الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
عرض مفصّل لموضوعات الكتاب
حقق الشيخ في هذا الكتاب الكلام على المسائل الثلاث: (الاجتهاد والتقليد، والسنة والبدعة، ومباحث من العقيدة).
* المسألة الأولى: في الاجتهاد والتقليد
بعد الخطبة وبيان مناسبة التأليف قدم له بمقدمة في بيان التكليف وما يتصل به، وذكر في أثنائها أن بقاء التكليف لما كان متوقفًا على بقاء الكتاب والسنة واللسان الذي وردا به، تكفَّل الله سبحانه وتعالى بذلك. بيَّن المؤلف طريقة حفظ القرآن والسنة واللغة، وأن بحفظها حصل حفظُ الدين، وقامت الحجة على العالمين.
ثم عقد فصلًا لبيان الدليل القطعي والظني، وأن الأحكام أيضًا على قسمين: قطعي وظني، وأحال للتفصيل إلى أصول الفقه، ثم عقد فصلًا لبيان حقيقة الظنّ، وحكم العمل بالدليل الظنّي، وما هو الظنّ الذي ذمّه الله سبحانه في القرآن الكريم، وأجاب عنه بجوابين: إجمالي وتفصيلي، بحيث تناول كل آية، وبيَّن معناها، وذكر الأدلة الموجبة للعمل بالظن بشرطه، ثم عقد فصلًا لبيان أن الله تعالى خلق بني آدم على الفطرة، وركَّب فيهم العقول، وأمدّهم بآلات توصلهم إلى المطلوب منهم من السمع والأبصار والأفئدة وغير ذلك من الحواس الظاهرة والباطنة. ثم أرسل إلى كل قوم رسولًا بلسانهم، وأرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق كافة وأنزل عليه الكتاب وأمدَّه مع ذلك بالسنة بيانًا للقرآن وإيضاحًا له، واختار له أصحابًا أمناء حفظ الله بهم كتابه وسنة نبيه. ثم فصَّل القول في طريقة تلقي الصحابة الأحكام عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان عوامُّ القرن الأول يستفتون العلماء ويعملون، وكيف كان
حالهم في زمن التابعين وأتباعهم ومن بعدهم.
ثم عقد فصلًا ذكر فيه أنه لما كان معرفة الدليل من الكتاب والسنة متوقفًا على العلم بهما، وجب أحد أمرين: إما أن تكون معرفة ذلك فرض عين على كلِّ مكلَّف، أو تكون فرض كفاية. وعليه فما هو فرضُ القاصر؟ أتقليد أحد المجتهدين أم غيره؟ ومن هنا ينشأ الكلام على المسألة الأولى في هذا الكتاب، وهي الاجتهاد والتقليد.
وطريقة المؤلف فيها ذكر حجج الفريقين غالبًا بقوله: «قال المقلدون» و «قال المانعون» ، ليطلع القارئ على ما أدلى به الفريقان، فيتيسر له الحكم بينهما.
بدأ المؤلف كلامه في الاجتهاد والتقليد بذكر أن تحصيل العلم مراتب:
1 -
تحصيل علوم اللسان العربي.
2 -
العلم بأصول الفقه.
3 -
العلم بالكتاب والسنة.
وفرض المجتهد هو الاجتهاد في كل ما يعرض له، وفرض من لم يحصّل المرتبة الثالثة سؤال المجتهد، فيتلو عليه المجتهد الآية أو يروي له الحديث، ويُخبره أنه قد اجتهد فلم يجد ما يعارض ذلك، ويفسّر للعامي أو الأعجمي الآية أو الحديث بلغته.
وعقد فصلًا بعنوان «سؤال المجتهد» بيَّن فيه كيف كان العمل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما بعد من القرون الثلاثة، ثم بدأ الحوار بين المقلدين
والمانعين، يذكر وجهة نظر كل طائفة وأدلتها، وأشار في أثنائه إلى نهي الأئمة الأربعة عن تقليدهم، وبيَّن أن إفتاءهم للناس على طريقة السلف من إجابة السائل بتلاوة الآية أو رواية الحديث وتفسير ذلك وبيان دلالته.
وذكر أجوبة المانعين عن خمسة أسئلة للمقلدين، وهي:
(1)
أأنتم أعلم أم الأئمة الأربعة، فإن قلتم: هم أعلم، فكيف يسوغ لكم مخالفتُهم؟
(2)
أأنتم أعلم أم الأئمة الذين جاءوا بعدهم مقلِّدين لهم؟ فإن قلتم: هم أعلم، فلِمَ لا تقلِّدون كما قلَّدوا؟
(3)
ما تعتقدون في المقلِّدين من علماء وغيرِهم وهم جمهور الأمة، أهم على حقّ أم على ضلالة؟
(4)
ما تعتقدون في مشايخكم الذين أخذتم عنهم العلم ومشايخهم وهلمَّ جرًّا؟
(5)
ما تعتقدون في مؤلفي هذه الكتب التي تأخذون عنها العلم.
وبالرد على هذه الأسئلة بتفصيل من قبل المانعِين تنتهي المسألة الأولى المتعلقة بالاجتهاد والتقليد.
* المسألة الثانية: السنة والبدعة
كتب المؤلف تمهيدًا في نحو عشرين صفحة، ذكر فيه أولًا معنى السنة والبدعة والمحدثة لغةً واصطلاحًا وشرعًا، وقرر أن كل فعل من الأفعال إما أن يكون موافقًا للكتاب والسنة وإما أن يكون مخالفًا. ولا واسطة بينهما. والموافق ما دلَّ على موافقته دليلٌ معتبر منهما، فهو من السنة، والمخالف ما
دلَّ على مخالفته دليلٌ منهما، فإن كان موجودًا من أول الإسلام فهو حرام أو مكروه ولا يُسمَّى بدعة ولا محدثة، وإن لم يكن موجودًا من أول الإسلام بل حدثَ بعد ذلك فهو محدثة بدعة.
وليس المراد بقوله: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} أن يكون كل شيء بنص خاص، وإنما المراد أنه ما من شيء إلّا وحكم الله فيه مبيَّن في كتابه، إن لم يكن بالمطابقة فبالتضمن أو الالتزام أو المفهوم. ثم ذكر المؤلف أمثلة لذلك في المأمورات والمباحات والوسائل. وتكلم على معنى حديث «الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات» ، فإن ظاهره إثبات الواسطة. وردّ عليه بأن المشتبهات ما تعارضت فيه دليلا الحل والحرمة، فإنه عند من لم يظهر له الترجيح ــ وهم كثير من الناس ــ مشتبه، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم بأن يُعمل فيه ما يقتضي الاحتياط، مع أنه في نفس الأمر إما حلال وإما حرام. فالحديث دليل على عدم الواسطة عند التأمل.
ثم إن الأشياء الحادثة بعد عصر النبوة نوعان:
الأول: ما كان فيما يتعلق بمصالح الدنيا مما لا يضر بالدين، فهذا جائز لدخوله تحت عمومات الإباحة، فليس بدعة في الشرع ولا محدثة، لموافقته للشرع.
الثاني: ما كان فيما يتعلق بالأمور الدينية خاصةً، فهذا على قسمين: وسائل ومقاصد. فأما الوسائل فإنه يجوز العمل بما أُحدِث منها بشرط تعذُّر أو تعسُّر الوفاء بمقصدها الديني بوسيلته التي كان العمل عليها في عهده صلى الله عليه وسلم. ومن هذا إجماع الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحد. وأما المقاصد فالمحدث منه كلُّه بدعة ضلالة، وليس منه صلاة التراويح كما يظن
بعضهم، فإنها من السنة. وقد أطال الكلام في بيان ذلك.
ثم ذكر أن اختراع قواعد اللغة العربية صالح لأن يكون من النوع الأول، فإن الناس محتاجون إلى اللغة في أمور دنياهم، وأن يكون من النوع الثاني، فإن الدين محتاج إلى معرفة اللغة، وعلى هذا فهو من الوسائل.
وفي ضوء ما ذكر شرح معنى الحديث المشهور: «من سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرها
…
»، وبيَّن أن المراد بالسنة فيه معناها اللغوي، أي من عَمِل في الإسلام عملًا حسنًا يتبعه فيه الناس، كما يدل عليه سبب الحديث. ثم ذكر أمثلةً من المخالف الموجود من أول الإسلام: شرب الخمر ودعوى الجاهلية والنياحة، وبيَّن أن من المخالف المبتدع غلوُّ بعض الفرق بالخوض في آيات الصفات إلى صريح التشبيه، أو تأويل ما ورد في الكتاب والسنة منها، وردَّ على من يرى ضرورة الخوض في علم الكلام لإبطال شبه المبتدعة، ويجعله من القسم الأول من النوع الثاني مثل جمع القرآن ونحوه. وقرَّر أن جميع البلايا التي فرَّقت أهل الإسلام ومزَّقت شملهم ناشئة عن سببين:
أحدهما: الخوض في آيات الصفات وأحاديثها، والرغبة في إدخالها تحت القوانين الفلسفية.
والثاني: إحياء ما أماته الدين من العصبيات القومية.
وقد حرص الشارع على بقاء دين الإسلام دينًا واحدًا لا اختلاف ولا افتراق فيه، ولما كان الاختلاف في الدين قد يكون في الأصول وقد يكون في الفروع، جاء الشرع بمنع الخوض في الأصول، بل ما كان منها ظاهرًا فأمره واضح، وما كان بخلاف ذلك فالواجب الإيمان به فقط دون الخوض
فيه. وقد أورد المؤلف الآيات والأحاديث والآثار الواردة في ذلك، وذكر أن الأشعري رجع عن الخوض فيه إلى مذهب السلف، وكذا غيره من أكابر المتكلمين. ولكن بعدما تمزَّقت الجامعة الإسلامية سلكت كل فرقة مذهبًا، وحصل الاختلاف الذي ورد النهي عنه، والتنازع والفشل الذي حذَّر الله ورسوله منه.
أما الفروع فقد جاء الإسلام فيها بما يمنع الاختلاف، وهو ردُّ ما اختُلف فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله، ولكن البلاء دخل على المسلمين من هذه الجهة أيضًا، بحملهم على تقيُّد كل فرقة منهم بمذهب مخصوص، مع الإعراض عن أدلة الحق ونصوصه من الكتاب والسنة، وآل بهم الأمر إلى العصبية المنهي عنها، فصار كلُّ أحد يتعصب للمذهب الذي ينتمي إليه ويقدح فيما عداه. وهكذا تجزأت العصبية الدينية.
وبعد هذا التمهيد الذي قرَّر فيه معنى السنة والبدعة حدد ستة مباحث تتعلق بمسائل من العقيدة والتوحيد تكلم فيها عن حكم هذه المسائل بالدليل والحجة وما يجوز منها وما لا يجوز، وناقش المخالفين وفنَّد أدلتهم وشبهاتهم.
البحث الأول: البناء على القبور
لم يصلنا من هذا البحث إلا مسوّدته، وهذا ظاهر من خلال سياق المؤلف للأحاديث بأسانيدها ــ على خلاف عادته ــ. وأيضًا نقص المادة العلمية في البحث، فأكثر البحث في سرد الروايات وتلخيصها. وقد تكلم المؤلف على هذه المسألة في مؤلَّف مفرد حافل سماه «عمارة القبور في الإسلام» وهو مطبوع ضمن هذه الموسوعة، فليراجع.
البحث الثاني: اتخاذ القبور مساجد أو اتخاذ المساجد على القبور
كتب المؤلف صدر هذا البحث عدة مرات رجّحنا أن ما أثبتناه هو أكملها وآخرها.
فذكر أولًا حجة من يجيز البناء من القرآن وهو استدلالهم بقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21]، ثم أجاب عن هذا الاستدلال من أوجه عديدة سواء على المنع من التسليم بالاستدلال أو بالتسليم.
ثم نظر المؤلف إلى السنة فذكر الأحاديث الواردة في المنع من ذلك، فذكر جملة صالحة منها عن عدد من الصحابة، وأن فيها الكفاية لمن هداه الله. ثم ذكر وجه الدلالة منها على المسألة، ثم ذكر اعتراضًا وأجاب عليه.
ثم عنون بقوله «تنبيهات» ، فذكر تنبيهين يتعلقان بالاستدلال بالآية، والثالث كلام لابن حجر الهيتمي في عدّ الشافعية البناء على القبور من الكبائر.
ثم نقل نصًّا عن يحيى بن حمزة من أئمة الزيدية يجيز فيه بناء القباب والمشاهد على قبور الفضلاء والملوك
…
مع الجواب عليه. والنص والجواب ذكرهما العلامة الشوكاني في رسالته «شرح الصدور» كما بينَّا في التعليق.
وختم المؤلف البحث بنص لابن القيم من «زاد المعاد» في البناء على القبور وتحريمه
…
ثم عنون بـ «تتمّة» ذكر فيها الجمع بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البناء على قبره، وبين إدخال قبره الشريف في المسجد وهل هو من البناء عليه؟
البحث الثالث: زيارة القبور
ذكر أولًا ما يُحتجّ به في المسألة من القرآن مع نقاش الاستدلال به، ثم ذكر ما يحتج به من السنة على المسألة، فذكر أحاديث الباب المتعلقة بزيارة القبور. ثم ذكر عدة فروع في المسألة وهي:
1 -
علة النهي أولًا.
2 -
الحكمة من استحباب زيارة القبور.
3 -
في النساء هل يزرن القبور؟
4 -
هل تُزار قبور الكفار؟
5 -
كيفية الزيارة.
ثم عقد فصلًا في زيارة قبور الأنبياء والصالحين. فذكر أن الأصل مشروعية زيارة القبور عامة للأنبياء والصالحين وسائر المسلمين وإنما النزاع في شيئين:
1 -
في شدّ الرحال.
2 -
الغرض المقصود من الزيارة.
فذكر المسألة الأولى، وناقش دليلها المشهور «لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
…
» ووجه الدلالة منه، والتحقيق في مسألة شدّ الرحال والمقصود منها. ثم خلص إلى مسألة الغرض من زيارة القبور، وهي المسألة الثانية، وعقد فيها مناظرة بين المانعين من شدّ الرحل لزيارة قبور الأنبياء والصالحين وبين المجيزين لها بناءً على استدلالهم بخصوصية زيارة قبور الأنبياء والصالحين على غيرها من القبور، وأطال وأطاب في المناظرة بين
الفريقين، وخلص إلى المنع منها.
البحث الرابع: التبرك
بدأ هذا البحث بتمهيد قرر فيه أن كل عاقل يعلم أن النفع والضر بيد الله تعالى، ومن اعتقد في غيره قدرةً مستقلّة على النفع والضر فذلك هو الكفر. وأن هذا مما لا خلاف بين المسلمين فيه. ثم قرر أن المقاصد الدينية (التي يراد بها رضوان الله تعالى) والمقاصد الدنيوية التي لا يقدر عليها إلا الله، أو تتناولها قدرة البشر بالأسباب العادية وأريد تحصيلها بغيرها= كل ذلك لا يكون سببه إلا شرعيًّا، أي يفتقر ثبوته في الشرع إلى دليل معتبر.
وإذا تقرر ذلك فالتبرك هو التسبُّب لحصول البركة، والمقصود به أحد الأمور الثلاثة السالفة، فثبوته مفتقر إلى دليل معتبر من الشرع.
ثم ذكر بعض ما ثبتت بركتُه بالأدلة الشرعية؛ فذكر بركة ماء زمزم، وبركة القرآن الكريم والأدعية الشرعية، ثم خلص إلى الحديث عن الرقى وحكمها، ثم تكلم على التمائم والتِّوَلة وحكمها.
ثم عاد إلى ذكر ما ثبت التبرك به، فذكر التبرّك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وأدلته وأطال فيها، ثم ذكر الاختلاف في حكم التبرّك بوضع اليد على منبره صلى الله عليه وسلم.
ثم عقد مسألة هي معقد هذا البحث، وهي: هل للمسلمين أن يتبركوا بصلحائهم كما يتبرّك الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم استنادًا إلى تلك الأحاديث؟ فتكلم في المسألة في عشرين صفحة (ص 239 - 259) وجعلها على هيئة مناظرة بين المجيزين والمانعين، وجعل محور البحث والمناظرة في بيان الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصالحين والأولياء، فقياسهم التبرّك عليه لا يصح
مع الفارق، وكذلك قياس ذريته عليه لا يصح مع الأدلة على ذلك، ودفع الاعتراضات التي أوردها المجيزون.
ثم عنون بـ «خاتمة» ذكر فيها أنه رأى في بعض الكتب بحثًا في فضل العلم والشرف أيهما أعظم
…
؟ فذكر كلامه وناقشه فيه، واختار أن العلم هو الأفضل.
ثم ذكر ما بقي من أقسام التبرك، فذكر مسألة التبرك بالقبور والمشاهد وما بُني عليها، واختار التحريم، وذكر أدلة ذلك وفصَّل فيها بما لا مزيد عليه.
البحث الخامس: التوسُّل
ذكر معنى التوسّل، وقرّر أنه لا يُتقرَّب إلا بشيء قد أقرّه الشرع، أما التقرّب إليه بسؤاله والإقسام عليه بحق شيء من الأشياء فهو على أقسام، فذكر ثلاثة أقسام وحكم كل قسم منها.
ثم ذكر حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم بعض أصحابه أن يدعو فيقول: «اللهم إني أسألك وأتوسّل إليك بنبيك نبي الرحمة
…
»، وذكر من استدل به على جواز التوسّل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته، وذكر حديث: «اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك
…
». فتكلم على الحديثين من حيث الثبوت، ورجَّح ضعفهما وعدم الاحتجاج بهما، وأجاب عن اعتراضات المجيزين ــ بعد أن تبسّط في عرضها ــ على تضعيف الحديث والاستدلال به.
ثم عنون بـ «فصل» صدّره بأن المجيزين للتوسل المتعارَف لم يثبت لهم دليل صريح في ذلك، وذكر بعض حججهم وأجاب عنها
…
ثم ختم البحث بقوله: «والذي أختاره لنفسي: أن أُكْثِر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوّل الدعاء وأثنائه وآخره، وأتتبّع الأدعية الواردة في الكتاب والسنة
والإرشادات التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آداب الدعاء، وأكتفي بالترضِّي والترحُّم والاستغفار للعلماء والصالحين، وأدَعُ التوسُّل عملًا بحديث الحسن السبط رضي الله عنه:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث الحسن السِّبط رضي الله عنه، وما في معناه من الأحاديث.
وأرجو أن تكون هذه الطريقة هي الأسلم؛ لأني على يقين أنه لو ثبت التوسّل المتعارَف ثم تركه إنسانٌ لم يكن عليه إثم؛ إذ لا قائل بوجوبه، فكيف والحال أنه لم يثبت؟ فتَرْكه بنيّة الإحجام عما لم يطمئنّ القلبُ بثبوته مما أرجو أن يأجرني الله تعالى عليه.
فمن أحبّ السلامة فهذا سبيلها، ومَن أقْدَم على التوسُّل فهو وما تولّى، ولا أقطع بخطئه ولا ضلاله، بل أرجو له التوفيق والهداية إن شاء الله تعالى».
وهنا انتهى الكلام على البحوث الخمسة التي عنون لها.
وقد أتبعنا هذه البحوث الخمسة بحثًا في حكم اتخاذ ليلتي المولد والمعراج عيدًا، لم يتحرّر لنا مكانه في الكتاب ولم يعنونه المؤلف بعنوان، فرأينا أن هذا الموضع هو اللائق بسياق موضوعاته.
وقد بدأه بقوله: «قال المانعون: ومن المحدَث اتخاذ ليلتي المولد والمعراج عيدًا» ، ثم ذكر أول مَن أحدث ذلك، ثم بدأ البحث ــ كما سبق في البحوث السالفة ــ على شكل مناظرة بين المجيزين لذلك والمانعين منه، فبدأ بقول المجيزين ثم المانعين وهكذا، وتطرق في أثنائه لحكم العمل بالحديث الضعيف وشروطه
…
وأطال في الرد على من أجاز الاحتفال بهما والتشنيع عليهم.
ثم ختم البحث بذكر نص وقع له في «تاريخ المحبّي» فيه رأي لبعض العلماء بجواز ضرب الطبل في المسجد قياسًا على الجهاد، وأجاب عن ذلك بكلام طويل وتقرير ماتع.
* المسألة الثالثة: النداء للغائبين والموتى وغيرهم
تكلم على هذه المسألة في تمهيد وثلاث مقامات.
أما التمهيد فلم نعثر منه إلا على بضعة أسطر، أفادتنا بذكر المقامات الثلاثة وهي:
المقام الأول: في الاطلاع على الغيب
(1)
ذكر أولًا العلم القطعي وأقسامه الثلاثة، ثم عرَّف الغيب وذكر قسميه، ثم ذكر الصور الست لـ «علم الغيب» الناتجة عن الأقسام السالفة، ثم تكلم على الصور الستّ، لكن لم نعثر إلا على كلامه على الصورة الخامسة، أما باقي الصور (الأربع الأول والسادسة) فلم نقف عليها في قطع الكتاب التي وقفنا عليها.
وفي الصورة الخامسة ــ وهي: العلم الخبري بما هو غيب عن جميع الخلق ــ ذكر أن العلم الخبري إنما يحصل بأحد خمسة أمور، فذكرها، ثم ذكر ما الذي يقع منها للأنبياء والملائكة والبشر وما الذي لا يقع.
ثم شرع في الكلام على القسم الأول من الغيب، وذكر بعض ما يستدل به أهل الأرض على الغيب وهو لا يحصّل إلا الظن، فذكر:
(1)
صدر هذا المقام (من ص 312 إلى ص 327) وجدناه في المجموع رقم [4707].
1 -
الرؤيا، وهل يلزم منها علم الغيب؟ (328 - 340).
وقع في أول هذا المبحث نقص، وأول الموجود منه في حجج مَن يرى أن في الرؤيا دليلًا على علم الغيب ثم أجاب عنها فيما بعد. وتكلم على الرؤيا وأقسامها وصورها بكلام طويل نفيس، ورؤية النبي في النوم وتمثّل الشيطان به.
ثم عقد فصلًا في مسألة مفارقة الروح للجسد عند النوم فذكر المذهبين وأدلتهما، واختار المؤلف الوقف والرد في علم ذلك إلى الله تعالى.
ثم تكلم عن التنويم المغناطيسي ومعناه، وما يقاس عليه من أنواع السحر وتحضير الأرواح وغيرها، وهل تفارق الروح الجسد فيه، وتعرّض الروح لتلاعب الشيطان في تلك الأحوال.
ثم ذكر عدة أشياء مما يَستدلُّ به أهلُ الأرض على بعض الغيب من القسم الأول وهو في حقيقته لا يُحَصِّل إلا الظنَّ، فذكر:
2 -
التحديث (341 - 343).
3 -
والكهانة (343 - 348).
4 -
والنظر في النجوم (348 - 351)، وذكر من متعلّقاتها.
5 -
ومعرفة الأنواء (351 - 352).
6 -
ومعرفة أحوال النجوم المتعلقة بذواتها (352 - 353).
7 -
والخط في الرمل (353 - 354).
8 -
والعرافة (والفأل والطيرة)(354 - 355).
9 -
والطّرْق بالحصى (356).
10 -
والتفاؤل بالقرآن وغير ذلك (356).
ثم تكلم المصنف في فصلين متتاليين الأول عن استقلال الله سبحانه بعلم الغيب وأنه لا يشركه معه نبيّ ولا ولي، وساق النصوص والأدلة على ذلك. والثاني في علم النبي بالغيب، ذكر فيه حجة مَن قال بذلك وأجاب عنها، وذكر الأدلة على عدم علمه بالغيب من الكتاب والسنة وأنها في حقيقة الأمر لا تُحصى.
ثم ذكر حديث حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام مقامًا ما ترك شيئًا يكون إلى قيام الساعة إلا حدَّث به
…
» وأجاب عمن استدل به على علم النبي صلى الله عليه وسلم للغيب وأطال في ذلك.
ثم تكلم عن القسم الثاني من علم الغيب، وهو ما يكون غيبًا بالنسبة إلى بعض الخلق دون بعضهم، فذكر أنواعه الثلاثة، وهي: ما يختص بمشاهدته الملائكة، وما يختص بمشاهدته الجنّ، وما يشاهده البشر.
وذكر أشياء مما يستدلون به على هذه الأنواع، فذكر منها الكهانة ووسوسة الشياطين، والنظر في النجوم والعرافة والطرق والخط والتنويم المغناطيسي وغير ذلك.
وذكر مما يدخل في هذا الباب: ما يُؤثر عن أهل الرياضيات كالإشراقيين من الفلاسفة والبراهمة وبعض المتصوّفة
…
فتكلم عن هذا النوع وما يصيب أولئك في تلك الأحوال، وما تُخيّله الشياطين لهم، ثم نقل نصًّا طويلًا عن ابن عربي الطائي نقله عنه الآلوسي في بعض كتبه ما يُفصح
عن هذه الخيالات والوساوس.
ثم عرض لما يزعمه بعض المتصوّفة من أنهم يرون النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً
…
وسبب زعمهم هذا والرد عليهم. وختم البحث بـ «خاتمة» ذكر فيها أنه أتى على جل ما يُستدل به على المغيبات، وأنه بقي كشف الصوفية وهو لا يخرج في جملته عما ذُكِر آنفًا.
ثم خرج إلى موضوع متعلّق بكشف الصوفية وهو دعوى الإلهام عند بعض المتصوّفة، وكلامهم في حجيّته، ونقل كلام الشوكاني في «إرشاد الفحول» في الموضوع ثم علق عليه وردّ من زعم حجيّة الإلهام وأطال في نقاش حججهم بما لا مزيد عليه (371 - 385).
وبهذا يكون انتهى الكلام على المقام الأول وهو علم الغيب.
المقام الثاني: في تصرُّف بعض بني آدم في الكون
ذكر أولًا قسميه، وهما: ما جرت به العادة، وهذا ثابت للأحياء، وما لم تجر به العادة، وهو ما يمكن أن يكون معجزة لنبي أو كرامة لولي، وذلك بحسب ما يتفق مع الحكمة الربانية.
ثم ذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم وما ملّكه الله إياه مما هو داخل تحت قدرة البشر أما ما فوق ذلك فيملك الدعاءَ به فقط وقد يملك شيئًا منه على سبيل خرق العادة.
ثم ذكر أنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متصرفًا في الكون وحجّة ذلك، وذكر قصة الخضر وما يمكن أن يستدلّ بها على قضية التصرف في الكون والجواب عن ذلك، واستطرد إلى قضية الإنكار على المخالفين في
تلك المسألة استدلالًا بفعل موسى مع الخضر.
ثم ذكر أن الأدلة صريحة واضحة في إبطال ادِّعاء أن بعض الصالحين يملك التصرف في الكون، والذي غرّ أولئك المدّعين أمور تتعلّق بالتزوير وانتحال الفضل أو التقشّف أو أصحاب سوء يتأكّلون باسم الشيخ وغير ذلك.
ثم انفصل إلى ذكر أن حالات أولئك المشايخ المتصوفة لا تخلو من أربع حالات:
1 -
أن يكونوا من أهل الزيغ والإلحاد تستّروا باسم التصوّف وإظهار الزهد والتقشف ليكيدوا للإسلام.
2 -
أن يكونوا من أهل الإسلام لكن تلاعب بهم الشيطان.
3 -
أن يكونوا من أهل الخير والصلاح، لكنهم أرادوا أن يتكلموا بما ظاهره الكفر استدعاء لذم الناس لهم؛ ليكتسبوا بذلك كسر نفوسهم والأجرَ للاعتداء عليهم.
4 -
أن يكون لهم في كلامهم مرادات صحيحة، لكنهم عمّوها على الناس فجعلوها من قبيل الإلغاز، كما هو شائع في كلامهم ..
واختار المؤلف أن كل أمر من هذه الأمور يوجد عند طائفة منهم، لكن الذي يدين الله به حُسن الظن بأشخاصهم وأنهم لا يعتقدون ما تدل عليهم مقالاتهم وإنما قالوها لغرض من الأغراض ظنوها حسنة، وذلك لا يمنعنا من انتقادهم وإنكار المنكر وبيان أن اعتقاد الظاهر منه فسق أو كفر أو جهل بحسب رتبته. مع النصيحة بالإعراض عن كتب هؤلاء ومؤلفاتهم.
ثم تكلم على الصوفية وكتبهم ودعاواهم أن أناسًا دسّوا عليهم فيها
…
وكيف ركّبوا من كل أولئك خطة محكمة لترويج باطلهم ونشر خرافاتهم.
ثم ذكر أن بعض من يُنسب إلى التصوّف يعدّ من أئمة الهدى كالجنيد، وأن بعض الصالحين ثبتت لهم كرامات، لكن ليس كل ما يدّعيه القصاصون صحيحًا بل كثير من حكاياتهم منقطعة ورواتها مجاهيل
…
وأنه ينبغي أن توزن أمور الناس بميزان العدل، (فإن كان الشخص ملازمًا للطاعات، عاملًا بالكتاب والسنة معظمًا لهما
…
فالظاهر أن الخارقة الواقعة على يده كرامة
…
وإن كان بخلاف ذلك فالأمر بالعكس). وبهذا انتهى هذا المقام الثاني.
المقام الثالث: النداء والطلب
فذكر أولًا ما تقرر من أن الغيب لا يعلمه إلا الله وحده أو ما يُطْلِع عليه بعض خلقه، وأن المخلوق لا يملك شيئًا ولا يتصرف إلا بما جرت عليه عادة الخلق عليه، وبنى على ذلك أن كل نداء للغائب باعتقاد أنه يسمع أو يُبلّغ كل شيء أو بعض الأشياء لا يسوّغ نداءَه ولا الطلب منه.
ثم ذكر المؤلف أن دعاء النبي قد لا يُستجاب لسَبْق الكتاب كما في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} وذكر آيات وأحاديث أخرى تدل على ذلك.
ثم قرر أن كل من له اطلاع على السنة علم أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا ينادون غائبًا ولا حتى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يطلبون منه ما يمكنه تحصيله بالأسباب العادية، وإلا سألوه الدعاء
…
وذكر جملة من الأحاديث في ذلك، ثم قال: والأحاديث أكثر من أن تُحصى.
أما عند موته فلم يُنقل عن أحدٍ من الصحابة ولا التابعين أنه طلب منه شيئًا البتة، بل غاية أمرهم إن حضروا إلى قبره أن يسلموا عليه وعلى صاحبيه، ولا يطلبوا منه شيئًا، وحديث الاستسقاء بالعباس صريح في أنهم كانوا لا يرون الطلب منه إلا في حياته، أما بعد قبضه فلا.
ثم أدار المؤلف حوارًا بين المجيزين للطلب منه حال موته، وبين المانعين من ذلك وأطال في تقرير حجج المانعين.
ثم ذكر حجة المجيزين بأنهم يجتهدون في الدعاء فلا يجدون إجابة حتى إذا ذهبوا إلى القبر ودعوا استجيب لهم
…
وذكر كثيرًا من الأمثلة على ذلك مثل حمل النساء، وإنزال الأمطار، والوفاء بالنذر، وشفاء المريض، ووقع الكثير من الخوارق للعادات.
فأجاب المؤلف عن ذلك بجواب تأصيلي، ثم ذكر أن الخوارق قد قسمها العلماء إلى أقسام: معجزات للأنبياء، وكرامات للأولياء (وقد سلف التفصيل فيها)، ومنها ما هي من قبيل: الاستدراج، أو السحر والشعبذة والكهانة وغيرها.
والكلام على هذه الخوارق من وجهين:
1) إنكار وقوعها مطلقًا وأنها لا تثبت إلا عن مشاهدة أو تواتر، ثم إن ثبتت فيمكن أن تكون شعبذة أو سحرًا أو مخرقة .. فيجب وزنها بميزان الشرع كما سلف، وهي وإن ثبتت فلا يبنى عليها شيء مخالف للشرع.
2) الكلام على هذه الخوارق التي ذكروها واحدة واحدة بالتفصيل وبيان الحكم فيها وتلاعب الشياطين بعامة الناس في نسجها والتضليل بها.
ثم ذكر تنبيهًا أجاب فيه عما استَبْعَد به الناس من وجود الشياطين عند قبور الصالحين.
ثم عاد إلى حوار المجيزين والمانعين وقد ناقش فيها مسائل مهمة في الاستعانة والاستغاثة، والطلب من المخلوقين، واعتقاد الضرر والنفع، والتوسّل، والتمسّح بالأضرحة، والنذر لها والذبح وغيرها.
وفي نهاية البحث عقد عنوانًا بـ «الميزان» دعا فيه علماء الأمة للاستيقاظ من الغفلة والاجتماع وتأليف كتاب يكون ميزانًا في الاعتقاد، وبيَّن منهج وطريقة ذاك التأليف، وأن هذا هو الطريق الوحيد في ضم شمل الإسلام وأهله والتأليف بين قلوبهم.
ثم ذكر جماع القول في تلك المسائل وهو: أن الله إنما يُعبد بما شرع، وتلك الأمور إما محدثة قامت الأدلة على بطلانها، أو فيها خلاف ونزاع فهي دائرة بين الحرام والمكروه أو المباح، فالسلامة منحصرة في ترك تلك الأشياء، فمن تركها فهو سالم لا محالة، والمسلم من حَرَص على السلامة بأيّ تقدير كان، ولا أسلم ولا أعلم ولا أفضل مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم.
وبه ينتهي الكلام عن المقام الثالث وينتهي الكتاب.
ثم أتبعنا الكتاب بعدّة ملاحق وهي:
1، 2 - ملحقان يتعلقان بمباحث الاجتهاد والتقليد.
3، 4 - ملحقان يتعلقان بالسنة والبدعة.
5 -
ملحق يتعلق بالرؤيا في المنام وعلاقتها بعلم الغيب.