المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌واقع العالم الإسلامي: - الوحدة الإسلامية

[محمد المبارك]

الفصل: ‌واقع العالم الإسلامي:

واحدة في ظل عقيدته وأحكامه تتضامن وتتكافل وتتعاون على أساسه في مجال الشعور بالأخوة وفي مجال التعاون الحضاري والتناصر والتكافل المالي.

ولا يمكن ذلك إلا بالنسبة لمن يؤمن به ويذعن لأحكامه وتبقى الدائرة مفتوحة لمن يريد أن يدخل فيها طواعية.

ص: 43

‌واقع العالم الإسلامي:

أطلق لفظ العالم الإسلامي في العصر الحديث بدلاً من تعبير (الأمة الإسلامية) الذي كان يستعمله المسلمون والغالب على الظن أن هذا التعبير استعمله أولاً غير المسلمين من أهل أوربا وأمريكا بالإنكليزية (Muslim word) وبالفرنسية (le monde muslman) .

وهو يشمل الشعوب المسلمة أو التي أكثريتها مسلمة سواء أكانت حكومتها إسلامية أم كانت غير إسلامية، ويضاف إليها أو يلحق بها الأقليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية.

وسنذكر فيما يلي جوانب الاختلاف والانقسام تمهيدا للبحث عن طرق إزالة الاختلاف والانقسام والعودة إلى الوحدة والانسجام الاجتماعي:

1 _

تعدد الدول:

إن انقسام الدول الإسلامية ظاهرة قديمة ولكن حكام الدول الإسلامية كانوا يشعرون كما يشعر المسلمون جميعا يومئذ أنهم يقتسمون أرضا واحدة ومجتمعا واحدا وكان الفرد المسلم لا يشعر بالانفصال عن المسلمين الذين هم تحت حكم حاكم آخر فالشعور بوحدة المسلمين أو المجتمع كان واضحا وقويا حتى أن الانتقال من دولة إلى دولة كان أمرا عاديا وميسورا وكذلك تغيير محل الإقامة من دولة إلى دولة وكان المسلم ينتقل إلى بلد آخر وإلى سلطة حاكم آخر دون أن ينتقص أي حق من حقوقه، فيمكن أن يتولى فيها أي ولاية من الولايات كالقضاء والوزارة وغيرها كما حصل لابن خلدون وابن بطوطة وعدد كبير من العلماء الذين تولوا القضاء في الشام ومصر أو في مصر والمغرب أو غيرها.

أما الانقسام الذي حصل في القرن الأخير ولاسيما في عهد الاستعمار وبعد الاستقلال فهو انقسام إلى دول تفصلها حدود حاجزة وتكون مجتمعات أخذ بعضها يتباعد عن بعض، وتكونت لها عصبيات قومية أو إقليمية انعكست آثارها في نفوس الشعوب وتجسدت في كيانات وطنية وقومية متنافسة تنافس القبائل قديما بل متصارعة ومتعادية أحيانا.

ص: 43

وبني على هذا الأساس المناهج الدراسية وخاصة في التاريخ والجغرافيا وغذيت هذه الروح المبنية على هذه العصبيات الإقليمية أو القومية والوطنيات المحدودة الخاصة حتى في الأدب والشعر والأناشيد (الوطنية) فلتركيا نشيد ولمصر نشيد وللعراق نشيد.. الخ. واستمر الحكام الذين حكموا بعد التحرر من الاستعمار كالحكام الذين سبقوهم أو الذين لم تستعمر أرضهم في هذا الاتجاه بسبب نشوئهم في هذه الأجواء من جهة وبسبب حرصهم على مناصبهم من جهة أخرى.

2 _

اختلاف نظم الدول القائمة في العالم الإسلامي:

أ _ نظم التربية والتعليم:

بعد أن أدخل الاستعمار _ وهو حكم غير المسلمين للبلاد الإسلامية _ مناهج للتعليم غير المناهج الإسلامية المتوارثة وبنيت هذه المناهج على الفكر الغربي من حيث الأساس، اختلت الوحدة الثقافية والفكرية في البلاد الإسلامية. فوجد أولاً نوعان من الثقافة والتفكير، نوع بني على المناهج الإسلامية الموروثة القديمة ونوع بني على المناهج الأجنبية الوافدة أو الغازية.

ووجد اختلاف آخر نشأ عن تعدد الدول غير المسلمة التي غزت بلاد المسلمين وهي نفسها مختلفة المناهج وإن اشتركت في أصولها فثمة نظام إنكليزي ونظام فرنسي وغيرهما. ثم ظهر نظام آخر كان له تأثير أيضا وهو النظام الماركسي الذي تأثرت به بعض البلاد الإسلامية بتأثير الدول الشيوعية ودعايتها ونفوذها وهكذا تكون من مجموع ذلك تفكير متعدد مختلف الاتجاهات وليس هذا الاختلاف بين بلد وبلد فحسب بل في البلد الواحد نفسه. وبذلك فقدت أو انتقصت الوحدة الفكرية والثقافية التي كانت ماثلة، في بلاد المسلمين كلها.

ب _ التشريع:

غزا الغرب غير المسلمين البلاد الإسلامية قبل استعمار البلاد الإسلامية فأخذت القانون الجنائي ثم القانون التجاري ثم القانون المدني وأخيراً قانون الأحوال الشخصية. ولكل من هذه القوانين تأثيرها في المجتمع في توجيه حياته الأخلاقية عن طريق التشريع الجنائي _ والاقتصادية عن طريق القانون التجاري والمدني وحياة الأسرة المسلمة عن طريق قوانين الأحوال الشخصية.

ونشأ عن ذلك:

الاختلاف بين التشريع الإسلامي الذي

ص: 44

كان سائدا والتشريع الغربي الغازي. الاختلاف بين التشريعات الأجنبية نفسها لتعدد مصادرها.

التعارض بين بنية المجتمع الإسلامي القديمة والتشريع الجديد الأجنبي فيها وأخيرا فقدان الوحدة التشريعية في البلاد الإسلامية واختلاف تكوين البناء الاجتماعي وإقصاء التشريع الإسلامي عن المجتمعات الإسلامية.

ج _ الاقتصاد والنظم الاقتصادية:

إن الاختلاف في النظم الاقتصادية والانقسام والتوزيع على دورات أو شبكات اقتصادية من جهة الارتباط والتعامل الخارجي _ ظاهرتان جديدتان في العالم الإسلامي لم تكونا موجودتين حتى في عصر الانحطاط إذ كان العالم الإسلامي مترابطا اقتصاديا وكان النظام السائد فيه واحدا.

نشأ هذا الاختلاف والانقسام بتأثير الاستعمار وتعدد دوله واختلاف نظمه واختلاف الدول أو البلاد الإسلامية في اقتباس النظم الاقتصادية من رأسمالية قديمة إلى رأسمالية حديثة إلى اشتراكية إلى اشتراكية ماركسية وقد نشأ عن الاختلاف في هذا الميدان نتائج وآثار متعددة منها: اختلاف في تركيب المجتمع وفي آلية الحركة الاقتصادية أو طرائق التنمية وفي كل ما يتأثر بالاقتصاد وأسلوبه في الداخل.

اختلاف في الارتباطات الاقتصادية الخارجية في الصادرات والواردات والأساس النقدي ومراكز الإيداع. فكل بلد إسلامي مرتبط بشبكة اقتصادية خارجية تختلف عن البلدان الإسلامية الأخرى وذلك بسبب تضارب المصالح والتنافس وقد يسبب التعارض في المصالح الاقتصادية وذلك مما يجر إلى اختلاف المواقف السياسية الخارجية وإلى وجود البلاد الإسلامية في جبهات مختلفة ومتصارعة وكثيراً ما سبب ذلك السير في سياسة خارجية تخالف الإسلام بل التنكر لبعض القضايا الإسلامية الدولية.

د _ السياسة الداخلية والخارجية:

من الطبيعي أن يرتبط الاختلاف في السياسة الداخلية بالاختلافات السابقة وخاصة في التربية والثقافة وفي التشريع وفي المفاهيم العقائدية والمعايير الأخلاقية وهي التي تحدد الحقوق والواجبات ومدى الحريات وأنواعها ولا شك كذلك أن حرص الحكام في كل بلد على الاستمرار في الحكم وبقاء البلد الذي يحكمونه مستقلا عن غيره من البلدان الإسلامية هو دافع إلى وضع قوانين ونظم وإجراءات في السياسة

ص: 45

الداخلية تقوي روح الإقليمية والانعزالية في الشعب حتى تتغلب على شعوره بواجب الاتحاد أو الوحدة مع سائر البلدان الإسلامية، ويضاف إلى ذلك اعتقاده أن في ذلك مصلحة له لئلا يقاسمه أبناء البلدان الأخرى المنافع والمكاسب في زعمه غافلا عما تجلبه الوحدة وسعة الرقعة من القوة ومن المنافع والمصالح بالإضافة إلى كونها واجبا إسلاميا بصرف النظر عن مكاسبها.

وبذلك يصبح المسلم في بلد إسلامي ليس بلده وفي دولة غير دولته ليس له من الحقوق المدنية كالعمل والإقامة والتملك والتوظف وغيرها من الحقوق إلا ما لسائر الأجانب من غير المسلمين وهذه ظاهرة لم يسبق لها نظير في تاريخ الإسلام ولم تحدث إلا في العصر الحديث.

أما السياسة الخارجية فهي كذلك مختلفة بسبب اختلاف العوامل التي ذكرناها من التربية وما تنشره من أفكار وعقائد ومن النظم الاقتصادية والمصالح الاقتصادية فهذان العاملان أعني التأثر بالتيارات الخارجية كالشيوعية والليبرالية. والديمقراطية والقومية وغيرها، وارتباط المصالح الاقتصادية بدول وبلدان غير إسلامية أدت ولا تزال تؤدي حتما إلى اختلاف كبير في السياسة الخارجية وانقسام بين حكومات البلاد الإسلامية في هذا المجال. وإن من أساليب المعارضة لوحدة الشعوب الإسلامية واتحاد الدول الإسلامية صرفها إلى تكتلات أخرى تختلط فيه دول الشعوب الإسلامية وتتوحد مع دول غير إسلامية.

3 _

تعدد المذاهب والاتجاهات:

إن الوحدة بين المسلمين في الماضي والحاضر لم يكن ليؤثر فيها ما بينهم من اختلاف مذهبي وفيما يلي تلخيص يعطي صورة واضحة ويؤيد ما قلناه:

أ _ أن المذهب السني هو مذهب الأكثرية العظمى للمسلمين في العالم والمذهب الذي يليه في الأهمية من حيث العدد هو المذهب الشيعي الإمامي وهو مذهب أكثرية الشعب الإيراني وفريق من سكان القارة الهندية (الهند وباكستان وبنغلاديش) والمهاجرين منهم إلى جنوب أفريقيا ونصف سكان العراق وأقليات أخرى في بلدان متفرقة.

إن وجود هذين المذهبين ويضاف إليهما المذهب الإباضي في عمان والجزائر وزنجبار والمذهب الزيدي في اليمن، لم يكن ليخلق أي

ص: 46

مشكلة أمام الوحدة بين المسلمين. فالتنسيق بين المذهب السني والمذهب الشيعي وهما الأكثر تباعدا بين هذه المذاهب التي ذكرناها أمر ميسور وممكن لعظم الجانب المشترك بينهما وضآلة جانب الاختلاف.

وأما المذاهب التي أعلنت انشقاقها وانفصالها عن الإسلام قديما أو حديثا كالدرزية والبهائية، أو التي أعلن المسلمون انفصالها عن الإسلام كالقاديانية فهي لا توجد مشكلة لقلة عدد أصحابها ولعدم معارضتها للوحدة بين المسلمين.

ب _ المذاهب الحديثة العقائدية والاجتماعية والسياسية:

إن من أبرز العوامل المعارضة للوحدة في داخل كل بلد إسلامي وبين البلدان الإسلامية ظهور تيارات فكرية ومذاهب عقائدية حديثة مستمدة من الغرب تولدت بسبب الاستعمار والغزو الأجنبي الفكري. وهذه المذاهب إما معارضة للإسلام معارضة أساسية وكلية وإما عاملة لحصر الإسلام في نطاق العبادات والعقيدة الشخصية.

بعض هذه المذاهب يتخذ لنفسه صفة عقيدة شاملة (إيديولوجية) كالماركسية أو الشيوعية والقومية لدى فريق من القومين (في مختلف الشعوب الإسلامية) وبعضها يتخذ لنفسه صفة جانبية سياسية كالوطنية والقومية عند فريق آخر من القوميين أو اقتصادية كالاشتراكية (غير الماركسية) .

إن هذه التيارات السياسية والاجتماعية والعقائدية راجت وانتشرت في المجتمعات الإسلامية وكان لها آثار ونتائج خطيرة وعميقة في حاضر العالم الإسلامي ومستقبلة وفيما يلي أهم هذه النتائج:

أولاً: أن هذه المذاهب والتيارات تأثر بها فريق من الجيل الماضي والحاضر من الشعب في كل بلد إسلامي وكونت على أساسها أحزاب سياسية وأصبحت في بعض البلدان مذهب الدولة الرسمي والفعلي ووصل المتمذهبون بها إلى مراكز الحكم والقيادة.

ثانياً: اختلفت البلاد الإسلامية في الأخذ بهذه المذاهب فاتخذت بعضها الاشتراكية وبعضها الشيوعية

ص: 47

وبعضها القومية وبعضها العلمانية وبعضها الإسلام صراحة أو ضمنا فكان سببا في الاختلاف العقائدي للدول الإسلامية.

ثالثاً: وقفت هذه المذاهب بعضها موقف المعارضة للإسلام كالشيوعية وبعضها موقف الحد من الإسلام وحصره في نطاق محدود ضيق كالقومية والديمقراطية العلمانية، وحتى الوطنية. وتكاد تكون كلها معارضة للإسلام في جانبه السياسي وباعتباره عامل وحدة بين المسلمين تشريعا وثقافة وحكما فهي على أحسن الأحوال تعتبره (تراثا) قوميا أو إنسانيا وتحصره في نطاق العبادات والمواسم و (التقاليد) .

رابعاً: تتعاطف كل دولة إسلامية مع الدول التي تدين بمذهبها ولو كانت غير مسلمة وتتنكر للدول التي تدين بمذهب مغاير لمذهبها ولو كان شعبها مسلما أو كانت هي مسلمة ويظهر ذلك في التقاء الأحزاب الاشتراكية (غير الشيوعية) أو الأحزاب الشيوعية في مؤتمرات عمل أو في زيارات ودية. وكذلك في لقاء الحكومات التي تدين بمذهب مشترك من هذه المذاهب. ولا شك أن في ذلك طعنة للإسلام يراد بها القضاء عليه وتفتيتا للوحدة بين المسلمين سواء في ذلك وحدة الشعوب أم وحدة الدول وصدا عن السير في طريق الوصول إليها.

خامساً: أن هذه المذاهب والتيارات تتعارض تعارضا كليا أو جزئيا مع الإسلام ويكون المنتمون إليها في داخل الشعوب الإسلامية تيارات معارضة للكيان الإسلامي ولجماهير المسلمين ولكل حركة إسلامية، ويوجدون بذلك تصدعا في الوحدة والانسجام المتحققين بين الشعوب المسلمة وفي داخل كل شعب منها.

سادساً: لم يقتصر التأثر بهذه التيارات المستوردة والعقائديات المعارضة للإسلام على فئة خاصة من حكام ومثقفين وقادة أحزاب بل تأثر بها فريق من الشعب في كل بلد وأن تكن الجمهرة الكبرى من الشعب في كل بلد باقية على موالاة الإسلام بحسب فهمها له. وبذلك حصل شيء من التصدع الداخلي الذي أخل بوحدة الشعب في كل بلد ووحدة الشعوب الإسلامية كذلك.

ص: 48