المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أيها المذنب! لقد اخترت ظلام الذنب على نور الطاعة - أيها المذنب بئس ما اخترت

[أزهري أحمد محمود]

الفصل: ‌ أيها المذنب! لقد اخترت ظلام الذنب على نور الطاعة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالمؤمن؟ مَنْ أمِنَهُ النَّاسُ على أموالهم وأنفسهم، والمسلم مَنْ سَلِمَ النَّاسُ من لسَانه ويده، والمجاهد مَنْ جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر منْ هَجَرَ الخطايا والذنوب! » [رواه أحمد وغيره/ السلسلة الصحيحة: 549].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فيؤمر بجهادها، كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي ويدعو إليها، وهو إلى جهاد نفسه أحوج؛ فإن هذا فرض عين، وذاك فرض كفاية، والصبر في هذا من أفضل الأعمال؛ فإن هذا الجهاد حقيقة ذلك الجهاد؛ فمن صبر عليه صبر على ذلك الجهاد» .

أيها المذنب! فأيهما تختار: النصر .. أم الهزيمة؟ !

وقد علمت المنتصر من المهزوم .. وأنهما طريقان .. فاحرص أن تكون ممن انتصر على النفس وشهواتها ..

واعلم - أيها المسكين - أن ركوب الذنب نزول عن درجة الصابرين .. وهم الذين وعدهم الله تعالى بالثواب العظيم!

عن أبي سليمان الداراني في قوله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} ، قال: صبروا عن الشهوات».

وقال أبو سليمان الداراني أيضًا: «أفضل الأعمال خلاف الهوى» .

*‌

‌ أيها المذنب! لقد اخترت ظلام الذنب على نور الطاعة

!

نعم .. إن العاصي اختار أوكس نصيب .. وأخسر صفقة!

فبينما أهل الطاعات يتقلبون في لذاذة الطاعات .. ترى أهل الذنوب غادين ورائحين في ظلام المعاصي!

ص: 9

وبينما يقبس أهل الطاعات من أنوار الهُدى .. ترى أهل المعاصي يتخبطون في دياجير الذنوب!

قال ابن القيم: «ولا تظن أن قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} مختص بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من برِّ القلب، وسلامة الصدر، ومعرفة الرب تعالى، ومحبته، والعمل على موافقته؟ ! وهل العيش في الحقيقة إلَاّ عيش القلب السليم» ؟ !

أيها المذنب! إن للطاعات لذَّة يذوقها من اعتادها .. وقد عرف الصالحون هذه اللذة .. فكانت أشهى عندهم من كل مُشْتَهَى!

عن أحمد بن أبي الحواري، قال:«سمعت أبا سليمان الداراني يقول: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره حتى يخرج من الدنيا إلا على ما فاته من لذة طاعة الله عز وجل فيما مضى من عمره، لكان ينبغي له أن يُبْكِيَهُ ذلك حتى يخرج من الدنيا! فقلت: يا أبا سليمان، إنما يبكي على لذة ما مضى من وجد الإيمان. فقال: صدقت» .

قال: «وسمعته يقول: أهل الطاعة بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، وربما استقبلني الفرح في جوف الليل، وربما رأيت القلب يضحك ضحكًا» !

أيها المذنب! والطاعة أُنْس

وسرور .. وراحة .. والذنب وَحْشَة .. وشفاء!

فهل يسرك أن تختار الوَحْشَة على الأُنس .. والنَّصب على الراحة؟ !

ص: 10

قال بعض السلف: «إن للحسنة لنورًا في القلب، وقوة في البدن، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب، وسوادًا في الوجه، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق» !

أيها المذنب! أهل الطاعات بطاعاتهم آنس من الوالد بولده .. ومن البخيل بماله!

لما حضرت معاذاً بن جبل رضي الله عنه الوفاة؛ قال: «اخنق خنقك، فوعزتك إني أحبك، اللهم إني كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني ما كنت أحب البقاء في الدنيا لكري الأنهار، ولا غراس الأشجار، وإنما بمكابدة الساعات، وظمأ الهواجر، ومزاحمة العلماء بالرُّكَب عند حِلَق الذِّكر» !

أيها المذنب! إذا تلذَّذ أهل الطاعات ببردها .. فإنَّ للذنوب مرارات .. وغصص!

وكم من مذنب لم يشعر بتلك المرارات .. وغفلته عن ذلك أشد من الذنب! فإن العقوبات المعنوية التي تنزل على قلب المذنب شديدة الوطأة على العصاة!

قال ابن الجوزي: «وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله؛ فظنَّ أن لا عقوبة، وغفلته عمَّا عوقب به عقوبة، وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة» .

أيها الغافل! ذلك هو نور الطاعات الذي يفوز به الطائعون .. وتلك هي ظلمة المعصية التي يعيشها العاصون .. ويكون ذلك في الدنيا والآخرة ..

ص: 11