذلك فقد كفر (*) .
ـ الإيمان بانقطاع الوحي (*) بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ومن اعتقد خلاف ذلك كَفَر.
ـ الإيمان باليوم الآخر، وكل ما صح فيه من الأخبار، وبما يتقدمه من العلامات والأشراط.
ـ الإيمان بالقدر، خيره وشره من الله تعالى، وذلك: بالإيمان بأن الله تعالى علم ما
يكون قبل أن يكون وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون إلا ما يشاء، والله تعالى على كل شيء قدير وهو خالق كل شيء، فعال لما يريد.
ـ الإيمان بما صحّ الدليل عليه من الغيبيات، كالعرش والكرسي، والجنة والنار، ونعيم القبر وعذابه، والصراط والميزان، وغيرها دون تأويل (*) شيء من ذلك.
ـ الإيمان بشفاعة النبي (*) صلى الله عليه وسلم وشفاعة الأنبياء والملائكة، والصالحين، وغيرهم يوم القيامة. كما جاء تفصيله في الأدلة الصحيحة.
ـ رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الجنة وفي المحشر حقّ، ومن أنكرها أو أوَّلها فهو زائغ ضال، وهي لن تقع لأحد في الدنيا.
ـ كرامات (*) الأولياء (*) والصالحين حقّ، وليس كلّ أمر خارق للعادة كرامة، بل قد يكون استدراجًا. وقد يكون من تأثير الشياطين والمبطلين، والمعيار في ذلك موافقة الكتاب والسنة، أو عدمها.
ـ المؤمنون كلّهم أولياء الرحمن، وكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه.
التوحيد الإرادي الطلبي (توحيد الألوهية)
.
ـ الله تعالى واحد أحد، لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته وهو رب العالمين، المستحق وحده لجميع أنواع العبادة.
ـ صرف شيء من أنواع العبادة كالدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكل، والخوف، والرجاء، والحبّ، ونحوها لغير الله تعالى شرك أكبر، أيًّا كان المقصود بذلك، ملكًا مُقرّبًاً، أو نبيًّا مرسلاً، أو عبدًا صالحًا، أو غيرهم.
ـ من أصول العبادة أن الله تعالى يُعبد بالحبّ والخوف والرجاء جميعًا، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال.
ـ التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالله تعالى حَكَمًا من الإيمان به ربًّا وإلهًا، فلا شريك له في حكمه وأمره.
وتشريع ما لم يأذن به الله، والتحاكم إلى الطاغوت (*) ، واتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وتبديل شيء منها كفر (*) ، ومن زعم أن أحدًا يسعه الخروج عنها فقد كفر.
ـ الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر، وقد يكون كفرًا دون كفر.
فالأول كتجويز الحكم بغير شرع الله، أو تفضيله على حكم الله، أو مساواته به، أو إحلال (القوانين الوضعية) بدلا عنه.
والثاني العدول عن شرع الله، في واقعة معينة لهوى مع الالتزام بشرع الله.
ـ تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة وشريعة تلزم العامة دون الخاصة، وفصل
السياسة أو غيرها عن الدين (*) باطل؛ بل كل ما خالف الشريعة (*) من حقيقة أو سياسة أو غيرها، فهو إما كفر (*) ، وإما ضلال، بحسب درجته.
ـ لا يعلم الغيب إلا الله وحده، واعتقاد أنّ أحدًا غير الله يعلم الغيب كُفر، مع الإيمان بأن الله يُطْلع بعض رسله على شيء من الغيب.
ـ اعتقاد صدق المنجمين (*) والكهان (*) كفر، وإتيانهم والذهاب إليهم كبيرة (*) .
ـ الوسيلة المأمور بها في القرآن هي ما يُقرّب إلى الله تعالى من الطاعات المشروعة.
ـ
والتوسل ثلاثة أنواع:
1 ـ مشروع: وهو التوسل إلى الله تعالى، بأسمائه وصفاته، أو بعمل صالح من المتوسل، أو بدعاء الحي الصالح.
2 ـ بدعي: وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع، كالتوسل بذوات الأنبياء، والصالحين، أو جاههم، أو حقهم، أو حرمتهم، ونحو ذلك.
3 ـ شركي: وهو اتخاذ الأموات وسائط في العبادة، ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم ونحو ذلك.
ـ البركة من الله تعالى، يَخْتَصُّ بعض خلقه بما يشاء منها، فلا تثبت في شيء إلا بدليل. وهي تعني كثرة الخير وزيادته، أو ثبوته لزومه.
والتبرك من الأمور التوقيفية، فلا يجوز التبرك إلا بما ورد به الدليل.
ـ
أفعال الناس عند القبور وزيارتها ثلاثة أنواع:
1 ـ مشروع: وهو زيارة القبور؛ لتذكّر الآخرة، وللسلام على أهلها، والدعاء لهم.
2 ـ بدعي يُنافي كمال التوحيد، وهو وسيلة من وسائل الشرك، وهو قصد عبادة الله تعالى والتقرب إليه عند القبور، أو قصد التبرك بها، أو إهداء الثواب عندها، والبناء عليها، وتجصيصها وإسراجها، واتخاذها مساجد، وشدّ الرّحال إليها، ونحو ذلك مما ثبت النهي عنه، أو مما لا أصل له في الشرع.
3 ـ شركيّ ينافي التوحيد، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لصاحب القبر، كدعائه من دون الله، والاستعانة والاستغاثة به، والطواف، والذبح، والنذر له، ونحو ذلك.
ـ الوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدّها، فإن كل محدثة في الدين بدعة (*) . وكل بدعة ضلالة.
الإيمان:
ـ الإيمان قول، وعمل، يزيد، وينقص، فهو: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح. فقول القلب: اعتقاده وتصديقه، وقول اللسان: إقراره. وعمل القلب: تسليمه وإخلاصه، وإذعانه، وحبه وإرادته للأعمال الصالحة.
وعمل الجوارح: فعل المأمورات، وترك المنهيات.
ـ مرتكب الكبيرة (*) لا يخرج من الإيمان، فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان، وفي الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، والموحدون كلهم مصيرهم إلى الجنة وإن عذِّب منهم بالنار من عذب، ولا يخلد أحد منهم فيها قط.
ـ لا يجوز القطع لمعيَّن من أهل القبلة بالجنة أو النار إلا من ثبت النص في حقه.
ـ الكفر (*) من الألفاظ الشرعية وهو قسمان: أكبر مخرج من الملة، وأصغر غير مخرج من الملة ويسمى أحيانًا بالكفر العملي.
ـ التكفير (*) من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة، فلا يجوز تكفير مسلم بقول أو فعل ما لم يدل دليل شرعي على ذلك، ولا يلزم من إطلاق حكم الكفر على قول أو فعل ثبوت موجبه في حق المعيَّن إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع. والتكفير من أخطر الأحكام فيجب التثبت والحذر من تكفير المسلم، ومراجعة العلماء الثقات في ذلك.
? القرآن والكلام:
القرآن كلام الله (حروفه ومعانيه) مُنزل غير مخلوق؛ منه بدأ؛ وإليه يعود، وهو معجز دال على صدق من جاء به صلى الله عليه وسلم. ومحفوظ إلى يوم القيامة.
? القدر:
من أركان الإيمان، الإيمان بالقدر (*) خيره وشره، من الله تعالى، ويشمل:
ـ الإيمان بكل نصوص القدر ومراتبه؛ (العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق) ، وأنه تعالى لا رادّ لقضائه، ولا مُعقّب لحكمه.
ـ هداية العباد وإضلالهم بيد الله، فمنهم من هداه الله فضلاً. ومنهم من حقت عليه الضلالة عدلاً.
ـ العباد وأفعالهم من مخلوقات الله تعالى، الذي لا خالق سواه، فالله خالقٌ لأفعال العباد، وهم فاعلون لها على الحقيقة.
ـ إثبات الحكمة في أفعال الله تعالى، وإثبات الأسباب بمشيئة الله تعالى.
الجماعة والإمامة:
ـ الجماعة هم أصحاب النبي (*) صلى الله عليه وسلم، والتابعون لهم بإحسان، المتمسكون بآثارهم إلى يوم القيامة، وهم الفرقة الناجية.
ـ وكل من التزم بمنهجهم (*) فهو من الجماعة، وإن أخطأ في بعض الجزئيات.
ـ لا يجوز التفرّق في الدين (*) ، ولا الفتنة بين المسلمين، ويجب ردّ ما اختلف فيه المسلمون إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح.
ـ من خرج عن الجماعة وجب نصحه، ودعوته، ومجادلته بالتي هي أحسن، وإقامة الحجة عليه، فإن تاب وإلا عوقب بما يستحق شرعًا.
ـ إنما يجب حمل الناس على الجُمَل الثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع (*) ، ولا يجوز امتحان عامة المسلمين بالأمور الدقيقة، والمعاني العميقة.
ـ الأصل في جميع المسلمين سلامة القصد المعتقد، حتى يظهر خلاف ذلك، والأصل حمل كلامهم على المحمل الحسن، ومن ظهر عناده وسوء قصده فلا يجوز تكلّف التأويلات له.
ـ الإمامة الكبرى تثبت بإجماع الأمة، أو بيعة ذوي الحل والعقد منهم، ومن تغلّب حتى اجتمعت عليه الكلمة وجبت طاعته بالمعروف، ومناصحته، وحرم الخروج عليه إلا إذا ظهر منه كفر (*) بواح فيه من الله برهان. وكانت عند الخارجين القدرة على ذلك.
ـ الصلاة والحج والجهاد (*) واجبة مع أئمة المسلمين وإن جاروا.
ـ يحرم القتال بين المسلمين على الدنيا، أو الحمية الجاهلية (*) ؛ وهو من أكبر الكبائر (*) ، وإنما يجوز قتال أهل البدعة (*) والبغي، وأشباههم، إذا لم يمكن دفعهم بأقل من ذلك، وقد يجب بحسب المصلحة والحال.
ـ الصحابة الكرام كلهم عدول، وهم أفضل هذه الأمة، والشهادة لهم بالإيمان والفضل أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة، ومحبّتهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق، مع الكفّ عما شجر بينهم، وترك الخوض فيما يقدح في قدرهم.
وأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وهم الخلفاء الراشدون. وتثبت خلافة كل منهم حسب ترتبيهم.
ـ من الدين محبة آل بيت رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم وتولّيهم، وتعظيم قدر أزواجه ـ أمهات المؤمنين، ومعرفة فضلهن، ومحبة أئمة السلف، وعلماء السنة والتابعين لهم بإحسان ومجانبة أهل البدع والأهواء.
ـ
الجهاد (*) في سبيل الله ذورة سنامِ الإسلام، وهو ماضٍ إلى قيام الساعة.
ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الإسلام. وأسباب حفظ جماعته، وهما يجبان بحسب الطاقة، والمصلحة معتبرة في ذلك.
أهم خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة
? أهل السنة والجماعة (*) هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة وكما أن لهم منهجًا (*) اعتقاديًّا فإن لهم أيضًا منهجهم وطريقهم الشامل الذي ينتظم فيه كل أمر يحتاجه كل مسلم لأن منهجهم هو الإسلام الشامل الذي شرعه النبي (*) صلى الله عليه وسلم. وهم على تفاوت فيما بينهم، لهم خصائص وسمات تميزهم عن غيرهم منها:
ـ الاهتمام بكتاب الله: حفظًا وتلاوة، وتفسيرًا، والاهتمام بالحديث: معرفة وفهمًا وتمييزًا لصحيحه من سقيمه، (لأنهما مصدرا التلقي) ، مع إتباع العلم بالعمل.
ـ الدخول في الدّين (*) كله، والإيمان بالكتاب كله، فيؤمنون بنصوص الوعد، ونصوص الوعيد، وبنصوص الإثبات، ونصوص التنزيه ويجمعون بين الإيمان بقدر الله، وإثبات إرادة العبد، ومشيئته، وفعله، كما يجمعون بين العلم والعبادة، وبين القُوّة والرحمة، وبين العمل مع الأخذ بالأسباب وبين الزهد.
ـ الإتباع، وترك الابتداع، والاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف في الدين.
ـ الإقتداء والاهتداء بأئمة الهدى العدول، المقتدى بهم في العلم والعمل والدعوة من الصحابة ومن سار على نهجهم، ومجانبة من خالف سبيلهم.
ـ التوسط: فَهُمْ في الاعتقاد وسط بين فرق الغلو (*) وفرق التفريط، وهم في الأعمال والسلوك وسط بين المُفرطين والمفرِطين.
ـ الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحقّ وتوحيد صفوفهم على التوحيد والإتباع، وإبعاد كل أسباب النزاع والخلاف بينهم.
ـ ومن هنا لا يتميزون عن الأمة في أصول الدين باسم سوى السنة والجماعة، ولا يوالون (*) ولا يعادون، على رابطة سوى الإسلام والسنة.
ـ يقومون بالدعوة إلى الله الشاملة لكل شيء في العقائد والعبادات وفي السلوك والأخلاق (*) وفي كل أمور الحياة وبيان ما يحتاجه كل مسلم كما أنهم يحذرون من النظرة
التجزيئية للدين فينصرون الواجبات والسنن كما ينصرون أمور العقائد والأمور الفرعية ويعلمون أن وسائل الدعوة متجددة فيستفيدون من كل ما جد وظهر ما دام مشروعًا. والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بما يوجبه الشرع، والجهاد (*) وإحياء السنة، والعمل لتجديد الدين (*) ، وإقامة شرع الله وحكمه في كل صغيرة وكبيرة ويحذرون من التحاكم إلى الطاغوت (*) أو إلى غير ما أنزل الله.
ـ الإنصاف والعدل: فهم يراعون حق الله ـ تعالى ـ لا حقّ النفس أو الطائفة، ولهذا لا يغلون في مُوالٍ، ولا يجورون على معاد، ولا يغمطون ذا فضل فضله أيًّا كان، ومع ذلك فهم لا يقدسون الأئمة والرجال على أنهم معصومون وقاعدتهم في ذلك: كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا عصمة إلا للوحي (*) وإجماع (*) السلف.
ـ يقبلون فيما بينهم تعدد الاجتهادات في بعض المسائل التي نقل عن السلف الصالح النزاع فيها دون أن يُضلل المخالف في هذه المسائل فهم عالمون بآداب الخلاف التي أرشدهم إليها ربهم جلّ وعلا ونبيهم صلى الله عليه وسلم.
ـ يعتنون بالمصالح والمفاسد ويراعونها، ويعلمون أن الشريعة (*) جاءت بتحصيل المصالح وتعطيل المفاسد وتقليلها، حيث درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ـ أن لهم موقفًا من الفتن عامة: ففي الابتلاء يقومون بما أوجب الله تعالى تجاه هذا الابتلاء.
ـ وفي فتنة الكفر يحاربون الكفر (*) ووسائله الموصلة إليه بالحجة والبيان والسيف والسنان بحسب الحاجة والاستطاعة.
ـ وفي الفتنة يرون أن السلامة لا يعدلها شيء والقعود أسلم إلا إذا تبين لهم الحق وظهر بالأدلة الشرعية فإنهم ينصرونه ويعينونه بما استطاعوا.
ـ يرون أن أصحاب البدع (*) متفاوتون قربًا وبعدًا عن السنة فيعامل كل بما يستحق ومن هنا انقسمت البدع إلى: بدع لا خلاف في عدم تكفير أصحابها مثل المرجئة (*) والشيعة (*) المفضلة، وبدع هناك خلاف في تكفير أو عدم تكفير أصحابها مثل الخوارج (*) والروافض (*) ، وبدع لا خلاف في تكفير أصحابها بإطلاق مثل الجهمية (*) المحضة.
ـ يفرقون بين الحكم المطلق على أصحاب البدع عامة بالمعصية أو الفسق أو الكفر (*) وبين الحكم على المعين حتى يبين له مجانبة قوله للسنة وذلك بإقامة الحجة وإزالة الشبهة.
ـ ولا يجوزون تكفير أو تفسيق أو حتى تأثيم علماء المسلمين لاجتهاد (*) خاطئ أو تأويل بعيد خاصة في المسائل المختلف فيها.
ـ
يفرقون في المعاملة بين المستتر ببدعته والمظهر لها والداعي إليها.
ـ يفرقون بين المبتدعة من أهل القبلة مهما كان حجم بدعتهم وبين من عُلم كفره بالاضطرار من دين الإسلام كالمشركين وأهل الكتاب وهذا في الحكم الظاهر على العموم مع علمهم أن كثيرًا من أهل البدع منافقون وزنادقة (*) في الباطن.
ـ يقومون بالواجب تجاه أهل البدع ببيان حالهم، والتحذير منهم وإظهار السنة وتعريف المسلمين بها وقمع البدع (*) بما يوجبه الشرع من ضوابط.
ـ يصلون الجمع والجماعات والأعياد خلف الإمام مستور الحال ما لم يظهر منه بدعة (*) أو فجور فلا يردون بدعة ببدعة.
ـ لا يُجٍوزون الصلاة خلف من يظهر البدعة أو الفجور مع إمكانها خلف غيره، وإن وقعت صحت، ويُؤَثِّمون فاعلها إلا إذا قُصد دفع مفسدة أعظم، فإن لم يوجد إلا مثله، أو شرّ منه جازت خلفه، ولا يجوز تركها، ومن حُكِمَ بكفره فلا تصح الصلاة خلفه.
ـ فِرقُ أهل القبلة الخارجة عن السنة متوعدون بالهلاك والنار، وحكمهم حكم عامة أهل الوعيد، إلا من كان منهم كافرًا في الباطن.
ـ والفرق الخارجة عن الإسلام كُفّار في الجملة، وحكمهم حكم المرتدين.
ولأهل السنة والجماعة (*) أيضًا منهج (*) شامل في تزكية النفوس وتهذيبها، وإصلاح القلوب وتطهيرها، لأن القلب عليه مدار إصلاح الجسد كله وذلك بأمور منها:
ـ إخلاص التوحيد لله تعالى والبعد عن الشرك والبدعة مما ينقص الإيمان أو ينقصه من أصله.
ـ التعرف على الله جل وعلا بفهم أسمائه الحسنى وصفاته العلى ومدارستها وتفهم معانيها والعمل بمقتضياتها؛ لأنها تورث النفس الحب والخضوع والتعظيم والخشية والإنابة والإجلال لله تعالى.
ـ طاعة الله ورسوله بأداء الفرائض والنوافل كاملة مع العناية بالذكر وتلاوة القرآن الكريم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصيام وإيتاء الزكاة وأداء الحج والعمرة وغير ذلك مما شرع الله تعالى.
ـ اجتناب المحرمات والشبهات مع البعد عن المكروهات.
ـ البعد عن رهبانية النصرانية والبعد عن تحريم الطيبات والبعد عن سماع المعازف
والغناء وغير ذلك.
ـ يسيرون إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء ويعبدونه تعالى بالحب والخوف والرجاء.
? ومن أهم سماتهم: التوافق في الأفهام، والتشابه في المواقف، رغم تباعد الأقطار والأعصار، وهذا من ثمرات وحدة المصدر والتلقي.
ـ الإحسان والرّحمة وحسن الخُلق مع الناس كافةً فهم يأتمون بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في علاقاتهم مع بعضهم أو مع غيرهم.
ـ النصيحة لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ـ الاهتمام بأمور المسلمين ونصرتهم، وأداء حقوقهم، وكفّ الأذى عنهم.
ـ موالاة المؤمن لإيمانه بقدر ما عنده من إيمان ومعاداة الكافر لكفره ولو كان أقرب قريب.
? لا يعد من اجتهد في بيان نوع من أصول أهل السنة مبتدعًا ولا مفرطًا ما دام لا يخالف شيئًا من أصول أهل السنة والجماعة (*) .
? كل من يعتقد بأصول أهل السنة والجماعة ويعمل على هديها فهو من أهل السنة ولو وقع في بعض الأخطاء التي يُبدّع من خالف فيها.
مراجع للتوسع:
ـ الإيمان ـ لأبي عبيد القاسم بن سلاّم.
ـ الإيمان ـ لابن منده.
ـ الإبانة ـ لابن بطة.
ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ـ أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي.
ـ عقيدة أصحاب الحديث ـ الإمام أبو عثمان الصابوني.
ـ الإبانة ـ لأبي الحسن الأشعري.
ـ التوحيد وصفات الرب ـ لابن خزيمة.
ـ شرح العقيدة الطحاوية ـ لابن أبي العز الحنفي.
ـ منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية ـ ابن تيمية.
ـ درء تعارض العقل والنقل ـ ابن تيمية.
ـ طريق الهجرتين ـ ابن قيم الجوزية.
ـ مجموع الفتاوى ـ لابن تيمية.
ـ كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ـ محمد بن عبد الوهاب.
ـ معارج القبول شرح سلم الوصول ـ حافظ أحد الحكمي.
ـ مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة ـ د. ناصر بن عبد الكريم العقل.
ـ منهج الاستدلال عند أهل السنة والجماعة ـ عثمان علي حسن.
ـ أهل السنة والجماعة معالم الانطلاقة الكبرى ـ محمد عبد الهادي المصري.
ـ نواقض الإيمان القولية والعملية ـ د. عبد العزيز العبد اللطيف.
ـ منهج أهل السنة في تقويم الرجال ـ أحمد الصويان.
ـ مفهوم أهل السنة عند أهل السنة ـ د. ناصر بن عبد الكريم العقل.
ـ الأصول العلمية للدعوة السلفية ـ عبد الرحمن عبد الخالق.
ـ الزهاد الأوائل ـ د. مصطفى حلمي.
ـ معالم السلوك في تزكية النفوس عند أهل السنة والجماعة ـ د. عبد العزيز العبد اللطيف.
ـ قواعد المنهج السلفي ـ د. مصطفى حلمي.
ـ السلفية بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية ـ د. مصطفى حلمي.
الفرق العقائدية في الإسلام:
1-
الشيعة الإمامية الاثنا عشرية
2-
الإباضية
3-
المعتزلة
4-
الزيدية
5-
الأشاعرة
6-
الماتريدية
الشيعة الإمامية الاثنا عشرية
التعريف:
الشيعة (*) الإمامية الاثنا عشرية هم تلك الفرقة من المسلمين الذين زعموا أن عليًا هو الأحق في وراثة الخلافة (*) دون الشيخين وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وقد أطلق عليهم الإمامية لأنهم جعلوا من الإمامة القضية الأساسية التي تشغلهم وسُمُّوا بالاثنى عشرية لأنهم قالوا باثني عشر إمامًا دخل آخرهم السرداب بسامراء على حد زعمهم. كما أنهم القسم المقابل لأهل السنة والجماعة في فكرهم وآرائهم المتميزة، وهم يعملون لنشر مذهبهم ليعم العالم الإسلامي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· الاثنا عشر إمامًا الذين يتخذهم الإمامية أئمة لهم يتسلسلون على النحو التالي:
ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي يلقبونه بالمرتضى ـ رابع الخلفاء الراشدين، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مات غيلةً حينما أقدم الخارجي عبد الرحمن بن ملجم على قتله في مسجد الكوفة في 17 رمضان سنة 40 هـ.
ـ الحسن بن علي رضي الله عنهما، ويلقبونه بالمجبتى (3 ـ 50هـ) .
ـ الحسين بن علي رضي الله عنهما ويلقبونه بالشهيد (4 ـ 61هـ) .
ـ علي زين العابدين بن الحسين (38 ـ 95 هـ) ويلقبونه بالسَّجَّاد.
ـ محمد الباقر بن علي زين العابدين (57 ـ 114هـ) ويلقبونه بالباقر.
ـ جعفر الصادق بن محمد الباقر (83 ـ 148هـ) ويلقبونه بالصادق.
ـ موسى الكاظم بن جعفر الصادق (128 ـ 183هـ) ويلقبونه بالكاظم.
ـ علي الرضا بن موسى الكاظم (148 ـ 203هـ) ويلقبونه بالرضى.
ـ محمد الجواد بن علي الرضا (195 ـ 220هـ) ويلقبونه بالتقي.
ـ علي الهادي بن محمد الجواد (212 ـ 254هـ) ويلقبونه بالنقي.
ـ الحسن العسكري بن علي عبد الهادي (232 ـ 260هـ) ويلقبونه بالزكي.
ـ محمد المهدي بن الحسن العسكري (256هـ ـ
…
) ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر.
يزعمون بأن الإمام الثاني عشر قد دخل سردابًا في دار أبيه بِسُرَّ مَنْ رأى ولم يعد، وقد اختلفوا في سِنّه وقت اختفائه فقيل أربع سنوات وقيل ثماني سنوات، غير أن معظم الباحثين يذهبون إلى أنه غير موجود أصلاً وأنه من اختراعات الشيعة (*) ويطلقون عليه لقب (المعدوم أو الموهوم) .
· من شخصياتهم البارزة تاريخيًّا عبد الله بن سبأ، وهو يهودي من اليمن. أظهر الإسلام ونقل ما وجده في الفكر اليهودي إلى التشيع كالقول بالرجعة (*) ، وعدم الموت، وملك الأرض، والقدرة على أشياء لا يقدر عليها أحد من الخلق، والعلم بما لا يعلمه أحد، وإثبات البداء (*) والنسيان على الله عز وجل تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا. وقد كان يقول في يهوديته بأن يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام، فقال في الإسلام بأن عليًّا وصي محمد صلى الله عليه وسلم، تنقل من المدينة إلى مصر والكوفة والفسطاط والبصرة، وقال لعلي:"أنت أنت" أي أنت الله مما دفع عليًّا إلى أن يهم بقتله لكن عبد الله بن عباس نصحه بأن لا يفعل، فنفاه إلى المدائن.
· منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي المتوفى سنة 588هـ صاحب كتاب الاحتجاج طبع في إيران سنة 1302هـ.
· الكُلَيني صاحب كتاب الكافي المطبوع في إيران سنة 1278هـ وهو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة (*) ويزعمون بأن فيه 16199 حديثًا.
· الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320هـ والمدفون في المشهد المرتضوي بالنجف، وهو صاحب كتاب فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رَبِّ الأرباب؛ يزعم فيه بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه. ومن ذلك ادعاؤهم في سورة الانشراح نقص عبارة (وجعلنا عليًّا صهرك) ، معاذ الله أن يكون ادعاؤهم هذا صحيحًا. وقد طبع هذا الكتاب في إيران سنة 1289هـ.
· آية الله المامقاني صاحب كتاب تنقيح المقال في أحوال الرجال وهو لديهم إمام الجرح والتعديل، وفيه يطلق على أبي بكر وعمر لقب الجبت والطاغوت، انظر 1/207 ـ طبع 1352 بالمطبعة المرتضوية بالنجف.
· أبو جعفر الطوسي صاحب كتاب تهذيب الأحكام، ومحمد بن مرتضى المدعو ملا محسن الكاشي صاحب كتاب الوافي ومحمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة إلى أحاديث الشريعة ومحمد باقر بن الشيخ محمد تقي المعروف بالمجلسي صاحب كتاب بحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار وفتح الله الكاشاني صاحب كتاب منهج الصادقين وابن أبي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة.
· آية الله الخميني: من رجالات الشيعة (*) المعاصرين، قاد ثورة شيعية في إيران تسلمت زمام الحكم، وله كتاب كشف الأسرار وكتاب الحكومة الإسلامية. وقد قال بفكرة ولاية الفقيه. وبالرغم من أنه رفع شعارات إسلامية عامة في بداية الثورة (*) ، إلا أنه ما لبث أن كشف عن نزعة شيعية متعصبة ضيقة ورغبة في تصدير ثورته إلى بقية العالم الإسلامي فقد اتخذ إجراءات أدى بعضها مع أسباب أخرى إلى قيام حرب استمرت ثماني سنوات مع العراق.
الأفكار والمعتقدات:
· الإمامة: وتكون بالنص، إذ يجب أن ينص الإمام السابق على الإمام اللاحق بالعين لا بالوصف، وأن الإمامة من الأمور الهامة التي لا يجوز أن يفارق النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ويتركها هملاً يرى كل واحد منهم رأيًّا. بل يجب أن يعين شخصًا هو المرجوع إليه والمعوَّل عليه.
ـ يستدلون على ذلك بأن النبي (*) صلى الله عليه وسلم قد نص على إمامة علي من بعده نصًًّا ظاهرًا يوم غدير خم، وهي حادثة لا يثبتها محدثو أهل السنة (*) ولا مؤرخوهم.
ـ ويزعمون أن عليًّا قد نص على ولديه الحسن والحسين.. وهكذا.. فكل إمام يعين الإمام الذي يليه بوصية منه. ويسمونهم الأوصياء.
· العصمة: كل الأئمة معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر.
· العلم اللدني: كل إمام من الأئمة أُودع العلم من لدن الرسول (*) صلى الله عليه وسلم، بما يكمل الشريعة، وهو يملك علمًا لدنيًّا ولا يوجد بينه وبين النبي من فرق سوى أنه لا يوحى إليه، وقد استودعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرار الشريعة ليبينوا للناس ما يقتضيه زمانهم.
· خوارق العادات: يجوز أن تجري هذه الخوارق على يد الإمام، ويسمون ذلك معجزة (*) ، وإذا لم يكن هناك نص على إمام من الإمام السابق عليه وجب أن يكون إثبات الإمامة في هذه الحالة بالخارقة.
· الغيبة: يرون أن الزمان لا يخلو من حجة لله عقلاً وشرعًا، ويترتب على ذلك أن الإمام الثاني عشر قد غاب في سردابه، كما زعموا، وأن له غيبة صغرى وغيبة كبرى، وهذا من أساطيرهم.
· الرجعة (*) : يعتقدون أن الحسن العسكري سيعود في آخر الزمان عندما يأذن الله له بالخروج، وكان بعضهم يقف بعد صلاة المغرب بباب السرداب وقد قدموا مركبًا، فيهتفون باسمه، ويدعونه للخروج، حتى تشتبك النجوم، ثم ينصرفون ويرجئون الأمر إلى الليلة التالية. ويقولون بأنه حين عودته سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، وسيقتص من خصوم الشيعة (*) على مدار التاريخ، ولقد قالت الإمامية قاطبة بالرجعة، وقالت بعض فرقهم الأخرى برجعة بعض الأموات.
· التقية (*) : وهم يعدونها أصلاً من أصول الدين، ومن تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة، وهي واجبة لا يجوز رفعها حتى يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية، كما يستدلون على ذلك بقوله تعالى:(إلا أن تتقوا منهم تقاة) وينسبون إلى أبي جعفر الإمام الخامس قوله: "التقية ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له" وهم يتوسعون في مفهوم التقية إلى حد كبير.
· المتعة: يرون بأن متعة النساء خير العادات وأفضل القربات مستدلين على ذلك بقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) وقد حرم الإسلام هذا الزواج الذي تشترط فيه مدة محدودة، فيما يشترط معظم أهل السنة وجوب استحضار نية التأبيد، ولزواج المتعة آثار سلبية كثيرة على المجتمع تبرر تحريمه.
· يعتقدون بوجود مصحف لديهم اسمه مصحف فاطمة (1) : ويروي الكُليني في كتابه الكافي في صفحة 57 طبعة 1278هـ عن أبي بصير أي "جعفر الصادق": "وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه حرف واحد من قرآنكم".
· البراءة: يتبرؤون من الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان وينعتونهم بأقبح الصفات لأنهم ـ كما يزعمون ـ اغتصبوا الخلافة دون علي الذي هو أحق منهم بها، كما يبدؤون بلعن أبي بكر وعمر بدل التسمية في كل أمر ذي بال، وهم ينالون كذلك من كثير من الصحابة باللعن، ولا يتورعون عن النيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
· المغالاة: بعضهم غالى في شخصية علي رضي الله عنه والمغالون من الشيعة (*) رفعوه إلى مرتبة الألوهية كالسبئية (*) ، وبعضهم قالوا بأن جبريل قد أخطأ في الرسالة فنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بدلاً من أن ينزل على علي لأن عليًّا يشبه النبي صلى الله عليه وسلم كما يشبه الغرابُ الغرابَ ولذلك سموا بالغرابية.
(1) ينكر بعض الشيعة المعاصرون مصحف فاطمة والبراءة من الخلفاء وبعض الأمور الأخرى التي وردت في هذا التعريف. لكن هذه موجودة في كتبهم ولم يتبرأ منها علماؤهم على رؤوس الأشهاد وبين الشيعة أنفسهم، مما يوحي أن هذا الإنكار هو من باب التقية التي يطبقونها مع الفرق الإسلامية الأخرى مثل التظاهر بأداء بعض العبادات علانية ومخالفتها سرًا.
· عيد غدير خم: وهو عيد لهم يصادف اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة ويفضلونه على عيدي الأضحى والفطر ويسمونه بالعيد الأكبر، وصيام هذا اليوم عندهم سنة مؤكدة، وهو اليوم الذي يدَّعون فيه بأن النبي قد أوصى فيه بالخلافة (*) لعلي من بعده.
· يعظمون عيد النيروز وهو من أعياد الفرس، وبعضهم يقول: غسل يوم النيروز سُنة.
· لهم عيد يقيمونه في اليوم التاسع من ربيع الأول، وهو عيد أبيهم (بابا شجاع الدين) وهو لقب لَقَّبوا به (أبا لؤلؤة المجوسي) الذي أقدم على قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
· يقيمون حفلات العزاء والنياحة والجزع وتصوير الصور وضرب الصدور وكثير من الأفعال المحرمة التي تصدر عنهم في العشر الأول من شهر محرم معتقدين بأن ذلك قربة إلى الله تعالى وأن ذلك يكفر سيئاتهم وذنوبهم، ومن يزورهم في المشاهد المقدسة في كربلاء والنجف وقم.. فسيرَى من ذلك العجب العجاب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· انعكست في التشيع معتقدات الفرس الذين يدينون لهم بالملك والوراثة وقد ساهم الفرس فيه لينتقموا من الإسلام ـ الذي كسر شوكتهم ـ باسم الإسلام ذاته.
· اختلط الفكر الشيعي بالفكر الوافد من العقائد الآسيوية كالبوذية والمانوية (*) والبرهمية (*) ، وقالوا بالتناسخ (*) وبالحلول (*) .
· استمد التشيع أفكاره من اليهودية التي تحمل بصمات وثنية (*) آشورية وبابلية.
· أقوالهم في علي بن أبي طالب وفي الأئمة من آل البيت تلتقي مع أقوال النصارى في عيسى عليه السلام ولقد شابهوهم في كثرة الأعياد وكثرة الصور واختلاق خوارق العادات وإسنادها إلى الأئمة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
تنتشر فرقة الاثنا عشرية من الإمامية الشيعية الآن في إيران وتتركز فيها، ومنهم عدد كبير في العراق، ويمتد وجودهم إلى الباكستان كما أن لهم طائفة في لبنان. أما في سوريا فهناك طائفة قليلة منهم لكنهم على صلة وثيقة بالنُّصيْرية الذين هم من غلاة الشيعة.
ويتضح مما سبق:
أن التشيع الأول بدأ كحزب (*) يرى أحقية علي بن أبي طالب في الخلافة، ثم تطوَّر حتى أصبح فرقة عقائدية وسياسية انضوى تحت لوائها كل من أراد الكيد للإسلام والدولة المسلمة، حتى أن المتتبع للتاريخ الإسلامي لا يكاد يرى ثورة (*) أو انفصالاً عن الدولة الأم أو مشكلة عقائدية إلا وكان الشيعة بفرقها المتعددة وراءها أو لهم ضلعٌ فيها. ولهذا اصطبغ التاريخ الإسلامي بكثير من الثورات والتمزق، ونظرًا لوجود عناصر مندسَّةً بين المسلمين يهمها استمرار هذا الخلاف فإن المشكلة لم تنته، بل استمر الخلاف وكاد التشيع أن يكون دينًا (*) مختلفًا عن الإسلام تمامًا، وقد استغلت الدوائر الغربية والمستشرقون هذا الخلاف لتصوير المسلمين شيعًا وأحزابًا متناحرة. بل يقارنونه بالمسيحية (*) التي بلغت فرقها المئات.
مراجع للتوسع:
- أصول مذهب الشيعة الإمامية؛ للدكتور ناصر القفاري.
ـ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة ـ المطبعة النموذجية بالقاهرة.
ـ مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري ـ طـ 1 ـ 1379هـ/ 1969م.
ـ الشافعي، محمد أبو زهرة ـ دار الفكر العربي ـ مصر.
ـ تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، د. عبد الله فياض ـ مطبعة أسعد ـ بغداد ـ 1970م.
ـ دراسات في الفِرَق، د. صابر طعيمة ـ مكتبة المعارف بالرياض ـ 1401هـ/1981م.
ـ مختصر التحفة الاثنا عشرية، تحقيق محب الدين الخطيب ـ القاهرة ـ المطبعة السلفية ـ 1373هـ.
ـ الملل والنحل، أبو الفتح الشهرستاني ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ط 2 ـ 1395هـ/ 1975م.
ـ الشيعة والسنة، إحسان إلهي ظهير ـ إدارة ترجمان السنة ـ لاهور ـ الباكستان ـ ط 5 ـ 1397هـ/ 1977م.
ـ الشيعة والتشيع، إحسان إلهي ظهير ـ إدارة ترجمان السنة ـ لاهور ـ طـ 1 ـ 1404هـ/ 1984م.
ـ الشيعة وأهل البيت، إحسان إلهي ظهير ـ إدارة الترجمان السنة ـ ط 3 ـ 1403هـ/ 1983م.
ـ الفِصَل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم ـ جدة ـ طبعة 1402هـ/ 1982م.
ـ الخطوط العريضة، محب الدين الخطيب ـ ط 5 ـ القاهرة ـ المطبعة السلفية ـ 1388هـ.
ـ الصراع بين الشيعة والتشيع، الدكتور موسى الموسوي 1408هـ.
ـ عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في الإسلام، د. سليمان بن حمد العودة ـ ط 2 ـ الرياض ـ دار طيبة.
ـ التقريب بين السنة والشيعة. د. ناصر بن عبد الله القفاري ط 4 ـ الرياض ـ دار طيبة 1416هـ.
الإباضية
التعريف:
الإباضية إحدى فرق الخوارج (*) ، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج وينفون عن أنفسهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلاً، لكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: أن عبد الله بن إباض يعتبر نفسه امتداداً للمحكمة الأولى من الخوارج، كما يتفقون مع الخوارج في تعطيل الصفات والقول بخلق القرآن وتجويز الخروج على أئمة الجور.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· مؤسسها الأول عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم، ويرجع نسبه إلى إباض وهي قرية العارض باليمامة، وعبد الله عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد الملك بن مروان.
·يذكر الإباضية أن أبرز شخصياتهم جابر بن زيد (22ـ93هـ) الذي يعد من أوائل المشتغلين بتدوين الحديث آخذاً العلم عن عبد الله بن عباس وعائشة وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وغيرهم من كبار الصحابة. مع أن جابراً قد تبرأ منهم. (انظر تهذيب التهذيب 2/38) .
· أبو عبيدة مسلمة بن أبي كريمة: من أشهر تلاميذ جابر بن زيد، وقد أصبح مرجع الإباضية بعده مشتهراً بلقب القفاف توفي في ولاية أبي جعفر المنصور 158هـ.
· الربيع بن حبيب الفراهيدي الذي عاش في منتصف القرن الثاني للهجرة وينسبون له مسنداً خاصاً به مسند الربيع بن حبيب وهو مطبوع ومتداول.
· من أئمتهم في الشمال الإفريقي أيام الدولة العباسية: الإمام الحارث بن تليد، ثم أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، ثم أبو حاتم يعقوب بن حبيب ثم حاتم الملزوزي.
· ومنهم الأئمة الذين تعاقبوا على الدولة الرستمية في تاهرت بالمغرب: عبد الرحمن، عبد الوهاب، أفلح، أبو بكر، أبو اليقظان، أبو حاتم.
· من علمائهم:
سلمة بن سعد: قام بنشر مذهبهم في أفريقيا في أوائل القرن الثاني.
ـ ابن مقطير الجناوني: تلقى علومه في البصرة وعاد إلى موطنه في جبل نفوسه بليبيا ليسهم في نشر المذهب (*) الإباضي.
ـ عبد الجبار بن قيس المرادي: كان قاضياً أيام إمامهم الحارث بن تليد.
ـ السمح أبو طالب: من علمائهم في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، كان وزيراً للإمام عبد الوهاب بن رستم ثم عاملاً له على جبل نفوسه ونواحيه بليبيا.
ـ أبو ذر أبان بن وسيم: من علمائهم في النصف الأول من القرن الثالث للهجرة، وكان عاملاً للإمام أفلح بن عبد الوهاب على حيز طرابلس.
الأفكار والمعتقدات:
· يظهر من خلال كتبهم تعطيل (*) الصفات الإلهية، وهم يلتقون إلى حد بعيد مع المعتزلة في تأويل (*) الصفات، ولكنهم يدعون أنهم ينطلقون في ذلك من منطلق عقدي، حيث يذهبون إلى تأويل الصفة تأويلاً مجازياً بما يفيد المعنى دون أن يؤدي ذلك إلى التشبيه (*) ، ولكن كلمة الحق في هذا الصدد تبقى دائماً مع أهل السنة والجماعة (*) المتبعين للدليل، من حيث إثبات الأسماء والصفات العليا لله تعالى كما أثبتها لنفسه، بلا تعطيل ولا تكييف (*) ولا تحريف (*) ولا تمثيل (*) .
· ينكرون رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة؛ رغم ثبوتها في القرآن: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) .
· يؤولون بعض مسائل الآخرة تأويلاً مجازياً كالميزان والصراط.
· أفعال الإنسان خلق من الله واكتساب من الإنسان، وهم بذلك يقفون موقفاً وسطاً بين القدريَّة (*) والجبرية (*) .
· صفات الله ليست زائدة على ذات الله ولكنها هي عين ذاته.
· القرآن لديهم مخلوق، وقد وافقوا الخوارج (*) في ذلك، يقول الأشعري "والخوارج جميعاً يقولون بخلق القرآن"، مقالات الإسلاميين 1/203 طـ 2 ـ 1389هـ/1969م.
· مرتكب الكبيرة (*) ـ عندهم ـ كافر كفر نعمة أو كفر نفاق.
· الناس في نظرهم ثلاثة أصناف:
ـ مؤمنون أوفياء بإيمانهم.
ـ مشركون واضحون في شركهم.
ـ قوم أعلنوا كلمة التوحيد وأقروا بالإسلام لكنهم لم يلتزموا به سلوكاً وعبادة، فهم
ليسوا مشركين لأنهم يقرون بالتوحيد، وهم كذلك ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم لا يلتزمون بما يقتضيه الإيمان، فهم إذن مع المسلمين في أحكام الدنيا لإقرارهم بالتوحيد وهم مع المشركين في أحكام الآخرة لعدم وفائهم بإيمانهم ولمخالفتهم ما يستلزمه التوحيد من عمل أو ترك.
· للدار وحكمها عند محدثي الإباضية صور متعددة، ولكن محدثيهم يتفقون مع القدامى في أن دار مخالفيهم من أهل الإسلام هي دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي.
· يعتقدون بأن مخالفيهم من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم من السلاح والخيل وكل ما فيه من قوة الحرب حلال وما سواه حرام.
· مرتكب الكبيرة كافر (*) ولا يمكن في حال معصيته وإصراره عليها أن يدخل الجنة إذا لم يتب منها، فإن الله لا يغفر الكبائر (*) لمرتكبيها إلا إذا تابوا منها قبل الموت.
ـ الذي يرتكب كبيرة من الكبائر يطلقون عليه لفظة (كافر) زاعمين بأن هذا كفر نعمة أو كفر نفاق لا كفر ملة، بينما يطلق عليه أهل السنة والجماعة (*) كلمة العصيان أو الفسوق، ومن مات على ذلك ـ في نظر أهل السنة ـ فهو في مشيئة الله، إن شاء غفر له بكرمه وإن شاء عذبه بعدله حتى يطهر من عصيانه ثم ينتقل إلى الجنة، أما الإباضية فيقولون بأن العاصي مخلد في النار. وهي بذلك تتفق مع بقية الخوارج والمعتزلة في تخليد العصاة في جهنم.
· ينكرون الشفاعة لعصاة الموحدين؛ لأن العصاة ـ عندهم ـ مخلدون في النار فلا شفاعة لهم حتى يخرجوا من النار.
· ينفون شرط القرشية في الإمام إذ أن كل مسلم صالح لها، إذا ما توفرت فيه الشروط، والإمام الذي ينحرف ينبغي خلعه وتولية غيره.
· يتهجم بعضهم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعلى معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهم.
ـ الإمامة بالوصية باطلة في مذهبهم، ولا يكون اختيار الإمام إلا عن طريق البيعة (*) ، كما يجوز تعدد الأئمة في أكثر من مكان.
ـ لا يوجبون الخروج على الإمام الجائر ولا يمنعونه، وإنما يجيزونه، فإذا كانت الظروف مواتية والمضار فيه قليلة فإن هذا الجواز يميل إلى الوجوب، وإذا كانت الظروف غير مواتية والمضار المتوقعة كثيرة والنتائج غير مؤكدة فإن هذا الجواز يميل إلى المنع. ومع كل هذا فإن الخروج لا يمنع في أي حال، والشراء (*)(أي الكتمان) مرغوب فيه على جميع الأحوال ما دام الحاكم ظالما.
- لا يجوز لديهم أن يدعو شخص لآخر بخير الجنة وما يتعلق بها إلا إذا كان مسلماً موفياً بدينه مستحقاً الولاية بسبب طاعته، أما الدعاء بخير الدنيا وبما يحول الإنسان من أهل الدنيا إلى أهل الآخرة فهو جائز لكل أحد من المسلمين تقاة وعصاة.
· لديهم نظام اسمه (حلقة العزابة) وهي هيئة محدودة العدد تمثل خيرة أهل البلد علماً وصلاحاً وتقوم بالإشراف الكامل على شؤون المجتمع الإباضي الدينية والتعليمية والإجتماعية والسياسية، كما تمثل مجلس الشورى في زمن الظهور الدفاع، أما في زمن الشراء والكتمان فإنها تقوم بعمل الإمام وتمثله في مهامه.
ـ لديهم منظمة اسمها (ايروان) تمثل المجلس الاستشاري المساعد للعزابة وهي القوة الثانية في البلد بعدها.
ـ يشكلون من بينهم لجاناً تقوم على جمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء، كما تمنع منعاً باتاً طلب الزكاة أو الاستجداء وما إلى ذلك من صور انتظار العطاء.
ـ انشق عن الإباضية عدد من الفرق التي اندثرت وهي:
ـ الحفصية: أصحاب حفص بن أبي المقدام.
ـ الحارثية: أصحاب الحارث الإباضي.
ـ اليزيدية: أصحاب يزيد بن أنيسة. الذي زعم أن الله سيبعث رسولاً من العجم، وينزل عليه كتاباً من السماء، ومن ثم ترك شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد تبرأ سائر الإباضية من أفكارهم وكفروهم لشططهم وابتعادهم عن الخط الإباضي الأصلي، الذي ما يزال إلى يومنا هذا.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· الإباضيون يعتمدون في السنة على ما يسمونه (مسند الربيع بن حبيب) - وهو مسند غير ثابت كما بين ذلك العلماء المحققون -.
· ولقد تأثروا بمذهب أهل الظاهر، إذا أنهم يقفون عند بعض النصوص الدينية موقفاً حرفيًّا ويفسرونها تفسيراً ظاهرياً.
· وتأثروا كذلك بالمعتزلة في قولهم بخلق القرآن.
·يعتبر كتاب النيل وشفاء العليل ـ الذي شرحه الشيخ محمد بن يوسف إطْفَيِّش المتوفى سنة 1332هـ ـ من أشهر مراجعهم. جمع فيه فقه المذهب الإباضي وعقائده.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· كانت لهم صولة وجولة في جنوبي الجزيرة العربية حتى وصلوا إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، أما في الشمال الإفريقي فقد انتشر مذهبهم بين البربر وكانت لهم دولة عرفت باسم الدولة الرستمية وعاصمتها تاهرت.
· حكموا الشمال الإفريقي حكماً متصلاً مستقلاً زهاء مائة وثلاثين سنة حتى أزالهم الرافضة (العبيديون) .
· قامت للإباضية دولة مستقلة في عُمان وتعاقب على الحكم فيها إلى العصر الحديث أئمة إباضيون.
· من حواضرهم التاريخية جبل نفوسة بليبيا، إذ كان معقلاً لهم ينشرون منه المذهب الإباضي، ومنه يديرون شؤون الفرقة الإباضية.
· ما يزال لهم وجود إلى وقتنا الحاضر في كل من عُمان بنسبة مرتفعة وليبيا وتونس والجزائر وفي واحات الصحراء الغربية وفي زنجبار التي ضُمت إلى تانجانيقا تحت اسم تنزانيا.
ويتضح مما تقدم:
الإباضية إحدى فرق الخوارج (*) ، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج وينفون عنهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلاً، لكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: أن عبد الله بن إباض يعتبر نفسه امتداداً للمحكمة الأولى من الخوارج، كما يتفقون مع الخوارج في تعطيل (*) الصفات والقول بخلق القرآن، وتجويز الخروج على أئمة الجور.
مراجع للتوسع:
ـ الإباضية في موكب التاريخ، علي يحيى معمر (إباضي معاصر) ـ مكتبة وهبة ط 1 ـ القاهرة 1384هـ/1964م.
ـ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة ـ المطبعة النموذجية.
ـ الفرق الإسلامية، (ذيل كتاب شرح المواقف ـ للكرماني) تحقيق سليمة عبد الرسول ـ مطبعة الإرشاد ـ بغداد 1973م.
ـ إسلام بلا مذاهب، د. مصطفى الشكعة ـ الدار المصرية للطباعة والنشر ـ بيروت.
ـ الملل والنحل، للشهرستاني ـ الطبعة الثانية ـ دار المعرفة ـ بيروت.
ـ الإباضية بين الفرق الإسلامية، علي يحيى معمر (إباضي) ـ مكتبة وهبة ط 1 ـ 1396هـ/ 1976م ـ القاهرة.
ـ الفرق بين الفرق، عبد القادر البغدادي.
ـ مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري.
ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل، أبو محمد بن حزم.
ـ المذاهب والفرق والأديان المعاصرة، عبد القادر شيبة الحمد.
ـ الفرق الإسلامية في الشمال الأفريقي، الفردبل ـ ترجمة عبد الرحمن بدوي.
ـ تاريخ فلسفة الإسلام، د. يحيى هويدي.
ـ دراسات في الفرق والمذاهب القديمة المعاصرة، عبد الله الأمين.
ـ دراسات إسلامية في الأصول الإباضية، بكير بن سعيد أعوشت.
ـ الإباضية: دراسة مركزة في أصولهم وتاريخهم، علي يحيى معمر.
ـ جذور الفتنة في الفرق الإسلامية، اللواء حسن صادق، مكتبة مدبولي، القاهرة.
ـ الإباضية، صابر طعيمة.
ـ الإباضية، عبد العزيز العبد اللطيف.
ـ دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين، د. أحمد محمد أحمد جلي ـ مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، الرياض.
ـ الخوارج في العصر الأموي لنايف عواد معروف.
ـ الخوارج في العصر الأموي لسليمان السويكت، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1399هـ غير مطبوعة.
ـ الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم لناصر بن عبد الله السعدي، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود، العقيدة، 1404هـ، غير مطبوعة.
ـ الخوارج تاريخهم وآراؤهم، لغالب العواجي، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، 1399هـ غير مطبوعة.
ـ الخوارج في بلاد المغرب حتى منتصف القرن الرابع الهجري لمحمود إسماعيل.
ـ الإباضية عقيدة وفكراً لعبد الرحمن المصلح، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1402هـ.
ـ الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام ـ د. ناصر بن عبد الكريم العقل ـ دار الوطن ـ الرياض.
ـ وللرد على أبرز انحرافاتهم: راجع كتاب الدكتور علي فقيهي: (الرد القويم البالغ على كتاب الخليلي المسمى بالحق الدامغ) .
المعتزلة
التعريف:
المعتزلة فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة والقدرية (*) والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· اختلفت رؤية العلماء في ظهور الاعتزال، واتجهت هذه الرؤية وجهتين:
ـ الوجهة الأولى: أن الاعتزال حصل نتيجة النقاش في مسائل عقدية دينية كالحكم على مرتكب الكبيرة (*) ، والحديث في القدر، بمعنى هل يقدر العبد على فعله أو لا يقدر، ومن رأي أصحاب هذا الاتجاه أن اسم المعتزلة أطلق عليهم لعدة أسباب:
1 ـ أنهم اعتزلوا المسلمين بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين
2 ـ أنهم عرفوا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حقلة خاصة به لقوله بالمنزلة بين المنزلتين فقال الحسن: "اعتزلنا واصل".
3 ـ أو أنهم قالوا بوجوب اعتزال مرتكب الكبيرة ومقاطعته.
ـ والوجهة الثانية: أن الاعتزال نشأ بسبب سياسي حيث أن المعتزلة من شيعة علي رضي الله عنه اعتزلوا الحسن عندما تنازل لمعاوية، أو أنهم وقفوا موقف الحياد بين شيعة علي ومعاوية فاعتزلوا الفريقين.
· أما القاضي عبد الجبار الهمذاني ـ مؤرخ المعتزلة ـ فيزعم أن الاعتزال ليس مذهباً جديداً أو فرقة طارئة أو طائفة أو أمراً مستحدثاً، وإنما هو استمرار لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وقد لحقهم هذا الاسم بسبب اعتزالهم الشر لقوله تعالى:(وأعتزلكم وما تدعون) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من اعتزل الشر سقط في الخير) .
· والواقع أن نشأة الاعتزال كان ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية لما سنرى في فقرة (الجذور الفكرية والعقائدية) .
· قبل بروز المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء، كان هناك جدل (*) ديني فكري بدأ بمقولات جدلية كانت هي الأسس الأولى للفكر المعتزلي وهذه المقولات نوجزها مع أصحابها بما يلي:
ـ مقولة أن الإنسان حر مختار بشكل مطلق، وهو الذي يخلق أفعاله بنفسه قالها: معبد الجهني، الذي خرج على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث.. وقد قتله الحجاج عام 80هـ بعد فشل الحركة.
ـ وكذلك قالها غيلان الدمشقي في عهد عمر بن عبد العزيز وقتله هشام بن عبد الملك.
ـ ومقولة خلق القرآن ونفي الصفات، قالها الجهم بن صفوان، وقد قتله سلم بن أحوز في مرو عام 128هـ.
ـ وممن قال بنفي الصفات أيضاً: الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة.
· ثم برزت المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء الغزال (80هـ ـ 131هـ) الذي كان تلميذاً للحسن البصري، ثم اعتزل حلقة الحسن بعد قوله بأن مرتكب الكبيرة (*) في منزلة بين المنزلتين (أي ليس مؤمناً ولا كافراً) وأنه مخلد في النار إذا لم يتب قبل الموت، وقد عاش في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، والفرقة المعتزلية التي تنسب إليه تسمى: الواصيلة.
· ولاعتماد المعتزلة على العقل في فهم العقائد وتقصيهم لمسائل جزئية فقد انقسموا إلى طوائف مع اتفاقهم على المبادئ الرئيسة الخمسة ـ التي سنذكرها لاحقاً ـ وكل طائفة من هذه الطوائف جاءت ببدع جديدة تميزها عن الطائفة الأخرى.. وسمت نفسها باسم صاحبها الذي أخذت عنه.
· وفي العهد العباسي برز المعتزلة في عهد المأمون حيث اعتنق الاعتزال عن طريق بشر المريسي وثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي دؤاد وهو أحد رؤوس بدعة الاعتزال في عصره ورأس فتنة خلق القرآن، وكان قاضياً للقضاة في عهد المعتصم.
ـ في فتنة خلق القرآن امتحن الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بهذه البدعة، فسجن وعذب وضرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون وبقي في السجن لمدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله وبقي فيه طيلة خلافة المعتصم ثم ابنه الواثق.
ـ لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ انتصر لأهل السنة (*) وأكرم الإمام أحمد
وأنهى عهد سيطرة المعتزلة على الحكم ومحاولة فرض عقائدهم بالقوة خلال أربعة عشر عاماً.
· في عهد دولة بني بويه عام 334 هـ في بلاد فارس ـ وكانت دولة شيعية ـ توطدت العلاقة بين الشيعة (*) والمعتزلة وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل هذه الدولة فعين القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضياً لقضاء الري عام 360هـ بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي، وهو من الروافض (*) المعتزلة، يقول فيه الذهبي:" وكان شيعيًّا معتزليًّا مبتدعاً " ويقول المقريزي: " إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر ". وممن برز في هذا العهد: الشريف المرتضى الذي قال عنه الذهبي: " وكان من الأذكياء والأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد ".
· بعد ذلك كاد أن ينتهي الاعتزال كفكر مستقل إلا ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم.
· عاد فكر الاعتزال من جديد في الوقت الحاضر، على يد بعض الكتاب والمفكرين، الذين يمثلون المدرسة العقلانية الجديدة وهذا ما سنبسطه عند الحديث عن فكر الاعتزال الحديث.
· ومن أبرز مفكري المعتزلة منذ تأسيسها على يد واصل بن عطاء وحتى اندثارها وتحللها في المذاهب الأخرى كالشيعة والأشعرية والماتريدية ما يلي:
ـ أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف (135 ـ226 هـ) مولى عبد القيس وشيخ المعتزلة والمناظر عنها. أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة، فقد تأثر بأرسطو وأنبادقليس من فلاسفة اليونان، وقال بأن " الله عالم بعلم وعلمه ذاته، وقادر بقدرة وقدرته ذاته
…
" انظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 76. وتسمى طائفة الهذيلية.
ـ إبراهيم بن يسار بن هانئ النظام (توفي سنة 231هـ) وكان في الأصل على دين البراهمة (*) وقد تأثر أيضاً بالفلسفة اليونانية مثل بقية المعتزلة.. وقال: بأن المتولدات من أفعال الله تعالى، وتسمى طائفته النظامية.
ـ بشر بن المعتمر (توفي سنة 226 هـ) وهو من علماء المعتزلة، وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه فقال: إن كل المتولدات من فعل الإنسان فهو يصح أن يفعل الألوان والطعوم والرؤية والروائح وتسمى طائفته البشرية.
ـ معمر بن عباد السلمي (توفي سنة 220 هـ) وهو من أعظم القدرية (*) فرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر (*) خيره وشره من الله وتسمى طائفته: المعمرية.
ـ
عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار (توفي سنة 226هـ) وكان يقال له: راهب المعتزلة، وقد عرف عنه التوسع في التكفير (*) حتى كفر الأمة بأسرها بما فيها المعتزلة، وتسمى طائفته المردارية.
ـ ثمامة بن أشرس النميري (توفي سنة 213هـ) ، كان جامعاً بين قلة الدين وخلاعة النفس، مع اعتقاده بأن الفاسق يخلد في النار إذا مات على فسقه من غير توبة. وهو في حال حياته في منزلة بين المنزلتين. وكان زعيم القدرية في زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل إنه الذي أغرى المأمون ودعاه إلى الاعتزال، وتسمى طائفته الثمامية.
ـ عمرو بن بحر: أبو عثمان الجاحظ (توفي سنة 256هـ) وهو من كبار كتاب المعتزلة، ومن المطلعين على كتب الفلاسفة، ونظراً لبلاغته في الكتابة الأدبية استطاع أن يدس أفكاره المعتزلية في كتاباته كما يدس السم في الدسم مثل، البيان والتبيين، وتسمى فرقته الجاحظية.
ـ أبو الحسين بن أبي عمر الخياط (توفي سنة 300هـ) من معتزلة بغداد وبدعته التي تفرد بها قوله بأن المعدوم جسم، والشيء المعدوم قبل وجوده جسم، وهو تصريح بقدم العالم، وهو بهذا يخالف جميع المعتزلة وتسمى فرقته الخياطية.
ـ القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني (توفي سنة 414هـ) فهو من متأخري المعتزلة، قاضي قضاة الري وأعمالها، وأعظم شيوخ المعتزلة في عصره، وقد أرخ للمعتزلة وقنن مبادئهم وأصولهم الفكرية والعقدية.
المبادئ والأفكار:
· جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:
ـ الأولى: القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه، ولذلك كان التكليف، ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي، الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز. حتى عهد هشام بن عبد الملك، فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك.
ـ الثانية: القول بأن مرتكب الكبيرة (*) ليس مؤمناً ولا كافراً ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلماً باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمناً.
· ثم حرر المعتزلة مذهبهم في خمسة أصول:
1 ـ التوحيد.
2 ـ العدل.
3 ـ الوعد والوعيد.
4 ـ المنزلة بين المنزلتين.
5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
1 ـ التوحيد: وخلاصته برأيهم، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمماثل (ليس كمثله شيء) ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء مما يجري على الناس. وهذا حق ولكنهم بنوا عليه نتائج باطلة منها: استحالة رؤية الله تعالى لاقتضاء ذلك نفي الصفات، وأن الصفات ليست شيئاً غير الذات، وإلا تعدد القدماء في نظرهم، لذلك يعدون من نفاة الصفات وبنوا على ذلك أيضاَ أن القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام.
2 ـ العدل: ومعناه برأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد، ولا يحب الفساد، بل إن العباد يفعلون ما أمروا به وينتهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركبها فيهم وأنه لم يأمر إلا بما أراد ولم ينه إلا عما كره، وأنه ولي كل حسنة أمر بها، بريء من كل سيئة نهى عنها، لم يكلفهم ما لا يطيقون ولا أراد منهم ما لا يقدرون عليه. وذلك لخلطهم بين إرادة الله تعالى الكونية (*) وإرادته الشرعية (*) .
3 ـ الوعد والوعيد: ويعني أن يجازي الله المحسن إحساناً ويجازي المسيء سوءاً، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة (*) إلا أن يتوب.
4 ـ المنزلة بين المنزلتين: وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر فليس بمؤمن ولا كافر. وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة.
5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقد قرروا وجوب ذلك على المؤمنين نشراً لدعوة الإسلام وهداية للضالين وإرشاداً للغاوين كل بما يستطيع: فذو البيان ببيانه، والعالم بعلمه، وذو السيف بسيفه وهكذا. ومن حقيقة هذا الأصل أنهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق.
· ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل (*) كليًّا في الاستدلال لعقائدهم وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد، أنهم كانوا يحكمون بحسن الأشياء وقبحها عقلاً فقالوا كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني:" المعارف كلها معقولة بالفعل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع أي قبل إرسال الرسل، والحسن والقبيح (*) صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح ".
ـ ولاعتمادهم على العقل أيضاً أوَّلوا الصفات بما يلائم عقولهم الكلية، كصفات الاستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط ومن المعلوم أن المعتزلة تنفي كل الصفات لا أكثرها.
ـ ولاعتمادهم على العقل أيضاً، طعن كبراؤهم في أكابر الصحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب، فقد زعم واصل بن عطاء: أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة، إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير، وردوا شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا: لا تقبل شهادتهم.
ـ وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط ـ كما نوهنا ـ وإعراضهم عن النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة، ورفضهم الإتباع بدون بحث واستقصاء وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك:
" كل مكلف مطالب بما يؤديه إليه اجتهاده في أصول الدين "، فيكفي وفق مذهبهم أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألة ليكون هذا التلميذ صاحب فرقة قائمة، وما هذه الفرق التي عددناها آنفاً إلا نتيجة اختلاف تلاميذ مع شيوخهم، فأبو الهذيل العلاف له فرقة، خالفه تلميذه النظام فكانت له فرقة، فخالفه تلميذه الجاحظ فكانت له فرقة، والجبائي له فرقة، فخالفه ابنه أبو هاشم عبد السلام فكانت له فرقة أيضاَ وهكذا.
ـ وهكذا نجد أن المعتزلة قد حولوا الدين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية، وذلك لتأثرهم بالفلسفة (*) اليونانية عامة وبالمنطق (*) الصوري الأوسطي خاصة.
· وقد فند علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، فمنهم أبو الحسن الأشعري الذي كان منهم، ثم خرج من فرقتهم ورد عليهم متبعاً أسلوبهم في الجدال (*) والحوار.. ثم جاء الإمام أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فتنتهم المتعلقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزم وشجاعة نادرتين.
ـ ومن الردود قوية الحجة، بارعة الأسلوب، رد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عليهم في كتابه القيم: درء تعارض العقل والنقل فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة ورد عليها ردًّا مفحماً.. وبين أن صريح العقل لا يكمن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل.
· وقد ذُكر في هذا الحديث أكثر من مرة أن المعتزلة اعتمدوا على العقل (*) في تعاملهم مع نصوص الموحي (*) ، وقد يتوهم أحد أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه. ولكن هذا يرده دعوة الإسلام إلى التفكر في خلق السموات والأرض والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك مما هو معروف ومشهور مما دعا العقاد
إلى أن يؤلف كتاباً بعنوان: التفكر فريضة إسلامية، ولهذا فإن من انحرافات المعتزلة هو استعمالهم العقل في غير مجاله: في أمور غيبية مما تقع خارج الحس ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة، كما أنهم بنوا عدداً من القضايا على مقدمات معينة فكانت النتائج ليست صحيحة على إطلاقها وهو أمر لا يسلّم به دائماً حتى لو اتبعت نفس الأساليب التي استعملوها في الاستنباط والنظر العقلي: مثل نفيهم الصفات عن الله اعتماداً على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) . وكان الصحيح أن لا تنفى عنه الصفات التي أثبتها لنفسه سبحانه وتعالى ولكن تفهم الآية على أن صفاته سبحانه وتعالى لا تماثل صفات المخلوقين.
وقد حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها:
ـ أن لا يتعارض مع النصوص الصحيحة.
ـ أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها.
ـ أن يقدم النقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها " وهو ما يعرف بالأمور التوقيفية".
ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر لا يقدمه على النصوص الشرعية الصحيحة. خاصة أن العقول متغيرة وتختلف وتتأثر بمؤثرات كثيرة تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور. ومن المعروف أن مصدر المعرفة في الفكر الإسلامي يتكون من:
1 ـ الحواس وما يقع في مجالها من الأمور الملموسة من الموجودات.
2 ـ العقل (*) وما يستطيع أن يصل إليه من خلال ما تسعفه به الحواس والمعلومات التي يمكن مشاهدتها واختبارها وما يلحق ذلك من عمليات عقلية تعتمد في جملتها على ثقافة الفرد ومجتمعه وغير ذلك من المؤثرات.
3 ـ الوحي (*) من كتاب وسنة حيث هو المصدر الوحيد والصحيح للأمور الغيبية، وما لا تستطيع أن تدركه الحواس، وما أعده الله في الدار الآخرة، وما أرسل من الرسل إلخ
…
وهكذا يظهر أنه لا بد من تكامل العقل والنقل في التعامل مع النصوص الشرعية كل فيما يخصه وبالشروط التي حددها العلماء.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· هناك رواية ترجع الفكر المعتزلي في نفي الصفات إلى أصول يهودية فلسفية فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي.
وقيل: إن مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السمنية ـ وهي فرقة هندية تؤمن بالتناسخ (*) ـ قد أدت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات.
· إن فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تعد مورداً من موارد الفكر الاعتزالي، إذ أنه كان يقول بالأصلح ونفي الصفات الأزلية حرية الإرادة الإنسانية.
ـ ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي، قيل إنهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني.
ـ تأثر المعتزلة بفلاسفة (*) اليونان في موضوع الذات والصفات، فمن ذلك قول أنبادقليس الفيلسوف اليوناني:"إن الباري تعالى لم يزل هويته فقط وهو العلم المحض وهو الإرادة المحضة وهو الجود والعزة، والقدرة والعدل والخير والحق، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء بل هي هو، وهو هذه كلها" انظر الملل والنحل ج 2/ ص58.
وكذلك قول أرسطوطاليس في بعض كتبه "إن الباري علم كله، قدره كله، حياة كله، بصر كله".
فأخذ العلاف وهو من شيوخ المعتزله هذه الأفكار وقال: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته، قادر بقدرة وقدرته ذاته، حي بحياة وحياته ذاته.
ـ وأخذ النظام من ملاحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجرأ، ثم بنى عليه قوله بالطفرة، أي أن الجسم يمكن أن يكون في مكان (أ) ثم يصبح في مكان (ج) دون أن يمر في (ب) .
وهذا من عجائبه حتى قيل: إن من عجائب الدنيا: " طفرة النظام وكسب الأشعري ".
ـ وإن أحمد بن خابط والفضل الحدثي وهما من أصحاب النظام قد طالعا كتب الفلاسفة ومزجا الفكر الفلسفي مع الفكر النصراني مع الفكر الهندي وقالا بما يلي:
1 ـ إن المسيح (*) هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة.
2 ـ إن المسيح تدرع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة المتجسدة.
3 ـ القول بالتناسخ (*) .
4 ـ حملا كل ما ورد في الخبر عن رؤية الله تعالى على رؤية العقل الأول هو أول مبتدع وهو العقل الفعال الذي منه تفيض الصور على الموجودات.
· يؤكد العلماء تأثير الفلسفة (*) اليونانية على فكر المعتزلة بما قام به الجاحظ وهو من مصنفي المعتزلة ومفكريهم فقد طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وتمذهب بمذهبهم ـ حتى إنه خلط وروج كثيراً من مقالاتهم بعبارته البليغة.
ـ ومنهم من يرجع فكر المعتزلة إلى الجذور الفكرية والعقدية في العراق ـ حيث نشأ المعتزلة ـ الذي يسكنه عدة فرق تنتهي إلى طوائف مختلفة، فبعضهم ينتهي إلى الكلدان وبعضهم إلى الفرس وبعضهم نصارى وبعضهم يهود وبعضهم مجوس (*) . وقد دخل هؤلاء في الإسلام وبعضهم قد فهمه على ضوء معلوماته القديمة وخلفيته الثقافية والدينية.
الفكر الاعتزالي الحديث:
· يحاول بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفى عليه الزمن أو كاد.. فألبسوه ثوباً جديداً، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل
…
العقلانية أو التنوير أو التجديد (*) أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي..
ـ وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل (*) الإنساني.. فلجأوا إلى التأويل (*) كما لجأت المعتزلة من قبل ثم أخذوا يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات (*) المادية.. وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل.. إلا من هذا القبيل.
· وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر.
· وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي.. محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسنة.. مثل عقوبة المرتد، وفرضية الجهاد (*) ، والحدود، وغير ذلك.. فضلاً عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث.. إلخ.. وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في ذلك كله.. وتحكيم العقل في هذه المواضيع. ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه القضايا في الوقت الحاضر.
· ومن دعاة الفكر الاعتزالي الحديث سعد زغلول الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة المصرية وقاسم أمين مؤلف كتاب تحرير المرأة والمرأة الجديدة، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه:" أستاذ الجيل " وطه حسين الذي أسموه "عميد الأدب العربي " وهؤلاء كلهم أفضوا إلى ما قدموا. هذا في البلاد العربية.
أما في القارة الهندية فظهر السير أحمد خان، الذي منح لقب سير من قبل الاستعمار (*) البريطاني. وهو يرى أن القرآن الكريم لا السنة النبوية هو أساس التشريع وأحلّ الربا البسيط في المعاملات التجارية. ورفض عقوبة الرجم والحرابة، ونفى شرعية الجهاد لنشر الدين (*) ، وهذا الأخير قال به لإرضاء الإنجليز لأنهم عانوا كثيراً من جهاد المسلمين الهنود لهم.
ـ وجاء تلميذه سيد أمير علي الذي أحلّ زواج المسلمة بالكتابي وأحل الاختلاط بين الرجل والمرأة.
ـ ومن هؤلاء أيضاً مفكرون علمانيون، لم يعرف عنهم الالتزام بالإسلام.. مثل زكي نجيب محمود صاحب (الوضعية المنطقية) وهي من الفلسفة (*) الوضعية الحديثة التي تنكر كل أمر غيبي.. فهو يزعم أن الاعتزال جزء من التراث ويجب أن نحييه، وعلى أبناء العصر أن يقفوا موقف المعتزلة من المشكلات القائمة (انظر كتاب تجديد الفكر العربي ص 123) .
ـ ومن هؤلاء أحمد أمين صاحب المؤلفات التاريخية والأدبية مثل فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام، فهو يتباكى على موت المعتزلة في التاريخ القديم وكأن من مصلحة الإسلام بقاؤهم، ويقول في كتابه: ضحى الإسلام: " في رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة "(ج3 ص207) .
ـ ومن المعاصرين الأحياء الذين يسيرون في ركب الدعوة الإسلامية من ينادي بالمنهج (*) العقلي الاعتزالي في تطوير العقيدة والشريعة مثل الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه الفكر الإسلامي والتطور.. والدكتور حسن الترابي في دعوته إلى تجديد أصول الفقه حيث يقول: " إن إقامة أحكام الإسلام في عصرنا تحتاج إلى اجتهاد (*) عقلي كبير، وللعقل (*) سبيل إلى ذلك لا يسع عاقل إنكاره، والاجتهاد الذي نحتاج إليه ليس اجتهاداً في الفروع وحدها وإنما هو اجتهاد في الأصول أيضاً "(انظر كتاب المعتزلة بين القديم والحديث ص 138) .
ـ وهناك كتاب كثيرون معاصرون، ومفكرون إسلاميون يسيرون على المنهج نفسه
ويدعون إلى أن يكون للعقل دور كبير في الاجتهاد (*) وتطويره، وتقييم الأحكام الشرعية، وحتى الحوادث التاريخية.. ومن هؤلاء فهمي هويدي ومحمد عمارة ـ صاحب النصيب الأكبر في إحياء تراث المعتزلة والدفاع عنه ـ وخالد محمد خالد ومحمد سليم العوا، وغيرهم. ولا شك بأهمية الاجتهاد وتحكيم العقل في التعامل مع الشريعة الإسلامية (*) ولكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار نصوصها الثابتة وبدوافع ذاتية وليس نتيجة ضغوط أجنبية وتأثيرات خارجية لا تقف عند حد، وإذا انجرف المسلمون في هذا الاتجاه ـ اتجاه ترويض الإسلام بمستجدات الحياة والتأثير الأجنبي بدلاً من ترويض كل ذلك لمنهج الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ فستصبح النتيجة أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من الشريعة إلا رسمها ويحصل للإسلام ما حصل للرسالات السابقة التي حرفت بسبب إتباع الأهواء والآراء حتى أصبحت لا تمت إلى أصولها بأي صلة.
ويتضح مما سبق:
أن حركة المعتزلة كانت نتيجة لتفاعل بعض المفكرين المسلمين في العصور الإسلامية مع الفلسفات السائدة في المجتمعات التي اتصل بها المسلمون. وكانت هذه الحركة نوع من ردة الفعل التي حاولت أن تعرض الإسلام وتصوغ مقولاته العقائدية والفكرية بنفس الأفكار والمناهج الوافدة وذلك دفاعاً ع الإسلام ضد ملاحدة تلك الحضارات بالأسلوب الذي يفهمونه. ولكن هذا التوجه قاد إلى مخالفات كثيرة وتجاوزات مرفوضة كما فعل المعتزلة في إنكار الصفات الإلهية تنزيهاً لله سبحانه عن مشابهة المخلوقين.
ومن الواضح أيضاً أن أتباع المعتزلة الجدد وقعوا فيما وقع فيه أسلافهم، وذلك أن ما يعرضون الآن من اجتهادات إنما الهدف منها أن يظهر الإسلام بالمظهر المقبول عند أتباع الحضارة الغربية والدفاع عن نظامه العام قولاً بأنه إنْ لم يكن أحسن من معطيات الحضارة الغربية فهو ليس بأقل منها.
ولذا فلا بد أن يتعلم الخلف من أخطاء سلفهم ويعلموا أن عزة الإسلام وظهوره على الدين كله هي في تميز منهجه وتفرد شريعته واعتباره المرجع الذي تقاس عليه الفلسفات والحضارات في الإطار الذي يمثله الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في شمولهما وكمالهما.
مراجع للتوسع:
ـ الملل والنحل للشهرستاني.
ـ الفرق بين الفرق للبغدادي.
ـ مقالات الإسلاميين للأشعري.
ـ القاضي عبد الجبار الهمداني للدكتور عبد الكريم عثمان.
ـ ابن تيمية للشيخ محمد أبي زهرة.
ـ درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ـ البداية والنهاية لابن كثير.
ـ المعتزلة بين القديم والحديث لمحمد العبدة وطارق عبد الحليم.
ـ ضحى الإسلام لأحمد أمين.
ـ تجديد الفكر العربي لزكي نجيب محمود.
ـ دراسات في الفرق والعقائد لعرفات عبد الحميد.
ـ الدعوة إلى التجديد في منهج النقد، عصام البشير (بحث مقدم لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لنيل درجة الماجستير) .
ـ عقائد السلف لعلي سامي النشار.
ـ محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة، سليمان بن صالح الخراشي.
ـ حوار هادئ مع الشيخ الغزالي. سلمان بن فهد العودة.
ـ منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير، د. فهد الرومي.
ـ العصريون معتزلة اليوم ـ يوسف كمال.
ـ العصرانية في حياتنا الاجتماعية. د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي.
ـ العصرانيون. محمد حامد الناصر.
ـ دراسات في السيرة. محمد سرور زين العابدين.
ـ تنبيه الأنام لمخالفة شلتوت الإسلام. الشيخ عبد الله بن يابس.
ـ مفهوم تجديد الدين. بسطامي محمد سعيد.
ـ تجديد أصول الفقه. د. حسن الترابي.
ـ غزو من الداخل، جمال سلطان.
ـ مجلة كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ـ "المدرسة العقلية الحديثة وصلتها بالقديمة" د. ناصر العقل. العدد الثالث سنة 1400هـ.
الزيدية
التعريف:
الزيدية إحدى فرق الشيعة (*) ، نسبتها ترجع إلى مؤسسها زيد بن علي زين العابدين الذي صاغ نظرية شيعية في السياسة والحكم، وقد جاهد من أجلها وقتل في سبيلها، وكان يرى صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً، ولم يقل أحد منهم بتكفير أحد من الصحابة ومن مذهبهم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل. (1)
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· ترجع الزيدية إلى زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهما (80ـ122هـ/698ـ740م) ، قاد ثورة شيعية في العراق ضد الأمويين أيام هشام بن عبد الملك، فقد دفعه أهل الكوفة لهذا الخروج ثم ما لبثوا أن تخلوا عنه وخذلوه عندما علموا بأنه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر ولا يلعنهما، بل يترضى عنهما، فاضطر لمقابلة جيش الأمويين وما معه سوى 500 فارس حيث أصيب بسهم في جبهته أدى إلى وفاته عام 122هـ.
ـ تنقل في البلاد الشامية والعراقية باحثاً عن العلم أولاً وعن حق أهل البيت في الإمامة ثانياً، فقد كان تقيًّا ورعاً عالماً فاضلاً مخلصاً شجاعاً وسيماً مهيباً مُلمًّا بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ـ تلقى العلم والرواية عن أخيه الأكبر محمد الباقر الذي يعد أحد الأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية.
(1) الذين بايعوا زيداً بن علي كانوا ـ حسب رواية الفرق بين الفرق ـ خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة، فلما طلبوا من زيد بن علي أن يتبرأ من أبي بكر وعمر ولم يقبل خرجوا عليه وتفرقوا عنه وقالوا بقول الرافضة ـ تكفير أبي بكر وعمر ـ ولم يبق مع زيد من أتباعه إلا مائتا رجل، وفي كتاب ضحى الإسلام لأحمد أمين أن أتباع زيد كانوا أربعين ألفًا، تفرقوا عنه ولم يبق معه إلا ثلث مائة أو أقل.
ـ اتصل بواصل بن عطاء رأس المعتزلة وتدارس معه العلوم، فتأثر به وبأفكاره التي نقل بعضها إلى الفكر الزيدي، وإن كان هناك من ينكر وقوع هذا التتلمذ، وهناك من يؤكد وقوع
الاتصال دون التأثر.
ـ يُنسب إليه كتاب المجموع في الحديث، وكتاب المجموع في الفقه، وهما كتاب واحد اسمه المجموع الكبير، رواهما عنه تلميذه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي الهاشمي الذي مات في الربع الثالث من القرن الثاني للهجرة.
· أما ابنه يحيى بن زيد فقد خاض المعارك مع والده، لكنه تمكن من الفرار إلى خراسان حيث لاحقته سيوف الأمويين فقتل هناك سنة 125هـ.
· فُوِّض الأمر بعد يحيى إلى محمد وإبراهيم.
ـ خرج محمد بن عبد الله الحسن بن علي (المعروف بالنفس الزكية) بالمدينة فقتله عاملها عيسى بن ماهان.
ـ وخرج من بعده أخوه إبراهيم بالبصرة فكان مقتله فيها بأمر من المنصور.
· أحمد بن عيسى بن زيد ـ حفيد مؤسس الزيدية ـ أقام بالعراق، وأخذ عن تلاميذ أبي حنيفة فكان ممن أثرى هذا المذهب (*) وعمل على تطويره.
· من علماء الزيدية القاسم بن إبراهيم الرسي بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما (170ـ242هـ) تشكلت له طائفة زيدية عرفت باسم القاسمية.
· جاء من بعده حفيده الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم (245ـ298هـ) الذي عقدت له الإمامة باليمن فكان ممن حارب القرامطة فيها، كما تشكلت له فرقة زيدية عرفت باسم الهادوية منتشرة في اليمن والحجاز وما والاها.
· ظهر للزيدية في بلاد الديلم وجيلان إمام حسيني هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن زيد بن عمر بن الحسين بن علي رضي الله عنهما والملقب بالناصر الكبير (230 ـ 304هـ) وعرف باسم الأطروش، فقد هاجر هذا الإمام إلى هناك داعياً إلى الإسلام على مقتضى المذهب الزيدي فدخل فيه خلق كثير صاروا زيديين ابتداء.
· ومنهم الداعي الآخر صاحب طبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن علي رضي الله عنهما، الذي تكونت له دولة زيدية جنوب بحر الخزر سنة 250هـ.
· وقد عرف من أئمتهم محمد بن إبراهيم بن طباطبا، الذي بعث بدعاته إلى الحجاز ومصر واليمن والبصرة. ومن شخصياتهم البارزة كذلك مقاتل بن سليمان، ومحمد بن نصر. ومنهم أبو الفضل بن العميد والصاحب بن عباد وبعض أمراء بني بويه.
· استطاع الزيدية في اليمن استرداد السلطة من الأتراك إذ قاد الإمام يحيى بن منصور بن حميد الدين ثورة ضد الأتراك عام 1322هـ وأسس دولة زيدية استمرت حتى سبتمبر عام 1962م حيث قامت الثورة اليمنية وانتهى بذلك حكم الزيود ولكن لا زال اليمن معقل الزيود ومركز ثقلهم.
· خرجت عن الزيدية ثلاث فرق طعن بعضها في الشيخين، كما مال بعضها عن القول بإمامة المفضول، وهذه الفرق هي:
ـ الجارودية: أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد.
ـ الصالحية: أصحاب الحسن بن صالح بن حي.
ـ البترية: أصحاب كثير النوى الأبتر.
ـ الفرقتان الصالحية والبترية متفقتان ومتماثلتان في الآراء.
الأفكار والمعتقدات:
· يُجيزون الإمامة في كل أولاد فاطمة، سواء أكانوا من نسل الإمام الحسن أم من نسل الإمام الحسين رضي الله عنهما.
ـ الإمامة لديهم ليست بالنص، إذ لا يشترط فيها أن ينص الإمام السابق على الإمام اللاحق، بمعنى أنها ليست وراثية بل تقوم على البيعة (*) ، فمن كان من أولاد فاطمة وفيه شروط الإمامة كان أهلاً لها.
ـ يجوز لديهم وجود أكثر من إمام واحد في وقت واحد في قطرين مختلفين.
ـ تقول الزيدية بالإمام المفضول مع وجود الأفضل إذ لا يُشترط أن يكون الإمام أفضل الناس جميعاً بل من الممكن أن يكون هناك للمسلمين إمام على جانب من الفضل مع وجود من هو أفضل منه على أن يرجع إليه في الأحكام ويحكم بحكمه في القضايا التي يدلي برأيه فيها.
· معظم الزيدية المعاصرين يُقرُّون خلافة أبي بكر وعمر، ولا يلعنونهما كما تفعل
فرق الشيعة (*) ، بل يترضون عنهما، إلا أن الرفض بدأ يغزوهم - بواسطة الدعم الإيراني -، ويحاول جعلهم غلاة مثله.
· يميلون إلى الاعتزال فيما يتعلق بذات الله، والاختيار في الأعمال. ومرتكب الكبيرة (*) يعتبرونه في منزلة بين المنزلتين كما تقول المعتزلة.
· يرفضون التصوف رفضاً قاطعاً.
· يخالفون الشيعة في زواج المتعة ويستنكرونه.
· يتفقون مع الشيعة في زكاة الخمس وفي جواز التقية إذا لزم الأمر.
· هم متفقون مع أهل السنة بشكل كامل في العبادات والفرائض سوى اختلافات قليلة في الفروع مثل:
ـ قولهم "حي على خير العمل" في الأذان على الطريقة الشيعية.
ـ صلاة الجنازة لديهم خمس تكبيرات.
ـ يرسلون أيديهم في الصلاة.
ـ صلاة العيد تصح فرادى وجماعة.
ـ يعدون صلاة التروايح جماعة بدعة.
ـ يرفضون الصلاة خلف الفاجر.
ـ فروض الوضوء عشرة بدلاً من أربعة عند أهل السنة (*) .
· باب الاجتهاد (*) مفتوح لكل من يريد الاجتهاد، ومن عجز عن ذلك قلد، وتقليد أهل البيت أولى من تقليد غيرهم.
· يقولون بوجوب الخروج على الإمام الظالم الجائر ولا تجب طاعته.
· لا يقولون بعصمة الأئمة عن الخطأ. كما لا يغالون في رفع أئمتهم على غرار ما تفعله معظم فرق الشيعة (*) الأخرى.
ـ لكن بعض المنتسبين للزيدية قرروا العصمة لأربعة فقط من أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعاً.
· لا يوجد عندهم مهدي منتظر.
· يستنكرون نظرية البداء (*) التي قال بها المختار الثقفي، حيث إن الزيدية تقرر أن علم الله أزلي قديم غير متغير وكل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ.
· قالوا بوجوب الإيمان بالقضاء والقدر (*) مع اعتبار الإنسان حراً مختاراً في طاعة الله أو عصيانه، ففصلوا بذلك بين الإرادة وبين المحبة أو الرضا وهو رأي أهل البيت من الأئمة.
· مصادر الاستدلال عندهم كتاب الله، ثم سنة رسول الله، ثم القياس (*) ومنه الاستحسان (*) والمصالح المرسلة (*) ، ثم يجيء بعد ذلك العقل (*) ، فما يقر العقل صحته وحسنه يكون مطلوباً وما يقر قبحه يكون منهياً عنه.
وقد ظهر من بينهم علماء فطاحل أصبحوا من أهل السنة (*)، سلَفِيُو المنهج (*) والعقيدة أمثال: ابن الوزير وابن الأمير الشوكاني.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· يتمسكون بالعديد من القضايا التي يتمسك بها الشيعة كأحقية أهل البيت في الخلافة (*) وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها، وتقليدهم، وزكاة الخمس، فالملامح الشيعية واضحة في مذهبهم على الرغم من اعتدالهم عن بقية فرق الشيعة.
· تأثر الزيدية بالمعتزلة فانعكست اعتزالية واصل بن عطاء عليهم وظهر هذا جلياً في تقديرهم للعقل (*) وإعطائه أهمية كبرى في الاستدلال، إذ يجعلون له نصيباً وافراً في فهم العقائد وفي تطبيق أحكام الشريعة وفي الحكم بحسن الأشياء وقبحها (*) فضلاً عن تحليلاتهم للجبر (*) والاختيار ومرتكب الكبيرة (*) والخلود في النار.
· أخذ أبو حنيفة عن زيد، كما أن حفيداً لزيد وهو أحمد بن عيسى بن زيد قد أخذ عن تلاميذ أبي حنيفة في العراق، وقد تلاقي المذهبان الحنفي السُّني والزيدي الشيعي في العراق أولاً، وفي بلاد ما وراء النهر ثانياً مما جعل التأثر والتأثير متبادلاً بين الطرفين.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· قامت دولة للزيدية أسسها الحسن بن زيد سنة 250هـ في أرض الديلم وطبرستان.
· كما أن الهادي إلى الحق أقام دولة ثانية لها في اليمن في القرن الثالث الهجري.
· انتشرت الزيدية في سواحل بلاد الخزر وبلاد الديلم وطبرستان وجيلان شرقاً، وامتدت إلى الحجاز ومصر غرباً وتركزت في أرض اليمن.
ويتضح مما سبق:
أن الزيدية إحدى فرق الشيعة (*) ، ولصلاتهم القديمة بالمعتزلة تأثروا بكثير من أفكارهم ومعتقداتهم إلا أن المذهب (*) الزيدي في الفروع لا يخرج عن إطار مدارس الفقه (*) الإسلامي ومذاهبه، ومواطن الاختلاف بين الزيدية والسنة في مسائل الفروع لا تكاد تذكر.
مراجع للتوسع:
ـ تأثير المعتزلة في الخوارج والشيعة، عبد اللطيف الحفظي.
ـ الزيدية، إسماعيل الأكوع.
ـ فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، د. غالب عواجي.
ـ الإمام زيد، محمد أبو زهرة ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة.
ـ تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة.
ـ تاريخ الفرق الزيدية، د. فضيلة عبد ربِّ الأمير الشامي ـ مطبعة الآداب، النجف ـ العراق ـ 1394هـ/1974م.
ـ إسلام بلا مذاهب، د. مصطفى الشكعة ـ الدار المصرية للطباعة والنشر ـ بيروت.
ـ الفَرْق بين الفِرق، عبد القادر بن طاهر البغدادي.
ـ الفِصَل في الأهواء والملل والنحل، ابن حزم.
ـ الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني.
ـ تلخيص الشافي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
ـ الكامل في التاريخ، عز الدين أبو الحسن الملقب بابن الأثير.
الأشاعرة
التعريف:
الأشاعرة: فرقة كلامية إسلامية، تنسب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المعتزلة. وقد اتخذت الأشاعرة البراهين والدلائل العقلية والكلامية وسيلة في محاججة خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم، لإثبات حقائق الدين (*) والعقيدة الإسلامية على طريقة ابن كلاب.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· أبو الحسن الأشعري: هو أبو الحسن علي بن إسماعيل، من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ولد بالبصرة سنة 270هـ ومرت حياته الفكرية بثلاث مراحل:
ـ المرحلة الأولى: عاش فيها في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته. ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة.
ـ المرحلة الثانية: ثار فيه على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه، بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يوماً، يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه، وأعلن البراءة من الاعتزال وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل (*) وفيها اتبع طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب في إثبات الصفات السبع عن طريق العقل: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، أما الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع أحكام العقل وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها.
ـ المرحلة الثالثة: إثبات الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف (*) ولا تشبيه (*) ولا تعطيل (*) ولا تحريف (*) ولا تبديل ولا تمثيل، وفي هذه المرحلة كتب كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي عبّر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم، الذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل. ولم يقتصر على ذلك بل خلّف مكتبة كبيرة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدّر بثمانية وستين مؤلفاً، توفي سنة 324هـ ودفن ببغداد ونودي على جنازته:"اليوم مات ناصر السنة".
· بعد وفاة أبو الحسن الأشعري، وعلى يد أئمة المذهب (*) وواضعي أصوله
وأركانه، أخذ المذهب الأشعري أكثر من طور، تعددت فيها اجتهاداتهم ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده، وما ذلك إلا لأن المذهب لم يبن في البداية على منهج مؤصل، واضحة أصوله الاعتقادية، ولا كيفية التعامل مع النصوص الشرعية، بل تذبذبت مواقفهم واجتهاداتهم بين موافقة مذهب السلف واستخدام علم الكلام لتأييد العقيدة والرد على المعتزلة. من أبرز مظاهر ذلك التطور:
ـ القرب من أهل الكلام والاعتزال.
ـ الدخول في التصوف، والتصاق المذهب الأشعري به.
ـ الدخول في الفلسفة (*) وجعلها جزء من المذهب.
· من أبرز أئمة المذهب:
ـ القاضي أبو بكر الباقلاني: (328ـ402هـ)(950ـ1013م) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، من كبار علماء الكلام، هذَّب بحوث الأشعري، وتكلَّم في مقدمات البراهين العقلية للتوحيد وغالى فيها كثيراً إذ لم ترد هذه المقدمات في كتاب ولا سنة، ثم انتهى إلى مذهب السلف وأثبت جميع الصفات كالوجه واليدين على الحقيقة وأبطل أصناف التأويلات التي يستعملها المؤولة وذلك في كتابه: تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل. ولد في البصرة وسكن بغداد وتوفي فيها. وجهه عضد الدولة سفيراً عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي ملكها. من كتبه: إعجاز القرآن، الإنصاف، مناقب الأئمة، دقائق الكلام، الملل والنحل، الاستبصار، تمهيد الأوائل، كشف أسرار الباطنية.
ـ أبو إسحاق الشيرازي: (293ـ476هـ)(1003ـ1083م) . وهو إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أبادي الشيرازي، العلامة المناظر، ولد في فيروز أباد بفارس وانتقل إلى شيراز، ثم البصرة ومنها إلى بغداد سنة (415هـ) . وظهر نبوغه في الفقه الشافعي وعلم الكلام (*) ، فكان مرجعاً للطلاب ومفتياً للأمة في عصره، وقد اشتهر بقوة الحجة في الجدل (*) والمناظرة. بنى له الوزير نظام الملك: المدرسة النظامية على شاطئ دجلة، فكان يدرس فيها ويديرها.
من مصنفاته: التنبيه والمهذَّب في الفقه، والتبصرة في أصول الشافعية، وطبقات الفقهاء، واللمع في أصول الفقه وشرحه، والملخص، والمعونة في الجدل.
· أبو حامد الغزالي: (450ـ505هـ)(1058ـ1111م) وهو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، ولد في الطابران، قصبة طوس خراسان وتُوفِّي بها. رحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد، فالحجاز، فبلاد الشام، فمصر ثم عاد إلى بلدته.
لم يسلك الغزالي مسلك الباقلاني، بل خالف الأشعري في بعض الآراء وخاصة فيما
يتعلق بالمقدمات العقلية في الاستدلال، وذم علم الكلام وبيَّن أن أدلته لا تفيد اليقين كما في كتبه المنقذ من الضلال، وكتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة (*)، وحرم الخوض فيه فقال:" لو تركنا المداهنة لصرحنا بأن الخوض في هذا العلم حرام ". اتجه نحو التصوف، واعتقد أنه الطريق الوحيد للمعرفة.. وعاد في آخر حياته إلى السنة من خلال دراسة صحيح البخاري.
· أبو إسحاق الإسفراييني: (ت418هـ)(1027م) وهو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، أبو إسحاق عالم بالفقه والأصول وكان يلقب بركن الدين وهو أول من لقب به من الفقهاء. نشأ في إسفرايين (بين نيسابور وجرجان) ثم خرج إلى نيسابور وبنيت له مدرسة عظيمة فدرس فيها، ورحل إلى خراسان وبعض أنحاء العراق، فاشتهر في العالم الإسلامي. ألَّف في علم الكلام (*) كتابه الكبير، الذي سماه الجامع في أصول الدين والرد على الملحدين. قال ابن خلكان: رأيته في خمسة مجلدات. توفي أبو إسحاق الإسفراييني في يوم عاشوراء سنة عشرة وأربعمائة بنيسابور ثم نقل إلى إسفرايين ودفن بها وكان قد نيف على الثمانين.
· إمام الحرمين أبو المعالي الجويني: (419ـ478هـ)(1028ـ1085م) . وهو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، الفقيه الشافعي ولد في بلد جوين (من نواحي نيسابور) ثم رحل إلى بغداد، فمكة حيث جاور فيها أربع سنين، وذهب إلى المدينة المنورة فأفتى ودرّس. ثم عاد إلى نيسابور فبنى له فيها الوزير نظام الملك المدرسة النظامية، وكان يحضر دروسه أكابر العلماء. وبقي على ذلك قريباً من ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، ودافع فيها عن الأشعرية فشاع ذكره في الآفاق، إلا أنه في نهاية حياته رجع إلى مذهب السلف. وقد قال في رسالته: النظامية والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقيدة إتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة
…
ويعضد ذلك ما ذهب إليه في كتابه غياث الأمم في التياث الظلم، فبالرغم من أن الكتاب مخصص لعرض الفقه السياسي الإسلامي فقد قال فيه: " والذي أذكره الآن لائقاً بمقصود هذا الكتاب، أن الذي يحرص الإمام عليه جمع عامة الخلق على مذاهب السلف السابقين، قبل أن نبغت الأهواء وزاغت الآراء وكانوا رضي الله عنهم ينهون عن التعرض للغوامض والتعمق في المشكلات
…
".
ـ نقل القرطبي في شرح مسلم أن الجويني كان يقول لأصحابه: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به". توفي رحمه الله بنيسابور وكان تلامذته يومئذ أربعمائة. ومن مصنفاته: العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية، البرهان في أصول الفقه، ونهاية المطلب في دراية المذهب في فقه الشافعية، والشامل في أصول الدين.
· الفخر الرازي (544هـ ـ 1150م)(606هـ ـ 1210م) : هو أبو عبد الله محمد بن عمر الحسن بن الحسين التيمي الطبرستاني الرازي المولد، الملقب فخر الدين المعروف بابن الخطيب الفقيه الشافعي قال عنه صاحب وفيات الأعيان " إنه فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام (*) ، والمعقولات " أهـ، وهو المعبر عن المذهب (*) الأشعري في مرحلته الأخيرة حيث خلط الكلام بالفلسفة (*)، بالإضافة إلى أنه صاحب القاعدة الكلية التي انتصر فيها للعقل وقدمه على الأدلة الشرعية. قال فيه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان:(4/426 ـ 429) : " كان له تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث الحيرة، وكان يورد شبه الخصوم بدقة ثم يورد مذهب أهل السنة على غاية من الوهن " إلا أنه أدرك عجز العقل (*) فأوصى وصية تدل على حسن اعتقاده. فقد نبه في أواخر عمره إلى ضرورة إتباع منهج (*) السلف، وأعلن أنه أسلم المناهج بعد أن دار دورته في طريق علم الكلام (*) فقال:" لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية رأيتها لا تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق، طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات (الرحمن على العرش استوى) و (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ، وأقرأ في النفي (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) و (ولا يحيطون به علماً) ، ثم قال في حسرة وندامة: "ومن جرب تجربتي عرف معرفتي " أهـ. (الحموية الكبرى لابن تيمية) .
من أشهر كتبه في علم الكلام: أساس التقديس في علم الكلام، شرح قسم الإلهيات من إشارات ابن سينا، واللوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات، البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والضلال، كافية العقول.
الأفكار والمعتقدات:
· مصدر التلقي عند الأشاعرة: الكتاب والسنة على مقتضى قواعد علم الكلام؛ ولذلك فإنهم يقدمون العقل على النقل عند التعارض، صرح بذلك الرازي في القانون الكلي للمذهب في أساس التقديس والآمدي وابن فورك وغيرهم.
ـ عدم الأخذ بأحاديث الآحاد (*) في العقيدة لأنها لا تفيد العلم اليقيني ولا مانع من
الاحتجاج بها في مسائل السمعيات أو فيما لا يعارض القانون العقلي. والمتواتر (*) منها يجب تأويله، ولا يخفى مخالفة هذا لما كان عليه السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ومن سار على نهجهم حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل فرادى لتبليغ الإسلام كما أرسل معاذاً إلى أهل اليمن، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها كما سمعها
…
" الحديث، وحديث تحويل القبلة وغير ذلك من الأدلة.
ـ مذهب طائفة منهم وهم: صوفيتهم كالغزالي والجامي في مصدر التلقي، تقديم الكشف (*) والذوق على النص، وتأويل النص ليوافقه. ويسمون هذا "العلم اللدني" جرياً على قاعدة الصوفية "حدثني قلبي عن ربي". وكما وضح ذلك في الرسالة اللدنية 1/114ـ118 من مجموعة القصور العوالي، وكبرى اليقينيات لمحمد سعيد رمضان البوطي، الإهداء ـ 32ـ35. ولا يخفى ما في هذا من البطلان والمخالفة لمنهج (*) أهل السنة والجماعة (*) وإلا فما الفائدة من إرسال الرسل وإنزال الكتب.
· يقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التلقي إلى ثلاثة أقسام:
ـ قسم مصدره العقل (*) وحده وهو معظم الأبواب ومنه باب الصفات ولهذا يسمون الصفات التي تثبت بالعقل " عقلية " وهذا القسم يحكم العقل بوجوبه دون توقف على الوحي (*) عندهم. أما ما عدا ذلك من صفات خبرية دل الكتاب والسنة عليها فإنهم يؤولونها.
ـ قسم مصدره العقل والنقل معاً كالرؤية ـ على خلاف بينهم فيها.
ـ قسم مصدره النقل وحده وهو السمعيات ذات المغيبات من أمور الآخرة كعذاب القبر والصراط والميزان وهو مما لا يحكم العقل باستحالته، فالحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكماً، وفي إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلاً، وفي الرؤية جعلوه مساوياً. أما في مذهب أهل السنة والجماعة فلا منافاة بين العقل والنقل أصلاً ولا تقديم للعقل في جانب وإهماله في جانب آخر وإنما يُبدأ بتقديم النقل على العقل.
· خالف الأشاعرة مذهب السلف في إثبات وجود الله تعالى، ووافقوا الفلاسفة والمتكلمين في الاستدلال على وجود الله تعالى بقولهم: إن الكون حادث ولا بد له من محدث قديم وأخص صفات القديم مخالفته للحوادث وعدم حلوله فيها. ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس بجوهر ولا جسمٍ ولا في جهة ولا في مكان. وقد رتبوا على ذلك من الأصول الفاسدة ما لا يدخل تحت حصر مثل: إنكارهم صفات الرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث في القديم من أجل الرد على القائلين بقدم العالم، بينما طريقة
السلف هي طريقة القرآن الكريم في الاستدلال على وجود الخالق سبحانه وتعالى.
· التوحيد عند الأشاعرة هو نفي التثنية والتعدد بالذات ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي نفي الكمية المتصلة والمنفصلة. وفي ذلك يقولون: إن الله واحد في ذاته لا قسيم له، واحد في صفاته لا شبيه له، واحد في أفعاله لا شريك له. ولذلك فسروا الإله (*) بأنه الخالق أو القادر على الاختراع، وأنكروا صفات الوجه واليدين والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء عندهم. وفي هذا مخالفة كبيرة لمفهوم التوحيد عند أهل السنة والجماعة (*) من سلف الأمة ومن تبعهم ـ، وبذلك جعل الأشاعرة التوحيد هو إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته.
وهكذا خالف الأشاعرة أهل السنة والجماعة في معنى التوحيد حيث يعتقد أهل السنة والجماعة أن التوحيد هو أول واجب على العبيد إفراد الله بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته على نحو ما أثبته تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف (*) أو تعطيل (*) أو تكييف أو تمثيل.
ـ إن أول واجب عند الأشاعرة إذا بلغ الإنسان سن التكليف هو النظر أو القصد إلى النظر ثم الإيمان، ولا تكفي المعرفة الفطرية ثم اختلفوا فيمن آمن بغير ذلك بين تعصيته وتكفيره..
بينما يعتقد أهل السنة والجماعة أن أول واجب على المكلفين هو عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له، توحيد الألوهية بدليل الكتاب والسنة والإجماع (*) ، وأن معرفة الله تعالى أمر فطري مركوز في النفوس.
ـ يعتقد الأشاعرة تأويل الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين واليمين والقدم والأصابع وكذلك صفتي العلو والاستواء. وقد ذهب المتأخرون منهم إلى تفويض معانيها إلى الله تعالى على أن ذلك واجب يقتضيه التنزيه، ولم يقتصروا على تأويل آيات الصفات بل توسعوا في باب التأويل (*) حيث شمل أكثر نصوص الإيمان، خاصة فيما يتعلق بإثبات الزيادة والنقصان، وكذلك موضوع عصمة الأنبياء. أما مذهب السلف فإنهم يثبتون النصوص الشرعية دون تأويل معنى النص ـ بمعنى تحريفه ـ أو تفويضه (*) ، سواءً كان في نصوص الصفات أو غيرها.
· الأشاعرة في الإيمان بين: المرجئة (*) التي تقول يكفي النطق بالشهادتين دون العمل لصحة الإيمان، وبين الجهمية (*) التي تقول يكفي التصديق القلبي. ورجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين أن المصدق بقلبه ناجٍ عند الله وإن لم ينطق بالشهادتين، (تبسيط
العقائد الإسلامية 29ـ32) . ومال إليه البوطي و (كبرى اليقينيات 196) . وفي هذا مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، ومخالفة لنصوص القرآن الكريم الكثيرة منها:(أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون)[الجاثية:21] . عليه يكون إبليس من الناجين من النار لأنه من المصدقين بقلوبهم، وكذلك أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن هناك داع لحرص النبي صلى الله عليه وسلم على قوله لا إله إلا الله محمد رسول الله وغير ذلك كثير.
· الأشاعرة مضطربون في قضية التكفير (*) فتارة يقولون لا نكفر أحداً، وتارة يقولون لا نكفر إلا من كفرنا، وتارة يقولون بأمور توجب التفسيق والتبديع أو بأمور لا توجب التفسيق والتبديع، فمثلاً يكفرون من يثبت علو الله الذاتي أو من يأخذ بظواهر النصوص حيث يقولون: إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر.
أما أهل السنة والجماعة (*) فيرون أن التكفير حق لله تعالى لا يطلق إلا على من يستحقه شرعاً، ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفره بإثبات شروط وانتفاء موانع 0
· قولهم بأن القرآن ليس كلام الله على الحقيقة ولكنه كلام الله النفسي وأن الكتب بما فيها القرآن مخلوقة. يقول صاحب الجوهرة: " يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم " وذلك في محاولة لم يحالفها النجاح للتوفيق بين أهل السنة والجماعة (*) والمعتزلة. أما مذهب أهل السنة والجماعة فهو: أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى عليه السلام ويسمعه الخلائق يوم القيامة. يقول تعالى: (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) .
· والإيمان والطاعة بتوفيق الله، والكفر (*) والمعصية بخذلانه، والتوفيق عند الأشعري، خلق القدرة على الطاعة، والخذلان عنده: خلق القدرة على المعصية، وعند بعض أصحاب الأشعري، تيسير أسباب الخير هو التوفيق وضده الخذلان.
· كل موجود يصح أن يرى، والله موجود يصح أن يُرى، وقد ورد في القرآن أن المؤمنين يرونه في الآخرة، قال تعالى:(وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة)[القيامة:22] . ولكن يرى الأشاعرة أنه لا يجوز أن تتعلق به الرؤية على جهة ومكان وصورة ومقابلة واتصال شعاع فإن كل ذلك مستحيل! وفي ذلك نفي لعلو الله تعالى والجهة بل ونفي للرؤية نفسها. ويقترب الرازي كثيراً من قول المعتزلة في تفسيره للرؤية بأنها مزيد من الانكشاف العلمي.
· حصر الأشاعرة دلائل النبوة (*) بالمعجزات (*) التي هي الخوارق، موافقة للمعتزلة
وإن اختلفوا معهم في كيفية دلالتها على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بينما يرى جمهور أهل السنة أن دلائل ثبوت النبوة (*) للأنبياء كثيرة ومنها المعجزات.
· صاحب الكبيرة (*) إذا خرج من الدنيا بغير توبة حكمه إلى الله تعالى، إما أن يغفر له برحمته، وإما أن يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم، موافقة لمذهب (*) أهل السنة والجماعة (*) .
· يعتقد الأشاعرة أن قدرة العبد لا تأثير لها في حدوث مقدورها ولا في صفة من صفاته، وأن الله تعالى أجرى العادة بخلق مقدورها مقارناً لها، فيكون الفعل خلقاً من الله وكسباً من العبد لوقوعه مقارناً لقدرته. ولقد عدَّ المحققون " الكسب " هذا من محالات الكلام وضربوا له المثل في الخفاء والغموض، فقالوا:" أخفى من كسب الأشعري "، وقد خرج إمام الحرمين وهو من تلاميذ الأشعري عن هذا الرأي، وقال بقول أهل السنة والجماعة بل والأشعري نفسه في كتاب الإبانة رجع عن هذا الرأي.
· قالوا بنفي الحكمة والتعليل في أفعال الله مطلقاً، ولكنهم قالوا إن الله يجعل لكل نبي معجزة لأجل إثبات صدق النبي صلى الله عليه وسلم فتناقضوا في ذلك بين ما يسمونه نفي الحكمة والغرض وبين إثبات الله للرسول (*) المعجزة تفريقاً بينه وبين المتنبئ.
· وافق الأشاعرة أهل السنة والجماعة في الإيمان بأحوال البرزخ، وأمور الآخرة من: الحشر والنشر، والميزان، والصراط، والشفاعة والجنة والنار، لأنها من الأمور الممكنة التي أقر بها الصادق صلى الله عليه وسلم، وأيدتها نصوص الكتاب والسنة، وبذلك جعلوها من النصوص السمعية.
· كما وافقوهم في القول في الصحابة على ترتيب خلافتهم، وأن ما وقع بينهم كان خطأ وعن اجتهاد منهم، ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم، لأن الطعن فيهم إما كفر، أو بدعة، أو فسق، كما يرون الخلافة في قريش، وتجوز الصلاة خلف كل برٍ وفاجر، ولا يجوز الخروج على أئمة الجور. بالإضافة إلى موافقة أهل السنة في أمور العبادات والمعاملات.
· فضلاً عن تصدي الأشعري للمعتزلة ومحاجتهم بنفس أسلوبهم الكلامي ليقطع شبهاتهم ويرد حجتهم عليهم، تصدى أيضاً للرد على الفلاسفة والقرامطة والباطنية (*) ، والروافض (*) وغيرهم من أهل الأهواء الفاسدة والنحل الباطلة.
· والأشعري في كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي هو آخر ما ألَّف من الكتب على أصح الأقوال (1) ، رجع عن كثير من آرائه الكلامية إلى طريق السلف في الإثبات وعدم
التأويل.. يقول رحمه الله: " وقولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ـ نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته ـ قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق، ورفع به ضلال الشاكِّين، فرحمة الله عليه من إمام مقدَّم وجليل معظَّم وكبير مفخَّم ".
· إن مدرسة الأشعرية الفكرية لا تزال مهيمنة على الحياة الدينية في العالم الإسلامي، ولكنها كما يقول الشيخ أبو الحسن الندوي:" فقدت حيويتها ونشاطها الفكري، وضعف إنتاجها في الزمن الأخير ضعفاً شديداً وبدت فيها آثار الهرم والإعياء ". لماذا؟
ـ لأن التقليد طغى على تلاميذ هذه المدرسة وأصبح علم الكلام (*) لديهم علماً متناقلاً بدون تجديد في الأسلوب.
ـ لإدخال مصطلحات الفلسفة (*) وأسلوبها في الاستدلال في علم الكلام.. فكان لهذا أثر سيئ في الفكر الإسلامي، لأن هذا الأسلوب لا يفيد العلم القطعي.. ولهذا لم يتمثل الأشاعرة بعد ذلك مذهب أهل السنة والجماعة (*) ومسلك السلف، تمثُّلاً صحيحاً، لتأثرهم بالفلاسفة وإن هم أنكروا ذلك.. حتى الغزالي نفسه الذي حارب الفلاسفة في كتابه تهافت الفلاسفة يقول عنه تلميذه القاضي ابن العربي:" شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر".
ـ تصدي شيخ الإسلام ابن تيمية لجميع المذاهب الإسلامية التي انحرفت عن الكتاب والسنة ـ ومنهم الأشاعرة وبخاصة المتأخرة منهم ـ في كتابه القيم: درء تعارض العقل والنقل وفنَّد آراءهم الكلامية، وبيَّن أخطاءهم وأكَّد أن أسلوب القرآن والسنة هو الأسلوب اليقيني للوصول إلى حقيقة التوحيد والصفات وغير ذلك من أمور العقيدة.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· كما رأينا في آراء أبي الحسن الأشعري في مرحلته الثانية أن العقيدة الإسلامية، كما هي في الكتاب والسنة وعلى منهج (*) ابن كلاب هي الأساس في آرائه الكلامية وفي ما يتفق مع أحكام العقل (*) .
· تأثر أئمة المذهب بعد أبي الحسن الأشعري ببعض أفكار ومعتقدات: الجهمية (*) من الإرجاء (*) والتعطيل (*) ، وكذلك بالمعتزلة والفلاسفة في نفي بعض الصفات وتحريف (*) نصوصها، ونفي العلو والصفات الخبرية كما تأثرو بالجبرية في مسألة القدر (*) .
· لا ينفي ذلك تأثرهم بعقيدة أهل السنة والجماعة (*) فيما وافقوهم فيها.
الانتشار ومواقع النفوذ:
انتشر المذهب (*) الأشعري في عهد وزارة نظام الملك الذي كان أشعريِّ العقيدة، وصاحب الكلمة النافذة في الإمبراطورية السلجوقية، ولذلك أصبحت العقيدة الأشعرية عقيدة شبه رسمية تتمتع بحماية الدولة.
وزاد في انتشارها وقوتها مدرسة بغداد النظامية، ومدرسة نيسابور النظامية، وكان يقوم عليهما رواد المذهب الأشعري، وكانت المدرسة النظامية في بغداد أكبر جامعة إسلامية في العالم الإسلامي وقتها، كما تبنى المذهب وعمل على نشره المهدي بن تومرت مهدي الموحدين، ونور الدين محمود زنكي، والسلطان صلاح الدين الأيوبي، بالإضافة إلى اعتماد جمهرة من العلماء عليه، وبخاصة فقهاء الشافعية والمالكية المتأخرين. ولذلك انتشر المذهب في العالم الإسلامي كله، لا زال المذهب الأشعري سائداً في أكثر البلاد الإسلامية وله جامعاته ومعاهده المتعددة.
يتضح مما سبق:
أن الأشاعرة فرقة كلامية إسلامية تنسب إلى أبي الحسن الأشعري في مرحلته الثانية التي خرج فيها على المعتزلة ودعا فيها إلى التمسك بالكتاب والسنة، على طريقة ابن كلاب، وهي تثبت بالعقل (*) الصفات العقلية السبع فقط لله تعالى، (الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام) واختلفوا في صفة البقاء، أما الصفات الاختيارية والمتعلقة بالمشيئة من الرضا والغضب والفرح والمجيء والنزول فقد نفوها، بينما يؤلون الصفات الخبرية لله تعالى أو يفوضون معناها. ويؤمن متأخرو الأشاعرة ببعض الأفكار المنحرفة عن عقيدة أهل السنة والجماعة (*) التي تصدى لها ولغيرها شيخ الإسلام ابن تيمية، لا سيما في مجال العقيدة، حيث أكد أن أسلوب القرآن والسنة بفهم السلف الصالح هو الأسلوب اليقيني للوصول إلى حقيقة التوحيد والصفات وغير ذلك من أمور العقيدة والدين. وعموماً فإن عقيدة الأشاعرة تنسب إلى عقيدة أهل السنة والجماعة بالمعنى العام في مقابل الشيعة (*) ، وأن الأشاعرة وبخاصة أشاعرة العراق الأوائل أمثال أبو الحسن الأشعري، والباهلي، وابن مجاهد، والباقلاني وغيرهم، أقرب إلى السنة والحق من الفلاسفة والمعتزلة بل ومن أشاعرة خراسان كأبي بكر بن فورك وغيره، وإنهم ليحمدوا على مواقفهم في الدفاع عن السنة والحق في وجه الباطنية (*) والرافضة (*) والفلاسفة، فكان لهم
جهدهم المحمود في هتك أستار الباطنية وكشف أسرارهم، بل وكان لهم جهادهم المشكور في كسر سورة المعتزلة والجهمية (*) .
إلا أنه ينبغي عليهم وقد تبينت الأمور في هذا الزمان أن يتخلصوا من مخالفاتهم، ويلحقوا بأهل السنة، وما ذلك على الله بعزيز.
مراجع للتوسع:
أـ مراجع المذهب:
ـ أساس التقديس ـ فخرالدين الرازي.
ـ الشامل ـ لإمام الحرمين أبو المعالي الجويني.
ـ الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد لإمام الحرمين أبو المعالي الجويني.
ـ الرسالة اللدنية من مجموعة القصور العوالي ـ أبو حامد الغزالي.
ـ الإنصاف فيما يجوز اعتقاده ولا يجوز الجهل به ـ للقاضي أبي محمد ابن الطيب الباقلاني.
ـ لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة لأبي المعالي الجويني.
ـ شرح الباجوري على الجوهرة ـ للباجوري.
ـ تبسيط العقائد الإسلامية ـ حسن أيوب.
ـ الله جل جلاله سعيد حوى.
ـ أركان الإيمان وهبي سليمان غاوجي.
ـ كبرى اليقينيات ـ محمد سعيد رمضان البوطي.
ب ـ مراجع وكتب غير المذهب:
ـ الإبانة في أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري.
ـ مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري.
ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعةـ أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي.
ـ سير أعلام النبلاء للذهبي.
ـ درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية.
ـ العقيدة التدمرية لابن تيمية.
ـ العقيدة الأصفهانية لابن تيمية.
ـ العقيدة الواسطية لابن تيمية.
ـ تبيين كذب المفترى لابن عساكر.
ـ الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية، د. محمد أمان بن علي الجامي.
ـ منهج الأشاعرة في العقيدة لسفر الحوالي.
ـ موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د. عبد الرحمن صالح المحمود.
ـ منهج أهل السنة والجماعة، ومنهج الأشاعرة ـ خالد بن عبد اللطيف بن محمد نور.
الماتريدية
التعريف:
الماتريدية: فرقة كلامية (بدعية) ، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهمية (*) وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
مرت الماتريدية كفرقة كلامية بعدة مراحل، ولم تُعرف بهذا الاسم إلا بعد وفاة مؤسسها، كما لم تعرف الأشعرية وتنتشر إلا بعد وفاة أبي الحسن الأشعري، ولذلك فإنه يمكن إجمالها في أربع مراحل رئيسية كالتالي:
· مرحلة التأسيس: [000ـ333هـ] والتي اتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة وصاحب هذه المرحلة:
ـ أبو منصور الماتريدي: [000ـ333هـ] : هو محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، نسبة إلى (ماتريد) وهي محلة قرب سمرقند فيما وراء النهر، ولد بها ولا يعرف على وجه اليقين تاريخ مولده، بل لم يذكر من ترجم له كثيراً عن حياته، أو كيف نشأ وتعلم، أو بمن تأثر. ولم يذكروا من شيوخه إلا العدد القليل مثل: نصير بن يحيى البلخي، وقيل نصر وتلقى عنه علوم الفقه الحنفي وعلوم الكلام (*) .
ـ أطلق عليه الماتريدية، ومن وافقهم عدة ألقاب تدل على قدره وعلو منزلته عندهم مثل:"إمام المهدى"، "إمام المتكلمين".
قال عبد الله المرائي في كتاب الفتح المبين في طبقات الأصوليين: "كان أبو منصور قوي الحجة، فحما في الخصومة، دافع عن عقائد المسلمين، ورد شبهات الملحدين.."(1/193، 194) . وقال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة "جهبذ من جهابذة الفكر الإنساني، امتاز بالذكاء والنبوغ وحذق الفنون العلمية المختلفة"(ص 139) بل كان يرجِّحه على أبي الحسن الأشعري في كتاب تاريخ الدعوة والعزيمة (1/114ـ115) .
ـ عاصر أبا الحسن الأشعري، وعاش الملحمة بين أهل الحديث وأهل الكلام من
المعتزلة وغيرهم، فكانت له جولاته ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهاج (*) غير منهاج الأشعري، وإن التقيا في كثير من النتائج غير أن المصادر التاريخية لا تثبت لهما لقاء أو مراسلات بينهما، أو إطلاع على كتب بعضها.
ـ توفي عام 333هـ ودفن بسمرقند، وله مؤلفات كثيرة: في أصول الفقه والتفسير. ومن أشهرها: تأويلات أهل السنة أو تأويلات القرآن وفيه تناول نصوص القرآن الكريم، ولا سيما آيات الصفات، فأوَّلها تأويلات جهمية (*) . ومن أشهر كتبه في علم الكلام كتاب التوحيد وفيه قرر نظرياته الكلامية، وبيَّن معتقده في أهم المسائل الاعتقادية، ويقصد بالتوحيد: توحيد الخالقية والربوبية، وشيء من توحيد الأسماء والصفات، ولكن على طريقة الجهمية (*) بتعطيل كثير من الصفات بحجة التنزيه (*) ونفي التشبيه (*) ؛ مخالفاً طريقة السلف الصالح. كما ينسب إليه شرح كتاب الفقه الأكبر (1) للإمام أبي حنيفة، وله في الردود على المعتزلة رد الأصول الخمسة وأيضاً في الرد على الروافض (*) رد كتاب الإمامة لبعض الروافض، وفي الرد على القرامطة الرد على فروع القرامطة.
· مرحلة التكوين: [333ـ500هـ] : وهي مرحلة تلامذة الماتريدي ومن تأثر به من بعده، وفيه أصبحت فرقة كلامية ظهرت أولاً في سمرقند، وعملت على نشر أفكار شيخهم وإمامهم، ودافعوا عنها، وصنفوا التصانيف متبعين مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع (الأحكام)، فراجت العقيدة الماتريدية في تلك البلاد أكثر من غيرها. ومن أشهر أصحاب هذه المرحلة: أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الحكيم السمرقندي (342هـ) ، عرف بأبي القاسم الحكيم لكثرة حكمه ومواعظه، وأبو محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوي (390هـ) .
· ثم تلى ذلك مرحلة أخرى تُعتبر امتداداً للمرحلة السابقة. ومن أهم وأبرز شخصياتها:
ـ أبو اليسر البزدوي [421ـ493هـ] : هو محمد بن محمد بن الحسين ابن عبد الكريم، والبزدوي نسبة إلى بزدوة ويقال بزدة، ولقب بالقاضي الصدر، وهو شيخ الحنفية بعد أخيه
(1) نسبة الكتاب إلى الماتريدي فيها نظر لأن المصادر التي ترجمت للماتريدي أو التي تهتم بكتب المؤلفين لم تشر إليه، وقد نفي نسبة هذا الكتاب إليه العديد من المستشرقين والعلماء منهم "وينسنك" في كتابه "عقيدة المسلمين" ص 122، 123، وكذلك الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية ص 175، 176، وذكر الكوثري الماتريدي في مقدمة كتابه العالم والمتعلم إن عدة نسخ للكتاب مخطوطة موجودة بدار الكتب المصرية فيها التصريح بنسبته إلى أبي الليث نصر بن محمد بن أحمد الفقيه السمرقندي، ويدل على ذلك ما ورد في ص 25 من الكتاب نفسه يقول المؤلف قال الفقيه أبو الليث [رحمه الله] .
الكبير علي البزودي، ولد عام (421هـ) .
ـ تلقى العلم على يد أبيه، الذي أخذه عن جده عبد الكريم تلميذ أبي منصور الماتريدي، قرأ كتب الفلاسفة أمثال الكندي، وغيره، وكذلك كتب المعتزلة أمثال الجبائي، والكعبي، والنّظام، وغيرهم، وقال فيها:"لا يجوز إمساك تلك الكتب والنظر فيها؛ لكي لا تحدث الشكوك، وتوهن الاعتقاد"، ولا يرى نسبة الممسك إلى البدعة (*) . كما اطلع على كتب الأشعري، وتعمق فيها، وقال بجواز النظر فيها بعد معرفة أوجه الخطأ فيها، كما اطلع على كتابي التأويلات، والتوحيد للماتريدي فوجد في كتاب التوحيد قليل انغلاق وتطويل، وفي ترتيبه نوع تعسير، فعمد إلى إعادة ترتيبه وتبسيطه مع ذكر بعض الإضافات عليه في كتاب أصول الدين.
ـ أخذ عن الشيخ أبو اليسر البزدوي جمٌّ غفير من التلاميذ؛ ومن أشهرهم: ولده القاضي أبو المعاني أحمد، ونجم الدين عمر بن محمد النسفي صاحب العقائد النسفية، وغيرهما.
ـ توفي في بخارى في التاسع من رجب سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة.
· مرحلة التأليف والتأصيل للعقيدة الماتريدية: [500ـ700هـ] : وامتازت بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية؛ ولذا فهي أكبر الأدوار السابقة في تأسيس العقيدة، ومن أهم أعيان هذه المرحلة:
ـ أبو المعين النسفي [438ـ508هـ] : وهو ميمون بن محمد بن معتمد النسفي المكحولي، والنسفي نسبة إلى نسف وهي مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند، والمكحولي نسبة إلى جده الأكبر، ولكن نسبته إلى بلده غلبت نسبته إلى جده، وله ألقاب عدة أشهرها: سيف الحق والدين.
ـ ويعد من أشهر علماء الماتريدية، إلا أن من ترجم له لم يذكر أحداً من شيوخه، أو كيفية تلقيه العلم، يقول الدكتور فتح الله خليف:"ويعتبر الإمام! أبو المعين النسفي من أكبر من قام بنصرة مذهب الماتريدي، وهو بين الماتريدية كالباقلاني والغزالي بين الأشاعرة، ومن أهم كتبه تبصرة الأدلة، ويعد من أهم المراجع في معرفة عقيدة الماتريدية بعد كتاب التوحيد للماتريدي، بل هو أوسع مرجع في عقيدة الماتريدية على الإطلاق، وقد اختصره في كتابه التمهيد، وله أيضاً كتاب بحر الكلام، وهو من الكتب المختصرة التي تناول فيها أهم القضايا الكلامية".
ـ توفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ثمانٍ وخمسمائة، وله سبعون سنة.
ـ نجم الدين عمر النسفي [462ـ537هـ] : هو أبو حفص نجم الدين عمر بن محمد ابن أحمد بن إسماعيل
…
بن لقمان الحنفي النسفي السمرقندي، وله ألقاب عدة أشهرها: نجم الدين، ولد في نسف سنة إحدى أو اثنتين وستين وأربعمائة.
ـ كان من المكثرين من الشيوخ، فقد بلغ عدد شيوخه خمسمائة رجلاً ومن أشهرهم: أبو اليسر البزدوي، وعبد الله بن علي بن عيسى النسفي. وأخذ عنه خلقٌ كثير، وله مؤلفات بلغت المائة، منها: مجمع العلوم، التيسير في تفسير القرآن، النجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح في شرح البخاري وكتاب العقائد المشهورة بالعقائد النسفية، والذي يعد من أهم المتون في العقيدة الماتريدية وهو عبارة عن مختصر لتبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي قال فيه السمعاني في ترجمة له:"كان إماماً فاضلاً متقناً، صنَّف في كل نوع من التفسير والحديث.. فلما وافيت سمرقند استعرت عدة كتب من تصانيفه، فرأيت فيها أوهاماً كثيرة خارجة عن الحد، فعرفت أنه كان ممن أحب الحديث، ولم يرزق فهمه".
ـ توفي بسمرقند ليلة الخميس ثاني عشر من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.
· مرحلة التوسع والانتشار: [700ـ1300هـ] : وتعد من أهم مراحل الماتريدية حيث بلغت أوجَ توسعها وانتشارها في هذه المرحلة؛ وما ذلك إلا لمناصرة سلاطين الدولة العثمانية، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، فانتشرت في: شرق الأرض، وغربها، وبلاد العرب، والعجم، والهند، والترك، وفارس، والروم.
وبرز فيها أمثال: الكمال بن الهمام صاحب المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، والذي ما زال يدرَّس في بعض الجامعات الإسلامية. وفي هذا الدور كثرت فيها تأليف الكتب الكلامية من: المتون، والشروح، والشروح على الشروح، والحواشي على الشروح.
وهناك مدراس مازالت تتبنى الدعوة للماتريدية في شبه القارة الهندية وتتمثل في:
ـ مدرسة ديوبند والندوية [1283هـ ـ
…
] وفيها كثر الاهتمام بالتأليف في علم الحديث وشروحه، فالديوبندية أئمة في العلوم النقلية والعقلية؛ إلا أنهم متصوفة محضة، وعند كثير منهم بدعٌ قبورية، كما يشهد عليهم كتابهم المهنَّد على المفنَّد لـ الشيخ خليل أحمد السهارنفوري أحد أئمتهم، وهو من أهم كتب الديوبندية في العقيدة، ولا تختلف عنها المدرسة الندوية في كونها ماتريدية العقيدة.
ـ مدرسة البريلوي [1272هـ ـ
…
] نسبة إلى زعيمهم أحمد رضا خان الأفغاني الحنفي الماتريدي الصوفي الملقب بعبد المصطفي [1340هـ] وفي هذا الدور يظهر الإشراك
الصريح، والدعوة إلى عبادة القبور، وشدة العداوة للديوبندية، وتكفيرهم فضلاً عن تكفير (*) أهل السنة (*) .
ـ مدرسة الكوثري [1296هـ ـ
…
] وتنسب إلى الشيخ محمد زاهد الكوثري الجركسي الحنفي الماتريدي (1371هـ) ويظهر فيها شدة الطعن في أئمة الإسلام ولعنهم، وجعلهم مجسمة ومشبهة، وجعل كتب السلف ككتب: التوحيد، الإبانة، الشريعة، والصفات، والعلو، وغيرها من كتب أئمة السنة، كتب وثنيةٍ (*) وتجسيمٍ وتشبيهٍ (*) ، كما يظهر فيها أيضاً شدة الدعوة إلى البدع (*) الشركية وللتصوف من تعظيم القبور والمقبورين تحت ستار التوسل. انظر تعليقات الكوثري على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وكتاب مقالات الكوثري.
أهم الأفكار والمعتقدات:
· من حيث مصدر التلقي: قسّم الماتريدية أصول الدين حسب التلقي إلى:
ـ الإلهيات [العقليات] : وهي ما يستقل العقل (*) بإثباتها والنقل تابع له، وتشمل أبواب التوحيد والصفات.
ـ الشرعيات [السمعيات] : وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً ونفياً، ولا طريق للعقل إليها مثل: النبوات، وعذاب القبر، وأمور الآخرة، علماُ بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات.
ولا يخفي ما في هذا من مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة (*) حيث أن القرآن والسنة وإجماع (*) الصحابة هم مصادر التلقي عندهم، فضلاُ عن مخالفتهم في بدعة تقسيم أصول الدين إلى: عقليات وسمعيات، والتي قامت على فكرة باطلة أصّلها الفلاسفة من: أن نصوص الدين (*) متعارضة مع العقل، فعملوا على التوسط بين العقل والنقل، مما اضطرهم إلى إقحام العقل في غير مجالات بحثه؛ فخرجوا بأحكام باطلة تصطدم مع الشرع ألجأتهم إلى التأويل (*) والتفويض (*) ، بينما لا منافاة عند أهل السنة والجماعة بين العقل والسليم الصريح والنقل الصحيح.
· بناءً على التقسيم السابق فإن موقفهم من الأدلة النقلية في مسائل الإلهيات [العقليات] كالتالي:
ـ إن كان من نصوص القرآن الكريم والسنة المتواترة (*) مما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة عندهم، أي مقبولاً عقلاُ، خالياً من التعارض مع عقولهم؛ فإنهم يحتجون به في تقرير العقيدة. وأما إن كان قطعي الثبوت ظني الدلالة عندهم أي: مخالفاً لعقولهم، فإنه لا يفيد
اليقين، ولذلك تُؤوَّل الأدلة النقلية بما يوافق الأدلة العقلية، أو تفويض معانيها إلى الله عز وجل. وهم في ذلك مضطربون، فليست عندهم قاعدة مستقيمة في التأويل (*) والتفويض (*) ؛ فمنهم من رجّح التأويل على التفويض، ومنهم من رجّح التفويض، ومنهم من أجاز الأمرين، وبعضهم رأى أن التأويل لأهل النظر والاستدلال، والتفويض أليق للعوام.
والملاحظ أن القول بالتأويل (*) لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحاب القرون المفضلة، وإنما هي بدعة دخلت على الجهمية (*) والمعتزلة (*) من اليهود والنصارى، وإلى التأويل يرجع جميع ما أُحدث في الإسلام من بدع فرَّقت شمل الأمة، وهو أشرُّ من التعطيل؛ حيث يستلزم التشبيه (*) ، والتعطيل، واتهاماً للرسول صلى الله عليه وسلم بالجهل، أو كتمان بيان ما أنزل الله.
وأما القول بالتفويض (*) فهو من أشر أقوال أهل البدع لمناقضته ومعارضته نصوص التدبر للقرآن، واستلزام تجهيل الأنبياء والمرسلين برب العالمين.
ـ وإن كان من أحاديث الآحاد (*) فإنها عندهم تفيد الظن، ولا تفيد العلم اليقيني، ولا يعمل بها في الأحكام الشرعية مطلقاً، بل وفق قواعدهم وأصولهم التي قرروها، وأما في العقائد فإنه لا يحتج بها، ولا تثبت بها عقيدة، وإن اشتملت على جميع الشروط المذكورة في أصول الفقه (*) ، وإن وردت مخالفة للعقل (*) ولا تحتمل التأويل رُدَّت بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطة، وإن كانت ظاهرة فظاهرها غير مراد، وهذا موقف الماتريدية قديماً وحديثاً؛ حتى أن الكوثري ومن وافقه من الديوبندية طعنوا في كتب السنة بما فيها الصحيحين، وفي عقيدة أئمة السنة بما فيها الصحيحين، وفي عقيدة أئمة السنة مثل: حماد بن سلمة راوي أحاديث الصفات، والإمام الدارمي عثمان بن سعيد صاحب السنن. وهذا قول مبتدع محدث ابتدعته القدرية (*)(1) والمعتزلة (*) ، لأن الأحاديث حجة عليهم وهو مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يبعث الرسل إلى الملوك والرؤساء فُرادَى يدعونهم إلى الإسلام. وكذلك فإن تقسيم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى متواتر (*) وآحاد (*) لم يكن معروفاً في عصر الصحابة والتابعين.
ـ كما رتبوا على ذلك وجوب معرفة الله تعالى بالعقل (*) قبل ورود السمع، واعتبروه أول واجب على المكلف، ولا يعذر بتركه ذلك، بل يعاقب عليه ولو قبل بعثة الأنبياء والرسل. وبهذا وافقوا قول المعتزلة: وهو قول ظاهر البطلان، تعارضه الأدلة من الكتاب والسنة التي تبين أن معرفة الله تعالى يوجبها العقل، ويذم من يتركها، لكن العقاب على الترك لا يكون إلا بعد ورود الشرع، يقول الله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)
(1) أول من قال بهذا القول هو: إسماعيل بن علية (ت 218هـ) قال عنه الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال: "جهمي هالك كان يناظر في خلق القرآن"(1/20) ناظره الإمام الشافعي وقال فيه: "هو ضال".
[سورة الإسراء الآية 15] وأن أول واجب على المكلف، وبه يكون مسلماً: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والبراءة من كل دين (*) يخالف دين الإسلام على الإجمال، ولهذا لما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن لم يأمره بغير ذلك. وكذلك الأنبياء لم يدعوا أقوامهم إلا بقول (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)[سورة الأعراف الآية 59] .
ـ وقالوا أيضاً بالتحسين والتقبيح العقليين (*) ، حيث يدرك العقل حسن الأشياء وقبحها، إلا أنهم اختلفوا في حكم الله تعالى بمجرد إدراك العقل للحسن والقبح. فمنهم من قال: إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسول؛ كما سبق، ومنهم من قال بعكس ذلك.
ـ وذهبت كذلك الماتريدية كغيرها من الفرق الكلامية إلى أن المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث؛ ويقصدون بالمجاز بأنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، وهو قسيم الحقيقة عندهم. ولذلك اعتمدوا عليه في تأويل النصوص دفعاً ـ في ظنهم ـ لشبه التجسيم والتشبيه (*) . وهو بهذا المعنى: قول مبتدع، محدث، لا أصل له في اللغة ولا في الشرع. ولم يتكلم فيه أئمة اللغة: كالخليل بن أحمد، وسيبويه فضلاً عن أئمة الفقهاء والأصوليين المتقدمين.
ـ مفهوم التوحيد عند الماتريدية هو: إثبات أن الله تعالى واحد في ذاته، لا قسيم له، ولا جزء له، واحد في صفاته، لا شبيه له، واحد في أفعاله، لا يشاركه أحد في إيجاد المصنوعات، ولذلك بذلوا غاية جهدهم في إثبات هذا النوع من التوحيد باعتبار أن الإله (*) عندهم هو: القادر على الاختراع. مستخدمين في ذلك الأدلة والمقاييس العقلية والفلسفية التي أحدثها المعتزلة والجهمية (*) ، مثل دليل حدوث الجواهر والأعراض، وهي أدلة طعن فيها السلف والأئمة وأتباعهم وأساطين الكلام والفلسفة (*) وبينوا أن الطرق التي دل عليها القرآن أصح. بيّن ذلك أبو الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر، وابن رشد الحفيد في مناهج (*) الأدلة. وشيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل. وأيضاً خالفوا أهل السنة والجماعة (*) بتسويتهم بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فالإله عند أهل السنة: المألوه المعبود الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له. وما أرسلت الرسل إلا لتقرير ذلك الأمر، ودعوة البشرية إلى توحيد الله تعالى في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته.
ـ أثبتوا لله تعالى أسماءه الحسنى، وقالوا: لا يسمَّى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه، وجاء به الشرع. وفي ذلك وافقوا أهل السنة والجماعة في القول بالتوقيف في أسمائه تعالى إلا أنهم خالفوهم فيما أدخلوه في أسمائه تعالى: كالصانع، القديم، الذات
…
حيث لم يفرقوا بين باب الإخبار عن الله تعالى وباب التسمية.
ـ وقالوا بإثبات ثماني صفاتٍ لله تعالى فقط، على خلاف بينهم وهي: الحياة، القدرة، العلم، الإرادة، السمع، البصر، الكلام، التكوين. وعلى أن جميع الأفعال المتعدية ترجع إلى التكوين، أما ما عدا ذلك من الصفات التي دل عليها الكتاب والسنة [الصفات الخبرية] من صفات ذاتية، أو صفات فعلية، فإنها لا تدخل في نطاق العقل (*) ، ولذلك قالوا بنفيها جميعاً. أما أهل السنة والجماعة (*) فهم كما يعتقدون في الأسماء يعتقدون في الصفات وأنها جميعاً توقيفية، ويؤمنون بها " بإثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، مع تفويض الكيفية وإثبات المعنى اللائق بالله ـ تعالى ـ لقوله تعالى:(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .
ـ قولهم بأن القرآن الكريم ليس بكلام الله تعالى على الحقيقة، وإنما هو كلام الله تعالى النفسي، لا يسمع، وإنما يسمع ما هو عبارة عنه، ولذلك فإن الكتب بما فيها القرآن مخلوقة؛ وهو قول مبتدع محدث لم يدل عليه الكتاب ولا السنة، ولم يرد عن سلف الأمة. وأول من ابتدعه ابن كلاب. فالله تعالى يتكلم إذا شاء متى شاء بما شاء، ولا يزال يتكلم كما كلم موسى، ويكلم عباده يوم القيامة، والقرآن كلام الله تعالى على الحقيقة، غير مخلوق. وكذلك التوراة والإنجيل والزبور. وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة من سلف الأمة الصالح ومن تبعهم بإحسان.
ـ تقول الماتريدية في الإيمان أنه التصديق بالقلب فقط، وأضاف بعضهم الإقرار باللسان، ومنعوا زيادته ونقصانه، وقالوا بتحريم الاستثناء فيه، وأن الإسلام والإيمان مترادفان، لا فرق بينهما، فوافقوا المرجئة (*) في ذلك، وخالفوا أهل السنة والجماعة (*)، حيث إن الإيمان عندهم: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان. يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. ويجوز الاستثناء فيه [والمقصود عدم تزكية النفس] والإيمان والإسلام متلازمان، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
· وافقت الماتريدية أهل السنة والجماعة في الإيمان بالسمعيات مثل: أحوال البرزخ، وأمور الآخرة من: الحشر، والنشر، والميزان، والصراط، والشفاعة، والجنة، والنار؛ لأنهم جعلوا مصدر التلقي فيها السمع، لأنها من الأمور الممكنة التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم، وأيدتها نصوص الكتاب والسنة.
ـ وبالتالي فإنهم أثبتوا رؤية الله تعالى في الآخرة؛ ولكن مع نفي الجهة والمقابلة. وهذا قول متناقض حيث أثبتوا ما لا يمكن رؤيته، ولا يخفي مخالفته لما عليه أهل السنة والجماعة.
· كما وافقت الماتريدية أهل السنة والجماعة في القول في الصحابة على ترتيب خلافتهم، وأن ما وقع بينهم كان خطأ عن اجتهاد منهم؛ ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم، لأن الطعن فيهم إما كفر (*) ، أو بدعة (*) ، أو فسق. كما يرون أن الخلافة (*) في قريش، وتجوز الصلاة خلف كل برٍ وفاجرٍ، ولا يجوز الخروج على الإمام الجائر.
· وأيضاً وافقوا أهل السنة والجماعة في القول: بالقدر (*) ، والقدرة، والاستطاعة، على أن كل ما يقع في الكون بمشيئة الله تعالى وإرادته، وأن أفعال العباد من خير وشر من خلق الله تعالى وأن للعباد أفعالاً اختيارية، يثأبون عليها، ويعاقبون عليها، وأن العبد مختار في الأفعال التكليفية غير مجبور على فعلها.
قالت الماتريدية بعدم جواز التكليف بما لا يُطاق موافقة المعتزلة في ذلك، والذي عليه أهل السنة والجماعة (*) هو: التفضيل، وعدم إطلاق القول بالجواز أو بالمنع.
الجذور الفكرية والعقائدية:
يتبين للباحث أن عقيدة الماتريدية فيها حق وباطل؛ فالحق أخذوه عن أهل السنة من الحنفية السلفية (*) ، وغيرهم؛ لأن المستقرىء للتاريخ يجد أن الحنفية بعد الإمام أبي حنيفة رحمه الله تفرقوا فرقاً شتى (1) في وقت مبكر، ولم يَسٍر على سيرة الإمام أبي حنيفة وصاحبيه إلا من وفقه الله عز وجل. وقد كانت الغلبة في ذلك للأحناف المنتسبين للفرق المبتدعة من: جهمية (*) ، ومعتزلة (*) . ولأن المصادر التاريخية لم تُشِر إلى كيفية تلقي أبي منصور الماتريدي العلم أو من تأثر بهم من العلماء، نستطيع ترجيح الآتي:
ـ تأثُّر أبو منصور الماتريدي مباشرة أو بواسطة شيوخه بعقائد الجهمية (*) من الإرجاء (*) والتعطيل (*) ؛ وكذلك المعتزلة (*) والفلاسفة في نفي بعض الصفات وتحريف
(1) فعلى سبيل المثال نجد أن الإمام أبا جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي إمام الحنفية في وقته (229 أو 239 ـ 321هـ) صاحب العقيدة الطحاوية عقيدته سنية سلفية في الجملة.
ـ بينما راوي كتاب "الفقه الأكبر" عن أبي حنيفة أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي الجهمي المرجىء، (199هـ) ولا يخفي تأثيره على الحنفية بسبب روايته للكتاب.
ـ القاضي إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة من رؤوس فتنة القول بخلق القرآن ودعاتها، وكان ينسب هذا القول إلى أبيه وجده الإمام أبي حنيفة كذاباً وزوراً.
ـ بشر بن غياث المريسي الحنفي الجهمي المرجىء (228هـ) إمام المريسية من فرق المرجئة ورافع لواء الجهمية بعد الجهم بن صفوان، وكان أبوه يهوديًّا وكفَّره عدد من أئمة السنة.
ـ القاضي أحمد بن أبي داود الحنفي المعتزلي (240هـ) رأس فتنة خلق القرآن وتلميذ بشر المريسي.
نصوصها، ونفي العلو والصفات الخبرية ظناً منه أنها عقيدة أهل السنة.
ـ تأثر بابن كلاب (240هـ) أول من ابتدع القول بالكلام النفسي لله عز وجل في بدعته هذه، وأن لم يثبت لهما لقاء، حيث توفي ابن كلاب قبل مولده، بل صرح شيخ الإسلام ابن تيمية أن أبا منصور الماتريدي تابع ابن كلاب في عدة مسائل: الصفات، وما يتعلق بها، كمسألة القرآن هل سبحانه يتكلم بمشيئته وقدرته؟ ومسألة الاستثناء في الإيمان. (مجموع الفتاوى 7/433، منهاج السنة 2/362) .
الانتشار ومواقع النفوذ:
انتشرت الماتريدية، وكثر أتباعها في بلاد الهند وما جاورها من البلاد الشرقية: كالصين، وبنغلاديش، وباكستان، وأفغانستان. كما انتشرت في بلاد تركيا، والروم، وفارس، وبلاد ما وراء النهر، والمغرب حسب انتشار الحنفية وسلطانهم، وما زال لهم وجود قوي في هذه البلاد، وذلك لأسباب كثيرة منها:
1 ـ المناصرة والتأييد من الملوك والسلاطين لعلماء المذهب، وبخاصة سلاطين الدولة العثمانية.
2 ـ للمدارس الماتريدية دورٌ كبير في نشر العقيدة الماتريدية، وأوضح مثال على ذلك: المدارس الديوبندية بالهند وباكستان وغيرها؛ حيث لا زال يدرَّس فيها كتب الماتريدية في العقيدة على أنها عقيدة أهل السنة والجماعة (*) .
3 ـ النشاط البالغ في ميدان التصنيف في علم الكلام (*) ، وردهم على الفرق المبتدعة الأخرى، مثل الجهمية (*) الأولي، والمعتزلة، والروافض (*) .
4 ـ انتسابهم للإمام أبي حنيفة ومذهبه في الفروع.
يتضح مما سبق:
أن الماتريدية فرقة كلامية نشأت بسمرقند في القرن الرابع الهجري، وتنسب إلى أبي منصور الماتريدي، مستخدمة الأدلة والبراهين العقلية والفلسفية في مواجهة خصومها من المعتزلة، والجهمية وغيرهما من الفرق الباطنية (*) ، في محاولة لم يحالفها التوفيق للتوسط بين مذهب أهل السنة والجماعة (*) في الاعتقاد ومذاهب المعتزلة والجهمية وأهل الكلام، فأعْلَوا شأن العقل (*) مقابل النقل، وقالوا ببدعة تقسيم أصول الدين إلى عقليات وسمعيات مما اضطرهم إلى القول بالتأويل (*) والتفويض (*) ، وكذا القول بالمجاز في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وعدم الأخذ بأحاديث الآحاد (*)، وبالقول بخلق الكتب ومنها: القرآن
الكريم؛ وعلى أن القرآن الكريم كلام الله تعالى النفسي. مما قربَّهم إلى المعتزلة والجهمية في هذا الباب، وإلى المرجئة (*) في أبواب الإيمان، وأهل السنة والجماعة في مسائل: القدر (*) ، وأمور الآخرة وأحوال البرزخ، وفي القول في الإمامة، والصحابة رضي الله عنهم. ولما كان مفهومهم للتوحيد أنه يقتصر على: توحيد الخالقية، والربوبية، مما مكن التصوف الفلسفي بالتغلغل في أوساطهم، فغلب على كبار منتسبيهم وقوي بقوة نفوذ وانتشار المذهب (*) ؛ لوجود أكثر من دولة تحميه وتؤيده مثل: الدولة العثمانية؛ فضلاً عن وجود جامعات ومدارس مشهورة تعمل على نشره، وكان لانتسابهم لمذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع أثره البالغ في انتشار المذهب الماتريدي إلى اليوم. ومع هذا فإن للماتريدية خدمات في الرد على: المعتزلة والباطنية والفلاسفة الملحدين والروافض (*) ، ولهم جهود في خدمة كتب الحديث لا تخلو من ملحوظات.
مراجع للتوسع:
أـ كتب المذهب:
ـ كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي.
ـ تأويلات أهل السنة، أبو منصور الماتريدي.
ـ تبصرة الأدلة، أبو المعين النسفي.
ـ بحر الكلام في علم التوحيد، أبو المعين النسفي.
ـ شرح العقائد النسفية، لنجم الدين عمر النسفي / التفنازاني.
ـ المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، ابن الهمام مع شرحه المسامرة لابن أبي شريف، شرح قاسم بن قطلويغا.
ـ رسالة التوحيد، الشيخ محمد عبده.
ـ رسالة في الخلافات بين الأشعرية والماتريدية والمعتزلة، مستحي زاده عبد الله بن عثمان.
ـ مقالات الكوثري ومعها مقدمة البنوري الديوبندي، لأحمد خيري.
ـ تاريخ الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه القارة الهندية، د. محيى الدين الألوائي.
ـ العلماء العُزاب، الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.
ـ الأجوبة الفاضلة، للكنوي، تعليقات الشيخ عبد الفتاح أبي غدة.
ـ عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي، د. أبو الخير محمد أيوب البنغلاديشي.
ـ الفتاوى الرشيدية، للشيخ رشيد أحمد الكنكوهي الديوبندي.
ب ـ كتب ومراجع لغير المذاهب:
ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، أبو القاسم هبة الله بن الحسن ابن منصور الطبري اللالكائي.
ـ الأسماء والصفات، البيهقي.
ـ الإيمان، [مجموع الفتاوى: 7/4 ـ 421] شيخ الإسلام ابن تيمية.
ـ الإكليل في المتشابه والتأويل [مجموع الفتاوى: 13/270 ـ 314] شيخ الإسلام ابن تيمية.
ـ درء تعارض العقل والنقل، شيخ الإسلام ابن تيمية ـ تحقيق د. رشاد محمد سالم.
ـ اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، ابن قيم الجوزية، تحقيق د. عبد الله المعتق.
ـ ذم التأويل، ابن قدامة المقدسي.
ـ التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، عبد الرحمن بن يحيى اليماني المعلمي.
ـ البريلوية عقائد وتاريخ، إحسان إلهي ظهير.
ـ الماتريدية، رسالة ماجستير، أحمد بن عوض الله اللهيبي الحربي.
ـ الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، رسالة ماجستير، لشمس الأفغاني السلفي.
ـ منهج الماتريدية في العقيدة، د. محمد بن عبد الرحمن الخميس.
ـ مناهج الأدلة في عقائد الملة، ابن رشد الحفيد [أبو الوليد الأصفر محمد ابن أحمد الفلسفي] .
ـ براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة، د. أبو زيد بكر بن عبد الله أبو زيد.
ـ مقدمة شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ـ محمد ناصر الدين الألباني.
ـ الاستقامة، شيخ الإسلام ابن تيمية.
ـ الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه ـ محمد آمان بن علي الجامي.
جماعة أهل الحديث
التعريف:
جماعة أهل الحديث أقدم الحركات (*) الإسلامية في شبه القارة الهندية، قامت على الدعوة لإتباع الكتاب والسنة وفهمهما على ضوء فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وتقديمهما على كل قول وهدي سواء كان في العقائد أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق (*) أو السياسة والاجتماع على طريقة الفقهاء المحدثين، ومحاربة الشركيات والبدع (*) والخرافات بأنواعها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· تاريخ أهل الحديث في شبه القارة الهندية:
ـ يرجع تاريخ أهل الحديث في شبه القارة الهندية إلى العهد الإسلامي الأول حيث استضاءت بعض مناطق الهند بنور الإسلام بجهود التجار والمجاهدين العرب الذين وصلوا إلى مقاطعات السند ومالابار وكجرات على سواحل البحر الهندي، فكانت هناك مراكز للحديث في بلاد السند وملتان وفد إليها المحدثون من العرب والعجم، وقد زارها الرحالة المعروف أبو القاسم المقدسي عام 375هـ ووصف الحالة الدينية في بلاد السند في كتابه أحسن التقاسيم قائلاً:"إن مذاهب أكثرهم أصحاب الحديث، ولا تخلو القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأنهم على طريقة مستقيمة، ومذاهب محمودة، وصلاح وعفة، وقد أراحهم الله من الغلو والعصبية والفتنة".
ـ وفي أواخر القرن الرابع بدأ الضعف يدب في نشاط أهل الحديث وقد بلغ منتهاه في القرن التاسع الهجري، نظراً لانتشار الخلافات السياسية والعصبيات، وظهور فتنة الباطنية الإسماعيلية التي جرت على أهل السنة (*) الفتن والمشاكل، فقل الاهتمام بالسنة، وفشا التقليد (*) والتعصب للمذاهب (*) ، والجمود عليها، وسادت علوم اليونان. ومع هذا كله وجد في شبه القارة الهندية عدد من علماء أهل الحديث من تلاميذ الحافظ بن حجر العسقلاني والإمام السخاوي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وغيرهم، حيث ظلوا محافظين على منهج أهل الحديث.
· حركة أهل الحديث في شبه القارة الهندية في العصر الحديث:
ـ مع بداية القرن الحادي عشر الهجري بدأ دور جديد لأهل الحديث حيث ظهرت في عصر الشيخ أحمد السرهندي (ت 1034هـ) ، وقويت في عهد أنجال الإمام شاه ولي الله المحدث الدهلوي (ت 1175هـ) وبخاصة ابنه الكبير شاه عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي (1159 ـ 1239هـ) حيث استفادوا من منهج (*) أبيهم في الدعوة والإرشاد والتدريس والإفادة والتأليف، ونبذ الجمود والتعصب المذهبي، وزادت قوتها وانتشارها في عهد حفيده الإمام إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي (ت 1243هـ) قائد الدعوة والجهاد وصاحب كتاب تقوية الإيمان.
ـ بعد استشهاد الإمام شاه إسماعيل الدهلوي المعروف باسم إسماعيل الشهيد في معركة بالاكوت (1243هـ) تحمل أهل الحديث مسؤولية الدعوة والجهاد (*) بكل أمانة وإخلاص، وكانت جهودهم في هذه الفترة مرتكزة على ثلاثة ميادين رئيسية:
1 ـ ميدان الجهاد (*) : لم تقتصر حركة شاه إسماعيل الدهلوي على إحياء العمل بالكتاب والسنة وإقامة الخلافة (*) على منهاج النبوة والقضاء على التعصب المذهبي والجمود والبدع والعقائد الباطلة فقط، بل قادت حركة الجهاد ضد السيخ والاستعمار (*) الإنجليزي وبخاصة في الحدود الشمالية للهند إلى أن رحل الاستعمار الإنجليزي من الهند عام 1947م. وبعد تقسيم القارة إلى الهند وباكستان، واصل المجاهدون جهادهم وفتحت أحد كتائبهم مدينة مظفرآباد، وتحت قيادة الشيخ فضل إلهي الوزير آبادي فتحت باقي الرقعة التي تشكل كشمير الحرة الآن. ومن أبرز الشخصيات في هذا الميدان الشيخ ولايت علي الصادقفوي (ت 1269هـ) وشقيقه الشيخ عنايت علي الصادقفوري (ت 1274هـ) وأسرة (صادقفور) الذين تحملوا مسؤولية الجهاد ورفعوا رايته، وأبلوا فيه بلاءً حسناً.
2 ـ ميدان التأليف: لأهل الحديث دور بارز في إحياء ونشر الثقافة الإسلامية من خلال الاهتمام بمجال التأليف والتصنيف في القرآن وعلومه، وعلوم الحديث، وبيان السنة وشروحها، مع الدفاع عن العقيدة، والرد على المبتدعة وأهل الاعتقادات الباطلة فكان منهم العلماء والمحدثون. ومن أبرز الشخصيات في هذا المجال العلامة النواب صديق حسن خان البهوبالي (ت 1307هـ) حاكم بوبهبال حيث اشتغل بالتصنيف والتأليف ونشر كتب الحديث ودواوين السنة فألف ما يبلغ قريباً من ثلاثمائة كتاب، مع اشتغاله بمهمات الدولة، كما شكل مجلساً علمياً مكوناً من العلماء السلفيين ليقوم بمهمات التأليف والترجمة وإفادة المسلمين بالتدريس، وأنشأ لذلك عدة مطابع على حسابه الخاص لطبع ونشر وتوزيع كتب السلف
الصالح، وخاصة ما يتعلق منها بأصول الاعتقاد والتفسير والحديث.
3 ـ في ميدان التدريس: برز اهتمام أهل الحديث بالدعوة والتدريس وإنشاء المدارس والجامعات ومن أبرز الشخصيات في هذا الجانب العلامة الشيخ نذير حسين المحدث الدهلوي (ت 1320هـ) والذي انتهت إليه رئاسة الحديث في بلاد الهند واستمر في تدريس العلوم الشرعية والحديث في دهلي قرابة ستين عاماً بالإضافة إلى الدعوة إلى الإسلام الصحيح، حتى قيل إنه اعتنق في عصره نحو مليونين من المسلمين العقيدة الصحيحة تائبين عن العقائد الشركية والبدعية، وتخرج على يده عدد من أعلام السنة والدعوة في العصر الحديث أمثال: الإمام المحدث عبد الله الغزنوي (ت 1298هـ) وشمس الحق العظيم آبادي (ت 1329هـ) مؤلف عون المعبود شرح سنن أبي داود والعلامة عبد الرحمن المباركفوري (ت1353هـ) صاحب تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي والعلامة محمد بشير السهسواني (ت1326هـ) صاحب صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان والشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي المغربي والشيخ محمد بن ناصر المبارك النجدي والشيخ سعد بن حمد بن عتيق النجدي والذي نشر سند شيخه في بلاد الحجاز ونجد، وغيرهم، ولا زالت مدرسته إلى اليوم بدهلي والمعروفة بجامعة السيد نذير حسين الدهلوي تخرج العلماء والدعاة.
· تشكيل (جمعية أهل الحديث) :
ـ في عام 1324هـ الموافق 1906م قرر علماء أهل الحديث برئاسة شيخ الإسلام أبي الوفا ثناء الله الأمرتسري (ت 1367هـ) تشكيل جمعية لهم تقوم على نشر الدعوة على منهج الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ومقاومة الحركات الهدامة ومواجهة تحديات العصر تحت اسم (مؤتمر أهل الحديث لعموم الهند) ، وعين شيخ الإسلام أبي الوفا ثناء الله الأمرتسري قامع الفتنة القاديانية وصاحب التصانيف الكثيرة في الدفاع عن الإسلام ومقاومة الهندوسية، والنصرانية، ومنكري السنة وغيرها من فرق وملل الضلال. بالإضافة إلى ما له من مساهمات فعالة في الحركة السياسية والوطنية والمؤتمر الوطني العام، أميناً للجمعية بالإضافة إلى عضويته في ندوة العلماء وجمعية علماء الهند. وانتخب المحدث العلامة عبد الله الغاز يفوري (ت 1337هـ) رئيساً للجمعية، فغطت جهودهما الهند وقراها.
ـ في عام 1947م انقسمت شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان، فضعفت حركتهم لفترة ما وفقدوا بسبب ذلك أكبر مؤسسة تعليمية لهم (دار الحديث الرحمانية) بدهلي، فسارعوا إلى تشكيل الجمعية من جديد في كلتا الدولتين فاستعادتا قوتهما، وأسسوا الجامعات والمعاهد والمدارس الجديدة لتلبية حاجات العصر وتدريس علوم الكتاب والسنة
على منهج السلف الصالح.
ـ ومن أبرز هذه الجامعات:
1 ـ في الهند: الجامعة السلفية (*) ببنارس كأكبر جامعة عربية إسلامية في الهند. تأسست عام 1383هـ ـ 1963م بالإضافة إلى الجامعة الرحمانية، والجامعة الأحمدية السلفية، وجامعة دار السلام بعمر آباد، والجامعة السلفية بالقرية السلفية في كيرلا، والجامعة الإسلامية في بومباي، وجامعة ابن تيمية وجامعة الإمام البخاري في بيهاور.
2 ـ أما في باكستان فإن الجامعة السلفية بفيصل آباد تعد أول وأكبر جامعة إسلامية تأسست في باكستان بعد الانفصال في 7 شعبان 1374هـ ـ أبريل 1951م بالإضافة إلى الجامعات الأخرى مثل جامعة العلوم الأثرية بجلهم، وجامعة أبو بكر الصديق بكراتشي والجامعة المحمدية بكجرانوالة. هذا بالإضافة إلى المكتبات التي تحوي آلاف المخطوطات ونوادر الكتب. في المجال الإعلامي أصدرت الجمعية بفروعها المتعددة العديد من الصحف والمجلات باللغتين العربية والأردية على سبيل المثال: مجلة أهل الحديث الأمر تسرية ومجلة أهل الحديث، الصادرة من لاهور ترجمان الحديث، الحدث، الاعتصام، الرباط، صوت الأمة ومسلم وتوحيد وصوت الحق وصراط مستقيم.
ـ في عام 1985م اتخذ قرار بإنشاء جمعية شبان أهل الحديث في باكستان بالإضافة إلى جمعية طلبة أهل الحديث ومن ثم تم تعميم الفكرة على باقي الجمعيات في شبه القارة الهندية.
ـ في أكتوبر عام 1993م شاركت الجمعية في باكستان في الانتخابات النيابية وفاز عدد من مرشحيها بمقاعد في البرلمان الباكستاني وانتخب أمير الجماعة البروفيسور ساجد مير عضواً بمجلس الشيوخ الباكستاني.
ـ شخصيات بارزة:
· في باكستان:
1 ـ الشيخ محمد داود الغزنوي (1895 ـ 1963م) من المؤسسين لجمعية أهل الحديث بباكستان وأول رئيس لها، وشارك العلامة محمد إسماعيل في تأسيس الجامعة السلفية بمدينة فيصل آباد، كما تحمد له مواقفه من إقامة النظام الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية (*) في باكستان، وله جهود علمية في الرد على منكري السنة والقاديانية. وعند تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة اختير عضواً في المجلس الاستشاري الأول لها، كما شارك في وضع مناهجها الدراسية.
ـ العلامة محمد إسماعيل السلفي المولود عام (1314هـ) في قرية دهونكي ونشأ في ظل أسرة متدينة، وطلب العلم في مراحل مبكرة على يد أبيه، ورحل في طلبه على يد أفاضل علماء عصره. وكان رحمه الله من الرواد الأوائل الذين ساهموا في تأسيس جمعية أهل الحديث بباكستان، وكانت لجهوده الدعوية والسياسية أثرها البالغ على البلاد، فتولى الخطابة في جامع أهل الحديث بكجرانوالة، وترأس هيئة التدريس في الجامعة المحمدية التي أنشأها، كما عين مشرفاً على مقر جمعية تنظيم أهل الحديث بالبنجاب ثم انتخب أميناً عاماً للجنة العلم لجمعية أهل الحديث في مؤتمر دهلي 1946م، وبعد انفصال باكستان عن الهند عام 1947م انتخب أميناً عامًّا لجمعية أهل الحديث بباكستان حتى وفاته 1968م، وكان الشيخ محمد إسماعيل السلفي أحد أعضاء المجلس التنفيذي لحركة (*) ختم النبوة التي أنشئت لمقاومة الفتنة القاديانية، وعضواً بارزاً في الوفد التبليغي الذي قاوم حركة شدهي الهندوسية التي بدأت تهنّد المسلمين سنة 1924م في منطقة مل كانون بالإضافة إلى دوره الدعوي في التدريس والإفتاء وأمور الدعوة والإرشاد. وللشيخ مساهمات جيدة في إقامة المستوطنات ومساعدة الأسر المهجرة من الهند إلى باكستان سنة 1947م، بالإضافة إلى بناء المساجد والمدارس الدينية، مع هذا كله فقد كان للشيخ محمد إسماعيل نشاط سياسي بارز متأثراً في ذلك بالشيخ أبو الكلام آزاد، ومن ذلك تمثيله والشيخ محمد داود الغزنوي لجمعية أهل الحديث لدى الحكومة الباكستانية للمطالبة بإقامة الحكم الإسلامي في باكستان. وفي سنة 1952م اختير عضواً في اللجنة التي شكلت لتدوين الدستور الإسلامي بباكستان. توفي رحمه الله يوم الثلاثاء العشرين من شهر ذي القعدة 1387هـ الموافق العشرين من فبراير 1968هـ تاركاً العديد من المؤلفات أبرزها: شرح وترجمة مشكاة المصابيح باللغة الأردية.
2 ـ العلامة المحدث الأصولي أبو عبد الله محمد بن فضل الدين الغوندلوي (ت 1985م) الذي خلف الشيخ محمد إسماعيل السلفي في رئاسة الجمعية.
3 ـ العلامة الشيخ إحسان إلهي ظهير خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (ت 1987م) وصاحب المؤلفات القيمة في الرد على أهل البدع والأهواء.
4 ـ الرئيس الحالي للجمعية هو البروفيسور ساجد مير اختير عضواً في مجلس الشيوخ الباكستاني بتاريخ أكتوبر 1993م، وأمينها العام الشيخ ميان محمد جميل.
5 ـ ومن أبرز الشخصيات الأخرى العلامة المحدث أبو محمد بديع الدين شاه الراشدي السندي أحد كبار علماء السنة في العصر الحاضر، وصاحب الأسانيد المتصلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وله مشاركات جيدة في علوم الكتاب والسنة تأليفاً وتصنيفاً. وقد درس في
الحرمين الشريفين، وله تلاميذ كثيرون من الهند وباكستان وغيرهما.
· في الهند:
ـ الشيخ عبد الوهاب الأروي أول رئيس لجمعية الحديث بالهند بعد التشكيل الجديد.
ـ الشيخ عبد الجليل الرحماني (ت 1986م) أمين عام وصاحب تفسير القرآن بالاردو بالإضافة إلى إصداره مجلة مصباح الأردية.
ـ الشيخ عبد الحفيظ السلفي، خلف الشيخ الأروي في رئاسة الجمعية، ويتولى حالياً إدارة الجامعة الأحمدية السلفية في ولاية بيهار.
ـ الشيخ عبد الوحيد بن عبد الحق السلفي (ت 1989م) خلف الشيخ عبد الحفيظ السلفي في رئاسة الجمعية، بالإضافة إلى توليه الأمانة العامة للجامعة السلفية ببنارس منذ إنشائها حتى وفاته.
ـ الشيخ عبد الحميد بن عبد الجبار الرحماني، خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تولى منصب الأمين العام للجمعية في فترة سابقة، ويرأس حالياً مركز أبي الكلام ازاد للتوعية الإسلامية بدلهي.
ـ الشيخ مختار أحمد الندوي، مدير الدار السلفية في بومباي ـ الرئيس الحالي للجمعية وأمينها العام الشيخ عبد الوهاب بن عبد الواحد الخلجي خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
ـ تعتبر جمعية ندوة المجاهدين بولاية كيرالا، والممثلة في الجمعية المركزية لأهل الحديث بأربعة أعضاء من أنشط الجمعيات السلفية في شبه القارة الهندية، فهي تمتلك 280 مسجداً، و3 جامعات، و400 مدرسة إسلامية وعامة، وعدد من الكليات ودور الأيتام والمستشفيات ومراكز التدريب المهني، كما تمتلك 4 جرائد ومجلات محلية منها ما يختص بالشباب أو النساء أو الأطفال، وللجمعية تنظيم نقابي تحت مسمى جمعية الأطباء المسلمين في ولاية كيرالا.
ـ وأبرز شخصية لدى جماعة أهل الحديث بالهند حالياً هو رئيس الجامعة السلفية ببنارس ومحدث الديار الهندية الشيخ عبيد الله الرحماني المباركفوري مؤلف مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، والعلامة الشيخ عبد الصمد شرف الدين، بالإضافة إلى الدكتور الأديب مقتدى حسين الأزهري وكيل الجامعة السلفية ببنارس ورئيس تحرير مجلة صوت الأمة ورئيس إدارة البحوث العلمية بالجامعة. بالإضافة إلى عدد كبير من العلماء وطلبة العلم
البارزين في خدمة السنة والدعوة.
· في كشمير:
ـ كان لجهود الشيخ مولانا محمد حسين شاه تلميذ العلامة نذير حسين المحدث الدهلوي، ورفيق دربه الشيخ مولانا أنور شاه شوبياني ـ العالم الفرضي ـ أكبر الأثر في نشر دعوة أهل الحديث في كشمير.
ـ في عام 1923م أرسل مؤتمر عموم الهند لأهل الحديث والذي عرف فيما بعد باسم الجمعية المركزية لأهل الحديث مولانا عبد الكبير وسيد شمس الدين إلى كشمير كمبلغ جوال، وبمساعيهما أمكن تنظيم حركة أهل الحديث تحت اسم مؤتمر أهل كشمير لأهل الحديث والذي عرف في عام 1945م، عرفت باسم بزم التوحيد أي دعوة التوحيد. وفي عام 1946م تم تغيير اسم الجمعية إلى الاسم الحالي الجمعية المركزية لأهل الحديث جامو وكشمير كما تم وضع دستور للجمعية ويوضح أهدافها وينظم وسائل عملها من خلال وحدات إدارية تزيد على 500 وحدة إدارية على مستوى الولاية ويقدر عدد المنتسبين إليها بما يزيد على النصف مليون نسمة، واشتملت هذه الوحدات على عدد من الشعب والأقسام الرئيسية للتعليم والتربية والإفتاء والأوقاف والمساجد والبحوث العلمية والدعوة والإعلام. فأنشأت الكلية السلفية (*) كأول كلية عربية إسلامية في سرينجار العاصمة بالإضافة إلى العديد من المدارس والمعاهد الإسلامية، بالإضافة إلى بناء ما يزيد على 500 مسجد. كما اهتمت الجمعية بعقد الدورات المتعدة لإعداد الدعاة والمربين، وكذلك تسيير القوافل الدعوية في جميع أنحاء كشمير. وفي الفترة من عام 1957م حتى عام 1994م أقامت 28 مؤتمراً، وفي وسط العاصمة أنشأت مكتبة المسلم العامة التي تم تعميم فكرتها على جميع الوحدات الإدارية التابعة لها. وفي المجال الإعلامي أصدرت مجلة المسلم كل هذا في محاولة للوقوف في وجه أعداء الإسلام، وترسيخاً لاعتقاد منهج السلف الصالح في العلم والعمل لتخريج العلماء الراسخين في العلم الشرعي العارفين بالثقافة العصرية لتحقيق متطلبات المجتمع.
ـ وامتداداً لحركة (*) تحريك المجاهدين التي قادها شاه إسماعيل الشهيد الدهلوي ومروراً بكتيبة الشيخ فضل إلهي الوزير آبادي محرر كشمير الحرة تأسست حركة تحريك المجاهدين جامو وكشمير تحت إشراف الشيخ عبد الغني دار الذي اعتقل في سجون كشمير المحتلة ما يزيد على السنتين، وقيادة الشيخ تنوير الإسلام الذي تولى رئاسة مجلس الجهاد (*) الموحد المشتمل على ثلاثة عشر منظمة جهادية كشميرية لثلاث دورات متتالية حتى عام 1993م، وتولى قيادة تحريك المجاهدين الشيخ محمد إلهي، وللحركة مجلة شهرية الشهادة
تصدر بالعربية والأردية كلسان حال الجهاد الكشميري بصفة عامة، ولحركة تحريك المجاهدين بصفة خاصة، كما لها العديد من المشروعات الخيرية والتعليمية والدعوية لخدمة أسر المجاهدين والمهاجرين على حد سواء.
ـ ومن أبرز شخصيات الجمعية في كشمير المحتلة: الحاج محمد شهداد أول رئيس للجمعية، بالإضافة إلى العلامة مولانا غلام نبي مبارك والذي تولى بعده رئاسة الجمعية مولانا محمد عبد الغني شوبياني والشيخ عبد الله طاري رئيس الجمعية ورئيس حركة تحرير كشمير فيما بعد مما سبب له الاعتقال من الحكومة الهندوسية لمدة تزيد على السنتين. ويتولى حالياً رئاسة الجمعية الشيخ سيد محمد مقبول كيلاني خلفاً للشيخ محمد رمضان صوفي.
4 ـ في بنجلاديش:
ـ الشيخ نعمة الله البردواني مؤسس ورئيس جمعية أهل الحديث في منطقة آسام عام 1914م. تولى الشيخ عباس علي صاحب ترجمة معاني القرآن بالبنغالية الأمانة العامة، وفي عهدهما نشطت الجمعية في الدعوة للكتاب والسنة ومحاربة الشرك والبدع وأصدرت العديد من المجلات والرسائل الأسبوعية والشهرية.
ـ العلامة محمد عبد الله كافي القريشي تولى رئاسة الجمعية بعد مؤتمر 1946م، وفيه اختير اسم جديد بنجيل بنغو آسام جمعية أهل الحديث، وتولى الأمانة العامة مولى بخش الندوي وعقد أكثر من مؤتمر أقر فيها الدستور، والمناهج والبرامج، وإتخذ قرار تأسيس الجمعية على مستوى المناطق والمحافظات. وتحت إشرافه أيضاً تم إصدار مجلة ترجمان الحديث، كما كانت للشيخ محمد عبد الله كافي مشاركات متعددة في الجلسات والندوات السياسية الاحتجاجية التي تدعو إلى إقامة حكومة إسلامية بباكستان وكتب في ذلك أصول دستور الحكومة الإسلامية، الدستور الإسلامي لحكومة باكستان، وعقد لذلك مؤتمرًا عامًّا للأحزاب الإسلامية تحت رئاسته.
ـ الدكتور محمد عبد الباري تم انتخابه رئيساً للجمعية بعد وفاة العلامة محمد عبد الله كافي عام 1960م، وتولى الشيخ محمد عبد الرحمن الأمانة العامة، ورئاسة تحرير مجلة عرفات الأسبوعية، وفي عهده واجهت الجمعية صعوبات عديدة بعد انفصال باكستان الشرقية عن الغربية عام 1972م وفيه تم تعديل اسم الجمعية إلى جمعية أهل الحديث ببنجلاديش وتم تشكيل 369 فرعاً على مستوى المناطق و5100 فرع تابع بالإضافة إلى خمس مؤتمرات مركزية.
5 ـ في نيبال:
ـ الشيخ عبد الرؤوف الرحماني، رئيس جمعية أهل الحديث في نيبال، وأمين عام جامعة سراج العلوم السلفية بنيبال، وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وله مؤلفات قيمة يبلغ عددها قريباً من (45) مؤلفاً في الحديث وعلومه، والدفاع عن الحديث والمحدثين. ومن ذلك: أدلة توحيد الله تعالى، الخلافة الراشدة، حرمة الربا والميسر.
ـ الشيخ عبد الله عبد التواب المدني، مؤسس مدرسة خديجة الكبرى، بنيبال ومنشئ ورئيس تحرير مجلة نور التوحيد الشهرية. تخرج في الجامعة السلفية ببنارس ثم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. ويعمل الآن مشرفاً عاماً على الدعاة المبعوثين في نيبال من قبل المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى توليه مسؤولية جمعية شبان أهل الحديث بنيبال.
ـ ولأهل الحديث في شبه القارة الهندية دور كبير في كل ناحية من نواحي الحياة: دعوة وتدريساً وتصنيفاً. كما أن لهم شخصيات بارزة في مختلف المجالات العلمية سواء في العقيدة أو العبادات أو الأحوال الشخصية أو الأمور المدنية من الاقتصاد الإسلامي والسياسة الشرعية. وأبرزهم على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ محمد حسين البتالوي والشيخ محمد إبراهيم السالكوتي والشيخ عبد الله الروري وأخوه الشيخ الحافظ محمد حسين والشيخ عطاء الله حنيف والشيخ محمد صديق السرجودي والشيخ عبد الستار الدهلوي والشيخ جميل الرحمن الأفغاني والشيخ عبد الجبار الكندبلوي والشيخ محمد علي اللكوي ثم المدني والشيخ عبد الحلق ملتاني والشيخ محمد الجوناكري والشيخ الحافظ عبد الحي الكيلاني والأستاذ عبد العزيز الميمني والشيخ عبد السلام البسنوي والشيخ أبو القاسم البنارسي والشيخ محمد السورتي والشيخ عبد الجليل السامرودي، والشيخ محمد أشرف سندهو والشيخ عبد القادر القصوري والشيخ محمد عبده الفلاح ومولانا معين الدين اللكنوي والحافظ عبد الرحمن المدني والحافظ محمد سعيد.
الأفكار والمعتقدات:
عقيدة أهل الحديث هي عقيدة السلف الصالح نفسها، المبنية على الكتاب والسنة، وتقوم الأصول العلمية والقواعد المنهجية لجماعة أهل الحديث على:
1 ـ التوحيد: فأهل الحديث، إيماناًً منهم بأن التوحيد هو أصل الدين، يبدأون عملهم بنشر التوحيد الخالص، وغرسه في قلوب الناس، مع تفصيل أنواع التوحيد الثلاثة وخاصة توحيد الألوهية، الذي يخطئ فيه كثير من الناس مع إيمانهم بتوحيد الربوبية وما يقتضيه من
الحاكمية لله تعالى ولا يكتفون بإقرار وتطبيق النظام السياسي الإسلامي فقط وإنما أن يكون الله جل وعلا هو الحاكم للفرد في تصوره وسلوكه وسائر أموره الحياتية بما فيها من تشريع ووضع القوانين.
2ـ الإتباع: أهل الحديث يركزون على إتباع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم على ضوء فهم السلف الصالح، ولذلك لا يرون التقليد (*) الجامد الذي يدعو إلى الالتزام بمذهب فقهي معين بدون سؤال عن الدليل، بل ينادون بفتح باب الاجتهاد (*) لكل من تحققت لديه شروطه، وأن العامي مذهبه مذهب (*) مفتيه ويدعون إلى احترام العلماء المجتهدين والأئمة المتبعين بشكل خاص.
3ـ تقديم النقل على العقل (*) : يقدمون الرواية على الرأي، حيث يبدأون بالشرع ثم يخضعون له العقل، لأنهم يرون أن العقل السليم يتفق مع نصوص الشرع الصحيحة ولذلك لا تصح معارضة الشرع بالعقل ولا تقديمه عليه.
4ـ التزكية الشرعية: أي تزكية النفس تزكية شرعية، بحيث يتخذ لها الوسائل المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة، وينكرون على إتباع التزكية البدعية سواء كانت صوفية أو غيرها.
5 ـ التحذير من البدع: لأنهم يرون أن أمر الابتداع في الحقيقة استدراك على الله وتشريع بالرأي والعقل، ومن ثم يدعون إلى الالتزام بالسنة وتجنب أنواع البدع (*) كلها.
6 ـ التحذير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة: فإن خطورة هذا النوع من الحديث كبيرة على الأمة، فلابد من التحري في الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة فيما يتعلق بالعقائد والأحكام.
7ـ الجهاد (*) في سبيل الله: يرى أهل الحديث أن الجهاد من أفضل الأعمال وأنه ماض إلى يوم القيامة لإعلاء كلمة الله تعالى ودفع الفساد من الأرض، (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) .
8ـ تطبيق النظام الشرعي: بالسعي لتأصيله وإقراره في جميع مجالات الحياة الشخصية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية وما إلى ذلك بالطرق الشرعية.
9ـ يعتقد أهل الحديث أنه بتحقيق التوحيد الخالص لله رب العالمين وبالعمل الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه يتحقق النصر والتمكين فهما شرطا قبول الأعمال. وهما أيضاً شرطا النصر والتمكين وعودة الخلافة (*) الإسلامية حسب الوعد الإلهي (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم
دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) الآية. ولذلك فهم يسعون بالدعوة بالوسائل الشرعية على أساس تصفية التوحيد من البدع (*) والانحرافات العقدية والسلوكية وتصفية الأحاديث من الموضوعات وتربية الأمة على ذلك.
10ـ محاربة الفرق الضالة المنحرفة مثل الشيعة والقاديانية والبريلوية والبابية والبهائية وغيرها، والتصدي لحملات الأفكار الهدامة المعاصرة المعادية للإسلام، مثل العلمانية والرأسمالية والشيوعية والاشتراكية وغيرها باتخاذ كل الوسائل المشروعة.
الجذور الفكرية والعقائدية:
1 ـ جماعة أهل الحديث تستمد الأحكام من الكتاب والسنة، على طريقة الفقهاء المحدثين من السلف الصالح أهل السنة والجماعة.
2 ـ كما أن أهل الحديث مولعون بكتب السلف الصالح عامة وبكتب ومؤلفات إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن قيم الجوزية والإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله تعالى ـ كما ينشرون كتب أعلام الدعوة السلفية (*) المعاصرين كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية الحالي والمحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمهما الله -.
الانتشار ومواقع النفوذ:
تتركز جماعة أهل الحديث في كل من بلاد الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال وكشمير وسيرلانكا وجزر فيجي ولهم مركز في بريطانية وجمعياتهم في هذه الدول كلها معروفة باسم جمعية أهل الحديث.
ـ في كل دولة من هذه الدول المذكورة يوجد مركزاً للجمعية تتبعه فروع موزعة حسب الولايات والمديريات.
إلا أن للجمعية قيادة مستقلة في كل دولة، وذلك أمر إداري بحت، لكنه يجمعهم جميعاً المنهج السلفي الموحد الذي تتبناه الجمعية في الأصل.
تعمل الجمعية في ولاية كيرالا بالهند من خلال خمس جمعيات إصلاحية سلفية:
1 ـ ندوة المجاهدين: ويتركز جل عملها في الدعوة بين عامة الناس وخاصتهم وهي الجمعية الأم للأجنحة الأخرى، وعدد الفروع: 475 فرعاً.
2 ـ جمعية العلماء بكيرالا وتعمل في الإفتاء والبحوث العلمية والدعوة والإرشاد.
3 ـ اتحاد الشبان المجاهدين: مجال عمله قطاع الشباب (دعوة، تربية
…
) عدد
الفروع: 471 فرعاً.
4 ـ حركة (*) الطلبة المجاهدين: تعمل بين الطلاب في مختلف المراحل الدراسية ويبلغ عدد فروعها: 277.
5 ـ جمعية (*) البنات والسيدات المسلمات: ويبلغ عدد فروعها 127.
ـ لجمعية أهل الحديث علاقة مع بعض الجمعيات الأخرى خارج شبه القارة الهندية، التي تتفق معها في الأصول والمنهج (*) مثل جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة بأفغانستان، والجمعية المحمدية باندونيسيا وسنغافورة وماليزيا، وجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر والسودان واريتريا وجمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت وجمعية دار البر بدبي وغيرها من الدعوات السلفية (*) المنتشرة في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى عضوية جمعيات أهل الحديث في الندوة العالمية للشباب الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والمجلس الإسلامي العالمي بلندن، والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة بالقاهرة.
يتضح مما تقدم:
أن جمعية أهل الحديث من أقدم الجمعيات والجماعات الإسلامية في شبه القارة الهندية، ومن مقاصدها الأولية تصفية الإسلام من البدع (*) والانحرافات ودعوة الناس إلى إتباع منهج السلف الصالح في مجال العلم والعمل واختيار طريقة الفقهاء المحدثين في المسائل الفقهية إتباع الدليل ونبذ التعصب المذهبي بكافة صورة وأشكاله. وكان لها على المسلمين أيادي بيضاء، فحفظ الله بهم السنة وعلوم الحديث في وقت ضعفت فيه الحركة العلمية في مصر والشام والعراق والحجاز منذ القرن العاشر الهجري حتى بلغت منتهى الضعف في أوائل القرن الرابع عشر. يقول الشيخ محمد رشيد رضا: "ولولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر، لقضي عليها بالزوال من أمصار الشرق
…
" ويقول الشيخ مناظر أحسن الكيلاني من تلاميذ الشيخ أنور شاه الكشميري الديوبندي: "إن اعتناء أحناف شبه القارة الهندية بالنبعين الأساسيين للدين: الكتاب والسنة، فيه دخل كبير لحركة أهل الحديث ورفض التقليد، وإن لم يترك عامة الناس التقليد إلا أنه قد تحطم سحر التقليد الجامد والاعتماد الأعمى". وقد كان للجمعية في باكستان دور بارز في مساعدة حركة الجهاد الأفغاني.
مراجع للتوسع:
ـ الحركة السلفية في الهند: عبد الوهاب خليل الرحمن (رسالة دكتوراه غير مطبوعة) . عربي
ـ الحركة السلفية في البنغال محمد مصلح الدين (رسالة ماجستير) .
ـ مجلة الأمة القطرية العدد 30عام 1404هـ ديسمبر 1983م.
ـ جهود مخلصة في خدمة السنة د. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، طبع الجامعة السلفية ببنارس 1406هـ. عربي.
ـ جهود أهل الحديث في خدمة القرآن الكريم د. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي ط. الجامعة السلفية ببنارس 1413هـ. عربي.
ـ دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في شبه القارة الهندية، أبو المكرم بن عبد الجليل السلفي ط. مكتبة دار السلام بالرياض 1413هـ. عربي.
ـ جمعية أهل الحديث المركزية بالهند ـ نشأتها وأهدافها، جمعية أهل الحديث بالهند ط، المطبعة السلفية ببنارس.
ـ تراجم علماء أهل الحديث في الهند، أبو يحيى إمام خان النوشهروي ط. لاهور 1391هـ.
ـ سياسيات بر صغير بين أهل الحديث كاحصة محمد أسلم، الفيروز "مساهمة أهل الحديث في سياسية شبه القارة الهندية". فورى ط جامعة تعليم الإسلام بامونانجن ـ باكستان، أردو.
ـ جماعة أهل الحديث كي تصنيفي خدمات، محمد مستقيم السلفي، ط الجامعة السلفية ببنارس 1412هـ.
ـ جماعة أهل حديث كي تدريس خدمات، عابد حسن الرحماني، وعزيز الرحمن السلفي ط. الجامعة السلفية ببنارس 1400هـ.
ـالتذكارالمؤتمرالدولي السادس1992م د. محمد عبد الرحمن، جمعية أهل الحديث بنغلاديش، عربي.
ـ تاريخ أهل الحديث جامو وكشمير الكلية السلفية، عربي.
ـ أثر دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية في الحركات الإسلامية المعاصرة صلاح الدين مقبول ط. مجمع البحوث العلمية الإسلامية ـ نيودلهي، عربي.
ـ الخلافة الراشدة ـ عبد الرؤوف الرحماني.
ـ تاريخ أهل الحديث للشيخ محمد إبراهيم السيالكوت.
ـ تاريخ أهل الحديث للشيخ أحمد الدهلوي
ـ فقهاء الهند محمد إسحاق البهتي ـ تسع مجلدات.
ـ الجهود التأليفية لعلماء أهل الحديث؛ الشيخ أبو يحيى إمام خان النوشهري.
ـ مجلة صوت الأمة ـ تصدرها الجامعة السلفية ببنارس.
ـ مجلة أهل الحديث ـ تصدر من امرتسرو ـ لاهور ـ دهلي.
جماعة أنصار السنة المحمدية
التعريف:
جماعة أنصار السنة المحمدية: جماعة إسلامية سلفية (*) قامت في مصر أولاًًً ثم انتشرت في غيرها للدعوة إلى الإسلام على أساس من التوحيد الخالص والسنة الصحيحة لتطهير الاعتقاد ونبذ البدع والخرافات كشرط لعودة الخلافة (*) ونهضة الأمة الإسلامية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
مر تاريخ جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر بمرحلتين تاريخيتين هما:
مرحلة التأسيس:
ـ تأسست جماعة أنصار السنة المحمدية عام (1345هـ ـ 1926م) بمدينة القاهرة، على يد الشيخ محمد حامد الفقي وبمشاركة مجموعة من أخوانه: الشيخ محمد عبد الوهاب البنا، محمد صالح الشريف، عثمان صباح الخير، حجازي فضل عبد الحميد في الوقت الذي كانت تعج فيه مصر ومعظم بلدان العالم الإسلامي بالشركيات والبدع (*) والخرافات بسبب تسلط التصوف والصوفية على المناحي الفكرية والمؤسسات الدينية، فكان تأسيس الجماعة للدعوة لتجديد الدين (*) على أساس من التوحيد الخالص والسنة الصحيحة ومحاربة الشرك والبدعة في كافة صورها.
ـ نشأ الشيخ محمد حامد الفقي 1310هـ 1378هـ (1892هـ ـ 1959م) في بيت علم ودين، فكان والده زميلاً في الدراسة للشيخ محمد عبده. وفي عام1322هـ ـ 1904هـ بدأ الشيخ محمد حامد الفقي دراسته الأزهرية، وما بلغ سن الثامنة عشرة من عمره حتى نبغ والتف حوله أقرانه واتخذوه شيخًا لهم.
ـ في عام 1917م حصل الشيخ على شهادة العالمية من جامعة الأزهر، وانطلق بدعوته إلى التوحيد الخالص والدفاع عن السنة من خلال مسجد شركس بالقاهرة الذي تولى إمامته ثم من مسجد هدّارة الذي ظل إماماً له حتى وفاته. ومن خلال المقاهي والمنتديات في القاهرة زاد التفاف الناس حول دعوته مما عرضه وأتباعه إلى المزيد من المضايقات والاضطهاد من أصحاب الطرق الصوفية وأهل الضلال.
ـ بدأ التفكير بجدية في إنشاء جمعية أو دارًا تحمل فكرتهم وتنشر مبادئهم، وافتتحت في ديسمبر 1926م تحت اسم "دار جماعة أنصار السنة المحمدية" واختير الشيخ محمد حامد الفقي رئيسًا لها، فأخذت الدعوة بعدًا آخر وزاد عدد أتباعها، مما أثار حنق بعض كبار موظفي قصر الحكم بعابدين على الشيخ، فعملوا بكل السبل لصد الناس عنه وعن دعوته، لدرجة دفع بعض المأجورين لمحاولة قتله. وأثناء سفر المؤسس إلى الحجاز لمدة ثلاث سنوات اعترت الجماعة فترة ركود.
ـ وبعد عودة الشيخ من الحجاز دب النشاط في الجماعة مرة أخرى حيث وضع لها قانوناً وكون لها إدارات جديدة، فزاد عدد الفروع داخل القاهرة والجيزة وانتقلت إلى الإسكندرية وبعض المحافظات وبلغ أتباعها الآلاف.
ـ بعد أن استوى عود الجماعة وبلغ أشده، أسس الشيخ محمد حامد الفقي مجلة الهدي النبوي لتكون لسان حال الجماعة والمعبرة عن عقيدتها ودعوتها والناطقة بمبادئها. وتولى هو رئاسة تحريرها، وشارك في تحريرها مجموعة من العلماء المعروفين أمثال المحدث الشيخ أحمد شاكر، والأستاذ محب الدين الخطيب، والشيخ محي الدين عبد الحميد، والشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر وغيرهم.
ـ مع تطور أعمال الجماعة الدعوية أنشأ الشيخ الفقي مطبعة السنة المحمدية لنشر كتب السلف وبوجه خاص كتب ابن تيمية وابن القيم، فجمعت محبته لهما بينه وبين شيخي الأزهر الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد المجيد سليم، اللذين أيدا دعوة الشيخ الفقي.
ـ شارك الشيخ حامد الفقي المجاهدين جهادهم (*) ضد الاحتلال البريطاني لمصر أبان الحرب العالمية الثانية، كما ساهم في طباعة المنشورات ضد الاحتلال البريطاني لمصر.
ـ اشتد الصراع بين الجماعة وأصحاب الطرق الصوفية من ناحية وبين الجماعة وأصحاب دعوات التغريب والعلمنة من ناحية أخرى، فعلا صوت الشيخ في الإنكار عليهم وعلى واضعي القوانين الوضعية (*) حيث يقول:"من اتخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء، والفروج، والأموال، ويقدمها على ما علم وتبيَّن له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بلا شك كافر مرتد، إذا أصر عليها، ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أي اسم تسمى به، ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها"، حيث كان من أهم صفاته تسمية الأشياء بأسمائها بدون مداهنة في القول أو مجاملة في الحق، إذ كان يسمى المجاملة في الحق نفاقاً ومداهنة، ويسمي السكوت عن قول الحق جبناً وذلاً، مما زاد في اضطهاده من أهل الباطل وتعرضه للنقل من وظيفته أكثر من مرة.
ـ توفي رحمه الله فجر الجمعة 7 رجب 1378هـ الموافق 16يناير 1959م في دار الجماعة حيث نقل إليها حسب رغبته لصلاة الفجر على أثر عملية جراحية أجريت له.
ـ وقد نعاه بعض رؤساء وعلماء الدول الإسلامية والعربية وشيعه جمع غفير من علماء ومشايخ الأزهر وعلى رأسهم الشيخ عبد الرحمن تاج وشيخ الأزهر للشيخ حسنين مخلوف.
· تواكب علي رئاسة الجماعة بعد وفاة مؤسسها مجموعة من العلماء البارزين أمثال:
· الشيخ عبد الرزاق عفيفي: 1323ـ 1351هـ (1904ـ 1932م) الذي حصل على شهادة التخصص في الفقه وأصوله (الماجستير) ثم العالمية (الدكتوراه) من جامعة الأزهر وعمل مدرساً في المعاهد العلمية الأزهرية. كما عاصر تأسيس الجماعة ويعد الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ من كتاب العدد الأول في مجلتها الهدي النبوي وأحد علماء أول هيئة لكبار العلماء بالجماعة، مع جمع من العلماء الكبار أمثال: الشيخ أحمد شاكر والشيخ عبد الحليم الرمالي، والشيخ حامد الفقي.
ـ اختير نائباً أولاً لرئيس الجماعة في صفر 1365هـ الموافق فبراير 1946م، في الوقت الذي كان فيه شغل رئيس الجماعة لفرع محرم بك بالإسكندرية.
ـ وبطلب خاص من مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم، سافر الشيخ ومعه الشيخ محمد خليل هراس إلى السعودية للتدريس بدار التوحيد بالطائف. وفي عام 1370هـ نقل للتدريس بالمعاهد العلمية وكلية الشريعة بالرياض.
ـ في 24 صفر 1379هـ 29 أغسطس 1959م اختير الشيخ عبد الرزاق عفيفي بالإجماع رئيساً عاماً للجماعة خلفاً للشيخ حامد الفقي ـ بعد وفاته، واختير الشيخ عبد الرحمن الوكيل رئيساً لتحرير مجلة الهدي النبوي.
ـ في عام 1380هـ انتدب مرة أخرى للتدريس في المملكة العربية السعودية، وتدرج في سلك التدريس إلى أن أصبح مديرًا للمعهد العالي للقضاء عام 1385هـ، كما شارك في اللجان المتخصصة لوضع مناهج (*) التعليم بالمملكة. وفي عام 1391هـ نقل إلى الإدارة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وعين نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، مع جعله عضوًا في مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية والذي ظل يشغله حتى يوم وفاته (25 ربيع الأول 1415 الموافق 1 أغسطس 1994م) ـ رحمه الله تعالى. وقد تخرج علي يديه جيل من علماء المملكة والعالم الإسلامي المعروفين مثل: الشيخ عبد الله بن جبرين، الشيخ صالح اللحيدان، الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح السدلان، الدكتور
صالح الفوزان، الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، والشيخ مناع القطان وغيرهم
…
وطيلة هذه الفترة لم تنقطع صلته بالجماعة.
· الشيخ عبد الرحمن الوكيل: (1332هـ ـ 1390هـ)(1913م ـ 1971م) : تلقى تعليمه في الأزهر وحصل على الإجازة العالية من كلية أصول الدين ولم يكمل دراسته العليا لمرضٍ ألم به، رغم ما يتمتع به من سعة الإطلاع وقوة اللغة ووضوح المعنى وجمال البلاغة.
ـ في عام 1936م التحق بجماعة أنصار السنة المحمدية بتزكية خاصة من السيدة نعمة صدقي صاحبة كتاب التبرج، حيث شارك بعدها في أعمال الجماعة المختلفة إلى أن أصبح وكيلاً أولاً للجماعة وزادت مكانته الخاصة عند الشيخ محمد حامد الفقي. وقد عرفه قراء مجلة الهدي النبوي بقدرته الفائقة علي الإقناع، وإفحام خصومة من أصحاب الطرق وأهل الأهواء والفرق من قاديانية وبهائية وغيرهم من خلال سلسلة الأبحاث التي كان يحررها تحت عنوان "طواغيت"(*) ولذلك لقبه قراء المجلة "بهادم الطواغيت"، مما عرضه ذلك للتحقيق أمام النيابة العامة بسبب شكاوى مشايخ الطرق الصوفية ضده، التي رد عليها في كتابه رسالة إلى شيخ مشايخ الطرق الصوفية التي صدرت فيما بعد بعنوان هذه هي الصوفية وترجمت إلى اللغة الأندونسية. كما توالت الردود أيضاً من أنصار السنة في السودان وجماعة الدعوة المحمدية للصراط المستقيم في حلب بسوريا، برئاسة الشيخ محمد نسيب الرفاعي.
ـ انتدب للعمل بالمعهد العلمي بالرياض بصحبة الشيخ محمد عبد الوهاب البنا ـ أحد المؤسسين الأوائل للجماعة عام 1371هـ ـ 1952م.
ـ بعد انتخاب الشيخ عبد الرزاق عفيفي رئيساً عاماً للجماعة عين الشيخ الوكيل نائباً له في 22 صفر 1379هـ ـ 27 أغسطس 1959م، وبعد سفر الشيخ عبد الرزاق عفيفي إلى السعودية انتخب رئيساً عاماً للجماعة في 15 محرم 1380هـ ـ 9 يوليو 1960م وانتخب الدكتور محمد خليل هراس نائبًا له.
ـ في عام 1969م أدمجت الحكومة المصرية جماعة أنصار السنة المحمدية في الجمعية الشرعية لتجمد نشاطها، وبذلك توقفت مجلة الهدي النبوي التي كان يشغل الشيخ الوكيل رئاسة تحريرها. وفي تلك الأثناء انتدب الشيخ الوكيل للتدريس في كلية الشريعة بمكة المكرمة وظل يشغل وظيفة أستاذ للعقيدة بقسم الدراسات العليا إلى أن توفي رحمه الله في 22 جمادى الأول 1390هـ الموافق 1971م مخلفًا تراثاً علمياً ما بين التأليف والتحقيق يدل على مكانته العلمية العالية.
ـ وهكذا انتهت المرحلة الأولى من تاريخ الجماعة لتبدأ مرحلة جديدة:
· إعادة الإشهار:
· يعد الشيخ محمد عبد المجيد الشافعي المعروف بـ "رشاد الشافعي"(1338ـ 1411هـ)(1919م - 1990م) المؤسس الثاني للجماعة الذي كان يشغل منصب سكرتير عام للجماعة والمشرف على الفروع قبل تجميد نشاطها، بجانب عمله مديراً عاماً لمديرية التموين بمحافظة الجيزة، إذ بذل قصارى جهده في السعي لإعادة إشهار الجماعة مرة أخرى وقد تم له ذلك في عهد رئيس مصر السابق أنور السادات في عام 1390هـ ـ 1972م.
ـ وبعد ثلاث سنوات 1393هـ من إعادة الإشهار أصدر العدد الأول من مجلة التوحيد لتكون بديلاً عن مجلة الهدي النبوي، وتولى هو رئاسة تحريرها، ثم الشيخ عنتر حشاد، ومن بعده تولى الشيخ أحمد فهمي رئاسة تحريرها. ومن ثم عاد نشاط الجماعة إلى سابق عهده، وزاد عدد أتباعها وكثرت عدد الفروع المنتسبة إليها.
· في عام 1975م وفي حياة المؤسس الثاني للجماعة الأستاذ محمد رشاد الشافعي تم انتخاب الشيخ محمد علي عبد الرحيم رئيساً للجماعة خلفاً له، ومن ثم ترأس فرع الجماعة بمحافظة الجيزة حتى وفاته عام (1411هـ/ 1990م) .
ـ ولد الشيخ محمد علي عبد الرحيم بمحافظة الإسكندرية، وحفظ القرآن الكريم في صغره ثم التحق بمدرسة المعلمين بالإسكندرية حيث تخرج منها عام 1923م، وظل يعمل في حقل التعليم، وقد رقي في الوظائف التعليمية المختلفة حتى صار موجهاً.
ـ في عام 1943م أسس جماعة إخوان الحج بالإسكندرية ومن خلالها تعرف على الشيخ محمد حامد الفقي عام 1948م أثناء أحد رحلات الحج.
ـ جمع حبه للسنة والتوحيد بينه وبين الشيخ محمد عبد السلام الشقيري صاحب كتاب السنن والمبتدعات والشيخ أبو الوفاء درويش علامة الصعيد، والشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي وعلى أيديهم انتشرت دعوة التوحيد في الإسكندرية وما حولها.
ـ يعد الشيخ أحد العلماء المبرزين في الاهتمام بالسنة، مع براعته ونبوغه في علم الجغرافيا، ويذكر له دور بارز في تأسيس المعاهد العلمية ووضع مناهجها بالمملكة العربية السعودية، ويذكر أنه ظل لسنوات طويلة يدرس بالحرم المكي.
ـ تولى رئاسة الجماعة في حياة رئيسها السابق نتيجة لانتخابه من أعضاء الجمعية العمومية. وفي عهده توسعت الجماعة في بناء المراكز الإسلامية التي تقدم خدمات متكاملة لعموم المسلمين، وبناء المستشفيات والمستوصفات الإسلامية بالإضافة إلى تقديم المساعدات والكفالات للأيتام والمحتاجين، وتضاعفت أعداد مجلة التوحيد في عهده من 5
آلاف إلى 36ألف نسخة.
ـ كانت لدروس الشيخ وعلماء الجماعة أثرها البالغ على الشباب وبخاصة بجامعتي الإسكندرية والقاهرة حيث عمقت مفاهيم الدعوة والمنهج (*) السلفي (*) الذي قاد تيار الصحوة الإسلامية الذي يدعو إلى التوحيد ويبين السنة ويحارب الشرك ويدحض البدعة. وأصبح الكتاب الإسلامي السليم واسع الانتشار، بعد أن كان سوق الكتاب حكراً على كتب الصوفية وأهل الأهواء والتغريب، وعم الحجاب وانتشرت الفضيلة، وانحسر تيار التصوف في بيئات محدودة.
ـ وفي فترة رئاسة الشيخ محمد علي عبد الرحيم عادت مؤتمرات الجماعة لسابق عهدها، فعقد المؤتمر الأول للدعاة، وتصدت مجلة التوحيد تحت رئاسة رئيس تحريرها الشيخ أحمد فهمي لتيار التغريب والعلمنة وكشفت رموز التيار الرافضي (*) والباطني (*) المتنامي في وقتها. بالإضافة إلى بيان الحكم الشرعي في كثير من الأحداث والمشكلات المستجدة على الساحة المصرية والإسلامية بوجه عام.
ـ نال رجال الجماعة والكثير من أعضائها ما نال غيرهم من التضييق والاضطهاد والاعتقال في أكثر من مناسبة.
· انتخب الشيخ صفوت نور الدين لمنصب الرئيس العام للجماعة، خلفاً للشيخ محمد على عبد الرحيم بعد وفاته 1991م. والشيخ صفوت أحد العلماء المهتمين بالسنة النبوية وعلومها، وقد تميزت فترة رئاسته بالاهتمام بإنشاء المعاهد العلمية لتخريج الدعاة، وتقديم الكفالات لطلاب العلم، كما توسعت الجماعة في إنشاء المساجد وتسيير القوافل الدعوية وإنشاء مراكز تحفيظ القرآن وإقامة الأسابيع الثقافية بشكل دوري في جميع فروع الجماعة على مستوى القطر المصري، في الوقت الذي لم تهمل الاهتمام بتقديم المساعدات الاجتماعية المختلفة للمحتاجين وكفالة اليتيم، بالإضافة إلى التصدي لمكافحة كافة أشكال التغريب والعلمنة للمجتمع المصري، مع الاهتمام بإبراز قضايا المسلمين والأقليات الإسلامية والتعريف بها من خلال مجلة التوحيد، الذي ترأس تحريرها الشيخ صفوت الشوادفي.
ـ كما شهدت فترة رئاسته تنسيقاً وتقارباً مع الهيئات الإسلامية الرسمية مثل الأزهر ووزارة الأوقاف. وقد شاركت الجماعة كعضو مراقب في اجتماعات المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة بالقاهرة.
· برز خلال مسيرة الجماعة عدد من العلماء المشهورين أمثال: الشيخ عبد الظاهر أبو
السمح إمام الحرم المكي ومؤسس ومدير دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، والشيخ عبد الرزاق حمزة عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سابقاً، والشيخ أبو الوفا درويش رئيس فرع الجماعة بسوهاج، والدكتور محمد خليل هراس أستاذ العقيدة بجامعتي الأزهر وأم القرى، الشيخ محمد عبد الوهاب البنا المدرس بالحرم المكي والدكتور محمد جميل غازي الرئيس العام للجماعة سابقاً، وغيرهم.
· الهيكل الإداري للجماعة:
ـ الرئيس العام للجماعة: وهو الذي ينتخب من قبل الجمعية العمومية للجماعة.
ـ الجمعية العمومية للجماعة: ويمثل فيها عن كل فرع عضوان فقط، ما عدا القاهرة حيث يمثلها خمسة عشر عضوًا، والإسكندرية ويمثلها سبعة أعضاء وذلك لا تساعهما وكثرة عدد الفروع بهما.
ـ مجلس إدارة الجماعة: وهو الذي ينتخب من بين أعضاء الجمعية العمومية للجماعة ويتكون من الرئيس ونائبه، الوكيل، السكرتير العام، أمين الصندوق، عشرة من الأعضاء.
ـ الهيئة التنفيذية: وهي المعينة من قبل أعضاء مجلس الإدارة وتشمل إدارات: التخطيط والمتابعة، الدعوة والإعلام والبحث العلمي، المشروعات الدعوية والإغاثية، المالية، العلاقات العامة، الفروع، الشباب، الشئون القانونية.
في السودان وإريتريا:
· بدأت الجماعة كمجموعة صغيرة تدعو إلى التوحيد في سنة 1935م علي يد الشيخ أحمد حسون الذي تلقى الدعوة من الشيخ عبد الرحمن بن حجر المغربي الجنسية، حيث انتظم في حلقاته التعليمية 1917م بمدينة النهود بجنوب غرب السودان.
ـ التقى الشيخ أحمد حسون بالشيخ محمد الفاضل التقلاوي الذي تلقى الدعوة على يد الشيخ عوض الكريم الأزهري الحاصل على العالمية من الأزهر وتلميذ حلقات الشيخ محمد عبده والسيد محمد رشيد رضا. واتفقا على قيام جماعة تدعو إلى التوحيد والسنة تحت مسمى أنصار السنة المحمدية تأسياً بجماعة أنصار السنة في مصر التي كانت تصلهم مجلتها الهدي النبوي، وتولى رئاسة الجماعة الشيخ محمد الفاضل التقلاوي للفترة من (1919ـ 1948م) ومن ثم توطدت علاقة الجماعة بالمركز العام في مصر، وأصبح لعلماء الجماعة في مصر زيارات ومحاضرات لفرع الجماعة بالخرطوم. في عام1948م انتدب الشيخ التقلاوي
للعمل كمدرس في المدارس العربية في إريتريا، فانتخب الشيخ عبد الباقي يوسف نعمة، مدير جمعية المحافظة على القرآن الكريم في أم درمان والحاصل على الشهادة العالمية من الأزهر، رئيساً للجماعة خلفاً للشيخ التقلاوي.
· في عام 1956م تولى رئاسة الجماعة الشيخ محمد هاشم الهدية ـ الرئيس الحالي للجماعة ـ الذي بدأ حياته متصوفًا في الطريقة الختمية ثم العزائمية ومن خلال حضوره لدروس الشيخ عبد الباقي يوسف نعمة آمن بدعوة أنصار السنة وانخلع من التصوف وأصبح عضوًا فعالاً في الجماعة إلى أن تولى رئاستها فخطى بها خطوات واسعة نحو المشاركة في الحياة العامة، وتنامت في عهده علاقات الجماعة الداخلية والخارجية، فقد شارك ممثلاً لأنصار السنة في السودان في تكوين رابطة العالم الإسلامي 1962م كما شارك في مؤتمر كراتشي 1963م تحت رئاسة المفتي أمين الحسيني، وكان أحد المؤسسين للمركز الإسلامي الإفريقي "جامعة أفريقيا العالمية" بالخرطوم 1965م. وقد سافر آنذاك إلى بعض الدول الأفريقية (كينيا، تنزانيا) وأحضر عدداً من الطلاب لتعليمهم في المركز وتأهيلهم للدعوة في بلادهم.
ـ ومن أبرز جهود الجماعة في عهده:
1ـ قامت الجماعة بدور بارز في فضح أفكار وعقائد غلاة الصوفية التي مازالت صاحبة النفوذ القوي في المجتمع السوداني مما عرض الجماعة للعديد من المضايقات، والاضطهاد، وذلك بالإضافة إلى تحذير المسلمين من عقائد الرافضة (*) والمعتزلة والخوارج (*) والاتجاهات الباطنية (*) والعقلانية والعلمانية بصورها المختلفة.
2ـ كان للجماعة حضور وتفاعل في الحياة العامة السودانية: فقد شاركت في الجبهة الإسلامية للمطالبة بدستور إسلامي في السودان 1957م، وكذلك شاركت في جبهة الميثاق الإسلامي 1964م، وفي الانتخابات النيابية 1986م قامت بدعم المرشحين الإسلاميين وأقامت الندوات والمحاضرات لتبصير الناس بالإسلام عقيدةً وشريعةً ونظاماً للحكم، وللتحذير من أهل العلمنة والتغريب والفجور ومن مناهجهم الباطلة، كما عقدت مؤتمراً كبيراً 1989م حول عدد من القضايا من ضمنها: المفهوم السلفي للعمل السياسي.
3 ـ تعتبر الجماعة من أوائل من نادى بالجهاد (*) في الجنوب ضد جون قرنق وعصابته.
4ـ وفي مجال الدعوة إلى الله تعالى اشتهرت الجماعة بإقامة حلقات للدعوة في الأسواق والساحات العامة وأماكن التجمع في المدن والقرى على حد سواء، بجانب تسيير القوافل
الدعوية والإغاثية للمناطق النائية، بالإضافة إلى إقامة الأسابيع الثقافية في مختلف فروع الجماعة التي تتضمن بالإضافة إلى المحاضرات، والندوات ملصقات توجيهية ومعارض وكتب، وتوزيع للحجاب الشرعي. وقامت بحفر الآبار وإقامة المشروعات الاجتماعية. كما قامت بنشر وتوزيع كميات كبيرة من الكتب والرسائل الإسلامية وبخاصة المتعلقة بتصحيح العقيدة والعبادات، والدعوة إلى السنة، والتحذير من البدعة (*) . وفي الوقت ذاته لا تهمل الجماعة المرأة حيث خصصت لها برامج خاصة، إيماناً منها بأهمية دورها الاجتماعي والتربوي في المجتمع.
5 ـ وفي مجال مقاومة التنصير فإن للجماعة دور بارز في بث الدعوة في أوساط الجنوبيين من وثنيين (*) ونصارى مما أدى إلى إسلام الكثير منهم ـ بفضل الله تعالى ـ وقيامهم بنشر الإسلام وبناء المساجد في مناطقهم. هذا بالإضافة إلى المناظرات مع النصارى، ومن أشهرها المناظرة التي نظمتها الجماعة عام1979م مع ثمانية عشر قسيساً، لعدة أيام وانتهت بإعلان إسلامهم جميعاً على يد مجموعة من علماء المسلمين، وعلى رأسهم الدكتور محمد جميل غازي نائب الرئيس العام للجماعة في مصر واللواء أحمد عبد الوهاب.
· وللجماعة هيكل إداري مستقل يماثل الهيكل الإداري للمركز العام للجماعة في مصر مع الاختلاف في بعض المسميات.
· انتشرت دعوة أنصار السنة في العديد في البلدان الأفريقية مثل إريتريا وإثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى بواسطة الطلاب الأفارقة الذين يدرسون في الجامعات السودانية أو أثناء الإقامة بالأراضي السودانية أو المرور بها إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، أو بسبب نزوح اللاجئين من تلك الدول أثناء الحروب والمجاعات حيث تعرفوا على الدعوة ونقلوها إلى بلادهم.
· في عام 1405هـ تم إصدار مجلة الاستجابة لتكون لسان حال الجماعة.
· ومن أبرز علماء الجماعة في السودان ودعاتها:
ـ الشيخ أبو زيد محمد حمزة الذي تلقى الدعوة على يد الشيخ حامد الفقي مؤسس الجماعة في مصر، وعلى أيدي علماء الجماعة. وقد ظل بمصر حتى وفاة الشيخ الفقي 1959م فعاد إلى السودان وأخذ ينشر الدعوة في مدينته "وادي حلفا" والمناطق المجاورة لها، وكان للمرأة من دروسه نصيباً حيث خصص لها أماكن خاصة في دروسه، فالتف الناس حوله وزاد أتباعه مما أثار أتباع الطريقة الختمية ضده. وفي سنة 1977م بث التلفزيون السوداني مناظرة بينه وبين الشيخ علي زين العابدين أحد أقطاب الطريقة الختمية
التي بين فيها زيف مبادئهم وبطلان معتقداتهم مما كان لها أثر كبير في انتشار دعوة الجماعة أكثر في المجتمع السوداني.
ـ الشيخ محمد الحسن عبد القادر: خريج دار الحديث بمكة المكرمة وتلميذ الشيخ عبد الظاهر أبو السمح، تلقى الدعوة على يد الشيخ محمد الطيب عام1946م وتأثر به حيث كان للشيخ الطيب نشاط ملموس في الدعوة في مدينة أغوردات بإريتريا ومن ثم نشط الشيخ محمد الحسن في الدعوة كذلك. مما عرضه للكثير من الصعوبات والمشاق من أصحاب الطرق الصوفية فانتقل بدعوته إلى مدينة كرن ثم أسمرا حيث عمل مدرساً بمدرسة الجالية العربية فيها، ومن خلال التدريس بها استطاع نشر دعوته في المنطقة. ومن أبرز جهوده في تلك الفترة توحيده لأنصار السنة في إريتريا، كما نظم جهودهم ومناشطهم فظهرت دعوتهم في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية بالمنطقة، بالإضافة إلى دورهم البارز في الجهاد (*) الإريتري ضد الاحتلال الإثيوبي وأعوانه.
وفي عام 1963م استقر الشيخ في منطقة كسلا بالسودان وفيها واصل دعوته فظهرت أثار الجماعة في كسلا وبورتسودان وشرق السودان. ومما يذكر للشيخ نشاطه الدعوي في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية مثل: المغرب، وموريتانيا، وغانا، وإثيوبيا، وغينيا، ونيجيريا، وكينيا، وبعض الدول الآسيوية مثل: إندونيسيا وتايلاند وبنغلاديش وبعض الدول الأوروبية وبخاصة هولندا.
ـ الشيخ مصطفى ناجي: الذي انضم إلى جماعة أنصار السنة بعد أن تلقى العلم على الشيخ أبو طاهر محمود السواكني أحد علماء الأزهر. ومنذ تأسيس أول مسجد للجماعة في الخرطوم عام (1957م) بحي السجانه (المركز العام الحالي للجماعة) تولى الشيخ إمامته إلى اليوم بالإضافة إلى مسؤوليته عن إعداد الدعاة والخطباء في الجماعة.
· في ليبيريا:
ـ تأسست الجماعة في ليبيريا أولاً تحت مسمى جماعة أهل السنة برئاسة الشيخ حبيب الشريف، وبعد أن تعرف على دعوة جماعة أنصار السنة في مصر أثناء حضوره أحد الدورات التدريبية للأئمة والدعاة بالأزهر 1988م واطلع على نشاطها فآمن بصحة منهجها وصدق دعوتها. وبعد عودته إلى بلاده غير اسم جماعته من أهل السنة إلى أنصار السنة المحمدية تأسياً بمنهجها (*) وطريقة دعوتها.
الأفكار والمعتقدات:
· حددت اللائحة الداخلية للجماعة أهدافها ومجمل أفكارها وقد لخصها أحد قادة
الجماعة ـ محمد حسين هاشم ـ في رسالة المؤتمر العام لجماعة أنصار السنة المحمدية قائلاً:
ـ فهذه عقيدة أنصار السنة المحمدية واضحة في مبادئها العشرة:
1ـ نعتقد أن الأصل في الدين (*) هو الكتاب والسنة (بفهم السلف الصالح) ـ أما الأئمة المجتهدون والعلماء والمحدثون فهم أئمة خدموا الإسلام أجل خدمة، وهم بمنزلة المعلمين والمبلغين، نحبهم ونجلهم ونعظمهم وندافع عنهم ونتبعهم إتباع المستنير المتأمل، لوجوه الاستدلال لمن يكون من أهل التأمل والاستدلال، ثم نتعاون فيما نتفق عليه، ونتسامح فيما نختلف فيه (ما دام الأمر اجتهادياً ولا مانع من المناقشة بقصد الوصول إلى الحق وفي جو الأخوة الإسلامية) .
2ـ نعتقد أن صفات الله عز وجل هي كما وصف نفسه ووصفه بها رسول صلى الله عليه وسلم حقيقة من غير تشبيه (*) ـ تمثيل ـ ولا تأويل (*) ـ تحريف ـ ولا تعطيل (*) ، ثم نكف عن الجدل (*) في ذلك، ونسكت عما سكت عنه الصحابة والسلف، ونتكلم فيما تكلموا، لنا فيهم أسوة حسنة، ونشتغل بالحكمة الإلهية في الخلق والتشريع لقوله صلى الله عليه وسلم:"تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في ذات الله فإنكم لا تقدرون قدره".
3ـ نعتقد إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادة من نذر وحلف واستغاثة واستعانة، ثم مقاومة كل من يوجه شيئاً من ذلك صريحاً أو تأويلاً بتغيير اسمه إلى غير الله.
4ـ نعتقد أن الإيمان هو التصديق الإذعاني الذي ينتج العمل ويظهر على الجوارح، وكل نقص في العمل مع التمكن منه والقدرة عليه هو نقص في الإجابة بقدره، وليس الإيمان مجرد الحكم بثبوت الشيء أو ادعائه أو التلفظ به، وإنما هو قول واعتقاد وأخلاق (*) وآداب (وسلوك وعمل) .
5ـ نعتقد أن البدعة (*) الشرعية هي كل جديد في العبادات على غير مثال سابق من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان في أصله أو طريقة أدائه.
6ـ نتفانى في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نتمسك جهد المستطاع بكل ما أمر ونتجنب كل ما نهى والإكثار من الصلاة والسلام عليه وعلى آل بيته الأطهار.
7ـ نعتقد أنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ـ الحديث ـ وأن الله سبحانه وتعالى يشفع من يشاء في عباده لمن ارتضى وأنه صلى الله عليه وسلم صاحب الشفاعة الكبرى، وأنه صاحب المقام المحمود والجاه العظيم يوم القيامة.
8ـ نقرأ القرآن للذكر والتدبر لقوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) .
ونعترف أن استنباط الأحكام منه يكون من اختصاص أهل العلم.
9ـ نعتقد أن الدين (*) الإسلامي جماع الخير في الدين والدنيا يريد من أهله أن يكونوا أقوياء محسنين في أعمالهم حتى يكونوا ورثاء الأرض "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف".
10ـ نعتقد أن الإسلام دين (*) ودولة، وعبادة وحكم وأنه صالح لكل زمان ومكان،
· وجاء في لائحة الجماعة فيما يتعلق بالأهداف العامة واستراتيجية العمل:
ـ توثيق روابط الإخاء والتضامن بين الجماعة والجمعيات الإسلامية الأخرى.
ـ التعاون مع مختلف الهيئات العلمية والثقافية على إحياء التراث الإسلامي.
ـ تنشئة الشباب تنشئة دينية وثقافية واجتماعية.
· وقد تضمن غلاف مجلة التوحيد عددًا من الأهداف الأخرى التي تسعى إليها الجماعة:
ـ الدعوة إلى التوحيد الخالص المطهر من جميع الشوائب، وإلى حب الله تعالى حبًا صحيحًا صادقاً يتمثل في طاعته وتقواه، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبًا صحيحًا صادقاً يتمثل في الإقتداء به واتخاذه أسوة حسنة.
ـ الدعوة إلى أخذ الدين من نبعيه الصافيين ـ القرآن والسنة الصحيحة ـ ومجانبة البدع والانحرافات ومحدثات الأمور.
ـ الدعوة إلى ربط الدنيا بالدين بأوثق رباط، عقيدةً وعملاً وخلقاً.
ـ الدعوة إلى إقامة المجتمع المسلم، والحكم بما أنزل الله، فكل شرع غيره ـ في أي شأن من شئون الحياة ـ معتد عليه سبحانه منازع إياه في حقوقه.
· ويضاف إلى هذه الأهداف والأفكار ما يلي مما ورد مفرقاً في كتابات أفراد الجماعة:
ـ التحذير من خطر الفرق وأهل الأهواء على الفرد والمجتمع، والتصدي لغلاة المتصوفة ومنكري السنة والبهائية والرافضة (*) والباطنية، والتصدي لحملات التغريب والعلمنة، والإلحاد (*) والزندقة (*) .
ـ العمل على توحيد المسلمين تحت عقيدة واحدة ومنهج تشريعي واحد على أساس من المنهج (*) السلفي (*) ـ لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
ـ الدعوة إلى تجديد الدين على هدي السلف وأئمة السنة، والاجتهاد (*) لمعرفة حكم الله في النوازل والمستجدات حسب الضوابط الشرعية. وإتباع السياسة الحكيمة دون
استعجال أو صدام لإقامة شرع الله تعالى في الأرض.
· وفي مجال الفكر السياسي للجماعة رؤيتها التي يعبر عنها الدكتور جمال المراكبي في كتاب الخلافة الإسلامية بين نظم الحكم المعاصرة إصدار إدارة الدعوة والإعلام ـ لجنة البحث العلمي بالجماعة في مصر ـ فيقول: "فالنظام السياسي الإسلامي ليس نظاماً ديمقراطياً بحال، وهو يختلف مع الديمقراطية في الأسس والمبادئ خلافاً غير يسير.
ـ النظام السياسي: الإسلام ليس نظاماً شمولياً، وليس نظاماً اشتراكياً ولا يقترب من الأنظمة الديكتاتورية سواء منها الديكتاتوريات المذهبية أم الديكتاتوريات القيصرية.
ـ إن للنظام الإسلامي ذاتيته الخاصة، فلا يجوز أن ندرجه بحال تحت قسم من هذه الأقسام، ولا ندرجه داخل نظام من تلك النظم، إن النظام السياسي الإسلامي نظام إسلامي بحت لا علاقة له بالثيوقراطية ولا بالأتوقراطية، ولا بالديمقراطية ولا بالاشتراكية".
ـ وجاء في توصيات مؤتمر الخرطوم عام 1989م الذي عقدته الجماعة بالسودان ما يلي:
1ـ الديمقراطية نظام كافر لأنها تعطي الإنسان حق التشريع، وهو حق خالص لا يكون إلا الله تعالى، قال تعالى:(إن الحكم إلا لله) .
2ـ الانتخابات بالترشيح وبالتصويت وسائل جائزة في حد ذاتها.
3ـ التنظيم (*) النقابي للعاملين وغيرهم وكذلك الاتحادات الطلابية: تنظيمات هيئية وطلابية لا شأن لها بالتشريع، والمشاركة فيها تتوقف على المصالح والمفاسد على ضوء الضوابط الشرعية لذلك.
4ـ مزاحمة أهل الديمقراطية لتقليل شرهم في الانتخابات العامة وغيرها أمر جائز مع مراعاة الضوابط الشرعية، إذا ترجحت المصالح على المفاسد.
· وفي مجال أصول الدعوة: ترى الجماعة شرعية العمل الجماعي ولا تقر التحزب لغير السنة والجماعة (*) ، وتقر التنظيم بالضوابط الشرعية.
· وتعتمد التربية والتزكية المستمدة من منهج (*) السلف الصالح على أساس من تصفية الإسلام من البدع (*) والانحرافات العقدية والسلوكية، والتعبدية، وتصفية الأحاديث من الموضوعات وتربية الأمة على ذلك.
الجذور الفكرية والعقدية:
· عقيدة ومنهج (*) أهل السنة والجماعة سواء في النظر والاستدلال أو في العبادات والمعاملات والسلوك.
· مصنفات علماء السلف المتقدمين في الاعتقاد والأصول.
· مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة في الجزيرة العربية والشوكاني والصنعاني والألباني وغيرهم من علماء الدعوة السلفية (*) .
الانتشار ومواقع النفوذ:
· تتركز جماعات أنصار السنة المحمدية في مصر حيث أصبح لها في مصر قرابة المائة من الفروع والألف من المساجد، كما تتركز في السودان وإريتريا وليبيريا وتشاد وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وبعض الدول الأفريقية، وكذلك بعض الدول الآسيوية مثل: تايلاند وسيرلانكا، وفي كل دولة تقريباً يوجد للجماعة مركز تتبعه فروع موزعة على المناطق والأقاليم إلا أنه لكل جماعة قيادة مستقلة في كل دولة مع أنه يجمعهم جميعاً منهج (*) واحد.
· كما أن للجماعة علاقات وطيدة بجماعات الدعوة السلفية (*) في مصر وعلماء الدعوة بالسعودية وبجمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت ودار البر بالإمارات العربية، وجمعية التربية الإسلامية بالبحرين، وجمعية أهل الحديث في شبه القارة الهندية والجمعية المحمدية في جنوب شرق آسيا وبالعديد من الجمعيات والاتحادات السلفية في أوروبا وأمريكا والجمعيات السلفية في أفريقيا.
يتضح مما سبق:
· إن جماعة أنصار السنة المحمدية أحد الأعمال الجماعية المنظمة التي تقوم على العقيدة السلفية للتصدي لغلاة المتصوفة ومحاربة البدع (*) بكافة أشكالها، وبيان التوحيد والحض على إتباع السنة، مما كان لها الأثر الإيجابي في انحسار تيار التصوف في مصر في بيئات محدودة، وكذلك في السودان كان لها تأثير بالغ في قطاع واسع من الشباب رغم تجذر الطوائف والطرق الصوفية هناك.
· يحمد للجماعة السعي للتعاون مع الدعوات السلفية (*) والإصلاحية الأخرى في بعث كتب السلف ومناهجهم مما كان لذلك الأثر الإيجابي في تبني تيار الصحوة الإسلامية لمنهج (*) أهل السنة والجماعة (*) بشكل عام، وعودة الحجاب ومقاومة التغريب في المجتمعات الإسلامية بوجه خاص.
· يتصف علماء الجماعة بقلة التأليف والبعد عن الشهرة حيث تغلب الدعوة إلى المنهج عن الدعوة إلى الجماعة وهذا يفسر قلة كتاباتهم عن الجماعة وجهودها مما ممكن منافسيهم من التحقير من شأنهم.
· للجماعة الحظ الأوفر في وضع لبنات النهضة العلمية بالمملكة العربية السعودية من
خلال تأسيس المعاهد والجامعات الشرعية ووضع المناهج لها مما أثار أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضدهم وتسميتهم بالوهابية.
· وترى الجماعة أن تحقيق التوحيد الخالص والمتابعة الصادقة هما أساسا توحيد كلمة الأمة كما هما شرطا تحقيق وعد الله تعالى بالنصر والتمكين وعودة الخلافة (*) . ويقول الدكتور المراكبي في كتابه الخلافة الإسلامية بين نظم الحكم المعاصرة: وباستعراض حالات الخروج التي شهدتها الساحة الإسلامية منذ نشأة الدولة الإسلامية وإلى يومنا هذا، لم نرَ حالة واحدة تبشر بالخير، بل إنها جميعاً لم تؤت ثمارها المرجوة، فهي غالباً ما تفشل ولا ينتج عنها إلا اتساع دائرة الفتن.. وعلى العكس من ذلك فإن كل حركات الإصلاح التي شهدتها الدولة الإسلامية لم تتخذ الخروج والقتال سبيلاً لها.." ثم يدلل على ذلك بما حققه عمر بن عبد العزيز من إصلاح، وكيف تصدى أحمد بن حنبل للفتنة بدون سيف ولا رجال مع قدرتهما على ذلك، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، ولكن إذا طرأ على الحاكم الكفر البواح الذي فيه من الله البرهان فيجب الخروج عليه مع مراعاة ترجيح المصالح على المفاسد بعد تحقق القدرة والاستطاعة.
مراجع للتوسع:
ـ مقاصد الجماعة ـ جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر.
ـ المؤتمر العام لجامعة أنصار السنة ـ محمد حسين هاشم.
ـ لائحة الجماعة ـ جماعة أنصار السنة المحمدية.
ـ المفهوم السلفي للعمل السياسي ـ مصطفى أبو زيد.
ـ الخلافة الإسلامية بين نظم الحكم المعاصرة ـ د. جمال المراكبي.
ـ رسالة إلى شيخ مشايخ الطرق الصوفية، الشيخ/ عبد الرحمن الوكيل.
ـ هذه هي الصوفية ـ الشيخ عبد الرحمن الوكيل.
ـ الصوفية الوجه الآخر ـ د. محمد جميل غازي.
ـ البهائية الشيخ عبد الرحمن الوكيل.
ـ دعوة الحق ـ الشيخ عبد الرحمن الوكيل.
ـ بيان جماعة أنصار السنة بالسودان عن حجية السنة بتاريخ 18 يونيو 1988م.
ـ جماعة أنصار السنة المحمدية نشأتها وأهدافها ورجالها ـ فتحي أمين عثمان.
ـ مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة وموقف الحركات الإسلامية المعاصرة منها ـ د. ناصر عبد الكريم العقل.
ـ الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة ـ سليم الهلالي وزياد الدبيج.
ـ الطريق إلى جماعة المسلمين ـ حسين بن محسن بن علي جابر.
ـ شرح القصيدة النونية لابن القيم ـ د. محمد خليل هراس.
ـ شرح العقيدة الواسطية ـ لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ د. محمد خليل هراس.
ـ دعوة التوحيد والأطوار التاريخية التي مرت بها ـ د. محمد خليل هراس.
ـ ابن تيمية السلفي ـ د. محمد خليل هراس.
ـ مذكرة التوحيد ـ الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
ـ الصفات الإلهية بين السلف والخلف ـ الشيخ عبد الرحمن الوكيل.
ـ زندقة الجيلي ـ الشيخ عبد الرحمن الوكيل.
ـ الأصول العلمية للدعوة السلفية ـ الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
ـ الإسلام والروحية ـ الشيخ أبو الوفا محمد درويش.
ـ خواطر في الدين والاجتماع ـ الشيخ أبو الوفا محمد درويش.
ـ التوراة والإنجيل ومدى التزام المسلمين بالإيمان بهما ـ الشيخ مصطفى درويش.
ـ رسالة إلى البابا شنودة: مذكرة دفاع ـ الشيخ مصطفى درويش.
ـ وصية المسيح ـ شرح وتحليل ـ الشيخ مصطفى درويش.
ـ الولايات الإسلامية المتحدة: الخلافة الإسلامية ـ الشيخ مصطفى درويش.
ـ مجلة الهدي النبوي ـ كانت تصدرها الجماعة بمصر.
ـ مجلة التوحيد ـ ما زالت تصدر باسم الجماعة بمصر.
ـ مجلة الاستجابة ـ تصدرها الجماعة بالسودان.
الإخوان المسلمون
التعريف:
الإخوان المسلمون إحدى الحركات (*) الإسلامية المعاصرة التي نادت بالرجوع إلى الإسلام، وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية (*) في واقع الحياة، وقد وقفت متصدية لسياسة فصل الدين عن الدولة ومنابذة موجة المد العلماني في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· مؤسس هذه الدعوة الشيخ: حسن البنا (1324 ـ 1368هـ)(1906ـ 1949م) ولد في إحدى قرى البحيرة بمصر ونشأ نشأة دينية.
ـ إلى جانب تعليمه الديني في المنزل والمسجد درس في مدارس الحكومة حتى التحق بدار العلوم بالقاهرة حيث تخرج فيها عام 1927م
ـ عُيِّن مدرساً في إحدى مدارس الإسماعيلية الابتدائية، وهناك بدأ نشاطه الدعوي بين الناس، وخاصة في المقاهي وبين عمال قناة السويس حتى إذا كان شهر ذو القعدة 1347هـ/ أبريل 1928هـ تم تأسيس النواة الأولى من الإخوان.
ـ في عام 1932م انتقل الشيخ حسن البنا إلى القاهرة وانتقلت قيادة الحركة معه إليها. ـ في عام 1332هـ ـ 1933م تم إصدار جريدة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية واختير الأستاذ محب الدين الخطيب (1303ـ1389هـ)(1886ـ 1969م) مديراً لها، ثم صدرت النذير في (1357هـ ـ 1938م) ، ثم الشهاب (1367هـ ـ 1947م)
…
وتوالت المجلات والجرائد الإخوانية.
ـ تكونت أول هيئة تأسيسية للحركة عام 1941م من مائة عضو اختارهم الشيخ حسن البنا بنفسه.
ـ شارك الإخوان في حرب فلسطين 1948م حيث دخلوا بقوات خاصة بهم، وقد سجل ذلك بالتفصيل كامل الشريف ـ من قادة الإخوان المتطوعين ووزير أردني سابق ـ والأمين العام حالياً للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة ـ في كتابه: "الإخوان المسلمون في
حرب فلسطين".
ـ في نوفمبر 1948م اُغتيل النقراشي واتُّهم الإخوان بقتله، وهتف أنصار النقراشي في جنازته بأن رأس النقراشي برأس البنا الذي اغتيل فعلاً في 12 فبراير 1949م.
· جاءت وزارة النحاس سنة 1950م فأفرجت عن الجماعة بناء على حكم مجلس الدولة الذي نص على أن أمر الحل باطل من أساسه.
· في عام 1950م اختير المستشار حسن الهضيبي (1306 ـ 1393هـ)(1891 ـ 1973م) ، مرشداً للإخوان، وهو واحد من كبار رجال القضاء المصري، وقد اعتُقل عدداً من المرات، وصدر ضده عام 1954م حكم بالإعدام ثم خفف إلى المؤبد، وأفرج عنه آخر مرة سنة 1971م.
ـ في شهر أكتوبر 1951م اشتدت الأزمة بين بريطانيا ومصر فشن الإخوان حرب عصابات ضد الإنجليز في قناة السويس سجلها كامل الشريف في كتاب آخر بعنوان: "المقاومة السرية في قناة السويس".
· في 23يوليو 1951م قام مجموعة من الضباط المصريين بزعامة اللواء محمد نجيب بثورة (*) بمؤازرة الإخوان، لكن الإخوان بعد ذلك رفضوا الاشتراك في الحكم إذ كان لهم رأي واضح في مناهج الثورة، وقد اعتبر جمال عبد الناصر هذا الرفض نوعاً من فرض الوصاية على الثورة، ودخل الطرفان سلسلة من الجدل والخصومة تطورت حتى قامت الحكومة سنة 1954م باعتقال الإخوان وتشريد الألوف منهم بحجة أنهم حاولوا الاعتداء على حياة عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية وأعدمت ستة منهم هم: عبد القادر عودة ومحمد فرغلي ويوسف طلعت وهنداوي دوير وإبراهيم الطيب ومحمود عبد اللطيف.
· في عام 1965 ـ 1966م تكرر اعتقال الإخوان بتهمة تشكيل جهاز سري يهدف إلى قلب نظام الحكم وقامت الحكومة بشن حملات السجن والتعذيب وقد أعدمت هذه المرة ثلاثة من أعضاء الجماعة هم:
ـ سيد قطب (1324ـ 1387هـ)(1906 ـ 1966م) الذي يعد المفكر الثاني في الجماعة بعد البنا وواحداً من رواد الفكر الإسلامي الحديث، وقد ألقي القبض عليه سنة 1954م وأمضى في السجن عشر سنوات ثم أفرج عنه عام 1964م بتدخل من الرئيس العراقي عبد السلام عارف لكنه ما لبث أن أعيد إليه مرة أخرى ليواجه حكماً بالإعدام.
له العديد من المؤلفات الأدبية والفكرية الإسلامية التي من أبرزها في ظلال القرآن، العدالة الاجتماعية في الإسلام، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، معالم في الطريق،
وغيرها الكثير. (ومؤلفاته رحمه الله لا تخلو من مخالفات بينها العلماء) .
ـ يوسف هواش.
ـ عبد الفتاح إسماعيل.
· بقيت الجماعة تعمل بشكل سرِّي حتى وفاة عبد الناصر 28 / 9 / 1970م.
· في عهد أنور السادات تمّ الإفراج عمن سجنهم عبد الناصر على مراحل.
· عمر التلمساني: (1904 ـ 1986م) اختير مرشداً عاماً بعد الهضيبي. وقد طالبت قيادة الإخوان في عهده بحقوق الجماعة كاملة وعودة جميع ممتلكاتها المصادرة في عهد عبد الناصر، وسلك المرشد بالإخوان طريقاً يجنِّبهم المصادمات مع الحكومات، وكرر دائماً أن الدعوة ينبغي أن تعمل بالحكمة وأن تبذ العنف والتطرف.
· أصدرت الجماعة المجلات والصحف التالية: النذير (مجلة أسبوعية) ، الدعوة (مجلة أسبوعية) ، الإخوان المسلمون (صحيفة يومية) ، الشهاب (مجلة شهرية) المسلمون (مجلة شهرية) ، ومجلة (لواء الإسلام) ، وقد أوقف صدور هذه الدوريات حالياً عدا الأخيرة منهم.
· محمد حامد أبو النصر: اختير مرشداً بعد الأستاذ التلمساني وسار على طريقته وأسلوبه.
· مصطفى مشهور: أحد قيادات النظام الخاص للجماعة في فترة الأربعينيات وبداية الخمسينيات، أختير مرشداً عاماً للإخوان المسلمين خلفاً للأستاذ/ محمد حامد أبو النصر بعد وفاته عام 1996م، ويعد الأستاذ/ مصطفى مشهور من أنشط قيادات الجماعة في فترة ما بعد السبعينيات من هذا القرن، حيث ظهر له العديد من الكتب والمقالات الصحيفة بالإضافة على جهود البارزة في إنشاء المراكز الإسلامية "شُعب" في الغرب والتابعة للجماعة. (وقد توفي أخيرًا) .
· هناك العديد من الشخصيات الإخوانية التي ظهرت خارج مصر نذكر منها:
ـ الشيخ محمد محمود الصواف والذي كان مؤسساً ومراقباً عاماً للإخوان المسلمين في العراق، له عدد من المؤلفات، وقد كان له دور نشط في نشر الإسلام في إفريقيا بعد هجرته من العراق سنة 1959م واستقراره في مكة المكرمة.
ـ الدكتور مصطفى السباعي (1334 ـ 1384هـ)(1915ـ 1964م) أولُ مراقبٍ عام للإخوان المسلمين في سوريا، نال درجة الدكتوراه من كلية الشريعة بالأزهر عام 1949م، قاد كتائب الإخوان إلى فلسطين سنة 1948م، كما رشح نفسه نائباً عن دمشق عام 1949م، كان خطيباً مفوهاً لا يبارى، أسس كلية الشريعة بدمشق عام 1954م، وكان أول عميد لها، له
قانون الأحوال الشخصية.
ـ تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بتاريخ 13 رمضان 1364هـ الموافق 19 / 11 / 1945م وكان أول رئيس لها الشيخ عبد اللطيف أبو قورة الذي قاد كتيبة الإخوان في الأردن إلى فلسطين سنة 1948م.
ـ وفي 26 / 11 / 1953م انتخب الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة (ولد عام 1919م) مراقباً عاماً للإخوان بالأردن وهو يحمل ثلاث شهادات علمية.
الأفكار والمعتقدات:
· يؤمن الإخوان بالإسلام عقيدة تحكم توجهات المسلمين ومنهجاً (*) شاملاً لكل جنبات الحياة وينادون بإقامة الدولة الإسلامية التي تسعى لإعلاء كلمة الله في الأرض.
ويوضح الشيخ حسن البنا هذا المعنى بقوله: "الإسلام عبادة وقيادة ودين (*) ودولة وروحانية وعمل وصلاة وجهاد (*) وطاعة وحكم ومصحف وسيف لا ينفك واحد من هؤلاء عن الآخر".
· حرص الإخوان منذ نشأة الجماعة على توسيع دائرة عملهم حتى تكون حركتهم عالمية النطاق ويضمن لها الاستمرار بحكم تعدد المراكز.
ـ يقول حسن البنا عن هذه الدعوة: (إن الإخوان المسلمين دعوة سلفية (*) ، وطريقة سنّية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية) .
· يؤكد البنا أن سمات حركة الإخوان هي:
ـ البعد عن مواطن الخلاف.
ـ البعد عن هيمنة الأعيان والكبراء.
ـ البعد عن الأحزاب (*) والهيئات.
ـ العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات.
ـ إيثار الناحية العملية الإنتاجية على الدعاية والإعلانات.
ـ شدة الإقبال من الشباب.
ـ سرعة الانتشار في القرى والبلاد.
· ويذكر أن أخص خصائص دعوة الإخوان هي:
ـ أنها ربانية: لأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا أن يتقرب الناس إلى ربهم.
ـ وأنها عالمية: لأنها موجهة إلى الناس كافة لأن الناس في حكمها إخوة أصلهم واحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى وبما يقدم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامل.
ـ وأنها إسلامية: لأنها تنتسب إلى الإسلام.
· ويقرر الشيخ البنا أن مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق هي:
ـ إصلاح نفسه حتى يكون قوي الجسم، وأن يكون متين الخلق، مثقف الفكر، قادراً على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة.
ـ وتكوين البيت المسلم بأن يحمل أهله على احترام فكرته والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية.
ـ إرشاد المجتمع بنشر دعوة الخير فيه ومحاربة الرذائل والمنكرات.
ـ تحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو روحي.
ـ إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق.
ـ إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية بتحرير أوطانها وإحياء مجدها.
ـ أستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) .
ـ يقسم البنا مراحل الدعوة إلى ثلاث:
1ـ التعريف.
2ـ التكوين.
3ـ التنفيذ.
· يقول الأستاذ البنا في رسالة التعاليم: (أركان بيعتنا عشرة فاحفظوها: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد (*) ، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوة، والثقة) . ثم يأخذ في شرح كل ركن من هذه الأركان ثم يقول بعدها:
(أيها الأخ الصادق: هذا مجمل لدعوتك وبيان موجز لفكرتك، وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن شرعتنا، والجهاد سبيلنا، والشهادة أسمى أمانينا، وأن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى: البساطة، والتلاوة، والصلاة، والجندية، والخلق) .
· يعكس الأستاذ سيد قطب في كتابه "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" فهمه وفهم
الإخوان للإسلام حيث يجعل خصائص هذا التصور تقوم على "الربانية.. الثبات.. الشمول.. التوازن.. الإيجابية.. الواقعية.. التوحيد" ويعقد المؤلف لكل خاصية فصلاً مستقلاً بذاته يشرحها ويوضح معناها.
· شعار الإخوان: سيفان متقاطعان يحيطان بمصحف شريف، واللفظة القرآنية (وأعدوا)، وثلاث كلمات هي: حق، قوة، حرية.
· عدلت الجماعة من أسلوب المواجهة المباشرة مع السلطات الحاكمة لما سببه هذا الأسلوب من إضرار بالجماعة سواء في مصر أو سوريا حيث فقدت العديد من القيادات المؤثرة وتعرض المنضمون للجماعة للتعذيب في السجون والمعتقلات واختفى وجودهم العلني الذي كان يساعد على انتشار الدعوة.
· أصبح للجماعة سيطرة واضحة على النقابات المهنية وظهور واضح في الساحات السياسية المختلفة.
· لا تسمح الحكومة المصرية حتى الآن بقيام أحزاب (*) على أساس ديني بحجة عدم إقحام الدين (*) في السياسة، ولوجود أقليات غير مسلمة مما يحرم الإخوان من الوجود الشرعي المعترف به. وقد اضطرهم ذلك للتحالف مع أحزاب المعارضة السياسية القائمة وتشكيل تحالف يسمح لهم بدخول مجلس الشعب المصري. وقد استقطب هذا التحالف وبعض ممارسات الجماعة الأخرى، بعض النقد من بعض مؤيديها ومعارضيها في أكثر من مناسبة.
مآخذ على جماعة الإخوان:
· إن المآخذ على جماعة الإخوان المسلمين لم تقتصر على المواقف السياسية. بل وجه لها النقد في بعض الجوانب العقائدية والمنهجية وأقوال الأتباع: فمن الناحية العقائدية أخذ على البنا قوله في مجال تعداد صفات الحركة الشمولية "وحقيقة صوفية". والتصوف - كما هو معلوم - مخالف لمنهج أهل السنة. ولعل الشيخ رحمه الله قد تأثر بنشأته الأولى مع الطريقة الحصافية، أو أنه أراد (تقريب) أهل التصوف للجماعة. وهذا مسلك خاطئ؛ لأنه يستحيل جمع الحق بالباطل إلا بالتنازل والمداهنة.
كما أخذ على البنا موقفة التفويضي (*) في مجال الأسماء والصفات واعتبار البدعة (*) الإضافية (*) خلافًا فقهيًا (*) .
كما أن الجماعة لاتعنى كثيرًا بنشر عقيدة السلف والدعوة إلى التوحيد الخالص، والتحذير من البدع والشركيات المنتشرة؛ سواء في مصر منشأ الجماعة أو غيرها؛ مما جعلها تهتم (بالتجميع) على حساب التصفية، وبالكم لا الكيف.
· وقد أخذ على بعض أتباع الحركة (*) الغلو (*) في إعجابهم بالشيخ حسن البنا. كما صدرت عن بعضهم (التلمساني وسعيد حوى) عدد من الأقوال التي لا يجيزها الإسلام.
الانتشار ومواقع النفوذ:
·بدأت الحركة (*) في الإسماعيلية ثم انتقلت إلى القاهرة ومنها إلى معظم بلاد وقرى مصر، وقد بلغ عدد شعب الإخوان في أواخر الأربعينات في مصر (3000) شعبة ضمنت أعداداً كبيرة من الأعضاء.
· انتقلت الحركة إلى الأقطار العربية وصار لها وجود قوي في سوريا وفلسطين والأردن ولبنان والعراق واليمن والسودان وغيرها.. كما أن لها أتباعاً في معظم أنحاء العالم اليوم.
ويتضح مما سبق:
أن الإخوان المسلمين، حركة إسلامية معاصرة، هدفها تحكيم الكتاب والسنَّة، وتطبيق شريعة الله في شتى مناحي الحياة، والوقوف بحزم أمام سياسة فصل الدين (*) عن الدنيا، ووقف المد العلماني، والعمل لإعلاء كلمة الله في الأرض، من خلال حركة عالمية تبعد عن مواطن الخلاف وتكوِّن الشباب عبر هذه الدعوة الربانية، لإصلاح أنفسهم وبيئاتهم وحكوماتهم، أملاً في إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وقد أخذ على
حركة الإخوان ـ كما سبق ـ بعض المآخذ التي ينبغي لعقلاء الجماعة التخلص منها، وتنقية مسلك الجماعة من أي انحراف أو مخالفة؛ مع الاستفادة من نصائح العلماء وتوجيهاتهم.
مراجع للتوسع:
أ - كتب الجماعة:
ـ حسن البنا، مبادئ وأصول في مؤتمرات خاصة ـ المؤسسة الإسلامية ـ دار الشهاب بالقاهرة ـ ط 1 ـ 1400هـ/1980م مطبعة الإخوان المسلمين ـ 1354هـ.
ـ قانون جمعية الإخوان المسلمين العام المعدل.
ـ الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ ـ محمود عبد الحليم ـ دار الدعوة ـ الإسكندرية ـ ط 1 ـ مطابع جريدة السفير ـ 1979م.
ـ حسن البنا، الداعية الإمام المجدد، أنور الجندي ـ دار القلم ـ بيروت.
ـ الشهيد سيد قطب، يوسف العظم ـ دار القلم ـ بيروت.
ـ الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية، د. زكريا سليمان بيومي ـ مكتبة وهبة ـ القاهرة.
ـ مذكرات الدعوة والداعية، حسن البنا ـ المكتب الإسلامي ـ ط 4 ـ بيروت ـ 1399هـ ـ 1979 م دار الشهاب ـ القاهرة.
ـ مجموعة رسائل الإمام حسن البنا.
ـ الإخوان المسلمون، د. ريتشارد ميتشل ـ ترجمة عبد السلام رضوان مكتبة مدبولي ـ ط 1 ـ القاهرة 1977م.
ـ الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة، إسحق موسى الحسيني.
ـ الإخوان المسلمون والمجتمع المصري، محمد شوقي زكي.
ـ الحركات الإسلامية في مصر وإيران، د. رفعت سيد أحمد ـ سينا للنشر.
ـ تقرير استراتيجي عن جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى أعده مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بجريدة الأهرام المصرية (وعليه تعليق للدكتور علي جريشه) .
ـ شهيد المحراب ـ عمر التلمساني.
ـ جند الله ثقافة وأخلاقاً ـ سعيد حوى.
ب - كتب انتقدت الجماعة:
ـ فتاوى اللجنة الدائمة.
ـ نظرات في مناهج الإخوان المسلمين ـ أحمد سلام.
ـ الطريق إلى الجماعة الأم ـ عثمان نوح.
ـ دعوة الإخوان المسلمين في ميزان الإسلام ـ فريد الثبيت.
ـ الحصاد المر ـ أيمن الظواهري.
الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية
التعريف:
الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية الباكستانية جماعة إسلامية معاصرة كرست جهودها في سبيل إقرار الشريعة الإسلامية (*) وتطبيقها في حياة الناس والوقوف بحزم ضد جميع أشكال الاتجاهات العلمانية التي تحاول السيطرة على المنطقة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· أبو الأعلى المودودي: 1321 ـ 1399هـ (1903 ـ 1979م) وُلِد في مدينة أورنك آباد الدكن بولاية حيدر آباد، وتلقى تعليمه وتربيته الأولى على يد والده السيد أحمد حسن الذي يرجع بنسبه إلى عائلة قطب الدين مودود الشهيرة بتدينها ومكانتها.
ـ بدأ حياته الدعوية بالدخول إلى ميدان الصحافة عام 1918م، وفي عام 1920م كوَّن جبهة صحفية هدفها تبليغ الإسلام، وقد تنقل في عدد من الصحف كاتباً ومديراً ورئيساً.
ـ كان لكتابه الجهاد في الإسلام الذي نشره عام 1928م دويٌّ واسع وأثر بالغ ضد الإنجليز والوثنيين (*) وأعداء الإسلام في كل مكان.
ـ أصدر ترجمان القرآن من حيدر أباد الدكن عام 1933م وكان شعارها "احملوا أيها المسلمون دعوة القرآن، وانهضوا، وحلِّقوا فوق العالم" وعن طريق هذه المجلة انتقلت أفكاره إلى مسلمي شبه القارة الهندية / الباكستانية مما مهَّد له الطريق إلى تأسيس جماعته الإسلامية فيما بعد.
- في عام 1937 - 1938م قدم إلى لاهور تلبية لدعوة محمد إقبال 1873 - 1938م وأسس في باثانكوت داراً للإسلام يربي فيها الرجال، ويؤلف الكتب، لكن إقبالاً ما لبث أن انتقل إلى ربه بعد أشهر قليلة من وصول المودودي.
ـ عن طريق مجلة ترجمان القرآن وجه المودودي دعوة لعلماء المسلمين وقادتهم لحضور المؤتمر الذي عقد فعلاً في 26 أغسطس 1941م / 1360هـ بلاهور بحضور 75 شخصاً يمثلون مختلف بلاد الهند وتأسست في هذا المؤتمر الجماعة الإسلامية وانتخب
المودودي أميراً لها.
ـ في تلك الأيام كان البريطانيون يمسكون بزمام السلطة حينما أطلق المودودي فتواه الجريئة بتحريم العمل في خدمة قوات الاحتلال مما عرض الجماعة الإسلامية للهجوم من قبل القوى الاستعمارية (*) منذ أول ظهورها.
ـ في 28 أغسطس 1947م ظهرت الباكستان بشطريها دولة مستقلة عن الهند الوثنية (*) وتبع ذلك ظهور قيادة جديدة للجماعة في الهند مستقلة بذاتها لتسهيل النواحي الإدارية لا أكثر، ووقفت الجماعة حينها على قدم وساق تقيم المعسكرات لإيواء المسلمين المهاجرين وتقدِّم لهم العون ريثما تستقر بهم الأحوال.
ـ اعتقل المودودي في حياته عدة مرات بسبب جرأته ووقوفه ضد معارضي تطبيق الشريعة الإسلامية (*) في الباكستان، وحكم عليه في بعضها بالإعدام ثم خفف الحكم بعد ذلك، ولم تفتَّ هذه الاعتقالات في عضده بل زادته إيماناً راسخاً بدعوته وبمبادئه الإسلامية.
ـ ساعدت الجماعة الإسلامية المجاهدين الكشميريين في جهادهم ضد الهند وقدمت لهم المؤن والمراكز الطبية والمخيمات.
ـ في نوفمبر 1971م انشطرت الباكستان إلى شطرين، الغربية حافظت على اسم الباكستان، والشرقية عرفت باسم بنغلاديش، وقد أزعج هذا الانقسام الشيخ المودودي كثيرًا.
ـ ابتداءً من نوفمبر 1972م أُعْفي المودودي من منصبه كأمير للجماعة بناء على طلبه لاعتلال صحته، فانصرف إلى البحث والكتابة عاكفاً على إكمال كتابه تفهيم القرآن واختير ميان طفيل محمد أميراً للجماعة بعده.
ـ منحت جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للمودودي في 27 فبراير 1979م، وقد تبرع بقيمة الجائزة لإنشاء مجمع المعارف الإسلامية بلاهور.
ـ في 1/11/1399هـ الموافق 22/9/1979م انتقل المودودي إلى رحاب ربه إثر عملية جراحية أجريت له في نيويورك وقد نقل جثمانه إلى لاهور مشيَّعاً برثاء العالم الإسلامي له.
ـ خلَّف المودودي وراءه دعوة، ورجالاً، ومكتبة عامرة من تأليفه ترجمت إلى لغات كثيرة وطبعت عديداً من المرات.
وقد صدرت عن المودودي رحمه الله بعض الآراء التي كانت موضع جدل بين الدعاة خصوصاً حول بعض القضايا الجديدة التي كان يطرحها.
· ميان طفيل محمد: مواليد 1914م أحد الأعضاء المؤسسين، عمل أميناً عاماً للجماعة أيام
المودودي، ثم حل محله عام 1972م أميراً للجماعة، وأعيد انتخابه مرة أخرى عام 1977م، واستمر في منصبه حتى عام 1987م. دخل السجن مع المودودي وشارك في العديد من المؤتمرات واللقاءات داخل الباكستان وخارجها، يحمل شهادات جامعية في الفيزياء والرياضيات والقانون.
· قاضي حسين أحمد: كان أميناً عاماً للجماعة ثم انتخب أميراً لها بعد ميان طفيل محمد عام 1987م.
· خورشيد أحمد: نائب الأمير، ووزير سابق في وزارة 1987م، عضو مجلس النواب الباكستاني.
· محمد أسلم سليمي: الأمين العام للجماعة.
· خليل أحمد الحامدي: مدير دار العروبة، ومدير معهد المودودي العالمي للدراسات الإسلامية.
· خرم جاه مراد: - توفي رحمه الله عام 1416هـ بباكستان كان مدير المؤسسة الإسلامية في إنجلترا (ليستر) وأمير الجماعة الإسلامية في عاصمة الباكستان الشرقية قبل الانفصال ونائب الأمين العام حاليَّا.
·أمين أحسن إصلاحي: من كبار العلماء، اعتقل مع المودودي، سبق له أن ترك الجماعة لدخولها المعترك السياسي والانتخابات، ولكن كتبه ما تزال تُدرَّس ضمن مناهج الجماعة.
· بروفسور عبد الغفور أحمد: كان أمير فرع الجماعة في كراتشي، وعضو البرلمان المركزي ووزيراً للصناعات والمواد المعدنية في وزارة 1978م.
· محمود أعظم الفاروقي: كان عضو البرلمان المركزي ووزيراً للإعلام والإذاعة 1978م.
· السيد أسعد الجيلاني: أمير إقليم البنجاب، وعضو البرلمان (*) المركزي عن الجماعة الإسلامية سابقاً، وقد صدر له أكثر من 80 كتاباً في مختلف مجالات الحياة الإسلامية.
- شودري رحمة إلهي: كان وزيراً للمياه ومصادر القوى في وزارة 1978م.
· أبو الليث الإصلاحي الندوي: أول أمير للجماعة في الهند، ثم ترك الإمارة، ثم أعيد انتخابه مرة ثانية وما يزال في منصبه.
· الشيخ محمد يوسف: عمل أميراً للجماعة بعد الفترة الأولى لأبي الليث.
· سيد حامد حسين: من رجال الدعوة والخطباء البارزين، توفي بعد حج عام 1405هـ في جدة.
· أفضل حسين: الأمين العام للجماعة حاليًّا، وهو خبير في التربية، وقد ألَّف حوالي ثلاثين كتاباً في ذلك.
· سيد أحمد عروج القادري: نائب أمير الجماعة حاليًّا، ورئيس تحرير مجلة زندنكي (الحياة) وهي لسان حال الجماعة الإسلامية في الهند.
· أبو الكلام محمد أبو يوسف: أول أمير فعلي للجماعة من بنغلاديش بعد انفصالها عن الباكستان سنة 1972م.
عباس علي خان: الأمير الحالي للجماعة.
· غلام أعظم: الذي كان يعيش في بلاده بدون جنسية حيث إن الحكومة قد سحبتها منه لإزعاجه ولتضييق الخناق على حركته الدعوية، كان أمير الجماعة الإسلامية في الباكستان الشرقية قبل الانفصال، وبعد خروجه من السجن أصبح أمير الجماعة في بنغلاديش.
الأفكار والمعتقدات:
· عقيدة الجماعة - في الغالب - عقيدة أهل السنة والجماعة من حيث الدعوة، ولا يخرج فكرها في مجمله عن هذه العقيدة من دعوة إلى التمسك بكتاب الله وسُنة نبيه والعمل الحثيث من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية (*) في واقع الحياة البشرية. (ولها انحرافات لاسيما في مجال السنة بينها العلماء كما سيأتي) .
- كان رأي المودودي الدائم: أن الإسلام ليس نظاماً فلسفيًّا محضاً للحياة بل هو نظام كامل تام للحياة، وما لم نر نموذجاً له ممثلاً أمامنا فلن نتمكن أبداً من تقديم أيَّة خدمة للإسلام عن طريق الكلام والحديث.
· أهداف الجماعة: تتلخص أهداف الجماعة فيما يلي:
- الإسلام نظام شامل للبشرية كافة وللمسلمين خاصة.
- الدعوة لكل من أظهر الإسلام أن يخلصوا دينهم لله ويزكوا أنفسهم لتتخلص من التناقض والنفاق.
- الدعوة لكل أهل الأرض أن يستخلصوا الحكم الحاضر من الطواغيت (*) المستبدة والفجرة والفَسَدة وأن ينتزعوا الإمامة الفكرية والعلمية من أيديهم وينقلوها إلى أيدي المؤمنين المسلمين.
· لقد ركز المودودي جهاده ضد أربع جهات:
ـ ضد النظرية القومية الواحدة داخل الهند، وهي دعوة رفعها حزب المؤتمر الذي يدعو إلى قومية مشتركة بين الهنادكة والمسلمين، وقد ألف في هذا الصدد كتابيه: المسلمون والصراع الحالي ومسألة القومية.
ـ ضد سيطرة وتحكم الحضارة الغربية.
ـ ضد القيادات التي تحمل أفكاراً تتعارض والفكر الإسلامي.
ـ ضد الأفكار التي يراها تحمل طابع الجمود الديني.
· أكَّد المودودي على ثلاثة أمور لتوطيد الحركة هي:
ـ لا يكفي أن يكون زملاؤه في العمل أقوياء في عقيدتهم بل يجب كذلك أن يكونوا موثوقين في سلوكهم الفردي.
ـ أن يكون نظام الدعوة محكماً، فلا يقبل التساهل والتهاون.
ـ أن تشتمل الدعوة في آن واحد على عنصرين من الدعاة:
1ـ أصحاب الثقافة الإسلامية القديمة.
2ـ أصحاب الثقافة العصرية الحديثة.
· في خطابه الذي ألقاه في كلية الحقوق بلاهور بتاريخ 19/2/1948م أعلن المودودي المطالبة بأربع نقاط رئيسية كأهداف للدولة الباكستانية الوليدة وهي:
ـ أن الحاكمية في الباكستان لله وحده وليس للحكومة الباكستانية إلا تنفيذ مرضاة الله.
ـ الشريعة الإسلامية (*) هي القانون الأساسي للدولة.
ـ إلغاء جميع القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية ولا يوضع في المستقبل قانون ينافي الشريعة الإسلامية.
ـ على الحكومة الباكستانية أن تمارس سلطاتها ضمن الحدود التي حددتها الشريعة الإسلامية.
· لقد كان صدى هذه النقاط واسعاً حيث انهالت آلاف الرسائل من مختلف المناطق مطالبة بها ومؤيدة لها، وقد عارضتها الحكومة أول الأمر واعتقلت المودودي وزملاءه بسببها لكنها ما لبثت أن رضخت لها وصدر قرار الجمعية التأسيسية في مارس 1949م المعروف بقرار الأهداف الذي ما يزال يعتبر أساس الوجهة الإسلامية في الدولة الباكستانية إلى الآن.
· وسائل الجماعة لتحقيق أهدافها:
ـ تصحيح الأفكار وتعهدها بالغرس والتنمية لتوضيح الصراط المستقيم، ونقد الغرب الذي افتتن به أغلبية الناس.
ـ استخلاص الأفراد الصالحين وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة.
ـ السعي في الإصلاح الاجتماعي وهو يشمل كل طبقات المجتمع واتخاذ الحلول العلمية لمشكلاتهم على أساس مبادئ الإسلام الإنسانية من أخوة وعدالة ومساواة.
ـ إصلاح الحكم ويكون ذلك بإيجاد البرامج الإصلاحية للمفاسد الاجتماعية ونشر الوعي الإسلامي الذي يمهد لتسلم رجال صالحين مقاليد الحكم لينهضوا بالإصلاح على أساس كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
· عملت الجماعة على إيجاد حركة طلابية إسلامية منظمة عرفت باسم (إسلامي جمعية الطالبة) وهي جمعية مستقلة في نشاطاتها وإداراتها.
ـ وقفت الجماعة إلى جانب اللاجئين والمجاهدين الأفغان إذ قدمت لهم المخيمات والمستشفيات وساندتهم، وما يزال هذا الأمر الشغل الشاغل للجماعة في الباكستان من مرحلة ما بعد الحرب.
· دخلت الجماعة في صراع مع الاشتراكيين والهندوس واللادينيين لمدة تسع سنوات (1947م ـ 1956م) حتى وضع دستور 1956م الذي يعد انتصاراً للاتجاه الإسلامي وما يزال هذا الصراع يأخذ أشكالاً مختلفة حتى اليوم.
· ورد في دستور الجماعة في الباكستان:
· "أن تتخذ (الجماعةُ) كتاب الله وسُنة رسوله مصدرين للاحتجاج والاستناد في كل شأن من شؤون الحياة".
· "لا يقوم كفاح (الجماعة) لأجل الوصول إلى غايتها على النشاط السري على غرار الحركات السرية في العالم بل إنها تعمل كل ما تعمل علناً وفي وضح النهار".
ـ "أن (الجماعة) تمارس الطرق الدستورية والقانونية للقيام بالإصلاح الذي تنشده والانقلاب الذي تستهدفه، كما أنها تحاول كسب تأييد الرأي العام للتغيير الذي وضعته نصب عينيها".
· للجماعة أمير ومجلس شورى ولها صلات طيبة مع الهيئات الإسلامية العاملة في حقل الدعوة الإسلامية.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· استمد أبو الأعلى المودودي دعوته ابتداء من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
· تأثرت دعوته - في الغالب - بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إذ كان شديد الإلحاح على تنقية العقيدة من شوائب الشرك وضرورة العود دائماً إلى النبعين الصافيين والرجوع إلى الدليل في كل أمر وترك البدع.
· تأثر المودودي بالفيلسوف محمد إقبال الذي تغنَّى بفكرة انفصال الباكستان المسلمة عن الهند الوثنية (*) ، وكان شديد الإعجاب به، وقد التقيا ثلاث مرات فقط
كانت أفكارُهما خلال ذلك متطابقة إلى أبعد الحدود. (راجع قسم الشخصيات لمعرفة محمد إقبال) .
· هناك عملية تأثُّر وتأثير بين دعوة الإخوان المسلمين ودعوة الجماعة الإسلامية هذه، وكُتُبُ كلٍّ منهما تُدرس في مناهج الأخرى، وقد وجد حسن البنا في كتاب الجهاد في الإسلام الذي ألفه المودودي تطابقاً بينه وبين أفكاره التي يحملها عن الجهاد وأبدى إعجابه به.
من مخالفات المودودي في مجال السنة: عدم اعترافه بحكم المحدثين على الحديث! وقبوله الحديث بدلالة الذوق على صحته، وإن لم يكن إسناده صحيحًا! ، فهو يمجد (الدراية) على حساب (الرواية) ؛ ولذا فهو يرد بعض الأحاديث في البخاري التي لم يقبلها عقله أو ذوقه. (انظر للمزيد: زوابع في وجه السنة قديمًا وحديثًا، للدكتور صلاح مقبول) .
الانتشار ومواقع النفوذ:
· تتركز الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية الباكستانية.
· مركز الجماعة الإسلامية في الباكستان هو مدينة لاهور ـ المنصورة.
· على الرغم من أن لأفراد الجماعة قيادات متعددة في كل من بنغلاديش والهند وسريلانكا وكشمير وغيرها إلا أنها جميعاً ذات اتجاه وفكر واحد لا يختلف من منطقة إلى أخرى، إذ أن ذلك أمر إداري فقط.
· للجماعة وجود ونشاط في الدول الغربية بين أفراد الجالية من شبه القارة الهندية، وقد أسهم أفرادها في الدعوة الإسلامية في الباكستان، وتربية الأجيال المسلمة حيثما وجدوا.
· وجه نقاد الجماعة الإسلامية للمودودي رحمه الله وللجماعة من بعده بعض النقد الذي لا يخلو من وجاهة.
ويتضح مما سبق:
أن الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية الباكستانية هي جماعة إسلامية تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية (*) والوقوف بحزم أمام جميع أشكال العلمانية، وقد أسسها الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله، وهي جماعة تهدف إلى جعل الإسلام نظاماً شاملاً للبشرية كافة وللمسلمين عامة، وترى ضرورة استخلاص المسلمين الحكم من الطواغيت (*) ، خروجاًًً من النظرية القومية الضيقة ونأياً عن تحكم الحضارة الغربية ووأداً لكل الأفكار التي تعارض الفكر الإسلامي وتحقيقاً لسيادة الأفكار التي تقضي على الجمود الديني. وقد كافح المودودي من أجل تأكيد أن الحاكمية لله وحده وأنه ليس للحكومة إلا تنفيذ مرضاة الله، ورأى وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية وإلغاء جميع القوانين المخالفة لها، وبين أن الحكومة الباكستانية تمارس سلطاتها ضمن حدود الشريعة الإسلامية. وقد اعتقل المودودي بسبب هذا الإعلان، ولكنَّ الحكومة رضخت لهذه
المبادئ بعد ذلك. وترى الجماعة وجوب السعي في الإصلاح الاجتماعي ونشر الوعي الإسلامي وإيجاد حركة إسلامية طُلَاّبية منظمة، للعمل في سبيل إعلاء شرع الله.
ولاتخلو الجماعة من انتقادات؛ كرأيها في السنة تبعًا لمؤسسها، وإغراقها في العمل السياسي على حساب نشر العقيدة السلفية والدعوة إلى التوحيد الخالص الذي يحتاجه المسلمون في الهند والباكستان، وتربية الناس على ذلك.
نسأل الله أن يوفق القائمين على الجماعة لتجنب هذه الانتقادات، وأن ينفع بهم المسلمين.
مراجع للتوسع:
ـ زوابع في وجه السنة، د صلاح مقبول.
ـ موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي، محمد إسماعيل السلفي.
ـ أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته، أسعد جيلاني ـ ترجمة دكتور سمير عبد الحميد إبراهيم ـ شركة الفيصل بلاهور ـ طبعته الأولى بالعربية 1398هـ / 1978م.
ـ الإمام أبو الأعلى المودودي: حياته، دعوته، جهاده، خليل أحمد الحامدي ـ المكتبة العلمية ـ لاهور ـ الباكستان ـ 1980م.
ـ الموسوعة الحركية (مجلدان، فتحي يكن ـ دار البشير ـ عمان ـ الأردن ـ 1403هـ / 1982م) .
ـ دستور الجماعة الإسلامية بباكستان، نقله إلى العربية خليل أحمد الحامدي ـ دار العروبة ـ المنصورة ـ لاهور ـ باكستان ـ 1982م.
ـ المذاهب والأفكار المعاصرة في التصور الإسلامي، محمد الحسن.
ـ كتب ومؤلفات أبي الأعلى المودودي وهي كثيرة ومعروفة.
ـ الجماعة الإسلامية في سطور.
ـ دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب في شبه القارة الهندية. أبو المكرم بن عبد الجليل ط. مكتب دار السلام بالرياض ولاهور.
ـ أثر دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية في الحركات الإسلامية المعاصرة. صلاح الدين مقبول ط. مجمع البحوث العلمية الإسلامية نيودلهي 1412هـ / 1992م.
حركة الاتجاه الإسلامي بتونس"حزب النهضة
"
التعريف:
حركة (*) الاتجاه الإسلامي بتونس، حركة إسلامية، قامت على منهج (*) فكر الإخوان المسلمين في العالم الإسلامي، وظهرت كرد فعل شعبي ضد التطرف العلماني المتمثل في الاستهتار بالإسلام وقيمه وأحكامه، ونتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية واستشراء الاستبداد السياسي. وقد بدأها راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو واحميده النيفر، والتف حولهم عدد من الشباب وشكلوا جميعاً النواة الأولى لانتشار الفكرة الإسلامية، وأصبحت المساجد والمعاهد والجامعات رافداً أساسياً للحركة الإسلامية، التي واصلت معركتها ضد رموز التبعية والتغريب. وظلت تنشط في الساحة التونسية حتى صدر قرار بحلها وبدأ اعتقال قادتها وشبابها في ظل الحكم الحالي، إلا أنها حركة مستقلة في قرارها. ومازال لها وجود داخل تونس وخارجها رغم المطاردة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
تأسست حركة الاتجاه الإسلامي في 1969م بتونس بعد سلسلة من الأحداث كان هدفها محو الشخصية الإسلامية لتونس، ومن أبرز شخصيات هذه الحركة:
· الدكتور راشد الغنوشي:
ـ مؤسس حركة الاتجاه الإسلامي.
ـ ولد في مدينة الحامة بولاية قابس بالجنوب الشرقي لتونس سنة 1939م، ودرس في دمشق.
ـ أتم دراسته العليا في الفلسفة والتربية في فرنسا، اعتقل مرات كثيرة في أواخر السبعينات وحوكم في صائفة سنة 1981م وحكم عليه بعشر سنوات سجناً، ثم أطلق سراحه سنة 1984م ثم اعتقل في 9مارس 1987م وعندما أفرج عنه خرج من البلاد ويعيش الآن في الخارج.
· الشيخ عبد الفتاح مورو:
ـ الأمين العام لحركة الاتجاه الإسلامي.
ـ من مواليد سنة 1948م في تونس ـ حصل على إجازة الحقوق سنة 1970م وتولى مهنة القضاء حتى سنة 1977م ثم التحق بالمحاماة.
ـ التقى مع راشد الغنوشي سنة 1969م وتعاهدا على العمل والدعوة للإسلام، وتأثر الاثنان بفكر سيد قطب رحمه الله.
ـ وخلال تعرض الحركة (*) للمحنة في عهد ابن علي (خليفة بورقيبة) في 1412هـ ـ 1992م انشق عن الحركة وشكل جماعة جديدة.
أحداث وتطورات الحركة:
· منذ أن أعلن بورقيبة سنة 1945م ـ قبل إعلان الاستقلال بسنتين أنه ينوي إقامة حكم لا ديني في البلد، قرر بورقيبة وحزبه ـ فعلاً ـ تجريد البلد من كل مقوماته الإسلامية.. ففي سنة 1957م أعلنت قوانين الأحوال الشخصية التي تقطع علاقتها بالشريعة الإسلامية (*) في مجال الأسرة. وفي سنة 1958م ألغيت الأوقاف العامة، و1959م منع التعليم الديني و1960م شن بورقيبة حرباً ضد الصيام و1962م ألغي التقويم الهجري، و1965م ـ فتح أول ناد للعراة، و1968م بدأت تعرية المرأة المسلمة من لباسها الإسلامي. و1969م بدأت حملة لغلق المساجد، و1974م بدأ بورقيبة بإلقاء محاضرات ضد القيم الإسلامية، وتهجم على القرآن الكريم والسنة النبوية، والآداب الشرعية والعادات الإسلامية.
ـ وكان من نتيجة هذه الأحداث تحرك بعض الغيورين على الإسلام، ومنهم الشيخ راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو للوقوف ضد هذه الهجمة الشرسة وتأسيس حركة الاتجاه الإسلامي سنة 1969م.
ـ وبارك الله في الدعوة الإسلامية فانضم إليها الشباب من الجنسين وطلاب الجامعات، وبرزت ملامح الإسلام عليهم، من إطلاق اللحى إلى الزي الشرعي وغير ذلك.
· أهداف الاتجاه الإسلامي بتونس:
· بعث الشخصية الإسلامية لتونس حتى تستعيد مهمتها كقاعدة كبرى للحضارة الإسلامية بأفريقيا، ووضع حد لحالة التبعية والاغتراب والضلال.
· تجديد (*) الفكر الإسلامي على ضوء أصول الإسلام الثابتة ومقتضيات الحياة المتطورة وتنقيته من رواسب عصور الانحطاط وآثار التغريب.
· استعادة الجماهير حقها المشروع في تقرير مصيرها بعيداً عن كل وصاية داخلية أو هيمنة خارجية.
· إعادة بناء الحياة الاقتصادية على أسس إنسانية وتوزيع الثروة بالبلاد توزيعاً عادلاً على ضوء المبدأ الإسلامي "الرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته" أي "من حق كل فرد أن يتمتع بثمار جهده في حدود مصلحة الجماعة وأن يحصل على حاجته في كل الأحوال" حتى تتمكن الجماهير من حقها الشرعي المسلوب في العيش الكريم بعيدًا عن كل ضروب الاستغلال والدوران في فلك القوى الاقتصادية الدولية.
· المساهمة في بعث الكيان السياسي والحضاري للإسلام على المستوى المحلي والمغربي والعربي والعالمي وحتى يتم إنقاذ شعوبنا والبشرية جمعاء مما تردت فيه من ضياع نفسي وحيف اجتماعي وتسلط دولي.
وتتخذ الحركة الوسائل التالية لتحقيق هذه المهام:
· إعادة الحياة إلى المسجد كمركز لتعبد والتعبئة الجماهيرية الشاملة أسوة بالمسجد في العهد النبوي وامتداداً لما كان يقوم به الجامع الأعظم، جامع الزيتونة، من صيانة للشخصية الإسلامية ودعماً لمكانة البلاد كمركز عالمي للإشعاع الحضاري.
· تنشيط الحركة الفكرية والثقافية، ومن ذلك: إقامة الندوات وتشجيع حركة التأليف والنشر، وتأصيل وبلورة المفاهيم والقيم الإسلامية في مجالات الأدب والثقافة عامة وتشجيع البحث العلمي ودعم الطلاب، واللباس الشرعي للفتيات.
ـ هذا الوضع أثار صحيفة اللوموند الفرنسية فكتبت صفحة كاملة سنة 1974م تحذر بورقيبة من ظاهرة الصحوة الإسلامية، وخطرها على التقدم والمدنية في تونس.
ـ في نفس السنة شنَّت جرائد الحزب الحاكم حملة شعواء على الإسلاميين وسخرت منهم. ثم انتقلت إلى التهديد والوعيد وما إن أعلن راشد الغنوشي عن تشكيل المكتب السياسي العلني الأول لحركة الاتجاه الإسلامي، وتقدم بطلب رسمي للترخيص القانوني بقيام الحزب حتى دخلت مجال العمل السياسي وبدأت الحرب ضدها.
· سنة 1981م فتحت أبواب السجون لرجال الحركة (*) الإسلامية وصدرت أحكام بسجن ما يقرب من 200منهم بتهم ملفقة.
· سنة 1984م أطلق سراح العاملين بحركة الاتجاه الإسلامي، وحرموا حقهم في الوظيفة ومنعت صحفهم الإسلامية ودروسهم المسجدية.
· سنة 1986م أعلن بورقيبة أنه سيكرس العشر سنوات القادمة من حياته لمحاربة الاتجاه الإسلامي.
· وفي سنة 1987م/ رجب 1407هـ أعيد رجال الحركة إلى السجون التونسية.
ـ وفي نفس هذه السنة سقط بورقيبة ومات سياسياً على يد حركة الاتجاه الإسلامي.
· وجاء ابن علي خليفة بورقيبة واستبشر المسلمون خيرًا، إلا أنه اتّبع سياسة بورقيبة بعد ذلك في محاربة حركة الاتجاه الإسلامي
…
ورجال الحركة حالياً 1417هـ بين سجين ومطارد.
المبادئ والأفكار:
· جاء في البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي أن الحركة تعمل على تحقيق المهام التالية:
ـ الإعلام الملتزم حتى يكون بديلاً عن إعلام الميوعة والنفاق.
ـ دعم التعريب في مجال التعليم والإدارة مع الاهتمام باللغات الأجنبية.
ـ رفض العنف كأداة للتغيير وتركيز الصراع على أسس شورية تكون هي أسلوب الحسم في مجالات الفكر والثقافة والسياسة.
ـ رفض مبدأ الانفراد بالسلطة الأحادية (Unipartisme) لما يتضمنه من إعدام لإرادة الإنسان وتعطيل لطاقات الشعب ودفع البلاد في طريق العنف، مع إقرار حق كل القوى الشعبية في ممارسة حرية التعبير والتجمع وسائر الحقوق الشرعية، والتعاون في ذلك مع كل القوى الوطنية.
ـ بلورة مفاهيم الإسلام الاجتماعية في صيغ معاصرة وتحليل الواقع الاقتصادي التونسي حتى يتم تحديد مظاهر الحيف وأسبابه، والوصول إلى بلورة الحلول البديلة.
ـ الانحياز إلى صفوف المستضعفين من العمال والفلاحين وسائر المحرومين في صراعهم مع المستكبرين والمترفين.
ـ دعم العمل النقابي بما يضمن استقلاله وقدرته على تحقيق التحرر الوطني بجميع أبعاده الاجتماعية والسياسية والثقافية.
ـ اعتماد التصور الشمولي للإسلام، والتزام العمل السياسي بعيدًا عن اللادينية والانتهازية.
ـ تحرير الضمير المسلم من الانهزام الحضاري إزاء الغرب.
ـ بلورة وتجسيم الصورة المعاصرة لنظام الحكم الإسلامي بما يضمن طرح القضايا الوطنية في إطارها التاريخي والعقائدي والموضوعي مغربياً وعربياً وإسلامياً وضمن عالم المستضعفين عامة.
ـ توثيق علاقات الأخوة والتعاون مع المسلمين كافة: في تونس وعلى صعيد
المغرب والعالم الإسلامي كله.
ـ دعم ومناصرة حركات التحرر في العالم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ـ حركة (*) الاتجاه الإسلامي قامت على منهج (*) حركة الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي.
(ولهذا فيلحقها ما يلحق أصلها من مؤاخذات) .
ـ كما تأثرت الحركة بمنهج المدرسة العقلية (المعتزلة ـ أهل الكلام) في التاريخ الإسلامي؛ كما يظهر ذلك جليًا في كتابات مؤسسها.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· انتشر فكر الحركة (*) في تونس بشكل خاص وأعلنت الحركة عام 1985م عن مكتبها التنفيذي الثالث برئاسة الأستاذ راشد الغنوشي والأستاذ عبد الفتاح مورو أميناً عاماً، وعضوية السادة حمادي الجبالي والحبيب اللور والحبيب السويسي واعتُرف بالحركة رسمياً عندما استقبلهم الوزير الأول محمد المزالي في قصر الحكومة، واعترفت كل الأطراف بالوجود السياسي الفعلي لحركة الاتجاه الإسلامي واضطرت للتعامل معها. وكانت جريدة الرأي وسيلة النشر لمؤلفات بعض مفكري الحركة مثل الدكتور عبد المجيد النجار ومحسن الميلي وعندما تولى ابن علي السلطة أفرج عن رموز الحركة في البداية واضطر قادتها في 8 فبراير 1989م أن يتقدموا بطلب تأشيرة للسماح للحركة بمزاولة نشاطها تحت اسم جديد هو "حزب النهضة" تمشياً مع قانون الأحزاب ولكن سرعان ما غيرت السلطة موقفها وقلبت لهم ظهر المجنَّ، وسارعت إلى القبض على الكثير من شباب الحزب وأودعتهم السجون واضطر الكثيرون من رموز الحركة إلى الفرار بدينهم إلى خارج البلاد بعد مصادرة نشاطها.
ويتضح مما سبق:
أن حركة الاتجاه الإسلامي بتونس هي حركة إسلامية تتبنى كثيراً من المفاهيم الفكرية لحركة الإخوان المسلمين، وهدفها القضاء على المد العلماني، وبعث الشخصية الإسلامية وتجديد (*) الفكر الإسلامي، وإعادة بناء الحياة الاقتصادية على أسس إنسانية، وبعث الكيان السياسي والحضاري للإسلام
داخل البلاد وخارجها في ظل إعلام إسلامي ملتزم، ورفض كامل للعنف كأداة للتغيير، وتكريس السلطة الإسلامية الشورية الجماعية والانحياز إلى صفوف المستضعفين من العمال والفلاحين. ويلحقها ما يلحق جماعة الإخوان من مؤاخذات؛ إضافة إلى الانحراف بالجماعة نحو الفكر العصراني المتميع والمخالف للنصوص الشرعية استجابة للواقع المنحرف.
مراجع للتوسع:
ـ تدرجات راشد الغنوشي، سليمان الخراشي، بحث منشور في موقع (صيد الفوائد) .
ـ معلومات عن حركة الاتجاه الإسلامي بتونس ـ (نشرة موسعة باللغة العربية عن الحركة) .
ـ تصريحات ومقابلات كل من الشيخ راشد الغنوشي والشيخ عبد الفتاح مورو ـ في كل من:
ـ مجلة المجتمع الكويتية في 15/1/1985م ـ 4/10/1981م.
ـ مجلة الإصلاح العدد 113 و114 في 1/6/1981م.
ـ مجلة الغرباء رمضان 1407هـ آيار 1987م.
ـ مجلة البلاغ في 12/9/1984 و23/8/1981م.
ـ البيان التأسيسي للحركة في 6/6/1981م.
ـ حركة الاتجاه الإسلامي في تونس ـ راشد الغنوشي ـ نشر دار القلم ـ الكويت 1409هـ/1989م.
حزب السلامة الوطني (الرفاه الإسلامي)
التعريف:
حزب السلامة حزب (*) إسلامي تركي يعمل على إعادة بناء الحياة وصياغتها من جديد على أساس مبادئ الإسلام، وقد اختار الطريق السياسي وسيلة لتحقيق أفكاره على أرض الواقع، واضعاً كل طاقاته للوقوف أمام التيار العلماني الذي سيطر على تركيا إثر زوال الدولة العثمانية. وقد غير اسم الحزب حديثاًًً إلى حزب الرفاه الإسلامي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· المؤسس نجم الدين أربكان: المولود عام 1926م بمدينة سينوب على البحر الأسود، يرجع بنسبه إلى أسرة عريقة، تخرج من كلية الهندسة باستانبول عام 1948م وأوفد إلى ألمانيا لينال الدكتوراه عام 1953م من جامعة آخن في المحركات والترموديناميك.
ـ كان متفوقًا على جميع أقرانه خلال مراحل الدراسة المختلفة.
ـ يذكر ملف الجامعة التكنيكية بألمانيا عنه: "أنه كان أثناء دراسته يكثر من شيئين: الصلاة وعمل المشروعات".
ـ احتل عدداً من المناصب الجامعية العليا في بلده، ونشر عدداً من الأبحاث العلمية المختلفة والتي تدور حول المحركات والآليات.
ـ أول انعطاف سياسي له كان في عام 1968م عندما صار عضواً في مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة والصناعة التركي.
ـ في انتخابات عام 1969م رشح أربكان نفسه مستقلاً عن قونية، وقد فاز بمعظم أصواتها وذلك بمؤازرة عشرة آلاف شاب من خريجي المعاهد الدينية.
ـ عقد نجم الدين عدة مشاورات مع الشخصيات الإسلامية البارزة، وبعدها شكَّل مع مجموعة من أصدقائه (حزب النظام الوطني) في 26 يناير 1971م الذي اتخذ رمزاً له قبضة يد منطلقة في الهواء وإصبع الشهادة موجهاً نحو الأمام.
ـ في أبريل 1971م اصطنعت له بعض التهم حيث قدُِّم للمحكمة التي أصدرت أمراً بإلغاء حزبه الذي لم يستمر سوى (16) شهراً، مع مصادرة ممتلكاته ومنع شخصياته من العمل من خلال أي حزب سياسي آخر، ومنعهم من تأسيس أي حزب جديد كما أنه لا يجوز لهم ترشيح أنفسهم ولو كانوا مستقلين.
ـ ازدادت موجة العنف والاضطراب في تركيا من أوائل 1971م وقد أيقنت الحكومة حينها أن عودة الإسلاميين إلى الساحة قد يوازن الأمور.
ـ لم يكن بإمكان أربكان أن يتقدم للحصول على ترخيص للحزب الجديد حيث تقدم عنه كل من:
1 ـ عبد الكريم دوغر: مدير شركة الآزوت، والذي صار فيما بعد وزيرًا للتكنولوجيا.
2 ـ طورهان أكيول: وهو من رجال الاقتصاد.
ـ تمَّ تأسيس حزب السلامة فعلاً وبترخيص حكومي في 11/10/1972م.
ـ إثر انتخابات 14/10/1973م شكَّل حزب (*) السلامة مع حزب الشعب ائتلافاً وزاريًّا أحرز فيه أربكان منصب نائب رئيس الوزراء كما نال الحزب سبع وزارات هي وزارات الدولة والداخلية والعدل والتجارة والجمارك والزراعة والتموين والصناعة.
ـ سقطت هذه الوزارة بعد تسعة أشهر ونصف.
ـ انضم حزب السلامة إلى حزب الحركة وحزب العدالة لتشكيل الائتلاف الوزاري الجديد في 1/8/1977م.
ـ في 5/12/1978م طالب المدعي العام التركي فصل أربكان عن حزبه بدعوى أنه يستغل الدين في السياسة وهو أمر مخالف لمبادئ أتاتورك العلمانية.
ـ في 12/9/1980م قاد الجنرال كنعان ايفرين انقلاباً تسلم الجيش بموجبه زمام الأمور في البلاد.
ـ اعتقل نجم الدين مع 33 من قادة حزبه ورجالاته البارزين، وحدد يوم 24/4/1981م موعداً لمحكمة عسكرية.
ـ في الأشهر الأولى من عام 1985م خرج أربكان من السجن ووضع تحت الإقامة الجبرية التي استمرت حتى أواخر العام ذاته، وقد حضر إلى مكة معتمرًا مع بداية عام 1986م، وقد عاود نشاطه من جديد من خلال حزبه الجديد المسمى بحزب الرفاء.
ـ في أوائل عام 1996م استطاع الحزب اكتساح منافسيه في الانتخابات التشريعية في البلاد وبذلك تولى البروفيسور نجم الدين أربكان رئاسة الوزارة للمرة الثانية.
· حسن أقصاي: من كبار رجال حزب السلامة، وقد شغل منصب وزير الشؤون الدينية.
الأفكار والمعتقدات:
· لا يوجد ثمة خلاف بين أفكار حزب النظام الوطني وأفكار حزب السلامة ذلك لأن تغيير الاسم لم يكن غير أمر شكلي.
· ترتكز أهداف حزب السلامة على خمسة مبادئ:
ـ السلام والأمن في الداخل.
ـ امتزاج الأمة بالدولة.
ـ تركيا الكبيرة من جديد.
ـ النهضة الأخلاقية.
ـ النهضة المادية.
· في 26/4/1980م ألقى نجم الدين أربكان خطاباً أمام البرلمان التركي دعا فيه إلى:
ـ أمم متحدة للأقطار الإسلامية.
ـ سوق إسلامية مشتركة.
ـ إنشاء عملة إسلامية واحدة (الدينار الإسلامي) .
ـ إنشاء قوة عسكرية تدافع عن العالم الإسلامي.
ـ إنشاء مؤسسات ثقافية تبني الوحدة الثقافية والفكرية على أساس المبادئ الإسلامية.
· من آراء وأفكار الحزب الأخرى:
ـ ضرورة عودة المؤسسات المهمة التي تكرس العقيدة الإسلامية.
ـ العمل على إرجاع الناس إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
ـ الحكم وسيلة لمرضاة الله وخدمة للأمة.
ـ إصلاح التعليم ليكون أداة موجهة إلى الأخلاق الفاضلة.
ـ افتتاح المصانع في الأناضول واستيعاب الشباب للعمل فيها بدلاً من
هجرتهم للعمل في أوروبا مما يفقدهم دينهم وأخلاقهم.
ـ ضرورة مقاطعة السوق الأوروبية المشتركة.
ـ إصلاح جهاز الإعلام ليخدم مصالح الأمة وينمي ثقافتها.
ـ لابد من قيام التصنيع الثقيل وكذلك التصنيع الحربي.
· أثناء مشاركة الحزب في الحكم رفع شعار "مصنع لكل ولاية" وقد وضع هذا الشعار موضع التنفيذ لكنه لم يمهل ليتم إنجازه الذي بدأ به ومن تصوراته:
ـ فتح عدد كبير من المدارس للأئمة والخطباء.
ـ تدريس مادة الأخلاق (*) في المدارس واعتبارها مادة إجبارية.
ـ السماح للأتراك بالسفر برًّا إلى الحج.
ـ العفو السياسي والذي يشمل الإسلاميين.
ـ الدعوة إلى إلغاء الربا بكل أشكاله.
ـ الدعوة إلى عودة الكتابة بالحروف العربية وإقصاء الكتابة بالحرف اللاتيني.
ـ بناء المساجد في المدن والقرى وتشكيل إدارة قوية للأوقاف الإسلامية.
ـ مناصرة القضية الفلسطينية واعتبارها قضية إسلامية، وقد ظهر ذلك في:
1 ـ الوقوف ضد التوجه الإسرائيلي في الحكومة التركية.
2 ـ المطالبة بقطع علاقات تركيا مع إسرائيل إثر إطلاق دعوتها إلى نقل العاصمة إلى القدس.
3 ـ الفوز بالاقتراع على حجب الثقة عن وزير الخارجية التركي خير الدين أركمان وإقالة هذا الوزير من منصبه بسبب ولائه الشديد للغرب ولإسرائيل.
4 ـ مؤتمر قونية الإسلامي الذي خرج فيه مائة ألف مسلم يوم 6/9/1980م وهم يرددون شعارات إسلامية يطالبون فيها بتطهير القدس من اليهود ويطالبون بفتح باب الجهاد (*) من أجل تحريرها.
5 ـ فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في تركيا.
6 ـ الإشادة بالمواقف المشرفة التي وقفها السلطان عبد الحميد من القضية الفلسطينية.
ـ تنمية شعور الاعتزاز بالانتماء إلى أمة الإسلام.
ـ التأكيد على أن (اليمين واليسار والوسط) إنما هي أوجه مختلفة لعملة علمانية واحدة تقف على قدم واحدة أمام التيار الإسلامي، وترسيخ فكرة أن
حزب (*) العدالة ليس بأقل شرًّا ولا أهون خطباً من حزب الشعب في موقفهما المعادي للإسلام.
· قال أربكان مرة: "إنهم قد اتهمونا بالرجعية والتخلف، لكنهم يخجلون إذا علموا أن نواب حزب السلامة في البرلمان وهم خمسون نائباً يشكلون 95% من مثقفي المجلس".
· تصدى الحزب للماسونية وطلب إعادة النظر في محافلها وعمل على الكشف عن حقيقتها المعادية للدين (*) والوطن.
· في الفترة التي شارك فيها الحزب في السلطة تدخلت القوات التركية وأحرزت نصراً عسكريًّا مؤزراً في قبرص.
· دعا الحزب إلى العمل من أجل تغيير الدستور التركي الكمالي.
· في يناير 1975م استصدر الحزب من البرلمان قانوناً يجيز لبني عثمان العودة إلى ديارهم بعد أن طردوا منها منذ صدور قرار 3/3/1924م عقب استيلاء أتاتورك على الحكم.
· هناك صحيفتان تعبران عن وجهة نظر الحزب (*) هما: مللي جازيت وبني دور.
· يؤخذ على الحزب أنه يعنى بالتجميع والكثرة العددية على حساب الاهتمام بنشر التوحيد الخالص والعقيدة السلفية، التربية والعمل الهادئ.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· أفكارهم ومعتقداتهم سنية في جوهرها ومستمدة في كثير منها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
· استفاد حزب السلامة من الشعور الديني المتنامي الذي هيأته جماعة النور وعملت على ترسيخه والمحافظة عليه في تركيا وذلك على الرغم من أن أنصار النور لم يلتحقوا جميعاً بالحزب الجديد.
· يعد حزب السلامة امتداداً لحزب النظام الوطني، وحزب الرفاه الحالي امتداداً لهما جميعاً.
· إن الأراضي التركية هي مسرح هذا الحزب (*) الإسلامي الذي يسعى إلى
إيقاظ الروح الإسلامية والمحافظة على التراث الإسلامي فيها بعد أن كادت هذه الجذوة أن تنطفئ بسبب التغريب والعلمنة.
· لقد زاد عدد المدارس الإسلامية بسبب حزب السلامة ليصل إلى 2800 مدرسة لتحفيظ القرآن، وبلغ عدد مدارس الأئمة والخطباء 172مدرسة، وأربعة معاهد عليا يدرس بها 24ألف طالب فضلاً عن 5000 مدرس لتدريس مادة الأخلاق (*) والتي هي في جوهرها مادة الدين (*) في تركيا.
ويتضح مما سبق:
أن حزب السلامة الوطني أو ما يعرف الآن بحزب الرفاه، رغم أنه لا يحمل لافتة أو تسمية إسلامية، بسبب أنظمة تركيا العلمانية، التي لا تسمح بالترخيص لأي حزب أو جماعة دينية، إلا أنه يتبنى أيديولوجية (*) إسلامية تقوم على الإيمان بالله والاهتمام بالأخلاق والاعتزاز بحضارة الإسلام والعودة بتركيا إلى تراثها الإسلامي. (مع التنبه إلى المؤاخذات التي سبقت الإشارة لها) .
مراجع للتوسع:
ـ العلمانية وآثارها على الأوضاع الإسلامية في تركيا، عبد الكريم مشهداني، منشورات المكتبة الدولية بالرياض، مكتب الخافقين بدمشق، ط1، 1403هـ/ 1983م.
ـ الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا، مصطفى محمد، ألمانيا الغربية، ط1، 1404هـ/1984م.
ـ الموسوعة الإسلامية "جزءان"، فتحي يكن، دار البشير، عمان، ط1، 1403هـ/1984م.
ـ مجلة الشهاب البيروتية، العدد الخامس، السنة التاسعة، 1974م.
ـ مجلة الشهاب البيروتية، العدد السادس، السنة التاسعة، 1975م.
ـ مجلة المجتمع الكويتية، العدد 296، السنة السابعة، أبريل 1976م.
ـ صحيفة الميثاق المغربية، العدد 291، ربيع الثاني، 1399هـ.
ـ مجلة القبس الكويتية، 12 أبريل 1977م، وهي تنقل عن صحيفة انجلس تايمز.
الحزب الإسلامي الكردستاني
التعريف:
الحزب الإسلامي الكردستاني: حزب (*) سياسي إسلامي يهدف إلى تكوين دولة إسلامية في منطقة كردستان، ورفع الظلم والتمزق الواقع على الأكراد خاصة ومحاربة المخططات الاستعمارية تجاههم.
نظرة جغرافية وتاريخية:
· تقع كردستان (أرض الأكراد) في كل من تركيا وإيران والعراق وسورية والاتحاد السوفيتي السابق. وتبلغ مساحتها نصف مليون كيلومتر مربع تقريباً. وعدد سكانها 40 مليون نسمة يدين أكثرهم بالإسلام ـ وهم سنَّة ـ وتوجد أقليات كردية في كل من باكستان وأفغانستان والسودان.
· تمتاز كردستان بثروتها النفطية والمعدينة والحيوانية والمائية، إذ يمر فيها أنهار دجلة والفرات وآراس والخابور.
· يتكلم الأكراد اللغة الكردية التي تنتمي إلى مجموعة اللغات الإيرانية، التي تمثل فرعاً من أسرة اللغات الهندية وأوربية التي تضم: الكردية والفارسية والبشتو والطاجيكية. وتكتب اللغة الكردية في إيران والعراق بالحرف العربي، وفي تركيا وسورية بالحرف اللايتني، وفي الدولة التي تسلل إليها الاتحاد السوفيتي بالحرف الروسي.
· تعد كردستان مهد البشرية (في الجودي، بعد الطوفان) وفي القرن السادس قبل الميلاد سقطت مملكة ميديا الكردية على أيدي الفرس الأحمينيين.
· وفي عام 18 من الهجرة النبوية دخل الإسلام إلى كردستان على يد عياض بن غنم رضي الله عنه واستمر الأكراد منذ ذلك التاريخ حماة الإسلام وحملته، فكان منهم صلاح الدين الأيوبي هازم الصليبيين.. ومنهم العلماء والمصلحون أمثال ابن تيمية وابن حجر وابن الصلاح وغيرهم كثير.
· قسمت كردستان بعد الحرب العالمية الأولى ووزعت على العراق وسورية وتركيا وإيران وروسيا.
· اتبعت الدول المذكورة فيهم سياسة التتريك والتغريب والتفريس مع محاولة القضاء على إسلامهم وشجاعتهم، بإثارة النزعات القبلية ونشر الأفكار الماركسية والعلمانية فيهم.. ولم يخضع الأكراد لهم فقامت ثورات لم تنطفئ شعلتها حتى يومنا هذا وأهم هذه الثورات:
ـ في تركيا:
1 ـ ثورة الشيخ سعيد بيران سنة 1925م.
2 ـ ثورة الجنرال إحسان نوري باشا سنة 1927 ـ 1930م.
3 ـ ثورة وبرسم سنة 1937م.
ـ وفي إيران:
ـ ثورة قاضي محمد وجمهورية مهاباد الكردية سنة 1945م.
ـ وفي العراق:
1 ـ ثورة الشيخ محمود الحفيد سنة 1920 ـ 1930م.
2 ـ ثورة الشيخ أحمد البرزاني سنة 1931م.
3 ـ ثورة الملا مصطفى البرزاني سنة 1935 و 1943م.
وانتهت ثورة البرزانيين سنة 1975م بعد اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
اجتمع بعض الإسلاميين الأكراد، في موسم الحج بتاريخ 11/12/1400هـ في مكة المكرمة، وتباحثوا في قضية شعبهم الكردي المسلم، وما أصابهم من تمزق ودمار وهلاك على يد السلطات في البلاد الموزعين فيها.. ومحاولة القضاء عليهم بكافة السبل وبمختلف الحجج الواهية.
وتبع ذلك قيام حركات وطنية وقومية غلب على كثير منها طابع العلمانية الاشتراكية، فكانت في حال عداء للإسلام. وقد أدى هذا إلى تشويه سمعة الأكراد في النصف الثاني من هذا القرن، من خلال ما كانت تطرحه الأحزاب (*) من إلحاد (*) ومخالفات للدين (*) واستخفاف به أو إهمال له. وكان من المحزن أن يضطر كثير من المتدينين إلى الالتحاق بتلك الأحزاب بسبب عدم وجود البديل الإسلامي الكردي.
وقد وجد المجتمعون الحاجة ماسة إلى إقامة حزب (*) إسلامي في كردستان يشعر بآلام الشعب الكردي المسلم، ويحل عقده ويحمل عنه بعض همومه ومشاكله، ويطلق طاقاته نحو بناء الدولة المسلمة التي تحمل شعار الإسلام ديناً ودولة، وتطبق الإسلام في
جميع مجالات الحياة.. وقرر المجتمعون تأسيس هذا الحزب الذي أطلقوا عليه "بارتيا إسلامياً كردستاني"(الحزب الإسلامي الكردستاني) .
وعقب هذا الاجتماع عقد أربع مؤتمرات عامة للحزب خارج كردستان، وفي المؤتمر الأخير منها قررت المبادئ الأساسية لفكر الحزب وحركته، كما تقرَّر النظام الداخلي، الذي اعتمد فتح مكاتب للحزب في أوروبا وأمريكا الشمالية.
وتم إصدار مجلة جودي الناطقة باسم الحزب باللغات العربية والتركية والكردية. و"جودي هو الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام وموطنه كردستان، وهو يعد مهد البشرية الثاني بعد الطوفان حيث انطلقت البشرية من سفوحه لتعمر شتى بقاع الأرض.
· ومن أبرز شخصيات الحزب، كما وردت في كتب صدرت عن القضية الكردية عربية وأجنبية، هي:
ـ الدكتور مظفر من العراق.
ـ الدكتور صالح كابوري من سوريا.
ـ أسروان من الولايات المتحدة الأمريكية.
ـ م. الكردي من السودان.
ـ م. كزب شوتي من تركيا.
الأفكار والمعتقدات:
· الشعب الكردي المسلم جزء من الأمة الإسلامية الواحدة، وكردستان المسلمة جزء من دار الإسلام الكبرى، وهي وطن الشعب الكردي تاريخيًّا وجغرافياً، وتشمل تلك الأرض التي يكوِّن الكرد غالبية سكانها.
· الشعب بيده السلطات: الاجتهادية والتنفيذية والقضائية. ومصدر التشريع كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينوب عن الشعب في حمل سلطاته مجلس الشورى المنتخب من قبل الشعب.
· الكليات التي تراها السلطات للمجتمع حفظاً وتكميلاً وتحسيناً هي: الدين (*) والعقل (*) والعرض والنفس والمال. والخصوصيات التي ترعاها للأفراد كل الحاجات المادية وبناء العلاقات بين أفراد المجتمع على الأخلاق الإسلامية الصحيحة.
· الدعوة لنشر الإسلام لا تكون إلا بإقناع العقول وتأليف القلوب ولا إكراه في الدين، أما الجهاد (*) فهو القتال في سبيل الله لدفع الظالمين المتكبرين، والدفاع عن المظلومين المستضعفين مسلمين كانوا أو غير مسلمين.
(فالحزب يرى أن الجهاد للدفاع فقط، وهذا غير صحيح؛ بل الجهاد شُرع لنشر الإسلام وإزالة المعوقات التي تحول بينه وبين الناس، ثم لا إكراه في الدين) .
· العلم حق عام، والعلم بأصول الدين فرض عين على المسلمين.
· الحرية (*) حق عام. وهي مصونة في التفكير والتعبير والمعتقد، والتأليف والنشر وتأليف التجمعات النقابية والنسائية ما لم يتعارض شيء من ذلك مع الإسلام.
· المرأة مثل الرجل تتساوى معه في الحقوق والواجبات وفي بناء المجتمع وتوجيهه. والتمييز القائم بينهما مفروض شرعاً بسبب التكوين الخلقي والوظيفة الاجتماعية.
(والصواب أن الإسلام لم يأت بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة؛ بل لكل واحد طبيعته وما يصلح له، فالإسلام دين العدل لا دين المساواة؛ لأن مساواة المختلفين مما يُذم ولا يُمدح) .
· الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع السليم. وينبغي دعم الأسرة وتقوية الروابط بين أفرادها والتشجيع على النسل والزواج بتيسير أسبابه وتوفير مطالبه.
· المسألة الاقتصادية تحل وفق تعاليم الإسلام.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· يرجح الحزب الإسلامي الكردستاني في أصوله الفكرية والعقائدية إلى الإسلام السني بوجه عام.
· أما أصوله الحركية والدعوية فترجع إلى حركة الإخوان المسلمين. (فيلحقه ما يلحقها من مؤاخذات) .
· وفي الفقه يتبع الحزب فقه الإمام الشافعي رحمه الله، الذي هو مذهب عامة الأكراد تقريباً.
· والحزب الإسلامي الكردستاني ليس حزباً قوميًّا كما يوحي اسمه وإن كان هدفهم هو إنشاء دولة إسلامية كردية في منطقة كردستان، تحكِّم الإسلام في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أماكن الانتشار:
ينتشر الحزب الإسلامي الكردستاني في جميع مناطق كردستان في كل من تركيا والعراق وسوريا وإيران.
يتضح مما سبق:
أن الحزب الإسلامي الكردستاني يدين بعقيدة سنية في مجملها، ويظهر هذا في مبادئ الحزب ونظامه الداخلي وتصريحات زعمائه في جميع المؤتمرات التي عقدها. وهو يهدف إلى إقامة دولةٍ إسلامية للجمع بين المسلمين في كردستان، ورفع الظلم عنهم، ومحاربة المخططات الاستعمارية تجاههم، والحزب جزء من الحركة الإسلامية العالمية التي تهدف إلى تحكيم شرع الله في شتى مجالات الحياة.
مراجع للتوسع:
ـ كردستان وطن وشعب بدون دولة: جواد الملا ـ لندن 1985م.
ـ مجلة جودي الصادرة في أوروبا باللغتين العربية والتركية منذ عام 1400هـ والناطقة باسم الحزب الإسلامي الكردستاني.
ـ مجلات وصحف تركية.
ـ نشرات جمعية حقوق الإنسان الكردية ـ في لندن.
ـ محاضر جلسات المؤتمر الإسلامي الأول الذي عقد في كولونيا بألمانيا في 21/1/1990م لبحث القضية الكردية.
ـ محاضر جلسات المؤتمر الإسلامي الأول الذي عقد في لندن عام 1989م، ومؤتمر بشاور عام 1411هـ.
ـ نشرة: تعريف عام بالقضية الكردية وهي التي ألقاها الدكتور محمد صالح، أحد مؤسسي الحزب الإسلامي الكردستاني في المؤتمر السنوي الثالث عشر لرابطة الشباب المسلم العربي في 22/12/1990م في الولايات المتحدة الأمريكية.
مراجع أجنبية:
Lothar A. Heinrich Die Kurdische Nationalbewegung in der Turkei. 1989 Hambery.
(وقد ألف هذا الكتاب وقدمهُ لإحدى الجمعيات الاستشراقية) .
الجبهة الإسلامية القومية بالسودان
التعريف:
الجبهة (*) الإسلامية القومية: حركة إسلامية انبثقت من حركة (*) الإخوان المسلمين، واستقطبت بعض القوى الإسلامية في السودان لتكوين جبهة واحدة ضد الأحزاب (*) الأخرى، ثم بدأت تنحو منحاً بعيداً نسبيًّا عن منهج الإخوان المسلمين.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· مؤسس هذه الحركة هو الدكتور حسن عبد الله الترابي، من مواليد قرية ود الترابي بمقاطعة الجزيرة بالسودان 1932م. تلقى من والده علوم العربية والفقه، وأصول الأحكام وفقه المذاهب وعلوم القرآن والتفسير وقد حفظ القرآن ببضع قراءات.
ـ عمل محاضراً ثم عميداً لكلية القانون بجامعة الخرطوم، ثم نائباً عاماً ثم وزيراً للعدل، وأخيراً رئيساً للبرلمان السوداني.
ـ يتكلم ويكتب الإنجليزية والفرنسية ويقرأ الألمانية.
ـ قاد الحركة الإسلامية في السودان منذ الستينات كمراقب عام للإخوان المسلمين.
ـ اختير كأمين عام لجبهة الميثاق الإسلامي 1964م ـ 1969م والجبهة الإسلامية القومية 1985 ـ 1989م.
ـ تعرض في مجال العالم الإسلامي للحبس التحفظي لفترات تجاوزت السبع سنوات.
ـ نشرت له عدة مؤلفات في قضايا الدين والعبادة، والمرأة والمجتمع، والتجديد والدستور والحكم، وقضايا إسلامية وسياسية شتى.
للدكتور الترابي عدد من الآراء والانحرافات التي خالف فيها أحكام الإسلام وكانت سبباً في كثير من النقد الموجه للدكتور الترابي خاصة، ولأفكار الجبهة بصفة عامة.
تطور الحركة:
يرى أنصار الجبهة أنها أخذت عدة مراحل أو عهود حتى ظهرت بالشكل التالي ويمكن تلخيص أهم هذه العهود كالتالي:
· عهد التكوين: امتد هذا العهد منذ عام 1949م، وحتى عام 1955م، حيث تأسست رسميًّا بمؤتمر جامع عام 1954م، وكان كل اعتمادها على حركة الإخوان المسلمين بمصر في الثقافة والتنظيم والبناء الفردي والجماعي.
· عهد الظهور الأول: ويمتد من عام 1956م حتى عام 1959م، وهو عهد ما بعد الاستقلال في السودان، وفي هذا العهد ظهرت الدعوة لأول مرة بالصحف والخطب، وبرز الدعاة، وكانت القضية الأولى التي شغلت الحركة في هذا العهد هي قضية الدستور الإسلامي.
· عهد الكمون الأول: ويمتد من عام 1959م، وحتى 1964م. وهي فترة سلطة الفريق عبّود وزمرته العسكرية: وقد تخرجت في هذا العهد قيادات إسلامية كثيرة، ونشطت الحركة العمالية والنقابية.
· عهد الخروج العام: 1964 ـ 1969م: وهو عهد ثورة أكتوبر وقد أصبحت فيه الحركة محوراً لولاء شعبي منظم لأول مرة، فأقامت جبهة الميثاق الإسلامي، مؤسَّسةً على منهاج مكتوب وضعته الجماعة، وجمعت حوله الجماعات الإسلامية والأفراد في حركة (*) سياسية موحدة، وجرت فيه أكبر الحملات السياسية، وهي حملة الدستور الإسلامي.
وفي أواخر هذا العهد استفحلت الثنائية في الحركة الإسلامية بين التنظيم الأم الداخلي وبعض جبهاته الخارجية، إلا أن الحركة توحدت بعد ذلك وحسمت خلافاتها.
· عهد المجاهدة والنمو: 1969 ـ 1977م: وهو عهد الشطر الأول من سلطة جعفر نميري ونظام مايو، الذي أجهض الديمقراطية، والقوى الوطنية والحركة الإسلامية بدافعٍ من الشيوعية والقوى القومية العربية، فتعرضت الحركة لابتلاءات شديدة واضطهادات واعتقالات وتصفيات وإعدامات. وفي ظروف الاعتقال أصَّلت الحركة عملها في مجال الاعتقاد ونشر الدعوة وقضية المرأة.
· عهد المصالحة والتطور: 1977 ـ 1984م: وهو عهد مايو الأخير حيث بدأ نظام المصالحة الوطنية، وتصفية اتجاهات جعفر نميري اليسارية، وبدء الاتجاه إلى
الإسلام. وفي هذا العهد بدأ الوعي بقضية الجنوب في السودان، وتوجهت عناصر من الحركة (*) لتأسيس (منظمة الدعوة الإسلامية) لتُعنى بنشر الإسلام في المناطق المسلمة في السودان من خلال الدعوة والخدمة الاجتماعية.
وفي هذا العهد أيضاً نشط العمل النسوي، ودخلت المرأة بشكل كامل في الحركة الإسلامية.
وفي آخر هذا العهد كان تطبيق الشريعة الإسلامية (*) ، الذي أعلنه نميري وساعده الترابي فيه بقوة.
· عهد النضج: 1984 ـ 1987م: وفي هذا العهد بلغت الحركة من الوعي بذاتها وبالواقع من حولها قدراً كبيراً، وتأسست في هذا العهد (الجبهة (*) الإسلامية القومية) بناء على القاعدة الشعبية التي تعبَّأت منذ بدء تطبيق الشريعة.
الأفكار والمعتقدات:
· حركة الجبهة الإسلامية القومية، حركة إسلامية، أخذت جميع أفكارها الأصولية من حركة الإخوان المسلمين، وتربى أفرادها على مؤلفات الأستاذ البنا، وسيد قطب، ومحمد الغزالي، وأبو الأعلى المودودي، ومالك بن نبي
…
إلخ.
· من خصائص فكرة الدعوة في الجبهة نرى أنه:
ـ فكر مرتبط بالهوية الإسلامية، والبعد عن الانتماء إلى الولاءات الأخرى.
ـ فكر إحياء لمجد الإسلام، وذلك بإتمام الدين وإقامة جوانبه التي أُميتت أو ضعفت.
· موقف الحركة من الحرية والسلطة كان موقفاً وسطاً، فقد رحبت بالنظام الديمقراطي التعددي على عِلَاّته.
· وضعت استراتيجية استيعاب المجتمع، ومنافسة الأحزاب التقليدية ذات الولاء الجماهيري العريض. وفي هذا السبيل بدَّلت لوائح العضوية، فتجاوزت منهج الانتقاء الفردي، وأصبح متاحاً للناس أن يدخلوا في الجماعة أفواجاً لا أفراداً؛ فقد تدخل القبيلة والطائفة والفرقة كما يدخل الأفراد ولا يترتب عليهم في ذلك أدنى حرج، حتى لو دخلوا بما يحملون من ولاءات فرعية في الطرق الصوفية أو القبائل أو الأحزاب الفكرية والسياسية، إذا جعلوا الولاء الأعلى للجبهة الإسلامية.
وبهذا تحاول الجبهة (*) الإحاطة بالمجتمع التقليدي في السودان وأن توحِّده كله في إطارها.
ـ استفادت الجبهة الإسلامية القومية كثيراً من فكر التنظيم الأوروبي وتجاربه، فهو فكر إداري متقدم جدًّا ـ كما يقول الترابي ـ ولكنه ليس بديلاً للفكر الإسلامي.
· سادت الحركة روحُ الاجتهاد (*) وعلت فيها الصيحة لتجديد الدين (*) مما أوقعها في عدد من الانحرافات.
· تتجنب الحركة الجدال والمراء مع الاتجاهات الإسلامية الأخرى في المجتمع، وذلك في سبيل تأليف الجبهة الإسلامية الواحدة.
· المرأة لها دور فعال في الجبهة، وهي تقوم بأعمال كثيرة في مجال الدعوة والتنظيم والتعليم والجهاد، وعدد النساء يضاهي عدد الرجال في الحركة.
· وضعت الجبهة برنامجاً ثقافيًّا لإعداد الداعية المسلم، ضم البرنامج تسع فقرات وهي:
ـ علوم القرآن. ـ السنة النبوية. ـ السيرة النبوية.
ـ العقيدة. ـ الفقه. ـ أصول الفقه.
ـ التاريخ الإسلامي. ـ دراسات سودانية. ـ اللغة العربية.
ووزعت البرنامج على ثلاث مستويات متدرجة في أخذ البرنامج والاستفادة منه.
الانتشار ومواقع النفوذ:
انتشرت الحركة (*) بشكل واسع في السودان، ولها اتصالات وثيقة بحركة الاتجاه الإسلامي بتونس بشكل خاص، وقد ساندت الحركة الانقلاب العسكري الذي أتى بحكومة الفريق البشير إلى السلطة وهي الآن ساعدُ النظام الأيمن.
يتضح مما سبق:
أن الجبهة الإسلامية القومية في السودان، هي جبهة واحدة انبثقت من حركة الإخوان المسلمين، ولكنها الآن تعتبر تنظيماً مستقلاً عنها. فهي جبهة واحدة ضد كل الأحزاب تعمل لخدمة الإسلام باجتهادها الخاص. ومما يُؤسَف له أنها وقفت إلى جانب العراق البعثي المعتدي في أزمة الخليج رغم مواقفه المعروفة ضد الإسلام ورغم تناقض اتجاهاته مع الاتجاه العقائدي للجبهة، لتناقض القومية العربية مع عالمية الإسلام. ويبدو أن فكر الجبهة قد اتجه أخيراً إلى اتخاذ الانقلاب العسكري وسيلةً لاستلام السلطة، وهذا التفكير يتعارض مع ما يذهب إليه بعض
المفكرين الإسلاميين.
مراجع للتوسع:
ـ انحرافات الترابي، (ملف منوع يحتوي على ردود العلماء والدعاة عليه)، إعداد: سليمان الخراشي، منشور في موقع (صيد الفوائد) .
ـ الحركة الإسلامية في السودان، د. حسن الترابي.
ـ تجديد الفكر الإسلامي، د. حسن الترابي.
ـ البرنامج الثقافي للجبهة الإسلامية القومية، إصدار الجبهة الإسلامية القومية.
ـ الأصول الفكرية والعملية لوحدة العمل الإسلامي، إصدار الحركة الإسلامية بالسودان 1976م.
ـ شرح نظام الأحكام القضائية الإسلامي السوداني، د. محمد شتا أبو سعد 1985م، مطبعة جامعة القاهرة.
ـ حوار هادئ مع الترابي، الأمين الحاج.
حماس (حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين)
التعريف:
حماس حركة (*) إسلامية جهادية فلسطينية، نشأت في مدينة غزّة بفلسطين، ثم انتشرت في كافة أرجاء الأرض المحتلة. وكما جاء في ميثاق الحركة الذي أصدرته في 1 محرم 1409هـ 18/8/1988م، فإنها تعد جناحاً من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· أعلنت حماس في بيانها الأول الذي صدر يوم 14 كانون الأول ديسمبر 1987م بأنها الذراع الضارب لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين المحتلة، وهددت العدو اليهودي بأنها ستقابله بعنف أشد كلما اشتد عنفه.. مؤكدة أن الإسلام هو الحل العملي لقضية فلسطين، وأنها ترفض إضاعة الجهد والوقت في الركض وراء الحلول السلمية والمؤتمرات الدولية الفارغة.
· من أكبر ما قامت به حركة حماس، هو تفجيرها الانتفاضة الباسلة التي أطلق عليها ثورة الحجارة في 8 كانون الأول ديسمبر 1987م، وقدمت مئات الشهداء والسجناء ولا زالت تقدم
…
وتقول الحركة إنها لن توقف ثورتها حتى تحرر فلسطين من رجس اليهود.
· ومن أبرز شخصياتها التي أعلنت حتى الآن:
ـ الشيخ أحمد ياسين: وهو رجل مقعد، ويعد المؤسس لحركة حماس وقائدها الأول، قبض عليه اليهود عام 1984م في غزة لوجود أسلحة في منزله كانت معدة للمواجهة العسكرية مع الصهاينة وحكم عليه بالسجن عدة سنوات. ثم اغتاله اليهود أخيرًا رحمه الله.
ـ الأستاذ خليل القوقا. أحد قادة حماس، وقد أبعدته سلطات الاحتلال اليهودي بعد الانتفاضة إلى خارج فلسطين المحتلة.
الأفكار والمعتقدات:
· إن أفكار ومعتقدات حركة (*) حماس تتمثل في ميثاقها الأول الذي أعلنته يوم 1
محرم 1409هـ/ 15/8/ 1988م. ويمكن أن نجملها فيما يلي:
ـ حركة المقاومة الإسلامية: الإسلام منهجها (*) ، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان وإليه تحتكم في كل تصرفاتها ومنه تستلهم ترشيد خطاها (المادة الأولى) .
ـ حركة المقاومة الإسلامية: حركة إنسانية، تلتزم بسماحة الإسلام، وترى أنه في ظل الإسلام يمكن أن يتعايش أتباع الديانات جميعاً. آمنين على أنفسهم وأموالهم وحقوقهم.
ـ إن أرض فلسطين وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط فيها أو في جزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها، ولا تملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية ولا يملك ذلك ملك أو رئيس أو كل الملوك والرؤساء، ولا تملك ذلك منظمة أو كل المنظمات سواء كانت فلسطينية أو عربية.
ـ جهاد اليهود في فلسطين فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وتخرج المرأة للقتال بغير إذن زوجها.. ولا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد (*) .
ـ معارضة المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية للقضية الفلسطينية فهي مضيعة للوقت، وعبث لا طائل منه.
ـ للمرأة المسلمة دور في معركة التحرير لا يقل عن الرجل، فهي مصنع الرجال ومربية الأجيال على القيم والمفاهيم الأخلاقية المستمدة من الإسلام.
ـ احترام الرأي الآخر في الحركات الإسلامية الأخرى ما دامت تصرفاتها في حدود الدائرة الإسلامية.
· وهذا الميثاق يتكون من 36 مادة من أهمها اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية من أقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية ولكنها لا توافقها في تبنيها للفكرة العلمانية.
الجذور الفكرية والعقائدية:
أعلنت حماس في ميثاقها (المادة الثانية) : أنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، فجذورها الفكرية والعقائدية تمتد ضمن التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة. (ويلحقها ما يلحق جماعة الإخوان من مؤاخذات) .
ويتضح مما سبق:
أن حركة حماس (*) إسلامية جهادية فلسطينية، نشأت في غزة بفلسطين ثم انتشرت في كافة أرجاء الأرض المحتلة، وقائدها الأول هو الشيخ أحمد ياسين
ر رحمه الله، وتتخذ الحركة من الإسلام منهجاً لها. وهي حركة إنسانية تلتزم بسماحة الإسلام وترى أنه في ظل الإسلام يمكن أن يتعايش أتباع الديانات جميعاً. كما أن أرض فلسطين تعتبر أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة ولا يصح التفريط فيها أو في جزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها، فلا تملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية، وجهاد (*) اليهود في فلسطين هو فرض علين على كل مسلم ومسلمة.
مراجع للتوسع:
ـ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين. لأحمد عز الدين، دار التوزيع والنشر الإسلامية ـ القاهرة.
ـ ميثاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) .
ـ بيانات الحركة التي تصدر تباعاً.
ـ مجلة الدعوة السعودية (13/10/1409هـ) .
ـ مجلة المجتمع الكويتية التي نشرت عدة مقابلات مع قادة (حماس) المبعدين عن فلسطين المحتلة.
ـ حماس حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين، للدكتور عبد الله عزام ـ دار الهدى.
الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر
التعريف:
هذه الجبهة (*) حركة إسلامية سلفية (*) في جوهرها، تنادي بالعودة على الإسلام، باعتباره السبيل الوحيد للإصلاح والقادر على إنقاذ الجزائر مما تعانيه من أزمات اجتماعية، واقتصادية، واستعمار (*) فكري وثقافي، والمؤهل للحفاظ على شخصية الشعب الجزائري المسلم بعد احتلال دام 132 سنة وترك انعكاسات حضارية عميقة لفّت البلاد كلها بظاهرة التغريب والفَرْنَسة، الأمر الذي حفز ثلة من العلماء آلمهم تردِّي الأحوال إلى التحرك لإثارة الضمير الجزائري والاتجاه إلى الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· قبل إعلان تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في عام 1989م كانت هناك أنشطة دعوية وأحداث وتجمعات إسلامية عُدَّتْ إرهاصات لقيام جبهة الإنقاذ:
ـ في نهاية السبعينات بدأ الظهور العلني لشباب الإسلام في الجامعات الجزائرية وغيرها وتقاسم العمل الإسلامي المنظم في مدة ما قبل 1988م ثلاث جماعات وهي: جماعة الإخوان الدوليين بقيادة الشيخ محفوظ نحناح وجماعة الإخوان المحليين بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله، وجماعة الطلبة أو جماعة مسجد الجامعة المركزي أو أتباع مالك بن نبي بقيادة الدكتور محمد بوجلخة ثم الشيخ محمد السعيد.
ـ في 12 نوفمبر 1982م اجتمع مجموعة من العلماء منهم: الشيخ أحمد سحنون والشيخ عبد اللطيف سلطاني والدكتور عباسي مدني ووجهوا نداءً من 14 بنداً يطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ويشجب تعيين نساء وعناصر مشبوهة في القضاء، ويدعو إلى اعتماد توجه إسلامي للاقتصاد، ويرفض الاختلاط في المؤسسات، ويدين الفساد، ويطالب بإطلاق سراح المعتقلين ويندد بوجود عملاء أعداء للدين في أجهزة الدولة.. إلخ (انظر فقرة الأفكار والمعتقدات) .
· الشيخ أحمد سحنون، أحد تلاميذ الإمام عبد الحميد بن باديس، وقد شارك في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، ودعا بعد الاستقلال إلى تحكيم الإسلام؛ لأن
الجزائر دولة إسلامية، وتولى تخريج مجموعات من الدعاة والعلماء. وبعد توقيعه على البيان الآنف الذكر. اعتقل ووضع رهن الإقامة الجبرية حتى عام 1984م.
· ثم تم تأسيس (رابطة الدعوة) 1989م برئاسة الشيخ أحمد سحنون وذلك لأنه أكبر الأعضاء سناً حيث كان عمره 83 عاماً وكانت الرابطة مظلة للتيارات الإسلامية كلها، ومن بين أعضاء رابطة الدعوة: محفوظ نحناح، وعباسي مدني، وعبد الله جاب الله، وعلي بلحاج، ومحمد السعيد.
ومن أبرز أهداف رابطة الدعوة ما يلي:
ـ إصلاح العقيدة.
ـ الدعوة إلى الأخلاق الإسلامية.
ـ تحسين الاقتصاد المنهار في الجزائر.
ـ النضال على مستوى الفكر.
· دارت حوارات عديدة في (رابطة الدعوة) كان من نتيجتها بروز تيارات متعددة أهمها:
ـ دعوة الشيخ الشاب علي بلحاج إلى تشكيل (الجبهة الإسلامية الموحدة) إلا أن الدكتور الشيخ عباسي مدني اقترح لها اسماً آخر هو (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، معللاً هذه التسمية: بأن الجبهة تعني المجابهة، والاتساع لآراء متعددة، وهذه الجبهة (إسلامية) لأنه هو السبيل الوحيد للإصلاح والتغيير (وإنقاذ) مأخوذ من الآية (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) [سورة آل عمران، الآية: 103) .
ـ بينما رفض الشيخ محمد السعيد تشكيل الجبهة ابتداء ثم التحق بها بعد الانتخابات البلدية.
ـ ورفض محفوظ نحناح أيضاً فكرة الجبهة (الحزب) في البداية.. ثم أسس حركة المجتمع الإسلامي كما أسس عبد الله جاب الله حركة النهضة الإسلامية.
· وتم الإعلان الرسمي عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مطلع عام 1989م، وذلك بمبادرة من عدد من الدعاة المستقلين من بينهم الدكتور عباسي مدني الذي أصبح رئيسًا للجبهة ونائبه الشيخ علي بلحاج.
· الدكتور عباسي مدني: ولد سنة 1931م في سيدي عقبة جنوب شرقي الجزائر، ودرس في المدارس الفرنسية في صغره إبان الاستعمار الفرنسي، ثم في مدارس جمعية العلماء، وتخرج من كلية التربية، ثم انخرط في جهاد (*) المستعمر الفرنسي، واعتقل
وقضى في السجن سبعة أعوام، وبعد الاستقلال وخروجه من السجن أرسلته الحكومة إلى لندن 1975 ـ 1978م ليحصل على الدكتوراه في التربية المقارنة. ثم عاد إلى الجزائر ليقوم بالتدريس في الجامعة، وقد شارك العلماء في النداء الذي وجهوه إلى الحكومة في 1982م، مطالبين بالإصلاح وتطبيق الشريعة الإسلامية (*) .. وشارك في الأحداث في العام نفسه فاعتقل وسجن.. وقد شكل مع بعض العلماء رابطة الدعوة، ثم الجبهة (*) الإسلامية للإنقاذ، بعد مظاهرات الخبز عام 1988م ـ كما أطلق عليها. وأخيراً اعتقل مرة أخرى هو وكثير من العلماء. ثم أطلق سراحه أخيرًا.
· الشيخ علي بلحاج: ولد في تونس عام 1956م، ثم استشهد والداه في الثورة ضد الاستعمار الفرنسي. درس العربية ودرَّسها، وشارك في الدعوة الإسلامية منذ السبعينات وسجن خمس سنوات 1983م/ 1987م بتهمة الاشتراك وتأييد حركة مصطفى بويعلي الجهادية. تأثر بعلماء من الجزائر ومنهم عبد اللطيف سلطاني وأحمد سحنون وكذلك درس كتابات الشيخ حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة وغيرهم.
ـ انتمى إلى التيار السلفي (*) ، ولذلك لم يتحمس للثورة الإيرانية، وانتقد كتابات الخميني، واعتبر تشيع بعض الجزائريين خطراً على الدعوة الإسلامية يجب التصدي له. انتخب نائباً للرئيس في الجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتقل بعد المظاهرات التي قامت في الجزائر سنة 1988م. ثم أطلق سراحه ثم اعتقل مرة أخرى بعد الإضراب العام الذي دعت إليه الجبهة (*) .
· خاضت الجبهة الانتخابات البلدية في عام 1990م، وحققت فوزراً كبيراً في 856 بلدية، وبعد هذا الفوز بدأ الحزب الحاكم في الجزائر وهو ـ جبهة التحرير ـ يشعر بخطر الجبهة على وجوده في الحكم. وبدأت حكومة الجزائر تضع العراقيل في طريق تقدم الجبهة وأصدرت نظاماً جديداً للانتخابات.
· على إثر ذلك قامت مظاهرات كبيرة تطالب بالإصلاح، انتهت بمصادمات دامية بعد أن قابلتها بإطلاق النار، واعتقل على إثرها عباسي مدني ونائبه بلحاج بتهمة التآمر على أمن الدولة.
· وعلى الرغم من اعتقال زعماء الجبهة، خاضت الجبهة الانتخابات التشريعية لاختيار مجلس الشعب في الجزائر في 26/12/1991م، وحصلت على 188 مقعداً من أصل 228 في المرحلة الأولى، بينما لم يحصل الحزب الحاكم إلا على 16 مقعداً فقط.
ـ عد فوز الجبهة في الانتخابات التشريعية خطراً يهدد الغرب كله (انظر الصحف
الفرنسية والإنجليزية في 1990م) .
ـ بدأت المؤامرات تحاك في الخفاء ضد الجبهة من قبل القوى الصليبية، وبدأت وسائل الإعلام حملة تشويه مركزة على جبهة الإنقاذ.. والمستقبل الأسود الذي ينتظر الجزائر إن حكم رجال الجبهة.
ـ وكان أهم أهداف القوى المعادية للإسلام عدم إتمام المرحلة الثانية من الانتخابات.
· اعتقل الشيخ عبد القادر حشاني الرئيس المؤقت للجبهة في 18 رجب 1412هـ (22/1/1992م) بتهمة تحريض الجيش على التمرد.
ـ ثم بدأت اعتقالات عامة في الجبهة حيث تم اعتقال الآلاف، وهنا دخلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في محنة وصراع مع القوى المعادية للإسلام في الجزائر وخارجه.
· ومن رجال الجبهة أيضاً الذين برزوا خلال الأحداث:
ـ رابح كبير رئيس اللجنة السياسية بالمكتب التنفيذي المؤقت لجبهة الإنقاذ.
ـ الشيخ محمد السعيد وقد برز كخليفة لعباسي مدني وقد اعتقل أيضاً.
ـ الشيخ زبدة بن عزوز عضو مجلس الشورى.
ـ الشيخ يخلف شراطي وهو من خريجي جامعة أم القرى، قتل رحمه الله في سجن سركاجي.
الأفكار والمعتقدات:
· تعتقد جبهة الإنقاذ أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ويشمل جميع مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها
…
وتلتقي الجبهة مع حركة الإخوان المسلمين في بعض مبادئها.
· تؤكد الجبهة أن إطار حركتها ودعوتها هو الكتاب والسنة، في مجال العقيدة والتشريع والحكم. لذا فإن نموذج فكرها هو التيار السلفي في التاريخ الإسلامي.
· قدمت الجبهة مذكرة إلى رئيس الجزائر في 7 آذار مارس 1989م تتضمن مبادئها وبرنامجها السياسي والاجتماعي، وتحوي المذكرة ما يلي:
ـ ضرورة التزام رئيس الدولة بتطبيق الشريعة الإسلامية طالما أنه يحكم شعباً مسلماً.
ـ استقلال القضاء بغرض الحسبة.
ـ إصلاح النظام التعليمي.
ـ حماية كرامة المرأة الجزائرية وحقوقها في البيت ومراكز العمل.
ـ تحديد مجالات للإصلاح، ووضع جدول زمني لذلك.
ـ حل الجمعية الوطنية، والدعوة إلى انتخابات في غضون ثلاثة أشهر.
ـ تشكيل هيئة مستقلة لضمان نزاهة الانتخابات المحلية.
ـ إعادة الاعتبار لهيئة الرقابة المالية.
ـ إعادة النظر في سياسة الأمن.
ـ إلغاء الاحتكار (*) الرسمي لوسائل الإعلام.
ـ وقف عنف الدولة ضد المطالب الشعبية.
ـ وضع حد لتضخم البطالة (*) وهجرة الكفاءات وانتشار المخدرات.
ـ حماية المهاجرين الجزائريين وضمان التعليم الإسلامي لهم وتسهيل شروط عودتهم.
ـ التدخل لدى الصين والهند والاتحاد السوفيتي (سابقاً) وبلغاريا لوضع حد لاضطهاد المسلمين.
ـ وضع خطة لدعم الانتفاضة الفلسطينية ونجدة المجاهدين الأفغان.
· وتتضح أفكار الجبهة ومبادئها في النداء الذي وجهه بعض العلماء كالدكتور عباسي مدني قائد الجبهة (*) ، وهو ما أطلق عليه (نداء 12 نوفمبر 1989م) ، وكذلك من بيانات الجبهة الموجهة للحكومة وللشعب الجزائري، ويمكن إيجازها فيما يلي:
ـ ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية (*) في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والتربوية وغيرها.
ـ توفير الحرية (*) للشعب ورفع الظلم والاستبداد.
ـ اعتماد الاقتصاد الإسلامي ومنع التعامل بالحرام.
ـ إعمال الشريعة في شأن الأسرة ورفض الأسلوب الفرنسي الداعي إلى التحلل.
ـ المطالبة بالاستقلال الثقافي، والتنديد بتزوير مفهوم الثقافة.
ـ إدانة إفراغ التربية والثقافة من المضمون الإسلامي.
ـ شجب استخدام الإعلام من قبل الدولة في مواجهة الصحوة الإسلامية.
ـ معاقبة المعتدين على العقيدة وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
ـ النهوض بالشعب إلى النموذج الإسلامي القرآني السني.
ـ الإشعاع على العقول بأنور الهداية وإنعاش الضمائر بالغذاء الروحي الذي يزخر به القرآن والسنة، وشحذ الإرادة بالطاقة الإيمانية الفعّالة.
ـ العمل بالدين القويم لإنقاذ مكاسب الشعب التاريخية وثرواته البشرية والطبيعية دون إضاعة للوقت.
ـ العمل على وحدة الصف الإسلامي، والمحافظة على وحدة الأمة. قال تعالى:(وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) . [سورة الأنبياء: الآية: 92] وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً".
ـ تقديم بديل كامل شامل لجميع المعضلات الأيديولوجية (*) والسياسية والاقتصادية، والاجتماعية في نطاق الإسلام. قال تعالى:(إن الدين عند الله الإسلام)[سورة آل عمران: الآية: 19) وقال تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) . [سورة الإسراء، الآية:9] .
ـ الإنقاذ الشامل، أسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:(وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) . [سورة آل عمران: الآية: 103] .
ـ تشجيع روح المبادرة وتوظيف الذكاء والعبقرية وجميع الإرادات الخيرة في البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري.
· وقفت الجبهة في وجه مصالح الغرب عامة وفرنسا خاصة وهذه المصالح تتمثل في:
ـ إبعاد الإسلام عن السياسة تماماً.
ـ فتح الأسواق للبضائع الأوروبية والأمريكية.
ـ جر المجتمع الجزائري المسلم للتغريب والإبقاء على الثقافة الفرنسية بكل أشكالها.
· من هنا كان فوز الجبهة في المجالس التشريعية خطراً حقيقيًّا من وجهة نظر الغرب على هذه المصالح، وصرح سيد أحمد غزالي عندما وصلته نتائج الاقتراع "إن الشعب صوّت ضد الديمقراطية (*) " فكان من نتيجة ذلك إلغاء الانتخابات لأنهم يريدون ديمقراطية بدون إسلام، وكذلك تدخل الجيش وفرض الارتداد عن نهج تسليم السلطة سلميًّا للطرف الفائز في الانتخابات وتشكيل جهاز جديد للحكم وتشكيل سلطة مدعومة عسكريًّا، وبدأ اعتقال عناصر الجبهة القيادية والشبابية وإيداعهم في سجون نائية في قلب الصحراء حتى يتوقف المد الإسلامي. وأصدرت المحكمة الإدارية قراراً بحل الجبهة (*) وسحب البساط من تحت أقدامها حتى يمكن اتخاذ كافة الإجراءات لمصادرة نشاطها، ولكن قادة الجبهة يعلنون أن الدولة الإسلامية في الجزائر قائمة لا محالة بهم أو بغيرهم اليوم أو غداً إن شاء الله، وقد استقال الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بعد الفوز
الساحق للجبهة، وتولى الحكم الرئيس محمد بوضياف الذي اغتيل ولا زالت الأحداث تتوالى سراعاً؛ حتى تولى الحكم أخيرًا عبد العزيز بوتفليقة الذي هدأت الأمور في عهده.
الجذور الفكرية والعقائدية:
تعد آراء جمعية العلماء في الجزائر منذ ابن باديس وحتى الإبراهيمي الجذور الفكرية لجبهة الإنقاذ من حيث الرجوع إلى الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح، وكذلك كتابات حسن البنا وسيد قطب وغيرهما من القواعد الفكرية للنهضة الإسلامية التي تعتمدها الجبهة.
مما يؤخذ على الجبهة:
أنها انشغلت بأمور السياسة على حساب التربية، ونشر العقيدة الصحيحة والعلم النافع بين أفراد المجتمع، إضافة إلى تبنيها فكر (التهييج) و (الثورة) المخالف لمنهج أهل السنة في الدعوة. ولعل مآل الأحداث في الجزائر يدفعها إلى إعادة النظر في هذا المسلك الخاطئ، ويعيدها إلى التروي والحكمة والصبر، مع الاستمرار في نشر الخير إلى أن يستريح بر أو يستراح من فاجر.
ويتضح مما سبق:
أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر حركة إصلاح إسلامية سلفية في مجملها، فيها بساطة الإسلام، دعت إلى تحكيم الإسلام في شتى مجالات الحياة، ورأت ضرورة التزام رئيس الدولة بتطبيق الشريعة الإسلامية طالما أنه يحكم شعباً مسلماً، مع إصلاح النظام التعليمي والأمني والإعلامي في ضوء عقيدة الإسلام السمحة. وقد وقفت الجبهة في وجه مصالح الغرب عامة وفرنسا خاصة، وهي المصالح التي تتمثل في إبعاد الإسلام عن السياسة تماماً وفتح الأسواق للبضائع الأوروبية والأمريكية وجرِّ المجتمع الجزائري المسلم صوب التغريب والإبقاء على الثقافة الفرنسية بكل أشكالها وهو ما يرفضه المجتمع الجزائري. ويأخذ عليها الاستعجال وتصعيد الخطاب وصرف المراحل.
مراجع للتوسع:
نظراً لانعدام المؤلفات عن جبهة الإنقاذ وذلك لجدَّتها على الساحة الإسلامية لذلك فإن المراجع الممكنة حاليًّا هي:
ـ الصحوة الإسلامية والعودة إلى الذات. د. مصطفى حلمي.
ـ تأثير السلفية في المجتمعات المعاصرة. د. محمد فتحي عثمان.
ـ عبد الحميد بن باديس رائد الحركة الإسلامية المعاصرة بالجزائر. د. محمد فتحي عثمان.
ـ نماذج من حركات الجهاد الإسلامية الحديثة للأستاذ صفوت منصور "السنوسية ـ الباديسية ـ القسامية".
ـ مجلة البيان: الأعداد 23، 48 (وفيه ملف عن أحداث الجزائر) .
ـ مجلة المجتمع عدد 26/6/1990م.. مقابلة مع نائب رئيس الجبهة الشيخ علي بلحاج.
ـ مجلة الإصلاح العدد 169 (2 رجب 1412هـ) .
ـ جريدة الحياة. الأعداد: 10588، 10589، 10590/ شباط 1992م، شعبان 1412هـ.
ـ لقاء ـ علي بلحاج بالألباني (كاسيت) .
ـ أشرطة تسجيل وخطب جمعة للمشايخ: عبد الوهاب الطريري، سلمان العودة، بشر البشر.
تعريف الصوفية
التعريف:
التصوُّف حركة (*) دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعاتٍ فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرق مميزة معروفة باسم الصوفية، ويتوخّى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف (*) والمشاهدة لا عن طريق إتباع الوسائل الشرعية، ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات (*) الوثنية (*) : الهندية والفارسية واليونانية المختلفة. ويلاحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف أهمها: أن الزهد مأمور به، والتصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطَّه أهل السنة والجماعة.
مقدمة هامة
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· خلال القرنين الأولين ابتداءً من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين حتى وفاة الحسن البصري، لم تعرف الصوفية سواء كان باسمها أو برسمها وسلوكها، بل كانت التسمية الجامعة: المسلمين، المؤمنين، أو التسميات الخاصة مثل: الصحابي، البدري، أصحاب البيعة (*) ، التابعي.
لم يعرف ذلك العهد هذا الغلو (*) العملي التعبُّدي أو العلمي الاعتقادي إلا بعض النزعات الفردية نحو التشديد على النفس الذي نهاهم عنه النبي (*) صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة، ومنها قوله للرهط الذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم:"لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقوله صلى الله عليه وسلم للحولاء بنت نويت التي طوَّقت نفسها بحبل حتى لا تنام عن قيام الليل كما في حديث عائشة رضي الله عنها: (عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملوا، وأحبُّ العمل إلى الله أدْوَمُه وإن قل) .
ـ وهكذا كان عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا المنهج يسيرون، يجمعون بين العلم والعمل، والعبادة والسعي على النفس والعيال، وبين العبادة والجهاد (*) ، والتصدي للبدع والأهواء مثلما تصدى ابن مسعود رضي الله عنه لبدعة (*) الذكر الجماعي بمسجد
لكوفة وقضى عليها، وتصدِّيه لأصحاب معضّد بن يزيد العجلي لما اتخذوا دوراً خاصة للعبادة في بعض الجبال وردهم عن ذلك.
· ظهور العُبّاد: في القرن الثاني الهجري في عهد التابعين وبقايا الصحابة ظهرت طائفة من العباد آثروا العزلة وعدم الاختلاط بالناس فشددوا على أنفسهم في العبادة على نحو لم يُعهد من قبل، ومن أسباب ذلك بزوغ بعض الفتن الداخلية، وإراقة بعض الدماء الزكية، فآثروا اعتزال المجتمع تصوُّناً عما فيه من الفتن، وطلباً للسلامة في دينهم، يضاف إلى ذلك أيضاً فتح الدنيا أبوابها أمام المسلمين، وبخاصة بعد اتساع الفتوحات الإسلامية، وانغماس بعض المسلمين فيها، وشيوع الترف والمجون بين طبقة من السفهاء، مما أوجد ردة فعل عند بعض العباد وبخاصة في البصرة والكوفة حيث كانت بداية الانحراف عن المنهج (*) الأول في جانب السلوك.
ـ ففي الكوفة ظهرت جماعة من أهلها اعتزلوا الناس وأظهروا الندم الشديد بعد مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه وسموا أنفسهم بالتوَّابين أو البكَّائين. كما ظهرت طبقة من العبَّاد غلب عليهم جانب التشدد في العبادة والبعد عن المشاركة في مجريات الدولة، مع علمهم وفضلهم والتزامهم بآداب الشريعة، واشتغالهم بالكتاب والسنة تعلماً وتعليماً، بالإضافة إلى صدعهم بالحق وتصديهم لأهل الأهواء. كما ظهر فيهم الخوف الشديد من الله تعالى، والإغماء والصعق عند سماع القرآن الكريم مما استدعى الإنكار عليهم من بعض الصحابة وكبار التابعين كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين ونحوهم رضي الله عنهم، وبسببهم شاع لقب العُبَّاد والزُهَّاد والقُرَّاء في تلك الفترة. ومن أعلامهم: عامر بن عبد الله بن الزبير، وصفوان بن سليم، وطلق بن حبيب العنزي، عطاء السلمي، الأسود بن يزيد بن قيس، وداود الطائي، وبعض أصحاب الحسن البصري.
· بداية الانحراف: كدأب أي انحراف يبدأ صغيراً، ثم ما يلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام، فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال: إبراهيم بن أدهم، مالك بن دينار، وبشر الحافي، ورابعة العدوية، وعبد الواحد بن زيد، إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام، وتحريم تناول اللحوم، والسياحة في البراري والصحاري، وترك الزواج. يقول مالك بن دينار:"لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب". وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة، ولكن مما يجدر التنبيه عليه أنه قد نُسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشطحات المستنكرة ما لم
يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية.
ـ وفي الكوفة أخذ معضد بن يزيد العجلي هو وقبيلُه يروِّضون أنفسهم على هجر النوم وإدامة الصلاة، حتى سلك سبيلهم مجموعة من زهاد الكوفة، فأخذوا يخرجون إلى الجبال للانقطاع للعبادة، على الرغم من إنكار ابن مسعود عليهم في السابق.
ـ وظهرت من بعضهم مثل رابعة العدوية أقوال مستنكرة في الحب والعشق الإلهي للتعبير عن المحبة بين العبد وربه، وظهرت تبعاً لذلك مفاهيم خاطئة حول العبادة من كونها لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار مخالفةً لقول الله تعالى:(يَدْعُونَنا رَغَباً ورَهَباً) . ـ يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التطور في تلك المرحلة بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام (*) ، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200هـ، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري، وكان له كلام في القدر (*) ، وبنى دويرة للصوفية ـ وهي أول ما بني في الإسلام ـ أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع ـ صار لهم حال من السماع والصوت ـ إشارة إلى الغناء. وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين".
· ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار أهمها:
ـ البداية والظهور: ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قُربها من بلاد فارس، والتأثُّر بالفلسفة (*) اليونانية بعد عصر الترجمة، ثم بسلوكيات رهبان (*) أهل الكتاب، وقد تنازع العلماء والمؤرخون في أول مَن تسمَّ به. على أقوال ثلاثة:
1 ـ قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه: أن أول من عُرف بالصوفي هو أبو هاشم الكوفي ت150هـ أو 162هـ بالشام بعد أن انتقل إليها، وكان معاصراً لسفيان الثوري ت 155هـ قال عنه سفيان:"لولا أبو هاشم ما عُرِفت دقائق الرياء". وكان معاصراً لجعفر الصادق وينسب إلى الشيعة (*) الأوائل، ويسميه الشيعة مخترع الصوفية. 2 ـ يذكر بعض المؤرخين أن عبدك ـ عبد الكريم أو محمد ـ المتوفى سنة 210هـ هو أول من تسمى بالصوفي، ويذكر عنه الحارث المحاسبي أنه كان من طائفة نصف شيعية تسمي نفسها صوفية تأسست بالكوفة. بينما يذكر الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع أن عبدك كان رأس فرقة من الزنادقة (*) الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام، لا يحل لأحد منها إلا
القوت، حيث ذهب أئمة الهدى، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام.
3 ـ يذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق والمتوفى سنة 208هـ أول من تسمى بالصوفي، والشيعة تعتبره من أكابرهم، والفلاسفة ينسبونه إليهم
الصوفية ونسبة الاشتقاق
وقد تنازع العلماء أيضاً في نسبة الاشتقاق على أقوال كثيرة أرجحها:
1ـ ما رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون وطائفة كبيرة من العلماء من أنها نسبة إلى الصُّوف حيث كان شعار رهبان (*) أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية، وبالتالي فقد أبطلوا كل الاستدلالات والاشتقاقات الأخرى على مقتضى قواعد اللغة العربية، مما يبطل محاولة نسبة الصوفية أنفسهم لأهل الصُّفَّة من أصحاب رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم، أو محاولة نسبة الصوفية أنفسهم إلى علي بن أبي طالب والحسن البصري وسفيان الثوري رضي الله عنهم جميعاً، وهي نسبة تفتقر إلى الدليل ويعوزها الحجة والبرهان.
2ـ الاشتقاق الآخر ما رجحه أبو الريحان البيروني 440هـ وفون هامر حديثاً وغيرهما من أنها مشتقة من كلمة سوف SOPH اليونانية والتي تعني الحكمة. ويدلِّل أصحاب هذا الرأي على صحته بانتشاره في بغداد وما حولها بعد حركة الترجمة النشطة في القرن الثاني الهجري بينما لم تعرف في نفس الفترة في جنوب وغرب العالم الإسلامي. ويضاف إلى الزمان والمكان التشابه في أصل الفكرة عند الصوفية واليونان حيث أفكار وحدة الوجود والحلول (*) والإشراق (*) والفيض (*) . كما استدلوا على قوة هذا الرأي بما ورد عن كبار الصوفية مثل السهروردي ـ المقتول ردة ـ بقوله: (وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة فخميرة الفيثاغورثيين وقعت إلى أخي أخميم (ذي النون المصري) ومنه نزلت إلى سيارستري وشيعته (أي سهل التستري) وأضافوا إلى ذلك ظهور مصطلحات أخرى مترجمة عن اليونانية في ذلك العصر، مثل الفلسفة (*) ، الموسيقا، الموسيقار، السفسطة (*) ، الهيولي
طلائع الصوفية:
ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي:
·
الطبقة الأولى:
وتمثل التيار الذي اشتهر بالصدق في الزهد إلى حد الوساوس، والبعد عن الدنيا والانحراف في السلوك والعبادة على وجه يخالف ما كان عليه الصدر الأول من الرسول (*) صلى الله عليه وسلم وصحابته بل وعن عبّاد القرن السابق له، ولكنه كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف، وإن كان ورد عن
بعضهم ـ مثل الجنيد ـ بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات، ومن أشهر رموز هذا التيار:
ـ الجنيد: هو أبو القاسم الخراز المتوفى 298هـ يلقبه الصوفية بسيد الطائفة، ولذلك يعد من أهم الشخصيات التي يعتمد المتصوفة على أقواله وآرائه وبخاصة في التوحيد والمعرفة والمحبة. وقد تأثر بآراء ذي النون النوبي، فهذبها، وجمعها ونشرها من بعده تلميذه الشبلي، ولكنه خالف طريقة ذي النون والحلاّج والبسطامي في الفناء (*) ، حيث كان يُؤْثر الصحو (*) على السكر (*) وينكر الشطحات، ويؤثر البقاء على الفناء، فللفَناءِ عنده معنى آخر، وقد أنكر على المتصوفة سقوط التكاليف (*) . وقد تأثر الجنيد بأستاذه الحارث المحاسبي الذي يعد أول من خلط الكلام (*) بالتصوف، وبخاله السري السقطي ت 253هـ.
وهناك آخرون تشملهم هذه الطبقة أمثال: أبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العني ت205هـ، وأحمد بن الحواري، والحسن بن منصور بن إبراهيم أبو علي الشطوي الصوفي وقد روى عنه البخاري في صحيحه، والسري بن المغلس السقطي أبوالحسن ت253هـ، سهل بن عبد الله التستري ت273هـ، معروف الكرخي أبو محفوظ 200هـ، وقد أتى من بعدهم ممن سار على طريقتهم مثل: أبي عبد الرحمن السلمي 412هـ محمد بن الحسين الأزدي السلمي، محمد بن الحسن بن الفضل بن العباس أبويعلى البصري الصوفي 368هـ شيخ الخطيب البغدادي.
ـ ومن أهم السمات الأخرى لهذه الطبقة: بداية التمييز عن جمهور المسلمين والعلماء، وظهور مصطلحات (*) تدل على ذلك بشكل مهَّد لظهور الطرق من بعد، مثل قول بعضهم: علمُنا، مذهبنا (*) ، طريقنا، قال الجنيد:(علمنا مشتبك مع حديث رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم وهو انتساب محرم شرعاً حيث يفضي إلى البدعة (*) والمعصية بل وإلى الشرك أيضاً، وقد اشترطوا على من يريد السير معهم في طريقتهم أن يَخرُجَ من ماله، وأن يُقلَّ من غذائه وأن يترك الزواج مادام في سلوكه.
ـ كثر الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان (*) ونُسَّاك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين. ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي (*) صلى الله عليه وسلم مما سبَّب العداء الشديد بينهم وبين الفقهاء، كما ظهرت فيهم ادعاءات
الكشف (*) والخوارق وبعض المقولات الكلامية. وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة في مثل: كتب أبو طالب المكي قوت القلوب وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، وكتب الحارث المحاسبي. وقد حذر العلماء الأوائل من هذه الكتب لاشتمالها على الأحاديث الموضوعة والمنكرة، واشتمالها على الإسرائيليات وأقوال أهل الكتاب. سئل الإمام أبو زرعة عن هذه الكتب فقيل له: في هذه عبرة؟ قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة.
· ومن أهم هذه السمات المميزة لمذاهب (*) التصوف والقاسم المشترك للمنهج (*) المميز بينهم في تناول العبادة وغيرها ما يسمونه (الذوق) ، والذي أدى إلى اتساع الخرق عليهم، فلم يستطيعوا أن يحموا نهجهم الصوفي من الاندماج أو التأثر بعقائد وفلسفات (*) غير إسلامية، مما سهَّل على اندثار هذه الطبقة وزيادة انتشار
الطبقة الثانية
التي زاد غلوها (*) وانحرافها.
· الطبقة الثانية: خلطت الزهد بعبارات الباطنية (*) ، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات: الوحدة، والفناء (*) ، والاتحاد (*) ، والحلول (*) ، والسكر (*) ، والصحو (*) ، والكشف (*) ، والبقاء، والمريد، والعارف، والأحوال، والمقامات، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم مما زاد العداء بينهما، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية، مما زاد في انحرافها، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن.
· ·ومن أهم أعلام هذه الطبقة: أبو اليزيد البسطامي ت263هـ، ذوالنون المصري ت245هـ، الحلاج ت309هـ، أبوسعيد الخزار 277ـ 286هـ، الحكيم الترمذي ت320هـ، أبو بكر الشبلي 334 هـ وسنكتفي هنا بالترجمة لمن كان له أثره البالغ فيمن جاء بعده إلى اليوم مثل:
ـ ذو النون المصري: وهو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم، قبطي (*) الأصل من أهل النوبة، من قرية أخميم بصعيد مصر، توفي سنة 245 هـ أخذ التصوف عن شقران العابد أو إسرائيل المغربي على حسب رواية ابن خلكان وعبد الرحمن الجامي. ويؤكد الشيعة (*) في كتبهم ويوافقهم ابن النديم في الفهرست أنه أخذ علم الكيمياء عن جابر بن حيان، ويذكر ابن
خلكان أنه كان من الملامتية (*) الذين يخفون تقواهم عن الناس ويظهرون استهزاءهم بالشريعة (*) ، وذلك مع اشتهاره بالحكمة والفصاحة.
ويعدُّه كُتَّاب الصوفية المؤسسَ الحقيقي لطريقتهم في المحبة والمعرفة، وأول من تكلم عن المقامات والأحوال في مصر، وقال بالكشف (*) وأن للشريعة (*) ظاهراً وباطناً. ويذكر القشيري في رسالته أنه أول من عرَّف التوحيد بالمعنى الصوفي، وأول من وضع تعريفات للوجد والسماع، وأنه أول من استعمل الرمز في التعبير عن حاله، وقد تأثر بعقائد الإسماعيلية الباطنية (*) وإخوان الصفا (*) بسبب صِلاته القوية بهم، حيث تزامن مع فترة نشاطهم في الدعوة إلى مذاهبهم (*) الباطلة، فظهرت له أقوال في علم الباطن، والعلم اللدني، والاتحاد (*) ، وإرجاع أصل الخلق إلى النور المحمدي، وكان لعلمه باللغة القبطية (*) أثره على حل النقوش والرموز المرسومة على الآثار القبطية في قريته مما مكَّنه من تعلم فنون التنجيم (*) والسحر والطلاسم الذي اشتغل بهم. ويعد ذو النون أول من وقف من المتصوفة على الثقافة اليونانية، ومذهب (*) الأفلاطونية الجديدة، وبخاصة ثيولوجيا أرسطو في الإلهيات، ولذلك كان له مذهبه الخاص في المعرفة والفناء (*) متأثراً بالغنوصية (*) .
ـ أبو يزيد البسطامي: طيفور بن عيسى بن آدم بن شروسان، ولد في بسطام من أصل مجوسي (*)، وقد نسبت إليه من الأقوال الشنيعة؛ مثل قوله:(خرجت من الحق إلى الحق حتى صاح فيّ: يا من أنت أنا، فقد تحققت بمقام الفناء في الله) ، (سبحاني ما أعظم شأني) ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعده من أصحاب هذه الطبقة ويشكك في صدق نسبتها إليه حيث كانت له أقوال تدل على تمسكه بالسنة، ومن علماء أهل السنة والجماعة (*) من يضعه مع الحلاج والسهروردي في طبقة واحدة.
ـ الحكيم الترمذي: أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين الترمذي المتوفى سنة 320هـ أول من تكلم في ختم الولاية وألف كتاباً في هذا أسماه ختم الولاية كان سبباً لاتهامه بالكفر وإخراجه من بلده ترمذ، يقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية:"تكلم طائفة من الصوفية في "خاتم الأولياء" وعظَّموا أمره كالحكيم الترمذي، وهو من غلطاته، فإن الغالب على كلامه الصحة بخلاف ابن عربي فإنه كثير التخليط) . [مجموع الفتاوى [1/363] وينسب إليه أنه قال: "للأولياء (*) خاتم كما أن للأنبياء (*) خاتماً"، مما مهد الطريق أمام فلاسفة الصوفية أمثال ابن عربي وابن سبعين وابن هود والتلمساني للقول بخاتم الأولياء (*) ، وأن مقامه يفضل مقام خاتم الأنبياء (*) .
·
الطبقة الثالثة:
وفيها اختلط التصوف بالفلسفة (*) اليونانية، وظهرت أفكار الحلول (*) والاتحاد (*) ووحدة الوجود، على أن الموجود الحق هو الله وما عداه فإنها صور زائفة وأوهام وخيالات موافقة لقول الفلاسفة، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض (*) والإشراق (*) على يد الغزالي والسهروردي. وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف والتي تعدت به مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية. ومن أشهر رموز هذه الطبقة: الحلاج ت309هـ، السهروردي 587هـ، ابن عربي ت638هـ، ابن الفارض 632هـ، ابن سبعين ت 667 هـ.
ـ الحلَاّج: أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 244 ـ 309هـ ولد بفارس حفيداً لرجل زرادشتي، ونشأ في واسط بالعراق، وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين، رمي بالكفر (*) وقتل مصلوباً لتهم أربع وُجِّهت إليه:
1ـ اتصاله بالقرامطة.
2ـ قوله "أنا الحق".
3ـ اعتقاد أتباعه ألوهيته.
4ـ قوله في الحج، حيث يرى أن الحج إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها.
كانت في شخصيته كثير من الغموض، فضلاً عن كونه متشدداً وعنيداً ومغالياً، له كتاب الطواسين الذي أخرجه وحققه المستشرق الفرنسي ماسنيون.
· يرى بعض الباحثين أن أفراد الطائفة في القرن الثالث الهجري كانوا على علم باطني واحد، منهم من كتمه ويشمل أهل الطبقة الأولى بالإضافة إلى الشبلي القائل:(كنت أنا والحسين بن منصور ـ الحلاج ـ شيئاً واحداً إلا أنه أظهر وكتمت) ، ومنهم من أذاع وباح به ويشمل الحلاج وطبقته فأذاقهم الله طعم الحديد، على ما صرَّحت به المرأة وقت صلبه بأمر من الجنيد حسب رواية المستشرق الفرنسي ماسنيون.
·
ظهور الفرق:
وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهمي الصوفي الإيراني 357 ـ 430 هـ تلميذ أبي عبد الرحمن السلمي أوّل هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلاً عن طريق الوراثة.
· يعتبر القرن الخامس امتداداً لأفكار القرون السابقة، التي راجت من خلال مصنفات أبي عبد الرحمن السلمي، المتوفى 412هـ والتي يصفها ابن تيمية بقوله: (يوجد في كتبه
من الآثار الصحيحة والكلام المنقول ما ينتفع به في الدين (*) ، ويوجد فيه من الآثار السقيمة والكلام المردود ما يضر من لا خيرة له، وبعض الناس توقف في روايته) [مجموع الفتاوى 1/ 578] ، فقد كان يضع الأحاديث لصالح الصوفية.
· · ما بين النصف الثاني من القرن الخامس وبداية السادس في زمن أبي حامد الغزالي الملقَّب بحجَّة الإسلام ت505هـ أخذ التصوف مكانه عند من حسبوا على أهل السنة (*) . وبذلك انتهت مرحلة الرواد الأوائل أصحاب الأصول غير الإسلامية، ومن أعلام هذه المرحلة التي تمتد إلى يومنا هذا:
ـ أبو حامد الغزالي: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي 450 ـ 505هـ ولد بطوس من إقليم خراسان، نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب (*) مثل: علم الكلام (*) والفلسفة (*) ، والباطنية (*) ، والتصوف، مما أورثه ذلك حيرة وشكًّا دفعه للتقلُّب بين هذه المذاهب الأربعة السابقة أثناء إقامته في بغداد، رحل إلى جرجان ونيسابور، ولازم نظام الملك، درس في المدرسة النظامية ببغداد، واعتكف في منارة مسجد دمشق، ورحل إلى القدس ومنها إلى الحجاز ثم عاد إلى موطنه. وقد ألف عدداً من الكتب منها: تهافُت الفلاسفة، والمنقذ من الضلال، وأهمها إحياء علوم الدين. ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف (*) في المعرفة، التي تسلمت راية التصوف من أصحاب الأصول الفارسية إلى أصحاب الأصول السنية، ومن جليل أعماله هدمُه للفلسفة اليونانية وكشفه لفضائح الباطنية في كتابه المستظهري أو فضائح الباطنية. ويحكي تلميذه عبد الغافر الفارسي آخرَ مراحل حياته، بعدما عاد إلى بلده طوس، قائلاً:(وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ اللذين هما حجة الإسلام) ا. هـ. وذلك بعد أن صحب أهل الحديث في بلده من أمثال: أبي سهيل محمد بن عبد الله الحفصي الذي قرأ عليه صحيح البخاري، والقاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي الذي سمع عليه سنن أبي داود [طبقات السبكي 4 / 110] .
ـ وفي هذه المرحلة ألف كتابه إلجام العوام عن علم الكلام الذي ذم فيه علم الكلام (*) وطريقته، وانتصر لمذهب (*) السلف ومنهجهم (*) فقال:(الدليل على أن مذهب السلف هو الحق: أن نقيضه بدعة (*) ، والبدعة مذمومة وضلالة، والخوض من جهة العوام في التأويل (*) والخوض بهم من جهة العلماء بدعة مذمومة، وكان نقيضه هو الكف عن ذلك سنة محمودة) ص [96] .
ـ وفيه أيضاً رجع عن القول بالكشف (*) وإدراك خصائص النبوة (*) وقواها، والاعتماد في التأويل (*) أو الإثبات على الكشف الذي كان يراه من قبل غاية العوام.
· يمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني، المتوفى سنة 561هـ، وقد رزق بتسعة وأربعين ولداً، حمل أحد عشر منهم تعاليمه ونشروها في العالم الإسلامي، ويزعم أتباعه أنه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما رغم عدم لقائه بالحسن البصري، كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله تعالى من معرفة الغيب، وإحياء الموتى، وتصرفه في الكون حيًّا أو ميتاً، بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال الشنيعة. ومن هذه الأقوال أنه قال مرة في أحد مجالسه:"قدمي هذه على رقبة كل ولي (*) لله"، وكان يقول: "من استغاث بي في كربة كشفت عنه، ومن ناداني في شدة فرجت عنه، ومن توسل بي في حاجة قضيت له) ، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الشرك وادعاء الربوبية.
ـ يقول السيد محمد رشيد رضا: "يُنقل عن الشيخ الجيلاني من الكرامات وخوارق العادات ما لم ينقل عن غيره، والنقاد من أهل الرواية لا يحفلون بهذه النقول إذ لا أسانيد لها يحتج بها"[دائرة المعارف الإسلامية11/171] .
· كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي ت 540هـ ويطلق عليها البطائحية نسبةً إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق، وينسج حوله كُتَّاب الصوفية ـ كدأبهم مع من ينتسبون إليهم ـ الأساطير والخرافات، بل ويرفعونه إلى مقام الربوبية. ومن هذه الأقوال:(كان قطب الأقطاب (*) في الأرض، ثم انتقل إلى قطبية السماوات، ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال) [طبقات الشعراني ص141، قلادة الجواهرص42] .
ـ وقد تزوج الرفاعي العديد من النساء ولكنه لم يعقب، ولذلك خلفه على المشيخة من بعده علي بن عثمان ت584هـ ثم خلفه عبد الرحيم بن عثمان ت604هـ، ولأتباعه أحوال وأمور غريبة ذكرها الحافظ الذهبي ثم قال:"لكن أصحابه فيهم الجيد والرديء".
ـ وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة (*) السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن 549-587هـ، صاحب مدرسة الإشراق (*) الفلسفية التي أساسها
الجمع بين آراء مستمدة من ديانات الفرس القديمة ومذاهبها في ثنائية الوجود وبين الفلسفة اليونانية في صورتها الأفلاطونية الحديثة ومذهبها في الفيض أو الظهور المستمر، ولذلك اتهمه علماء حلب بالزندقة (*) والتعطيل (*) والقول بالفلسفة (*) الإشراقية مما حدا بهم أن يكتبوا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي محضراً بكفره (*) وزندقته فأمر بقتله ردة، وإليه تنسب الطريقة السهروردية ومذاهبها في الفيض (*) أو الظهور المستمر. ومن كتبه: حكمة الإشراق (*) ، هياكل النور، التلويحات العرشية، والمقامات.
· تحت تأثير تراكمات مدارس الصوفية في القرون السالفة أعاد ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، بعثَ عقيدة الحلاج، وذي النون المصري، والسهروردي.
· في القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي الطائي الأندلسي أحد رؤوس الصوفية حتى لُقِّب بالشيخ الأكبر.
ـ محيي الدين ابن عربي: الملقب بالشيخ الأكبر 560-638هـ رئيس مدرسة وحدة الوجود، يعتبر نفسه خاتم الأولياء (*) ، ولد بالأندلس، ورحل إلى مصر، وحج، وزار بغداد، واستقر في دمشق حيث مات ودفن، وله فيها الآن قبر يُزار، طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على أن الإنسان وحده من بين المخلوقات يمكن أن تتجلّى فيه الصفات الإلهية إذا تيسر له الاستغراق في وحدانية الله، وله كتب كثيرة يوصلها بعضهم إلى 400 كتاب ورسالة ما يزال بعضها محفوظاً بمكتبة يوسف أغا بقونية ومكتبات تركيا الأخرى، وأشهر كتبه: روح القدس (*)، وترجمان الأشواق (*) وأبرزها: الفتوحات المكية وفصوص الحكم.
ـ أبو الحسن الشاذلي 593-656هـ: صاحبَ ابن عربي مراحل الطلب ـ طلب العلم ـ ولكنهما افترقا حيث فضّل أبو الحسن مدرسة الغزالي في الكشف (*) بينما فضل ابن عربي مدرسة الحلاج وذي النون المصري، وقد أصبح لكلتا المدرستين أنصارهما إلى الآن داخل طرق الصوفية، مع ما قد تختلط عند بعضهم المفاهيم فيهما، ومن أشهر تلاميذ مدرسة أبي الحسن الشاذلي ت656هـ أبو العباس ت686هـ، وإبراهيم الدسوقي، وأحمد البدوي ت675هـ. ويلاحظ على أصحاب هذه المدرسة إلى اليوم كثرة اعتذارها وتأويلها (*) لكلام ابن عربي ومدرسته.
· وفي القرن السابع ظهر أيضاً جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولوية بتركيا ت672هــ.
أصبح القرن الثامن والتاسع الهجري ما هو إلا تفريع وشرح لكتب ابن عربي وابن
الفارض وغيرهما، ولم تظهر فيه نظريات جديدة في التصوف. ومن أبرز سمات القرن التاسع هو اختلاط أفكار كلتا المدرستين. وفي هذا القرن ظهر محمد بهاء الدين النقشبندي مؤسس الطريقة النقشبندية ت791هـ. وكذلك القرن العاشر ما كان إلا شرحاً أو دفاعاً عن كتب ابن عربي، فزاد الاهتمام فيه بتراجم أعلام التصوف، والتي اتسمت بالمبالغة الشديدة. ومن كتّاب تراجم الصوفية في هذا القرن: عبد الوهاب الشعراني ت 973هـ صاحب الطبقات الصغرى والكبرى.
وفي القرون التالية اختلط الأمر على الصوفية، وانتشرت الفوضى بينهم، واختلطت فيهم أفكار كلتا المدرستين وبدأت مرحلة الدراويش.
ـ ومن أهم ما تتميز به القرون المتأخرة ظهور ألقاب شيخ السجادة، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، والخليفة والبيوت الصوفية التي هي أقسام فرعية من الطرق نفسها مع وجود شيء من الاستقلال الذاتي يمارس بمعرفة الخلفاء، كما ظهرت فيها التنظيمات والتشريعات المنظمة للطرق تحت مجلس وإدارة واحدة الذي بدأ بفرمان أصدره محمد علي باشا والي مصر يقضي بتعيين محمد البكري خلفاً لوالده شيخاً للسجادة البكرية وتفويضه في الإشراف على جميع الطرق والتكايا والزوايا والمساجد التي بها أضرحة كما له الحق في وضع مناهج التعليم التي تعطى فيها. وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه، وقد تطورت نظمه وتشريعاته ليعرف فيما بعد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر.
من أشهر رموز القرون التأخرة:
ـ عبد الغني النابلسي 1050-1143هـ.
ـ أبو السعود البكري المتوفى 1812م أول من عرف بشيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر بشكل غير رسمي.
ـ أبو الهدى الصيادي الرفاعي 1220-1287هـ.
ـ عمر الفوتي الطوري السنغالي الأزهري التيجاني ت 1281هـ، ومما يحسن ذكره له أنه اهتم بنشر الإسلام بين الوثنيين (*) ، وكوَّن لذلك جيشاً، وخاض به حروباً مع الوثنيين، واستولى على مملكة سيغو وعلى بلاد ماسينه. ومن مؤلفاته: سيوف السعيد، سفينة السعادة، رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم.
ـ محمد عثمان الميرغني ت1268هـ. ستأتي ترجمة له في مبحث الختمية.
ـ أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني، فقيه متفلسف، من أهل فاس بالمغرب، أسس الطريقة الكتانية 1290-1327هـ، انتقد عليه علماء فاس بعض أقواله ونسبوه إلى فساد الاعتقاد. ومن كتبه: حياة الأنبياء، لسان الحجة البرهانية في الذب عن شعائر الطريقة الأحمدية الكتانية.
ـ أحمد التيجاني ت1230هـ. ستأتي ترجمة له في مبحث التيجانية.
ـ حسن رضوان 1239-1310هـ صاحب أرجوزة روض القلوب المستطاب في التصوف.
ـ صالح بن محمد بن صالح الجعفري الصادقي 1328-1399هـ انتسب إلى الطريقة الأحمدية الإدريسية بعد ما سافر إلى مصر والتحق بالأزهر، وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ حبيب الله الشنقيطي، والشيخ يوسف الدجوي، ومن كتبه: الإلهام النافع لكل قاصد، القصيدة التائية، الصلوات الجعفرية.
الأفكار والمعتقدات و
مصادر التلقي:
·مصادر التلقي:
ـ الكشف (*) : ويعتمد الصوفية الكشف مصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف، بل تحقيق غاية عبادتهم، ويدخل تحت الكشف الصوفي جملة من الأمور الشرعية والكونية منها:
1ـ النبي (*) صلى الله عليه وسلم: ويقصدون به الأخذ عنه يقظةً أو مناماً.
2ـ الخضر عليه الصلاة السلام: قد كثرت حكايتهم عن لقياه، والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية، وكذلك الأوراد، والأذكار والمناقب.
3ـ الإلهام: سواء كان من الله تعالى مباشرة، وبه جعلوا مقام الصوفي فوق مقام النبي حيث يعتقدون أن الولي (*) يأخذ العلم مباشرة عن الله تعالى حيث أخذه الملك الذي يوحي (*) به إلى النبي (*) أو الرسول (*) .
4ـ الفراسة: التي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها.
5ـ الهواتف: من سماع الخطاب من الله تعالى، أو من الملائكة، أو الجن الصالح، أو من أحد الأولياء (*) ، أو الخضر، أو إبليس، سواء كان مناماً أو يقظةً أو في حالة بينهما بواسطة الأذن.
6ـ الإسراءات والمعاريج: ويقصدون بها عروج روح الولي إلى العالم العلوي، وجولاتها هناك، والإتيان منها بشتى العلوم والأسرار.
7ـ الكشف الحسي: بالكشف (*) عن حقائق الوجود بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر.
8 ـ الرؤى والمنامات: وتعتبر من أكثر المصادر اعتماداً عليها حيث يزعمون أنهم يتلقَّون فيها عن الله تعالى، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد شيوخهم لمعرفة الأحكام الشرعية.
الذوق:
وله إطلاقان:
1 ـ الذوق العام الذي ينظم جميع الأحوال والمقامات، ويرى الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال إمكان السالك أن يتذوَّق حقيقة النبوة، وأن يدرك خاصيتها بالمنازلة.
2ـ أما الذوق الخاص فتتفاوت درجاته بينهم حيث يبدأ بالذوق ثم الشرب.
الوجد:
وله ثلاثة مراتب:
1 ـ التواجد.
2 ـ الوجد.
3 ـ الوجود.
ـ التلقي عن الأنبياء غير النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأشياخ المقبورين.
· تتشابه عقائد الصوفية وأفكارهم وتتعدد بتعدد مدارسهم وطرقهم ويمكن إجمالها فيما يلي:
ـ يعتقد المتصوفة في الله تعالى عقائد شتى، منها الحلول (*) كما هو مذهب (*) الحلاج، ومنها وحدة الوجود حيث عدم الانفصال بين الخالق والمخلوق، ومنهم من يعتقد بعقيدة الأشاعرة والماتريدية في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته.
ـ والغلاة (*) منهم يعتقدون في الرسول (*) صلى الله عليه وسلم أيضاً عقائد شتى، فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم، وأنه كان جاهلاً بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي:"خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله". ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون، وهو الله المستوي على العرش وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خُلقت من نوره، وأنه أول موجود؛ وهذه عقيدة ابن عربي ومن تبعه. ومنهم من لا يعتقد بذلك بل يرده ويعتقد ببشريته ورسالته ولكنهم مع ذلك يستشفعون ويتوسلون به صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى على وجه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة (*) .
ـ وفي الأولياء (*) يعتقد الصوفية عقائد شتى، فمنهم من يفضِّل الولي على النبي (*) ، ومنهم يجعلون الولي مساوياً لله في كل صفاته، فهو يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ويتصرف في الكون. ولهم تقسيمات للولاية، فهناك الغوث، والأقطاب، والأبدال (*) والنجباء (*) حيث يجتمعون في ديوان لهم في غار حراء كل ليلة ينظرون في المقادير. ومنهم من لا يعتقد ذلك ولكنهم أيضاً يأخذونهم وسائط بينهم وبين ربهم سواءً كان في حياتهم أو بعد مماتهم.
وكل هذا بالطبع خلاف الولاية في الإسلام التي تقوم على الدين (*) والتقوى، وعمل الصالحات، والعبودية الكاملة لله والفقر إليه، وأن الولي لا يملك من أمر نفسه شيئاً فضلاً عن أنه يملك لغيره، قال تعالى لرسوله:(قُل إنّي لا أملِكُ لكم ضَرًّا ولا رَشَداً)[الجن:21] .
ـ يعتقدون أن الدين شريعة وحقيقة، والشريعة هي الظاهر من الدين وأنها الباب الذي يدخل منه الجميع، والحقيقة هي الباطن الذي لا يصل إليه إلا المصطفون الأخيار.
ـ التصوف في نظرهم طريقة وحقيقة معاً.
ـ لابد في التصوف من التأثير الروحي الذي لا يأتي إلا بواسطة الشيخ الذي أخذ الطريقة عن شيخه.
ـ لابد من الذكر والتأمل الروحي وتركيز الذهن في الملأ الأعلى، وأعلى الدرجات لديهم هي درجة الولي.
ـ يتحدث الصوفيون عن العلم الَّلدُنّي الذي يكون في نظرهم لأهل النبوة (*) والولاية (*) ، كما كان ذلك للخضر عليه الصلاة والسلام، حيث أخبر الله تعالى عن ذلك فقال:(وعلَّمناهُ من لَدُنَّا عِلْماً) .
الفناء
(*) : يعتبر أبو يزيد البسطامي أول داعية في الإسلام إلى هذه الفكرة، وقد نقلها عن شيخه أبي علي السندي حيث الاستهلاك في الله بالكلية، وحيث يختفي نهائيًّا عن شعور العبد بذاته ويفنى المشاهد فينسى نفسه وما سوى الله، ويقول القشيري: الاستهلاك بالكلية يكون (لمن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لم يشهد من الغبار لا عيناً ولا أثراً ولا رسماً)"مقام جمع الجمع" وهو: "فناء العبد عن شهود فنائه باستهلاكه في وجود الحق".
إن مقام الفناء حالة تتراوح فيها تصورات السالك بين قطبين متعارضين هما التنزيه (*) والتجريد من جهة والحلول (*) والتشبيه (*) من جهة أخرى.
درجات السلوك:
ـ هناك فرق بين الصوفي والعابد والزاهد إذ أن لكل واحد منهم أسلوباً ومنهجاً وهدفاً.
وأول درجات السلوك حبُّ الله ورسوله، ودليله الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم الأسوة الحسنة: (لَقد كانَ لكُم في رَسُولِ الله أُسوةٌ حَسَنةٌ) .
ثم التوبة: وذلك بالإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها، وإبراء صاحبها إن كانت تتعلق بآدمي.
المقامات والأحوال
المقامات: "هي المنازل الروحية التي يمر بها السالك إلى الله فيقف فترة من الزمن مجاهداً في إطارها حتى ينتقل إلى المنزل الثاني" ولابد للانتقال من جهاد (*) وتزكية. وجعلوا
الحاجز بين المريد وبين الحق سبحانه وتعالى أربعة أشياء هي: المال، والجاه، والتقليد (*) ، والمعصية.
ـ الأحوال: "إنها النسمات التي تهب على السالك فتنتعش بها نفسه لحظات خاطفة ثم تمر تاركة عطراًً تتشوق الروح للعودة إلى تنسُّم أريجه". قال الجنيد: "الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم".
والأحوال مواهب، والمقامات مكاسب، ويعبِّرون عن ذلك بقولهم:(الأحوال تأتي من عين الجود، والمقامات تحصل ببذل المجهود) .
الورع: أن يترك السالك كل ما فيه شبهة، ويكون هذا في الحديث والقلب والعمل.
ـ الزهد: وهو يعني أن تكون الدنيا على ظاهر يده، وقلبه معلق بما في يد الله. يقول أحدهم عن زاهد:(صدق فلان، قد غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده على ظاهره) . قد يكون الإنسان غنيًّا وزاهداً في ذات الوقت إذ أن الزهد لا يعني الفقر، فليس كل فقير زاهداً، وليس كل زاهد فقيراً، والزهد على ثلاث درجات:
1 ـ ترك الحرام، وهو زهد العوام.
2 ـ ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص.
3 ـ ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى، وهو زهد العارفين.
ـ التوكل: يقولون: التوكل بداية، والتسليم واسطة، والتفويض نهاية إن كان للثقة في الله نهاية، ويقول سهل التستري:"التوكل: الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد".
ـ المحبة: يقول الحسن البصري ت110هـ: (فعلامة المحبة الموافقة للمحبوب والتجاري مع طرقاته في كل الأمور، والتقرب إليه بكل صلة، والهرب من كل ما لا يعينه على مذهبه) .
ـ الرضا: يقول أحدهم: (الرضا بالله الأعظم، هو أن يكون قلب العبد ساكناً تحت حكم الله عز وجل ويقول آخر: (الرضا آخر المقامات، ثم يقتفي من بعد ذلك أحوال أرباب القلوب، ومطالعة الغيوب، وتهذيب الأسرار لصفاء الأذكار وحقائق الأحوال) .
ـ يطلقون الخيال: لفهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يصل السالك إلى اليقين وهو على ثلاث مراتب:
1 ـ علم اليقين: وهو يأتي عن طريق الدليل النقلي من آيات وأحاديث (كلَاّ لَوْ تَعلمُونَ عِلمَ اليَقين) . [سورة التكاثر:5] .
2ـ عين اليقين: وهو يأتي عن طريق المشاهدة والكشف (*) : (ثمَّ لَتَرونَّها عَينَ
اليقين) [سورة التكاثر:7] .
3ـ حق اليقين: وهو ما يتحقق عن طريق الذوق: (إنَّ هذا لهو حقُّ اليَقين فسبِّح باسمِ ربِّك العظيم)[سورة الواقعة:95، 96] . - وأما في الحكم والسلطان والسياسة فإن المنهج (*) الصوفي هو عدم جواز مقاومة الشر ومغالبة السلاطين لأن الله في زعمهم أقام العباد فيما أراد.
ـ ولعل أخطر ما في الشريعة الصوفية هو منهجهم في التربية حيث يستحوذون على عقول الناس ويلغونها، وذلك بإدخالهم في طريق متدرج يبدأ بالتأنيس، ثم بالتهويل والتعظيم بشأن التصوف ورجاله، ثم بالتلبيس على الشخص، ثم بالرزق إلى علوم التصوف شيئاً فشيئاً، ثم بالربط بالطريقة وسد جميع الطرق بعد ذلك للخروج.
مدارس الصوفية
وطرقها
· مدارس الصوفية:
ـ مدرسة الزهد: وأصحابها: من النُّسَّاك والزُّهَّاد والعُبَّاد والبكَّائين، ومن أفرادها: رابعة العدوية، وإبراهيم بن أدهم، ومالك بن دينار.
ـ مدرسة الكشف (*) والمعرفة: وهي تقوم على اعتبار أن المنطق العقلي وحده لا يكفي في تحصيل المعرفة وإدراك حقائق الموجودات، إذ يتطور المرء بالرياضة النفسية حتى تنكشف عن بصيرته غشاوة الجهل وتبدو له الحقائق منطبقة في نفسه تتراءى فوق مرآة القلب، وزعيم هذه المدرسة: أبو حامد الغزالي.
ـ مدرسة وحدة الوجود: زعيم هذه المدرسة محيي الدين بن عربي: (وقد ثبت عن المحققين أنه ما في الوجود إلا الله، ونحن إن كنا موجودين فإنما كان وجودنا به، فما ظهر من الوجود بالوجود إلا الحق، فالوجود الحق وهو واحد، فليس ثم شيء هو له مثل، لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان أو متماثلان) .
ـ مدرسة الاتحاد (*) والحلول (*) : وزعيمها: الحلاج، ويظهر في هذه المدرسة التأثر بالتصوف الهندي والنصراني، حيث يتصور الصوفي عندها أن الله قد حل (*) فيه وأنه قد اتحد (*) هو بالله، فمن أقوالهم:(أنا الحق) و (ما في الجبة إلا الله) وما إلى ذلك من الشطحات التي تنطلق على ألسنتهم في لحظات السكر (*) بخمرة الشهود على ما يزعمون.
·
طرق الصوفية:
ـ الجيلانية: تنسب إلى عبد القادر الجيلاني 470 ـ 561هـ المدفون في بغداد، حيث تزوره كل عام جموع كثيرة من أتباعه للتبرُّك به، اطلع على كثير من علوم عصره، وقد نسب أتباعه إليه كثيراً من الكرامات (*) ، على نحو ما ذكرنا من قبل.
ـ الرفاعية: تنسب إلى أحمد الرفاعي 512-580هـ من بني رفاعة أحد قبائل العرب، وجماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في إثبات الكرامات. قال عنهم الشيخ الألوسي في غاية الأماني في الرد على النبهاني:(وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين (*) والدولة: مبتدعة الرفاعية، فلا تجد بدعة (*) إلا ومنهم مصدرها وعنهم موردها ومأخذها، فذكرهم عبارة عن رقص وغناء والتجاء إلى غير الله وعبادة مشايخهم. وأعمالهم عبارة عن مسك الحيات) 1/370.
وتتفق الرفاعية مع الشيعة (*) في أمور عدة منها: إيمانهم بكتاب الجفر (*) ، واعتقادهم في الأئمة الاثني عشر، وأن أحمد الرفاعي هو الإمام الثالث عشر، بالإضافة إلى مشاركتهم الحزن يوم عاشوراء. وغير ذلك.
هذا رغم ما ورد عن شيخ طريقتهم ـ الشيخ أحمد الرفاعي ـ من الحض الشديد على السنة واجتناب البدعة ومنها قوله: (ما تهاون قوم بالسنة وأهملوا قمع البدعة إلا سلط الله عليهم العدو، وما انتصر قوم للسنة وقمعوا البدعة وأهلها إلا رزقهم هيبة من عنده ونصرهم وأصلح شأنهم) .
وللرفاعية انتشار ملحوظ في غرب آسيا.
ـ البدوية: وتنسب إلى أحمد البدوي596-634هـ ولد بفاس، حج ورحل إلى العراق، واستقر في طنطا حتى وفاته، وله فيها ضريح مقصود، حيث يقام له كغيره من أولياء الصوفية احتفال بمولده سنويًّا يمارس فيه الكثير من البدع والانحرافات العقدية من دعاء واستغاثة وتبرك وتوسل، وبعضه من الشرك المخرج من الملة. وأتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر، ولهم فيها فروع كالبيُّومية والشنَّاوية وأولاد نوح والشعبية، وشارتهم العمامة الحمراء.
ـ الدسوقية: تنسب إلى إبراهيم الدسوقي 633-676هـ المدفون بمدينة دسوق في مصر، يدعي المتصوفة أنه أحد الأقطاب الأربعة الذين يرجع إليهم تدبير الأمور في هذا الكون!!
ـ الأكبرية: نسبة إلى الشيخ محيي الدين بن عربي، وتقوم طريقته على عقيدة وحدة الوجود والصمت والعزلة والجوع والسهر، ولها ثلاث صفات: الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، والرضا بالقضاء.
ـ الشاذلية: نسبة إلى أبي الحسين الشاذلي 593-656هـ ولد بقرية عمارة قرب
مرسية في بلاد المغرب، وانتقل إلى تونس، وحج عدة مرات، ثم دخل العراق ومات أخيراً في صحراء عيذاب بصعيد مصر في طريقه إلى الحج، قيل عنه:(إنه سهّل الطريقة على الخليقة) لأن طريقته أسهل الطرق وأقربها، فليس فيها كثير مجاهدة، انتشرت طريقته في مصر واليمن وبلاد العرب، وأهل مدينة مخا يدينون له بالتقدير والاعتقاد العميق في ولايته، وانتشرت طريقته كذلك في مراكش وغرب الجزائر وفي شمال أفريقيا وغربها بعامة.
ـ البكداشية: كان الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة، وهي ما تزال منتشرة في ألبانيا، كما أنها أقرب إلى التصوف الشيعي منها إلى التصوف السني، وقد كان لهذه الطريقة أثر بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول، وكان لها سلطان عظيم على الحكام العثمانيين ذاتهم.
ـ المولوية: أنشأها الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي ت672هـ والمدفون بقونية، أصحابها يتميزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر، وقد انتشروا في تركيا وآسيا الغربية، ولم يبق لهم في الأيام الحاضرة إلا بعض التكايا في تركيا وفي حلب وفي بعض أقطار المشرق.
ـ النقشبندية: تنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد البخاري الملقب بشاه نقشبند 618-691هـ وهي طريقة سهلة كالشاذلية، انتشرت في فارس وبلاد الهند وآسيا الغربية.
ـ الملامتية: مؤسسها أبوصالح حمدون بن أحمد بن عمار المعروف بالقصار ت271هـ أباح بعضهم مخالفة النفس بغية جهادها ومحاربة نقائصها، وقد ظهر الغلاة منهم في تركيا حديثاً بمظهر الإباحية والاستهتار وفعل كل أمر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.
ـ وهناك طرق كثيرة غير هذه: كالقنائية، والقيروانية، والمرابطية، والبشبشية، والسنوسية، والمختارية، والختمية
…
وغيرها، ولاشك أن كل هذه الطرق بدعية.
شطحات الصوفية:
سلك بعضهم طريق تحضير الأرواح (*) معتقداً بأن ذلك من التصوف، كما سلك آخرون طريق الشعوذة والدجل، وقد اهتموا ببناء الأضرحة وقبور الأولياء (*) وإنارتها وزيارتها والتمسُّح بها، وكل ذلك من البدع (*) التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ـ يقول بعضهم بارتفاع التكاليف ـ إسقاط التكاليف (*) ـ عن الولي (*) ، أي أن العبادة تصير لا لزوم لها بالنسبة إليه، لأنه وصل إلى مقام لا يحتاج معه إلى القيام بذلك، ولأنه لو
اشتغل بوظائف الشرع وظواهره انقطع عن حفظ الباطن وتشوش عليه بالالتفات عن أنواع الواردات الباطنية إلى مراعاة الظاهر.
تجاوزات بعض المنتسبين إلى الصوفية في الوقت الحاضر:
ـ من أبرز المظاهر الشركية التي تؤخذ على الصوفية ما يلي:
1 ـ الغلو (*) في الرسول.
2 ـ الحلول (*) والاتحاد (*) .
3 ـ وحدة الوجود.
4ـ الغلو في الأولياء.
5ـ الادعاءات الكثيرة الكاذبة، كادعائهم عدم انقطاع الوحي (*) وما لهم من المميزات في الدنيا والآخرة.
6ـ ادعاؤهم الانشغال بذكر الله عن التعاون لتحكيم شرع الله (*) والجهاد (*) في سبيله، مع ما كان لقلة منهم من مواقف طيبة ضد الاستعمار.
7ـ كثيراً ما يتساهل بعض المحسوبين على التصوف في التزام أحكام الشرع.
8ـ طاعة المشايخ والخضوع لهم، والاعتراف بذنوبهم بين أيديهم، والتمسح بأضرحتهم بعد مماتهم.
9ـ تجاوزات كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، في هيئة ما يسمونه الذكر، وهو هزّ البدن والتمايل يميناً وشمالاً، وذكر كلمة الله في كل مرة مجرَّدة، والادعاء بأن المشايخ مكشوفٌ عن بصيرتهم، ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم، ودعاؤهم بمقامهم عند الله في حياتهم وبعد مماتهم.
نقد الغزالي لفرقهم
ـ ويُنقل عن الغزالي انتقاده لمن غلبه الغرور، ويعدِّد فرقهم:
1 ـ فرقة اغتروا بالزي والهيئة والمنطق (*) .
2ـ وفرقة ادعت علم المعرفة، ومشاهدة الحق، ومجاوزة المقامات والأحوال.
3ـ وفرقة وقعت في الإباحة، وطووا بساط الشرع، ورفضوا الأحوال، وسووا بين الحلال والحرام.
4ـ وبعضهم يقول: الأعمال بالجوارح لا وزن لها وإنما النظر إلى القلوب، وقلوبنا والهة بحب الله وواصلة إلى معرفة الله، وإنما نخوض في الدنيا بأيدينا، وقلوبنا عاكفة في الحضرة الربوبية، فنحن مع الشهوات بالظواهر لا بالقلوب.
ـ ومذهب الوحدة المطلقة لم يكن له وجود في الإسلام بصورته الكاملة قبل ابن عربي، فهو الواضع لدعائمه والمؤسس لمدرسته والمفضل لمعانيه ومراميه، وله فصوص الحكم والفتوحات المكية وغيرهما.
أما الحلاج فيعتبر صاحب مدرسة الاتحاد
(*) والحلول (*)، وله أقوال منها:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بَدَنا
فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا
وقوله:
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة في الماء الزلال
فإذا مسَّك شيء مسني فإذا أنت أنا في كل حال
ـ يستخدم الصوفيون لفظ (الغوث والغياث) وقد أفتى ابن تيمية كما جاء في كتاب مجموع الفتاوى ص 437: (فأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله، فهو غوث المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره لا بملك مقرب ولا نبي مرسل) .
لقد أجمعت كل طرق الصوفية على ضرورة الذكر
، وهو عند النقشبندية لفظ الله مفرداً، وعند الشاذلية لا إله إلا الله، وعند غيرهم مثل ذلك مع الاستغفار والصلاة على النبي، وبعضهم يقول عند اشتداد الذكر: هو هو، بلفظ الضمير. وفي ذلك يقول ابن تيمية في كتاب مجموع الفتاوى ص 229:(وأما الاقتصار على الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً فلا أصل له، فضلاً عن أن يكون من ذكر الخاصة والعارفين، بل هو وسيلة إلى أنواع من البدع والضلالات، وذريعة إلى تصورات أحوال فاسدة من أحوال أهل الإلحاد وأهل الاتحاد) .
ويقول في ص 228 أيضاً: (من قال: يا هو يا هو، أو هو هو، ونحو ذلك، لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوره القلب، والقلب قد يهتدي وقد يضل) .
ـ قد يأتي بعض المنتسبين إلى التصوف بأعمال عجيبة وخوارق، وفي ذلك يقول ابن تيمية ص 494:(وأما كشف الرؤوس، وتفتيل الشعر، وحمل الحيات، فليس هذا من شعار أحد من الصالحين، ولا من الصحابة، ولا من التابعين، ولا شيوخ المسلمين، ولا من المتقدمين، ولا من المتأخرين، ولا الشيخ أحمد بن الرفاعي، وإنما ابتُدع هذا بعد موت الشيخ بمدة طويلة) .
ـ ويقول أيضاً في ص 504: (وأما النذر للموتى من الأنبياء (*) والمشايخ وغيرهم أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم فهو نذرُ شركٍ ومعصية لله تعالى) .
ـ وفي ص 506 من نفس الكتاب: (وأما الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشايخ والملوك وغيرهم فإنه منهي عنه) .
ـ ويقول في ص 505 من نفس الكتاب أيضاً: (وأما مؤاخاة الرجال والنساء الجانب وخلوتهم بهن، ونظرهم إلى الزينة الباطنة، فهذا حرام باتفاق المسلمين، ومن جعل ذلك من الدين فهو من إخوان الشياطين) .
ـ وفي مقام الفناء (*) عن شهود ما سوى الرب ـ وهو الفناء عن الإرادة ـ يقول ابن تيمية ص337 من كتابه: (وفي هذا الفناء قد يقول: أنا الحق، أو سبحاني، أو ما في الجنة إلا الله، إذا فنى بمشهوده عن شهوده، وبموجوده عن وجوده، وفي مثل هذا المقام يقع السكر (*) الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان كما يحصل بسكر الخمر وسكر عشق الصور. ويُحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم فلا جناح عليه فيما يصدر عنه من الأقوال والأفعال المحرمة، بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل أمراً محرماً. وكما أنه لا جناح عليهم فلا يجوز الاقتداء بهم ولا حمل كلامهم وفعالهم على الصحة، بل هم في الخاصة مثل الغافل والمجنون في التكاليف الظاهرة) .
ـ أما في مقام الفناء (*) عن وجود السوي فيقول ص337 من الكتاب أيضاً: (الثالث: فناء وجود السوي، بمعنى أنه يرى الله هو الوجود وأنه لا وجود لسواه، لا به ولا بغيره، وهذا القول للاتحادية الزنادقة (*) من المتأخرين كالبلياني والتلمساني والقونوي ونحوهم، الذين يجعلون الحقيقة أنه غير الموجودات وحقيقة الكائنات، وأنه لا وجود لغيره، لا بمعنى أن قيام الأشياء به ووجودها به لكنهم يريدون أنه عين الموجودات، فهذا كفر (*) وضلال) .
الجذور الفكرية والعقائدية:
ـ إن المجاهدات الصوفية إنما ترجع إلى زمن سحيق في القدم من وقت أن شعر الإنسان بحاجة إلى رياضة نفسه ومغالبة أهوائه.
ـ لا شك أن ما يدعو إليه الصوفية من الزهد، والورع والتوبة والرضا
…
إنما هي أمور من الإسلام، وأن الإسلام يحثُّ على التمسك بها والعمل من أجلها، ولكن الصوفية في ذلك يخالفون ما دعا إليه الإسلام حيث ابتدعوا مفاهيم وسلوكيات لهذه المصطلحات (*) مخالفة لما كان عليه الرسول (*) صلى الله عليه وسلم وصحابته.
لكن الذي وصل إليه بعضهم من الحلول (*) والاتحاد (*) والفناء (*) ، وسلوك طريق المجاهدات الصعبة، إنما انحدرت هذه الأمور إليهم من مصادر دخيلة على الإسلام كالهندوسية والجينية والبوذية والأفلاطونية والزرادشتية والمسيحية (*) . وقد عبر عن ذلك كثير من الدارسين للتصوف منهم:
ـ المستشرق ميركس، يرى أن التصوف إنما جاء من رهبانية (*) الشام.
ـ المستشرق جونس يرده إلى فيدا الهنود.
ـ نيكولسون، يقول بأنه وليدٌ لاتحاد الفكر اليوناني والديانات (*) الشرقية، أو بعبارة أدق: وليد لاتحاد الفلسفة (*) الأفلاطونية الحديثة والديانات المسيحية والمذهب (*) الغنوصي (*) .
ـ إن السقوط في دائرة العدمية بإسقاط التكاليف (*) وتجاوز الأمور الشرعية إنما هو أمر عرفته البرهمية حيث يقول البرهمي: (حيث أكون متحداً مع برهماً لا أكون مكلفاً بعمل أو فريضة) .
ـ قول الحلاج في الحلول، وقول ابن عربي في الإنسان الكامل يوافق مذهب النصارى في عيسى عليه السلام.
ـ لقد فتح التصوفُ المنحرفُ باباً واسعاً دخلت منه كثير من الشرور على المسلمين مثل التواكل، والسلبية، وإلغاء شخصية الإنسان، وتعظيم شخصية الشيخ، فضلاً عن كثير من الضلالات والبدع (*) التي تُخرج صاحبها من الإسلام.
الانتشار ومواقع النفوذ:
انتشر التصوف على مدار الزمان وشمل معظم العالم الإسلامي، وقد نشأت فرقهم وتوسعت في مصر والعراق وشمال غرب أفريقيا، وفي غرب ووسط وشرق آسيا.
لقد تركوا أثراً في الشعر والنثر وفنون الغناء والإنشاد، وكانت لهم آثار في إنشاء الزوايا والتكايا.
لقد كان للروحانية الصوفية أثر في جذب الغربيين الماديين إلى الإسلام، ومن أولئك مارتن لنجز الذي يقول:(إنني أوروبي وقد وجدت خلاص روحي ونجاتها في التصوف) . على أن اهتمام الغربيين ومراكز الاستشراق في الجامعات الغربية والشرقية بالتصوف يدعو إلى الريبة، فبالإضافة إلى انجذاب الغربيين إلى روحانية التصوف وإعجابهم بالمادة الغزيرة التي كتبت عن التصوف شرحاً وتنظيراً، فإن هناك أسباباً أخرى لاهتمام المستشرقين والمؤسسات الأكاديمية والغربيين بصفة عامة بالتصوف، من هذه الأسباب:
ـ إبراز الجانب السلبي الاستسلامي الموجود في التصوف وتصويره على اعتبار أنه
الإسلام.
ـ موافقة التصوف للرهبانية (*) المسيحية (*) واعتباره امتداداً لهذا التوجه.
ـ ميل منحرفي المتصوفة إلى قبول الأديان (*) جميعاً، واعتبارها وسيلة للتربية الروحية، وقد وُجِد في الغرب من يعتبر نفسه متصوفاً، ويستعمل المصطلحات (*) وبعض السلوكيات الإسلامية دون أن يكون مسلماً، وذلك من بين أتباع اليهودية والمسيحية والبوذية وغيرها من الأديان.
ـ تجسيم الصراع بين فقهاء الإسلام ومنحرفي المتصوفة على أنها هي السمة الغالبة في العقيدة والفقه الإسلاميين.
ـ تراجعت الصوفية وذلك ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ولم يعد لها ذلك السلطان الذي كان لها فيما قبل، وذلك بالرغم من دعم بعض الدول الإسلامية للتصوف كعامل مُثبِّط لتطلعات المسلمين في تطبيق الإسلام القائم على دعوة الكتاب والسنة.
ويتضح مما سبق:
أن التصوف عبر تاريخه الطويل هو انحرافٌ عن منهج (*) الزهد الذي يحضّ الإسلام سلوكَ سبيله والمقترن بالعلم والعمل والجهاد (*) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفع الأمة ونشر الدين (*) . ولذا رفضه الرسول (*) الكريم من بعض أصحابه، ثم زاد هذا الانحراف عندما اختلط التصوف بالفلسفات (*) الهندية واليونانية والرهبانية (*) النصرانية في العصور المتأخرة، وتفاقم الأمر عندما أصبحت الصوفية تجارة للمشعوذين والدجالين ممن قلت بضاعتهم في العلم وقصر سعيهم عن الكسب الحلال. وقد أدرك أعداء الإسلام ذلك فحاولوا أن يُشوِّهوا الإسلام من الداخل من خلال التصوف، ويقضوا على صفاء عقيدة التوحيد التي يمتاز بها الإسلام، ويجعلوا المسلمين يركنون إلى السلبية حتى لا تقوم لهم قائمة.
مراجع للتوسع:
- جهود علماء السلف في الرد على الصوفية - د محمد الجوير - مكتبة الرشد.
- دراسة عن عبد القادر الجيلاني - الشيخ سعيد بن مسفر القحطاني.
ـ التصوف الإسلامي، أحمد توفيق عياد، الأنجلو المصرية، 1970م.
ـ المنقذ من الضلال لحجة الإسلام الغزالي، مع أبحاث في التصوف، د. عبد الحليم محمود، مطبعة حسان، القاهرة.
ـ مجموع فتاوى ابن تيمية، المجلد 11 عن التصوف، والمجلد 10 عن السلوك، طبعة 1398هـ.
ـ الدعوة الإسلامية في غرب أفريقيا. د. حسن عيسى عبد الظاهر، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود، 1401هـ ـ 1981م.
ـ نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها، د. عرفان عبد الحميد فتاح، المكتب الإسلامي، بيروت، 1394هـ/1974م.
ـ في التصوف الإسلامي وتاريخه، أبو العلا عفيفي.
ـ الصوفية الإسلامية، نيكلسون، ترجمة شريبة.
ـ إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي، دار إحياء الكتب العربية، 1957م.
ـ الفتوحات المكية، للشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن عربي، بيروت، دار صادر، بلا تاريخ.
ـ كتاب الطواسين للحلاج، نشرة لويس ماسنيون، باريس 1913م.
ـ أخبار الحلاج، نشرة لو. م سيراب، نوينسان س ش.
ـ ديوان الحلاج، نشرة لويس ماسنيون، باريس 1931م.
ـ كتاب اللمع، لأبي نصر السراج الطوسي، تحقيق د. عبد الحليم محمود، وطه عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة، مصر 1960م.
ـ الرسالة القشيرية، لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن، مكتبة محمد علي صبيح، القاهرة 1957م.
ـ في التصوف الإسلامي وتاريخه، أرنولد رينولدز نيكلسون، مجموع مقالات ترجمها الدكتور أبو العلا عفيفي، القاهرة 1947م.
ـ المذاهب الصوفية ومدارسها، عبد الحكيم عبد الغني قاسم.
ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، عبد الرحمن عبد الخالق.
ـ المصادر العامة للتلقي عند الصوفية، عرضاً ونقداً، صادق سليم صادق.
ـ أبو حامد الغزالي والتصوف، عبد الرحمن دمشقية.
ـ دراسات حول التصوف، إحسان إلهي ظهير.
ـ الصوفية، محمد العبدة، طارق عبد الحليم.
ـ المذاهب والأفكار في التصور الإسلامي، محمد الحسن.
ـ دراسات في الفرق والمذاهب القديمة والمعاصرة، عبد الله الأمين.
ـ التصوف والأدب، زكي مبارك، د. عبد الرحمن بدوي.
ـ تاريخ التصوف، د. عبد الرحمن بدوي.
المراجع الأجنبية:
- Nicholson. R. A Studies in Islamic Mysticism. Combridge 1961.
- Spencer Trimingham. T. The sufi Orders of Islam. Oxford 1971.
- Arberry. A.J. An Introduction to the History of Sufism. Oxford 1942.
- Nicholson: Literary History of the Arabs.
- Macdonald: Development of Moslem Theology.
- Sufism: An Account of the Mystics of Islam، London 1956.
- Fazlur Rahman: Islam، London 1966.
- Encyclopedia of Religion and Ethics 1908. the Articles: Soul-Pantheism sufis.
- Encyclopedia of Islam the New Edition the Articles: Al-Hallja-ibn-Arabi Al-Bistami-Asceticism.
طرق الصوفية
الصوفية وما تفرع عنها من طرق:
1-
الشاذلية
2-
التيجانية
3-
السنوسية
4-
الختمية
5-
البريلوية
الشاذلية
التعريف:
طريقة صوفية تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي، يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية، وإن كانت تختلف عنها في سلوك المريد وطريقة تربيته بالإضافة إلى اشتهارهم بالذكر المفرد "الله" أو مضمرًا "هو".
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· أبو الحسن الشاذلي: اختلف في نسبه، فمريدوه، وأتباعه ينسبونه إلى الأشراف ويصلون بنسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما كعادة أهل كل طريقة صوفية، وبعضهم ينسبه إلى الحسين، وبعضهم إلى غيره.
ـ ذكره الإمام الذهبي في العبر فقال: "الشاذلي: أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي، الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية، سكن الإسكندرية وله عبارات في التصوف توهم، ويتكلف له في الاعتذار عنها، وعنه أخذ أبو العباس المرسي، وتوفي الشاذلي بصحراء عيذاب متوجهًا إلى بيت الله الحرام في أوائل ذي القعدة 656هـ"، (عيذاب على طريق الصعيد بمصر) .
ـ تتلمذ أبو الحسن الشاذلي في صغره على أبي محمد عبد السلام بن بشيش، في المغرب، وكان له أكبر الأثر في حياته العلمية والصوفية.
ـ ثم رحل إلى تونس، وإلى جبل زغوان، حيث اعتكف للعبادة، وهناك ارتقى منازل عالية، كما تزعم الصوفية.
ـ رحل بعد ذلك إلى مصر وأقام بالإسكندرية، حيث تزوج وأنجب أولاده شهاب الدين أحمد وأبو الحسن علي، وأبو عبد الله محمد وابنته زينب، وفي الإسكندرية أصبح له أتباع ومريدون، وانتشرت طريقته في مصر بعد ذلك، وانتشر صيته على أنه من
أقطاب (*) الصوفية.
ـ تروي كتب الصوفية كثيرًا من كراماته (*) وأقواله البعيدة عن التصديق، التي تنطوي على مخالفة صريحة لعقيدة الإسلام وللكتاب والسنة، اللذين هما أساس دعوته كما يقول عن نفسه، ومن هذه الكرامات (*) والأقوال: ـ ينقل الدكتور عبد الحليم محمود نقلاً عن درَّة الأسرار: "لما قدم المدينة زادها الله تشريفًا وتعظيمًا، وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه، عريان الرأس، حافي القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لي، فإن الله عز وجل يقول: (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تَدْخُلوا بيوتَ النبي إلا أن يؤذَنَ لكم) فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: يا علي، ادخل". وهذا مخالف للعقيدة. ويقول عن نفسه: "لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يكون في غد وبعد غد إلى يوم القيامة" وهذا ادعاءٌ لعلم الغيب وشرك بالله تعالى.
ـ للشاذلي أوراد تسمى حزب الشاذلي ورسالة الأمين في آداب التصوف رتَّبها على أبواب، وله السر الجليل في خواص حسبنا الله ونعم الوكيل وللإمام تقي الدين ابن تيمية رد على حزبه.
· أبو العباس المرسي: أحمد بن عمر المرسي أبو العباس شهاب الدين، من أهل الإسكندرية، لا يُعرف تاريخ ولادته وأهله من مرسيه بالأندلس، توفي سنة 686هـ ـ 1287م.
ـ يعد خليفة أبي الحسن الشاذلي وصار قطبًا (*) بعد موته، حسب ما يقول الصوفية، وله مقام كبير ومسجد باسمه في مدينة الإسكندرية.
ـ قال عن نفسه: "والله لو حُجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين".
ـ وكان يدعي صحبة الخضر واللقاء معه.
ـ وكان له تأويل (*) باطني (*) مثل ما كان لشيخه أبي الحسن، ومثال ذلك ما ذكره تلميذه ابن عطاء الله الإسكندري: سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول في قوله تعالى: (ما نَنْسَخْ من آيةٍ أو نُنْسِها نأتِ بخيرٍ منها أو مِثْلِها) أي: ما نُذهب من ولي (*) لله إلا ونأتي بخير منه أو مثله. وهذا إلحادٌ (*) بيِّنٌ في آيات الله تعالى. ثم خلف على مشيخة الشاذلية بعد أبي العباس المرسي ياقوتُ العرش، وكان حبشيًّا، وسمي بالعرش لأن قلبه لم يزل تحت العرش كما تقول الصوفية، وما على الأرض إلا جسده.
وقيل: لأنه كان يسمع أذان حملة العرش. هذا ما جاء في طبقات الشعراني، وهو من خرافات الصوفية التي لا تقف عند حد.
الأفكار والمعتقدات:
· تشترك كل الطرق الصوفية في أفكار ومعتقدات واحدة، وإن كانت تختلف في أسلوب سلوك المريد أو السالك وطرق تربيته، ونستطيع أن نُجمِل أفكار الطريقة الشاذلية في نقاط محددة، مع العلم أن هذه النقاط كما سنرى قد تفسر لدى الصوفية غير التفسير المعهود لدى عامة العلماء والفقهاء، وهذه النقاط هي:
ـ التوبة: وهي نقطة انطلاق المريد أو السالك إلى الله تعالى.
ـ الإخلاص: وينقسم لديها إلى قسمين:
1 ـ إخلاص الصادقين.
2 ـ إخلاص الصِّدِّيقين.
ـ النية: وتعد أساس الأعمال والأخلاق (*) والعبادات.
ـ الخلوة: أي اعتزال الناس، فهذا من أسس التربية الصوفية. وفي الطريقة الشاذلية يدخل المريد الخلوة لمدة ثلاثة أيام قبل سلوك الطريق.
ـ الذكر: والأصل فيه ذكر الله تعالى، ثم الأوراد، وقراءة الأحزاب المختلفة في الليل والنهار. والذكر المشهور لدى الشاذلية هو ذكر الاسم المفرد لله أو مضمرًا (هو هو) . وهذا الذكر بهذه المثابة بدعة (*) ، وقد مر بنا ما قاله عنه ابن تيمية بأنه ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، وأن الشرع لم يستحب من الذكر إلا ما كان تامًّا مفيدًا مثل: لا إله إلا الله، والله أكبر.
ـ الزهد: وللزهد تعاريف متعددة عند الصوفية منها:
1 ـ فراغ القلب مما سوى الله، وهذا هو زهد العارفين.
2 ـ وهو أيضًا ـ عندهم ـ الزهد في الحلال وترك الحرام.
ـ النفس: ركزت الشاذلية على أحوال للنفس هي:
1 ـ النفس مركز الطاعات إن زَكَتْ واتقت.
2 ـ النفس مركز الشهوات في المخالفات.
3 ـ النفس مركز الميل إلى الراحات.
4 ـ النفس مركز العجز في أداء الواجبات.
لذلك يجب تزكيتها حتى تكون مركز الطاعات فقط.
ـ الورع: وهو العمل لله وبالله على البينة الواضحة والبصيرة الكامنة.
ـ التوكل: وهو صرف القلب عن كل شيء إلا الله.
ـ الرضى: وهو رضى الله عن العبد.
ـ المحبة: وهي في تعريفهم: سفر القلب في طلب المحبوب، ولهج اللسان بذكره على الدوام.
ـ وللحب درجات لدى الشاذلية وأعلى درجاته ما وصفته رابعة العدوية بقولها:
أحبك حبَّين: حب الهوى وحبًّا لأنك أهل لذاك
ـ الذوق: ويعرِّفونه بأنه تلقي الأرواح للأسرار الطاهرة في الكرامات (*) وخوارق العادات، ويعدونه طريق الإيمان بالله والقرب منه والعبودية له. لذلك يفضل الصوفية العلوم التي تأتي عن طريق الذوق على العلوم الشرعية من الفقه والأصول وغير ذلك، إذ يقولون: علم الأذواق لا علم الأوراق، ويقولون: إن علم الأحوال يتم عن طريق الذوق، ويتفرع منه علوم الوجد (*) والعشق والشوق.
ـ علم اليقين: وهو معرفة الله تعالى معرفة يقينية، ولا يحصل هذا إلا عن طريق الذوق، أو العلم اللدني أو الكشف (*) ..إلخ.
· ومع ذلك فإن الشاذلي يقول بأن التمسك بالكتاب والسنة هو أساس طريقته، فمن أقواله:"إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك إن الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة".
ـ ويقول أيضًا: "كل علم يسبق إليك فيه الخاطر، وتميل إليه النفس وتلذّ به الطبيعة فارمِ به، وإن كان حقًّا، وخذ بعلم الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم واقتدِ به وبالخلفاء والصحابة والتابعين من بعده". · وكذلك فإن الصوفية عامة يرون ـ ومنهم الشاذلية ـ أن علم الكتاب والسنة لا يؤخذان إلا عن طريق شيخ أو مربٍّ أو مرشد، ولا يتحقق للمريد العلم الصحيح حتى يطيع شيخه طاعة عمياء في صورة:"المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي مُغسِّله" لذلك يُنظر إلى الشيخ نظرة تقديسية ترفعه عن مرتبته الإنسانية.
ـ السماع: وهو سماع الأناشيد والأشعار الغزلية الصوفية. وقد نقل عن أحد أعلام التصوف
قوله: "الصوفي هو الذي سمع السماع وآثره على الأسباب". ونقل عن الشعراني عن الحارث المحاسبي قوله: "مما يتمتع به الفقراء سماع الصوت الحسن"، و"إنه من أسرار الله تعالى في الوجود".
ـ وقد أفرد كُتَّاب التصوف للسماع أبوابًا منفصلة في مؤلفاتهم، لما له من أهمية خاصة عندهم.
ـ يكثر في السماع الأشعار التي تصل إلى درجة الكفر (*) والشرك، كرفع الرسول (*) صلى الله عليه وسلم إلى مرتبة عالية لم يقل بها أحد من أصحابه، ولا هي موجودة في كتاب ولا سنة، فضلاً عن الإكثار من الاستغاثة لا المناجاة كما يقول البعض:
يا كتاب الغيوب قد لجأنا إليك
يا شفاء القلوب الصلاة عليك
· وهناك أفكار واعتقادات كثيرة يجدها القارئ في كتب التصوف مبتدعة (*) دخلت الفكر الإسلامي عن طريق الفلسفات (*) اليونانية والهندية.
الجذور الفكرية والعقائدية:
كانت المذاهب (*) الصوفية كلها عبارة عن مدارس تربوية تدعو إلى تزكية النفس وإلى الزهد في الدنيا والعمل الصالح، إلا أن هذه المدارس دخلتها الفلسفة اليونانية والفلسفة الهندية، وحتى النصرانية واليهودية وغيرها من الفلسفات، وذلك أثناء حركة الترجمة في القرن الرابع الهجري، فتأثرت الصوفية بها، وبدأ الانحراف في هذه المدارس عن الطريق الإسلامي السوي.
فقد أخذت الصوفية من الفلسفة (*) الهندية مراحل ترقِّي الإنسان إلى الفناء (*) أو الزفانا (*) ، وذلك بتطهير نفسه بالجوع والزهد وترك الدنيا حتى يصل إلى السعادة الحقيقية. وأخذت الصوفية الرهبانية (*) من النصرانية المنحرفة، وهو الانقطاع عن الناس والعزلة عن الخلق والزهد.
ومن الفلسفة اليونانية نظرية الفيض (*) الإلهي، والاتحاد (*) والحلول (*) عند بعض الصوفية.
ولو تتبع المدقق في المذاهب الصوفية لوجد العجب من المصطلحات والمعلومات البعيدة كل البعد عن تعاليم الشريعة الإسلامية (*) الواضحة البينة.
أماكن الانتشار:
مركز الشاذلي الأول هو مصر وبخاصة مدينة الإسكندرية، وطنطا، ودسوق بمحافظة كفر الشيخ، ثم انتشرت في باقي البلاد العربية. وأهم مناطق نشاطها سوريا والمغرب العربي، ولها وجود إلى الآن في ليبيا، وفي السودان في الوقت الحاضر.
يتضح مما سبق:
أن الشاذلية طريقة صوفية تنتسب إلى أبي الحسن الشاذلي، وهو علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف أبو الحسن الهذلي الشاذلي نسبة إلى شاذلة في المغرب بشمال أفريقيا. وتشترك هذه الطريقة مع غيرها من الطرق الصوفية في كثير من الأفكار والمعتقدات، وإن كانت تختلف في أسلوب سلوك المريد أو سالك وطرق تربيته. ومجمل أفكار هذه الطريقة: التوبة، والإخلاص، النية، الخلوة، الذكر، الزهد، النفس، الورع، التوكل، الرضى، المحبة، الذوق، علم اليقين، السماع. ولهذه الألفاظ معانٍ تختلف بدرجات متفاوتة عن المعاني الشرعية.
أما علم القرآن والسنة فلا يؤخذان عند الشاذلي إلا عن طريق شيخ أو مُربٍّ أو مرشد، وهو ما يستوجب على السالك الطاعة العمياء لهم. ويؤخذ على الشاذلية ما يؤخذ على الطرق الصوفية من مآخذ انحرفت بسالكيها عن الطريق الإسلامي السوي.
مراجع للتوسع:
ـ المدرسة الشاذلية الحديثة ـ إمامها أبو الحسن الشاذلي، للدكتور عبد الحليم محمود.
ـ دراسات في التصوف، إحسان إلهي ظهير، لاهور، باكستان 1409هـ.
ـ المذاهب الصوفية ومدارسها، عبد الحكيم عبد الغني قاسم، مكتبة مدبولي، القاهرة 1989م. ـ التصوف في ميزان البحث والتحقيق، عبد القادر حبيب الله السندي، مكتبة ابن القيم، المدينة المنورة 1410هـ ـ 1990م.
ـ الطبقات الكبرى، للشعراني، مكتبة القاهرة 1390هـ.
ـ لطائف المنن، ابن عطاء الله الإسكندري، مطبعة حسان، القاهرة.
ـ من أعلام التصوف الإسلامي، طه عبد الباقي سرور، دار نهضة مصر.
ـ سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، طـ. بيروت.
ـ جامع الرسائل، ابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم، القاهرة 1389هـ/ 1969م.
ـ الاستقامة، ابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم ط. جامعة الإمام 1403هـ/1983م.
التيجانية
التعريف:
التيجانية: فرقة صوفية يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية ويزيدون عليها الاعتقاد بإمكانية مقابلة النبي (*) صلى الله عليه وسلم، مقابلة مادية واللقاء به لقاءً حسيًّا في هذه الدنيا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصهم بصلاة (الفاتح لما أُغلق) التي تحتل لديهم مكانة عظيمة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
·المؤسس هو: أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار ابن أحمد بن محمد سالم التيجاني، وقد عاش مابين (1150-1230هـ)(1737 ـ 1815م) وكان مولده في قرية عين ماضي من قرى الصحراء بالجزائر حاليًّا.
ـ حفظ القرآن الكريم ودرس شيئًا من الخليل.
ـ درس العلوم الشرعية، وارتحل متنقلاً بين فاس وتلمسان وتونس والقاهرة ومكة والمدينة ووهران.
ـ أنشأ طريقته عام (1196هـ) في قرية أبي سمغون وصارت فاس المركز الأول لهذه الطريقة، ومنها تخرج الدعوة لتنتشر في أفريقيا بعامة.
ـ أبرز آثاره التي خلَّفها لمن بعده زاويته التيجانية في فاس، وكتابه جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التيجاني الذي قام بجمعه تلميذه علي حرازم.
من مشاهيرهم بعد المؤسس:
ـ علي حرازم أبو الحسن بن العربي برادة المغربي الفاسي وقد توفي في المدينة النبوية.
ـ محمد بن المشري الحسني السابحي السباعي (ت1224هـ) صاحب كتاب الجامع لما افترق من العلوم وكتاب نصرة الشرفاء في الرد على أهل الجفاء.
ـ أحمد سكيرج العياشي 1295 ـ 1363هـ ولد بفاس، ودرس في مسجد القرويين، وعين مدرسًا فيه، تولى القضاء، وزار عددًا من مدن المغرب، وله كتاب الكوكب الوهاج وكتاب كشف الحجاب عمن تلاقى مع سيدي أحمد التيجاني من الأصحاب.
ـ عمر بن سعيد بن عثمان الفوتي السنغالي: ولد سنة 1797م في قرية الفار من بلاد ديمار بالسنغال حاليًّا، تلقى علومه في الأزهر بمصر، ولما رجع إلى بلاده أخذ ينشر علومه بين الوثنيين (*) ، وكانت له جهود طيبة في مقاومة الفرنسيين. وقد كانت وفاته سنة 1283هـ، وخلفه من بعده اثنان من أتباعه، وأهم مؤلفاته رماح حزب الرحيم على نحور
حزب الرجيم الذي كتبه سنة 1261 ـ 1845م.
ـ محمد عبد الحافظ بن عبد اللطيف بن سالم الشريف الحسني التيجاني المصري 1315 ـ 1398هـ وهو رائد التيجانية في مصر، وقد خلف مكتبة موجودة الآن في الزاوية التيجانية بالقاهرة وله كتاب الحق والخلق، وله الحد الأوسط بين من أفرط ومن فرط، وشروط الطريقة التيجانية كما أسس مجلة طريق الحق سنة 1370 ـ 1950م.
الأفكار والمعتقدات:
· من حيث الأصل هم مؤمنون بالله سبحانه وتعالى إيمانًا يداخله كثير من الشركيات.
· ينطبق عليهم ما ينطبق على الصوفية بعامة من حيث التمسك بمعتقدات المتصوفة وفكرهم وفلسفتهم ومن ذلك إيمانهم بوحدة الوجود، انظر جواهر المعاني1/259، وإيمانهم بالفناء (*) الذي يطلقون عليه اسم (وحدة الشهود (*)) انظر كذلك جواهر المعاني 1/191.
· يقسمون الغيب إلى قسمين: غيب مطلق استأثر الله بعلمه، وغيب مقيد وهو ما غاب عن بعض المخلوقين دون بعض. ورغم أن هذا في عمومه قد يشاركهم فيه غيرهم من المسلمين إلا أنهم يتوسعون في نسبة علم الغيب إلى مشايخهم.
ـ يزعمون بأن مشايخهم يكشفون (*) عن بصائرهم، فهم يقولون عن شيخهم أحمد التيجاني:(ومن كماله رضي الله عنه نفوذ بصيرته الربانية وفراسته النورانية التي ظهر بمقتضاها في معرفة أحوال الأصحاب، وفي غيرها إظهار المضمرات وإخبار بمغيبات وعلم بعواقب الحاجات وما يترتب عليها من المصالح والآفات وغير ذلك من الأمور الواقعات" (انظر الجواهر 1/63) .
· يدعي زعيمهم أحمد التيجاني بأنه قد التقى بالنبي (*) صلى الله عليه وسلم لقاءً حسيًّا ماديًّا وأنه قد كلمه مشافهة، وأنه تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم صلاة (الفتح لما أغلق) . ـ صيغة هذه الصلاة:"اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، الهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم" ولهم في هذه الصلاة اعتقادات نسوق منها ما يلي:
ـ أن الرسول (*) صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المرة الواحدة منها تعدل قراءة القرآن ست مرات.
ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبره مرة ثانية بأن المرة الواحدة منها تعدل من كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير، ومن قراءة القرآن ستة آلاف مرة؛ لأنه كان من الأذكار. (انظر الجواهر 1/136) .
ـ أن الفضل لا يحصل بها إلا بشرط أن يكون صاحبها مأذوناً بتلاوتها، وهذا يعني تسلسل نسب الإذن حتى يصل إلى أحمد التيجاني الذي تلقاه عن رسول الله ـ كما يزعم.
ـ أن هذه الصلاة هي من كلام الله تعالى بمنزلة الأحاديث القدسية، (انظر الدرة الفريدة 4/128) .
ـ أن من تلا صلاة الفاتح عشر مرات كان أكثر ثواباً من العارف الذي لم يذكرها، ولو عاش ألف ألف سنة.
ـ من قرأها مرة كُفِّرت بها ذنوبه، ووزنت له ستة آلاف من كل تسبيح ودعاء وذكر وقع في الكون.. إلخ (انظر كتاب مشتهى الخارف الجاني 299 ـ 300) .
· يلاحظ عليهم شدة تهويلهم للأمور الصغيرة، وتصغيرهم للأمور العظيمة، على حسب هواهم، مما أدى إلى أن يفشو التكاسل بينهم والتقاعس في أداء العبادات والتهاون فيها وذلك لما يشاع بينهم من الأجر والثواب العظيمين على أقل عمل يقوم به الواحد منهم.
· يقولون بأن لهم خصوصيات ترفعهم عن مقام الناس الآخرين يوم القيامة ومن ذلك:
ـ أن تخفف عنهم سكرات الموت.
ـ أن يظلهم الله في ظل عرشه.
ـ أن لهم برزخًا يستظلون به وحدهم.
ـ أنهم يكونون مع الآمنين عند باب الجنة حتى يدخلوها في الزمرة الأولى مع المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه المقربين.
· يقولون بأن النبي (*) صلى الله عليه وسلم قد نهى أحمد التيجاني عن التوجه بالأسماء الحسنى، وأمره بالتوجه بصلاة الفاتح لما أغلق وهذا مخالف لصريح الآية الكريمة:(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)[سورة الأعراف، الآية: 180] .
ـ يقولون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أحمد التيجاني بالتوجه بصلاة الفاتح لما أغلق، وأنه لم يأمر بها أحدًا قبله، وفي ذلك افتراء بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كتم عن الأمة المسلمة شيئًا مما أوحي إليه من ربه، وقد ادخره حتى حان وقت إظهاره حيث باح به لشيخهم أحمد التيجاني.
· هم كباقي الطرق الصوفية يجيزون التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وعباد الله الصالحين، ويستمدون منه ومنهم ومن الشيخ عبد القادر الجيلاني ومن أحمد التيجاني ذاته، وهذا مما نهى عنه شرع الله الحكيم.
· تتردد في كتبهم كثير من ألقاب الصوفية كالنجباء (*) والنقباء (*) والأبدال (*) والأوتاد (*) ، وتترادف لديهم كلمتا الغوث (*) والقطب (*) (الذي يقولون عنه بأنه ذلك
الإنسان الكامل الذي يحفظ الله به نظام الوجود!!
· يقولون بأن أحمد التيجاني هو خاتم الأولياء (*) مثلما أن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء.
· يقول أحمد التيجاني (من رآني دخل الجنة) . ويزعم أن من حصل له النظر إليه يومي الجمعة والاثنين دخل الجنة. ويؤكد على أتباعه بأن النبي صلى الله عليه وسلم ذاته قد ضمن له ولهم الجنة يدخلونها بغير حساب ولا عقاب.
· ينقلون عن أحمد التيجاني قوله: "إن كل ما أعطيه كل عارف بالله أعطي لي".
· وكذلك قوله: إن طائفة من أصحابه لو وزنت أقطاب (*) أمة محمد ما وزنوا شعرة فرد من أفرادهم، فكيف به هو!!.
· وقوله: "إن قَدَميَّ هاتين على رقبة كل ولي من لدن خلق الله آدم إلى النفخ في الصور".
· لهم ورد يقرؤونه صباحًا ومساءً، ووظيفته تقرأ في اليوم مرة صباحًا أو مساءً، وذكر ينعقد بعد العصر من يوم الجمعة على أن يكون متصلاً بالغروب، والأخيران الوظيفة والذكر يحتاجان إلى طهارة مائية، وهناك العديد من الأوراد الأخرى لمناسبات مختلفة.
· من أخذ وردًا فقد ألم نفسه به ولا يجوز له أن يتخلى عنه وإلا هلك وحلت به العقوبة العظمى!!.
· نصَّب أحمد التيجاني نفسه في مقام النبوة (*) يوم القيامة إذ قال: "يوضع لي منبر من نور يوم القيامة، وينادي مناد حتى يسمعه كل من في الموقف: يا أهل الموقف هذا إمامكم الذي كنتم تستمدون منه من غير شعوركم"(انظر الإفادة الأحمدية ص 74) .
الجذور الفكرية والعقائدية:
· مما لا شك فيه بأنه قد استمد معظم آرائه من الفكر الصوفي وزاد عليها شيئًا من
أفكاره.
· وقد نهل من كتب عبد القادر الجيلاني وابن عربي والحلاج وغيرهم من أعلام المتصوفة.
· وخلال فترة تشكله قبل تأسيس الطريقة قابل عددًا من مشايخ الصوفية وأخذ إذناً وأورادًا عنهم وأبرز تلك الطرق القادرية والخلوتية.
· واستفاد من كتاب المقصد الأحمد في التعريف بسيدي أبي عبد الله أحمد تأليف أبي محمد عبد السلام بن الطيب القادري الحسيني والمطبوع بفارس سنة 1351هـ.
· كان لانتشار الجهل أثر كبير في ذيوع طريقته بين الناس.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· بدأت هذه الحركة (*) من فاس وما زالت تنتشر حتى صار لها أتباع كثيرون في بلاد المغرب والسودان الغربي (السنغال) ونيجيريا وشمالي أفريقيا ومصر والسودان وغيرها من أفريقيا.
· صاحب كتاب التيجانية علي بن محمد الدخيل الله يقدر في عام 1401هـ ـ 1981م عدد التيجانيين في نيجيريا وحدها بما يزيد على عشرة ملايين نسمة.
ويتضح مما سبق:
أن التيجانيين مبتدعون في عباداتهم وكل بدعة (*) ضلالة؛ لأنهم ذهبوا إلى تخصيص أدعية بذاتها غير واردة في الشرع، وألزموا الناس بعبادات معينة في أوقات مخصوصة لا تستند إلى أساس، فضلاً عن أن لهم معتقدات تخرج بمن يعتنقها عن الملة (*) كالقول بالحلول (*) والاتحاد.
مراجع للتوسع:
ـ الهداية الهادية إلى الطائفة التيجانية، الدكتور محمد تقي الدين الهلالي ـ دار الطباعة الحديثة بالدار البيضاء، ط. 2. 1397هـ ـ 1977م.
ـ كتاب مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التيجاني الجاني، محمد الخضر ابن سيدي عبد الله بن مايابي الجكني الشنقطي ـ طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر.
ـ التيجانية، علي بن محمد الدخيل الله، نشر وتوزيع دار طيبة ـ الرياض ـ دار مصر للطباعة 1401 هـ ـ 1981م.
ـ الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية، عبد الرحمن بن يوسف الأفريقي ـ ط. 4، توزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1396هـ ـ 1976م.
ـ جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس، التيجاني، وبهامشه رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم، قام بجمعه علي حرازم (وهو في جزأين) مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1380هـ ـ 1961م.
ـ المقتصد الأحمد في التعريف بسيدنا أبي عبد الله أحمد، أبو محمد عبد السلام بن الطيب القادري الحسيني ـ المطبعة الحجرية بفاس ـ طبع سنة 1351هـ.
ـ الدرة الخريدة شرح الياقوتة الفريدة، محمد بن عبد الواحد السوسي النظيفي، طبعة 1398هـ ـ 1978م.
ـ بغية المستفيد بشرح منية المريد، محمد العربي السائح ـ دار العلوم للجميع ـ 1393هـ ـ 1973م.
ـ أقوى الأدلة والبراهين على أن أحمد التيجاني خاتم الأقطاب المحمديين بيقين، جمعه حسين حسن الطائي التيجاني، دار الطباعة المحمدية ـ القاهرة.
ـ أعداد مجلة طريق الحق، وهي خاصة بالطريقة التيجانية ـ تصدر بالقاهرة.
ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، عبد الرحمن عبد الخالق، الطبعة الثانية ـ مكتبة ابن تيمية، الكويت.
السنوسية
التعريف:
السنوسية دعوة إسلامية مشوبة بالصوفية؛ ظهرت في ليبيا، وعمت مراكزها الدينية شمالي أفريقيا والسودان والصومال، وبعض البلاد الإسلامية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· تأسست الدعوة السنوسية في ليبيا في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) ، بعد شعور مؤسسها بضعف المسلمين وتأخرهم دينيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، فأنشأ حركته (*) التجديدية.
ومن أبرز شخصياتها:
ـ الشيخ محمد بن علي السنوسي 1202هـ ـ 1276هـ (1787 ـ 1859م) وهو المؤسس للدعوة السنوسية، وتنسب السنوسية لجده الرابع.
وُلد في مستغانم في الجزائر، ونشأ في بيت علم وتُقىً. وعندما بلغ سن الرشد تابع دراسته في جامعة مسجد القرويين بالمغرب، ثم أخذ يجول في البلاد العربية يزداد علماً فزار تونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن ثم رجع إلى مكة وأسس فيها أول زاوية لما عُرِف فيما بعد بالحركة السنوسية.
وله نحو أربعين كتاباً ورسالة منها: الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية وإيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن.
ـ الشيخ المهدي محمد بن علي السنوسي 1261 ـ 1319هـ (1844 ـ 1902م) خلف والده في قيادة الدعوة السنوسية وعمره اثنا عشر عاماً.
ـ الشيخ أحمد الشريف السنوسي ابن عم المهدي ـ ولد سنة 1290هـ (1873م) تلقى تعليمه على يد عمه شخصيًّا، وعاصر هجمة الاستعمار (*) الأوروبي على شمال إفريقيا وهجوم إيطاليا على ليبيا فاستنجد في عام 1917م بالحكومة العثمانية، فلم تنجده خوفاً من على مركزها الديني. وقد وقف مع (مصطفى كمال أتاتورك) ظناً منه أنه حامي الدين ـ كما كان يطلق عليه ـ ولصد الهجمة الغربيَّة على تركيا.. ولما تبين له مقاصده الحقيقية المعادية للإسلام غادر الشيخ أحمد تركيا إلى دمشق عام 1923م، وعندما شعرت فرنسا بخطره على حكومة الانتداب طلبته فهرب بسيارة عبر الصحراء إلى الجزيرة العربية.
ـ الشيخ عمر المختار 1275 ـ 1350هـ (1856 ـ 1931م) وهو البطل المجاهد، أسد القيروان، الذي لم تحل السنوات السبعون من عمره بينه وبين الجهاد (*) ضد الإيطاليين المستعمرين لليبيا، حيث بقي عشر سنوات يقاتل قوى الاستعمار أكبر منه بعشرات المرات، ومجهزة بأضخم الأسلحة في ذلك العصر، إلى أن تمكن منه الاستعمار (*) الإيطالي الغاشم، ونفَّذ فيه حكم الإعدام وذلك في يوم الأربعاء السادس عشر من أيلول (سبتمبر) 1931م ويرجى أن يكون شهيداً في سبيل الله.
الأفكار والمعتقدات:
· السنوسية حركة تجديدية (*) إسلامية.
ـ تأثَّر السنوسيُّ بالإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية وأبي حامد الغزالي ومحمد بن عبد الوهاب وبحركته السلفية (*) في مجال العقيدة بوجه خاص.
ـ وتأثر السنوسيُّ أيضاً بالتصوف الخالي من الشركيات والخرافات، كالتوسل بالأموات والصالحين، ووضع منهجاً للارتقاء بالمسلم.
ـ تتشدد السنوسية في أمور العبادة، وتتحلى بالزهد في المأكل والملبس. وقد أوجب السنوسيون على أنفسهم الامتناع عن شرب الشاي والقهوة والتدخين.
ـ تدعو السنوسية إلى الاجتهاد (*) ومحاربة التقليد (*) . وعلى الرغم من أن السنوسيِّ مالكيُّ المذهب، إلا أنه يخالفه إن جاء الحق مع غيره.
ـ الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والابتعاد عن أسلوب العنف واستعمال القوة.
ـ الاهتمام بالعمل اليدويِّ لجاد من تعاليم السنوسية. وكان السنوسي يقول دائمًا: "إن الأشياء الثمينة توجد في غرس شجرة وفي أوراقها" لذلك ازدهرت الزراعة والتجارة في الواحات الليبية حيث مراكز الدعوة السنوسية.
ـ "الجهاد (*) الدائم في سبيل الله ضد المستعمرين الصليبيين وغيرهم"، هذا هو الشعار الدائم للسنوسية. وقد دفع ثمن ذلك آلاف في جهادهم ضد الاستعمار الإيطالي (*) يرجى ألا يحرموا أجر الشهادة في سبيل الله.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· إن تربية السنوسي الإسلامية وقوة إخلاصه وحماسه للإسلام فضلاً عن ذكائه
وصلابته ـ كل ذلك كان من الدوافع الأساسية للحركة السنوسية بشكل عام.
· أما المؤثِّرات والجذور الفكرية والسلوكية التي أثرت في دعوته فنجملها فيما يلي:
ـ تأثره الشديد بتعاليم الإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وخاصة أفكارهم السلفية في مجال العقيدة، وقد اكتسب هذا التأثر أثناء زيارته للحجاز لأداء فريضة الحج عام 1254هـ (1837م) التي كانت نقطة البداية للحركة السنوسية. وأخذ السنوسيُّ من الصوفية أساليب البيعة (*) ودرجات التزكية الروحية مثل درجة المنتسب ثم درجة الإخوان ثم درجة الخواص.
الانتشار ومواقع النفوذ:
ـ تعد واحة (جغبوب) في الصحراء الليبية بين مصر وطرابلس مركز الدعوة السنوسية، ففي هذه القرية كان يتعلم كل عام مئات من الدعاة، ثم يرسلون إلى كافة أجزاء أفريقيا الشمالية، دعاة للإسلام.
· وقد بلغت زوايا السنوسية الفرعية 121 زاوية تتلقى من زاويتهم الرئيسية التعليمات والأوامر في كل المسائل المتعلقة بتدبير وتوسيع أمر الدعوة السنوسية التي أصبحت تضم المسلمين من جميع الأجناس.
· وانتشرت الدعوة السنوسية في أفريقيا الشمالية كلها، وقد امتدت زواياها من مصر إلى مراكش. ووصلت جنوبًا إلى الصحراء في السودان والصومال وغرباً إلى الجزائر وكذلك انتشرت الدعوة السنوسية في خارج أفريقية حيث وصلت إلى أرخبيل الملايو في الشرق الأقصى.
· وقد استطاعت السنوسية أن تنشر الإسلام في القبائل الوثنيَّة (*) الإفريقية وتؤسس المدارس التعليمة والزوايا. ولم يقتصر التعليم على الذكور بل امتد التعليم إلى النساء والأطفال من الجنسين، واستعانت الدعوة بالنساء لنشر الإسلام بين نساء القبائل الوثنية.
ويتضح مما سبق:
أن السنوسية حركة دعوة إسلامية إصلاحية تجديدية (*) تعتمد في معظم أمورها على الكتاب والسُّنة مع تأثر بالتصوف، وقد ظهرت في ليبيا في القرن الثالث عشر الهجري، ومنها انتشرت إلى شمال أفريقيا والسودان والصومال وبعض البلاد العربية. وقد تأثرت هذه الحركة الدعوة بالإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية وأبي حامد الغزالي والشيخ محمد بن عبد الوهاب وحركته السلفية (*) في مجال العقيدة. كما تأثرت هذه الحركة بالتصوف الخالي من الشركيات والخرافات كالتوسل بالأموات
والصالحين ولها منهج متكامل للارتقاء بالمسلم. ومؤسس هذه الحركة هو محمد بن علي السنوسي 1202 ـ 1276هـ الذي تأثر بالمذهب المالكي إلا أنه يخالفه إن جاء الحق مع غيره. وتعتمد الحركة في الدعوة إلى الله على أسس الحكمة والموعظة الحسنة والابتعاد عن العنف. وهي تهتم بالعمل اليدوي الجاد والجهاد (*) الدائم في سبيل الله ضد المستعمرين والصليبيين وغيرهم.
مراجع للتوسع:
ـ الإسلام في القرن العشرين، عباس محمود العقاد.
ـ حركة التجديد الإسلامي في العالم العربي الحديث، جمال الدين عبد الرحيم مصطفى.
ـ محاضرات عن الحركات الإصلاحية ـ جمال الدين الشيَّال.
ـ محاضرات عن تاريخ العالم الإسلامي المعاصر، د. عبد الفتاح منصور.
ـ محمد بن عبد الوهاب، أحمد عبد الغفور عطار.
ـ قادة فتح المغرب العربي، محمود شيت خطاب.
ـ حاضر العالم الإسلامي، لوثروب ستودارد ـ تعليق شكيب أرسلان.
ـ الأعلام، للزركلي.
ـ الإسلام في النظرية والتطبيق، المهدية مريم جميل.
الختمية
التعريف:
الختمية طريقة صوفية، تلتقي مع الطرق الصوفية الأخرى في كثير من المعتقدات، مثل: الغلوِّ (*) في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وادعاء لقياه وأخذ تعاليمهم وأورادهم وأذكارهم التي تميزوا بها، عنه مباشرة. هذا إلى جانب ارتباط الطريقة بالفكر والمعتقد الشيعيِّ وأخذهم من أدب الشيعة (*) وجدالهم، ومحاولة المعاصرين منهم ربط الطائفة بالحركة الشيعيَّة المعاصرة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· مؤسس الطريق: محمد عثمان بن محمد أبو بكر بن عبد الله الميرغني المحجوب ويلقب (بالختم) إشارة إلى أنه خاتم الأولياء، ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية، كما تسمى الطريقة أيضاً الميرغنية ربطاً لها بطريقة جد المؤسس عبد الله الميرغني المحجوب.
ـ وُلد محمد عثمان الميرغني (الختم) بمكة عام 1208هـ/1833م، وتلقَّى العلوم الشرعيَّة على يد علمائها، وغلب عليه الاهتمام بالتصوف شأن أفراد أسرته جميعاً، فانخرط في عدة طرق: القادرية، الجنيدية، النقشبندية، الشاذلية، وطريقة جدِّه الميرغنية، كما تتلمذ على الشيخ أحمد بن إدريس وأخذ تعاليم الطريقة الإدريسية ومن هذه الطرق جميعاً استمد تعاليم طريقته الختمية.
ـ أوفده شيخه أحمد بن إدريس لنشر الطريقة الإدريسية الشاذلية في السودان، وقد لاقى نجاحاً محدوداً في شمال السودان وشرقه.
ـ بعد وفاة الشيخ أحمد بن إدريس 1253هـ/ 1838م تنافس الميرغني ومحمد بن علي السنوسي (مؤسس الطريقة السنوسية) على خلافة الشيخ، وبتأييد من بعض أتباع الشيخ كسب الميرغني المنافسة والتأييد واستطاع أن يكون طريقته الختمية وينشيء لها عدة زوايا في مكة وجدة والمدينة والطائف.
ـ بعث الميرغني بأبنائه إلى عدة جهات: جنوب الجزيرة ومصر والسودان للدعوة للطريقة الختمية ونشرها.
ـ ألَّف عدة كتب في التفسير والتوحيد وعدة دواوين شعرية يغلب عليها جميعاً الطابع الصوفي في لغتها ومضمونها. من أهم هذه الكتب: تاج التفاسير، النفحات المكِّية واللمحات الحقِّية في شرح أساس الطريقة الختمية، النور البراق في مدح النبي المصداق، ديوان النفحات المدنية في المدائح المصطفوية، ديوان مجمع الغرائب والمفرقات من لطائف الخرافات الذاهبات، مجموعة فتح الرسول، مولد النبي المسمى بالأسرار الربانية.
ـ على إثر خلاف مع بعض العلماء في مكة، رحل محمد عثمان الميرغني وذهب إلى الطائف، حيث أقام هناك حتى وفاته عام 1268هـ/1853م.
الحسن بن محمد عثمان (الختم) :
· وُلد في مدينة بارا بغرب السودان عام 1235هـ/1816م من امرأة تزوجها والده بتلك المدينة خلال رحلته إلى السودان التي أشرنا لها من قبل، التحق بوالده في مكة وتلقى تعليمه بها. بعث به والده إلى السودان لنشر الطريقة الختمية. لقي الحسن نجاحًا كبيرًا في دعوته لا سيما في شمال السودان وشرقه. أصبح الحسن شيخ الطريقة في السودان وأسَّس قرية الختمية بالقرب من مدينة كسلا في شرق السودان، كمركز للطائفة، وأصبح له مكانة كبيرة في تلك الأنحاء فاقت مكانة والده مؤسس الطريقة، وظل الحسن شيخًا للطريقة حتى وفاته عام 1286هـ/1899م.
محمد عثمان تاج السر بن الحسن بن محمد عثمان (الختم) :
· أصبح شيخ الطريقة بعد وفاة والده، وخلال فترة تولِّيه زعامة الطائفة ظهرت الحركة المهدية في السودان، فعارضها محمد عثمان تاج السر معارضةً شديدةً، وقاد أتباعه من الختمية لمقاومتها وخاضوا عدة معارك ضد جيوش المهدية في شرق السودان. وانتهى الأمر بهزيمته وفراره إلى مصر حيث ظل بها حتى وفاته عام 1303هـ/1886م.
علي الميرغني بن محمد عثمان تاج السر 1880 ـ 1968م:
ولد بجزيرة مسّاوي مركز مروري بشمالي السودان عام 1880م، انتقل مع والده إلى مدينة كسلا، وحينما اضطر والده إلى الهجرة إلى مصر إثر هزيمته على يد جيوش المهدية، تركه والده مع عمه تاج السر الحسن في سواكن. ثم لحق بأبيه وبقي في مصر حتى مجيء جيش الغزاة الإنجليز للسودان، حيث اختاره الإنجليز لمرافقتهم في غزوهم للسودان للقضاء على دولة المهدية. وحينما تمَّ للإنجليز الاستيلاء على السودان وهزيمة المهدية، اتخذوه
صنيعة لهم وأطلقوا عليه الألقاب ومنحوه الأوسمة والمكافآت نظير خدماته لهم. واعترفوا به زعيمًا لعموم طائفة الختمية في السودان. واستفادوا منه في القضاء على المشاعر الدينية التي حركت الثورة (*) المهدية من ناحية، وفي كسب ولاء السودانيين من ناحية أخرى.
ـ وحينما بدأت الحركة المهديَّة تظهر من جديد على يد أحد أبناء المهدي، وبمباركة الإنجليز، شعر علي الميرغني بخطورة الموقف لا سيما وأن الإنجليز أرادوا ضرب الطائفتين (الختمية والأنصار) والاستفادة من العداء التقليدي بينهما والصراع بين زعيميهما. نتيجة لذلك تحول ولاء زعيم الختمية نحو مصر، وأصبح راعياً فيما بعد للحركة السياسية التي كانت تدعو إلى الوحدة بين مصر والسودان، وظل يحرك الأحداث السياسية من وراء ستار ويلعب دوراً خطيراً فيها حتى وفاته عام 1968م.
محمد عثمان بن علي الميرغني:
وُلد عام 1936م، تولَّى زعامة الطريقة بعد وفاة والده عام 1968م، وهو الزعيم الحالي للختمية. وخلافاً لوالده الذي كان يحرِّك الأحْداث السياسيَّة ويشارك فيها من وراء ستار، انخرط محمد عثمان في العمل السياسي، مستنداً إلى ولاء أتباعه وأصبح زعيماً للطائفة وللحزب (*) الاتحادي الديمقراطي الذي تزعَّمه. س وقد استغل ولاء أتباعه لخدمة الحزب بينما الحزب يضم كثيراً من العلمانيين واليساريين، بل وحتى النصارى الذين تولوا مناصب عليا فيه، ومن ثم اتخذ الحزب مواقف لا تتلاءم مع انتماء الطائفة الديني كتحالفه مع الشيوعيين، وعقد اتفاقية من طرف واحد مع المتمردين، وأخيراً قيادته للتجمع الديمقراطي الذي يضم خليطاً من العلمانيين واليساريين المناهضين لشرع الله والموالين لحركة التمرد التي تحارب الإسلام.
الأفكار والمعتقدات:
· الختمية طائفةٌ صوفية تتمسك بمعتقدات الصوفية وأفكارهم وفلسفاتهم:
تبنوا فكرة وحدة الوجود (*) التي نادى بها من قبل محيي الدين بن عربي وتلامذته، وقالوا بفكرة النور المحمدي والحقيقة المحمدية وعبّروا عن ذلك نظماً ونثراً وبسطوها لأتباعهم في مدائحهم ومناجاتهم وأذكارهم وأورادهم، واستخدموا مصطلحات الوحدة والتجلي والانبجاس والظهور والفيض (*) وغيرها من المصطلحات الفلسفية الصوفية. واستشهدوا بما استشهد به أصحاب هذه النظريات من آيات أوّلوها، وأحاديث وضعوها وأفكار انتحلوها.
· أسبغوا على الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوصاف ما لا ينبغي أن يكون إلا لله تعالى، وذهبوا إلى أن حقيقته لا تدرك ويعجز الوصف عن بيان ذاته. ومن ثم جعلوه صلى الله عليه وسلم غاية فنائهم ومنتهى سيرهم. كما توجهوا بدعائهم واستغاثاتهم ورفعوا شكاواهم إليه، سائلينه أن يفك ضيقهم وينصرهم على أعدائهم، مخاطبينه صلى الله عليه وسلم بأنه مزيل للغمّ والكرب مفرج للهمّ والضيق.
· ادعى مشايخ الطريقة بأنهم لقوا الرسول صلى الله عليه وسلم ورأوه عياناً، وأنه يحضر احتفالاتهم بمولده صلى الله عليه وسلم، وأنهم تلقوا منه أسس الطريقة وأورادها وتعاليمها.
ـ فمؤسس الطريقة يدَّعي أنه وضع راتبه بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه هو الذي أمره بتصنيف المولد وأن يجعل إحدى قافيته هاء والأخرى نوناً، وبشَّره بأنه يحضر قراءته، وأن الدعاء عنده مستجاب في ختمه وعند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم.
ـ كما يزعم أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى رضوان بأن يعمر جناناً ومساكن له ولأبنائه وصحبه وأتباعه وأتباع أتباعه إلى يوم القيامة، وأمر مالك بأن يعمر في النار مواضع لأعدائه.
· يدعي مشايخ الختمية بأنهم المدخل للحضرات الإلهية، وأن مقامهم برزخ بين النبوة (*) والولاية (*) ، ويدعون أن لهم التصرف في الكون، وأنهم يغيثون من يلتجئ إليهم ويحتمي بحماهم، فيزيلون كربات المكروبين، وهمّ المهمومين، وأنهم الوسيلة للسعادة في الدنيا والنجاة من العذاب يوم الدين.
· يدعى مؤسس الطريقة، بأنه خاتم الأولياء وأنه أعظم من كل الأولياء السابقين وأن مكانته تأتي بعد مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم.
· يقول مؤسس الطريقة أيضاً: "إن من رآني أو رأى من رآني إلى خمسة لا تمسه النار" ويزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك.
كما يدعي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: "من صحبك ثلاثة أيام لا يموت إلا ولياً" وحينما قدم المدينة قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن من زارني في سنتك هذه والتي قبلها والتي بعدها فعندنا مقبول".
· للطريقة الختمية أوراد وأذكار وآداب معينة في الذكر والدعاء ميّزوا بها أنفسهم وركزوا عليها دون غيرها.
ـ كما يهتمون بإقامة احتفالات معينة وإحياء مناسبات خاصة: كإحياء ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم والاحتفال بمولد ووفاة مشايخ الطريقة، وإقامة ما يعرف لديهم بليالي الذكر أو
الحولية، ويمارسون في كل ذلك طقوساً خاصة في الزيِّ، والذكر والإنشاد.
ـ أذكار الطريقة وأورادها بعيدة كل البعد عن الأذكار الواردة في القرآن أو المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم. كما يخصصون أورادًا معينة بأيام وأوقات خاصة من غير دليل شرعي أو سند من أثر، كما يغلب على أورادهم وأذكارهم السجع المتكلف الذي يصرف الذهن عن التوجُّه إلى الله في صدق وإخلاص. كما أن بعض أورادهم تشتمل على ألفاظ أعجمية وأسماء غريبة لروحانيات يخاطبونها ـ كما يزعمون ـ ويسعون إلى السيطرة عليها وتسخيرها لخدمتهم في مناصرة أتباعهم، وإلحاق الأذى بخصوصهم.
· للختمية بيعة (*) خاصة يردد فيها المريد من بين ما يردد من أقوال: "اللهم إني تبت إليك ورضيت بسيدي السيد محمد عثمان الميرغني شيخاً لي في الدنيا والآخرة فثبتني اللهم على محبته وعلى طريقته في الدنيا والآخرة".
· للختمية خلوة للعبادة، يطلبون فيها من المريد أن يطلب المدد من الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل ومشايخ الطريقة، كما يطلبون منه استحضار صورة السيد محمد عثمان (الختم) حتى تظهر منه روحانيته. ثم يظهر نور من جهة القلب ويظل هكذا ـ كما يزعمون ـ حتى تظهر للمريد روحانية النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
· هناك ارتباط وثيق بين فكر الختمية وفكر الشيعة (*) ، كما يحاول المعاصرون منهم الربط بين طائفتهم وبين الحركة الشيعية المعاصرة.
ـ يربط مشايخ الطريقة نسبهم بأئمة الشيعة الاثني عشرية، ويعتبرون أنفسهم من سلالتهم، علماً بأن الإمام الثاني عشر عند الشيعة ـ وحسب مقولتهم ـ اختفى أو غاب وهو صغير لم يتجاوز الثالثة أو الخامسة من عمره.
ـ تبنت الطائفة فكر الشيعة حول آل البيت، وارتباطهم بقضية الإمامية واستحقاقهم لها، كما استندوا إلى أدب الشيعة وحججهم وبراهينهم لإثبات أحقية أهل البيت بالولاية والإمامة سعياً لإثبات هذا الحق لمشايخهم.
ـ وقع بعض الختمية المعاصرين فيما وقع فيه الشيعة من تجريح للصحابة واتهامهم بأنهم كتموا بعض الأحاديث الدالة على ولاية علي رضي الله عنه كما يزعمون. وفسروا أحداث التاريخ الإسلامي بمثل ما فسر به الشيعة، من الادعاء بأن هناك مؤامرات حيكت من أجل إبعاد أهل البيت من تولِّي السلطة والإمامة.
ـ ربط الختمية المعاصرون تاريخ طائفتهم ومستقبلها بتاريخ الحركة الشيعية، عن طريق الربط بين أصول التصوف والتشيُّع من ناحية، وعن طريق ربط حركة البعث الإسلامي
وقصرها على الطائفتين المؤمنتين بولاية أهل البيت (الشيعة والختمية) ـ كما يزعمون ـ من ناحية أخرى.
الجذور الفكرية والعقائدية:
يحدِّد مؤسس الطريقة محمد عثمان الميرغني المصادر التي استمد منها أصول طريقته قائلاً: "اعلم أن طريقتنا هذه مجتمعة من خمسة حروف نقشها (نقش جم) تنقش من الفؤاد التصوف جم، فالنون نقشبندية، والقاف قادرية، والشين شاذلية، والجيم جنيدية، والميم ميرغنية، وهي محتوية على أسرار هذه الطرق الخمس وبعض أواردها".
· يتضح من تحليل معتقداتهم وأفكارهم أنهم استفادوا من ذلك التراث الصوفي الفلسفي الغنوصي (*) الذي بدأه الحلاج، وعدّل فيه وزاد عليه وطوَّره تلامذته كابن سبعين وابن الفارض، وعبروا عنه في نظرياتهم عن الفناء (*) والحلول (*) والاتحاد (*) ووحدة الوجود (*) .
· استمد الختمية ـ المعاصرون منهم خاصةً ـ كثيراً من أفكارهم من فكر الشيعة (*) ومعتقداتهم واستفادوا من أدب الشيعة وما استندوا إليه من جدل (*) حول الإمامة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
ـ بدأت الطريقة من مكة والطائف، وأرست لها قواعد في جنوب وغرب الجزيرة العربية، كما عبرت إلى السودان ومصر.
ـ تتركز قوة الطريقة من حيث الأتباع والنفوذ الآن، في السودان، لا سيما في شمال السودان وشرقه وأطراف إريتريا المتاخمة للسودان ومصر.
يتضح مما سبق:
أن الختمية طريقة صوفية تلتقي مع الطرق الصوفية الأخرى في كثير من المعتقدات المنحرفة والتي من أبرز الغلو (*) في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم والقول بالحلول ووحدة الوجود. هذا فضلاً عن ارتباطها الوثيق ـ في العصر الحاضر ـ بالفكر والمعتقد الشيعي خاصة فيما يتعلق بأقوال الشيعة وجدلهم حول الإمامة، وينتشر أتباع هذه الطريقة حاليًّا في مصر وفي السودان وبخاصة في الشمال والشرق، وأطراف إريتريا المتاخمة للسودان.
مراجع للتوسع:
ـ مجموعة النفحات الربانية، المشتملة على سبعة رسائل ميرغنية، مصر، مصطفى الحلبي ط ثانية 1400هـ/1980م.
ومن أهم ما تشتمل عليه:
(أ) النفحات المكية واللمحات الحقية في شرح أساس الطريقة الختمية، محمد عثمان الميرغني المكِّي.
(ب) لؤلؤة الحسن الساطعة في بعض مناقب ذي الأسرار اللامعة، جعفر الصادق بن محمد عثمان.
(ج) شرح الراتب المسمى بالأسرار المترادفة، محمد عثمان الميرغنيّ المكِّي.
ـ النور البراق في مدح النبي المصداق، محمد عثمان الميرغني، القاهرة مكتبة القاهرة د. ت.
ـ تاج التفاسير، محمد عثمان الميرغني بيروت، دار المعرفة 1399هـ/1979م.
ـ ديوان النفحات المدنية في المدائح المصطفوية، محمد عثمان الميرغني، ملحق بالنور البراق.
ـ مجموعة فتح الرسول ـ محمد عثمان الميرغني، مصر، مصطفى الحلبي 1367هـ/ 1948م.
ـ ديوان مجمع الغرائب والمفارقات من لطائف الخرافات الذاهبات، محمد عثمان الميرغني، مصر، مصطفى الحلبي 1355هـ/1936م.
ـ مولد النبيِّ المسمى بالأسرار الربانية، محمد عثمان الميرغني، الخرطوم، المكتبة الإسلامية، ط أولى 1396هـ/1976م.
ـ الديوان الكبير المسمى رياض المديح، جعفر بن محمد عثمان الميرغني، بيروت، المكتبة الثقافية.
ـ طائفة الختمية أصولها التاريخية وأهم تعاليمها، أحمد محمد أحمد جلي، بيروت، دار خضر للنشر والتوزيع، ط أولى 1413هـ/1992م.
ـ الختمية: العقيدة والتاريخ والمنهج، محمد أحمد حامد محمد خير الخرطوم، دار المأمون، ط ثانية 1407هـ/ 1987م.
ـ تاج الأولياء، علي زين العابدين، دار مكتبة الهلال، ط أولى 1984م.
ـ مجموع الأوراد الكبير، محمد عثمان الميرغني، مصر، مصطفى الحلبي 1358هـ/1939م.
البريلوية
التعريف:
البريلوية فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية في مدينة بريلي في ولاية أوترابراديش بالهند أيام الاستعمار (*) البريطاني وقد اشتهرت بمحبة وتقديس الأنبياء والأولياء (*) بعامة، والنبي صلى الله عليه وسلم بخاصة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· مؤسس هذه الفرقة أحمد رضا خان تقي علي خان وقد كان من 1272ـ1340 هـ الموافق 1865ـ1921م ولقد سمى نفسه عبد المصطفى، وهذا لا يجوز في الإسلام، لأن العبودية لله وحده. ولد في بريلي بولاية اترابراديش وتتلمذ على الميرزا غلام قادر بيك.
ـ زار مكة المكرمة وقرأ على بعض المشايخ فيها عام 1295هـ، وكان نحيلاً حاد المزاج، مصاباً بالأمراض المزمنة، دائم الشكوى من الصداع والآم الظهر، شديد الغضب، حاد اللسان، مع فطنة وذكاء، ومن أبرز كتبه أنباء المصطفى وخالص الاعتقاد ودوام العيش والأمن والعي، لناعتي المصطفى ومرجع الغيب والملفوظات وله ديوان شعر حدائق بخش.
· ديدار علي: بريلوي، ولد سنة 1270هـ في نواب بور بولاية ألور وتوفي في أكتوبر 1935م ومن مؤلفاته تفسير ميزان الأديان وعلامات الوهابية.
· نعيم الدين المراد آبادي 1300ـ1367هـ الموافق 1883ـ 1948م وهو صاحب المدرسة التي سماها الجامعة النعيمية ويلقب بصدر الأفاضل، ومن كتبه الكلمة العليا في عقيدة علم الغيب.
· أمجد علي بن جمال الدين بن خدابخش: ولد في كهوسي، وتخرج في المدرسة الحنفية بجونبور سنة 1320 هــ، وكان موته سنة 1367هـ الموافق 1948م وله كتاب بهار شريعت.
· حشمت علي خان: ولد في لكهنو، وفرغ من دراسته سنة 1340 هـ، وكان يسمى نفسه كلب أحمد رضا خان معتزاً بهذه التسمية وله كتاب تجانب أهل السنة، ويلقب بـ (غيظ المنافقين) ، وكان موته سنة 1380 هـ.
· أحمد يارخان: 1906-1971م كان شديد التعصب للفرقة، ومن مؤلفاته جاء الحق وزهق الباطل، سلطنت مصطفى.
الأفكار والمعتقدات:
· يعتقد أبناء هذه الطائفة بأن الرسول (*) صلى الله عليه وسلم لديه قدرة يتحكم بها في الكون، يقول أمجد علي:" إن النبي صلى الله عليه وسلم نائب مطلق لله سبحانه وتعالى، وإن العالم كله تحت تصرفاته، فيفعل ما يشاء، يعطي ما يشاء لمن يشاء، ويأخذ ما يشاء، وليس هناك أحد مصرّف لحكمه في العالمين، سيد الآدميين، ومن لم يجعله مالكاً له حرم من حلاوة السنة".
· وأن محمداً صلى الله عليه وسلم والأولياء من بعده لديهم قدرة على التصرف في الكون يقول أحمد رضا خان: "يا غوث" أي يا عبد القادر الجيلاني "إن قدرة" كن "حاصلة لمحمد من ربه، ومن محمد حاصلة لك، وكل ما يظهر منك يدل على قدرتك على التصرف، وأنك أنت الفاعل الحقيقي وراء الحجاب".
· لقد غالوا في نظرتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أوصلوه إلى قريب من مرتبة الألوهية - والعياذ بالله - يقول أحمد رضا خان في حدائق بخشش 2/104: "أي يا محمد صلى الله عليه وسلم لا أستطيع أن أقول لك الله، ولا أستطيع أن أفرق بينكما، فأمرك إلى الله هو أعلم بحقيقتك".
· كما بالغوا في إضفاء الصفات التي تخالف الحقيقة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى جعلوه عالماً للغيب، يقول أحمد رضا خان في كتابه خالص الاعتقاد ص 33:" إن الله تبارك وتعالى أعطى صاحب القرآن سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم جميع ما في اللوح المحفوظ ".
· لديهم عقيدة اسمها (عقيدة الشهود) حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم في نظرهم حاضر وناظر لأفعال الخلق الآن في كل زمان ومكان، يقول أحمد يارخان في كتابه جاء الحق 1/160:"المعنى الشرعي للحاضر والناظر هو أن صاحب القوة القدسية يستطيع أن يرى العالم مثل كفه من مكان وجوده، ويسمع الأصوات من قريب ومن بعيد، ويطوف حول العالم في لمحة واحدة ويعين المضطرين، ويجيب الداعين".
· ينكرون بشرية النبي صلى الله عليه وسلم ويجعلونه نوراً من نور الله. يقول أحمد يارخان في كتابه مواعظ نعيمية ص 14: "إن الرسول صلى الله عليه وسلم نور من نور الله، وكل الخلائق من نوره "ويقول أحمد رضا خان في أشعاره " ما قيمة هذا الطين والماء إذا لم يكن النور الإلهي حل في صورة البشر".
· يحثون أتباعهم على الاستغاثة بالأنبياء (*) والأولياء (*) ، ومن يستنكر عليهم ذلك يرمونه بالإلحاد (*)، يقول أمجد علي في كتابه بهار شريعت 1/122: " إن المنكرين
للاستمداد بالأنبياء والأولياء وبقبورهم، ملحدون".
· يشيدون القبور ويعمرونها ويجصصونها وينيرون فيها الشموع والقناديل وينذرون لها النذور، ويتبركون بها ويقيمون الاحتفالات لأجلها، ويضعون عليها الزهور والورود والأردية والستائر، ويدعون أتباعهم للطواف حول الضريح تبركاً به.
· لديهم غلو (*) شديد في تقديس شخصية عبد القادر الجيلاني، ويعظمون باقي الأولياء من أئمة المتصوفة وينسبون إليهم أفعالاً خيالية خارقة للعادات متسمة بالنسيج الخرافي الأسطوري.
· ويقولون بالإسقاط وهي صدقة تدفع عن الميت بمقدار ما ترك من الصلاة والصيام وغيرها، ومقدار الصدقة عن كل صلاة أو صيام تركه الميت هو مقدار صدقة الفطر المعروفة، وقد يعمدون إلى الحيلة في ذلك إذ يوزعون مقداراً يغطي سنة واحدة ثم يستردون ذلك هبة ومن ثم يعيدون توزيعه، ويكررون ذلك بعدد السنين التي تركت فيها تلك الفريضة.
· أعظم أعيادهم هو ذكرى المولد النبوي الشريف إذ ينفقون فيه الأموال الطائلة، وهو يوم مقدس مشهور لديهم، ينشدون فيه الأناشيد التي تمجد الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال القصص الخرافية ويقرءون فيه كتاب سرور القلوب في ذكر المولد المحبوب الذي ألفه أحمد رضا خان ملأه بالأساطير والخيالات.
· الأعراس: وهي تعني زيارة القبور والاجتماع عليها من مثل عرس الشيخ الشاه وارث في بلدة ديوه وعرس الخواجة معين الدين جشتي، حيث يجتمع له الملايين ويختلط فيه الرجال بالنساء وتحصل فيه بعض المفاسد المحرّمة شرعاً.
ـ إن من يترك الصوم والصلاة يجد له خلاصاً، أما الطامة الكبرى والمصيبة العظمى في نظرهم فإنما تقع على من يتخلف عن الاحتفال بالمولد أو الفاتحة أو العرس. وهم يكفّرون المسلمين من غير البريلويين لأدنى سبب ولم يتركوا تجمعاً إسلاميًّا ولا شخصية إسلامية من وصف الكفر، وكثيراً ما يرد في كتبهم بعد تكفير (*) أي شخص عبارة "ومن لم يكفره فهو كافر"، وقد شمل تكفيرهم الديوبنديين وزعماء التعليم والإصلاح ومحرري الهند من الاستعمار (*) . كما شمل الشيخ إسماعيل الدهلوي وهو من علماء الهند ممن حاربوا البدع والخرافات، ومحمد إقبال والرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق وعدداً من وزرائه.
ـ وهم يكفرون شيخ الإسلام ابن تيمية وينعتونه بأنه مختل وفاسد العقل (*) ويدرجون معه تلميذه ابن القيم.
ـ يكرهون الإمام محمد بن عبد الوهاب ويرمونه بأشنع التهم وأسوأ الألفاظ وما
ذلك إلا لأنه وقف أمام الخرافات موقفاً حازماً داعياً إلى التوحيد الخالص.
· يعملون دائماً على شق صفوف المسلمين وتوهين قوتهم وإضعافهم وإدخالهم في متاهات من الخلافات التي لا طائل تحتها. فمن ذلك إصرارهم على بدعة تقبيل الإبهامين عند الأذان ومسح العينين بهما، واعتبار ذلك من الأمور الأساسية ولا يتركها - في نظرهم - إلا من كان عدواً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ويزعمون أن من يفعل ذلك لا يرمد أبداً، انظر مؤلفهم منير العينين في تقبيل الإبهامين.
الجذور الفكرية والعقائدية:
تصنف هذه الفرقة من حيث الأصل ضمن جماعة أهل السنة الملتزمين بالمذهب الحنفي. وهذا خطأ حيث يرى بعض الدارسين أن أسرة مؤسس الفرقة كانت شيعية ثم أظهرت تسننها تقية (*) ، لكنهم مزجوا عقائدهم بعقائد أخرى ودأبوا على الاحتفال بالمولد النبوي على غرار الاحتفالات بعيد رأس السنة الميلادية. وهم يغلون في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم بما يوازي الخرافات المنسوبة إلى عيسى عليه الصلاة والسلام.
· وبسبب عيشهم ضمن القارة الهندية ذات الديانات المتعددة فلقد انتقلت أفكار من الهندوسية والبوذية لتمازج عقيدتهم الإسلامية.
· لقد أضفوا على النبي (*) صلى الله عليه وسلم وعلى الأولياء (*) صفات تماثل تلك الصفات التي يضفيها الشيعة (*) على أئمتهم المعصومين في نظرهم.
· كما انتقلت إليهم عقائد غلاة المتصوفة والقبوريين وشركياتهم ونظرياتهم في الحلول (*) والوحدة والإتحاد (*) حتى صارت هذه الأمور جزءاً من معتقداتهم.
هذا ويؤخذ على البريلوية:
· التطرف الشديد والغلو في الرسول (*) صلى الله عليه وسلم ومزج ذلك بعقائد المشركين.
· مجانبتهم الصواب في هجومهم وافتراءاتهم على شيخ الإسلام ابن تيمية وعلى الإمام محمد بن عبد الوهاب وعلى كل دعاة التوحيد الخالص من أفاضل علماء الأمة الإسلامية.
· إطلاق العنان لألسنتهم في تكفير (*) المسلمين لمجرد مخالفتهم في الرأي.
· سعيهم الدؤوب لتفريق كلمة المسلمين وتوهين قوتهم.
· على الرغم مما سبق فإن هذه الفرقة ونظيراتها تحتاج إلى من ينير لها الطريق بالحكمة والموعظة الحسنة ويزيل عن أعين أصحابها ومريديها أوهام الجهل والخرافة
والتخلف حتى تكون على الجادة المستقيمة، كما حصل بالفعل في بعض الأماكن.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· انطلقت الدعوة من بريلي بولاية أوترابرديش بالهند، لتنتشر في القارة الهندية كلها (الهند والباكستان وبنجلاديش وبورما سريلانكا) .
· لهم وجود في انجلترا، كما لهم نفوذ في جنوب أفريقيا وكينيا ومورشيوس وعدد من البلدان في قارة أفريقيا.
ويتضح مما سبق:
إن البريلوية فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية إبان الاستعمار (*) البريطاني، وهم يغلون (*) في الأنبياء (*) والأولياء (*) ، ويحاربون دعاة التوحيد الخالص، ويعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم له قدرة يتحكم بها في الكون، وأنه صلى الله عليه وسلم والأولياء من بعده لهم قدرة على التصرف في الكون، ولديهم عقيدة اسمها عقيدة الشهود فيعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر لأعمال الخلق في كل زمان ومكان، وهم ينكرون بشريته صلى الله عليه وسلم ويحثون أتباعهم على الاستغاثة بالأنبياء ويشيدون القبور ويعمرونها وينيرونها بالشموع والقناديل.
مراجع للتوسع:
ـ البريلوية: عقائد وتاريخ، إحسان إلهي ظهير ـ ط 1 ـ 1403هـ/1983م ـ إدارة ترجمان السنةـ لاهور ـ باكستان.
ـ البريلوية، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ـ كلية أصول الدين.
ـ الأمن والعلى لناعتي المصطفى، أحمد رضا خان ـ قادري بكديو ـ بريلي ـ الهند.
ـ أبناء المصطفى، أحمد رضا خان ـ مطبعة صبح صادق ـ بديوان الهند 1318هـ.
ـ أنوار رضا، جماعة من المؤلفين ـ لاهور ـ 1397هـ.
ـ بهار شريعت، أمجد علي الأعظمي ـ دلهي ـ الهند.
ـ تجانب أهل سنت، حشمت علي خان ـ بريس بيلي بهيت ـ الهند.
ـ جاء الحق وزهق الباطل، أحمد يارخان نعيمي ـ كانفور ـ الهند.
ـ حدائق بخش، أحمد رضا خان ـ مراد آباد ـ الهند.
ـ خالص الاعتقاد، أحمد رضا خان ـ بريلي ـ الهند 1328هـ.
ـ سلطنت مصطفى، أحمد يارخان ـ كانفور ـ الهند.
ـ مجلة صراط مستقيم، محمود أحمد ميرفوري ـ برمنجهام ـ بريطانيا ـ أغسطس 1980م.
ـ ملفوظات، أحمد رضا خان ـ لاهور ـ باكستان.
ـ الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية، أحمد رضا خان ـ عظيم آباد ـ الهند ـ 1316هـ.
ـ تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر، أحمد سعيد ـ طبعة سكر ـ باكستان.
الديوبندية
التعريف:
تنسب الديوبندية إلى جامعة ديوبند - دار العلوم في الهند.
فهي مدرسة فكرية عميقة الجذور طبعت كلَّ خريج منها بطابعها العلمي الخاص، حتى أصبح ينسب إليها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· أسس جامعة ديوبند مجموعة من علماء الهند بعد أن قضى الإنجليز على الثورة (*) الإسلامية في الهند (*) عام 1857م فكان تأسيسها ردً فعل قويٍّ، لوقف الزحف الغربي ومدنيته الماديَّة على شبه القارة الهندية لإِنقاذ المسلمين من مخاطر هذه الظروف، خاصة وأن دلهي العاصمة قد خرِّبت بعد الثورة، وسيطر عليها الإنجليز سيطرة كاملة، وخاف العلماءُ أن يُبْتَلع دينُهم، فأخذ الشيخ إمداد الله المهاجر المكي وتلميذه الشيخ محمد قاسم الناناتووي وأصحابهم برسم الخطط للمحافظة على الإسلام وتعاليمه. فرأوا أن الحل بإقامة المدارس الدينية، والمراكز الإسلامية. وهكذا أسست المدرسة الإسلامية العربية بديوبند كمركز للدين والشريعة في الهند في عصر حكومة الإنجليز.
ـ وقد بدأت دار العلوم بمدرسة دينية صغيرة بقرية ديوبند تأسست في 15 محرم 1283هـ الموافق 30 أيار (مايو) 1866م، ثم أصبحت من أكبر المعاهد الدينية العربية في شبه القارة الهندية.
ـ وفي عام 1291هـ تم إنشاء البناء الخاص بالجامعة، بعد بقائها تسع سنوات بدون بناء وكانت الدروس في ساحة المسجد الصغير وفي الهواء الطلق.
من أبرز شخصيات هذه المدرسة الفكرية:
· الشيخ محمد قاسم ولد بناتوته سنة 1248هـ ورحل إلى سهارنبور في صغر سنه وقرأ المختصرات على الشيخ محمد نواز الهارنبوري. ثم سافر إلى دهلي وقرأ على الشيخ مملوك على النانوتي سائر الكتب الدراسية، وأخذ الحديث على الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي، وأخذ الطريقة عن الشيخ الحاج إمداد الله العمري التهانوي المهاجر المكي، وكان ممن قام ضد الاستعمار (*) البريطاني في الثورة المشهورة سنة 1273هـ. وفي 15 محرم 1273هـ أسس مدرسة دار العلوم بديوبند وتحمل مسؤلية إدارتها وشاركت في تربية طلابها رفيقة الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي. وقد لخص هدفها في رده على اللورد ميكالي الإنجليزي بقوله:" إن غرضنا من التعليم هو إيجاد جيل يكون بلونه وعنصره هندياً، يتنور قلبه وعقله بنور الإسلام، وتموج نفسه بالعواطف الإسلامية، ثقافة وحضارة وسياسة ".
وذلك رداً على قول اللورد ميكالي " إن الفرصة من خطتنا التعليمية هو إنشاء جيل من الهند، يكون هندي النسل واللون، وأوربي الفكر والذهن ".
· الشيخ أحمد الكنكوهي: أحد أعلام الحنفية وأئمتهم في الفقه والتصوف قرأ على كبار مشايخ عصره حتى برع وفاق أقرانه في المنقول والمعقول واستفاد منه خلق كثير. وهو أحد الذين بايعوا الشيخ إمداد الله المهاجر المكي على الطريقة. وكان زميلاً للشيخ محمد قاسم الناناتوي. وله مؤلفات عديدة منها مجموعة فتاواه في عدة مجلدات، توفي عام 1323هـ.
· الشيخ حسين أحمد المدني والملقب بشيخ الإسلام: ولد في التاسع عشر من شوال سنة 1296هـ وتلقى مبادئ العلوم في تانده من مديرية فيض آباد الهند وطن آبائه. وفي سنة 1309هـ سافر إلى دار العلوم الديوبندية وفيها تعلم الحديث عن الشيخ محمود حسن الديوبندي الذي لازمه مدة طويلة وكذلك تلقى من الشيخ خليل أحمد السهارنفوري، وبايع (*) على الطريقة (*) على يد الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي الذي أجازه على البيعة (*) والإرشاد والتلقين. ولا شك أن هذا السلوك سلوك مبتدع لم يعرفه السلف الصالح.
ـ سافر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، بصحبة والده أيام
الحرب العالمية فأسره ولاة الأمر ـ الشريف حسين بعد خروجهم على الدولة العثمانية ـ وتم ترحيله بصحبة شيخه محمد حسن الديوبندي إلى مصر ثم إلى مالطا أسرى لمدة ثلاثة سنين وشهرين. وفي عام 1338هـ أفرج عنه ثم عاد إلى الهند وقام بتدريس الحديث وإلقاء المحاضرات والخطب الحماسية ضد الاستعمار (*) الإنجليزي فتم القبض عليه مرة أخرى في جماد الآخرة 1361هـ وسجن لمدة سنتين وعدة أشهر في سجن مراد آباد وسجن إله آباد إلى أن أطلق سراحه في السادس من رمضان 1363هـ. استمر في جهاده (*) بالتعليم ومناهضة الاستعمار إلى أن وافاه الأجل في الثالث عشر من جماد الأولى سنة 1377هـ. ومن مؤلفاته: نقش حيات في مجلدين، وكتاب الشهاب الثاقب على المسترق الكاذب.
· محمد أنور شاه الكشميري: أحد كبار فقهاء الحنفية وأساطين مذهبهم تخرج في جامعة ديوبندي وولي التدريس في المدرسة الأمينية بدلهي، ثم شغل مشيخة الحديث في جامعة ديوبند. في عام 1346هـ تولى رئاسة التدريس وشياخة الحديث فيها إلى جامعة دابهيل كجرات وله مؤلفات عديدة. ويعد من أبرز علماء عصره في قوة الحفظ وسعة الإطلاع. وكان أحد الذين لعبوا دوراً هامًّا في القضاء على فتنة القاديانية في شبه القارة الهندية. توفي عام 1352هـ.
· ومن أعلام الديوبندية الحديثة:
ـ الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي، رئيس جامعة ندوة العلماء في لكنهو ورئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهو داعية مشهور.
· والشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
الأفكار والمعتقدات:
· ترجح الديوبندية مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله في الفقه والفروع ومذهب أبي منصور الماتريدي في الاعتقاد والأصول، وتنتسب من طرق الصوفية إلى طرق النقشبندية الجشيتية والقادرية السهروردية طريقاً وسلوكاً.
· ويمكن تلخيص أفكار ومبادئ المدرسة الديوبندية بما يلي:
ـ المحافظة على التعاليم الإسلامية، والإبقاء على شوكة الإسلام وشعائره.
ـ نشر الإسلام ومقاومة المذاهب (*) الهدَّامة والتبشيريّة.
ـ نشر الثقافة الإسلامية ومحاربة الثقافة الإنجليزية الغازية.
ـ الاهتمام بنشر اللغة العربية، لأنها وسيلة الاستفادة من منابع الشريعة الإسلامية.
ـ الجمع بين القلب والعقل (*) وبين العلم والروحانية.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· القرآن والسُّنة هما أساسها العقائدي والفكري وذلك على أساس:
ـ مذهب (*) أبي منصور الماتريدي في الاعتقاد.
ـ مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان في الفقه (*) والفروع.
ـ سلاسل الطرق الصوفية من النقشبندية والجشتية والقادرية والسهروردية في السلوك والإتباع.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· لم تمض سوى فترة قصيرة على تأسيس دار العلوم بديوبند حتى اشتهرت وتقاطرت إليها قوافل طلاب العلوم الإسلامية من أطراف القارة الهندية.
· وقد لعبت دارُ العلوم دوراً هاماً في نشر الثقافة الإسلامية خارج الهند، وقد انتشرت المدارس الشرعية التابعة لدار العلوم في أقطار عديدة منها الهند وباكستان.
· وقد أسس أحد خريجي دار العلوم المدرسة الصولتيَّة في مكة المكرمة في بداية هذا القرن. وهي المدرسة التي قدمت خدمة جليلة من نشر العلوم الشرعية، وكذلك المدرسة الشرعية في المدينة المنورة - بجوار الحرم المدني وقد أسستها أسرة الشيخ حسين أحمد المدني رئيس هيئة التدريس في دار العلوم سابقاً الذي ظل سبع عشرة سنة يدرس في الحرم النبوي بعد هجرته إلى المدينة أثناء الاضطرابات في الهند.
· ومعلومٌ أن أغلب رجال جماعة التبليغ المشهورة في الهند والعالم الإسلامي، هم من خريجي دار العلوم مثل الشيخ محمد يوسف مؤلف كتاب حياة الصحابة والشيخ محمد إلياس مؤسس الجماعة.
· بالنسبة لندوة العلماء في لكنهو بالهند فإنَّ أغلب علمائها من خريجي دار العلوم أيضاً، ومنهم رئيسها الحالي العلاّمة الداعية أبو الحسن الندوي.
مما يؤخذ على الديوبندية:
اتباعها في العقيدة للمذهب الماتريدي المخالف للكتاب والسنة وعقيدة السلف، وتعلقها بالتصوف البدعي، وتعصبها للمذهب الحنفي في الفقه.
ويتضح مما سبق:
أن الديوبندية مدرسة فكريَّة أسسها مجموعة من علماء الهند ونمت حتى أصبحت أكبر المعاهد الدينية العربية للأحناف في الهند. ومن أعلامها المعاصرين الشيخ أبو الحسن
علي الحسني الندوي. ومن أهداف هذه المدرسة المحافظة على التعاليم الإسلامية ونشر الإسلام ومقاومة المذاهب (*) الهدَّامة ومحاربة الثقافة الأجنبية والاهتمام بنشر اللغة العربية باعتبارها أداة فهم الشريعة الغراء. وترجِّح الديوبندية المذهب الحنفي في مجال الفقه - مع تعصب شديد له - والعقيدة الماتريدية في مجال الاعتقاد والطرق الجشتية والسهوردية والنقشبندية والقادرية والصوفية في مجال السلوك والإتباع. وهذا كله مما يؤخذ عليها. فالواجب على عقلاؤها التخلص من هذه الانحرافات، والعودة إلى دعوة الكتاب والسنة.
مراجع للتوسع:
مراجع الديوبندية:
ـ جامعة ديوبند رسالتها وإنجازاتها لعدد من العلماء.
ـ جامعة دار العلوم بديوبند تاريخها وخدماتها.
ـ مائة وسبعة عشر عاماً للجامعة الإسلامية ـ دار العلوم بديوبند ـ الهند ـ في ضوء خدماتها العلمية والدعوية والاجتماعية.
ـ (هذه المطبوعات من نشر مكتب الاحتفال المئوي للجامعة الإسلامية ـ دار العلوم ـ ديوبند ـ الهند) .
ـ أرواح ثلاثة "أردو" نجم الدين حفقاني مطبعة كتب خانه مظهري كراجي.
ـ الشهاب الثاقب "أردو" حسين أحمد مدني ـ مطبعة مكتبة مدينة لاهور.
ـ عقائد وكمالات ديوبند "أردو" مولانا الله بار ـ مطبعة مكتبة رشيدية لاهور.
ـ نقش حيات "أردو" حسين أحمد مدني ـ مطبعة الأشاعت كراجي.
ـ مقدمة مسلك علماء ديوبند "أردو" مولانا يوسف بنوري ـ مطبعة الأشاعت كراجي.
ـ سوانح قاسمي ـ مناظر أحمد كيلاني، مكتبة رحمانية لاهور.
ـ شمائم إمدادية حاج إمداد الله المهاجر المكي.
ـ مقالات حكمت، أشرف علي تهانوي ـ إدارة التأليف.
ـ المهند على المفند ـ أحمد سهارنفوري ـ مكتبة المدينة لاهور.
ـ نشر الطيب، أشرف علي تهانوي.
ـ كرامات إمدادية ـ أشرف تهانوني.
ـ جريدة الداعي من إصدار الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند الهند العدد 17 ـ 18 السنة 16 العدد 10 السنة 17.
كتب ورسائل لغير الديوبنديين:
ـ دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها على الحركات الإسلامية المعاصرة ـ صلاح الدين مقبول أحمد.
ـ دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ أبو المكرم بن عبد الجليل في شبه القارة الهندية بين مؤيديها ومعانديها ـ مكتبة دار السلام ـ الرياض.
ـ الديوبندية ـ سيد طالب الرحمن ـ نازكوبرنترز راولبندي "باكستان".
المهدية
التعريف:
المهدية واحدة من الحركات الثورية التي ظهرت في العالم العربي والإسلامي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي، وهي ذات مضمون ديني سياسي شابته بعض الانحرافات العقائدية والفكرية، وما يزال أحفاد المهدي وأنصاره يسعون لأن يكون لهم دور في الحياة الدينية والسياسية في السودان.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
المؤسس:
· محمد أحمد المهدي بن عبد الله 1260 ـ 1302هـ (1845 ـ 1885م) ، وُلد في جزيرة لبب جنوب مدينة دنقلة، يقال بأن نسبه ينتهي إلى الأشراف. حفظ القرآن وهو صغير ونشأ نشأة دينية متتلمذًا على الشيخ محمود الشنقيطي، سالكًا الطريقة السمَّانية القادرية الصوفية، متلقياً عن شيخها محمد شريف نور الدائم.
ـ فارق محمدٌ شيخه لِما لاحظه عليه من تهاون في بعض الأمور وانتقل إلى الشيخ القرشيِّ وَدْ الزين في الجزيرة وجدد البيعة (*) على يديه. ويلاحظ أن شيخيه الأول والثاني من أشهر مشايخ الطرق الصُّوفية آنذاك.
ـ في عام 1870م استقر في جزيرة أبا حيث يقيم أهله والتزم أحد الكهوف مستغرقاً في التأمل والتفكير.
ـ وفي عام 1297هـ/1880م توفي شيخه القرشي حيث قام المهدي بتشييد ضريحه وتجصيصه وبناء القبة عليه، وصار خليفته من بعده حيث توافد عليه المبايعون مجددين الولاء (*) للطريقة في شخصه.
ـ في عام 1881م أصدر فتواه بإعلان الجهاد (*) ضد الكفار والمستعمرين الإنجليز، وأخذ يعمل على بسط نفوذه في جميع أنحاء غرب السودان.
ـ اعتكف أربعين يوماً في غاره بجزيرة أبا وفي غرة شعبان 1298هـ/29 يونيو 1881م أعلن للفقهاء والمشايخ والأعيان أنه المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
ـ قابل قوة الحكومة التي أرسلت لإخماد حركته في 16رمضان 1298هـ/أغسطس 1881م وأحرز عليها انتصاراً دعم موقفه ودعواه.
ـ هاجر إلى جبل ماسة ورفع رايته هناك، وعين له أربعة من الخلفاء هم:
1 ـ عبد الله التعايشي. صاحب الراية الزرقاء ولقبه بأبي بكر.
2 ـ علي وَدْ حلو: صاحب الراية الخضراء ولقبه بعمر بن الخطاب.
3 ـ محمد المهدي السنوسي، رئيس الطريقة السنوسية ذات النفوذ الكبير في ليبيا، فقد عرض عليه المهدي منصب الخليفة عثمان بن عفان، لكن السنوسيَّ تجاهله ولم يرد عليه.
4 ـ محمد شريف: وهو ابن عم المهدي الذي جعل له الراية الحمراء ولقبه بعلي بن أبي طالب.
ـ في عام 1882م قابل الشلالي الذي أراد أن ينفذ إرادة جيجلر نائب الحكمدار عبد القادر حلمي، وقد لاقى الشلالي حتفه في هذه المعركة.
ـ في نوفمبر 1883م التقى مع هكس الذي لاقى حتفه أيضاً بعد يومين من بداية المعركة.
ـ التقى جيش المهدي بجيش غوردون في الخرطوم، وفي 26 يناير 1885م اشتدت المعركة وقُتِل غوردون الذي جُزَّ رأسُه وبُعِثَ به إلى المهدي الذي كان يأمل إلقاء القبض عليه حيًّا ليبادل به أحمد عرابي الذي أُجبر على مغادرة مصر إلى المنفى. وكان سقوط الخرطوم بين يدي المهدي آنذاك إيذانًا بانتهاء العهد العثماني على السودان.
ـ من يومها لم يبق للمهدي منافس حيث قام بتأسيس دولته مبتدئًا ببناء مسجده الخاص الذي تم إنهاءُ بنائه في 17جمادى الأولى 1305هـ.
ـ قلَّد القضاءَ للشيخ محمد أحمد جبارة ولقبه بقاضي الإسلام.
ـ وفي يوم 9 رمضان 1302هـ/22 يونيو 1885م توفي المهدي بعد أن أسس أركان دولته الوليدة، ودفن في المكان الذي قبض فيه. وجدير بالذكر أن هذه الدولة لم تدم طويلاً ففي عام 1896م قضى اللورد كتشنر الذي كان سرداراً لمصر على هذه الدولة ونسف قبة المهدي ونبش قبره وبعث هيكله وبعث بجمجمته إلى المتحف البريطاني انتقاماً لمقتل غوردون.
شخصيات أخرى:
عبد الله التعايشي: ولد في دار التعايشة في دارفور، وجاء المهدي في الحلاويين بالجزيرة وهو يشيد قبة على شيخه القرشي وبايعه، وهو الذي قوَّى في نفس المهدي ادعاءه
المهدية، وقد احتل عبد الله المكانة الأولى في حياة المهدي إذ كان رجل التطبيق والإدارة والتنفيذ.
ـ بعد موت المهدي صار عبد الله الخليفة الأول وذلك بناء على وصية من المهدي ذاته إذ كان يقول عنه: "هو مني وأنا منه".
ـ عندما استلم منصب الخلافة (*) تفرَّغ لبث الدعوة وجعل أخاه الأمير يعقوب مكانه الذي كان قد بوَّأه إيَّاه المهدي.
ـ كتب إلى السلطان عبد الحميد وتطلع إلى بسط نفوذ المهدية إلى نجد والحجاز وغربي السودان.
ـ عبد الرحمن النجومي: من القادة العسكريين، وقد سار على رأس جيش كبير في 3 رمضان 1306هـ/3 مايو 1889م متقدماً نحو الشمال لملاقاة الجيش المصري لكنه رجع دون أن يحقق تقدماً أو نصراً.
· الشاعر الصوفي الحسين الزهراء 1833 ـ 1895م: من رجال المهدية، حاول أن يربط بين فلسفة ابن سينا الإشراقية وبين العقيدة المهدية.
· حمدان أبو عنجة: كان قائد جيش المهدي أمام هكس الذي التقى به خارج الأبيض.
ثالثاً: أبناء المهدي وأحفاده:
عبد الرحمن بن محمد أحمد المهدي 1885 ـ 1956م وُلد في أم درمان وتلقى تعليماً دينيًّا، وعندما شبَّ سعى لتنظيم المهدية بعد أن انفرط عقدها، وصار في عام 1914م زعيماً روحيًّا للأنصار. وفي عام 1919م بعثت به الحكومة لتهنئة ملك بريطانيا بانتصار الحلفاء، حيث قام بتقديم سيف والده هدية للملك الذي قبله ثم أعاده إلى عبد الرحمن طالباً منه أن يحتفظ به لديه نيابة عن الملك وليدافع به عن الإمبراطورية. وقد شكَّل هذا اعترافاً ضمنيًّا بالطائفة واعترافاً بزعامته لها. وقد أنشأ عبد الرحمن أيام الاستعمار (*) الإنجليزي على السودان (حزب الأمة) وهو حزب المهدية السياسي.
· الصديق بن عبد الرحمن: توفي عام 1961م.
· الهادي بن عبد الرحمن: قتل في عام 1971م.
· وقد انقسم حزب الأمة إلى ثلاثة أقسام:
ـ قسم برئاسة الصادق بن الصديق بن عبد الرحمن وهو أقوى الأقسام حاليًّا في السودان.
ـ قسم برئاسة أحمد بن عبد الرحمن.
ـ قسم برئاسة ولي الدين عبد الهادي.
· المؤتمر العالمي لتاريخ المهدية أقيم في بيت المهدي بالخرطوم في الفترة من 29 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 1981م، وقد ألقى أحمد بن عبد الرحمن المهدي كلمة في هذا الحقل.
الأفكار والمعتقدات:
· إن شخصية المهدي القوية، والمعتقد الديني الذي يدعو إليه، والسخط العام الذي كان سائداً ضد الولاة الذين كانوا يفرضون الضرائب الباهظة على الناس، وتفشي الرشوة والمظالم، وسيطرة الأتراك والإنجليز، كان ذلك كله دور مهم في تجمع الناس حول هذه الدعوة بهدف التخلص من الوضع المزري الذي هم فيه إذ وجدوا في المهدي المنفذَ والمخلِّصَ.
· دعا المهدي إلى ضرورة العودةِ مباشرة إلى الكتاب والسُّنة دون غيرهما من الكتب التي يرى أنها تبعد بخلافاتها وشرورها عن فهم المسلم البسيط العادي.
· أوقف العمل بالمذاهب الفقهية المختلفة، وحرم الاشتغال بعلم الكلام (*) ، وفتح باب الاجتهاد (*) في الدين، وأقر كذلك كتاب كشف الغمة للشعراني، والسيرة الحلبية، وتفسير روح البيان للبيضاوي، وتفسير الجلالين!!
· ألغى جميع الطرق الصوفية وأبطل جميع الأوراد داعيًّا الجميع إلى نبذ الخلافات والالتفاف حول طريقته المهدية مؤلفاً لهم ورداً يقرءونه يوميًّا، ومن هذا الباب دخلت مرة أخرى في بوتقة الصوفية وانصهرت فيها، وداخلتها الأخطاء العقدية كقول المهدي بأنه معصوم وأنه المهدي المنتظر.
· لما تحركت الحكومة لضرب المهدية في جزيرة أبا كتب المهدي خمس رايات رفع عليها شعار (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وعلى أربعة منها كتب على كل واحدة منها اسم واحد من الأقطاب الأربعة المتصوفة وهم: الجيلاني، والرفاعي، والدسوقي، والبدوي. أما الخامسة فقد كتب عليها "محمد المهدي خليفة رسول الله" وعلى ذلك فهو يزعم أنه الإمام، والمهدي، وخليفة رسول الله.
· أبرز ما في دعوته إلحاحه الشديد على موضوع الجهاد (*) والقوة والفتوة.
· يزعم المهدي بأن مهديته قد جاءته بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "وقد جاءني في اليقظة ومعه الخلفاء الراشدون والأقطاب (*) والخضر عليه السلام وأمسك بيدي صلى الله عليه وسلم
وأجلسني على كرسيه وقال لي: أنت المهدي المنتظر ومن شك في مهديتك فقد كفر (*) "!!
· نسب إلى نفسه العصمة وذكر بأنه معصوم نظراً لامتداد النور الأعظم فيه من قبل خالق الكون إلى يوم القيامة!!.
· كان يلح على ضرورة التواضع وعدم البطر وتشديد النكير على الانغماس في الملاذ والبذخ والنعمة، ويعمل على التقريب بين طبقات المجتمع، وقد عاش حياته يلبس الجبة المرقعة هو وأتباعه، لكن أحفاده من بعده عاشوا في ترف ونعيم.
· حرَّم الاحتفال بالأعراس والختان احتفالاً يدعو إلى النفقة والإسراف.
· يَسَّرَ الزواج بتخفيف المهور وبساطة الولائم وتحريم الرقص والغناء وضرب الدفوف.
· منع البكاء على الأموات، وحرَّم الاشتغال بالرُّقى (*) والتمائم (*) ، وحارب شرب الدخان وزراعته والاتجار به، وشدد في تحريمه.
· أقام حدود الشريعة في أتباعه كالقصاص وحيازة خمس الغنائم ومصادرته أموال السارقين والخمارين، وصك العملة باسمه ابتداء من فبراير 1885م جمادى الأولى 1302هـ.
ـ أقام في المنطقة التي امتد إليها نفوذه نظاماً إسلاميًّا، ونظم الشؤون المالية وعين الجباة لجمع الزكاة، وكانت مالية الدولة التي أقامها مكونة مما يجبى من زكاة وجبايات.
· في العاشر من ربيع الأول عام 1300هـ تطلع المهدي إلى عالمية الدعوة حيث أعلن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشَّره بأنه سيصلي في الأبيض ثم في بربر ثم في المسجد الحرام بمكة المكرمة فمسجد المدينة فمسجد القاهرة وبيت المقدس وبغداد والكوفة (*) .
بعض انحرافات المهدي:
ـ لقد كفَّر المهدي من خالفه أو شك في مهديته ولم يؤمن به.
ـ سمّى الزمان الذي قبله زمان الجاهلية (*) أو الفترة.
ـ جعل المتهاون في الصلاة كالتارك لها جزاؤه أن يقتل حدًّا.
ـ أفتى بأن من يشرب التنباك يؤدب حتى يتوب أو يموت.
ـ جعل المذاهب الفقهية والطرق الصوفية مجرد قنوات تصب في بحره العظيم!!.
ـ منع حيازة الأرض لأنها لا تملك إذ أنها محجوزة لبيت المال.
ـ نهى عن زواج البالغة بلا ولي ولا مهر.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· تأثر المهدي بالشيعة (*) في ادعائه المهدية المعصومة التي ستملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وفي التأكيد على أهمية نسبه الممتد إلى الحسن بن علي، وفي فكرة العصمة والإمام المعصوم (1) .
(1) تنبيه: لا صلة البتة بين عقيدة المهدي المنتظر عند أهل السنة والجماعة كما دلت عليها الأحاديث المستفيضة، بل والمتواترة تواتراًً معنويًّا، وبينها عند الشيعة، حيث يعتقد أهل السنة والجماعة كما يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ بحق ـ:
"أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حق وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان، يخرج فيقيم العدل والحق ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهداية وتوفيقاً وإرشاداً للناس". (لمزيد من التفصيل راجع كتاب: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر. للعلاّمة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، وكتاب: المهدي حقيقة لا خرافة للدكتور محمد بن أحمد إسماعيل المقدم) .
ـ قيل بأنه أخذ عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب قوله بضرورة الأخذ عن الكتاب والسُّنَّة مباشرة، وفتح باب الاجتهاد (*) ، ومحاربته لبناء القبور، مع أنه بنى قبة لشيخه!! (انظر للرد على هذا الوهم رسالة " الانحرافات العقدية والعلمية في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري " للشيخ علي بخيت الزهراني، ص 1001-997) .
· كان للفكر الصوفي دور مهم في رسم شخصية المهدي وطريقته.
· أخذ عن جمال الدين الأفغاني، وعن محمد عبده ـ الذي كان على صلة بأفكارهما ـ أفكاره الثورية.
· كان المهدي قريباً من الأحداث الجارية في مصر وبالذات حركة أحمد عرابي الداعي إلى الثورة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· ابتدأ المهدي دعوته من جزيرة أبا التي ما تزال مركزاً قويًّا للمهدية إلى الآن، وقد وثق صلته بالقبائل في مختلف أنحاء السودان.
· تطلع المهدي وخليفته التعايشي لنقل المهدية إلى خارج السودان لكن هذا الأمل تلاشى بسقوط طوكر عام 1891م.
· ما يزال للمهدية أنصار كثيرون يجمعهم حزب (*) الأمة الذي يسهم في الأحداث السياسية الحالية في السودان. كما أن لهم تجمعاً وأنصاراً في أمريكا وبريطانيا يعملون على
نشر أفكارهم ومعتقداتهم بين أبناء الجاليات الإسلامية بعامة والسودانيين بخاصة.
ويتضح مما سبق:
أن الثورة (*) المهدية استطاعت أن تصهر السودانيين في بوتقة واحدة، وجعلت منهم شعباً واحداً جاهد مع قائده وزعيمه الروحي وحقق انتصارات باهرة على أعدائه، وقد أسقطت المهدية المذهبية وألغت الطرق الصوفية إلا طريقتها! وادعت أنها سلفية (*) تدعو إلى عقيدة السلف في التوحيد والاجتهاد (*) وفق المصالح المتجددة، وقد اعتبرت الجهاد (*) ضد الكفار مقدم على الفرائض الأخرى. وهي تعتبر - على انحرافها - من حركات اليقظة في العالم الإسلامي. وقد شابتها بعض الانحرافات العقدية، وكساها المهديُّ بمسحة من الصُّوفية بهدف تحريك ضمائر أتباعه وربط ولاء شعبه بألوان من الرياضات لا سيما وقد كان للطرق الصوفية في عهده جذور ضاربة في نفوس شعبه لا يمكن إغفالها.
مراجع للتوسع:
ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، عبد الرحمن عبد الخالق.
ـ محمد أحمد المهدي: توفيق أحمد البكري ـ لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية ـ دار إحياء الكتب العربية ـ 1944م.
ـ المهدي والمهدية، د. أحمد أمين بك ـ إصدار دار المعارف بمصر.
ـ دراسات في تاريخ المهدية، مطبوعات قسم التاريخ ـ جامعة الخرطوم ـ أعده للنشر الدكتور عمر عبد الرازق النقر ـ 1982م.
ـ سعادة المستهدي بسير الإمام المهدي، إسماعيل عبد القادر الكردفاني ـ تحقيق الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم ـ ط 2 ـ دار الجبل، بيروت، 1402هـ/1982م.
ـ الموسوعة الحركة "جزءان"، فتحي يكن ـ ط 2 ـ دار البشير ـ الأردن 1403هـ/1983م.
ـ الفكر الصوفي، د. عبد القادر محمود ـ ط 1 ـ مطبعة المعرفة ـ القاهرة ـ 1968م.
ـ الإسلام في القرن العشرين ـ عباس محمود العقاد.
ـ السودان عبر القرون ـ د. مكي شبيكة ـ دار الثقافة ـ بيروت ـ لبنان بدون تاريخ.
ـ تاريخ السودان وجغرافيته، تأليف نعوم شقير.
ـ دائر معارف القرن العشرين، د. محمد فريد وجدي.
ـ منشورات المهدي، موجودة في الإدارة المركزية في وزارة الداخلية بالخرطوم بأصولها. وقد نشرتها الداخلية السودانية مصوّرة عن أصل مطبوع بمطبعة الحجر في أم درمان سنة 1382هـ/1963م في جزأين كبيرين بعنوان منشورات الإمام المهدي عليه السلام.
ـ يسألونك عن المهدية، الصادق المهدي.
ـ حركة المهدي السوداني ـ شريط كاسيت الدكتور محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم.
جماعة التبليغ والدعوة
التعريف:
جماعة التبليغ جماعة إسلامية أقرب ما تكون إلى جماعة وعظ وإرشاد منها إلى جماعة منظمة. تقوم دعوتها على تبليغ فضائل الإسلام لكل من تستطيع الوصول إليه، ملزمةً أتباعها بأن يقتطع كل واحد منهم جزءً من وقته لتبليغ الدعوة ونشرها بعيداً عن التشكيلات الحزبية والقضايا السياسية، ويلجأ أعضاؤها إلى الخروج للدعوة ومخالطة المسلمين في مساجدهم ودورهم ومتاجرهم ونواديهم، وإلقاء المواعظ والدروس والترغيب في الخروج معهم للدعوة. وينصحون بعدم الدخول في جدل (*) مع المسلمين أو خصومات مع الحكومات.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
المؤسس الأول هو الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي 1303 ــ 1364هـ ولد في كاندهلة، قرية من قرى سهارنفور بالهند، تلقى تعليمه الأوَّلي فيها، ثم انتقل إلى دهلي حيث أتم تعليمه في مدرسة ديوبند التي هي أكبر مدرسة للأحناف في شبه القارة الهندية وقد تأسست عام 1283هـ / 1867م.
ـ تلقى تعليمه الأولى على أخيه الذي يكبره سناً وهو الشيخ محمد يحيى الذي كان مدرساً في مدرسة مظاهر العلوم بسهارنفور.
ـ الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي 1829 ـ 1905م وقد بايعه الشيخ محمد إلياس على الطريقة سنة 1315هـ.
ـ جدد البيعة على الشيخ خليل أحمد السهارنفوري أحد أئمة الديوبندية.
ـ اتصل بالشيخ عبد الرحيم الرائي فوري واستفاد من علمه وتربيته.
ـ أخذ بعض علومه على الشيخ أشرف علي التهانوي 1280ــ 1364هـ 1863 ـ 1943م، وهو الملقب لديهم بـ (حكيم الأمة) .
ـ أخذ عن الشيخ محمود حسن (1268 ـ 1339هـ)(1851ـ1920م) وهو من كبار علماء مدرسة ديوبند ومشايخ جماعة التبليغ.
من رفاقه المقربين:
ـ الشيخ عبد الرحيم شاه الديوبندي التبليغي: قضى مدة كبيرة في أمر التبليغ مع الشيخ محمد إلياس ومع ابنه الشيخ محمد يوسف من بعده.
ـ الشيخ احتشام الحسن الكاندهلوي: زوج أخت محمد إلياس ومعتمده الخاص، قضى مدة طويلة من حياته في قيادة الجماعة ومرافقة الشيخ المؤسس.
ـ الأستاذ أبو الحسن علي الحسني الندوي: مدير دار العلوم لندوة العلماء لكهنو الهند، وهو كاتب إسلامي كبير على صلة وثيقة بالجماعة.
ـ الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي 1335هـ / 1917 ــ1965م وهو ابن الشيخ محمد إلياس وخليفته من بعده، ولد في دهلي، تنقل كثيراً في طلب العلم أولاً، وفي نشر الدعوة ثانياً، زار السعودية عدة مرات حاجاً، والباكستان بشطريها، كانت وفاته في لاهور، نقل جثمانه بعدها ليدفن بجانب والده في نظام الدين بدهلي.
ـ ألف الشيخ أماني الأخبار وهو شرح معاني الآثار للطحاوي، وكتابه الشهير حياة الصحابة كما خلّف ولداً اسمه الشيخ محمد هارون يسير على منهجه وطريقته.
ـ الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي 1315ـ 1364هـ وهو ابن عم الشيخ محمد يوسف وزوج أخته، وهو الذي أشرف على تربيته وتوجيهه، ويصفونه بأنه ريحانة الهند وبركة العصر، كان شيخ الحديث والمشرف الأعلى لجماعة التبليغ، وليس له نشاط في صفوف الجماعة حالياً.
ـ الشيخ محمد يوسف البنوري: مدير المدرسة العربية بنيوتاون كراتشي وشيخ الحديث فيها، ومدير مجلة شهرية بالأوردية، ومن كبار علماء ديوبند وجماعة التبليغ.
ـ المولوي غلام غوث الهزاردي: من علماء الجماعة، كان عضواً في البرلمان المركزي.
ـ المفتي محمد شفيع الحنفي: وهو (المفتي الأعظم بباكستان) كان مديراً لمدرسة دار العلوم لاندهي كراتشي، وخليفة (حكيم الأمة) أشرف علي التهاوني، ومن علماء جماعة التبليغ.
ـ الشيخ منظور أحمد النعماني: من علماء الجماعة، ومن أصحاب الشيخ زكريا، وصديق للأستاذ أبي الحسن الندوي، ومن علماء ديوبند.
ـ إنعام الحسن: هو الأمير الثالث للجماعة إذ تولاها بعد وفاة الشيخ محمد يوسف وما يزال في منصبه إلى الآن، كان صديقاً للشيخ محمد يوسف في دراسته ورحلاته فهما
متقاربان في السن متماثلان في الحركة والدعوة.
ـ الشيخ محمد عمر بالنبوري: من المرافقين للشيخ إنعام ومن مستشاريه المقربين.
ـ الشيخ محمد بشير: أمير الجماعة في الباكستان، ومركزهم الرئيسي فيها (رايوند) بضواحي لاهور.
ـ الشيخ عبد الوهاب: من كبار المسؤولين في ذات المركز بالباكستان.
الأفكار والمعتقدات:
ـ قرر المؤسس لهذه الجماعة ستة مبادئ جعلها أساس دعوته، ويحصرون الحديث فيها في مؤتمراتهم وبياناتهم العامة:
ـ الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) .
ـ إقامة الصلوات ذات الخشوع.
ـ العلم والذكر.
ـ إكرام المسلمين.
ـ الإخلاص.
تقوم طريقتهم في نشر الدعوة على ما يلي:
ـ تنتدب مجموعة منهم نفسها لدعوة أهل بلد ما، حيث يأخذ كل واحد منهم فراشاً بسيطاً وما يكفيه من الزاد والمصروف على أن يكون التقشف هو السمة الغالبة عليه.
ـ عندما يصلون إلى البلد أو القرية التي يريدون الدعوة فيها ينظمون أنفسهم أولاً بحيث يقوم بعضهم بتنظيف المكان الذي سيمكثون فيه، وآخرون يخرجون متجولين في أنحاء البلدة والأسواق والحوانيت، ذاكرين الله داعين الناس لسماع الخطبة أو (البيان) كما يسمونه.
ـ إذا حان موعد البيان التقوا جميعاً لسماعه، وبعد انتهاء البيان يطالبون الحضور بالخروج في سبيل الله، وبعد صلاة الفجر يقسّمون الناس الحاضرين إلى مجموعات يتولى كل داعية منهم مجموعة يعلمهم الفاتحة وبعض من قصار السور. حلقات حلقات. ويكررون ذلك عدداً من الأيام.
ـ قبل أن تنتهي إقامتهم في هذا المكان يحثون الناس للخروج معهم لتبليغ الدعوة، حيث يتطوع الأشخاص لمرافقتهم يوماً أو ثلاثة أيام أو أسبوعاً
…
أو شهراً.... كل بحسب طاقته
وإمكاناته ومدى تفرغه تحقيقاً لقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) .
والعدد الأمثل للخروج أن يكون يوماً في الأسبوع وثلاثة أيام في الشهر وأربعين يوماً في السنة وأربعة أشهر في العمر كله.
ـ يرفضون إجابة الدعوة إلى الولائم التي توجه إليهم من أهل البلدة أو الحي؛ حتى لا ينشغلوا بغير أمور الدعوة والذكر، وليكون عملهم خالصاً لوجه الله تعالى.
ـ لا يتعرضون إلى فكرة (إزالة المنكرات) معتقدين بأنهم الآن في مرحلة إيجاد المناخ الملائم للحياة الإسلامية، وأن القيام بهذا العمل قد يضع العراقيل في طريقهم وينفّر الناس منهم.
ـ يعتقدون بأنهم إذا أصلحوا الأفراد فرداً فرداً فإن المنكر سيزول من المجتمع تلقائياً.
ـ إن الخروج والتبليغ ودعوة الناس هي أمور لتربية الداعية ولصقله عملياً؛ إذ يحس بأنه قدوة وأن عليه أن يلتزم بما يدعو الناس إليه.
ـ يرون بأن التقليد (*) في المذاهب (*) واجب ويمنعون الاجتهاد معللين ذلك بأن شروط المجتهد الذي يحق له الاجتهاد مفقودة في علماء هذا الزمان.
ـ تأثروا بالطرق الصوفية المنتشرة في بلاد الهند، وعليه فإنه تنطبق عليهم جملة من الأمور التي يتصف بها المتصوفة من مثل:
ـ لابد لكل مريد من شيخ يبايعه، ومن مات وليس في عنقه بيعة (*) مات ميتة جاهلية (*) . وكثيراً ما تتم البيعة للشيخ في مكان عام تُنشر على الناس أردية واسعة مربوط بعضها ببعض مرددين البيعة بشكل جماعي، ويُفعل ذلك في جمع غفير من النساء كذلك.
ـ المبالغة في حب الشيخ والمغالاة كذلك في حب الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يخرجهم في بعض الأحيان عن الأدب الذي يجب التزامه حيال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
ـ إقامة المنامات مقام الحقائق حتى تكون هذه المنامات قاعدة تبنى عليها أمور تترك أثرها على مسيرة الدعوة.
ـ يعتقدون أن التصوف هو أقرب الطرق لاستشعار حلاوة الإيمان في القلوب.
ـ ترد على ألسنتهم أسماء أعلام المتصوفة من مثل عبد القادر الجيلاني المولود في جيلان عام 470هـ، والسهروردي، وأبو منصور الماتريدي ت 332هـ، وجلال الدين الرومي المولود عام 604هـ صاحب كتاب المثنوي.
ـ تقوم طريقتهم على الترغيب والترهيب والتأثير العاطفي، وقد استطاعوا أن يجذبوا إلى رحاب الإيمان كثيراً من الذين انغمسوا في الملذات والآثام وحوّلوهم إلى العبادة والذكر والتلاوة.
ـ لا يتكلمون في السياسة، وينهون أفراد جماعتهم عن الخوض في مشاكلها، وينتقدون كل من يتدخل فيها، ويقولون بأن السياسة هي أن تترك السياسة، ولعلّ هذه النقطة هي جوهر الخلاف بينهم وبين الجماعة الإسلامية التي ترى ضرورة التصدي لأعداء الإسلام في القارة الهندية.
· المآخذ عليهم:
ـ أنهم لايهتمون ببيان ونشر عقيدة السلف والتوحيد الخالص بين أتباعهم؛ بل يكتفون بالعموميات التي لاتغني في دين الله شيئًا. كذلك لايُنكرون الشركيات والبدع التي تعج بها بلاد المسلمين؛ لاسيما الهند والباكستان منشأ الجماعة.
ـ أنهم يتوسعون توسعاً أفقياً كميًّا لا نوعيًّا إذ أن تحقيق التفوق النوعي يحتاج إلى رعاية ومتابعة وهذا ما تفتقده هذه الدعوة، ذلك لأن الشخص الذي يدعونه اليوم قد لا يلتقون به مرة أخرى، وقد يعود إلى ما كان عليه تحت تأثير مغريات الحياة وفتنها. ولذلك فإن تأثيرهم لا يدوم طويلاً أمام التيار المادي الجارف؛ إذ لا بد لمن غرس غرسة أن يتعهدها.
ـ لا يضمهم تنظيم واحد متسلسل، بل هناك صلات بين الأفراد وبين الدعاة تقوم على التفاهم والمودة.
ـ يؤولون أحاديث الجهاد (*) على "الخروج" مما يكاد ينسي الجهاد (*) في سبيل الله، كما يتساهلون كثيراً في رواية الأحاديث الضعيفة مع الإكثار من ذكر الكرامات التي تحصل لأتباعهم ولغيرهم من الصالحين.
ـ يلجأون إلى النوم والأكل في المساجد تقليلاً للنفقة، وينتقدهم البعض لهذا المسلك، وبخاصة في البلاد الأجنبية، ولكن هذا المسلك لا يعيبهم طالما أنهم لا يغادرون المساجد إلا بعد أن تكون أكثر نظافة وأحسن ترتيباً.
ـ لا يكفي عملهم لإقامة أحكام الإسلام في حياة الناس، ولا يكفي لمواجهة التيارات الفكرية المعادية للإسلام التي تجند كافة طاقاتها لحرب الإسلام والمسلمين.
ـ أسلوبهم يترك أثره بشكل واضح على رواد المساجد من المسلمين، أما أولئك الذين يحملون أفكاراً وإيديولوجيات (*) معينة فإن تأثيرهم عليهم يكاد يكون معدوماً.
ـ يقال عنهم بأنهم أخذوا بعضاً من الإسلام وتركوا بعضاً منه، وهذه التجزئة لحقائق الإسلام تتنافى مع طبيعته الواحدة الشمولية، ومنطقهم دائماً يقول: السياسة أن تترك السياسة، ولكنهم برغم ذلك لم ينجوا من ضربات المتسلطين وقد حظر نشاطهم في أكثر من بلد.
ومع ذلك ينبغي أن لا يُغفل ما لهم من جهود، فقد دخل على أيدهم خلقِ كثير إلى الإسلام، وترك آخرون من المسلمين على أيديهم سبل الغواية والرذيلة، بل استطاعوا أن يخترقوا قبل غيرهم الستار الحديدي الذي فرضته الشيوعية على بعض البلاد.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· إنها جماعة إسلامية، عقيدة مؤسسيها وكبار علمائها ودعاتها في شبه القارة الهندية هي نفس عقيدة الماتريدية. على أن مذهبهم الفقهي هو المذهب الحنفي.
· تأثروا بالمتصوفة من مثل الطريقة الجشتية في الهند ويقيمون اعتباراً خاصاً لأعلام المتصوفة في التربية والتوجيه.
· هناك من يعتقد بأنهم قد أخذوا أفكارهم عن جماعة النور في تركيا.
· يعتمدون في اجتماعاتهم في البلاد العربية على القراءة من رياض الصالحين وحياة الصحابة، وفي البلاد الأعجمية على القراءة من تبليغي نصاب، وهو كتاب مليء بالخرافات والأحاديث الضعيفة.
· يطالبهم العلماء بالإقلاع عن اللجوء إلى كتابة التمائم (*) المملوءة بالطلاسم وترك الأوراد والأذكار البدعية، واعتماد الرؤى والأحلام كمصدر من مصادر الاستدلال والاهتمام بالعلم الشرعي وبخاصة علم التوحيد.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· بدأت دعوتهم في الهند، وانتشرت في الباكستان وبنغلاديش، وانتقلت إلى العالم الإسلامي والعالم العربي حيث صار لهم أتباع في سوريا والأردن وفلسطين ولبنان ومصر والسودان والعراق والحجاز.
ـ انتشرت دعوتهم في معظم بلدان العالم في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا، ولهم جهود مشهود لها في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام في أوروبا وأمريكا.
ـ مركزهم الرئيسي في نظام الدين بدهلي، ومنه يديرون شئون الدعوة في العالم.
· التمويل المالي يعتمدون فيه على الدعاة أنفسهم، وهناك تبرعات متفرقة غير منظمة تأتي من بعض الأثريا مباشرة أو بابتعاث الدعاة على حسابهم الخاص.
ويتضح مما سبق:
أن جماعة التبليغ هي: إحدى الجماعات الإسلامية، وتعتبر سندًا عاطفيًّا واجتماعيًّا لمسلمي شبه القارة الهندية، وهي رمز من رموز الدعوة إلى الله في أوروبا والأمريكتين، وتقوم الدعوة عند هذه الجماعة، على
أساس الكلمة الطيبة والخشوع في الصلاة والعلم والذكر وإكرام المسلمين والإخلاص والخروج في سبيل الدعوة. ويمتاز دعاتها بالزهد، ولكنهم يعتقدون أن التصوف (بمفهومه القائم) هو أقرب الطرق لاستشعار حلاوة الإيمان.
(مع ملاحظة ما عليها من مؤاخذات سبق التنبيه على بعضها، نتمنى من عقلاء الجماعة تداركها؛ ليحسن عملهم ويتوافق مع الكتاب والسنة) .
مراجع للتوسع:
ـ القول البليغ في جماعة التبليغ، للشيخ حمود التويجري رحمه الله.
ـ حياة الصحابة، الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي ـ دار القلم دمشق ط 2 ـ 1403هـ / 1983م.
ـ الموسوعة الحركية، فتحي يكن ـ دار البشير ـ عمان ـ الأردن ـ ط 1 ـ 1403هـ/1983م.
ـ جماعة التبليغ عقيدتها وأفكارها مشايخها، ميان محمد أسلم الباكستاني، وهو بحث مقدم لكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ـ للعام الدراسي 1396/1397هـ.
ـ الطريق إلى جماعة المسلمين، حسين بن محسن بن علي بن جابر ـ دار الدعوة ـ الكويت ـ ط 1 ـ 1405هـ/1984م.
ـ مشكلات الدعوة والداعية، فتحي يكن ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان ـ ط 3 ـ 1394هـ/ 1974م.
ـ السراج المنير، الدكتور تقي الدين الهلالي.
ـ الدعوة الإسلامية فريضة شرعية وضرورة بشرية، الدكتور صادق أمين ـ جمعية عمال المطابع التعاونية ـ عمان ـ الأردن 1978م.
ـ حقيقة الدعوة إلى الله تعالى وما اختصت به جزيرة العرب، سعد بن عبد الرحمن الحصين، تقديم الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.
ـ رأي آخر في جماعة التبليغ ـ سعد الحصين، بحث مقدم إلى ندوة اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر ـ البحرين 1405هـ/1985م.