المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة الطبعة الثانية - تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌مقدمة الطبعة الثانية

‌مقدمة الطبعة الثانية

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (1)( {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} (2){يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} (3)

(1) - سورة البقرة الآية 132

(2)

- سورة النساء الآية 1

(3)

- سورة الأحزاب الآية 70

ص: 3

أما بعد فقد كنت طبعت آخر سنة (1377) هجرية رسالة بعنوان " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " وكانت نسختي الخاصة من هذه الطبعة طيلة هذه المدة في متناول يدي كلما عثرت على فائدة زائدة تناسب موضوعها علقتها عليها رجاء ضمها إليها عند إعادة طبعها مزيدة ومنقحة وبذلك توفر عندي زيادات كثيرة هامة ولما طلب مني الأستاذ الافضل زهير الشاويش صاحب المكتب الاسلامي أن أقدمها إليه ليجدد طبعها افتقدتها فلم أجدها ولما يئست منها أرسلت إليه نسخة أخرى استعرتها من بعض أصحابي لتطبع كما هي على قاعدة: " ما لا يدرك كله لا يترك جله " وبينما كان أخي الاستاذ زهير الشاويش يعد العدة لطبعها إذ عثرت عليها بفضل الله تعالى وكرمه فبادرت بإرسالها إليه بعد تهذيبها وتهيئتها للطبعة الثانية

ولما كان لتأليف الرسالة المذكورة يؤمئذ ظروف خاصة وملابسات معينة اقتضت الحكمة أن يكون أسلوبها على خلاف البحث الهادئ والاستدلال الرصين ذلك أنها كانت ردا على أناس لم تعجبهم دعوتنا إلى الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح وخطة الأئمة الأربعة وغيرهم ممن اتبعوهم باحسان فبادؤونا بالتأليف والرد وليته كان ردا علميا هادئا إذن لقابلتهم بأحسن منه ولكنه لم يكن كذلك مع الأسف بل كان مجردا عن أي بحث علمي مملئا بالسباب والشتائم وابتكار التهم التي لم تسمع من قبل لذلك لم نر يؤمئذ أن من الحكمة السكوت عنهم وتركهم ينشرون رسائلهم بين الناس دون أن يكون لدى هؤلاء مؤلف يكشف القناع عما فيها من الجهل والتهم {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} (4) لذلك كان لا بد من الرد عليهم بأسمائهم

وعلى الرغم من أنني لم أقابل اعتداءهم وافتراءهم بالمثل فقد كانت الرسالة على طابعها العلمي ردا مباشر عليهم وقد يكون فيها شئ من القسوة أو الشدة في الأسلوب في رأي بعض الناس الذين يتظاهرون بامتعاظهم من الرد على المخالفين المفترين ويودون لو أنهم تركوا دون أن يحاسبوا على جهلهم وتهمتهم للأبرياء متوهمين أن السكوت عنهم هو من التسامح الذي قد يدخل في مثل قوله تعالى {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} (5) وينسون أو يتناسون أن ذلك مما يعينهم على الاستمرار على ضلالهم وإضلالهم للأخرين والله عزوجل يقول {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (6) وأي أثم وعدوان أشد من اتهام المسلم بما ليس فيه بل بخلاف ما هو عليه ولو أن بعض هؤلاء المتظاهرين بما ذكرنا أصابه من الاعتداء دون ما أصابنا لسارع إلى الرد ولسان حاله ينشد:

(4) - سورة الأنفال الآية 42

(2)

- سورة الفرقان الآية 63

(6)

- سورة المائدة الآية 2

ص: 4

ألا لا يجلهن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين

أقول على الرغم من ذلك: فإنني لأرى أن طبع الرسالة من جديد على وضعها السابق ليس من ورائه فائدة تذكر لذلك كان لابد من حذف بعض التعليقات وتعديل قليل من العبارات مما يهذب من أسلوبها ويتناسب مع طبعتها الجديدة ولا ينقص من قيمتها العلمية وبحوثها المهمة

وقد كنت ذكرت في مقدمة الطبعة الأولى أن موضوع الرسالة ينحصر في أمرين هامين جدا:

الأول: حكم بناء المساجد على القبور

الثاني: حكم الصلاة في هذه المساجد

وإني آثرت البحث فيهما لأن بعض الناس خاضوا فيهما بغيرعلم وقالوا ما لم يقله قبلهم عالم لا سيما وأكثر الناس لا معرفة عندهم فيه مطلقا فهم في غفلة عنه ساهون وللحق جاهلون ويدعمهم في ذلك سكوت العلماء عنهم إلا من شاء الله وقليل ما هم خوفا من العامة أو مداهنة لهم في سبيل الحفاظ على منزلتهم في صدورهم متناسين قول الله تبارك وتعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أؤلئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} (7) وقوله صلى الله عليه وسلم: " من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ". (8)

وكان من نتيجة هذا السكوت وذلك الجهل أن آل الأمر إلى ارتكاب كثير من الناس ما حرم الله تعالى ولعن فاعله كما سيأتي بيانه وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل صار بعضهم يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بذلك فترى كثيرا من محبي الخير وعمارة منهم ينفق أموالآ طائلة ليقيم لله مسجدا لكنه يعد فيه قبرا يوصي أن يدفن فيه بعد موته وآخر مثال أعرفه على ذلك وعسى أن يكون الأخير إن شاء الله هذا المسجد الذي هو في رأس شارع بغداد من الجهة الغربية بدمشق وهو المعروف ب " مسجد بعيرا " وفيه قبره وقد بلغنا أن الأوقاف مانعت في دفنه أول الأمر ثم لا ندري الأسباب الحقيقية التي حالت بينها وبين ما أرادت ودفن " بعيرا " في مسجده بل في قبلته وإنا لله وإنا إليه راجعون وهو المستعان على الخلاص من هذه المنكرات وأمثالها

(7) - سورة البقرة آية 159

(8)

- حديث حسن أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (296) والحاكم (1 / 102) وصححه ووافقه الذهبي

ص: 5

ومنذ أيام قليلة توفي أحد المفتين من الشافعية فأراد ذووه ان يدفنوه في مسجد من المساجد القديمة شرقي دمشق فمانعت الأوقاف أيضا في ذلك فلم يدفن فيه ونحن نشكر الأوقاف على هذه المواقف الطيبة وحرصها على منع الدفن في المساجد راجين الله تبارك وتعالى أن يكون الحامل لها على هذا المنع هو رضاء الله عزوجل واتباع شريعته ليس هو اعتبارات أخرى من سياسية أو اجتماعية أو غيرها وأن يكون ذلك بداية طيبة منها في سبيل تطهير المساجد من البدع والمنكرات المزدحمة فيها لا سيما ووزير الأوقاف فضيلة الشيخ الباقوري له مواقف كريمة في محاربة كثير من هذه المنكرات وخصوصا بناء المساجد على القبور وله في هذا الموضوع كلام مفيد سيأتي نقله في المكان المناسب إنشاء الله تعالى

ومن المؤسف لكل مؤمن حقا أن كثيرا من المساجد في البلاد السورية وغيرها لا تخلو من وجود قبر أو أكثر فيها كأن الله تبارك وتعالى أمر بذلك ولم يلعن فاعله فكم تحسن الأوقاف صنعا لو حاولت بحكمتها تطهير هذه المساجد منها

ولست أشك أن ليس من الحكمة في شئ مفاجأة الرأي العام بذلك بل لا بد من إعلامه قبل كل شئ أن القبر والمسجد لا يجتمعان في دين الإسلام كما قال بعض العلماء الأعلام على ما سياتي وأن اجتماعهما معا ينافي إخلاص التوحيد والعبادة لله تبارك وتعالى هذا الإخلاص الذي من أجل تحقيقه تبنى المساجد كما قال تعالى {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (9)

(9)

- سورة الجن آية 18

ص: 6

أعتقد أن بيان ذلك واجب لا مناص منه ولعلي اكون قد وفقت للقيام به في هذه الرسالة فقد جمعت فيها الأحاديث المتواترة في النهي عن ذلك وأتبعتها بذكر مذاهب العلماء وأقوالهم المعتبرة التي تدل على ذلك وتشهد في الوقت نفسه على أن الأئمة رضي الله عن هم كانوا أحرص على اتباع السنة ودعوة الناس إلى اتباعها والتحذير من مخالفتها ولكن صدق الله العظيم القائل: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} (10)

وهذه فصول الرسالة:

الفصل الأول: في أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

الفصل الثاني: في معنى اتخاذ القبور مساجد

الفصل الثالث: في أن اتخاذ القبور مساجد من الكبائر

الفصل الرابع: شبهات وجوابها

الفصل الخامس: في حكمة تحريم بناء المساجد على القبور

الفصل السادس: في كراهة الصلاة في المساجد المبنية على

القبور

الفصل السابع: في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا

المسجد النبوي

وفي تضاعيف هذه الفصول فصول اخرى فرعية تضمنت فوائد هامة نافعة إنشاء الله تعالى

وقد سميت الرسالة:

(تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)

ذلك ما كنت كتبت في مقدمة الطبعة الأولى

وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع المسلمين بهذه الطبعة أكثر من سابقتها وأن يتقبلها مني وسائر عملي الصالح قبولا حسنا ويجزي القائم على طبعها خيرا. دمشق في 23جمادى الأولى سنة 1392 هـ

(10) - سورة مريم آية 59

محمد ناصر الدين الألباني

ص: 7