المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ترجمة المؤلف الشيخ إبراهيم بن عبيد رحمه الله - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - المقدمة

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

الفصل: ‌ ترجمة المؤلف الشيخ إبراهيم بن عبيد رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد:

فهذه‌

‌ ترجمة المؤلف الشيخ إبراهيم بن عبيد رحمه الله

.

ترجمة المؤلف

هو الشيخ الفرضي اللغوي المؤرخ الواعظ إبراهيم بن عبيد بن عبد المحسن بن عبيد.

ولد في الخامس عشر من جمادى الآخرة لعام أربع وثلاثين بعد الثلاثمائة والألف (15/ 6/ 1334 هـ) في مدينة بريدة بمنطقة القصيم ونشأ في بيئة محافظة وأسرة معروفة بالعلم والديانة.

فجده الشيخ عبد المحسن بن عبيد عرف بالديانة وحب أهل العلم والفضل، والصبر على خشونة العيش، وقد اتخذ أصحابًا من خيرة أهل زمانه للاستعانة بهم بعد الله على سلوك سبيل المؤمنين، وفقد بصره في آخر عمره، وقد خلف ابنين هما عبيد ومحمد وبنتًا واحدة، توفي رحمه الله سنة خمس بعد الثلاثمائة والألف للهجرة (1305 هـ).

أما والده فهو الشيخ الفاضل عبيد بن عبد المحسن من أكابر أعيان بريدة في زمنه ومن تجارها، كان محبًا للعلم وأهله باذلًا ماله في خدمة الفقراء والمحتاجين، عرف بالنسك والسخاء. ولد سنة سبع وستين بعد المائتين والألف للهجرة (1267 هـ) في زمنٍ كثرت فيه الحروب والمحن والمخاوف، تأخر زواجه فلم يتزوج حتى بلغ أريعين سنة بعد أن شهد وقعة المليداء، وكان جيد الخط كاتبًا لأمير بريدة حسن بن مهنا، عارفًا بخرص الثمار، فيذهب مع خارص الأمير حسن بن مهنا لخرص الثمار وكان رفيقه في جودة الخط الكاتب محمد بن

ص: 1

عبدان، ولم يكن في زمانهما أحسن منهما خطًا، وقد بسط الله عليه الرزق في النصف الأخير من عمره، فكان يتمنى أن لو كان ذلك في حياة والده ليواسيه ويوسع عليه، وكان يأكل من كسب يده وعنده ثروة عظيمة، ويبذل الأموال في سبيل الخير والإحسان وصلة الأقارب، وله مقامات في الإحسان.

ولما كانت سنة الجوع كان إذا خرج من بيته إلى السوق يحمل على رأسه أوعية التمر (الزبلان) فيها التمر والدقيق ويوزعه على من مرَّ به من الواقعين على ظهر الأرض من الجوع، وذلك سنة 1327 هـ، وله مقامات ومبشرات كثيرة بأنه من أهل الجنة بسبب شكره لنعم الله وإنفاقها في سبيل الخير. وكان محافظًا على الصف الأول في الصلاة ولم تفته تكبيرة الإحرام عشرين سنة، وله عادات مستحسنة، فكان يفطر الصوام في شهر رمضان، ويرسل بالطعام إلى المعتكفين في العشر الأواخر منه، ويكثر من ذبح الأضاحي، وكان مكرمًا لأولاده وأحسن تربيتهم وقدمهم لتعلم القرآن والسنة، وإذا رأى منهم مجتهدًا فرَّغ باله وتكفّل له بطلب معيشته وجعله يشتغل بالعلم، وله معرفة بشراء الكتب ومطالعتها ويقدّم كثيرًا منها لأبنائه، وكان مولعا بتلاوة القرآن ويحب الشعر والحكمة.

كانت وفاته، رحمه الله، في آخر رمضان سنة 1351 هـ وله من العمر أربع وثمانون سنة، وعمر المؤلف حين وفاة والده سبعة عشر عامًا، وعدد أولاد عبيد اثنا عشر، سبعة من الذكور وهم: عبد العزيز فلما توفي صغيرًا ولد ابن له آخر فسماه أيضا عبد العزيز وتوفي كذلك صغيرًا، وعبد الرحمن ومات في حياة والده سنة 1337 هـ، وعبد المحسن وتوفي بعد والده بثلاث عشرة سنة في سنة 1364 هـ، وفهد وتوفي سنة 1422 هـ، وإبراهيم وهو المؤلف، ومحمد ولا يزال حيًا وعلى ذكر حسن وإقبال على العبادة وزهادة في الدنيا مع كثرة

ص: 2

اطلاعه على كتب السلف وخاصة شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وكتب أئمة الدعوة النجدية، ولم يتزوج محمد وعمره الآن يزيد على الثمانين أطال الله عمره على طاعته وختم بالصالحات عمله.

وولد لعبيد أيضًا خمس بنات ماتت واحدة في حياته وبقيت أربع إلى بعد وفاته، وذريته مباركة صالحة بحمد الله وتوفيقه.

نشأ المؤلف في هذه الأسرة ونهل من منهلها ولمَّا بلغ السادسة من عمره، التمس أهله فيه النجابة فقدّمه والده إلى الشيخ المربي صالح بن محمد الصقعبي، رحمه الله، وكان الشيخ صالح قد تفرّغ لتربية وتعليم الصبيان حتى إنه أنشأ مدرسة أهلية يتعلم فيها الطالب مبادئ العلوم والقراءة والكتابة والحساب، وبلغ عدد الطلاب في إحدى السنين في هذه المدرسة أربعمائة طالب يدرسهم الشيخ صالح والبارزون من طلابه.

وتستمر الدراسة في المدرسة ست ساعات يوميًا، ولذا تميّز من درس في هذه المدرسة عن غيره ومن التمس فيه الشيخ نجابة وحرصًا فإنه يخصّه بكثير من الوقت والفائدة، فيحفظ الطالب المجدّ عنده القرآن، ثم ينتقل إلى المشايخ الذين يدرّسون في المساجد. وكان المؤلف، رحمه الله، من هؤلاء المجدّين، فحفظ القرآن ولم يجاوز الثانية عشرة من عمره وأتقن حفظه بالتجويد. وكان الشيخ صالح، رحمه الله، يحفظ في منظومات التجويد، ولقد جعل الله القبول والمحبة لهذا الشيخ فأحبه أهل بريدة وأجلّوه لما كان له من جهد في تربية وتعليم أبنائهم.

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} ، وتوفي الشيخ صالح سنة (1358 هـ)، وانتقل المترجم له من مدرسة

ص: 3

الشيخ صالح إلى حيث دروس الشيخ العلامة عبد العزيز بن إبراهيم العبادي ولد سنة (1314 هـ) وتوفي سنة (1358 هـ) رحمه الله فدرس عليه في شتى العلوم وأخذ عنه في التجويد، وكان الشيخ العبادي، رحمه الله، يحفظ عددًا من المنظومات في علم التجويد، فكان يحفظ الجزرية والتحفة، فحفظ المترجم عليه شيئًا من منظومات هذا العلم واستفاد من شيخه العبادي في هذا العلم.

ولقد قرأ أحد أحفاده القرآن عليه، رحمه الله، كعادته في مجالسه فوقع أن أخفى الميم في الفاء، فرد عليه ونبهه على هذا الخطأ وبين أحكام الميم الساكنة، واستشهد بقول الجزري في التحفه:

(واحذر لدى واو وفاء أن تختفي

لقربها ولاتحاد فاعرف)

وتأمل اهتمام الشيخ العبادي رحمه الله بعلم التجويد مع ما كان عليه من ثقل في لسانه، رحمه الله، ولم يمنعه ذلك فقد كانت همته عاليه.

وأخذ المترجم عن العبادي في الحديث والفقه والتوحيد والفرائض، وقد استفاد منه كثيرًا في الفرائض، وقد كان العبادي متميزًا في الفرائض، ولذا قال الشيخ عبد المحسن العبيد في رثائه له:

لقد كان في علم الفرائض آية

فسبحان من قد خصه بالمواهب

يفكك تركيباتها وحسابها

له نظر في فقهها والغرائب

إذا خاض في أبوابها وعلومها

وأحكامها يوما أتى بالعجائب

وقال فيه الشيخ إبراهيم العبيد:

كما فاق في علم الفرائض غيره، وفي النحو والقرآن قد جاء بالعجائب.

ص: 4

وعرف عن العبادي أنه يسهب في إيضاح المسائل وقرأ عليه في المطولات كـ (أعلام الموقعين عن رب العالمين) و (المغني) و (الشرح الكبير) و (شرح المنتهى) و (المقنع) و (الصحاح والسنن والمسانيد).

وقرأ عليه (مدارج السالكين) وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومع أخذه عن العبادي، رحمه الله، في هذه العلوم، فقد كان ملازمًا لشيخه الشيخ عمر بن سليم، رحمه الله، الذي انتهى إليه قضاء القصيم في زمنه وسارت إليه الركبان وجثت حوله الركب، وقد كان بحق مدرسة، بل جامعة متنقلة حوى من العلوم أنواعها، فلزم المترجم الشيخ عمر بن سليم، رحمه الله، ملازمة شديدة، وأخذ في شتى العلوم، وأكثر من الأخذ عنه، خاصة في الفرائض، فهو شيخه ومعلمه في الفرائض.

وكان الشيخ عمر يخصه بمزيد عناية لما رأى منه نبوغًا في الفرائض، ولقد حدث أنه كان وأقرانه عند الشيخ عمر يدرسون الفرائض، فكان الشيخ عمر على هيبته شديدًا في تعليمهم الفرائض، فأخبر أنهم كانوا يبكون عند الشيخ عمر لأنه كان يعنف من لا يجيب، فشكوا ذلك إلى الشيخ العبادي وطلبوا منه أن يكلم الشيخ عمر فيرفق بهم في تدريس الفرائض، فذهب إليه العبادي وكلمه وقال رحمه الله: (فلم يزده ذلك إلا شدة في التعليم رحمه الله.

وكان المترجم في جلساته يثني كثيرًا على الشيخ عمر بن سليم رحمه الله ويجلّه، ويذكر أنه ما مرّ على القصيم رجل بمثابة الشيخ عمر بن سليم، ولذا ترجم له في تاريخه بترجمة حافلة في أحداث 1362 هـ، ورثاه بقصيدة طويلة عدّد فيها مآثر شيخه الشيخ عمر رحمه الله.

ص: 5

كما استفاد المترجم أيضًا من الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم ولم يدرك كثيرًا من مجالسه فكان جلّ أخذه عن الشيخين العبادي وعمر بن سليم.

وجلس المترجم للتدريس في المساجد وهو في الثانية والعشرين من عمره، وذلك بإلحاح من قبل مشايخه سنة 1356 هـ.

واستمر في طلب العلم مع جلوسه للتدريس واشتغاله بتأليف الكتب، فلقد ألَّف كتابه (عقود اللؤلؤ والمرجان في وظائف شهر رمضان) وعمره خمس وعشرون سنة، وانتهى من تأليفه في سنة 1359 هـ.

وأقبل على دروسه الكثير من طلبة العلم وأخذوا عنه في القرآن والتجويد واللغة والتوحيد والفقه وبخاصة الفرائض.

ومن أشهر من أخذ عنه الشيخ الفاضل صالح بن إبراهيم البليهي رحمه الله، ولد سنة 1331 هـ وتوفي في 3/ 5/ 1410 هـ، وكان أكبر سنًا من شيخه فأخذ عنه، وكانت لهما رحلات إرشادية إلى بعض المدن والقرى، ومن أبرز مؤلفات الشيخ صالح البليهي كتاب (السلسبيل في معرفة الدليل) حاشية على زاد المستقنع.

ومن طلاب الشيخ المترجم الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، حفظه الله، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة.

ومن طلابه أيضًا محمد بن عودة، الرئيس العام لتعليم البنات سابقًا.

ومنهم الشيخ عبد الرحمن الحميد، والشيخ علي بن راشد الرقيبة، والشيخ الزاهد عبد الله الحسين، والشيخ علي السكاكر رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقًا، والشيخ صالح بن عبد الرحمن القرعاوي استمر بالقضاء في عدد من المدن وانتهى به المطاف إلى أن أصبح قاضيًا في هيئة

ص: 6

التمييز بمكة المكرمة، وتوفي رحمه الله في 28 رمضان 1425 هـ، والشيخ الفاضل علي الربيش رئيس المحكمة الجزائية ببريدة، والشيخ الفاضل الواعظ عبد العزيز العقل، والشيخ عبد الله بن محمد الزعاق توفي عام 1410 هـ رحمه الله، والشيخ الزاهد محمد المرشد رحمه الله، والدكتور علي العجلان مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية في منطقة القصيم، والأستاذ سليمان التويجري. وغيرهم كثير من مشايخ وقضاة رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء وبارك فيهم.

وقد امتدحه الشيخ الأديب محمد بن عبد العزيز الهليل فقال:

هو الشهم إبراهيم ذو النبل والإخا

أبوه عبيد العابد المتبصر

عبيد بن عبد المحسن العابد الذي

محاسنه في الناس تروى وتذكر

جزا الله إبراهيم خيرًا فإنه

لذو العلم والتوفيق والله أقدر

ففقه وتاريخ مع الوعظ والرثا

علوم وآداب تصان وتنشر

أما عن صفته، فقد كان رحمه الله أبيض اللون طويلًا، عريض ما بين المنكبين، وله هيبة ووقار، وترى عليه سمة العالم، ولقد حدثني أحد كبار السن قال: كنا ونحن صغار نرى الأرض ترتج إذا مشى في السوق أحد هؤلاء الثلاثة - عمر بن سليم، وفهد العبيد، وإبراهيم العبيد - على أن المتحدث لم يكن بعيد السن عن المترجم رحمه الله.

وأحدثت هيبة شخصيته، فقد كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وربما طالب بتأديب المعتدي ويقف على تأديبه بنفسه، وله احترام وتقدير لدى المسؤولين من ولاة الأمر.

ص: 7

وشارك أهالي بريدة قديمًا في تطوير مدينتهم وتوفير الخدمات، فكان الأهالي قديما يراجعونه في هذه الأمور فيرفع إلى ولاة الأمر مباشرة بل ربما ذهب بنفسه إلى ولي الأمر وقابله في ذلك.

وأخبرناه مرة أنه بُدئ العمل في امتداد شارع المياه جنوبًا، فقال: نعم أنا كتبت بطلب هذا الشارع برغبة الأهالي ورفعت الطلب إلى الملك فيصل، رحمه الله، وجاء بعدها بريد بالشكر والإفادة أنه سيتم ذلك، إن شاء الله، بعدما يتم اعتماد شارع الشاحنات ببريدة.

وكان أريحيًا اجتماعيًا لمن يجلس معه بأدب، فلقد حدثني أحد طلابه قال: كان الشيخ يأخذنا نحن الطلاب إلى رحلة برية ترغيبًا لنا في العلم وكان يمازحنا بل ويجعلنا نلعب أمامه لعبة المطارحة، فكان يشاهدنا ويضحك لذلك.

قال تلميذه الأستاذ سليمان التويجري وكان من صفاته التي يعتز بها كل تلميذ جثم على ركبتيه أمامه متعلمًا دماثة في الخلق ومتواضعًا في الأخلاق وإخلاصًا في إيصال المعلومات إلى أذن تلاميذه.

ومن الجدير بالذكر أن المؤلف، حفظه الله وأكثر من أمثاله، رجل اجتماعي بطبعة يحب الاختلاط والامتزاج بمشايخه وتلاميذه، وكانت النكتة لا تغادر مجلسه الأمر الذي يدعو جلساءه إلى الرغبة الأكيدة في الاجتماع والائتناس به، وكان قارضًا للشعر وله ديوان في الشعر، والمذكور يملك حاسة رقيقة شفافة تدعوه في كثير من الأحيان إلى إبداع غرر القصائد التي يرثي بها مشايخه وتلاميذه أهـ.

وكان يجيب دعوة الزواج ويحرص عليها على كثرتها ويحث أبناءه على الحضور، فإذا حضر وسلم على الحضور أمر أحد أولاده بأن يقرأ آيات من

ص: 8

القرآن، ثم يشرع هو في تفسيرها والتعليق عليها ولا يطيل لمناسبة الدعوة. ويلي دعوة من دعاه ولو كان بعيد البلد، ويذكر أحد أبنائه قال: ذهبت معه إلى إحدى القرى وقد أجاب دعوة، وتبعد تلك القرية عن بريدة قريبًا من ثلاثمائة كيلومتر، فحضر الدعوة ووعظ في المسجد والبيت ثم رجع في يومه.

وكان يحب الجلوس والاجتماع بأولاده وأحفاده وأصهاره ويقيم لذلك وليمة، ولا يمر أسبوع إلا وقد جمع الأسرة، فإذا اجتمعوا أخذ بالحديث ربما عن التاريخ وأخبار الأمم أو عن أخبار علماء القصيم وأئمة الدعوة النجدية، أو طلب من أحد أبنائه أن يقرأ شيئًا من القرآن، فكان ينصت للقراءة ويثني على القارئ ويفسر الآيات ويطرح أسئلة في إعراب الآيات على الحضور، وكان يطرح عليهم كثيرًا من المسائل الفرضية، وربما أحضر معه كتابًا وطلب من أحد أبنائه أن يقرأ عليهم ويحب دواوين الشعر. ولم يكن يملّ من ذلك.

وقبل وفاته بشهر قُرئ عليه الميمية لابن القيم وذلك قبل الحج بأيام، وكان يحبها، فأثنى على ابن القيم كثيرًا وعلى القصيدة، وحيث كان في جلسة أسرية فقد طلب من بعض النساء الحضور لسماع القصيدة والتعليق عليها، فشرع يشرح القصيدة ويتلذذ بها. حتى خنقته العبرة فجعل يخفيها رحمه الله.

قال أحد أحفاده: ولما رجعنا من الحج تلك السنة وقدمت للسلام عليه قدم إليّ ديوانه البستان وهو مخطوط، وطلب مني أن أقرأ عليه قصيدة الصرصري في قصة يوسف وإخوته عليهم السلام، وفي الليلة التي أصيب فيها بالمرض كنا في وليمة أسرية فطلب أن نحضر كتابًا لنقرأ فيه فاخترت له كتاب الشوقيات لأحمد شوقي، فأخذه وجعل يثني على شعر أحمد شوقي ويذكر ما بينه وبين حافظ إبراهيم، ثم بحث عن قصيدة.

ص: 9

وأصيب رحمه الله بالمرض في تلك الليلة، ولما رجع من جدة وقد كان ذهب إليها للعلاج، اجتمعنا حوله للسلام عليه، فطلب مني أن أقرأ آيات من القرآن، فقرأت عليه سورة النجم كاملة، وكان قد ضعف بصره ويعاني من الألم، فلما بلغت قوله تعالى:{وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} جعل يتأمل كلام ابن تيمية رحمه الله حينما قال:

أنا المكدي وابن المكدي

وهكذا كان أبي وجدي

فترحم عليه.

وهكذا كانت مجالسه عامرة بالعلم حتى إنه كان يطرح المسائل العلمية على بناته وحفيداته رحمه الله.

وكان من شأنه أيام الطلب أنه يقضي أوقاتًا كثيرة في طلب العلم تزيد على ست عشرة ساعة يوميًا ما بين قراءة وتأليف، وكان يكره أن يشغله أحد عن القراءة والكتابة، واختار الاشتغال بالتعليم عن الوظائف الأخرى، فلقد عرض عليه القضاء مرات فاعتذر حبًا للسلامة وإيثارًا للعافية، عرض عليه القضاء في إحدى نواحي القصيم وفي عسير وفي الجوف وفي تيماء، فاعتذر، وألحَّ عليه الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله أن يتولى قضاء تيماء فطلب منه الإعفاء حتى بكى أمام الشيخ فعذره الشيخ لذلك.

التحق بالتعليم النظامي عندما أسست أول مدرسة في بريدة سنة 1356 هـ، واستمر يدرس فيها حتى تقاعد رحمه الله تعالى سنة 1396 هـ.

وطلب منه أن يفتح درسًا في الفرائض وأخبر برغبة طلاب العلم بذلك فقال إنه منشغل بالتأليف وأنه جلس ما فيه البركة، وأخبر أنه جلس أربعين سنة يدرس فيها بالمساجد وهكذا وأكثر منه في إمامة المسجد.

ص: 10

قال الدكتور عبد الله بن محمد الرميان: تولى الشيخ إبراهيم العبيد إمامة مسجد ماضي سنة 1362 هـ بعد وفاة إمامه سليمان الحميد واستمر في إمامته حتى سنة 1366 هـ، فتكون إمامته في هذا المسجد خمس سنوات، انتقل بعد ذلك إلى مسجد ابن خضير الجنوبي، ثم انتقل إلى مسجد مجاور لسكنه، واستمر في إمامته إلى وفاته رحمه الله سنة 1425 هـ، فتكون مدة إمامته قريبًا من ثلاث وستين سنة.

وكان بقاؤه في مسجد ابن خضير إلى سنة 1399 هـ، وفي مسجد السويلم إلى سنة 1403 هـ، ثم في مسجده من عام 1403 هـ، إلى وفاته رحمه الله.

وكان له جلد في نسخ الكتب بيده، ونسخ عددًا من الكتب قبل وجود الطباعة الحديثة مثل (حادي الأرواح) لابن القيم، و (فتح المجيد) للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.

وقصائده كثيرة ومؤلفاته التي بلغت أكثر من 5237 صفحة.

أما عن شعره فلقد أنشأ عددًا من القصائد في فنون متنوعة كالوصف والنصيحة والمدح والرثاء والإخوانيات وغيرها في أكثر من ست وعشرين قصيد بما مجموع أبياتها: 871 بيتًا، وهذا ما ذكره في كتابه التذكرة وله قصائد غيرها.

وبذا عدَّه الأدباء والمؤلفون في شعراء المنطقة. قال الدكتور إبراهيم المطوع وهو يتحدث عن كتاب على تذكرة أولى النهي والعرفان، ولكون المؤلف شاعرًا، فقد احتوى الكتاب على مادة شعرية وفيرة للمؤلف نفسه ولشعراء من المنطقة ومن خارجها كـ: ابن سحمان وابن مشرف وحسن بن

ص: 11