المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة ست وخمسين ومائتين: - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ١٩

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة ست وخمسين ومائتين:

‌أحداث سنة ستٍّ وخمسين ومائتين:

تُوُفّي فيها: الربيع بْن سُليمان الجيزيّ، والزُّبَير بْن بكّار، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبَّويْه المَرْوزِيّ الحافظ، وعبد اللَّه بْن محمد الزُّهْريّ المخرّميّ، وعلي بن المنذر الطريقي، وأبو عبد الله البخاريئ ليلة عَيد الفِطْر، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بْن عثمان بْن كرامة، والمهتدي بالله محمد بْن الواثق.

"مقتل صالح بْن وصيف":

"وفيها" قدِم الأمير مُوسَى بْن بُغَا وعبى جيشه ميمنةً وميسرة وشَهَرُوا السّلَاح، ودخلوا سامرّاء مجتمعين عَلَى قتل صالح بْن وصيف بدم المعتزّ، يقولون: قتل أمير المؤمنين المعتزّ، وأخذ أموال أمّه قبيحة وأموال الكُتّاب. وصاحت العامّة والغوغاء عَلَى ابن وصيف:"يا فرعون قد جاءك موسى". فطلب موسى من بُغَا الإذن عَلَى المهتدي بالله، فلم يؤذن لَهُ، فهجم بمن معه عَلَيْهِ وهو جالس فِي دار العدْل، فأقاموه وحملوه عَلَى فَرَس ضعيف، وانتهبوا القصر. فلمّا وصلوا إلى دار ناحور أدخلوا المهتدي إليها وهو يَقُولُ: يا مُوسَى اتقِ اللَّه، ويْحَك ما تريد؟ قَالَ لَهُ: والله ما نريد إلَا خيرًا.

ص: 9

وحَلَفَ لَهُ: لَا نالك سوء. ثمّ حَلَّفوه أن لَا يمالئ صالح بْن وصيف، فحلَف لهم. فبايعوه حينئذ.

ثمّ طلبوا صالحًا لكي يناظروه عَلَى أفعاله، فاختفى. ورُد المهتدي بالله إلى داره.

ثمّ قُتِل صالح بْن وصيف بعد شهرٍ شرَّ قتْلة.

"كتاب وصيف بْن صالح":

وفي أواخر المحرم من سنة ستٍّ وخمسين أظهر كتابٌ ذكر أن سِيما الشَّرابيّ زعم أنّ امرأةً جاءت بِهِ، وفيه نصيحة لأمير المؤمنين، وإنْ طلبتموني فأنا فِي مكان كذا. فلمّا وقف عَلَيْهِ المهتدي طلبها فِي المكان فلم يوجد لها أثر. فدعا مُوسَى بن بغا، وسليمان بن وهب، وفلحًا، وبايكباك، وناحور، ودفَع الكتاب إلى سُلَيْمَان فقال: أتعرف هذا الخط؟ قَالَ: نعم خطّ صالح بْن وصيف.

ثمّ قرأه عَلَيْهِم، وفيه يذكر أنّه مُسْتَخْفٍ بسامراء، وإنّما استتر خوفًا مِنَ الفِتَن. وأنّ الأموال كلها عَنْد الْحَسَن بْن مَخْلَد.

وكان كتابه يدلّ عَلَى قوة نفسه. فندب المهتدي إلى الصّلح، فاتهمه مُوسَى وذويه بأنّه يدري أين صالح. فكان بينهم فِي هذا كلَام. ثمّ مِنَ الغد تكلموا فِي خلْعه، فقال: بايكباك: ويْحَكُم، قتلتم ابن المتوكلّ وتريدون قتل هذا وهو مسلم ويصوم ويصلي ولا يشرب؟ والله لئِنْ فعلتم لأصيرنّ إلى خُراسان ولأشيعنّ أمركم هناك.

"كلَام المهتدي":

ثمّ خرج الَمهتدي إلى مجلسه وعليه ثياب بيض، مقلَّدًا سيفًا، ثمّ أمر بإدخالهم إِلَيْهِ، فقال: قد بلغني شأنكُم، ولست كمن تقدَّمني مثل المستعين والمعتز. والله ما خرجت إليكم إلَا وأنا متحنّط وقد أوصيت، وهذا سيفي، والله لأضربن بِهِ ما استمسكْتُ قائمته بيدي. أما دِين! أما حَيَاء! إمَا رِعة! كم يكون الخلَاف عَلَى الخلفاء والْجُرأة عَلَى اللَّه؟! ثمّ قَالَ: ما أعلم عِلم صالح.

قَالُوا: فاحِلفْ لنا.

قَالَ: إذا كَانَ يوم الجمعة، وصلَّيت الجمعة، حلفتٌ لكم. فرضوا وانفصلوا عَلَى هذا.

ص: 10

"ثورة العامّة والقوّاد عَلَى الأتراك":

ثمّ ورد إذْ ذاك مالٌ مِن فارس نحوٌ من عشرة آلاف ألف درهم، فانتشر فِي العامة أنّ الأتراك عَلَى خلْع المهتدي، فثار العامّة والقُوّاد، وكتبوا رقاعًا ألقوها فِي المساجد: يا معشر المسلمين، ادعوا لخيلفتكم العدْل الرّضا المضاهي1 لعمر بْن عَبْد العزيز أنْ ينصره اللَّه عَلَى عدوّه. وراسل أهل الكَرْخ والدُّور المهتدي بالله فِي الوثوب عَلَى مُوسَى بْن بُغَا والأتراك، فجزاهم خيرًا ووعدهم بالخير.

"اقتراب الزنج من البصرة":

وفيها تحول الزَّنج وقربوا مِنَ البصرة، وأخذوا مراكب كثيرة بأموالها؛ فتهبا سعَيِد الحاجب لحربهم.

"قتل بايكباك":

وفي أول جُمَادَى الآخرة رحل مُوسَى بْن بُغَا وبايكباك فِي طلب مساور. وكان المهتدي قد استمال بايكباك وجماعته مِن الأتراك، فكتب إلى بايكباك أنْ يقتل مُوسَى ومُفْلحًا أو يمسكهما، ويكون هُوَ الأمير عَلَى الأتراك كلهم. فأوقف بايكباك مُوسَى عَلَى كتابه وقال: إنيّ لست أفرح بهذا، وإنما هذا يعمل علينا كلنا. فأجمعوا عَلَى أنْ يسير بايكباك إلى سامرّاء، فإنّ المهتدي يطمئن إِلَيْهِ، ثمّ يقتله.

فسار إلى سامرّاء ودخل عَلَى المهتدي فغضب وقال: أمرتك أن تقتل مُوسَى ومفلح فَدَاهنْت.

قَالَ: كيف كنت أقدر عليها وجيشهما أعظم من جيشي، ولكن قَدْ قدِمت بجيشي ومن أطاعني لأنصُرك عليهما. فأمر المهتدي بأخذْ سلَاحه، فقال: أذهب إلى منزلي وأعود، فليس مثلي من يفعُل بِهِ هذا. فأخذ سلاحه وحبسه. ولمّا أبطأ خبره عَلَى أصحابه قال لهما أَحْمَد بْن خاقان الحاجب: اطلبوا صاحبكم قبل أنْ يفْرُط بِهِ أمرٌ. فأحاطوا بالْجَوْسق، فقال المهتدي لصالح بْن عَلِيّ بْن يعقوب بْن المنصور: ما ترى؟ فقال: قد كَانَ أَبُو مُسلْمِ أعظم شأنًا من هذا العبد، وأنت أشجع من المنصور، فاقتله.

1 المضاهي: المساوي أو المماثل.

ص: 11

فأمر بضرب عنقه، وألقى رأسه إليهم، فجاشوا، وأرسل المهتدي إلى الفَرَاغِنة، والمغاربة، والأشَّروسَنيّة، فجاءوا واقتتلوا، فقُتِل مِنَ الأتراك أربعة آلاف، وقيل: ألفان، وقيل: ألف فِي ثالث عشر رجب يوم السبت. وحجز بينهُمُ الليل، ثمّ أصبحوا على القتال ومعهم أخو بايكباك وحاجبه بْن خاقان فِي زُهاء عشرة آلاف.

"مقتل المهتدي":

وخرج المهتدي بالله ومعه صالح بْن عَلِيّ والمصحف فِي عُنقه، وهو يَقُولُ: أيُّها النّاس انصروا خليفتكم. وحمل عَلَيْهِ طغوبا أخو بايكباك في خمسمائة. فمال الأتراك الذين مَعَ الخليفة إلى طغوبا، والتحم الحرب، فانهزم جمْع الخليفة وكثُر فِيهِمُ القتْل، فولّى منهزمًا والسيف فِي يده، وهو ينادي: أيها الناس انصروا خليفتكم.

ثمّ دخل دار صالح بْن محمد بْن يزداد ورمى بسلَاحه ولبس البياض ليهرب مِنَ الأسطحة.

وجاء أَحْمَد حاجب بايكباك فأخبر بِهِ، فتبعه، فهرب، فرماه بعضهم بسهمٍ ونفجَه بالسيف، ثمّ حُمِل إلى أَحْمَد، فأركبوه بغلًا، وركبوا خلفه سائسًا، وأتوا به إلى دار أحمد بْن خاقان، وجعلوا يضربونه ويقولون: أَيْنَ الذَّهَب.

فأقرَّ لهم بستّمائة ألف دينار مودعة ببغداد، أودعها الكُرْجيّ. فأخذوا خطّه إلى خشف الواضحية المُغَنّية بستمائة ألف دينار، ودفعوه إلى رجلٍ، فعصر عَليْ خصيتيه فمات.

وقيل: كانت بِهِ طعنه فحملوه عَلَى بِرْذَون.

وقيل: أرادوه بدار أَحْمَد عَلِيّ الخلْع، فأبي واستسلم للقتل، فقتلوه.

"بيعة أَحْمَد بْن المتوكل":

وبايعوا أَحْمَد بْن المتوكل ولقّبوه المعتمد عَلَى اللَّه، وكنيته أَبُو الْعَبَّاس، وقيل: أَبُو جعْفَر، فِي سادس عشر رجب.

وقدِم مُوسَى بْن بُغَا إلى سامرّاء بعد أربعة أيام، وخمدت الفتنة، وكان المعتمد محبوسًا في الجوسق فأخرجوه.

ص: 12

"مقتل ابن بُغَا":

وقَتَلَ المهتدي مَعَ بايكباك أَبَا نصر محمد بْن بُغَا أخا مُوسَى.

"لهْوُ المعتمد وكراهية الناس لَهُ":

وضيّق المعتمد عَلَى عيِال المهتدي بالله، ثمّ استعمل المعتمد أخاه الموفق طلحة عَلَى المشرق، وصيّر أبنه جعفرًا ولي عهده، وولَاه مصر والمغرب، ولقّبه المفوض إلى اللَّه. وانهمك المعتمد فِي اللَّهْو واللذات، واشتغل عَنِ الرّعيّة، فكرهه النّاس وأحبوا أخاه طلحة.

"دخول الزّنج البصرة":

وفي العشرين من رجب دخلت الزَّنج البصرة، فقتلوا وفتكوا، وفعلوا بالأهواز والأُبلةَ أكثر مما فعلوا بالبصرة.

"ظهور الطالبيّ بالكوفة":

وفيها ظهر بالكوفة عَلِيّ بْن زيد الطالبيّ، فبعث إِلَيْهِ المعتمد جيشًا هزمهُمُ الطالبي.

"غلبة الطالبي على الري":

وفيها غلب الْحَسَن بْن زيد الطالبيّ عَلَى الرِّيّ، فجهز إليه المعتمد مُوسَى بْن بُغَا، وخرج معه مُشيِّعا لَهُ.

"الحجّ هذا الموسم":

وفيها حجّ بالنّاس محمد بْن أَحْمَد بْن عيسى بْن المنصور أَبِي جعْفَر الْعَبَّاسي.

"قتْلُ صالح بْن وصيف":

وأما صالح بْن وصيف، فكان قد استطال عَلَى الخلفاء وقتل المعتزّ، وأقام المهتدي، وحكم عَلَيْهِ، وذكرنا استتاره فِي أيّام المهتدي. قَالَ: فنادى عَلَيْهِ مُوسَى بْن بُغَا: من جاء بِهِ فله عشرة آلاف دينار. فلم يظفر به أحد.

ص: 13