المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌115 – قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (13/ 390): - تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري - جـ ١٣

[عبد الرحمن بن ناصر البراك]

الفصل: ‌ ‌115 – قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (13/ 390):

‌115

– قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (13/ 390): " قال ابن المنير: وجه الاستدلال على إثبات العين لله تعالى

وهو على سبيل التمثيل والتقريب للفهم، لا على معنى إثبات الجارحة".

وذلك في كلامه على حديث رقم 7407، و 7408، كتاب التوحيد، باب 17.

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: استدل البخاري بالآيتين والحديث على إثبات العين لله تعالى، وأهل السنة والجماعة يثبتون عينين لا تشبهان أعين المخلوقين، كقولهم في سائر الصفات، ويستدلون لذلك بمثل قوله تعالى:"تجري بأعيننا" وبحديث الدجال.

ووجه الاستدلال أن تنزيه الله تعالى عن العور في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم ليس بأعور" يدل على إثبات العينين لله تعالى وسلامتهما؛ فإن العور هو عمى إحدى العينين، لا عدم العين، خلافًا لما قاله ابن المنير في بيانه لوجه الاستدلال؛ حيث قال:"العور عرفًا عدم العين، وضد العور ثبوت العين".

وأما قوله: "وهو على سبيل التمثيل والتقريب للفهم لا على معنى إثبات الجارحة": فمعناه نفي حقيقة العين عن الله تعالى، وهذا هو مذهب المعطلة من الجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم من الأشاعرة.

ولفظ الجارحة لا يطلقه أهل السنة لا نفيًا ولا إثباتًا؛ لأنه من الألفاظ المجملة المبتدعة، فلا يقولون: إن عينه جارحة، أو ليست جارحة. والنافون لحقيقة العين منهم من يفسرها بالبصر كأهل التأويل، ومنهم من لا يتعرض لها بتأويل بل يثبت اللفظ من غير فهم لمعناه، وهم أهل التفويض.

ص: 390

‌116

– قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (13/ 390): "قال ابن بطال: احتجت المجسمة بهذا الحديث، وقالوا في قوله: (وأشار بيده إلى عينه) دلالة على أن عينه كسائر الأعين، وتعقب باستحالة الجسمية عليه؛ لأن الجسم حادث وهو قديم؛ فدل على أن المراد نفي النقص عنه" انتهى.

وذلك في كلامه على حديث رقم 7408، كتاب التوحيد، باب 17.

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: قوله: "وأشار بيده إلى عينه": أي الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا يخفى عليكم؛ إن الله ليس بأعور" هو نظير لما جاء في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قرأ هذه الآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها

[إلى قوله تعالى] إن الله كان سميعًا بصيرًا} قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه

" [أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب (19) في الجهمية، ح 4728]، وهذه الإشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة المثبتين للعين، والسمع، والبصر، لبيان إرادة الحقيقة؛ فهو يسمع حقيقة ويبصر حقيقة، وكذلك له عين حقيقة، وكل ذلك على ما يليق به ويختص به سبحانه، لا يماثل في شيء من ذلك صفات المخلوق، وهذا هو الواجب في جميع ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. ومثل هذه الإشارة ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يقبض يديه ويبسطهما لما ذكر أن الله تعالى يأخذ السماوات بيديه، وأن الله تعالى يقبض يديه ويبسطهما ويقول: "أنا الملك

" الحديث، ومعلوم بالضرورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن القبض والبسط من الله تعالى مثل قبضه صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم وبسطه ليديه، وإنما أراد بيان أن الله يقبض يديه ويبسطهما حقيقة، وأما من لم يثبت العينين، ولا اليدين لله تعالى، فلا بد أن يتأول هذه النصوص بتأويلات تخرجها عن ظاهرها، أو يمسك عن تدبرها معتقدًا أنه لا سبيل إلى فهمها. وهي طريقة أهل التفويض من النفاة.

ص: 390

‌117

– قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (13/ 390): " قال ـ أي: ابن المنير ـ: ولأهل الكلام في هذه الصفات – كالعين والوجه واليد – ثلاثة أقوال، أحدها: أنها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدي إليها العقل. والثاني: أن العين كناية عن صفة البصر واليد كناية عن صفة القدرة والوجه كناية عن صفة الوجود. والثالث: إمرارها على ما جاءت مفوضا معناها إلى الله تعالى. وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب العقيدة له: أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله: الاستواء والنزول والنفس واليد والعين؛ فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل إذ لولا إخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى".

وذلك في كلامه على حديث رقم 7407، و 7408، كتاب التوحيد، باب 17.

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: الصواب من الأقوال الثلاثة التي حكاها ابن المنير هو القول الأول، ويتفق معه ما نقله الحافظ عن السهروردي، ومن بعده.

وأما القول الثاني والثالث فهما مذهب التأويل وأهل التفويض - كما تقدمت الإشارة إليهما- وأنهما مذهبان للنفاة.

ص: 390

‌118

- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (13/ 390): " وقد سئلت هل يجوز لقارئ هذا الحديث أن يصنع كما يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجبت وبالله التوفيق: إنه إن حضر عنده من يوافقه على معتقده وكان يعتقد تنزيه الله تعالى عن صفات الحدوث وأراد التأسي محضا= جاز والأولى به الترك خشية أن يدخل على من يراه شبهة التشبيه تعالى الله عن ذلك، ولم أر في كلام أحد من الشراح في حمل هذا الحديث على معنى خطر لي فيه إثبات التنزيه وحسم مادة التشبيه عنه وهو: أن الإشارة إلى عينه صلى الله عليه وسلم إنما هي بالنسبة إلى عين الدجال.

وذلك في كلامه على حديث رقم 7408، كتاب التوحيد، باب 17.

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: حاصل جواب الحافظ عما سئل عنه أنه يجوز بشرطين:

الأول: أن يكون من بحضرته يعتقد التنزيه.

الثاني: أن يقصد بالإشارة محض التأسي.

وفي هذا الجواب نظر من وجهين:

أولاً: أن الإشارة إذا كان المراد بها محض التأسي لم يكن لها معنى بالنسبة للمخاطبين، ولا بالنسبة لمضمون الكلام.

ثانيًا: أن لفظ تنزيه الله عن صفات الحدوث يريد به المعطلة ومن وافقهم نفي الصفات عن الله؛ لأن الصفات عندهم تستلزم الحدوث.

وأما التنزيه الذي يقول به أهل السنة فهو تنزيهه سبحانه عن مماثلة المخلوقات مع إثبات الصفات إثباتًا بلا تشبيه وتنزيهًا بلا تعطيل.

والأشبه بطريقة الحافظ أنه أراد بالتنزيه المعنى الأول، ولو اقتصر رحمه الله تعالى على قوله:"والأولى به الترك" لكان أسلم له. وأما المعنى الذي ذكر أنه خطر له في معنى الإشارة في الحديث، ولم يره من شراح الحديث، وهو:"أن الإشارة إلى عينه صلى الله عليه وسلم إنما هي بالنسبة إلى عين الدجال" فهو معنى باطل يرده أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أشار بيده إلى عينه عند قوله: "إن الله ليس بأعور" لا عند قوله: "وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى". وكل هذا هروب من الاستدلال بالحديث على إثبات العين لله تعالى، وهو المعنى الذي قصده البخاري رحمه الله تعالى؛ فالبخاري في واد والحافظ في واد آخر؛ فهو في مثل هذه المواضع يخالف منهج البخاري وأهل السنة والجماعة.

والأظهر في الجواب عن ذلك السؤال أن يقال: تجوز الإشارة عند ذكر هذه الأحاديث لنفس المعنى الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم بإشارته - وهو إرادة تأكيد الحقيقة كما تقدم - يدل لذلك عموم قوله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" فيدخل في ذلك طرق البيان التي بين فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وبلغ بها رسالة ربه، ويمكن إذا خشي أن يتوهم أحد من الإشارة التشبيه أن يقصد المتحدث بإشارته حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يقول: وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عينه، فيشير إلى عينه ونحو ذلك، ويمكن رفع التوهم أيضًا ببيان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم بإشارته. وما كان السلف الصالح يستوحشون من ذكر آيات وأحاديث الأسماء والصفات لأنهم يؤمنون بما دلت عليه على الوجه اللائق به سبحانه، ويقولون: أمروها كما جاءت بلا كيف.

وأما الذين دخل عليهم مذهب التعطيل فإنهم يقفون من تلك النصوص موقف الرد إن أمكنهم، أو موقف التأويل أو التفويض؛ فهم لا يؤمنون بحقائقها، بل يرون أنه لا يجوز اعتقاد ظاهرها؛ فإن ظاهرها عندهم هو التشبيه، ومن عوفي فليحمد الله.

ص: 390