المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌21 - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله 6/ 40 - تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري - جـ ٦

[عبد الرحمن بن ناصر البراك]

الفصل: ‌ ‌21 - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله 6/ 40

‌21

- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله 6/ 40 على حديث رقم (2826) قوله: " يضحك الله إلى رجلين " قال الخطابي: الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى، وإنما هذه مثل ضرب لهذا الصنيع الذي يحل محل الإعجاب عند البشر فإذا رأوه أضحكهم، ومعناه الإخبار عن رضا الله بفعل أحدهما وقبوله للآخر ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة مع اختلاف حاليهما.

قال: وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة، وهو قريب، وتأويله على معنى الرضا أقرب، فإن الضحك يدل على الرضا والقبول.

قال: والكرام يوصفون عندما يسألهم السائل بالبشر وحسن اللقاء، فيكون المعنى في قوله:" يضحك الله " أي يجزل العطاء.

قال: وقد يكون معنى ذلك أن يعجب الله ملائكته ويضحكهم من صنيعهما، وهذا يتخرج على المجاز، ومثله في الكلام يكثر ".

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: قول الخطابي: " الضحك الذي يعتري البشر عند ما يستخفهم الفرح أو الطرب .... إلخ ":

مذهب أهل السنة في الضحك المضاف إلى الله تعالى في هذا الحديث وغيره إثباته لله عز وجل على ما يليق به ويختص به، وأنه ضحك لا كضحك المخلوقين كما يقولون مثل ذلك في سائر ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فعندهم أنه تعالى يضحك حقيقة، والضحك منه تعالى غير العجب، وغير الرحمة والرضا، لكنه يتضمن هذه المعاني أو يستلزمها.

ونفي حقيقة الضحك عن الله تعالى هو مذهب الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة. وليس لهذا النفي من شبهة إلا من جنس ما تُنفى به سائر الصفات. ثم إن الذين نفوا الضحك عن الله عز وجل من الأشاعرة أو من وافقهم منهم من يسلك في النصوص طريقة التفويض فلا يفسرها، ولا يثبت ظاهرها إلا بلفظ دون معنى، ومنهم من يسلك فيها طريقة التأويل فيفسرها بما يخالف ظاهرها؛ وهذا هو الذي سلكه الخطابي فيما نقله عنه الحافظ رحمهما الله تعالى، وعفا عنهما.

ونقول: نعم، الضحك الذي يعتري البشر عند ما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى؛ فإن ذلك ضحك البشر وهو مختص بهم، وضحك الرب سبحانه مختص به. فليس الضحك كالضحك، كما يقال مثل ذلك في قدرته وإرادته وغير ذلك من صفاته سبحانه وتعالى.

وقول الخطابي: " وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة " فيه نظر، والأشبه أن هذا لا يصح عن البخاري، ويؤيد ذلك قول الحافظ رحمه الله تعالى عندما نقل قول الخطابي عن البخاري في كتاب التفسير حديث (4889) حيث قال:"قال الخطابي: وقال أبو عبد الله: معنى الضحك هنا الرحمة" قلت: - أي الحافظ - ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري.

ص: 40

‌22

- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: 6/ 40 على حديث رقم (2826): قال: " وقال ابن الجوزي: أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويمرونه كما جاء، وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق، ومعنى الإمرار عدم العلم بالمراد منه مع اعتقاد التنزيه.

قلت: ويدل على أن المراد بالضحك الإقبال بالرضا تعديته ب: إلى، تقول: ضحك فلان إلى فلان، إذا توجه إليه طلق الوجه، مظهرا للرضا عنه ".

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: قول ابن الجوزي: " أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويمرون كما جاء .... إلخ ":

المعروف عن ابن الجوزي نفي حقائق الصفات الخبرية - مثل الضحك والفرح - كما هو مذهب جمهور الأشاعرة. ثم إن كثيرًا منهم يفسر النصوص الواردة في تلك الصفات بما يخالف ظاهرها، كما فسروا المحبة والرضا بإرادة الإنعام.

وقد يفسرون الفرح والضحك بمثل ذلك، أو يفسرونهما بالرحمة والرضا. وهذه طريقة أهل التأويل منهم فيجمعون بين التعطيل والتحريف.

ومنهم من يذهب في نصوص الضحك والفرح ونحو ذلك مذهب التفويض؛ وهو إمرار ألفاظ النصوص من غير فهم لمعناها؛ فعندهم أنها لا تدل على شيء من المعاني. وهذا يقتضي أنه لا يجوز تدبرها لأن المتدبر يطلب فهم المعنى المراد، ولا سبيل إليه عندهم.

وقد زعم ابن الجوزي فيما نقله عنه الحافظ هنا أن هذا - أي التفويض - هو مذهب أكثر السلف. وهو باطل وغلط عليهم، بل إن السلف يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصفات.

ومن قال من السلف في نصوص الصفات: أمروها كما جاءت أو أمروها بلا كيف لا يريدون أنه لا معنى لها كما يدَّعي المفوضة من النفاة، بل يريدون إثبات ما يدل عليه ظاهرها وعدم العدول بها عن ظاهرها، فلا يجوز حمل كلامهم ذلك على ما يخالف المعروف من مذهبهم في صفاته سبحانه وتعالى.

ص: 40