المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المراد بالنفس هو الذات - بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية - جـ ٧

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ المراد بالنفس هو الذات

فيقال اعلم أن كلامه في هذا الفصل وإن كان فيه من لبس الحق بالباطل ما فيه فهو أقرب ما ذكره وذلك أنه جعل‌

‌ المراد بالنفس هو الذات

وهذا هو الصواب فإن طائفة من متأخري أهل الإثبات جعلوا النفس في هذه النصوص صفة لله زائدة على ذاته لما سمعوا إدخال المتقدمين لها في ذكر الصفات ولم يكن مقصود المتقدمين ذلك وإنما قصدهم الرد على من ينكر ذلك من الجهمية وزعموا أن ذلك هو ظاهر النصوص وليس الأمر كذلك وقد صرح أئمة السنة بأن المراد بالنفس هو الذات وكلامهم كله على ذلك كما في كلام الإمام احمد فيما خرجه من الرد على الجهمية قال ثم إن الجهمي ادعى أمرًا آخر فقال أخبرونا عن القرآن هو شيء قلنا نعم هو شيء قال إن الله خالق كل شيء فلم لا يكون القرآن مع الأشياء المخلوقة وقد أقررتم انه شيء فلعمري لقد ادعى أمرًا أمكنه فيه الدعوى ولبس على

ص: 427

الناس بما ادعى فقلنا إن الله تبارك وتعالى لم يُسم كلامه في القرآن شيئا إنما سمى شيئا الذي كان بقوله ألم تسمع إلى قوله إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)[النحل 40] فالشيء ليس هو قوله إنما الشيء الذي كان بقوله وقال في آية أخرى إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)[يس 82] فالشيء هو أمره إنما الشيء الذي كان بأمره قال ومن الأعلام والدلالات أنه لا يعني بكلامه مع الأشياء المخلوقة قول الله جل ثناؤه للريح التي أرسلها على عاد تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف 25] وقد أتت تلك الريح على أشياء لم تدمرها منازلهم ومساكنهم

ص: 428

والجبال التي كانت بحضرتهم قد أتت عليها تلك الريح ولم تدمرها وقد قال تعالى إنها تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [سورة الأحقاف الآية 25] فكذلك إذا قال اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فلا يعني نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء المخلوقة وقال تعالى لملكة سبأ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل 23] وقد ملك سليمان شيء لم تؤته فكذلك إذا قال خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا يعني به كلامه مع الأشياء المخلوقة

ص: 429

وقال الله تعالى لموسى صلى الله عليه وسلم وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] وقال وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران 28-30] وقال تعالى كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام 54] وقال عيسى تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] وقال كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران 185] فقد عرف من عقل عن الله تعالى أنه لا يعني نفسه مع الأنفس التي تذوق الموت وقد ذكر الله كل نفس فكذلك إذا قال خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا يعني نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء المخلوقة ففي هذا دلالة وبيان لمن عقل عن الله عز وجل وهذا من كلامه يبين أن مسمى لفظ النفس عنده هي ذات الله تعالى أخبر أنها لا تدخل في عموم قوله تعالى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ كما لم يدخل في عموم قوله تعالى كُلُّ نَفْسٍ

ص: 430

ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [سورة آل عمران 185] مع إخبار أن له نفسًا كما تلاه من الآيات ومعلوم أن قوله كُلُّ نَفْسٍ ليس المراد به صفة من صفات الإنسان بل المراد به هو نفسه فعلم أن قوله تعالى تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ونظائر ذلك ليس هو صفة للرب بل هو الرب نفسه وكذلك قال الإمام أحمد بن حنبل في أثناء كلامه بل نقول إن الله جل ثناؤه لم يزل متكلمًا إذا شاء ولا نقول إنه قد كان ولا يتكلم حتى خلق كلامًا ولا نقول إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علمًا فعلم ولا نقول إنه قد كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة ولا نقول إنه قد كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورًا ولا نقول إنه قد كان ولا عظمة له حتى خلق لنفسه عظمة فقالت الجهمية لنا لما وصفنا من الله من هذه الصفات إن زعمتم أن الله ونوره والله وقدرته والله وعظمته فقد قلتم بقول النصارى حين

ص: 431

زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته فقلنا لا نقول إن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره ولكن نقول لم يزل بقدرته ونوره لا متى قدر ولا كيف قدر وهذه ألفاظ صريحة في أن مسمى النفس هو ما يقوم به الصفات وهو مسمى الله وليس مسمى النفس صفة من الصفات وكذلك قال ويقال للجهمي إذا قال إن الله معنا بعظمة نفسه إلى أن قال وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أنه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل له أليس الله كان ولا شيء فيقول نعم فقل له حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجًا من نفسه فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل لابد له من واحد منها إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه

ص: 432

فقد كفر حين زعم أنه خلق الجن والشياطين في نفسه وإن قال خلقهم خارجًا عن نفسه ثم دخل فيهم كان هذا أيضًا كفرًا حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش قذر رديء وإن قال خالقهم خارجًا عن نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله كله أجمع وهو قول أهل السنة وكذلك قال زعمت الجهمية أن الله في القرآن إنما هو اسم مخلوق فقلنا قبل أن يخلق هذا الاسم ما كان اسمه قالوا لم يكن له اسم فقلنا وكذلك قبل أن يخلق العلم كان جاهلاً لا يعلم حتى خلق لنفسه علمًا وكان لا نور له حتى خلق لنفسه نورًا وكان لا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة فعلم الخبيث أن الله قد فضحه وأبدى عورته حين زعم أن الله جل

ص: 433

ثناؤه في القرآن إنما هو اسم مخلوق وقال عثمان بن سعيد الدارمي ثم عاد المعارض إلى أسماء الله تعالى ثانية فادعى أنها محدثة كلها لأن السماء هي الألفاظ ولا يكون لفظ إلا من لافظ إلَاّ أن في معانيها ما هي قديمة ومنها حديثة وقد فسرنا للمعارض تفسير أسماء الله تعالى في صدر كتابنا هذا واحتججنا عليه بما تقوم به الحُجة من الكتاب والسنة فلم نُحب إعادتها ها هنا ليطول به الكتاب غير أن قوله هي لفظ اللافظ يعني أنه من ابتداع المخلوقين وألفاظهم ل أن الله تعالى لا يلفظ بشيء في دعواهم ولكن وصفه بها المخلوقون وكلما حدث لله تعالى فعل في دعواه أعاره العباد اسم ذلك الفعل يعني أنه لما خلق سمَّوه خالقًا وحين رزق سمَّوه رازقًا وحين خلق الخلق

ص: 434

فملكهم سمَّوه مالكًا وحين فعل الشيء سمَّوه فاعلاً وكذلك قال منها حديثة ومنها قديمة فأما قبل الخلق فبزعمهم لم يكن لله اسم وكان كالشيء المجهول الذي لا يُعرف ولا يُدرى ما هو حتى خلق فأحدثوا أسماءه ولم يعرفُ الله في دعواهم لنفسه أسماء حتى خلق الخلق فأعاروه هذه الأسماء من غير أن يتكلم الله بشيء منها فيقول أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص 30] وأنا الرحمن الرحيم وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)[البقرة 160] فنفوا كل ذلك عن الله تعالى مع نفي الكلام عنه حتى ادعى جهم أن راس محنته نفي الكلام عن الله فقال متى نفينا عنه الكلام فقد نفينا عنه جميع الصفات من النفس واليدين والوجه والسمع والبصر لأن الكلام لا يكون إلَاّ لذي نفس ووجه ويد وسمع وبصر ولا يثبت كلام لمتكلم إلَاّ من قد اجتمعت فيه هذه الصفات وكذب جهم وأتباعه فيما نفوا عنه من الكلام وصدقوا فيما ادعوا أنه لا يثبت الكلام

ص: 435

إلَاّ لمن اجتمعت فيه هذه الصفات فقد اجتمعت في الله على رغم أعداء الله وإن جزعوا منه بلا تكييف ولا تمثيل وهو الذي أخبر عنه بأسمائه في محكم كتابه المنزل على رسوله ووصف بها نفسه وقوله ووصفه غير مخلوق على رغم الجهمية غير أن الوصف من الله على لونين أما ما وصف به نفسه فالوصف والموصوف غير مخلوق وأما ما وصف به خلقه من السموات والأرض والجبال والشجر والجن والإنس والأنعام وسائر الخلائق فالوصف منه غير مخلوق والموصوفات مخلوقات

ص: 436

كلها قال وادعى المعارض أيضًا أن الله تعالى لا يوصف بالضمير والضمير منفي عن الله وليس هذا من كلام المعارض وهي كلمة خبيثة قديمة من كلام جهم عارض جهم بها قول الله تعالى تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] يدفع بذلك أن يكون الله سبق له علم في نفسه بشيء من الخلق وأعمالهم قبل أن يخلقهم فتلطف بذكر الضمير ليكون أستر له عند الجهال فرد على جهم بعض العلماء قوله هذا وقال له كفرت بها يا عدو الله من ثلاثة أوجه أنك نفيت عن الله العلم السابق في نفسه قبل حدوث الخلق وأعمالهم والوجه الثاني أنك استجهلت المسيح صلى الله عليه وسلم أنه وصف ربه بما لا يوصف به بأن له خفايا علم في نفسه إذ يقول له وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116]

ص: 437

والوجه الثالث أنك طعنت به على محمد صلى الله عليه وسلم إذ جاء به مصدقًا بعيسى فأفحم جهمًا قال وقول جهم لا يوصف الله بالضمير يقول لم يعلم الله في نفسه شيئًا من الخلق قبل حدوثهم وحدوث أعمالهم وهذا أصل كبير في تعطيل النفس والعلم السابق والناقض عليه بذلك قول الله تعالى تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] فذكر المسيح أن لله علمًا سابقًا في نفسه يعلمه الله ولا يعلمه هو وقال الله وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام 54] وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران 28-30] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خلق الله الخلق كتب في كتابه بيده على نفسه إن رحمتي تغلب غضبي

ص: 438

وأسند حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه

ص: 439

قال فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يخفي ذكر العبد في نفسه إذا أخفى ذكره ويعلنه إذا أعلن هو ذكره ففرق بين علم الظاهر والباطن والجهر والخفي فإذا اجتمع قول الله وقول الرسولين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم فمن يكترث لقول جهم والمريسي وأصحابهما فنفس الله هو الله والنفس تجمع الصفات كلها فإذا نُفيت النفس نُفيت الصفات وإذا نُفيت الصفات كان لا شيء قال وحدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن زيد بن جبير سمعت أبا البختري قال لا يقولن

ص: 440

أحدكم اللهم أدخلني مستقر رحمتك فإن مستقر رحمته نفسه قال فقد أخبر أبو البختري أن رحمة الله في نفسه وكذلك قال الله تعالى إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا [طه 15] فحدثنا ابن نمير حدثنا محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح الحنفي أكاد أخفيها

ص: 441

قال من نفسي فأي مسلم سمع بما أخبر الله به عن نفسه في كتابه وما أخبر عنه الرسول ثم يلتفت إلى أقاويلهم إلَاّ كل شقيٍّ غويٍّ إلى أن قال ونحن قد عرفنا بحمد الله تعالى من لغات العرب هذه المجازات التي اتخذتموها دلسة وأغلوطة على الجهال تنفون بها عن الله حقائق الصفات بعلل المجازات غير أنا نقول لا نحكم للأغرب من كلام العرب على الأغلب لكن تُصرف معانيها إلى الأغلب من كلام العرب حتى يأتوا ببرهان أنّه عُني بها الأغرب وهذا هو

ص: 442

المذهب الذي هو الإنصاف والعدل أقرب لا أن تُعترض صفات الله المعروفة المقبولة عند أهل البصر فتصرف معانيها بعلة المجازات إلى ما هو أنكر ويرد على الله بداحض الحجج وبالتي هي أعوج وكذلك ظاهر القرآن وجميع ألفاظ الروايات تصرف معانيها إلى العموم حتى يأتي متأول ببرهان يبين أنها أريد بها الخصوص لأن الله تعالى قال وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)[النحل 103] فأثبته عند العلماء أعمه وأشد استفاضة عند العرب فمن ادخل منها الخاص على العام كان من الذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فهو يريد أن يتبع فيها غير سبيل المؤمنين فمراد جهم من قوله لا يوصف الله تعالى بالضمير يقول لا يوصف بسابق علم في نفسه والله تعالى يكذبه بذلك ثم رسوله إذ يقول سبق علم الله في خلقه فهم صائرون على ذلك ثم أسند حديثًا عن العلاء بن

ص: 443

عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وعن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جف القلم على علم الله

ص: 444

وأسند عن القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أول شيء خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شيء يكون قل فهل جرى القلم إلَاّ بسابق علم الله في نفسه قبل حدوث

ص: 445

الخلق وأعمالهم والله ما درى القلم بماذا يجري حتى أجراه الله بعلمه وعلمه ما يكتب مما يكون قبل أن يكون وقال النبي صلى الله عليه وسلم كتب الله مقادير أهل السموات والأرض قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة فهل كتب ذلك إلَاّ بما علم فما موضع كتابه هذا عن لم يكن علمه في دعواهم وأسند الحديث الذي في صحيح مسلم عن أبي عبد الرحمن الحُبليّ عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كتب الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال والأحاديث عن

ص: 446

النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان بسابق علم الله كثيرة تطول عن ذكرناها وفيما ذكرنا من ذلك ما يبطل دعوى جهم في أغلوطته التي توهم على الله تعالى في الضمير قلت فهذا الكلام عن عثمان بن سعيد يبين أن مُسمى النفس عند السلف وهو الذات كما قال فنفس الله هو الله والنفس تجمع الصفات كلها فإذا نفيت النفس نفيت الصفات وكذلك قوله فأخبر أبو البختري أن رحمة الله في نفسه لأن الصفة قائمة بالموصوف فهذا ونحوه يبين مرادهم وأنهم قصدوا رد ما أنكرته الجهمية من ذكر إثبات مسمى النفس لله وقيام العلم بها كما يذكر عن ثمامة بن أشرس أنه قال ثلاثة من

ص: 447

الأنبياء مشبهة موسى حيث قال إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ [الأعراف 155] وعيسى حيث قال تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] ومحمد حيث قال ينزل ربنا كل ليلة وبذلك يتبين ما ذكره عثمان بن سعيد حيث قال حتى ادعى جهم أن رأس محنته نفي الكلام فقال متى نفينا عنه الكلام فقد نفينا عنه جميع الصفات من النفس واليدين والوجه والسمع والبصر لأن الكلام لا يثبت إلَاّ لذي نفس ووجه ويد وسمع وبصر وقال عثمان كذبوا فيما نفوا عن الله من الكلام وصدقوا فيما ادعوا أنه لا يثبت الكلام إلَاّ لمن اجتمعت فيه هذه الصفات وقد اجتمعت في الله عز وجل على رغم أنفسهم فإدخاله النفس هنا في الصفات وقوله إن الكلام

ص: 448

لا يثبت إلَاّ لذي نفس ووجه ويد وسمع وبصر قد يشعر ظاهره أن مسمى النفس صفة لصاحبها لأنه أضافها إليه وقرنها بالوجه واليد وليس كذلك فإن إضافتها إليه كإضافتها في قوله تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] وفي قوله رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام 54] وقد قال بعد هذا فنفس الله هي نفس الله والنفس تجمع جميع الصفات كلها فإذا نفيت النفس نفيت الصفات فهذا يبين أنه أراد الذات التي تقوم بها الصفات كالعلم القديم كما ذكره فينبغي أن يكون لله نفس ويكون فيها علم كما قال تعالى تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي [المائدة 116] فقوله إن الكلام لا يثبت إلا لذي نفس يشبه قوله إلَاّ لذي حقيقة وماهية ونحو ذلك لكن لفظ النفس والله أعلم يقتضي

ص: 449

حياة المسمى بها وقيامه بنفسه بخلاف لفظ حقيقته وماهيته وذاته فمسمى لفظ النفس أخص وهي التي جاء بها الكتاب والسنة ولم يجئ فيهما ذكر لفظ حقيقته ونحو ذلك في أسماء الله ولا لفظ ذات في الأحاديث الثابتة وكذلك قال أبو بكر بن خزيمة باب ذكر البيان من خبر النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات النفس لله عز وجل على مثل موافقة التنزيل وذكر قوله فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وقوله سبحان الله رضا نفسه وقوله كتب في كتابه

ص: 450

على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي وفي رواية أخرى لما خلق الله الخلق كتب بيده على نفسه إن رحمتي تغلب غضبي قال أبو بكر فالله أثبت في كتابه أن له نفسًا وكذلك قد بين على لسان نبيه أن له نفسًا كما أثبت في كتابه قال وكفرت الجهمية بهذه الآي وهذه السنن وزعم بعض جهلتهم أن الله إنما أضاف النفس إليه على معنى إضافة الخلق إليه وزعم أن نفسه غيره كما خلقه غيره قال وهذا لا يتوهمه ذو لُبٍّ وعلم فضلاً عن أن يتكلم به قد أحكم الله في مجمل تنزيله أنه كتب على نفسه الرحمة أفيتوهم مسلم أن الله كتب على غيره الرحمة وحذر الله العباد

ص: 451

نفسه أفيحل لمسلم أن يقول إن الله حذر العباد غيره أو يتأول قوله لكليمه وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] فيقول معناه واصطنعتك لغيري من المخلوقين أو يقول أراد روح الله بقوله وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] أراد ولا أعلم ما في غيرك هذا لا يتوهمه مسلم ولا يقوله إلَاّ معطل كافر فهذا أيضًا يبيّن أنهم قصدوا الرد على الجهميَّة حيث منعوا ثبوت النفس لله حتى جعلوا مسامها غيره حتى ذكر القاضي أبويعلى في بعض تأويلاتهم قول بعضهم في قوله تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك أنَّ نفسك ترجع إلى نفس عيسى وأضاف نفسه إلى الله من طريق الملك والخلق فيكون معناه لا أعلم ما في ملكك مما خلقته إلَاّ ما أعلمتني وهذا لأنَّ مسمّى النفس أخصّ من مسمّى الذات والعين والحقيقة والماهيَّة ونحو ذلك فإنَّها لا تقال إلَاّ لما هو

ص: 452

حيّ كما في مثل قوله كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران 185] لو كان معنى كل ذات وكل حقيقة لدخل في ذلك الجمادات وكذلك يستلزم أن يكون لها قول وعمل وأن تكون قائمة بذاتها قائمة بها الصّفات فلمّا كان اسم النفس مستلزمًا لإثبات ما تنكره الجهميّة من الصفات أنكروه فردّ عليهم السلف والأئمة ذلك ولم يقصدوا بالرد أنَّ نفس الله صفة ليست هي ذاته كما ذهب إليه طائفة من المتأخرين فهذا القول ضعيف وإن كان قول الجهمية أضعف منه قال القاضي أبويعلى في كتاب إبطال التأويل في هذا الخبر من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي اعلم بأنَّ الله يوصف بأنَّ له نفسًا وقد أومأ إليه أحمد فيما خرّجه من الرد على الجهمية فقال إذا أردت أن تعلم أن الجهميّ كاذب على الله تعالى حين زعم أنَّه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل له أليس كان الله ولا شيء فيقول

ص: 453

نعم فقل له حين خلق الشيء أخلقه في نفسه أو خارجًا من نفسه فإنّه يصير إلى ثلاثة أقاويل لابد له من واحد منها إن زعم أنَّ الله خلق الخلق في نفسه فقد كفر حين زعم أنَّه خلق الجن والشياطين في نفسه وإن قال خلقهم خارجًا عن نفسه ثم دخل فيهم كان هذا أيضًا كفرًا حين زعم أنَّه دخل في كل مكانٍ وحشٍ قذر رديء وإن قال خلقهم خارجًا عن نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله كله أجمع وهو قول أهل السُّنَّة قال وهذا من كلام أحمد يدلُّ على إثبات النفس لأنَّه جعل ذلك حجة عليهم ولو لم يعتقد ذلك لم يحتج به وقد أخبر الله تعالى بذلك في آي من كتابه مثل قوله تعالى كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام 54] وقوله تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] وقوله وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] ولأنَّه ليس في

ص: 454

إثبات النفس ما يحيل صفاته ولا يخرجها عمّا تستحقه لأنّا لا نثبت نفسًا منفوسة مجسَّمة مركّبة ذات روح ولا نثبت نفسًا بمعنى الدّم على ما تقوله العرب له نفس سائلة وليست له نفس سائلة ويريدون بذلك الدم لأنَّه سبحانه وتعالى يتعالى عن ذلك بل نثبت نفسًا هي صفة زائدة على الذات كما أثبتنا له حياة وبقاءً فقلنا هو حيّ بحياة وباق ببقاء وإن لم تكن حياته وبقاؤه عرضين كحياتنا وبقائنا كذلك في النفس قال فإن قيل فأثبتوا له روحًا لأنَّه قد وصف روحه بذلك فقال تعالى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر 29] قيل لا نثبت له ذلك لأنَّ السمع لم يرد بذلك على وجه الصفة للذات وقوله وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص 72] المراد به أمره لقيام الدليل على أنَّ صفات ذاته لا تحلُّ المحدثات ويفارق هذا إثبات الـ ـنفس لأنَّه ليس في إثباتها ما يحيل صفاتها ولا يخرجهـ ـا عما يستحقه وقال بعد ذلك

ص: 455

ولا يجوز إثبات روح وقد قال أحمد فيما خرّجه في الردّ على الزنادقة في قوله تعالى وَرُوحٌ مِنْهُ فقال تفسير روح الله إنّما معناها أنَّه روح بكلمة الله تعالى خلقها الله كما يقال عبد الله وسماء الله وأرض الله قلت أمَّا ما ذكره من كلام أحمد فإنَّه موافق لألفاظ النصوص وقد قدمنا هذا وغيره من كلام أحمد وكله يدلُّ على أنَّ نفس الله هو الله وذاته لا صفة قائمة به وهكذا اللفظ الذي استشهد به على ذلك فإنَّ أحمد قال فقل له خلق الخلق في نفسه أو خارجًا من نفسه ثم بيَّن أنَّه إن قال خلقهم في نفسه كفر لأنّه جعل الأشياء الخبيثة كالشياطين في نفس الله وإن قال خلقهم خارجًا من نفسه ثم دخل فيهم كفر حيث جعله قد دخل في الأمكنة الخبيثة التي يعلم بالفطرة الضرورية تنزيه الله تعالى عنها وإن قال خلقهم خارجًا من

ص: 456

نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله كله أجمع وهذا صريح في أنَّ نفسه هي هو وهي ذاته لا صفة لذاته لأنّه لو كان المراد خلقهم في صفته أو خارجًا عن صفته لم تكن القسمة حاصرة إذ قد يخلقهم في المحل الذي هو فيه وأيضًا إن قال خلقهم في نفسه كفر وإن قال خلقهم خارجًا عن نفسه ثم دخل فيهم كان هذا أيضًا كفرًا حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش قذر رديء فهذا يبين أنَّ الخالق هو نفسه الذي قدر أنه خلقهم خارجًا عنه ثم دخل هو فيهم ولو أريد خلقهم خارجًا عن صفة من صفاته لكان المقدّر دخول تلك الصفة فيهم بعد ذلك لا دخوله هو وكذلك قوله وإن قال خلقهم خارجًا عن نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله كله أجمع وهو قول أهل السنة أي أن العالم مباين لذات الله تعالى وقد مر تقرير كلام أحمد في موضعه وأن حجته هذه النظرية من أحسن الحجج المعلومة ببديهة العقل

ص: 457

ولا يستقيم هذا الكلام إلا إذا كان معنى نفسه هو ذاته وهو ظاهر الكلام بل نصه لا يفهم منه غير ذلك وحينئذ فنتكلم مع الطائفتين أمَّا قوله من جعلها صفة فالنزاع معه لفظي فإنا لا ننازعه أنَّ هذا الاسم يستلزم ثبوت صفة زائدة على مسمّى الذات كالحياة والفعل ولكن المسمّى هو الذات الموصوفة بذلك لا نفس الصّفة فأمَّا جعل لفظ النفس اسمًا لنفس الصّفة فيقال هذا قول بلا دليل أصلاً لأنّه ليس ظاهر الخطاب فضلاً عن أن يكون نصه مقتضيًا أنها صفة ليست هي الله ومن زعم أنَّ هذا ظاهر النصوص فهو مبطل في ذلك كما أنَّ من زعم أنَّ ظاهرها يجب تأويله فهو مبطل في ذلك وقد قدمنا أنَّ كثيرًا من الناس يغلطون في دعواهم على النصوص أنَّ ظاهرها

ص: 458

كذا سواء أقرّوه أو صرفوه فإنّه لا يكون ذلك ظاهر النص وكل من سمع هذا الخطاب ابتداء فإنَّه يفهم منه ابتداءً أنَّه هو نفسه لا أنَّها صفة له الوجه الثاني أنه قال كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام 54] فكما أنَّه لا يكتبها على غيره فلا يكتبها على صفة من صفاته إنما يكتبها على نفسه الوجع الثالث أنَّه قال سبحان الله رضاء نفسه وصفات الله لا يكون لها رضا إنَّما الرضا له نفسه هو الذي يرضى ويسخط الوجه الرابع قوله وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران 28] فكما أنَّه لا يحذر بعض مخلوقاته لا يحذر صفاته كالحياة ونحوها بل هو نفسه هو الذي يخاف ويرجى ويُتَّقى ويُعبَد وهم لا يمكنهم أن يقولوا نفسه هي صفة الغضب ونحو ذلك دو ن غيرها بل يجهلونـ ـها نظير الحياة والبقاء

ص: 459

كما ذكروه وهذه الصفة تتعلّق بالرضا والغضب ومعلوم أنَّ الله لا يحذّر عباده حياته وبقاءه ونحو ذلك ولا بنفي ذلك الوجه الخامس قوله لموسى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] إنَّما اصطنعه لذاته لا لصفة له كالحياة والبقاء كما لم يصطنعه لشيء من خلقه الوجه السادس قول المسيح عليه السلام تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] فقد وصف النفس بأنَّ فيها علمًا والعلم وسائر الصفات إنَّما تقوم بالله نفسه لا تقوم بصفة كالحياة ونحوها الوجه السابع قوله ما في نفسي فإنَّ المراد به هو نفسه ليس المراد به صفة من صفاته إذ علمه لا يقوم إلاّ به نفسه وذاته وعينه لا تقوم بصفة من صفاته ولا أعلم ما في نفسك فإنَّ لفظهما سواء وقد خرج على وجه المقابلة

ص: 460

الوجه الثامن قوله إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي فإنَّ الذكر قول وكلام وسواء أريد الذكر الكامن أو اللفظ فإنَّه على التقديرين لا يقوم إلَاّ بالذاكر نفسه وعينه لا يقوم بصفة من صفاته فعلم أنَّ ذكر الله في الله نفسه وذكر العبد لله في نفسه الوجه التاسع قوله إن ذكرني في نفسه إذا كان المراد به هو نفسه وذاته فكذلك الآخر الوجه العاشر قوله في الحديث الصحيح لمَّا قضى الله الخلق كتب بيده على نفسه إنَّ رحمتي تغلب غضبي فهو لا يكتب على صفة له كالحياة والبقاء وإنَّما يكتب على نفسه فإن قالوا إن جاز حمل النفس على الذات جاز حمل الحياة والبقاء على الذات فيقال ذات حيَّة ذات باقية وقد أجمعنا ومُثبتو الصفات على انَّه حيّ بحياة باقٍ ببقاء كذلك جاز أن يكون ذات بنفس والجواب أنَّ مسمّى الحياة والبقاء وهو الصِّفة وأمَّا

ص: 461

مسمّى النفس هو الموصوف نفسه وليس في كتاب الله ولا سنّة رسوله لفظ النفس يراد به صفة موصوف لا في ذكر الخالق ولا في ذكر المخلوق كما قال تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر 42] وقال كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران 185] وقال إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف 53] وقال وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)[القيامة 2] وقال يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)[الفجر 27] وقال فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [البقرة 54] وقال لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا [النور 12] وأضعاف ذلك في الحديث ليس المراد به أنَّ نفس الشيء صفة له فمن حمل قوله على نفسه أنَّه صفة من صفاته فقد حمل على غير لغة العرب التي أنزل الله بها كتابه وهذا خلاف نص القرآن وظاهره فضلاً عن أن يقال هو ظاهره وأيضاً فإنَّهم يؤكِّدون بها فيقولون رأيت زيدًا عينه نعم يوجد في كلام بعض المولَّدين

ص: 462

ما يشبه أن يكون لفظ النفس صفة كما يقولون فلان له نفس وفلانٌ ليس له نفس واترك نفسك وتعال ونفسك وحجابك ونحو ذلك فإنَّ مقصودهم الصفات المذمومة كالأهواء المتّبعة من الشهوة والغضب ونحو ذلك وهذا ليس من اللّغة التي يجوز حَمل كلام الله ورسوله عليها إذ مثل هذا لا يوجد إلا في كلام المتأخرين وذلك والله أعلم أنَّ هذا مثل قولهم فلان له يد وله لسان أي يد باطشة ولسان ناطق فيطلقون اسم الذات ويريدون به الصّفة المشهورة فيها فقول القائل اترك نفسك أو له نفس ونحو ذلك يريد به الذات على الصّفة المخصوصة وهي الصفة المذمومة كما يقال أمسك لسانك واكفف يدك أو له لسان وله يد وهذا يستعملونه في النفي كما يستعملونه في الإثبات فينفون الشيء لانتفاء الصفة المشهورة فيه كما يقال فلان ليس له

ص: 463

لسان أي لا يحسن أن يتكلم ولا يد له في هذا أو هو عاجز عن عمل هذا كما يقولون فلان ليس بإنسان لانتفاء الصّفات المعروفة في الإنسان عنه وهكذا لفظ النفس قد يقولون لا نفس له لانتفاء الهوى والغضب وقد يجعلون ذلك حمدًا إذا انتفى المذموم منه وقد يذمونه بذلك إذا انتفى فيه الجهة المحمودة فيقال ليس له نفس بهذا الاعتبار وإذا كان كذلك فمعلوم أنَّ مثل هذا في الإثبات إنَّما يراد به إثبات الذات الموصوفة بصفات النّفس لا يراد به مجرّد صفة فعلم أنَّ اسم النَّفس إنَّما هو اسم لذات الشيء الموصوفة قالوا قوله وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] المراد به الله الذي له النَّفس فكذلك قولكم وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران 28، 30] المراد به الله الذي له النَّفس فيقال لهم هذا لو كان صحيحًا لكان تأويلاً وهو من أضعف التأويلات فكيف تبطلون التأويل بمثل هذا التأويل وأيضًا فإنَّ اللفظ لا يحتمل ذلك في لغة العرب بوجه من الوجوه وأيضًا فإنَّ ذلك عدول عن مدلول اللفظ ومقتضاه بغير موجب

ص: 464

أصلاً وذلك من تحريف الكلم عن مواضعه وأمَّا لفظ الحياة والبقاء فلا يجوز أن يراد بها الذات الحيَّة لأنَّ ذلك صفة والذات هي الموصوف فمن اعتقد أنَّ مسمّى النَّفس في الخالق والمخلوق صفة وعرض لا موصوف وجوهر وجعل مسمّى لفظها من جنس مسمّى لفظ الحياة والبقاء فقد غلط على اللغة وغلط على القرآن والحديث قالوا وهذا يؤدّي إلى جواز القول بأنَّ الله نفس وأنَّه يجوز أن يدعى فيقال يا نفس اغفر لنا وقد أجمعت الأمّة على منع ذلك والجواب من وجوه أحدها أنَّ هذا منقوض عليهم بلفظ ذات وموصوف وقائم بنفسه وحقيقة وبائن من خلقه ونحو ذلك فإنَّه إن جاز أن يقال يا ذات يا موصوف يا قائمًا بنفسه يا حقيقة يا بائنًا من خلقه اغفر لنا جاز أن يقال يا نفس وإلَاّ فلا الثاني أنَّ الله إنَّما يُدعى بأسمائه الحسنى وهي الأسماء التي تدل عليه نفسه وتبين من أوصافه ما فيه حمد وثناء عليه فأمَّا الألفاظ التي لا تدل إلَاّ على مطلق الوجود ونحوه فلا يُدعى بها كما انَّه سبحانه لا يُدعى بالأسماء الدالة على خلقه للضرر

ص: 465

إلَاّ مقرونًا بالأسماء التي تدلُّ على خلقه للنفع فلا يقال يا ضارُّ ولا يا مانع إلاّ مقرونًا بيا نافع ويا هادي ويا معطي فإنَّ الاقتران يقتضي عموم القدرة والخلق والحكمة وهذا من أسمائه الحسني بخلاف إفراد أحدهما الثالث أنَّ هذا يرد عليهم فيما ادّعوه فإنّهم جعلوا له نفسًا هي صفة فينبغي أن يقال ياذا نفس اغفر لنا فإن قيل الإضافة تقتضي المغايرة بين المضاف والمضاف إليه فلا يكون هو نفسه المضافة إليه قيل لا نزاع بين أهل اللغة أنه يقال رأيت زيدًا نفسه وعينه وهذا هو زيد نفسه وعينه ونحو ذلك والمغايرة في مثل هذا هو أنَّ مسمى لفظ النفس والعين اعمّ من المضاف إليه فإنَّ النَّفس والعين لغيره أيضًا فإذا أُضيف ذلك إليه خصصه بالإضافة والمغايرة تارة تكون في الذات وتارة في الصِّفات في باب العطف كقوله تعالى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)[الأعلى 2-4] فكذا في باب الإضافة ومن هذا الباب قولهم ثوب خز وخاتم فضة

ص: 466

ونحو ذلك وإن كان المضاف هو خز أو هو فضَّة لكان مسمّى كل منهما أعمّ من مسمّى الآخر وإنّما اختصا بالإضافة فكذلك قول القائل نفسي فيه اسمان مظهر وهو هذه النفس ومضمر وهو الياء ومن المعلوم أنّ الأسماء المضمرة لا تدلُّ على شيء من صفات المسمّى إلاّ كونه متكلمًا أو مخاطبًا أو غائبًا ونحو ذلك فالياء تدلُّ على أنه هو المتكلم كما أنَّ الهاء في قوله بعته تدل على أنَّه الغائب وهذا المعنى مغاير لمسمى النّفس وأمَّا لفظ النفس فهو يقتضي من الصِّفات كالحياة والفعل ونحو ذلك ما ليس في الأسماء المضمرة لكن لا يختص بذلك مضاف إليه دون آخر وإذا أُضيف ذلك إلى مضمر كان في لفظه من عموم المعاني ما ليس في المظهر والمضمر إذ المُضمر يدل على ذلك باللزوم وفي المضمر من خصوص كونه متكلمًا وغائبًا ما ليس في المظهر وبالإضافة اختص المضاف بالمضاف إليه فامتنع أن يكون المسمّى نفسًا غير نفسه وأيضًا فذكر لفظ النَّفس يدلُّ على ثبوت الحكم للمسمى نفسه لا لأحد منسوب إليه فإذا قيل كلمه الآمر نفسه منع أن يكون الكلام بواسطة ترجمان أو رسول وإذا قيل أنا

ص: 467

بنفسي جئت إليك منع أن يكون أرسل إليه رسولاً فقوله وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] فيه ما ليس في قوله اصطنعتك إليّ إذ الأشياء تضاف إلى الله تعالى على وجوه متنوعة فقوله لنفسي يوجب أنَّه جعله خاصًّا له ومن المواضع ما لا يصلح فيها إلاّ هذا اللفظ كما في قوله ذكرته في نفسي فإنَّه لو قال ذكرته فيّ لم يكن من الكلام المعروف بخلاف ذكرته في نفسي وأيضًا ففي هذا من الدلالة على عدم الجهر ما ليس في غيره وأمّا من نفى خاصيّتها ولم يثبت إلاّ عموم مسمّى الذات فقد تقدّم أنَّ لفظ النَّفس لا يقال إلَاّ لحيّ ذي مقال وفعال لا يقال لمن ليس كذلك فكان في هذا اللفظ من المعاني ما ليس في غيره فلا يجوز نفي ذلك وهذه المادة ن ف س في لغة العرب تعطي الفعل والحياة وَسَمَّوا الدم نفسًا لأنّه مادة حياة الأجسام الحيوانيَّة وهو حامل البخار الذي هو الروح الحيواني ففيه الحياة والحركة ولهذا أمر بسفحه من الحيوان وحرم

ص: 468

أكله لأنّه يولّد على آكله البغي والاعتداء في القوة النفسانية وكذلك الهواء الداخل والخارج سمّوه نفسًا لما فيه من الحياة والحركة وكذلك المتفلسفة يفرّقون بين العقل والنفس بأنَّ العقل مجرّد عن المادة وعلائقها والنَّفس تتعلّق بالجسم تَعَلُّق التدبير والتصريف وأما قول المؤسس إن النَّفس في اللغة يراد بها مجرّد البدن فهذا لا أصل له وقوله كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران 185] لم يُرد به كل بدن فإن البدن الخالي عن الروح لا يذوق الموت بل النفس هنا يراد بها الروح كقوله تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر 42] وأما قوله يراد بها العقل كقوله وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الأنعام 60] وأحوال النائم باقية إلا العقل فهذا سهو منه فإنَّ قوله وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الأنعام 60] ليس فيه

ص: 469

لفظ النّفس وإنَّما لفظ النفس في الآية الأولى وهي قوله اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر 42] فالآية التي احتج بها على أنَّ مسمّى النّفس هي مُسمّى الروح هي الآية التي ذكر فيها توفّي الأنفس وذلك يقتضي أنَّ المتوفّى بالموت والنوم هو النّفس التي هي الروح وأنَّ النّائم تُتوفى روحه لكن توفِّيًا دون الموت بحيث تمسك وترسل وأمَّا التعبير بلفظ النّفس عن العقل فهذا ليس من لغة العرب أصلاّ وأما قوله يراد بها ذات الشيء وعينه كقوله تعالى وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [البقرة 9] وقوله فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [البقرة 54] وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [هود 101] فلا يراد بها ذات كل شيء وعين كل شيء اللَّهم إلاّ أن يكون في التوكيد فإذا قالوا الأنفس والنفوس لم يفهم منه ما لا حياة له ولا فعل كالجمادات ولهذا قال النّبي صلى الله عليه وسلم ما من نفس منفوسة إلاّ وقد كتب الله مكانها من الجنّة والنّار

ص: 470

وأما قوله تعالى فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فهو نظير قوله لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا [النور 12] وقوله ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة 85] وقوله وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات 11] أي يقتل بعضكم يعضًا وسمّى الجميع نفسًا أي لا يقتل إلاّ من هو منكم لا يكون من غيركم لأن المتفقين في مقصود الحياة والفعل يكونـ ـون كالشيء الواحد قوله لفظ النّفس في حق الله تعالى ليس إلاّ الذات والحقيقة

ص: 471

يقال له أتريد أنّ معنى اللفظ مطلق ذات ما وحقيقة ما أم ذات وحقيقة قائمة بنفسها مستلزمة للحياة والفعل ونحو ذلك أمَّا الأول فممنوع والثاني فمسلَّم وبهذا يتبيّن أنَّ أهل الوسط يثبتون ما أثبته الطائفتان من الحق ويجمعون بين قوليهما فإنَّ هؤلاء أثبتوا من مُسمّى اللفظ مطلق الذات وأولئك أثبتوا الصّفة الخاصة وأهل الوسط أثبتوا الأمرين فإنَّ اللفظ دالّ على الذات وعلى خصوص الصفة قوله وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] كالتأكيد الدال على مزيد المبالغة فإن الإنسان إذا قال جعلت هذه الدار لنفسي فُهم منه المبالغة يقال له التأكيد يقتضي ثبوت المعنى المؤكّد فما المعنى المؤكّد الذي أكّد بهذا الكلام هذا لم يثبته ولم يبين هل التوكيد بذكر لفظ النّفس أم بالإضافة إلى الله تعالى وقد قال غيره

ص: 472

كابن فورك اصطنعتك لنفسي لذاتي أو لرسالتي والآية تقتضي أنّه اصطنع موسى لنفسه واصطنع افتعل من صنع أي صنعه لنفسه فيكون خالصًا له مخلصًا له الدين كما قال تعالى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51)[مريم 51] ويشبهه قول أم مريم إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران 35] لكن هناك الله هو الذي اصطنعه لنفسه فإنَّ من كان في عمله وسعيه شيء لغير الله يكون كالذي فيه شركاء متشاكسون بخلاف الذي يكون كله لله وقد تضمّن ذلك أنَّه يحبّه كما قال قبل هذه الكلمة وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ [طه 39-40] إلى قوله ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 40-41] وجاء في حديث أبي هريرة الذي فيه تحاج آدم وموسى قال آدم لموسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته واصطنعك لنفسه وأنزل عليك التّوراة قال نعم ومعلوم أنَّ الأنبياء وسائر عباد الله هم درجات

ص: 473

عند الله في عبوديتهم لله وإخلاصهم له ومحلته لهم وقربهم منه فاصطناع الله موسى لنفسه له من الخصوص ما لا يشركه فيه من موسى أفضل منه وإن كان الجميع عباد الله المخلصين له الدين وقد قال القاضي تأويل قوله تعالى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] معناه لذاتي ورسالتي لا يصحّ لأنّه لا فائدة للتخصيص بموسى لأن غيره من الأنبياء اصطنعه لذاته ورسالته فوجب أن يكون لتخصيص النفس هنا فائدة فيقول له منازعوه وكذلك لو كانت النفس صفة لم يكن

ص: 475

موسى مخصوصًا بالاصطناع لها فإن الاصطناع لله أعظم من الاصطناع لصفة من صفاته وأيضًا فالعباد لا يصطنعهم الله لصفة من الصفات وإنَّما يصطنعهم الله له نفسه وأما قول المؤسس تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك فلا ريب أنَّ هذا المعنى داخل في الآية لكن تفسيرها بمجرد هذه العبارة ليس بسديد فإنَّ معلوم الله ومعلوم عيسى ليس واحدًا منهما في النفس وإنَّما الذي في النفس العلم المطابق للمعلوم وأيضًا فسواء كان الذي في النّفس العلم أو المعلوم فـ ـكون المراد تعلم ما أعلم أو علمي ولا أعلم ما تعلم أو علمك لا ينافي أن يكون لله نفسًا كما نطقت به الآية كما أنَّ لعيسى عليه السلام نفسًا فإنَّ الآية صريحة في ذلك وهي دالة على ذلك المعنى ودلالة اللفظ على بعض المعاني لا يمنع دلالته على غيره

ص: 476

وكذلك ما ذكره آخرون كابن فورك أنَّ المعنى تعلم ما في نفسي أي في غيبي ولا أعلم ما في نفسك أي في غيبك يقال لهم إن جُعل لفظ النفس بمعنى الغيب فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في آيات الله وأسمائه وأن أُريد أنّك تعلم ما أغيبه في نفسي ولا اعلم ما تُغيبه

ص: 477

في نفسك فهذا صحيح لكنّه تطويل بلا فائدة والآية أوضح من هذا وأيضًا فـ ـقول القائل تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك لفظ مجمل فإنَّ غيب الشخص ما غاب عن غيره وإن كان بعض الناس قد شهده فإنّا نؤمن بالغيب الذي هو غيب عنَّا وإن كان من ذلك ما هو مشهود لغيرنا وأمَّا ما في نفسي فلا يعلمه غيره وأيضًا لفظ الغيب هو في الأصل مصدر ولكن يُراد به الغائب فالغيب الغائب فإذا قيل غيبي وغيبك أي غائبي وغائبك فينبغي أن يقال تعلم غائبي ولا أعلم غائبك أي حاجة إلى أن يقال تعلم ما في غائبي ولا اعلم ما في غائبك كيف يصح أن يقول عيسى لربّه تعلم ما في غيبي أو غائبي وأيُّ شيء يغيّبه عيسى عن الله وهو على كل شيء شهيد ولفظ الغيب إذا خوطب به مخاطب لابد أن يكون غائبًا عنه وأيضًا فغيب الله الذي غيّبه عن عباده الذي لا يعلمه العباد

ص: 478

هو المعلوم نفسه فأيّ شيء هو الذي في الغائب غيره وهذا من قديم تأويل الجهمية ذكره عبد العزيز الكناني في الرد على الزنادقة والجهمية قال في باب ما يسأل عنه الجهمية يقال له تقول إنَّ لله وجهًا وله نفس وله يد فيقول نعم ولكن معنى قولي وجه الله أي هو الله ومعنى قولي نفس الله أريد به غيب الله ومعنى يد الله

ص: 479

نعمة الله وتكلّم على ما ذكروه في الوجه قال وأمّا قوله في نفس الله هي غيبه فكأنّه لم يقرأ القرآن ولم يسمع الله عز وجل يقول وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران 30] وقوله كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام 54] وقوله تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة 116] يليق أن يكون هذا ويحذّركم الله غيبه أو كتب ربّكم على غيبه الرحمة وقوله لموسى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)[طه 41] أي لغيبي وأما قول المؤسس وكذلك القول في بقيَّة الآيات فلم يفصله لكن قال من تأوّل ذلك كابن فورك في قوله تعالى وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران 30]

ص: 480

وقالوا تأويل عقوبته فيقال لهم تحذير العباد نفسه كأمره لهم بخوفه فإن قال القائل إنّ تحذير الله نفسه يتضمّن تحذير عقوبته فهذا حقٌّ وإن قال لا معنى لذلك إلاّ تحذير عقوبته من غير أن يحذر نفسه فهذا تحريف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك

ص: 481

فلمّا استعاذ بصفاته ذكر الرضا والسخط والمعافاة والعقوبة ثم ذكر النفس فقال وأعوذ بك منك فالاستعاذة من عقوبته هي معنى من ثلاث معان فكيف يقال لا محذور ولا مستعاذ منه إلاّ العقوبة وقد قال تعالى لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)[آل عمران 28] وفي الجملة فتحذير الله نفسه بمنزلة الأمر بالخوف منه والأمر بتقواه ومن المعلوم أنَّ الله تعالى نفسه هو الذي يُخاف وعقوبته مما يخاف منه وهو الذي يُتقى وعقابه يُتّقى بتقواه وهو الذي يحذر عقابه فنفي تعلق التحذير

ص: 482

بها باطل يُذكر إن شاء الله تعالى بطرق في موضعه وأما قول المؤسس وحكايته عن ربّ العزّة قوله فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي فالمراد به إن ذكرني بحيث لا يطّلع عليه غيره ذكرته بإنعامي وإحساني من غير أن يطّلع عليه أحدٌ من عبيدي لأنّ الذّكر في النفس عبارة عن الكلام الخفيّ والذكر الكامن وذلك على الله تعالى محال يقال له لا نُسلّم أنّ هذا على الله تعالى محال ولم تذكر على ذلك حجة وهذا والله أعلم هو معنى ما ذكره الأئمة عن الجهم أنه قال لا يوصف الله بالضمير والضمير عن الله منفيّ فإنَّ الضمير ما يُضمر فيه الشيء أي يخفى أي لا يُوصف بما فيه شيء خفيّ لكن الجهم أوسع إنكارًا من هذا المؤسس وذويه وإنّما أنكر الجهمية هذا لأن الله عندهم لا يتكلم ولا يَذكر ولا يقوم به ذكر وإنما الكلام المضاف إليه عندهم ما يخلقه في الهواء وهذا إنّما يصلح إذا خلقه

ص: 483

لمن سمعه من الملائكة والبشر فإذا كان الذكر في نفسه لم يسمعه وهذا الحديث نصٌ صريح في إبطال مذهبهم وأمَّا الكلابية والأشعرية فإنّهم لا ينكرون أن يقوم بذاته ذكر هو الكلام النفساني لكن لا يجوز عندهم التفريق بين الإعلان والإسرار فإنَّ المعنى القائم بالذات لا ينقسم إلى سر وعلانية ولا يكون منه شيء في نفس الربّ وشيء من الملائكة عندهم أكثر ما يقوله بعضهم أنَّه قد يسمع الملائكة ما يسمعهم إيّاه فيكون التخصيص في خلق الإدراك للملائكة والحديث نصٌ في الفرق بين ذكره في نفسه وبين ذكره في الملأ بفرق يرجع إلى نفسه لا إلى خلق إدراك الملائكة فالحديث نص في إبطال قول هؤلاء أيضًا والحديث مستفيض في الصحيح وله طرق منها في الصحيح حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول

ص: 484

الله صلى الله عليه وسلم يقول الله أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم وإن تقرّب إليّ شبرًا تقرّبت إليه ذراعًا وإن تقرّب إليّ ذراعًا تقرّبت إليه باعًا وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً وذكر العبد ربه في نفسه نوعان أحدهما في نفسه من غير حروف يسمعها هو الثاني ذكر بلفظ خفي يسمعه هو دون غيره قال تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [الأعراف 205] وذكر العبد في نفسه يتناول القسمين جميعًا ولهذا قال المؤسس إن الذكر في نفسه عبارة عن الكلام الخفيّ والذكر الكامن في النفس وذلك على الله محال

ص: 485

فصل قال المؤسس الفصل الرابع في لفظ الصمد قال الله تعالى اللَّهُ الصَّمَدُ [سورة الإخلاص آية 2] وذكر بعضهم في تفسير الصمد أنه الجسم الذي لا جوف له ومنه قول من يقول لسدادة القارورة الصِّماد وشيء مصمد أي صلب ليس فيه رخاوة قال ابن قتيبة وعلى هذا التفسير الدال مبدلة من التاء وقال بعضهم الصمد هو الأملس من الحجر الذي

ص: 486

لا يقبل الغبار ولا يدخل فيه شيء ور يخرج منه شيء قال واحتج قوم من جهال المشبهة بهذه الآية في إثبات أنه تعالى جسم وهذا باطل لأنا بينا أن كونه أحدًا ينافي كونه جسمًا فمقدمة هذه الآية دالة على أنه لا يمكن أن يكون المراد من الصمد هذا المعنى ولأن الصمد بهذا التفسير صفة الأجسام الغليظة وتعالى الله عن ذلك قال والجواب عنه من وجهين الأول أن الصمد فعل بمعنى مفعول من صمد إليه أي قصد والمعنى أنه المصمود إليه في الحوائج قال الشاعر ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

ص: 487

والذي يدل على صحة هذا الوجه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت هذه الآية قالوا ما الصمد فـ ـفال النبي صلى الله عليه وسلم السيد الذي يُصمد إليه في الحوائج قال أبو الليث يقال صمدت صمد هذا الأمر أي قصدت قصده الوجه الثاني من الجواب أنا سلمنا أن الصمد في

ص: 488

أصل اللغة المصمت الذي لا يدخل فيه شيء ولا ينفصل عنه شيء إلاّ أنا نقول قد دللنا على أنه لا يمكن ثبوت هذا المعنى في حق الله تعالى فوجب حمل هذا اللفظ على مجازه وذلك لأن الجسم الذي يكون هذا شانه مبرأ عن الانفصال والتباين والتأثر عن الغير وهو سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته وذلك يقتضي أن يكون تعالى غير قابل للزيادة والنقصان فكان المراد من الصمد في حقه تعالى هو هذا المعنى وبالله التوفيق والكلام على هذا من وجوه الأول أنه قد ذكر في القسم الأول من هذا الكتاب وهو الأدلة الدالة على نفي الجسم والحيز لما ادعى أن هذه السورة حجة له على نفي الجسمية والجهة أن هذه السورة يجب أن تكون من المحكمات لا من المتشابهات لأنه تعالى

ص: 489

جعلها جوابًا عن سؤال السائل وأنزلها عند الحاجة يعني لما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماهية ربه ونعته وصفته فانتظر الجواب من الله تعالى فانزل الله تعالى هذه السورة قال وذلك يقتضي كونها من المحكمات لا من المتشابهات وإذا ثبت هذا وجب الجزم بأن كل مذهب يخالف هذه السورة كان باطلاً ثم إنه في القسم الثاني الذي جعله في تأويل المتشابهات من الآي والأخبار ذكرها من المتشابه الذي قد تأوله وذلك يقتضي أنه لا يجوز الاستدلال بها في باب صفات الله تعالى لن الاستدلال لا يجوز بالمتشابه بل يجب عنده إما تأويله وإما

ص: 490

تفويضه وهذا تناقض بين فيقال له لا يخلو إما أن تكون السورة محكمة أو متشابهة فإن كان الأول بطل ما ذكرته من التأويل هنا وبطل دعواك أنها من المتشابه وإن كان الثاني بطل ما ذكرته هناك من الاستدلال بها على مذهبك والتحقيق أن ما ذكره لنفسه في الموضعين باطل وما ذكره عليه حق فإن السورة محكمة لا ريب فيها كما ذكره أولاً وهي دالة على نقيض مذهبه ولا ريب في ذلك كما ذكروه ولكن يعلم أن هؤلاء القوم كما قال الله تعالى لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)[الذاريات 8-9] مختلفون في الكتاب ويحتجون به إذا ظنوا أنه لهم ويردونه إذا كان عليهم قد جعلوا

ص: 491

القرآن عضين يقول بعضهم لبعض اذهبوا إلى القرآن والحديث إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)[النساء 60-61] وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)[النور 47] وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)[النور 48] وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)[النور 49] يستمسكون بالمتشابه من القول ويدعون المحكم يتركون النصوص المحكمة من الكتاب والسنة التي لا ريب في معناها ويدعون اتباع القرآن والحديث بما يدعونه من الافتراء على معانيه وهذا من أعظم اتباع المتشابه فإن قيل إنما ذكرها في المتشابه لأجل أحد القولين وهو تفسير الصمد بأنه الذي لا جوف له وهو لا يختار إلَاّ التفسير الأخير وهو أنه السيد المصمود إليه في الحوائج فيقال إن كان القولان متعارضين وأحدهما هو الصحيح

ص: 492

فكان الواجب ذكر القول الآخر من باب المعارضة ثم الجواب عنه لا تكون السورة بذلك محكمة ومتشابهة جميعًا حتى تذكر في القسمين الوجه الثاني أن هذا التفسير ثابت عن الصحابة والتابعين وروي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أثبت مما ذكره قال الإمام أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة باب نسبة الرب تبارك اسمه حدثنا أبو كامل الفضيل بن حسين حدثنا أبو سعد الخراساني حدثنا أبو جعفر الرازي عن

ص: 493

الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن أبي كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)[الإخلاص 1-4] قال فالصمد الذي لم يلد ولم يولد ولا يولد له لأنه ليس شيء يلد إلَاّ يولد ولا يولد إلَاّ سيموت وليس شيء يموت إلَاّ يورث وإن الله لا يموت ولا يورث ولم يكن له كفوًا أحد قال ليس له شبيه ولا مثل ولا عديل

ص: 494

حدثنا محمد بن مُصفى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه أن عبد الله بن سلام قال لأحبار يهود إني أريد أن

ص: 495

أحدث بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدًا قال فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنت عبد الله بن سلام قال قلت نعم قال قلت فانعت لنا ربك قال قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)[الإخلاص 1-4] قال وقرأ بها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ابن سلام لم ير النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يره إلَاّ بالمدينة وقال لما رأيته علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب

ص: 496

قال ابن أبي عاصم حدثنا أبو الربيع حدثنا هشيم حدثنا أبو إسحاق الكوفي عن مجاهد عن ابن عباس قال الصمد الذي لا جوف له

ص: 497

حدثنا ابن حساب حدثنا ابن ثور عن معمر عن عكرمة قال الذي لا جوف له حدثنا نصر بن علي حدثنا أبي عن شعبة عن أبي رجاء عن عكرمة مثله

ص: 498

حدثنا نصر بن علي حدثنا يزيد بن زريع عن أبي رجاء عن عكرمة مثله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غُندر عن شعبة عن أبي رجاء عن عكرمة قال الذي لا يخرج منه شيء حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن عُلية عن أبي رجاء عن عكرمة قال الذي لا يخرج منه شيء

ص: 499

حدثنا أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان وحدثنا أبو موسى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال الصمد الذي لا جوف له وبالإسناد عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد

ص: 500

قال الصمد الذي لا جوف له وحدثنا أبو بكر حدثنا ابن أخي إدريس عن أبيه عن عطية وعن ليث عن مجاهد قالا الصمد الذي ليس له جوف وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أحمد وحدثنا المقدمي حدثنا ابن أبي الوزير عن محمد بن

ص: 501

مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن جبير قال الصمد الذي لا جوف له وحدثنا نصر بن علي حدثنا أبي حدثنا محمد بن مسلم عن سعيد بن جبير مثله حدثنا ابن أبي عمر حدثنا مروان هو ابن معاوية

ص: 502

عن صالح بن مسعود عن الضحاك بن مزاحم في قوله الصمد الذي لا جوف له حدثنا أبو موسى حدثنا عبد الله بن داود عن مستقيم بن عبد الملك عن سعيد بن المسيب قال الصمد الذي ليس له حشو ة حدثنا أبو موسى حدثنا إسحاق بن منصور عن

ص: 503

عبد السلام عن عطاء عن ميسرة قال الصمد المصمت حدثنا أبو موسى حدثنا يحيى بن سعيد وابن مهدي حدثنا المقدمي حدثنا بشر بن المفضل وابن مهدي عن الربيع بن مسلم عن الحسن قال الصمد الذي ليس له

ص: 504

بأجوف وحدثنا نصر بن علي حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال الصمد الباقي بعد فناء خلقه وهو قول قتادة وحدثنا ابن حساب حدثنا ابن ثور عن معمر عن الحسن قال الصمد الدائم وقال عبد الرزاق في تفسيره أخبرنا معمر عن قتادة

ص: 505

أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك فلم يدر ما يرد عليهم فنزلت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) أخبرنا معمر عن الحسن في قوله الصمد قال الدائم قال معمر وقال عكرمة هو الذي لا جوف له قال عبد الرزاق أخبرنا قيس بن ربيع عن مجاهد عن عاصم

ص: 506

عن شقيق بن سلمة وقال ابن أبي عاصم حدثنا أبو بكر أخبرنا يحيى بن سعيد وعيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال الصمد الذي لا يأكل الطعام حدثنا أبو موسى حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل عن الشعبي مثله أخبرنا أبو الربيع حدثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال أخبرت أن الصمد الذي لا يأكل الطعام

ص: 507

ولا يشرب الشراب حدثنا المقدمي حدثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي صالح قال الذي ليس له أمعاء حدثنا أبو بكر ثنا وكيع عن أبي معشر عن

ص: 508

محمد بن كعب القرظي قال الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وقال حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق حدثنا أبي حدثنا الحسين بن واقد حدثنا عاصم بن بهدلة عن شقيق عن عبد الله بن مسعود قال الصمد السيد الذي قد انتهى سؤدده إلا أن هذا محفوظ عن شقيق

ص: 509

وهو أبو وائل من قوله هكذا رواه عامة الناس ويمكن أنه قد سمعه من ابن مسعود عن كان الحسين سمع هذا من عاصم قبل اختلاطه فإن هذا فيه نظر حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل قال الصمد الذي قد انتهى

ص: 510

سؤدده حدثنا محمد بن ثعلبة ثنا ابن سواء عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم قال الصمد الذي يصمد الناس إليه في حوائجهم وروى الإمام الحافظ أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم في كتاب السنة له وقد رواه بعد أن ذكر الآثار في الرؤية

ص: 511

وفي الاستواء على العرش ثم أخذ في الصفات فافتتح بتفسير هذه السورة فقال باب من صفات الله التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا محمد بن ميسر أبو سعيد الصاغاني حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال جاء المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) قال الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد لأنه ليس شيء يولد إلَاّ سيموت وليس أحد يموت إلَاّ يورث والله تعالى لا يموت ولا يورث ولم يكن له كفوًا أحد لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء قلت هذا الحديث قد تقدم أيضًا في كتاب السنة لابن أبي عاصم وهو مشهور عن أبي سعد هذا ورواه عنه الناس

ص: 512

وقد رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه الترمذي في جامعه قال حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو سعد هو الصاغاني عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ قال الصمد الذي لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلَاّ وسيموت ولا شيء يموت إلا سيورث وإن الله لا يموت ولا يورث ولم يكن له كفوًا أحد قال لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء قال الترمذي حدثنا عبد الرحمن بن حُميد حدثنا

ص: 513

عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم فقالوا انسب لنا ربك قال فأتاه جبريل عليه السلام بهذه السورة قل هو الله أحد فذكر نحوه ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب وهذا أصح من حديث أبي سعد وأبو سعد اسمه محمد بن ميسر وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى وأبو العالية اسمه رفيع وكان مولى أعتقته امرأة سائبة ثم قال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي

ص: 514

حدثنا سُريج بن يونس حدثنا إسماعيل بن مجالد عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال قالوا يا رسول الله انسب لنا ربك فنزلت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) وقال الطبراني حدثنا عبد الله بن أبي مريم حدثنا الفريابي

ص: 515

حدثنا قيس بن الربيع عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق بن سلمة قال قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فنزلت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ إلى آخرها قال الطبراني لم يجاوز به الفريابي وغيره شقيق بن سلمة ووصله عبيد بن إسحاق العطار عن قيس عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله حدثنا الهيثم بن خلف الدوري حدثنا أبو أسامة عبيد الله

ص: 516

ابن أسامة حدثنا عبيد بن إسحاق العطار حدثنا قيس بن الربيع عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله حدثنا الحزامي حدثنا عبد الرحمن بن عثمان الطرائفي حدثنا الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شيء نسبة ونسبة الله قل هو الله أحد الله الصمد والصمد ليس بأجوف وهذا في إسناده الوازع بن نافع قال الطبراني حدثنا حفص عن عمر الرقي حدثنا

ص: 517

محمد بن عمر الرومي حدثنا عبيد الله بن سعيد أبو مسلم قائد الأعمش عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه رفعه قال الصمد الذي لا جوف له حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا

ص: 518

أبو نعيم حدثنا سلمة بن سابور عن عطية عن ابن عباس قال الصمد الذي لا جوف له حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبو الربيع الزهراني حدثنا هشيم حدثنا أبو إسحاق الكوفي عن مجاهد عن ابن عباس مثله وأبو إسحاق الكوفي قد وثقه الطبراني كما سيجيء حدثنا عبد الله بن أبي مريم حدثنا الفريابي حدثنا

ص: 519

سفيان عن منصور عن مجاهد قال الصمد المصمت الذي لا جوف له حدثنا علي بن المبارك الصنعاني حدثنا زيد بن المبارك حدثنا محمد بن ثور عن ابن جريج عن مجاهد الله الصمد قال مُصمت لا جوف له حدثنا الحسين بن إسحاق حدثنا الحماني قال حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد الصمد

ص: 520

المصمت الذي لا جوف له حدثنا عبد الرحمن بن مسلم الرازي حدثنا سهل بن عثمان حدثنا عبد الله بن إدريس عن ليث عن مجاهد في قوله الصمد قال الذي ليس له جوف حدثنا أبو خليفة حدثنا ابن حساب وحدثنا

ص: 521

عبد الرحمن بن مسلم حدثنا سهل قال حدثنا محبوب قال الصمد الذي لا جوف له حدثنا عبد الرحمن بن مسلم حدثنا سهل حدثنا محبوب عن طلحة بن عمرو قال سمعت عطاء بن أبي رباح قال الصمد المُصمت الذي لا جوف له حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا أبو نعيم عن سلمة بن نبيط حدثنا الضحاك بن مزاحم قال الصمد

ص: 522

الذي ليس بأجوف حدثنا عبد الرحمن حدثنا سهل حدثنا أبو مالك الجنبي وعلي بن غراب قالا حدثنا جويبر عن الضحاك الله الصمد قال الذي لا جوف له حدثنا الحسين بن إسحاق حدثنا الحماني حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك قال قالت اليهود

ص: 523

يا محمد صف لنا ربك فأنزل الله تعالى قل هو الله أحد قالوا أما الأحد فقد عرفناه فما الصمد قال الذي لا جوف له حدثنا الحسين بن إسحاق حدثنا الحماني حدثنا محمد ابن ربيعة الكلابي حدثنا مستقيم بن عبد الملك عن سعيد ابن المسيب قال الصمد الذي لا حشوة له حدثنا عبد الرحمن حدثنا سهل حدثنا الحكم بن ظهير عن يحيى بن المختار عن الحسن الصمد قال الذي ليس له جوف

ص: 524

حدثنا الحضرمي حدثنا عثمان ابن أبي شيبة حدثنا يحيى ابن آدم عن مندل بن علي عن أبي روق عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عبد الله الصمد الذي ليس له أحشاء حدثنا الحضرمي حدثنا طاهر بن أبي أحمد الزبيري

ص: 525

حدثنا أبي حدثنا بن مسلم الطائفي عن إبراهيم ابن ميسرة قال أرسلت إلى سعيد بن جبير أسأله عن الصمد قال الذي لا جوف له حدثنا الحضرمي حدثنا ابن نُمير حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن السدي الصمد الذي لا جوف له

ص: 526

حدثنا الحسين بن واقد عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود قال الصمد الذي قد انتهى سؤدده حدثنا الحسين حدثنا الحماني حدثنا هشيم عن أبي إسحاق الكوفي عن عكرمة قال الصمد الذي ليس فوقه أحد وأنشدني في ذلك شعرًا قال أبو القاسم الطبراني أبو إسحاق الكوفي هذا ليس بالسبيعي واسمه هارون وهو ثقة روى عنه حماد بن زيد وهشيم حدثنا ابن أبي مريم حدثنا الفريابي قال

ص: 527

حدثنا سفيان حدثنا الحضرمي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس ووكيع وأبو أسامة حدثنا الحسين حدثنا الحماني حدثنا حفص بن غياث وأبو معاوية وحدثنا عبد الرحمن بن سلمة حدثنا سهل حدثنا علي بن مسهر ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة كلهم عن

ص: 528

الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة في قوله الصمد قال السيد الذي قد انتهى سؤدده حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني إبراهيم بن الحجاج حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل السيد الذي لا شيء أسود منه حدثنا محمد بن عثمان حدثنا عمي أبو بكر وحدثنا الحضرمي حدثنا عثمان بن أبي شيبة قالا حدثنا عبد الله ابن إدريس عن شعبة عن أبي رجاء عن عكرمة الصمد

ص: 529

الذي لا يخرج منه شيء حدثنا الحضرمي حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة وحدثنا عبد الرحمن حدثنا سهل حدثنا ابن أبي زائدة كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي الصمد الذي لا يأكل الطعام حدثنا داود بن محمد بن صالح المروزي حدثنا العباس بن الوليد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن

ص: 530

أبي عروبة قال كان الحسن وقتادة يقولان الصمد الباقي بعد فناء خلقه حدثنا الحضرمي حدثنا الحسين بن يزيد الطحان حدثنا إسحاق بن منصور السلولي عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال الصمد الباقي بعد خلقه حدثنا أبو خليفة حدثنا ابن حساب أخبرنا محمد بن ثور عن معمر عن الحسن قال الصمد الدائم

ص: 531

حدثنا عبد الرحمن حدثنا سهل حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال الصمد الذي لم يلد ولم يولد حدثنا الحضرمي حدثنا محمد بن بكار بن الريان حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب في قوله الصمد قال لو سكت عنها لتمحض فيها رجال قالوا ما صمد فأخبرهم أن الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد حدثنا زكريا الساجي حدثنا أحمد بن إسحاق

ص: 532

الأهوازي حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا الحكم بن ظهير عن معمر عن الحسن عن أبي بن كعب قال الصمد الذي لم يخرج منه شيء ولم يخرج من شيء الذي لم يلد ولم يولد وحدثنا بكر بن سهل حدثنا عبد الغني بن موسى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وعن

ص: 533

مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال الصمد الذي يُصمد إليه في الحوائج قلت هذا تفسير عن ابن عباس بهذا الإسناد يرويه الطبراني بهذا الإسناد وهو عن هذا الشيخ وهو ضيف ولكن يستأنس به قال الطبراني وهذه الصفات كلها صفات ربنا جل جلاله ليس يُخالف شيء منها هو المصمت الذي لا جوف له وهو الذي يصمد إليه في الحوائج وهو السيد الذي قد انتهى سؤدده وهو الذي لا يأكل الطعام وهو الباقي بعد خلقه وقال حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا

ص: 534

منجاب حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن عطية ابن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام 103] قال لو أن الخلائق منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفًّا واحدًا ما أحاطوا بالله عز وجل أبدًا قلت ويدل على ما ذكره الطبراني من جمع الصمد لهذه المعاني أن من سلف الأمة من قال هذا وهذا ومثل هذا كثيرًا ما يجيء في تفسير معاني أسمائه كالرحمن والجبار والإله وغير ذلك وقد قررنا في غير هذا الموضع أن عامة تفاسير السلف ليست متباينة بل تارة يصفون الشيء الواحد بصفات متنوعة وتارة يذكر كل منهم من المفسر نوعًا أو شخصًا

ص: 535

على سبيل المثال لتعريف السائل بمنزلة الترجمان الذي يقال له ما الخبز فيشير إلى شيء معين على سبيل التمثيل وقال أبو بكر البيهقي في كتاب الأسماء والصفات في تفسير اسمه الصمد قال الحليمي ومعناه المصمود إليه بالحوائج أي المقصود بها وقد يقال ذلك على

ص: 536

معنى أنَّه المستحق لأن يقصد بها ثم لا يبطل هذا الاستحقاق ولا تزول هذه الصفة بذهاب من يذهب عن الحق ويُصد عن السبيل لأنه إذا كان هو الخالق والمدبر لما خلق لا خالق غيره ولا مدبر سواه فالذهاب عن قصده بالحاجة وهي في الحقيقة واقعة إليه ولا قاضي لها غيره جهل وحمق والجهل بالله تعالى جَده كفر ثم روى البيهقي من التفسير المسند عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس

ص: 537

وقد ذكر هذا عنه كثير من المفسرين وغيرهم كمحمد بن جرير الطبري في قوله الصمد قال السيد الذي كَمُل في سؤدده والشريف الذي كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه والغني الذي قد كمل في غناه والجبار الذي قد كمل في جبروته والعالم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله عز وجل هذه صفته لا تنبغي إلَاّ له ليس له كفو وليس كمثله شيء فسبحان الله الواحد القهار

ص: 538

ثم روى البيهقي حديث الأعمش عن شقيق في قوله عز وجل الصمد قال هو السيد الذي انتهى سؤدده وروى عن الحاكم عن الأصم عن الصغاني حدثنا أبو نعيم حدثنا سلمة بن سابور عن عطية عن ابن عباس قال الصمد الذي لا جوف له قال وروينا هذا القول عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن والسدي والضحاك وغيرهم وروي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه يشك راويه في رفعه

ص: 539

قلت قد تقدم رواية الطبراني له مرفوعًا من غير شك من طريق آخر وروي أيضًا بالإسناد قال محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا محمد بن بكار حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب في قول الله عز وجل الله الصمد قال لو سكت لتبخص لها رجال فقالوا ما صمد فأخبرهم أن الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد قال وروينا عن عكرمة في تفسير الصمد قريبًا من هذا ثم روى من حديث شعبة عن أبي رجاء أن

ص: 540

الحسن قال الصمد الذي لا يخرج منه شيء ومن حديث هشيم أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال أخبرت انه الذي لا يأكل ولا يشرب ومن حديث سعيد عن قتادة عن الحسن قال الصمد الباقي بعد خلقه قال وقال أبو سليمان يعني الخطابي فيما أخبرت عنه الصمد السيد الذي يُصمد إليه في الأمور

ص: 541

ويقصد في الحوائج والنوازل وأصل الصَّمْد القصد يقال للرجل اصمد صمد فلان أي اقصد قصده قلت المقصود الآن ذكر أقوال السّلف في معنى الصّمد وأمّا ما يدَّعيه طائفة من المتأخرين من أنّ الاشتقاق إنّما يشهد لقول من قال إنّه السّيد فسنبين أنّ هذا من أفسد الأقوال بل شهادة اللّغة والاشتقاق لذلك القول الذي قاله جمهور الصحابة والتابعين أقوى وإن كان ذلك كله حقًّا والاسم يتناول ذلك كله واللّغة والاشتقاق يشهد له الوجه الثالث أنّ هذا التفسير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يتبين بوجهين أحدهما من نقل الخاصة عنه كما تقدّم الثاني أنّه من المعلوم أنّ هذه السورة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرُ للمسلمين فضلها وأنَّها تعدل ثلث القرآن حتّى أمرهم أن

ص: 542

يجتمعوا وقال اجتمعوا لأقرأ عليكم ثلث القرآن قلمّا اجتمعوا قرأها عليهم وهي سورة يتعلمها الصغير والكبير والحرّ والعبد والرجل والمرأة وقد سنّ لهم أن تقرأ في ركعتي الفجر والطواف وكان بعض أصحابه يقرأ بها دائمًا في الصّلاة مع السورة فقال سَلوه لِمَ يفعل ذلك فقال إنّي أحبّها لأنّها صفة الرحمن فقال أخبروه أنَّ الله يحبّه

ص: 543

وهذا كله ممّا يوجب توفّر الهمم والدواعي على معرفة معنى الصّمد وهذا أمر يجده النّاس من نفوسهم فإنَّه إذا قرأها الإنسان مرّة بعد مرة اشتاق إلى معرفة معنى ما يقول والنفس تتألم بأن تتكلم بشيء لا تفهمه فالمقتضى لمعرفة هذا الاسم كان فيهم موجودًا قويًّا عامًّا متكررًا والمانع من ذلك منتفٍ وأنَّه لا مانع لهم من المسألة عن هذا الاسم ويتوكّد هذا بشيئين أحدهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا علّم أصحابه القرآن علمهم ما فيه من العلم والعمل كما قال أبو عبد الرحمن السُّلمي حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنَّهم كانوا إذا تعلّموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتّى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل قالوا

ص: 544

فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا الثاني أنّه قد روي من غير وجه أن المشركين وأهل الكتاب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن نعت ربه فأنزل الله هذه السورة وقال إنّها نسب الرحمن وصفته فلابد أن يكون في الجواب بيان معنى هذا الاسم للكفّار من المشركين وأهل الكتاب فإنّه لا يحصل الجواب لهم بذلك إلا بلفظ يعرف معناه فكيف يكون علم المؤمنين بذلك وهذا كله يدل دلالة قطعيَّة يقينيَّة أنَّ معنى هذا الاسم كان معروفًا عند الصحابة وأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد بيّن لهم من ذلك ما يشكل عليهم وأفادهم ما يحتاجون إليه من معرفة معنى هذا الاسم كيف وهذا كله من بيان القرآن الذي

ص: 545

يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم فإنّه يجب عليه بيان لفظه ومعناه وإذا كان كذلك وقد حصل عندهم معرفة معناه من جهة النبيّ صلى الله عليه وسلم فحكم التابعين مع الصحابة كذلك فإنّ الهمم والدواعي من علماء التابعين متوفرة على مسألة الصحابة عن معنى هذا الاسم هذا معلوم بالعادة المطّردة فإذا كان قد تواتر عن أئمة التابعين مع ما نقل عن الصحابة وعن النّبي صلى الله عليه وسلم وإنّما اشتهر عندنا نقل ذلك بالإسناد عمّن نقله العلماء عنه لأنّ العلم كان يقلُّ في المتأخرين وكان أحدهم يسأل من يتّفق له من التابعين فصاروا ينقلون ذلك نقلاً خاصًّا كما ورد مثل ذلك فيما كان معلومًا عند الصحابة كلهم كمغازي النَّبي صلى الله عليه وسلم وصفة صلاته الظاهرة وحجه ونحو ذلك حتّى تنازع بعض الناس في مثل جهره بالبسملة وقنوته ومن المعلوم أنَّ هذا كان يمتنع فيه النّزاع على عهد أبي بكر وعمر لأنَّ الصحابة الذين عاينوا ذلك كانوا موجودين ولهذا يستدل بفعل أبي بكر وعمر على أنَّ ذلك هو كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم للعلم بأنَّ الصحابة لم يتّفقوا على تغيير سنَّته الوجه الرابع أنّ تفسير الصمد بأنّه الذي لا جوف له مع كونه هو أشهر التفاسير في هذا الاسم الحسن العظيم عن

ص: 546

الصحابة والتابعين وقد روي تفسيره مرفوعًا وإن كان لا منافاة بين هذا المعنى وبين سائر المعاني التي ذكرها الصحابة والتابعون في معنى هذا الاسم فإنّ الاسم ينتظم ذلك كله فاللفظ يدل عليه دلالة ظاهرة باللّغة العربيّة الفصيحة التي نزل بها القرآن ومن المشهور من كلامهم المقابلة بين الأجوف والصّمد كما يقابلون بين الأجوف والمصمت مثل قول يحيى بن أبي كثير الآدميّون جُوف والملائكة صُمد ولا يحتاج إلى تقرير هذا في اللغة أنْ تجعل الدال مُنقلبة عن التّاء وإن كان المعنى على القلب مناسبًا بل الدّال والتاء حرفان متقاربان في المخرج فيتقارب معناهما كذلك وهذا من باب الاشتقاق الكبير وهو اشتراك الكلمتين في أكثر الحروف وتقاربهما في باقيه

ص: 547

كما يقال في مثل خرر وغرر وأزر حيث اشتركت في حروف الحلق وكذلك الدال والتاء من حروف اللسان متقاربان في المخرج ولهذا يُدغم أحدهما في الآخر بعد قلبه إليه إذا سكن أحدهما كما في مثل قوله ولا أنا عابد ما عبدتم فإنّ لفظهما عبتم وكذلك لفظ عبدتّه ووجدتّه ومجدتّه ونظائره كثيرة وهذا اللفظ في جميع تصاريفه يقتضي معنى الجمع والضّم المنافي للتفرّق كما يقال صِمْدة المال وصِماد القارورة ودلالة اللّغة العربيّة على هذا المعنى المشهور عن أكثر الصحابة والتابعين أظهر من دلالتها على غيره بخلاف ما إذا ادعى غير ذلك طائفة من المتأخرين حتى الذين فسّروه بأنه السّيد ذكروا هذا المعنى قال القرطبي شارح أسماء الله

ص: 548

الحسنى صاحب التفسير معناه المصمود إليه بالحوائج أي المقصود بها يقال صَمَدَه يصمده صمدًا أي قَصَدَه والصّمد السيد لأنّه يصمد إليه في الحوائج وأصله الاجتماع من قولهم تصمد الشيءُ إذا اجتمع قال طرفة وإن يلتق الحيّ الجميع تلاقني إلى ذروة البيت الرفيع المصمَّد

ص: 549

وبيت مصمّد بالتشديد أي مقصود والصمد بإسكان الميم المكان المرتفع الغليظ قال أبو النّجم يغادر الصّمد كظهر الأجزل وبناء مصمد أي معلَّى والمصمد لغة في المصمت الذي لا جوف له قاله الجوهريّ ومنه قول الشاعر شهاب حروب لا تزال جياده عوابس يعلكن الشكيم المصمدا

ص: 550

ومن هذا تسمية الرجل صمدًا كما قال أوس بن حجر ألا بَكَّر الناعي بخيريْ بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

ص: 551

وقال آخر سيروا جميعًا بنصف اللّيل واعتمدوا ولا رهينة إلاّ سيدٌ صمد وقال آخر علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيف فأنت الواحد الصمد

ص: 552

الوجه الخامس قوله إنّ الصمد فعل بمعنى مفعول من صمد إليه أي قصده يقال له صيغه فعل في الصّفات قد لا تكون بمعنى المفعول بل تكوون بمعنى الفاعل كقولهم أحدٌ وبطل فَلِم قلت إنّ فعل هنا بمعنى مفعول وهلاّ تكون بمعنى الفاعل وهو الصامد المتصمّد في نفسه وإن كان ذلك يستلزم أن يكون مقصودًا لغيره وهذا أرجح لوجوه أحدها أنّه قرين لاسم الواحد فإنّه قال قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)[الإخلاص 1-2] ومن المعلوم أنَّ الأحد بمعنى الواحد المتوحّد فكون الصّمد بمعنى الصّامد المتصّمد أظهر في المناسبة والعدل والقياس والاعتبار الثاني أنَّ الفاعل هو الأصل فإنّه لابد لكل فعل وصفة من فاعل فكل صفة تستلزم فاعلاً في الجملة وأمَّا المفعول فقد يكون وقد لا يكون وإذا كان كذلك علم أنَّ هذه الصّفة لها فاعل ولم يعلم أن لها مفعولاً فيجب إثبات المتيقّن وحذف المشكوك

ص: 553

فيه حتّى يدلّ عليه دليل الثالث أن المشركين وأهل الكتاب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن نسب ربّه وماهيَّته وجنسه فقالوا ممّ هو ومن أيّ جنس هو أمن ذهب أم من نحاس هو أممن صفر أم من حديد أم من فضة وهل يأكل ويشرب وممن ورث الدنيا ولمن يورثها فأنزل الله هذه السورة وهي نسبة الله خاصّة ومعلوم أنّ كونه بمعنى أنَّه مقصود إنما يدل على كونه بحيث يسأل ويُدعى وذلك يقتضي ثبوت ربوبيّته وإلهيته وليس فيه جواب عن مسألتهم التي هي سؤال عن صفته في نفسه فأما إذا قيل إنّه الصّمد الذي لا جوف له كان فيذلك جواب عن أنَّه في نفسه صمد لا يخرج من شيء ولا يخرج منه

ص: 554

شيء ولا يتفرّق وهو مع ذلك أحد لا نظير له فكان في ذلك دلالة على صفـ ـتـ ـه الثبوتيّة وهي الصّمدية وعلى عدم النظير المانع أن يكون له والد أو ولد كما أنَّ الأحد يمنع أن يكون هـ ما يماثله من اصل أو فرع أو نظير فكان هذا المعنى جوابًا لمسألتهم أنَّه ليس هو من شيء ولا يخرج منه شيء ولا هو من جنس شيء الوجه السادس أنّ كون الصّمد يصمد إليه في الحوائج هو حق أيضًا وهو مقرر للتفسير الأوّل ودالٌّ عليه فلا ينافي أن يكون هو في نفسه مجتمعًا لا جوف له بل كونه في نفسه كذلك هو الموجب لاحتياج الناس إليه فإنّ الحاجة إلي الشيء فرع اتصافه في نفسه بما يوجب قضاءه للحوائج فلا يكون الأثر منافيًا للمؤثّر ولا يكون الملزوم منافيًا للَاّزم بل الأثر اللازم

ص: 555

دليل على المؤثّر الملزوم للأثر والصّمد أكمل من أن يطلق على السيد ولهذا قال ابن عباس هو السّيد الكامل في سؤدده ألا ترى أنَّ الشاعر قال فأنت السّيد الصمد وقال بالسّيد الصّمد فلو كان مرادفًا له لكان تكريرًا وأمَّا الحديث الذي رواه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قلم يذكر إسناده وهو باطل لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن رُوي عن ابن عباس ولفظ السّيد أيضًا يدلّ على الجمع كما يدلّ عليه لفظ الصّمد يقال السّواد اللّون الجامع للبصر والبياض اللّون المفرِّق له والحليم سُمّي سيدًا لأنَّه مجتمع

ص: 556

النّفس لا يجزع فيتفرق عند الغضب وذلك ضعف وخور ولهذا يروى فلما رآه أجوف علم أنّه خَلق لا يتمالك ويقال لم أتمالك أن فعلت كذا أي ما ملكت نفسي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة إنَّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب والجوف متفرّق لا يتمالك فلا يثبت ولا يستقرّ في نفسه فضلاً عن أن يكون مقصودًا لغيره يصمدون صمده كما قيل في اسم القيّوم إنّه القائم بنفسه المقيم لغيره فكون المسمّى بالصمد صمدًا لغيره فرع كونه صمدًا في نفسه ويدلّ على ذلك أنّهم يُسمّون بالصّمد الحليم المجتمع

ص: 557

وإن لم يجتمع إليه النّاس كما قال طرفة يزعون الجهل في مجلسهم وهمو أيضًا ذوو الحلم الصّمد الوجه السابع أن يقال سلمنا أنّ الصّمد هو ما يصمد إليه العباد في أنفسهم أي يقصدون إليه كما يقال اصمد صمد هذا الأمر أي اقصد قصده فالقصد هو الدعاء والمسألة والطّلب وذلك إنّما يكون بقلوب النّاس وبواطنهم وبأيديهم ووجوههم وغير ذلك من أعضائهم الظاهرة وذلك يمتنع إلَاّ فيمن يكون بجهة منهم فمن لا يعرفون أين هو ولا يعرفونه في جهة يمتنع على قلوبهم وجوارحهم المختلفة قصده فيمتنع كونه صمدًا ولهذا كان الدّاعون والقاصدون لله من الأمم المختلفة يجدون في قلوبهم علمًا ضروريًّا بتوجههم إلى العلو كما تقدّم تقرير هذا وإذا كان

ص: 558

كذلك فهو قدّر أنّه لا يمكن أن يكون في العلو إلاّ ما هو جسم وذكر أنّ ذلك معلوم بالضرورة فيكون هذا التفسير يدلّ على أنّ الله تعالى هو الذي يسمّونه جسمًا بهذين العلمين الضروريين أحدهما العلم الضروري بأنّ العباد إذا قصدوا الله ودَعوه وتوجّهوا بقلوبهم وظاهرهم إلى العلوّ ويمتنع أن يقصدوا ما لا يكون في العلو ولا في غيره ولا يكون داخل العالم ولا خارجه الثاني العلم الضروري بأنّ ما كان فوق العالم فإنّه يكون ذاهبًا في الجهة ويكون بائنًا عن العالم ويكون قائمًا بنفسه وهذا هو المعنى الذي يسمّونه جسمًا وهذا تقرير ليس للمنازع فيه حيلة وهو مبنيّ على مقدمتين ضروريتين أحدهما لا ينازع هو فيها وإن نازع فيها كثير من

ص: 559

الصفاتيّة والثانية وهو ينازع فيها لكن لا ينازع فيها جماهير البريّة والنزاع في الضروريات غير مقبول الوجه الثامن أنّه أجاب بوجهين أحدهما منع تفسير الصّمد بأنّه الذي لا جوف له بل هو السّيد المصمود إليه ودعوى وجوب حمل الآية على المجاز وقد بينا أنَّ ذلك التفسير لا يمكن النّزاع فيه وأنّ التفسير الآخر يدلّ على صحة التفسير الأول ويدل على مذهب المنازع أيضًا وأمّا حمل الآية على المجاز فيقال له هذا لا يجوز لأنّ الآية نزلت جوابًا عن مسألة المشركين وأهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم عن صفة ربه فيجب ألا يجعلها من صنف المتشابه

ص: 560

الوجه التاسع أن يقال له ليس للمتكلم أن يريد باللفظ ما ليس هو حقيقة اللفظ ومسمّاه بل هو مجاز إلاّ بقرينة تبيّن المراد وإلَاّ فالتكلم بالمجاز بدون القرينة ممتنع باتّفاق النّاس وهو بمنزلة أن يراد باللفظ ما لم يوضع له في اللّغة كما لو أراد بلفظ السّماء الأرض وبلفظ الشمس البحر ونحو ذلك ومن المعلوم أنّ الله ورسوله لم يقرن بهذا الخطاب قط قرينة لا متّصلة ولا منفصلة تصرف النّاس عن اعتقاد مدلول هذه السورة ولا قال أحدٌ من سلف الأمّة وأئمتها أنَّ اسم الصّمد في حق الله ليس على ظاهره ولا أنكم لا تعتقدون من اسم الصمد وظاهره بل تعظيم النبيّ صلى الله عليه وسلم لهذه السورة وقوله إنها تعدل ثلث القرآن وغير ذلك يقرر مضمونها ويثبت معناها ومدلولها الوجه العاشر أنّ ما ذكره من الأدلة العقلية الّتي تجعلها قرينة صارفة لظاهر اسم الصّمد إمّا أن تكون حقًّا أو باطلاً

ص: 561

فإن كانت باطلاً لم يصحّ أن يصرف اسم الله عز وجل عن مقتضاه ومعناه وإن كانت حقًّا فلا ريب أنها خفيّة وأنّها مشتبهة وأنّ فيها نزاعًا بين الآدمييّن وأنّها لا تُعلم إلَاّ بنظر طويل وبحث كثير ومن المعلوم أنَّ المتكلم بالكلام الذي له معنى ظاهر لا يجوز أن يُريد خلاف ظاهره لمثل هذه الدلالة لاسيّما في حق الرسول الذي بلّغ البلاغ المبين الوجه الحادي عشر أنّه لا ريب أنّ الله قد أمر بتلاوة هذه السورة لجميع العباد ورغَّبهم في تكـ ـر ير تلاوتها في الصّلاة وخارج الصلاة حتّى إن تلاوتها وقراءتها من أعظم شعائر الإسلام وأظهرها عند الخاص والعام فإن كان معناها الظاهر باطلاً وضلالاً كيف يجوز الإمساك عن بيان مثل ذلك وترك العباد في هذه المهالك وقد قال الله تعالى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [التوبة 115]

ص: 562

الوجه الثاني عشر أنّه مع الأمر بقراءتها وتكرير ذلك في الصلاة وخارج الصلاة ومع تعظيم فضيلتها واشتهار ذلك في العامة والخاصّة هل يجوز أن يكون ظاهرها ضلالاً ومحالاً وكفرًا ولا يتكلم بذلك أحدٌ من سلف الأمّة في التوحيد وصفات الربّ المعبود سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا الوجه الثالث عشر أن ما ذكره من الدلالة العقلية لم تظهر في الأمة إلَاّ بعد انقراض عصر الصّحابة وأكاب التابعين بل وأئمتهم أي من زمن بشر المريسي ولمّا أظهر مقالته كفّره أئمة الإسلام كفّره سفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وعباد بن العوّام وعليّ بن عاصم ويحيى بن

ص: 563

سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وأبو النّضر هاشم بن القاسم وشبابة بن سوار والأسود بن عامر ويزيد بن هارون وبشر بن الوليد ومحمد بن

ص: 564

يوسف بن الطّباع وسليمان بن حسّان الشّامي ومحمّد ويعلى ابنا عبيد الطنافسيان وعبد الرزاق بن همّام وأبو قتادة الحرّاني وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون

ص: 565

ومحمد بن يوسف الفريابي وأبو نعيم الفضل بن دُكين وعبد الله بن مسلمة القعنبيّ وبشر بن الحارث ومحمّد بن مصعب وأبو البختري وهب بن وهب قاضي بغداد ويحيى بن يحيى النيسابوري وعبد الله بن الزبير

ص: 566

الحميديّ وعليّ بن المديني وعبد السّلام بن صالح الهرويّ والحسن بن عليّ الحلواني وغير هؤلاء فكيف يجوز أن يكون الصارف لكلام الله عن ظاهره ما لم يظهر في الإسلام إلاّ من جهة من أحدث ذلك فكفّره أئمة الإسلام

ص: 567

الوجه الرابع عشر قوله سلّمنا أنَّ الصّمد في أصل اللغة المصمت الذي لا يدخل فيه شيء غيره ولا ينفصل عنه شيء إلاّ أنّا نقول قد دللنا على أنَّه لا يمكن ثبوت هذا المعنى في حق الله يقال له قد تقدّم الكلام على جميع ما ذكرته وتبيّن لكل عاقل فهم ما ذكرناه أنّ الذي ذكرته من الباطل الذي يُعلم بطلانه بالعقل الصريح وبيّنا أنَّ العقل يدلُّ على خلاف قوله وقد أحال على ما تقدّم فأحلنا على ما ذكرنا هناك الوجه الخامس عشر أن يقال كل ما هو قائم بنفسه مباين لغيره فإما أن يكون أجوف أو يكون صمدًا مصمتًا كما أنه إما أن يكون عالمًا وإما أن يكون جاهلاً وإمّا أن يكون سميعًا بصيرًا وإمّا أن يكون أصمّ أعمى وهذا قد تقدم تقريره والعقل الصريح يعلم أنّه لا يمكن خلو الموجود القائم بنفسه عن هذين الوصفين الوجه السادس عشر أنّ الشيء القائم بنفسه إمّا أن يكون بحيث يقبل التفريق والتفكيك أو يكون بحيث لا يقبل ذلك فإن كان الثَّاني فهو الصّمد الحقيقي وإن كان الأول فليس هو صمدًا حقيقيًّا وإن قيل له صمد باعتبار أنَّه غير متفرق ولا يمكن

ص: 568

تفريقه إلَاّ بكلفة ولهذا قال سبحانه الله الصمد بصيغة الحصر أي هو الصّمد في الحقيقة وغيره وإن سمّي صمدًا فليس ذلك الوصف كاملاً فيه وقال الله أحد ولم يقل الأحد ومعلوم أنّ وصفه بالاسم المعرفة أبلغ من الاسم النكرة فكيف يجوز أن يقال الصمديّة له مجازًا والأحدية له حقيقة الوجه السابع عشر أنّ الله تعالى ذكر في هذه السورة التي تعدل ثلث القرآن فنفى بهما عنه التركيب الذي هو التجسيم المنتفي عنه ونفى عنه التمثيل الذي هو التشبيه المنفي عنه فكانت هذه السّورة أحسن البيان فيما يجب نفيه عن الله تعالى من التشبيه والتجسيم وقد قدّمنا غير مرة أنّ لفظ التشبيه فيه إجمال كثير وأنّه ما من طائفة إلاّ وتجعل من أثبت شيئًا مُشَبِّهًا وذلك أنّ كل موجودين فلابد أن يكون بينهما نوع مشابهة ولو من بعض الوجوه البعيدة ورفع ذلك من كل وجه رفع للوجود ولهذا ذكر هذا المؤسس إجماع المسلمين إجماع المسلمين على ثبوت مثل

ص: 569

هذا التشبيه وبينَّا الفرق بين لفظ الكفؤ والمثل ولفظ الشَّبه فهو سبحانه أخبر أنَّه أحد وأنَّه لم يكن له كفوًا أحد فكان هذا أيضًا محكمًا في تنزيهه عن المثيل بعبارة تامّة حيث لم يكن شيء من الموجودات مكافئًا له بوجه من الوجوه كما بيناه فيما مضى وأنَّه يجب نفي المثل والكفؤ عنه من كل وجه وأنَّ هذا هو معنى الأحد إذ لو أريد بالأحد ما لا يماثله من جميع الوجوه لكان عامّة المخلوقات تسمّى أحدًا ولم يكن في هذا فائدة لأنّ أحدًا لا يعتقد أنّ لله مثلاً من جميع الوجوه بل الأحد الذي لا كفؤ له من جميع الوجوه ولا يلزم نفي المشابهة من بعض الوجوه كالوجود والعلم والقدرة والحياة وغير ذلك وكذلك التركيب والتجسيم يجب تنزيهه

ص: 570

عن أن يكون مركبًا مجسمًا ركَّبه مركِّب أو أن يكون بحيث يقبل التفريق والتفصيل واسمه الصّمد ينفي هذا عنه وأمَّا ما يسميه بعضهم تركيبًا وهو ثبوت المعاني المتميّزة في أنفسها فهذا أمرٌ لابد منه لكل موجود فنفيه نفي للوجود ولواجب الوجود فكان اسمه الصّمد مستلزمًا ثبوت هذا المعنى الذي هو الاجتماع نافيًا ذلك المعنى الذي هو التركيب والتجسيم المنفيّ عنه فكان صحّة معنى هذه السورة معلومًا بالعقل الصريح ولولا أنا قدّمنا أصل هذا الكلام في الحجج العقليّة لبسطناه هنا وقد بسطناه أيضًا في جواب المعارضات المصرية الوجه الثامن عشر قوله فوجب حمل هذا اللفظ على مجازه وذلك لأنّ الجسم الذي يكون هذا شأنه مبرأ عن الانفصال والتباين عن الغير وهو سبحانه وتعالى واجب

ص: 571

الوجود لذاته وذلك يقتضي أن يكون تعالى غير قابل للزيادة والنقصان فكان المراد من الصّمد في حقه تعالى هو هذا المعنى يقال له مجاز الذي حملته عليه إمَّا أن يكون هو معنى واجب الوجود أو يكون مقتضاه الذي ذكرته من أنَّه غير قابل للزيادة والنقصان فإن كان معنى الصّمد هو معنى واجب الوجود كان هذا التفسير مخالفًا لإجماع المسلمين وإجماع أهل اللّغة وأهل التفسير فإنّ اسم الصّمد وإن استلزم وجوب وجوده بنفسه لكن ليس معناه مجرّد وجوده بنفسه ولا هذا معنى مما كان يجهله السائلون من المشركين وأهل الكتاب ولا هو ممّا فيه نزاع بين أهل الأرض ف‘نَّ الخلائق متفقون على ثبوت وجود وإن الوجود لا يمكن أن يكون كله مفتقرًا إلى غيره بل لابد من وجود غير مفتقر إلى غيره ولكن قد يقول المبطلون هو أصول للعالم ونحو ذلك كما يقوله الجاحدون المعطّلون الذين يُظهرون جحود

ص: 572

رب العالمين كفرعون وذويه وغالية القرامطة الباطنية وبالجملة فمعنى ربّ العالمين أبلغ من معنى واجب الوجود فإنّ كونه رب العالمين يقتضي ربوبيته للعالمين ويستلزم قيامه بنفسه وإن قال بل معنى الصمد هو الذي لا يقبل الزيادة والنقصان وهذا هو الذي يدل عليه كلامه وهو الذي أراده والله أعلم قيل له الزيادة والنقصان من عوارض الكم فقولك هو غير قابل للزيادة والنقصان يحتمل شيئين أحدهما أن تكون ذاته بحيث لا يعقل زيادتها ونقصانها الثاني أن تكون زيادتها ونقصانها ممتنعًا عليها وأي المعنيين قُصد به أمكن أن يقال في كونه لا جوف له أو لا يقبل التفرق والانفصال مثل ذلك إذا هذا يحتمل معنيين

ص: 573

أحدهما أن تكون ذاته لا يعقل أن يكون لها جوف ولا يعقل وصفها بالتفرق والاجتماع والاتصال والانفصال والثاني أن يقال التفرق والانفصال ممتنع عليها فإذا كان الذي جعلته مجازًا في هذا الاسم الشريف يلزمك فيه ما لزمك في مسماه الحقيقي الذي فسره به الصحابة والتابعون وهو حقيقة في اللغة كان عُدولك عن هذا إلى هذا الذي ركبت فيه أنواعًا من المحاذير لغير فائدة قط بمنزلة الذي يركب البحار والمفاوز والقفار لقصد التجارة ثم ذهب فباع ذهبه بمثله في الزنة والوصف أو بما هو دونه أو بمنزلة المستجير من الرمضاء بالنار ومعلوم أن هذا ليس من فعل أهل العقل والدين مع ما فيه من الكذب والافتراء على رب العالمين يوضح هذا الوجه التاسع عشر وهو أنه لا فرق بين قول القائل الصمد الذي لا يدخل فيه غيره ولا يخرج منه غيره وبين قوله

ص: 574

الذي لا يزيد ولا ينقص فإنه إن اعتبر بمجرد السلب أمكنه ذلك في الموضعين وإن اعتبر بامتناع المسلوب بأن يقول هو الذي لا يمكن أن يدخل فيه غيره أو يخرج منه غيره كان بمنزلة أن يقول لا يقبل الزيادة والنقصان سواء فسر عدم الإمكان بعدم إمكان تصور ذلك في الموصوف أو بامتناع ذلك في الموصوف كقول منازعيهم الوجه العشرون أنه قد يقال دخول الشيء في غيره زيادة فيه وخروج بعضه منه نقص منه فهذا نوع من الزيادة والنقصان فإذا وصفه بأنه غير قابل للزيادة والنقصان كان قد دخل في ذلك غير قابل لهذه الزيادة ولهذا النقصان فإذا قيل المصمت الذي لا يدخل أو لا يمكن أن يدخل فيه شيء غيره ولا ينفصل عنه شيء وقيل إنه لا يمكن ثبوت هذا المعنى في حق الله تعالى كان هذا تناقضًا ظاهرًا لأن امتناع الجنس عليه يستلزم سلب أنواعه فكيف يقال إنه موصوف بعدم قبول الزيادة والنقصان أو بعدم الزيادة والنقصان ولا يكون موصوفًا بعدم قبول هذه الزيادة وهذا النقص أو بعدم ذلك

ص: 575

الوجه الحادي والعشرون أنه قد يقال دخول شيء فيه وخروج شيء منه هو نفس الزيادة والنقصان إذ الدخول أعم من أن يكون دخولاً في جوفه أو جوانبه فالزائد دخل فيه شيء من غيره والناقص خرج منه بعضه فإذا كان أحدهما هو الآخر فوصفه بالسلب أو الامتناع لأحدهما دون الآخر تناقض ظاهر فإن كان هذا حقيقة للصمد كان الآخر حقيقته وإن كان هذا مجازه كان الآخر مجازه يقال دخل في أرض هؤلاء من أرض هؤلاء وقد دخلوا في حد جيرانهم وقد أدخلوا في حد أرضهم بعض أرض جيرانهم ونحو ذلك مما فيه وصف الزيادة من الجوانب بلفظ الدخول الوجه الثاني والعشرون إن الذي قاله السلف إن الصمد هو الذي لا جوف له هذا أخص من كونه لا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء فإن الشيء قد يكون مصمتًا ومع هذا يمكن أن يدخل فيه شيء غيره ويخرج منه شيء من جوانبه

ص: 576

أو من الصفات القائمة به فإن الأجسام الصُّمد المصمتة كالحجارة يمكن أن تزاد بصفات تقوم بها ويمكن أن تنقص صفاتها وإن لم يكن لها جوف الوجه الثالث والعشرون قوله وذلك يقتضي أن يكون تعالى غير قابل للزيادة والنقصان إما أن يعني به أن ذاته لا تقبل أن يزاد فيها وينقص منها أو يعني به أنها لا توصف بنفي الزيادة والنقصان عنها كما لا يوصف بثبوتها وهذان المعنيان هما اللذان ذكرهما في الوصف بعدم النهاية لما قال له المنازع ألستم تقولون إنه غير متناهٍ في ذاته فيلزمكم جميع ما ألزمتمونا أو رده عليه في حجته في أنه لو كان فوق العرش لكان متناهيًا من جميع

ص: 577

الجوانب أو بعضها أو غير متناهٍ وكل ذلك محال فقال قلنا الشيء الذي يقال إنه غير متناهٍ على وجهين أحدهما أنه غير مختص بحيز وجهة ومتى كان كذلك امتنع أن يكون لها طرف أو نهاية وحدٌّ والثاني أنه مختص بجهة وحيز إلا أنه مع ذلك ليس لذاته مقطع وحد وقال فنحن إذا قلنا إنه لا نهاية لذات الله تعالى عنينا به التفسير الأول وقد تقدم الكلام على ما ذكره وبينا أن ما قاله لا يوصف به إلَاّ المعدوم والمقصود هنا أن قوله يقتضي كونه غير قابل للزيادة والنقصان يفسر بهذين الوجهين فإما أن يعني أن ذاته لا تقبل أن

ص: 578

يُزاد فيها ويُنقص منها وأما أن يعني به أن ذاته لا توصف بنفي الزيادة والنقص ولا بثبوت ذلك وتوجيه ذلك أن يقال إما أن تكون ذاته لها قدر وحد وإذا امتنع ذلك امتنع أن يوصف بنفي الزيادة والنقص كما يمتنع أن يوصف ثبوت ذلك إذ الوصف بثبوت ذلك ونفيه إنما يكون عما له قدر فإن أراد به لا تزيد ولا تنقص وهذا هو قول منازعيه الذين يسميهم المجسمة بعينه وإن أراد أن ذاته لا توصف بنفي ذلك كما لا توصف بثبوته فيقال له قولك يقتضي أن يكون تعالى غير قابل للزيادة والنقصان إنما يدل على المعنى الأول فإنك لم تقل هو موصوف بالمقدار والحد الذي يلزمه أحد النقيضين بثبوت الزيادة والنقص وبعدم ذلك أو بإمكان ذلك واستحالته بل قلت يقتضي أن يكون تعالى غير قابل للزيادة والنقصان فنفيت عنه قبول ثبوت هذين الأمرين ولم تنف عنه إمكان النقيضين من ثبوت ذلك ونفيه بخلاف ما ذكرته في

ص: 579

نفي النهاية فإنك نفيت ما يستلزم الوصف بالنهاية وعدمها وإذا كان كذلك كان ظاهر القول أن معنى هذا اللفظ أن له قدرًا خاصًّا لكنه لا يقبل الزيادة والنقصان وهذا تصريح قول منازعيه الذين سماهم مجسمة وذلك مع دلالته على التناقض فإنه يقتضي أن يكون هذا المعنى لازمًا لهذا الاسم بطريق المجاز كما هو لازم له بطريق الحقيقة وأنه لا يمكن رفع دلالة هذا الاسم على هذا المعنى الوجه الرابع والعشرون أن كونه غير قابل للزيادة والنقصان إن لم يكن ظاهره إثبات القدر مع نفي الزيادة والنقصان فأحسن أحواله أن يكون مجملا محتملا لهذا ولنفي القدر المستلزم عدم اتصافه بالنقيضين وإذا كان ما فسر به الاسم مجملا يحتمل قوله وقول منازعيه وقد ذكر أنه المجاز الذي يمكن حمل هذا الاسم عليه عُلم أن الاسم لا ينفي قول منازعيه على تقدير حمله على المجاز بل يحتمله مع أن حقيقته ظاهرة فيه وإذا كان قول منازعيه هو حقيقة اللفظ ومجاز اللفظ يحتملـ ـه كما يحتمل قول المدعي كان دلالة الاسم على قول منازعيه هو الذي يجب حمله عليه

ص: 580

الوجه الخامس والعشرون أن يقال هب أنك صرحت بأن مجاز الاسم هو كونه لا قدر له وإذا لم يكن له قدر فلا يجوز وصفه بالزيادة والنقص ولا يجوز وصفه بعدم الزيادة والنقص فإن كون الشيء يزيد وينقص أو لا يزيد ولا ينقص فرع كونه ذا قدر فما لا قدر له لا يقبل الوصف بالزيادة والنقصان ولا الوصف بأنه لا يزيد ولا ينقص كالمعدوم لا يقال فيه إنه يزيد وينقص ولا يقال فيه إنه لا يزيد ولا ينقص وقد بسطنا هذا في الوصف بالنهاية وعدمها وإذا كان كذلك فعدم قبول الوصف بثبوت ذلك ونفيه لا يكون صفة إلَاّ للمعدوم لا يكون صفة للموجود كما بينا هذا فيما تقدم فإن المعدوم لا يقبل الاتصاف بالصفات المتقابلة فلا يقال فيه عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولا يزيد ولا ينقص ولا لا يزيد ولا لا ينقص

ص: 581

فأما كون الشيء غير موصوف بالزيادة والنقصان ولا بعدم ذلك وهو موجود وليس بذي قدر فهذا لا يعقل ومما يوضح هذا أنه ينبغي الفرق بين قولنا هذا لا يوصف بأنه يزيد وينقص ولا بأنه لا يزيد ولا ينقص فأمَّا الأول فلا يقال إلَاّ فيما له قدر يُعقل أن يزيد وأن ينقص فأما ما لا قدر له فلا تعقل فيه الزيادة والنقص حتى يُنفى ذلك عنه يبين هذا أن الحكم على الشيء فرع تصوره فكما لا يمكن نفيه حتى يُتصور فإذا قيل هذا يقبل الزيادة والنقص أو لا يقبل ذلك أو هذا يزيد وينقص أو لا يزيد ولا ينقص كان الحكم بالثبوت أو النفي فرع تصور الزيادة والنقص فيه فيمتنع نفي ذلك عنه أو نفي قبول ذلك له إلَاّ بمعنى أن حقيقته يعقل بثبوت هذا الوصف لها نفيًا أو إثباتًا وكون حقيقته بحيث لا يعقل ثبوت الوصف لها إثباتا

ص: 582

أو نفيًا إنما ينطبق على المعدوم الوجه السادس والعشرون أن ما ذكره مضمونه أن معنى الصمد هو الذي لا يقبل الزيادة والنقصان وهذا تفسير ما علمنا أن أحدًا فسر به الصمد الوجه السابع والعشرون قوله وذلك لأن الجسم الذي يكون هذا شأنه مبرأ عن الانفصال والتباين عن الغير وهو سبحانه واجب الوجود لذاته وذلك يقتضي أن يكون غير قابل للزيادة والنقصان يقال له نفي الزيادة والنقص عنه ليس بأعظم من نفي الانفصال والتباين عن الغير إذ كل ما يُقال في هذا يقال في هذا الوجه الثامن والعشرون قوله وهو سبحانه واجب الوجود لذاته وذلك يقتضي أن يكون غير قابل للزيادة والنقصان يقال له اقتضاؤه لهذا كاقتضائه لعدم الانفصال ولعدم الدخول والخروج ولا فرق

ص: 583

الوجه التاسع والعشرون انه لم يذكر دليلاً على أن وجوب الوجود ينافي قبول الزيادة والنقصان بل أبدله شاهدًا من حججه العقلية الوجه الثلاثون قوله واحتج قوم من المشبهة بهذه الآية في إثبات أنه تعالى جسم وهذا باطل لأنا قد بينا أن كون أحدًا ينافي كونه جسمًا فمقدمة هذه الآية دالة على أنه لا يمكن أن يكون المراد من الصمد هذا المعنى ولأن الصمد بهذا التفسير صفة للأجسام الغليظة وتعالى الله عن ذلك يقال له هذا من باب المعارضة لم تنف دلالتهم ولكن ادعيت أن ذلك معارض بما في السورة من نفي ذلك ولم تبين أن هذه الصمدية منتفية عنه والشيء لا يجوز نفي دلالته لمجرد دعوى المعارضة إلَاّ إذا تبين أن دلالة المعارضة أقوى وأنت لم تبين هذا

ص: 584

الوجه الحادي والثلاثون أن يقال قد تقدم أن الاسم الأحد أو الصمد لا يدل على ما ادعاه بوجه من الوجوه حتى ظهر بطلان ما قاله بطريق الضرورة المعلومة من لغة العرب وتفسير القرآن فبطلت المعارضة الوجه الثاني والثلاثون هب أن ما ذكرته دال على ما ذكروه دال فينبغي النظر في الدلالتين إذ هو يقولون السورة دلت على ثبوت قولنا فينتفي قولك وأنت تعكس ذلك فإذا صحت الدلالتان فإنه ينبغي الترجيح ومن المعلوم أن تفسير الصمد بأنه الذي لا جوف له هو مما تواتر نقله عن الصحابة والتابعين وشهدت له اللغة وروي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما كون الجسم لا يوصف بأنه أحد أو واحد فأمر لم يقله أحد يُعتمد عليه بل نص القرآن ينفيه كما ذكرناه فيما تقدم مثل قوله تعالى وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء 11] وقوله أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ [البقرة 266]

ص: 585

وقوله وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ [النحل 76] وإذا كان كذلك كان دلالة المنازع ثابتة بتفسير السلف ودلالة اللغة وبهذين الطريقين يثبت التفسير وتفسيره لم يقله أحد من المفسرين ولا من أهل اللغة بل لغة القرآن وغيره صريحة في نفي تلك الدلالة الوجع الثالث والثلاثون قوله لأن الصمد بهذا التفسير صفة الأجسام الغليظة يقال له الوصف بكون الشيء صمدًا ومصمتًا لا يوجب غلظه ولا رقته فإن من الأشياء الرقيقة ما يكون مصمتًا مثل بعض الزجاج والبلور وغير ذلك الوجه الرابع والثلاثون أن كون اللفظ يدل على الغلظ في اللغة لا يمنع دخوله في أسماء الله تعالى فإنه قال تعالى إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)[الذاريات 58] فسمى نفسه المتين والمتين في دلالته على الغلظ أقوى من الصمد الوجه الخامس والثلاثون قوله وتعالى الله عن

ص: 586

ذلك فلا ريب أنه يتعالى عن أن يكون مثلاً للأجسام الغليظة كما أنه يتعالى عن مماثلة الأجسام الرقيقة فتخصيص أحدهما بتعالي الله عنه يقتضي أنه غير متعالٍ عن الآخر وأن له في ذلك اختصاصًا وهذا باطل الوجه السادس والثلاثون إن الأجسام الغليظة أقوى وأصلب من الأجسام الرقيقة وهي أقرب إلى صفة الكمال فتنزيه الرب عن الأكمل دون الأنقص قلب للحق الوجه السابع والثلاثون أن وصفه بأنه متين وأنه صمد وإن تضمن معنى الغلظ والقوة فإنه يثبت لله تعالى على الوجه الذي يليق به لا يثبت له ما يختص بالمخلوق في سائر أسمائه وصفاته مثل الرحيم والصبور والقدير وسائر أسمائه وصفاته إذ هو في جميع أسمائه لا يتصف بما يختص بالمخلوق بل كل كمال في المخلوق فإنه يثبت له ما هو أكمل منه وكل نقص فإنه أحق بالتنزيه منه من كل مخلوق

ص: 587

وهذا الذي ذكره المؤسس في احتجاج المشبهة باسمه الصمد بأنه الذي لا جوف له على قولهم بأنه جسم هو من الحجج المشهورة في كلام المتقدمين والمتأخرين ونفاة الجسم ومثبتته كانوا يجعلون ذلك من حجج المثبتة كما ذكره المؤسس ثم منهم من ينفي هذا التفسير ولا يذكر في تفسير الصمد إلَاّ أنه السيد فقط كما فعل أبو حامد في شرحه

ص: 588

للأسماء الحسنى ومنهم من يذكر القولين ويرجح تفسيره بأنه السيد إما لاعتقاده أن ذلك هو الموافق للغة أو لنفي ذلك المعنى كما رجح الخطابي أن الصمد الذي يُصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج والنوازل وأصل الصمد القصد يقال للرجل اصمد صمد فلان أي اقصد قصده قال الخطابي وأصح ما قيل فيه ما يشهد له الاشتقاق وذكر أبو بكر ابن الأنباريّ في كتاب الزاهر أنّ هذا قول أهل اللّغة أجمعين وقال القشيريّ في شرح الأسماء هو

ص: 589

الصحيح قلت دعوى المدّعي أنّ هذا التفسير هو الموافق للّغة والاشتقاق دون الأوّل قالوه بمبلغ علمهم لمّا سمعوا الأبيات المنشدة والذي قالوه باطل قطعًا بل تفسير الصّمد يقتضي الاجتماع وعدم التَّفرُّق في ذاته وكونه لا جوف له أو لى باللغة والاشتقاق من كونه صمدًا في صفاته أي حليمًا أو معطيًا بحيث يُعطي النّاس حتّى يصمدوا إليه لأنّ أصل الصّمد الاجتماع كما تقدم فثبوت هذا المعنى في ذات المسمّى أولى من ثبوته في صفاته وأيضًا فإنّ كل ما يذكر من ثبوت معنى الصّمد في صفاته أو أفعاله وأفعال الخلق معه فهو مستلزم ثبوت المعنى في ذاته أيضًا وإن كان ثبوت المعنى في ذاته يستلزم ثبوت صفاته فالتلازم ثابت من الطرفين لكن جهة الذّات مُقدَّمة على غيرها ثم كيف يقال عكس غيره وهذا هو التفسير الثابت عن أئمة الصحابة والتابعين بالنقل المتواتر الذي نقله أئمة الأمّة

ص: 590

وهذا وإن كان قد قالوه فقد قالوه على قلة ليس قولهم في الكثرة قوّة مثل هذا فكيف يكون ما تواتر عن العالِمين بتفسير القرآن وأسماء الله تعالى العالِمين بلغة العرب أبعد في لغة العرب من ذاك هذا لا يقوله من يُقدِّر قدر السَّلف ثم كيف إذا كان هذا التفسير هو المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّا احتجاج المشبهة للجسم به فمن المشهور عند المتكلمين حتّى ذكره أبو الحسن الأشعري في مقالات مثبتة الجسم وهذا ما نقله الأشعري في كتاب المقالات فقال وقال داود الجواربيّ ومقاتل بن سليمان إنَّ الله جسم وإنّه جثَّة على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين وهو مع

ص: 591

ذلك لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره قال وحكي عن داود الجواربي أنّه كان يقول عن الباري إنّه أجوف من فيه إلى صدره ومُصمت ما سوى ذلك قال الشعري وكثير من النّاس يقولون هو مصمت ويتأولون قول الله الصمد المصمت الّذي ليس بأجوف وأمَّا الأئمة كالفُضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما كانوا إذا ذُكر لفظ الجسم وما يشبه ذلك قرأوا هذه الآية كما قال الإمام أحمد لمّا ذكر له أبو عيسى برغوث أمر الجسم فلم يجبهم أحمد على إثباته ولا إلى نفيه ثم قال اعلم أنّه أحد صمد لم يلد ولم يولد

ص: 592

ولم يكن له كفوًا أحد وما علمت من متقدمي أهل الكلام ولا من غيرهم من جعل تفسير الصّمد بذلك يستدل به على نفي الجسم لكن من المتأخّرين طائفة ذكرت ذلك حتّى صار تفسيره بذلك مشترك الدلالة قال الزجاجي لمّا ذكر التفسير بأنّه الذي لا جوف له قال فكأنّه ذهب إلى نفي التجسيم والتحديد عنه جل وعزّ فتكون الدال على هذا التقدير مبدلة من تاء في تقدير العربيَّة وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ الصّمد

ص: 593

المصمد الذي هو شيء واحد لقرب صمد من صمت فإنّ الصّمد القصد ويقال نبّه على صمات ذلك أيْ على قصده لأنّ التاء والدّال حرفا بدل يبدل كل واحد منهما من الآخر وقال ابن الحصّار الصّمد الذي لا يتبعّض وكنّى عنه المفسّرون وأهل اللّغة الّذي لا جوف له وإنّما هو معنى نفي التركيب وعدم التبعيض مطلقًا وقد تقدم أنَّ التركيب يكون باجتماع الجواهر وقد يكون باعتبار اجتماع

ص: 594

الجوهر والعرض فإنّه مركّب يلحقه العدد ليتميّز كل واحد منهما عن الآخر بخاصّة أو زمان والتركيب أيضًا يعتبر في الأنواع والأجناس والصمدية مُشعرة بنفي ذلك كله قلت أمّا استدلال المجسِّمة الذين يقولون إنَّ الله لحم ودم وعظم ونحو ذلك أو الذين يجعلون البارئ من جنس شيء من الأجسام المخلوقة بهذا الاسم فباطل لوجوه أحدها أنّ اللفظ لا يدل على ذلك بشيء من تفاسيره فإن كونه لا جوف له أو كونه مصمتًا أو غير ذلك لا يقتضي أن يكون من جنس شيء من المخلوقات أصلاً فضلاً عن أن يقال إنه لحم ودم وعظم كالحيوان الثاني أن الملائكة موصوفة بأنها صمد والجسام المصمتة موصوفة بأنها صُمد وليست لحمًا ودمًا فكيف يقال إن البارئ إذا وصف بأنه صمد لا جوف له يقتضي ذلك

ص: 595

الثالث أن سبب نزول هذه الآية سؤال من سأل عن الرب تعالى أهو من ذهب أو فضة أو من كذا فأنزل الله تعالى هذه الآية بين فيها أنه ليس من جنس شيء من المخلوقات الرابع أنه أخبر في هذه السورة بأنه أحد وأنه ليس له كفوا أحد وهذا يمنع أن يكون من جنس شيء من المخلوقات الخامس أنه أخبر في السورة بأنه الصمد ولم يقل إنه صمد إذ كل ما سواه يجوز عليه التفرق والتبعيض وهو الصمد الذي لا يجوز عليه أن يتبعض ويتفرق بوجه من الوجوه وأما استدلال هؤلاء المتأخرين بذلك على نفي الجسم والحد فباطل أيضًا بل هو قلب لـ ـلدلالة فإن كون الموصوف مصمتًا لا يمنع أن يكون جسمًا أو محدودًا كسائر ما وصف بأنه صمد فإن الملائكة توصف بأنها صمد وكذلك الأجسام المصمتة فكيف يقال إن كونه صمدًا أو مصمتًا ولا جوف له ينافي أن يكون جسمًا محدودًا هذا قلب اللغة وتبديلها

ص: 596

وأما قول القائل إن الصمد المصمت الذي هو شيء واحد فهذا يقوله المثبت ويقوله النافي فإن كونه لا يتبعض مُجمل يراد به أنه لا ينفصل منه شيء وهو التفسير المأثور عن السلف ويراد به الذي لا يُعلم منه شيء دون شيء وهو مراد نفاة الجسم وكذلك نفي التركيب مجمل يقوله المثبت والنافي فإن التركيب يراد به التركيب المعروف في اللغة وهو أن يكون قد ركب الشيء والشيء كما قال الله تعالى فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)[الانفطار 8] والله عز وجل مقدس عن أن يكون ركَّبه مركِّب أو أن تكون ذاته كانت أجزاء متفرقة فاجتمعت وتركبت ويراد بالتركيب أنه لا يُعلم منه شيء دون شيء فنفاة الصفات من الفلاسفة والمعتزلة يقولون ثبوت الوجه واليدين تركيب وهؤلاء يقولون ثبوت الوجه واليدين تركيب وعدد ومعلوم أن هذا الاسم لا ينفي هذا المعنى وإنما ينفي

ص: 597

الأول لأن الصمد يتضمن معنى الاجتماع وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه هو الصمد بصيغة الحصر ليبين أنه الكامل في الصمدية المستحق لها على الحقيقة والكمال دون غيره إذ كل ما سواه يقبل التفريق والتبعيض وهو سبحانه الصمد الذي يجب له ذلك ويمتنع عليه ضد ذلك من الافتراق وأما كون الصمد يتضمن معنى الاجتماع وأنه مصمت ونحو ذلك يقتضي تعدد الصفات إذ الاجتماع لا يكون إلَاّ فيما له عدد فلو لم يكن منه وله صفات تقتضي التعدد لامتنع أن يقال له صمد أو مصمت أو يكون التصمد يقتضي معنى الاجتماع فاسم الصمد بأي شيء فُسر يوجب وجود صفات واجتماعها له والدليل على ذلك أن غاية ما يفسرونه به من نفي الصفات أنه هو المصمود إليه كما قال القرطبي الخلق كلهم متوجهون إلى الله ومجتمعون بجملتهم في قضاء حوائجهم وطلبها من الله فهو الصمد على الإطلاق والقائم بسد مفاقر الخلق

ص: 598

فيقال كون الخلق يقصدونه ويسألونه هذا أمر حسي إذ القصد والسؤال قائم بهم فهو لا يستحق الاسم بمجرد فعل غيره بحيث لو قدر أنهم لم يسألوه لم يكن صمدًا بل لابد أن يقال هو المستحق لذلك في نفسه كما تقدم عن الحليمي وغيره وأيضًا فإن كونهم يقصدونه ويحتاجون إليه يقتضي أمرًا ثبوتيًّا في ذاته لأن الأمور العدمية تمتنع أن تكون مقصودة أو قاضية للحوائج فعلم أن كونه صمدًا بمعنى مقصود مصمود إليه يقتضي ثبوت أمور وجودية بها يستحق أن يكون صمدًا وبها أمكن أن يكون مقصودًا معطيًا وليس ذلك لـ ـمجرد موجود وإلَاّ لوجب أن يكون كل موجود هو الصمد ولا لمجرد أمر يتصف به المخلوق لأنه لو كان هو الصمد لمعنى يقوم بالمخلوق لكان المخلوق هو الصمد أيضًا وقد بينا أن قوله هو الصمد يبين أنه المستحق لهذا الاسم على الكمال والحقيقة وأيضًا فلو فرض أنه صمد وغيره

ص: 599

صمد فغيره لم يكن صمدًا إلَاّ بأمور وجودية أيضًا فهو أحق بأن لا يكون صمدًا إلَاّ بأمور وجودية لا عدمية إذ هو أحق بالكمال من كل موجود فعلم أن الصمدية توجب أمورًا وجودية على غاية الكمال ولهذا فسر الصمد بأنه الكامل في كل شيء كما قيل العظيم الذي كمل في عظمته والحليم الذي كمل في حلمه والغني الذي كمل في غناه والجبار الذي كمل في جبروته والعالم الذي كمل في علمه والحكيم الذي كمل في حكمته وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله تعالى هذه صفته التي لا تنبغي إلَاّ له وقد تقدم ذكر ذلك في تفسير الوالبي علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومعلوم أن هذه صفات متعددة ونفاة الصفات يسمون ذلك تركيبًا وأجزاء ويقولون إن البارئ منزه عن التركيب والأجزاء ونحو ذلك فعلم أن الاسم يدل على ثبوت ما ينفونه وكذلك من قال إنه لا يُرى بعضه دون بعض أو لا يحجب العباد عنه حُجُب ونحو ذلك لأن ذلك عنده تجسيم وتركيب

ص: 600

وتبعيض فهذا الاسم لا يدل على قوله بل ينفي قوله لأن قوله الصمد المصمت يقتضي الاجتماع الذي ينفيه هذا السالب وينفي جواز التفرق عليه وهذا السالب يقول لا يوصف باجتماع ولا افتراق والغير إن نفى الافتراق لم ينف الاجتماع الواجب له قال الرازي الفصل الخامس في لفظ اللقاء قال الله تعالى الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ [البقرة 46]

ص: 601