المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب تهكم: علمت أن ساسانيا1 طرق بابك بالأمس، وما زال يكيد - النظرات - جـ ٢

[المنفلوطي]

الفصل: ‌ ‌كتاب تهكم: علمت أن ساسانيا1 طرق بابك بالأمس، وما زال يكيد

‌كتاب تهكم:

علمت أن ساسانيا1 طرق بابك بالأمس، وما زال يكيد لك ويماحلك، ويتغلغل في مواضع الضعف من قلبك، حتى خدعك عن نفسك، واقتطف زهرة من روضة مالك؛ وراح يفتر عن ثغر باسم، ورحت تقرع سن نادم، فما هذا الخلق الغريب الذي تخلقته، وما هذا المذهب الجديد الذي اعتنقته؛ ومتى أقامك آدم وصيا على أولاده من بعده، تكسو عاريهم، وتشبع جائعهم، على أن الفقراء في الدنيا كثير قد ضاقت بهم خزائن الأرض والسماء فكيف تسعهم خزائنك، وهل بين الدرهم الذي أعطيت، والدراهم التي أبقيت، إلا حرف واحد2، فليت

1 النسبة إلى ساسان، وهو رجل كان معروفا بالفقر والبصر والاحتيال على الصدقات.

2 يشير إلى أن الفرق بين مفرد الدراهم وجمعه حرف واحد وهو الألف اللينة في الجمع، ويريد بذلك تعظيم شأن الدرهم وأنه لا يستهان به؛ لأن الدراهم وإن كثرت فهي ليست إلا درهما على درهم.

ص: 329

شعري من أين دهيت، ومن أي باب نفذ هذا الشيطان إلى قلبك، وإن أخوف ما أخاف عليك أن تكون أُتيت من باب تلك الخدعة الشيطانية التي يسمونها الرحمة، فإن كانت هي فالخطب عظيم، والبلاء جسيم؛ فإنك حيثما ذهبت، وأنى حللت، لا تقع عينك إلا على يد شلاء، ورجل بتراء، وعين عمياء، وصورة شوهاء، وثوب مخرق، وشلو ممزق، وطريح على التراب سقيم، وجسم أعرى من أديم، فإن لم تفارق الرحمة قلبك، فارق المال جيبك، فطفت مع الطائفين، وتسولت مع المتسولين، ثم لا تجد لك راحما ولا معينا، فارحم نفسك قبل أن ترحم سواك، ولا تنس أن تردد في صباحك ومسائك، وفي مستأنف خطواتك، وفي أعقاب صلواتك، كلمة ابن الزيات:"الرحمة خور في الطبيعة".

وعلمت أنك دعيت إلى وليمة فلان فتحلب لها فوك، ورقصت لها أشداقك، فطرت إليها، ثم وقعت على خبزها وشوائها، وفاكهتها وحلوائها، مثلج الصدر، ثابت القدم، ساكن القلب، طيب النفس، كأنك لا تعلم أنها لذة الساعة ومرارة العمر، وشبع اليوم وجوع الأبد، وأنك إنما طعمت ما في الحبالة من الحب، تأكله اليوم ليأكلك غدا، فمن لك بالنجاة من مضيفك إذا جاءك يوما يتقاضاك دينه وقد حفت به

ص: 330