المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب هواتف القبور - الهواتف = هواتف الجنان لابن أبي الدنيا

[ابن أبي الدنيا]

الفصل: ‌باب هواتف القبور

‌بَابُ هَوَاتِفِ الْقُبُورِ

ص: 51

42 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَابِشِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنَ الْكُوفِيِّينَ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي جَنَازَةٍ فَلَمَّا دَفَنَهَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ: دَعُونِي حَتَّى آتِيَ قَبْرَ الْأَحِبَّةِ قَالَ: «فَأَتَاهُمْ فَجَعَلَ يَدْعُو وَيَبْكِي إِذْ هَتَفَ بِهِ التُّرَابُ فَقَالَ: يَا عُمَرُ، أَلَا تَسْأَلُنِي مَا فَعَلْتُ بِالْأَحِبَّةِ؟ قَالَ: فَمَا فَعَلْتَ بِهِمْ؟ قَالَ: مَزَّقْتُ الْأَكْفَانَ وَأَكَلْتُ اللَّحْمَ وَشَدَخْتُ الْمُقْلَتَيْنِ وَأَكَلْتُ الْحَدَقَتَيْنِ وَنَزَعْتُ الْكَفَّيْنِ مِنَ السَّاعِدَيْنِ وَالسَّاعِدَيْنِ مِنَ الْعَضُدَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ مِنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ مِنَ الصُّلْبِ وَالْقَدَمَيْنِ مِنَ السَّاقَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ مِنَ الْفَخِذَيْنِ وَالْفَخِذَيْنُ مِنَ الْوَرِكِ وَالْوَرِكَ مِنَ الصُّلْبِ قَالَ: وَعُمَرُ يَبْكِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ قَالَ لَهُ التُّرَابُ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَكْفَانٍ لَا تَبْلَى؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقْوَى اللَّهِ عز وجل وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ»

ص: 51

حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ

⦗ص: 52⦘

بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ التَّيْمِيُّ، عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ أَخَوَيْنِ كَانَا جَارَيْنِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِدُ بِصَاحِبِهِ وَجْدًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فَخَرَجَ الْأَكْبَرُ إِلَى أَصْفَهَانَ فَقَدِمَ وَقَدْ مَاتَ الْأَصْغَرُ فَاخْتَلَفَ إِلَى قَبْرِهِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا حَضَرَ أَجَلُهُ إِذَا هَاتِفٌ هَتَفَ مِنْ خَلْفِهِ:

[البحر السريع]

يَا أَيُّهَا الْبَاكِي عَلَى غَيْرِهِ

نَفْسَكَ أَصْلِحْهَا وَلَا تَبْكِهِ

إِنَّ الَّذِي تَبْكِي عَلَى إِثْرِهِ

يُوشِكُ أَنْ تُسْلَكَ فِي سِلْكِهِ

فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ خَلْفَهُ أَحَدًا فَاقْشَعَرَّ وَحُمَّ فَهُرِعَ إِلَى أَهْلِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى مَاتَ فَدُفِنَ إِلَى جَنْبِهِ فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ قَوْلِهِ يُوشِكُ يَوْمًا»

ص: 51

43 -

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ شَرْقِيِّ بْنِ قَطَامِيٍّ، قَالَ: " كَانَ رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا إِخَاءٌ وَمَوَدَّةٌ فَتَصَارَمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الصَّرْمِ فَدُفِنَ بِالدَّوْمِ فَمَرَّ الْبَاقِي بِقَبْرِ الْمَيِّتِ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ مِنَ الْقَبْرِ

[البحر الطويل]

أَجِدَّكَ تَطْوِي الدَّوْمَ لَيْلًا وَلَا تَرَى

عَلَيْكَ لِأَهْلِ الدَّوْمِ أَنْ تَتَكَلَّمَا

وَبِالدَّوْمِ ثَاوٍ لَوْ ثَوَيْتَ مَكَانَهُ

فَمَرَّ بِأَهْلِ الدَّوْمِ عَاجَ فَسَلَّمَا

تُجَدِّدُ صَرْمًا أَنْتَ كُنْتَ بَدَأْتَهُ

وَلَا أَنَا فِيهُ كُنْتُ أَسْوَا وَأَظْلَمَا

ص: 52

45 -

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ بَقِيَّةَ الزَّهْرَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي فِي الْمَقَابِرِ إِذَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ مِنْ وَرَائِي يَقُولُ: يَا ثَابِتُ لَا يَغُرَّنَّكَ سُكُونُهَا فَكَمْ مِنْ مَغْمُومٍ فِيهَا، قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا»

ص: 53

47 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ صَالِحًا الْمُرِّيَّ، يَقُولُ: «دَخَلْتُ الْمَقَابِرَ يَوْمًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَنَظَرْتُ إِلَى الْقُبُورِ خَامِدَةً كَأَنَّهُمْ قَوْمٌ صُمُوتٌ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ أَرْوَاحِكُمْ وَأَجْسَادِكُمْ بَعْدَ افْتِرَاقهَا ثُمَّ يُحْيِيكُمْ وَيَنْشُرُكُمْ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْبِلَى قَالَ: فَنَادَانِي مُنَادٍ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْحُفَرِ: يَا صَالِحُ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ

⦗ص: 54⦘

السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرَجُونَ} [الروم: 25] قَالَ: فَسَقَطْتُ وَاللَّهِ لِوَجْهِي جَزَعًا مِنْ ذَلِكَ الصَّوْتِ»

ص: 53

48 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَعْرَسَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ لِابْنِهِ فَاتَّخَذَ لِذَلِكَ لَهْوًا وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ إِلَى جَانِبِ الْمَقَابِرِ قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَفِي لَهْوِهِمْ ذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا صَوْتًا مُنْكَرًا أَفْزَعَهُمْ قَالَ: فَأَصْغَوْا مُطْرِقِينَ فَإِذَا هَاتِفٌ مِنْ بَيْنِ الْقُبُورِ يَقُولُ:

[البحر البسيط]

يَا أَهْلَ لَذَّاتِ لَهْوٍ لَا تَدُومُ لَهُمْ

إِنَّ الْمَنَايَا تُبِيدُ اللَّهْوَ وَاللَّعِبَا

كَمْ قَدْ رَأَيْنَاهُ مَسْرُورًا بِلَذَّتِهِ

أَمْسَى فَرِيدًا مِنَ الْأَهْلِينَ مُغْتَرِبَا

قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنْ لَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ الْفَتَى الْمُتَزَوِّجُ»

ص: 54

49 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنِي رَبَاحٌ شَيْخٌ كَانَ يَنْزِلُ بِالْعَدَوِيَّةِ، عَنْ جَارٍ لَهُ قَالَ:«مَرَرْتُ بِالْمَقَابِرِ فَتَرَحَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَهَتَفَ هَاتِفٌ: نَعَمْ فَتَرَحَّمْ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَهْمُومَ وَالْمَحْزُونَ»

ص: 54

50 -

حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: "

⦗ص: 55⦘

بَيْنَا رَكْبٌ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ وَوَرَاءَهُمْ تُحِيطُ الْمَقَابِرُ إِذَا هَاتِفٌ يَقُولُ لَهُمْ:

[البحر المديد]

أَيُّهَا الرَّكْبُ الْمُخِبُّونَ

وَعَلَى الْأَرْضِ مُجِدُّونَ

فَكَمَا أَنْتُمْ كُنَّا

وَكَمَا نَحْنُ تَكُونُونَ

ص: 54

51 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «سُمِعَ لَيْلَةَ مَاتَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي جَانِبِ بَيْتِهِ شَهِيقٌ كَشَهِيقِ الْمَرْأَةِ الْحَسَنَةِ الصَّوْتِ وَهُوَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

لَقَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلِيٌّ فَأَعْوِلِي

بَنِي هَاشِمٍ إِنْ كَانَ يَنْفَعُكِ الْحُزْنُ

لَقَدْ مَاتَ خَيْرُ النَّاسِ إِلَّا مُحَمَّدًا

رَبِيعُ الْيَتَامَى وَالصَّحِيحُ مِنَ الْإِبْنِ»

ص: 55

52 -

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ الْهَاشِمِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: " كَانَ نَاسٌ يَسِيرُونَ لَيْلًا عِنْدَ بَابِ الشَّرْقِ مِمَّا يَلِي الْمَقَابِرَ فَسَمِعُوا صَوْتًا مِنْ قَبْرٍ يَقُولُ:

[البحر المجتث]

يَا أَيُّهَا الرَّكْبُ سِيرُوا

مِنْ قَبْلِ أَنْ لَا تَسِيرُوا

فَكَمَا كُنْتُمْ كُنَّا فَغَيَّرَنَا رَيْبُ الْمَنُونِ

وَسَوْفَ كَمَا كُنَّا تَكُونُونَ

ص: 55

53 -

حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ نَصْرٍ أَبُو يَاسِرٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ سُمِعَ صَوْتٌ مِنْ قِبَلِ الْمَقَابِرِ «إِنْ تَرَوْنَ الْيَوْمَ أَمْثَالَنَا بَعْدَهَا أَمْثَالُكُمْ وَكُنَّا أَقْرَانًا فِي الْحَيَاةِ كَشَكْلِكُمْ فَتِلْكَ الْبَيْدَاءُ تَسْفِي رِيَاحُهَا وَنَحْنُ فِي مَقْصُورَةٍ لَا نَنَالُكُمْ فَمَنْ يَكُ مِنَّا فَلَيْسَ بِرَاجِعٍ فَتِلْكَ دِيَارُنَا وَهْيَ مَصِيرُكُمْ»

ص: 56

54 -

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرَوِيُّ، حَدَّثَنِي سُحَيْمُ بْنُ مَيْمُونٍ، وَكَانَ مِنْ جُلَسَاءِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ نَائِمًا فِي مَقْبَرَةٍ فَسَمِعَ هَاتِفا يَقُولُ

أَنْعَمَ اللَّهُ بِالْخَلِيلَيْنِ عَيْنَا

وَبِمَسْرَاكِ يَا أُمَيْمُ إِلَيْنَا

فَأَجَابَهُ مُجِيبٌ فَقَالَ:

وَمَا يَنْفَعُهَا وَأَبُوهَا سَاخِطٌ عَلَيْهَا

فَلَمَّا أَصْبَحَ الرَّجُلُ إِذَا بِقَبْرٍ يُحْفَرُ وَرَجُلٌ هُنَاكَ فَسَأَلَ عَنِ الْقَبْرِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا سَمِعَ فَقَالَ: هَذَانِ قَبْرَا ابْنَيَّ وَهَذِهِ الْمَيِّتَةُ أُمِّهُمَا وَقَدْ كُنْتُ سَاخِطًا عَلَيْهَا أَمَا لَأُقِرَّنَّ أَعْيُنَهُمَا بِالرِّضَا عَنْهَا قَالَ: فَرَضِيَ عَنْهَا وَوَلِيَ أَمْرَهَا حَتَّى وَارَاهَا»

ص: 56

55 -

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ حَفَّارٍ، كَانَ فِي بَنِي أَسَدٍ قَالَ: فَمَرَرْتُ بِالْحَفَّارِ فَحَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْهُ قَالَ: «

⦗ص: 57⦘

كُنْتُ أَنَا وَشَرِيكٌ نَتَحَارَسُ مَقْبُورِي أَسَدٍ لَيْلًا فِي الْمَقَابِرِ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: قَبْرُ مَنْ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا لَكَ يَا جَابِرُ؟ قَالَ: غَدًا تَأْتِينَا أُمُّنَا قَالَ: وَمَا تَنْفَعُنَا لَا تَصِلُ إِلَيْنَا إِنَّ أَبِي قَدْ غَضِبَ عَلَيْهَا وَحَلَفَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهَا قَالَ: فَجَعَلَا يُكَرِّرَانِ ذَلِكَ مِرَارًا فَجِئْتُ لِشَرِيكِي فَجَعَلَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلَا يَفْهَمُ الْكَلَامَ فَلَقَّنْتُهُ إِيَّاهُ ثُمَّ يَفْهَمُ بِفَهْمِهِ فَلَمَّا كَانَ مِنْ غَدٍ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: احْفِرْ لِي هَاهُنَا قَبْرًا بَيْنَ الْقَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمِعْتُ مِنْهُمَا الْكَلَامَ فَقُلْتُ: اسْمُ هَذَا جَابِرٌ وَاسْمُ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ فَقَالَ: نَعَمْ قَدْ كُنْتُ حَلَفْتُ أَنْ لَا أُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَلَا جَرَمَ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْ يَمِينِي وَلَأُصَلِّيَنَّ عَلَيْهَا وَلَأَتَرَحَّمَنَّ عَلَيْهَا قَالَ: ثُمَّ مَرَّ بِي بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عُكَّازٍ وَمَعَهُ إِدَاوَةٌ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الْحَفْرَ لِمَكَانِ عَيْنِي تِلْكَ»

ص: 56

56 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ جَدِّي عَلِيِّ بْنِ طَارِقِ بْنِ زَيْدٍ الْجُعْفِيِّ، حَدَّثَنَا الثُّمَالِي «أَنَّ رَجُلًا خَرَجَ يَتَنَزَّهُ فَإِذَا هُوَ بِصَوْتٍ مِنْ قَبْرٍ يُنَادِي

[البحر الرجز]

هَذَا أَبُونَا قَدْ أَتَانَا زَائِرَا

أَحْبِبْ بِهِ زَوْرًا إِلَيْنَا بَاكِرَا

وَخَيْرُ مَيِّتٍ ضُمِّنَ الْمَقَابِرَا

جَدَّ إِلَيْنَا عُتْبَةٌ مُثَابِرَا

قَدْ وَحَّدَ اللَّهَ زَمَانًا صَابِرَا

عُوِّضَ مِنْ تَوْحِيدِهِ أَسَاوِرَا

فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا فَاخِرَا

⦗ص: 58⦘

قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ الْيَوْمَ حَتَّى أَعْلَمَ مَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ وَعَنِ الْمَيِّتِ فَجِيءَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ فَسَأَلْتُهُمْ عَنْهُ فَقِيلَ: هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهَذَا ابْنُهُ عُتْبَةُ وَهَذِهِ ابْنَتُهُ عُبَيْدَةُ فَدَفَنُوهُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ انْصَرَفُوا»

ص: 57

57 -

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: وَمِنْ كِتَابِ جَدِّي، حَدَّثَنَا الْكَلْبِيُّ، «أَنَّ رَجُلًا مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فَوَلِهَ أَبُوهُ وَلَهًا شَدِيدًا، وَأَنَّ أَبَاهُ أُرِيَ فِي مَنَامِهِ أَنِ ائْتِ قَبْرَ ابْنِكَ فَوَدِّعْهُ فَخَرَجَ يَمْشِي حَتَّى أَتَى قَبْرَهُ وَهُوَ رَجُلٌ يَقُولُ الشَّعْرَ فَأُلْقِيَ عَلَى لِسَانِهِ أَنْ قَالَ:

[البحر الرجز]

يَا صَاحِبَ الْقَبْرِ الَّذِي قَدِ اسْتَوَى

هَيَّجْتَ لِي حُزْنًا عَلَى طُولِ الْبِلَى

حُزْنًا طَوِيلًا يَتَأَتَّى مَا انْقَضَى

مِنْ غُصَصِ الْمَوْتِ وَغَمٍّ قَدْ بَرَى

وَضَغْطَةِ الْقَبْرِ الَّتِي فِيهَا الْأَذَى

ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ انْصَرَفَ فَنُودِيَ مِنْ خَلْفِهِ:

اسْمَعْ أُحَدِّثْكَ بِأَمْرٍ قَدْ أَتَى

بِخَبَرٍ أَوْضَحَ مِنْ ضَوْءِ الضُّحَى

عَنْ غُصَصِ الْمَوْتِ وَهَمٍّ قَدْ جَلَا

وَفَرَجٍ أَتَاهُ مِنْ بَعْدِ الرِّضَا

لِلْقَوْلِ بِالتَّوْحِيدِ فِيمَا قَدْ خَلَا

أَثْبَتَ مِنْ ذَاكِ جَزِيلًا وَوَعَى

جِنَانَ فِرْدَوْسٍ رَضِيٍّ لِلْفَتَى

يَدْعُو بِهَا يَانِعَهَا بِمَا اشْتَهَى

ثُمَّ إِنَّ الصَّوْتَ خَمَدَ وَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَمَا خَطَرَ لَهُ ابْنُهُ عَلَى بَالِهِ حَتَّى مَاتَ»

ص: 58

58 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ فَإِذَا أَنْوَارٌ قَدْ أَقْبَلَتْ وَمَعَهَا جَنَازَةٌ فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَقْبَرَةِ قَالَ: انْظُرُوا قَبْرَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَسَمِعَ رَجُلٌ صَوْتًا مِنَ الْقَبْرِ حَزِينًا مُوجَعًا يَقُولُ:

أَنْعَمَ اللَّهُ بِالظَّعِينَةِ عَيْنَا

وَبِمَسْرَاكِ يَا أَمِينَ إِلَيْنَا

جَزَعًا مَا جَزِعْتُ مِنْ ظُلْمَةِ الْقَبْـ

ـرِ وَمِنْ مَسْكِ التُّرَابِ أُمَيْنَا

قَالَ: فَأَخْبَرَ الْقَوْمَ بِمَا سَمِعَ فَبَكَوْا حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنْ أَمِينَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: صَاحِبَةُ السَّرِيرِ وَهَذِهِ أُخْتُهَا مَاتَتْ عَامَ أَوَّلَ فَقَالَ صَفْوَانُ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَكَلَّمُ فَمِنْ أَيْنَ هَذَا الصَّوْتُ؟ "

ص: 59

59 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الضَّبِّيُّ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَعْرِضُ لِلنَّاسِ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مَعَهُ ابْنٌ لَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَقَالَ عُمَرُ» مَا رَأَيْتُ غُرَابًا أَشْبَهَ بِغُرَابٍ مِنْ هَذَا بِهَذَا فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَا وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ وَلَدَتْهُ

⦗ص: 60⦘

أُمُّهُ وَهِيَ مَيِّتَةٌ قَالَ: وَيْحَكَ وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: خَرَجْتُ فِي بَعْثِ كَذَا وَكَذَا وَتَرَكْتُهَا حَامِلًا بِهِ فَقُلْتُ: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ مَا فِي بَطْنِكِ فَلَمَّا قَدِمْتُ مِنْ سَفَرِي أُخْبِرْتُ أَنَّهَا قَدْ مَاتَتْ فَبَيْنَمَا، أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ قَاعِدٌ فِي الْبَقِيعِ مَعَ بَنِي عَمٍّ لِي إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا ضَوْءٌ شِبْهُ السَّرَّاجِ فِي الْمَقَابِرِ فَقُلْتُ لِبَنِي عَمِّي: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: مَا نَدْرِي غَيْرَ أَنَّا نَرَى هَذَا الضَّوْءَ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ قَبْرِ فُلَانَةَ فَأَخَذْتُ مَعِي فَأْسًا ثُمَّ انْطَلَقْتُ نَحْوَ الْقَبْرِ فَإِذَا الْقَبْرُ مَفْتُوحٌ وَإِذَا هُوَ بِحِجْرِ أُمِّهِ فَدَنَوْتُ فَنَادَانِي مُنَادٍ أَيُّهَا الْمُسْتَوْدِعُ رَبَّهُ خُذْ وَدِيعَتَكَ أَمَا لَوِ اسْتَوْدَعْتَهُ أُمَّهُ لَوَجَدْتَهَا، قَالَ: فَأَخَذْتُ الصَّبِيَّ وَانْضَمَّ الْقَبْرُ " قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَسَأَلْتُ عُثْمَانَ بْنَ زُفَرَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ

ص: 59