الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن غرس الإيمان الحقيقي في نفوس الناشئة والإيمان المطلق بالله بصفاته الثابتة له وحبه والخضوع له والخوف منه والالتجاء إليه في كل أمر هو سر السعادة للأبناء والأسرة خاصة إذا أثبتت العقيدة بالطرق التربوية السليمة التي تقوم على العاطفة والعقل والعلم والحكمة حتى يكون الإيمان هو مصدر السلوك وموجه الإنسان في الحياة، والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا التدرج في تربية الأولاد فيقول فيما رواه ابن عباس:"افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله" ثم أمرهم بالصلاة في السابعة ثم تأديبهم على حب النبي وآل بيته وتلاوة القرآن وتعريفهم بالحلال والحرام ممارسة أمامهم وتلقينا وتوجيها لهم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي ووعظا بتوصيلهم إلى بعض الأمور كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس.
إن الأسرة هي البيئة الأولى التي يتعلم فيها الطفل فإذا وجد الأبوين الصالحين اللذين يرعيان ويوجهان ويحسنان التربية نشأ الأطفال نافعين لأنفسهم ولأمتهم ومطيعين لربهم منجين لأنفسهم وأهليهم من عقاب الله وسخطه.
ثانيا: المسجد:
أخذت الكلمة من أصلها الاشتقاقي وهو السجود لله سبحانه وتعالى فكان المكان الذي يخضع فيه الإنسان ويخشع لله هو المسجد، ومسجد قباء هو أول مسجد في الإسلام أسس على التقوى من أول يوم مما جعل المسجد على مر العصور رمزا لحضارة الإسلام وأماكن التربية والعبادة للمسلمين، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى المهام التربوية التعبدية للمسجد فقال:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} 1.. وقد وردت لفظة "مسجد" بالمفرد والجمع ثمان وعشرين مرة في القرآن كما وردت اللفظة كثيرا في السنة المطهرة مرتبطة بالبناء والتربية ورسالة المسجد، فالمسجد في الإسلام من أهم الأسس التي يقوم عليها تربية الفرد وبناء المجتمع ويمكننا أن نحدد المهام التربوية الوظيفية للمسجد من خلال القرآن والسنة فيما يلي:
1-
المسجد مكان الصلاة والذكر والعبادة {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} 2 {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} ويقول: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} 3 والمسجد هو مكان العبادة الجماعية وصلاة الجماعة التي يحسن بالمسلم أن يحرص عليها ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط"4.
1 النور 37.
2 النور 37.
3 التوبة 109.
4 رواه مسلم.
والمساجد مكان الاعتكاف {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} .
2-
المسجد مكان العلم والتعلم وأول ذلك دراسة القرآن الكريم يقول عليه الصلاة والسلام: فيما رواه أبو هريرة "
…
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" 1.
ويقول عليه الصلاة والسلام: "أفلا يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد يتعلم أويقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل"، وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله تعالى وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم2.
3-
المسجد مكان القضاء والحكم والشورى ومجمع للوزارات الإسلامية فقد كان المسجد هو مكان الحاكم والمدرسة التي تربى فيها الرعيل الأول من الصحابة إيمانيا وروحيا وخلقيا واجتماعيا وتفاعلت أرواحهم ونفوسهم بتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم وعطائه وقدوته، تعلموا فيه أمور الدين وعرفوا فيه الحلال والحرام كما تعلموا فيه علوم القرآن والسنة والشريعة واللغة وعلوم الحياة كلها، وتحققت فيه معاني الأخوة ممارسة وواقعا وتعاونوا على البر والتقوى واطمأنت فيه قلوبهم بذكر الله، وضربوا المثل النادر في التفاني والحب والإيثار والرحمة واختاروا فيه الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وكل خليفة يلقي بيان سياسته وأسس حكمه فيه ابتداء بأبي بكر الصديق، وفيه تقاضى المتنازعون ففيه أصدرت الأحكام بإقامة حدود الله، وفيه قاضى كعب بن مالك رجلا دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:"يا كعب ضع عن دينك هذا" فقال: قد فعلت يا رسول الله. فقال: "قم فاقضه" 3 وفي المسجد أقيمت بعض ألعاب الفروسية فقد روت عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولها: "دعاني رسول الله والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد فقال: يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم فقلت: نعم فأقامني من ورائه فنظرت من وراء منكبيه" قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعلم يهود أن في ديننا فسحة"4، وكان المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانا لإيواء الفقراء والغرباء الذين عرفوا بأهل الصفة بالمكان الذي خصص لهم، وكان فيه سبعون من الفقراء منهم أبو هريرة رضي الله عنه وفيه حبس بعض الأسرى وفيه كان الجرحى يداوون فقد روت عائشة فقالت: "أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق في الأكحل فضرب
1 رياض الصالحين ص424 عن رواية مسلم.
2 رواه مسلم / رياض الصالحين 644.
3 فتح الباري ج5 ص73.
4 مسند الإمام أحمد.
رسول الله خيمة في المسجد ليعودوه من قريب"1 ومن المسجد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يدبرون شؤون الأمة والدولة والدعوة ويرسلون السفراء ويجهزون الجيوش ويضعون الاستراتيجيات ويخططون ويمارسون نظام الشورى وإذا جدّ أمر واستدعى قرارا سريعا ورأيا قاطعا نودي (الصلاة جامعة) فيجتمع الناس ويتشاورون، وفيها ينتخب العمال ويرسلون ويحاسبون وتوزع فيها أموال الزكاة والصدقات ويعقد فيها النكاح فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه الدفوف" 2 ومنه تعطى الشهادة بالنجاح مع الله للمسلم إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" 3 وبالتردد عليها يشهد للرجل بالإيمان فقد روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان "4، وهذا تأكيد لقول الله تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} .
إن المسجد يمكن أن يؤدي دوره الأول في حياة المسلمين وتربية أبنائهم وتوجيههم في النواحي الروحية والأخلاقية والاجتماعية حيث يتعلم فيها ويستمع إلى الموعظة النافعة ويخطط فيها لرعاية الشباب وممارسة نشاطاته ويتعلم فيها النواحي الدينية وما يتعلق بمناهج الحياة وأمور التشريع، إن المسجد يمكنه ممارسة مهامه الأولى في التربية إذا كان للحاكم مكان فيه وإذا كان التخطيط للأمة المسلمة في ربوعه وإذا جعل المسجد مكانا لمناقشة الدراسات التي تقدمها اللجان المتخصصة في السياسة والتعليم والتربية والمال والشئون البلدية وما إليها.
إننا نلحظ الآن لدى المسلمين اتجاهات إلى تحقيق رسالة المسجد الأولى ببناء المساجد والمدارس وقاعات المحاضرات والندوات والمستشفيات في مبنى واحد حتى يمكن للمسلمين أن يقضوا أمورهم كلها في ذلك المبنى، كما أننا نجد في كثير من البلاد اتجاه الشباب إلى جعل المسجد منارة للعلم ومكانا للمحاضرات ومجلسا شوريا للحي الواحد، وهذا يقضى أن يكون من يتولون الأمر على درجة من العلم والمعرفة بشؤون الدين والدنيا وأن يكون الخطباء في مستوى الإسلام وتعاليمه ومعارفه وفي مستوى الحياة ومشكلاتها وهمومها حتى يكون الخطيب إمام الناس حقا في أمور د ينهم ودنياهم.
إن المسجد عامل مهم من عوامل التربية وبناء الأفراد والأمم فيه يعلَّم النشء الحلال والحرام وأمور الدين والدنيا وأحوال المسلمين وتاريخهم وهمومهم ومشاكلهم وفيه تتحقق معاني التعاطف والمودة والرحمة والتعارف والتعاون وفيه يتدارس الناس القرآن وعلوم الدين وتصقل فيه المواهب وتقوى النواحي الروحية والجسمية والعقلية والوجدانية ففي كل خطوة إلى المسجد تحط خطيئة وتكتب حسنة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة".
1 رواه البخاري ومسلم.
2 رواه الترمذي.
3 رواه أبو داود والترمذي.
4 رواه الترمذي.