الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مقدمة المولف]
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه
إتحاف المطالع
بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع
الحمد لله الذي خلق الانسان وأمدّه بالفضل والإحسان، وجعل منه من طلب العلم والبيان، فكان له الحظ العظيم والذكر حسب الإمكان، ومن تركه كان حظه الإهمال والنسيان. والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد سيد ولد عدنان، الذي أمرنا بطلب العلم والعرفان، على ممرّ الأوقات والأزمان، وعلى آله وأصحابه العلماء الأعيان، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرض أمام الملك الديان.
أما بعد، فان من أجل العلوم نفعا، وأكبرها موقعا، علم تاريخ الأمم والأجيال، فان العالم يتطلبه على اختلاف أنواعه ومشاربه، والجاهل يتخذه سلوة وموعظة، فهو محبوب عند الطائفتين، متناول عند الفئتين، لا يمل كل منهما مراجعته والاطلاع عليه، لأن بمعرفته يظهر تاريخ البلاد ومجدها وعظمتها وأصالتها في الحضارة والعمران، وأما البلاد التي لا يعرف تاريخها وتراجم علمائها ورجالها فتكون مجهولة بين الأمم. وكان علم التاريخ على اختلاف أنواعه في أول الدولة الإسلامية يعدّ من أول العلوم معرفة، فقد كان أسلافنا رحمهم الله من أشد الناس اعتناء به، والكتب المؤلفة في هذا العلم شاهدة على ذلك فهي لا تعد ولا تحصى.
ولما دخلت الدولة الإسلامية في طور التدهور تركت معرفة التاريخ إلا ما قل. ولا شك أنه من أسس قوام الدولة وأسباب نهوضها ورقيها، وصار هذا العلم يعد عندهم من الأمور الثانوية التي لا يعتد بها ولا يلتفت إليها ولا يتوقف عليها، خصوصا في مغربنا العزيز حتى صار حامله ينعت بأنه يعرف علم الخرافات لا يعبأ به ولا يقام له وزن ولا يعد من العلماء. وبالرغم على هذا كله والحمد لله يوجد في كل وقت من يقوم بواجبه رغم الصعوبات التي يتقلب فيها.
وقد قسم العلماء علم التاريخ إلى أقسام متعددة وأنواع مختلفة لا نطيل بتعداها، وألفوا في كل نوع من أنواعه تأليف متعددة. وكان من أقسامه المتميزة وفيات لأفراد الذي وصفوا بالعلم أو بالشجاعة أو الوظائف العالية إلى غير ذلك من الأمور التي توجب للفرد ذكرا في تاريخ البلاد وبين طيات الحوادث المهمة التي مرت في الأزمان الغابرة. وكان من أول من قاموا بجمع هذا النوع في الدولة الإسلامية الفقيه المؤرخ أحمد بن حسن القسمطيني المعروف بابن
قنفذ المتوفى سنة عشر وثمانمائة، فقد جمع في تأليفه الذي سماه شرف الطالب في أسنى المطالب المعروف بوفيات ابن فنفذ جملة صالحة من وفيات مشاهير رجال الأمة الاسلامية من جميع الاقطار والأمصار، من أول الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه إلى قرب وفاته. رتبه على سني الهجرة بحسب العشرات مقتصرا فيه على ذكر اسم الرجل ونسبه بدون تحلية في الغالب. وقد طبع أكثر من مرة. ثم أتى بعده المؤرخ أحمد بن محمد ابن القاضي المتوفى سنة خمس وعشرين وألف وجعل ذيلا عليه سماه لقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد رتبه على السنين كذلك من أول المائة الثامنة إلى آخر عام ألف. وفي بعض نسخه إلى أوائل المائة الحادية عشرة على اختلاف في نسخه، على نسقه وأسلوبه، بعد ما كرر المائة الثامنة مع ابن قنفذ وزاد فيها وفيات مهمة. وقد طبع أيضا. ثم أتى بعدهما الشريف المؤرخ الشهير محمد بن الطيب بن عبد السلام القادري الحسني المتوفى سنة سبع وثمانين ومائة وألف وجعل ذيلا على تأليف ابن القاضي المذكور سماه التقاط الدرر ومستفاد المواعظ والعبر من أخبار أعيان المائة الحادية والثانية عشر وصل فيه إلى سنة سبعين ومائة وألف، وان كتب فيه بعض الزيادات إلى قرب وفاته على سبيل الاختصار. وقد ابتدأ من أول المائة الحادية عشرة وأضاف له بعض السنين مع إشارة إلى بعض الحوادث المهمة وترك تفصيلها بالأصل طلبا للاختصار. وهو اختصار له من كتابه نشر المثاني لأن الأصل بسط التراجم والحوادث.
وقد اقتصر كل من ابن قنفذ وابن القاضي على ذكر وفيات العلماء فقط في جميع الأقطار والبلدان الاسلامية وخصوصا أشهر رجالها الذين لهم شهرة واسعة، أما القادري فقد اقتصر في التقاطه ونشره على ذكر رجال المغرب الأقصى ولا يذكر علماء غيره إلا نادرا. والعذر له في ذلك بعد الشقة بينه وبين الأقطار الاسلامية الأخرى ولم تقع له رحلة كما وقعت لهما. فجاء من مجموع تلك الوفيات مرآة واضحة لوفيات جل علماء الأمة الاسلامية صلحائها وملوكها ومشاهير رجالها.
وبعد الوقوف على ذلك لم أر أحدا جعل ذيلا على كتب الشيخ القادري رحمه الله في هذه المدة الأخيرة من عام سبعين ومائة وألف إلى وقتنا الحاضر. وقد حصل بين يدي عدة وفيات لرجال مغربنا كان لهم الشهرة بما حصل لهم من شجاعة وإقدام وسياسة وإصلاح ودين متين من الوقت الذي أتم فيه الشيخ القادري كتابه نشر المثاني واختصاره التقاط الدرر إلى عامنا هذا الذي هو عام سبعين وثلاثمائة وألف. وقد اقتطفت ذلك من تآليف المتأخرين التي كتبت عن تاريخ المغرب ومن الفهارس والكنانيش الموثوق بها مع اعتناء بتقييد ما شاهدته أو سمعته من أفواه الرجال وتيقنت صحته منذ ميزت في هذا الحياة. جمعت ذلك كله في تأليف سميته زبدة الأثر مما مضى من العبر في القرن الثالث والرابع عشر، فجاء كتابا كبير الحجم عظيم العلم يسع نحو أربعة أسفار ضخام يصعب على المستعجل البحث فيه والاستفادة منه، وهو على منوال نشر المثاني وأسلوبه تتميما للفائدة وعدم ضياع ذلك، ورتبته على حسب السنين من أول عام واحد وسبعين ومائة وألف مقتصرا فيه على ذكر رجال المغرب الأقصى تاركا غيره من
الأقطار الإسلامية لعدم الوقوف على ذلك. وقد أطلت الكلام فيه ووفّيت كل ترجمة حقها وكل حادثة مستحقها قياما بالواجب التاريخي.
ولما جمعته وخرجته من مسودته ظهر لي أن أختصره في هذا العجالة وأجعله ذيلا لكتاب التقاط الدرر المذكور على منواله وأسلوبه، ورتبته على السنين كأصله من أول عام واحد وسبعين ومائة وألف إلى عامنا هذا عام سبعين وثلاثمائة وألف، ذاكرا فيه وفاة الشخص في عامه الذي توفي فيه، وبعض التحليات التي رأيته موصوفا بها على وجه الاختصار والاقتصار، ذاكرا تحلية من عاصرتهم واتصلت بهم أو الذين رأيت من عاصرهم واتصل بهم أو ما اتّفق عليه في تحليتهم، سواء كان المذكور من العلماء أو من رجال الصلاح والدين، أو من الوزراء القواد والباشوات الذي هم رجال السياسة، لأنهم يذكرون في الحوادث السياسية كقيرا.
وأشير إلى بعض الحوادث إن كانت مهمة في وقتها، وإن أردت بسط ذلك والاطلاع عليها على وجه التفصيل فعليك بمراجعة الأصل كتاب زبدة الاثر فإنك ولا شك تجدها إن شاء الله مبسوطة هناك.
ومما زادني تحفيزا على القيام بجمع ذلك والاعتناء بهذا المشروع ما وجدته بخط سيدنا الجد العالم شيخ الجماعة أحمد بن الطالب ابن سودة الآتي الوفاة عام أحد وعشرين وثلاثمائة وألف، فإنه ذكر في كراسة بعض الوفيات لمشاهير العلماء الذين توفوا بعد صاحب نشر المثاني واختصاره التقاط الدرر، وهو عام سبعين ومائة وألف وذكر في آخرها ما لفظه ومن خطه رحمه الله نقلت مباشرة:"إن الشريف العالم المؤرخ سيدي محمد بن الطيب القادري المتوفي سنة سبع وثمانين ومائة وألف اقتصر في نشر المثاني واختصاره التقاط الدرر على عام سبعين ومائة وألف ولم نر من أتم من ذلك إلى وقتنا وهو عام ثلاثة عشر وثلاثمائة وألف وغاية ما وجدته مقيدا عندي من المشاهير المدرسين بجامع القرويين. هذا، ومن اطلع على غير هم سواء كان من مدرّسي فاس أو غيرها فلا بأس أن يضمّنه الذيل على التقاط الدرر". فأنت ترى هذا المشروع كأنه تلبية لأمر مولانا الجد رحمه الله. وقد سميت هذه الوفيات بإتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، وأذكر في الآخر إن شاء الله أسماء التأليف التي نقلت عنها واسفدت منها لأنى تركت النسبة إليها داخل الكتاب طلبا للاختصار.
وقد وفيت والحمد لله الموضوع حقه على حسب ما وقفت عليه من الوفيات، وربما تبحث عن اسم عالم أو شهير فلا تجده مذكورا في هذه الوفيات وتقول أين هو؟ فلا تظن أنى تركت ذلك عمدا لأنى أقول: هذا ما وصل إليه علمي واطلاعي وبحثي، وإنما الإحاطة لله، وفوق كل ذي علم عليم. على أنى أديت فوق المستطاع على حسب الإمكان والبحث طيلة أعوام وسنين.
كما أنك قد تجد ذكر الرجل وتقول لا معنى لذكره وأي غرض يدعو إلى ذكره وما يستفاد من ذلك، فأقول أيضا إني وجدته مذكورا ذكره الغير فتبعته في ذكره لأن مشارب الباحثين متعددة، والأفكار مختلفة، فرب رجل تقول لا معنى لذكره وغيرك يبحث عنه بالخصوص ولا يعنيه غيره لأجل التبرك به مثلا أو هو من سلفه. وإن رأيت نقصا في تحلية ووصف بعض
الرجال فليس ذلك مقصودا في حقه وإنما دعا إليه الاختصار. وأذكر في وفاة الرجال كل ما وصلني من أسماء مؤلّفاتهم كيفما كانوعها، لأن ذلك دليل على مقدرتهم وعلمهم حيث تجرؤا على التأليف. والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به ويعيننا على إتمامه ويرزقنا بركة من ذكر به إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير آمين والحمد لله رب العالمين.