المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأقليات الدينية والقومية: - الوحدة الإسلامية

[محمد المبارك]

الفصل: ‌الأقليات الدينية والقومية:

‌الأقليات الدينية والقومية:

حينما كان الإسلام هو المهيمن على الحكم والعلاقات الاجتماعية قبل العصر الأخير كانت الأقليات الدينية غير الإسلامية والمنشقة عن جمهرة المسلمين بمذهب خاص انفصلت به عن الجماعة قد كيفت وضعها الخاص تكيفا لا يدع مجالا لمشكلة اجتماعية ولا لشكوى إلا كانت عارضة فلما ظهرت التيارات المذهبية الحديثة وجدت هذه الأقليات طريقا جديدا لتغير وضعها والمشاركة مع المنتمين إلى هذه التيارات من المسلمين أنفسهم لتحقيق رغبة نفسية لديها وهي إزالة حكم الإسلام وإقصاؤه عن مجال الحكم والتشريع متذرعة بالفكرة الوطنية الديمقراطية العلمانية أو القومية أو الاشتراكية، فأوجد هذا الوضع مضاعفات وتعقيدات ومنازعات مؤسفة في عدد من البلاد الإسلامية.

أما الأقليات القومية فكانت منسجمة مع القومية التي تعيش معها حينما كان الإسلام أساسا للحكم والعلاقات الاجتماعية وإنما برزت المشكلة حتى تكونت الدولة الحديثة _ في البلاد الإسلامية_ على أساس قومي فكان رد الفعل الطبيعي مطالبة هذه الأقليات بحقوقها القومية من تكوين دولة أو استقلال ذاتي ولغة خاصة ومشاركة في الحكم وما إلى ذلك.

بعد استعراضنا لواقع العالم الإسلامي المعاصر وما ظهر من ظاهرات انتقصت من الوحدة بين الشعوب الإسلامية وعوامل أثرت فيها وأحدثت فيها انقساما وتصدعا وتشبعا، لابد لنا من إثبات ملاحظة هامة. ذلك أنه بالرغم من العوامل التي انتقصت الوحدة وأضعفتها فإنه لا تزال كثير من جوانب الاشتراك وأسس الوحدة قائمة في كل شعب وبين الشعوب الإسلامية.

لا يزال الشعور الشعبي الإسلامي قويا عميق الجذور وهو شعور بالانتماء إلى الإسلام والإيمان به وشعور بالوحدة بين المسلمين ولا يزال هذا الشعور أقوى من أي شعور آخر يقابله مما تولد من التيارات المذهبية الحديثة.

ولا تزال وحدة المظاهر الدينية في العبادات وشعائرها والأعياد والمواسم والعادات ذات أثر كبير في النفوس ولا تقل عن ذلك ذكرى ماضي الإسلام وتاريخه في الوعي الشعبي.

ونضيف إلى هذه الجوانب ظاهرة جديدة آخذة بالقوة والاتساع والعمق وهي ظاهرة العودة إلى الإسلام دراسة وإطلاعا وإحياء لتراثه ومصادرة والتزاما

ص: 49

لأحكامه ومطالبة بتنفيذه في مجال التشريع والاقتصاد والحكم حتى أن الحكام أخذوا يشعرون بالضغط الشعبي القوي للعودة إلى الإسلام مما يضطرهم للمسايرة أو المجاملة.

إتماما للصورة التي رسمناها للعالم الإسلامي والعوامل المؤثرة في وحدته وانقسامه، وانسجامه أو تنافره، يجب أن نضيف أن هذه العوامل لا تتفاعل مستقلة بمعزل عن المؤثرات الخارجية. فإن القوى الخارجية والدول غير الإسلامية ذات مصلحة في هذا الموضوع ولها فيه اهتمام بالغ. ولذلك فهي تحاول التأثير في كل واحد من هذه العوامل لتقويته أو إضعافه حسب مخططها.

إن للدول الأجنبية مصلحة في بقاء الدول الإسلامية التي تتعامل معها اقتصاديا وتسير في فلكها سياسيا مستمرة، وقد كان ذلك يجري في العصر الماضي بقوة الجيش والسلاح ولكنه أصبح يتم في العصر الحاضر بطريقة أخرى سليمة وهي التوافق في العقيدة والفكرة والنظم. ولذلك فهي تحرص على الدعاية لمذهبها العقائدي وثقافتها ونظمها التربوية حرصها على ترويج بضاعتها وصناعتها وخبرتها الفنية.

ومن هنا يأتي إمداد المذاهب العقائدية الحديثة والتعاون مع الحكام السائرين في الاتجاه المناسب لهذه المصالح والعقائد والعاملين على ترويجها وهذه هي الطريقة السليمة غير المباشرة التي تنتج إقصاء الإسلام وإبعاد الوحدة الإسلامية والإبقاء على هذا النوع من الارتباط.

ليست الدول الأجنبية غير الإسلامية وحدها صاحبة المصلحة في ذلك بل يضاف إليها قوى خارجية وعالمية أخرى كالشركات الكبرى والصهيونية العالمية وجميع مراكز السلطات العليا للأديان المنافسة للإسلام.

ولهذه الأسباب كانت الدعوة إلى أي عقائدي أو اجتماعي سياسي معارض أو منافس للإسلام كالقومية والشيوعية والاشتراكية _كمذهب شامل مرتبطة ارتباطا قويا بالدول الأجنبية والقوى العالمية تشجعها وتمدها وتدعمها وتستميت في هذا السبيل لإقصاء ظهور الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية والوحدة الإسلامية. كما أنها تعادي وتقاتل كل حركة أو دعوة هدفها بعث الإسلام وإحياؤه وتوحيد الشعوب على أساسه وتبذل كل ما في وسعها لقتلها وإبادتها وتدفع جميع المؤتمرين بأمرها والمتعاونين معها من حكام ومثقفين وكتاب للقضاء عليها. وقد تعمل على تشجيع الطعن فيها وتكوين حركات مريضة باسم

ص: 50