الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: الصبر سبب في نيل الإمامة في الدين
. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة].
قال الإمام ابن القيم: «فبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين» .
خامسًا: الصبر سبب في تحصيل الفلاح
. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران].
سادسًا: الصبر عون وعدة. قال تعالى: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة] فمن لا صبر له عون له.
سابعًا: جمع الله تعالى للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم
وهي: الصلاة منه عليهم ورحمته لهم وهدايته إياهم. قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157].
عُزِّى بعض السلف على مصيبة نالته، فقال:«مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها» .
ثامنًا: ضمان النصر على الأعداء
. قال تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران].
تاسعًا: سلام الملائكة على الصابرين في الجنة بصبرهم
. قال تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد].
أخي المسلم: تلك عيون وأصول لبركات وفوائد الصبر .. فهنيئًا أخي للصابرين إذ تحييهم الملائكة: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد].
فهنالك حمدوا عاقبة الصبر، وعند الصباح يحمد القوم السرى.
أخي: كم للصابرين من محاسن منصوبة .. وكم لهم من رايات ما زالت على مر السنين بالمحامد معقودة .. وآثار القوم تدلك على الأطلال.
وما أظنك أخي تزهد في الوقوف على تلك الصور الصادقة لأهل الصبر والمصابرة!
وأبتديك أخي بصبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهو سيد الصابرين .. وإمام المرابطين .. تحمَّل صلى الله عليه وسلم أثقال المشقة وهو يبلغ أمانة ربه تعالى .. فصبر وصابر ورابط حتى بلغ رسالات الله .. فأتاه النصر والظفر عاقبةً للصبر .. وأنجزه تعالى ما وعده، وكم هو شديد على النفس أخي أن تتأمل هذا الموقف من صبره صلى الله عليه وسلم.
يوم أن خرج إلى الطائف حيث ثقيف لعرض رسالة الله تعالى على أهل الطائف .. فلقى ثلاثة من سادة ثقيف وهم، عبد يا ليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير، فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك؟ ! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقال لهم: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى
اجتمع عليه الناس، وقعدوا له صفَّين، فلما مرَّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوا يرمونه بالحجارة، فما يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، حتى أدموا رجليه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض، فيأخذون بعضديه فيقيمونه، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون، فخلص منهم ورجلاه تسيلان دمًا! !
أخي في الله: أرأيت كيف كان بذله صلى الله عليه وسلم لنفسه فدىً لدين ربه تعالى؟ !
فكم تحمَّل صلى الله عليه وسلم من المشقة وهو يؤدي رسالة رب العالمين، حتى يكون أسوة لأمته في الصبر .. وصدق العزيمة ..
وما كان تعالى ليعجزه نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكنها سنة الله تعالى التي قد خلت في عباده؛ إن العسر يعقبه اليسر والفرج .. فلا يغيبن عنك أخي مثل هذا الدرس! فإنك إن لم تعقله، فما إخالك ستستفيد من تلك الصور الصادقة من حياة السابقين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم على الهدى والحق.
ولتعلم أخي إن الصبر على البلاء من شيمة الصالحين وأولياء الله المتقين .. وفي هذا يطل علينا ذلك الجيل الفريد الذي رباه النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا رضي الله عنهم على الطريق مضاء .. وعزمًا .. وصدقًا .. وكان صبرهم رضي الله عنهم على الدين الحق مضرب الأمثال .. ومحط الآمال .. فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يمر على تلك الأسرة الطاهرة، التي جمعتها وشيجة الإيمان بعد وشيجة الرحم مرَّ عليهم وهم يعذبون في الله تعالى، على أيدي زبانية مكة من كفار قريش، ولا يزيدهم ذلك إلا ثباتًا .. وتسليمًا .. فما كان صلى الله عليه وسلم يومها يملك لهم إلا تلك الكلمات المسلية عن نار البلاء:«صبرًا يا أبا ياسر وآل ياسر فإن موعدكم الجنة» .
تالله كم في سير الصابرين من الشُّجون والآلام .. ولكن عندما تلامسها أصابع الجزاء .. تصبح أحلى من العسل. وأصفى من الدموع! !
ويطل علينا أخي موقف آخر من مواقف الصابرين .. فهذا بلال بن رباح رضي الله عنه يعذبه أهل الكفر بأنواع العذاب وهو رضي الله عنه لا يزيد على قوله: أحد .. أحد .. ويسلمونه إلى ولدانهم فيطوفون به شعاب مكة، ويوالون عليه العذاب، وهو لا يزيد على: أحد .. أحد! !
ثم أخي فلتشهد معي هذا الموقف .. حيث جلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي المجلس بلال وخباب بن الأرت رضي الله عنهما، فيسأل عمر بلالاً عما لقى من المشركين، قال خباب:«يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري» .
فقال عمر: «ما رأيت كاليوم! » .
قال خباب: «أوقدوا لي نارًا فما أطفأها إلا وَدك ظهري» .
وما أصدق علي رضي الله عنه يوم أن وقف على قبر خباب رضي الله عنه فقال: «رحم الله خبابًا لقد أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا، وابتُلى في جسمه أحوالاً، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً» .
ويطالعنا أخي من صبر السابقين صبر عروة بن الزبير رضي الله عنهما فقد ابتلى رحمه الله في نفسه وولده فصبر ورضي، مات ابنه محمد، وأصابت رجله الأكلة، فقطعوها له، فما زاد أن قال رحمه الله:«إن سلبتَ فلطالما أعطيتَ، وإن أخذتَ فلطالما أبقيتَ، وأبقيتَ لنا فيك الأمل، يا بر يا وصول» .
واعجب من الأحنف بن قيس: رحمه الله ذهبت عينه فقال: «ذهبت منذ أربعين سنة ما شكوتها إلى أحد! » .
وكان يقول:
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما
…
تشكُو الرَّحيمَ إلى الذي لا يَرحَمُكْ
ويطالعنا أخي في مواقف الصابرين، ذلك الموقف الفريد لإمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وكان موقفه يومها غرةً بيضاء على جبين أهل السنة يوم أن أراده أهل البدعة على القول بخلق القرآن، فنفى رحمه الله عن الحق الكدر، فصبَّ عليه المبتدعة أنواعًا من العذاب، وجلدوه بالسياط فما زاده ذلك إلا عزمًا لا يلين! حتى انكشفت الغمة بنصرة أهل الحق.
قال أبو غالب: (ضرب أحمد بن حنبل بالسياط في الله، فقام مقام الصديقين).
ولما أخرج رحمه الله من الحبس قال له بعضهم: ادع على ظالمك. فقال: «ليس بصابر من دعا على الظالم» .
تلكَ المكارم لا قُعْبان من لَبَن
…
شَيبا بماء فَعَادا بَعْدُ أبْوَالاً
أخي المسلم: اجعل عزاءك دائمًا ثبات الصالحين .. وخُلُق الصابرين .. يسهل المصاب .. ويهون الخطب .. وليكن عزاؤك دائمًا –أخي- تلك الوصية التي عزَّى بها رجلٌ رجلاً مصابًا بابنه فقال له: «إنما يَسْتَوجبُ على الله وعده من صبر له بحقه، فلا تجمع إلى ما أصبتَ به من المصيبة الفجيعة بالأجر، فإنها أعظم المصيبتين عليك، وأنكى الرَّزيَّتين لك! والسلام» .
* * * *