الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: استخدام النشر الإلكتروني لترجمات
معاني القرآن الكريم في خدمة الدعوة
الإنترنت والنشر الإلكتروني وسيلتان من الممكن استخدامهما وتطويعهما في الخير كما أنه يمكن استخدامهما في الشر، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم كل وسيلة اتصال ممكنة في وقته لغرض الدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالى ونشره بين الناس، فقد استخدم الاتصال المباشر، فكان يقصد الناس في مجتمعاتهم وأسواقهم ويكلمهم ويدعوهم إلى الإسلام جماعات وأفرادًا، كما راسل صلى الله عليه وسلم الملوك، واستقبل الوفود ينشر بينهم الدين الحق.
وفي هذا الإطار يقول الدكتور سليمان الميمان: " إن كل وسيلة تستخدم للدعوة إلى الله ينبغي أن يراعى فيها الشروط التالية:
عدم مخالفتها للشرع الحكيم، فيشترط في الوسيلة أن تكون غير محرمة شرعًا.
أن يكون المقصد الذي تفضي إليه تلك الوسيلة غير محرم.
ألا يترتب على استخدام تلك الوسيلة مفسدة تزيد على مصلحة هذا المقصد، فإذا كانت الوسيلة غير محرمة في ذاتها كالنشر الإلكتروني للترجمات، والمقصد منها واجبا وهو الدعوة إلى دين الله تعالى، ولا يترتب على استخدام هذه الوسيلة مفسدة أعظم من المصلحة المترتبة عليها، فعندها لا شك في وجوب استخدام تلك الوسيلة في ضوء (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)(1) .
إننا باستغلال وسيلة النشر الإلكتروني لترجمات معاني القرآن الكريم نسهل بذلك على ملايين المسلمين في شتى بقاع المعمورة التعرف على الدين الصحيح والرجوع إلى مصادره الأصلية، ومهما أنفق المسلمون في هذا المجال، فإن ذلك سيوفر عليهم الوقت والجهد والمال الكثير.
(1) الميمان - «استثمار الإنترنت في الدعوة إلى الله» ورقة عمل مقدمة لندوة الكتاب الإلكتروني 1420.
قس على ذلك ما يكلفه مثلا القيام بحملة دعوية على إحدى القنوات الفضائية أو استئجار قناة فضائية لبث الإسلام منها، وحشد جميع الطاقات والإمكانات لذلك، لا شك أن ذلك سيكون في غاية الصعوبة كما أن تكلفة تشغيل هذه القنوات يعد اليوم باهظ التكاليف، ناهيك عما فيه من صعوبات ومحدودية الجمهور، في حين أن النشر الإلكتروني عبر الإنترنت أو الأقراص المدمجة محاط بعدد هائل من الجمهور، إضافة إلى ما يتمتع به النشر الإلكتروني من مزايا فريدة تجعله من أنسب الوسائل لبث الدعوة دون قيود ولا شروط.
كما أننا ملزمون اليوم في ظل ما يسمى بالعولمة والانفتاح العالمي ألا نقف مكتوفي الأيدي، أو ندس رؤوسنا في التراب، بل لا بد من نقل الدعوة من المحلية إلى العالمية، ومن الأرض إلى الفضاء الإلكتروني الذي يتنافس العالم شرقه وغربه حكومات وأفرادًا ومؤسسات دينية لتثبيت وإرساء مواقعهم فيه.
عند الحديث عن استخدام النشر الإلكتروني لترجمات معاني القرآن الكريم في خدمة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لا بد لنا من ذكر بعض خصائص القرآن العظيم، والذي يهمنا منها في هذا المقام:
الخلود، وذلك بحكم حفظ الله سبحانه وتعالى لهذا الكتاب الكريم، كما وعد وتكفل هو سبحانه وتعالى بذلك في قوله تعالى:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9)
فكتاب الله ليس كتاب جيل أو عدة أجيال، وليس كتاب عصر أو جملة عصور، بل هو كتاب الزمن كله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أنه الكتاب المعجز الذي تحدى الله به الإنس والجن أن يأتوا بمثله، بل وتحدى فصحاء العرب أن يأتوا بسورة من مثله، فعجزوا وانقطعوا وحقت عليهم كلمة الله سبحانه وتعالى:
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء:88)، {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:23) .
3-
أنه كتاب مبين ميسر للذكر والفهم، ليس ككتب الفلاسفة المليئة بالغموض والألغاز، ولا كتب العلم التي لا يقرؤها إلا فئة محدودة من أهل الاختصاص، بل كتاب يقرؤه العامي كما يقرؤه العالم:
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (القمر:17) .
4-
أنه كتاب عالمي، فكما ذكرت قبل قليل من أنه للزمن كله، فكذلك هو للعالم كله، فليس كتاب العرب وحدهم وإن نزل بلغتهم، وليس كتاب أهل الجزيرة وحدهم وإن بعث محمد صلى الله عليه وسلم من بينهم، ولكنه كتاب رب العالمين لكل العالمين عربًا وعجمًا، شرقًا وغربًا، بيضًا وسودًا، حكامًا ومحكومين، أغنياء وفقراء، فهو كتاب كل الأجناس وكل الأوطان وكل الألسنة وكل الطبقات (1) :
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان:1)، {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (إبراهيم:1) ، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (التكوير:27) ، ومن هنا يبرز لنا سؤالان هامان، هما:
(1) المعايرجي - الهيئة العالمية للقرآن الكريم - 1991م.
السؤال الأول: كيف نبلغ القرآن العربي إلى غير العرب؟ هل يكون ذلك بتعجيم القرآن حتى يفهمه غير العربي؟ أو يكون بتعريب الأعاجم ليفقهوا القرآن بلغته العربية؟
إن الدارس للتاريخ الإسلامي في صدر هذه الأمة، سيجد أن أسلافنا الأوائل كانوا حريصين على تعريب الأعاجم حتى يدركوا معنى القرآن باللغة العربية، وكان من ذلك أن نشروا الإسلام والعربية على حد سواء، ولكن مع انتشار الإسلام وتوسع رقعته، بزيادة عدد الداخلين في الإسلام من غير العرب على عدد العرب بما يزيد على خمسة أضعاف، من هنا يبرز لنا:
السؤال الثاني وهو: كيف نوصل هذا القرآن إلى هؤلاء المسلمين ولغاتهم غير اللغة العربية؟
إن غير المسلمين لم يجدوا مشكلة في ترجمة كتبهم التي يقدّسونها إلى لغات العالم، وذلك لسبب بيّنٍ وهو أن تلك الكتب قد اعتراها من التبديل والتحريف والحذف ما جعل بعضها ليس بلغته الأصلية التي نزل بها، كالإنجيل مثلا.
وقد ذكرت في مقدمة هذا البحث أن جواز ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى يعد أمرًا لا جدال فيه ولا نقاش، فلقد فرض الواقع نفسه وحتم على المسلمين السعي الدؤوب لنقل ترجمات معاني القرآن الكريم إلى لغات العالم الأخرى.
ومع ما ذكرنا من خصائص ومزايا للنشر الإلكتروني في هذا العصر التقني الذي أصبح العالم فيه كالقرية الصغيرة، وأصبح البعيد قريبًا مهما بعدت مسافته، كان لزامًا على العالم الإسلامي أن يعد العدة لاستغلال هذه الوسيلة في إيصال كتاب الله إلى كل بقعة من بقاع الأرض، ولعل من أبرز سمات هذه الوسيلة في مجال الدعوة إلى دين الله:
أن النشر الإلكتروني لترجمات معاني القرآن الكريم سيوفر المال والجهد الكثير، فليس هناك تكلفة شحن بري أو جوي أو بحري، فعن طريق النشر الإلكتروني لهذه الترجمات -سواءً على الإنترنت أو عن طريق الأقراص المدمجة (CDs) - يمكن توصيل القرآن مترجمة معانيه إلى أي شخص في العالم، فعلى سبيل المثال لإرسال طرد بريدي فيه (40) نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية إلى أي ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية، سوف يكلف شحن ذلك الطرد وإيصاله إلى الجهة المستفيدة ما يزيد على ألف وخمسمائة ريال، بينما لن يكلف نشرها إلكترونيا إلا قيمة القرص المدمج، أو الدخول إلى أحد المواقع على الشبكة العنكبوتية.
أن النشر الإلكتروني لترجمات معاني القرآن الكريم سوف يكسر الحواجز والحدود، ولن يستطيع أحد، ولن تستطيع دولة الوقوف حجر عثرة في سبيل توصيل تلك الترجمة إلى مريديها، فكل ما على طالب الترجمة فقط هو حمل القرص المدمج أو الدخول إلى مواقع دعوية على الإنترنت، مثل موقع (al-islam، com) حيث يتم نشر ترجمة معاني القرآن الكريم إلى سبع لغات عالمية ويجري العمل حاليًا في هذا الموقع لزيادة عدد الترجمات، وقد نفع الله كثيرًا بهذا الموقع، وذلك لسهولة الحصول على الترجمة دون أدنى تكلفة أو عناء يذكر، ناهيك عن سهولة البحث والنظر في الآيات وتفسيرها.
سهولة حمل الترجمة والتنقل بها من مكان لآخر، دون تكبد عناء حمل تلك الترجمة والتعرض للمساءلة في بعض الدول والأماكن، بل كل ما يتطلب الأمر هو حمل القرص المدمج أو الدخول إلى أحد المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت.
الانتشار الكبير والسريع لهذه الوسيلة، وهذا يعني إيصال ترجمات معاني القرآن الكريم من خلال النشر الإلكتروني إلى ملايين البشر، حيث يقدر أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت مثلا عام 2004م إلى بليون مستخدم في العالم. (1)
(1) الميمان، المرجع السابق 1420.
أن النشر الإلكتروني من أسرع وسائل الاتصال المتاحة في العالم، حيث يمكن من خلالها الوصول إلى أفراد وجماعات في أماكن مختلفة في العالم قد يكون من الصعب الوصول إليهم بغير النشر الإلكتروني، وذلك بأقل تكلفة وأقل عناء وبأسرع وقت ممكن.
قد لا يوجد في كثير من مناطق العالم مراكز إسلامية وفي بعض الأحيان لا توجد مساجد تتوافر فيها ترجمات لمعاني القرآن الكريم، وبالتالي تنعدم مصادر تبصير من يسكن في تلك المناطق بكتاب الله سبحانه وتعالى، ولكن عن طريق النشر الإلكتروني للترجمات نستطيع الوصول إلى ما لا يمكن الوصول إليه، وربط المسلمين هناك بالمصدر الأول في حياتهم، وتنويرهم بهدي القرآن العظيم مصحوبًا بالتفسير الموضح والمبين للمشكل فيه.
أن النشر الإلكتروني لترجمات معاني القرآن الكريم سواءً عن طريق الإنترنت أو عن طريق الأقراص المدمجة (CDs) هو وسيلة اتصال لا تتحكم فيها جهة معينة ولا تفرض عليها سياسات محددة، بل المتحكم فيها هو من يستخدمها، فله أن يستقبل ما يشاء ويرسل ما يشاء بلا رقيب ولا حسيب.
أن الحواسيب في عصر الانفجار المعرفي والمعلوماتي تحظى بكثير من الثقة والاحترام لدى عدد غير قليل من الناس، وهو ما يجعلها من الوسائل الدعوية التي تسهم في إقناع تلك الفئة نظرًا لتقبلهم وارتياحهم النفسي في التعامل معها، لذا فمتى ما تم نشر ترجمات معاني القرآن إلكترونيًا، فإن ذلك سيكون معينًا على نشر الدعوة.