المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قواعد في الأسماء والصفات - تعليقات على شرح لمعة الاعتقاد للراجحي

[عبد العزيز بن عبد الله الراجحي]

الفصل: ‌قواعد في الأسماء والصفات

‌تعليقات على شرح

لمعة الاعتقاد

الشيخ

عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدسي رحمه الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

لمعة الاعتقاد: اللمعة معناها في الأصل هي البُلغة، البلغة من العيش سمي لمعة الاعتقاد أي: بلغة من الاعتقاد الصحيح الموافق لعقيدة السلف الصالح؛ ولهذا سماها لمعة الاعتقاد يعني: شيء من الاعتقاد الصحيح الذي يوافق الكتاب والسنة.

من القواعد:

أن أسماء الله وصفاته يجب إجراؤها على ظاهرها، هذه قاعدة عظيمة يجب إجراء النصوص على ظاهرها من كتاب الله وسنة نبيه، نصوص الصفات وأسماء الله تُجرى على ظاهرها لا تؤول إلا بدليل.

ومنها: أن أسماء الله لا تنحصر بعدد وأما حديث: " إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة " فالمراد تسعة وتسعون اسمًا موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة.

ومنها: أن أسماء الله لا تثبت إلا بالنص لا تثبت بالعقل، أسماء الله وصفاته توقيفية لا تثبت إلا بالنص، ومن القواعد في صفات الله أن أسماء الله كلها حسنى كلها كمال ليس فيها نقص.

ومنها: أن أسماء الله تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية، وصفات سلبية.

صفات ثبوتية: مثل إثبات صفات العلم والسمع والبصر.

وصفات سلبية: مثل نفي الظلم، نفي النوم، نفي الموت هذه صفات سلبية لكن تتضمن إثبات ضدها من الكمال، فالله تبارك وتعالى نفى عن نفسه الظلم لكمال عدله، نفى عن نفسه النوم لكمال حياته، نفى عن نفسه العجز لكمال قوته واقتداره.

‌قواعد في الأسماء والصفات

القاعدة الأولى في الواجب نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته

قواعد في الأسماء والصفات -ذكرها الشيخ محمد-:

ص: 1

القاعدة الأولى: في الواجب نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته: الواجب نحو الكتاب والسنة إبقاؤها على ظاهرها من غير تغيير؛ لأن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين، والنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم باللسان العربي، فوجب إبقاء دلالة كلام الله وكلام رسوله على ما هي عليه في ذلك اللسان؛ ولأن تغييرها عن ظاهرها قول على الله بلا علم وهو حرام؛ لقوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) } (1) .

(1) - سورة الأعراف آية: 33.

ص: 2

هذه القاعدة معروفة وهي إجراء دلالة النصوص على ظاهرها: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (1) ظاهر النص إثبات الاستواء نثبت الاستواء {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) } (2) ظاهر النص إثبات العلم والحكمة، وإثبات اسم الله العليم والحكيم نثبتها على ظاهرها؛ لأن دلالة الألفاظ تقتضي هذا وإلا فما الفائدة من الألفاظ إذا كانت دلالتها لا تعتبر؟ ثم تحريفها والقول أن الاستواء معناه الاستيلاء، والنزول معناه نزول الرحمة هذا قول على الله بلا علم، تقول على الله وهو من الكبائر العظيمة التي جعلها الله تعالى فوق الشرك قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) } (3) جعل القول على الله فوق الشرك، وذلك لأنه يشمل الشرك وغيره، فالشرك قول على الله بلا علم، فالقول بأن النصوص يجب تأويلها، أو أن لها معاني غير التي يُفهم من ظاهرها قول على الله بلا علم لا شك، فالواجب إجراء النصوص على ظاهرها نصوص الصفات على ظاهرها على ما دلت عليه وهذه هي طريقة السلف.

مثال ذلك قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (4) فإن ظاهر الآية أن لله يدين حقيقيتين.

(1) - سورة الأعراف آية: 54.

(2)

- سورة التحريم آية: 2.

(3)

- سورة الأعراف آية: 33.

(4)

- سورة المائدة آية: 64.

ص: 3

يعني: فيجب إثبات أن لله يدين حقيقيتين على ما يليق بجلاله وعظمته، التمثيل منفي في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (1){هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) } (2){فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} (3) هذا ظاهر اللفظ القول بأن معنى اليدين النعمتين، اليد معناها النعمة، أو معناها القدرة هذا تحريف وقول على الله بلا علم وإخراج للفظ عن ظاهره من أبطل الباطل، إجراء اللفظ على ظاهره أن نقول نثبت لله يدين حقيقيتين لا يماثل الله تبارك وتعالى أحد من خلقه في شيء من صفاته.

فيجب إثبات ذلك له فإذا قال قائل: المراد هنا القوة. قلنا له: هذا صرف للكلام عن ظاهره فلا يجوز القول به؛ لأنه قول على الله بلا علم.

تحريف للفظ عما دل عليه.

القاعدة الثانية في أسماء الله

الفرع الأول أسماء الله كلها حسنى

القاعدة الثانية: في أسماء الله: وتحت هذه القاعدة فروع:

الفرع الأول: أسماء الله كلها حسنى أي: بالغة في الحسن غايته؛ لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه.

وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (4) أسماء الله كلها حسنى، وهي دالة على صفات ليست جامدة بل هي مشتقة.

أسماء الله مشتقة كل اسم يدل على صفة مثلا: اسم الله الرحمن يدل على إثبات الذات لله عز وجل ويدل على إثبات هذا الاسم لله عز وجل ويدل على إثبات صفة الرحمة لله عز وجل ويدل على الأثر وهو تعلقها بالمرحوم. يعني: الصفات قد تكون متعدية، وقد تكون قاصرة، قد تكون متعدية فتؤمن بالاسم والصفة والأثر، وقد تكون قاصرة مثل الاستواء والنزول فلا يكون لها أثر.

(1) - سورة الشورى آية: 11.

(2)

- سورة مريم آية: 65.

(3)

- سورة النحل آية: 74.

(4)

- سورة الأعراف آية: 180.

ص: 4

قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (1) مثال ذلك الرحمن فهو اسم من أسماء الله تعالى دال على صفة عظيمة هي الرحمة الواسعة، ومن ثم نعرف أنه ليس من أسماء الله الدهر؛ لأنه لا يتضمن معنى غاية الحسن.

وهذا فيه الرد على ابن حزم الذي قال: إن من أسماء الله الدهر، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر فالله هو الدهر " قال: فهذا دليل على أن من أسماء الله الدهر غلَّطه العلماء، وبينوا أن الحديث لا يدل على أن الدهر من أسماء الله بدليل الروايات الأخرى يُضم بعضها إلى بعض فإنه جاء في الرواية:" فإني أنا الدهر أُقلب ليله ونهاره " معنى أن الله هو الدهر أي: يقلب الليل والنهار، يصرف الليل والنهار، الدهر هو الليل والنهار هو الزمان فالله -جل وعلا- هو مقلبه ومصرفه، في الرواية الأخرى:" إني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره " الروايات يُفسر بعضها بعضًا، فليس من أسماء الله الدهر كما يقول ابن حزم هذا من أغلاطه رحمه الله.

فأما قوله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر فالله هو الدهر ".

فمعناه مالك الدهر المتصرف فيه، مالك الدهر، ومصرف الدهر ومقلب الدهر يعني: الليل والنهار والزمان. بدليل قوله في الرواية الثانية عن الله تعالى: " بيدي الأمر أُقلب الليل والنهار ".

وفي لفظ: " أقلب ليله ونهاره ".

الفرع الثاني أسماء الله غير محصورة بعدد معين

الفرع الثاني: أسماء الله غير محصورة بعدد معين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: " أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ".

(1) - سورة الأعراف آية: 180.

ص: 5

أسماء الله ليست محددة، ما يقول الإنسان أسماء الله مائة أو مائتين أو ثلاثمائة أو ألف ما فيه دليل على الحصر، وأما قوله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة " ليس المراد الحصر بل المراد تسعة وتسعين اسما موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة، موصوفة بهذا الوصف "من أحصاها" يعني: حفظها وعمل بمقتضاها بما يمكن العمل بها، وهي غير محددة الآن، والحكمة في ذلك -والله أعلم- حتى يجتهد العلماء في البحث عنها في نصوص الكتاب والسنة ويعدوها ويحفظوها ويعملوا بها فهي موصوفة بهذا الوصف:" إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة " ولله أسماء أخرى غير موصوفة بهذا الوصف كما في الحديث الذي ذكره المؤلف: " أو استأثرت به في علم الغيب عندك " فيه أسماء استأثر بها الله بها لم يطلع عليها أحدًا.

وما استأثر الله به فلا يمكن حصره ولا الإحاطة به، والجميع بين هذا وبين قوله في الحديث الصحيح:" إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة " إن معنى هذا الحديث إن من أسماء الله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، وليس المراد حصر أسماء الله تعالى بهذا العدد.

المراد وصفها بهذا الوصف من أحصاها دخل الجنة.

الفرع الثالث أسماء الله لا تثبت بالعقل بل بالشرع

ونظير هذا أن تقول عندي مائة درهم أعدتها للصدقة فلا ينافي أن يكون عندك دراهم أخرى أعدتها لغير الصدقة.

الفرع الثالث: أسماء الله لا تثبت بالعقل، وإنما تثبت بالشرع فهي توقيفية.

هذه قاعدة معروفة أن أسماء الله توقيفية، ومعنى توقيفية يعني: يُوقف على ما جاء به الشرع يعني: مأخوذة من الشرع من النصوص من الكتاب والسنة، العقل ليس له مجال ما نخترع لله أسماء من عند أنفسنا، بل الأسماء توقيفية ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء الله نُثبتها لله، وما جاء نفيه ننفيها عن الله، وما لم يرد في الكتاب والسنة نتوقف فيه، فالأسماء والصفات توقيفية.

ص: 6

الفرع الرابع كل اسم من أسماء الله يدل على ذات الله وعلى الصفة التي تضمنها

يتوقف في إثباتها على ما جاء عن الشرع فلا يُزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على الشرع؛ ولأن تسميته بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك.

الفرع الرابع: كل اسم من أسماء الله فإنه يدل على ذات الله وعلى الصفة التي تضمنها وعلى الأثر المترتب عليه إن كان متعديًّا، ولا يتم الإيمان بالاسم إلا بإثبات ذلك كله.

مثل الرحمن يدل على إثبات الذات، ويدل على إثبات هذا الاسم لله، ويدل على صفة الرحمة، ويدل على الأثر وهو رحمة الله لعباده.

القاعدة الثالثة في صفات الله

الفرع الأول صفات الله كلها عليا

مثل ذلك في غير المتعدي العظيم فلا يتم الإيمان به حتى نؤمن بإثباته اسمًا من أسماء الله دالا على ذاته تعالى، وعلى ما تضمنه من الصفة وهي العظمة، ومثال ذلك في المتعدي "الرحمن" فلا يتم الإيمان به حتى نؤمن بإثباته اسمًا من أسماء الله دالا على ذاته تعالى، وعلى ما تضمنه من الصفة وهي الرحمة، وعلى ما ترتب عليه أثر وهو أنه يرحم من يشاء.

القاعدة الثالثة في صفات الله: وتحتها فروع أيضًا:

الفرع الأول: صفات الله كلها عليا، صفات كمال ومدح ليس فيها نقص بوجه من الوجوه كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة والرحمة والعلو وغير ذلك؛ لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} (1) ؛ ولأن الرب كامل فوجب كمال صفاته.

(1) - سورة النحل آية: 60.

ص: 7

هذه قاعدة معلومة صفات الله كلها عليا وكلها كمال كما في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} (1) أي: الوصف الكامل كما أن أسماء الله حسنى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2) وكلها كمال والعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر؛ ولهذا إذا كانت الصفة تحتمل الكمال وتحتمل النقص ما يوصف الله بها إذا كانت تحتمل هذا وهذا فلا يوصف الله بها، من ذلك ما أحدثه بعض المبتدعة مثل: الجسم والحيز والعرض والجهة فهذه كلها تحتمل حقًّا وباطلا؛ فلذلك ما جاء الشرع بإثباتها. أما صفات الله فكلها كاملة، وأسماء الله كلها حسنى؛ فلذلك أطلقها الله سبحانه وتعالى على نفسه.

وإذا كانت الصفة نقصًا لا كمال فيها فهي ممتنعة في حقه كالموت والجهل والعجز والصمم والعمى ونحو ذلك؛ لأنه سبحانه عاقب الواصفين له بالنقص، ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص.

{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) } (3) سبح نفسه ونزه نفسه عما يصفه به المشركون من النقائص والعيوب.

لأن الرب لا يمكن أن يكون ناقصًا؛ لمنافاة النقص للربوبية.

لأن الرب كامل سبحانه وتعالى، الربوبية تقتضي الكمال فلا يمكن أن يكون الرب إلا كاملا.

وإذا كانت الصفة كمالا من وجه ونقصًا من وجه لم تكن ثابتة لله ولا ممتنعة عليه على سبيل الإطلاق، بل لا بد من التفصيل، تثبت لله في الحال التي تكون كمالا، وتمتنع في الحال التي تكون نقصًا كالمكر والكيد والخداع ونحوها فهذه الصفات تكون كمالا إذا كانت في مقابلة مثلها؛ لأنها تدل على أن فاعلها ليس بعاجز عن مقابلة عدوه بمثل فعله، وتكون نقصًا في غير هذه الحال فتثبت لله في الحال الأولى دون الثانية.

(1) - سورة النحل آية: 60.

(2)

- سورة الأعراف آية: 180.

(3)

- سورة المؤمنون آية: 91.

ص: 8

ولا تطلق على الله إلا باللفظ التي وردت مثل لفظ المكر جاء بلفظ الفعل {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) } (1) نقول: يمكر الله بمن مكر به، الله خير الماكرين، أما أن يُشتق وصف لله فيقال من وصف الله الماكر لا هذا نقص، ما يقال من وصف الله الماكر ولا من صفات الله المكر لكن بأنه يمكر بمن يمكر به:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} (2) ولا يكيد الله من كاده، ولا يشتق صفة لله فلا يقال من أوصاف الله الكائد لا {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (3) يستهزئ الله بالمنافقين على لفظ الفعل، ولا يقال من أوصاف الله المستهزئ، بخلاف الصفات التي جاء إطلاقها مثل العلم والحياة والسمع والبصر تطلق على الله.

فالصفات لها أحوال ثلاثة:

الحالة الأولى: أن تأتي الصفة مطلقة على الله مثل العلم والحياة نُطلقها على الله.

الحالة الثانية: تأتي على لفظ الفعل فلا تطلق على الله إلا على لفظ الفعل {يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) } (4) ، {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (5) ما يقال من أوصاف الله المستهزئ، يقال الله مستهزئ بالمنافقين.

الحالة الثالثة: تأتي على لفظ الفعل، وتأتي أيضًا مضافة مثل {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (6) نقول: إن الله خادع للمنافقين ، يخدع الله المنافقين {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (7) الله خادع للمنافقين، فإذا جاءت على لفظ الفعل تبقى على لفظ الفعل، وإذا جاءت مضافة مع لفظ الفعل تُثبت لله على الإضافة، وإذا جاءت مطلقة تُثبت مطلقة مثل الحياة والسمع والبصر هذه مطلقة بدون قيد.

(1) - سورة الأنفال آية: 30.

(2)

- سورة الأنفال آية: 30.

(3)

- سورة البقرة آية: 15.

(4)

- سورة الطارق آية: 15.

(5)

- سورة البقرة آية: 15.

(6)

- سورة النساء آية: 142.

(7)

- سورة النساء آية: 142.

ص: 9

قال الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) } (1){إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) } (2) .

ومن ذلك قوله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (3) الله تعالى كاد ليوسف في مقابل كيد إخوته له، إخوة يوسف كادوا له قال الله تعالى في أول سورة يوسف لما رأى يوسف الرؤية، وأخبر أباه:{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} (4) كادوا له كيف؟ القرآن الكريم دبروا حيلة ليأخذوه من أبيهم، وجاءوا لأبيهم وقالوا:{يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} (5) .

(1) - سورة الأنفال آية: 30.

(2)

- سورة الطارق آية: 15-16.

(3)

- سورة يوسف آية: 76.

(4)

- سورة يوسف آية: 5.

(5)

- سورة يوسف آية: 11-13.

ص: 10

فما زالوا حتى دفعه إليهم، فكادوا وألقوه في غيابة الجب كما قال الله في القرآن الكريم، ثم بعد ذلك بعد مدة طويلة لما صارت العاقبة الحميدة له، وصار على خزائن مصر وجاء إخوته إليه صار الناس كلهم يجيئون من كل مكان يكتالون بعدما جاءت السنين الجدب -كما هو معروف- يوسف عليه السلام، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته قال:{ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} (1) وإلا فلا كيل فعرفهم وهم لم يعرفوه قالوا: {سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) } (2) لنا أخ لكن متمسك به أبونا، فما زالوا بأبيهم حتى جاءوا به، بعد ذلك كاد الله ليوسف، يوسف قال لفتيانه: اجعلوا الصواع في رحل أخيه يعني: يُوهم أنه أخذه.

ثم بعد ذلك كال لهم، وذهبوا ثم جاءهم المنادي:{أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) } (3) ما جئنا لنفسد وما جئنا لنسرق، نحن الآن نريد أن نكتال ونذهب إلى أهلنا:{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} (4) الذي يوجد في رحله يؤخذ -هذا من الكيد- قال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} (5) كاد الله ليوسف: {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) } (6) .

(1) - سورة يوسف آية: 59.

(2)

- سورة يوسف آية: 61.

(3)

- سورة يوسف آية: 70-73.

(4)

- سورة يوسف آية: 74-75.

(5)

- سورة يوسف آية: 76.

(6)

- سورة يوسف آية: 75.

ص: 11

بعد ذلك قال: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} (1) يعني: لو لم يقولوا هذا القول استطاعوا أن يأخذوه؛ لأنه في دين الملك وفي شريعة الملك ما يؤخذ بالصواع يكون له عقوبة أخرى غير هذه، لكن لما هم حكموا على أنفسهم قالوا:{مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} (2) خلاص بعد ذلك قالوا: خذ أحدنا مكانه، قال: لا نحن لسنا ظالمين {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) } (3) أنتم حكمتم خلاص وجدناه، نأخذ من وجدناه عنده، هذا من الكيد الذي كاده الله ليوسف مقابل كيدهم السابق، كيد في مقابل كيد:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (4) ما كان في شريعة الملك إلا أن يأخذوا إلا بهذا الكيد.

الفرع الثاني صفات الله تنقسم إلى ثبوتية وسلبية

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (5) إلى غير ذلك، فإذا قيل: هل يوصف الله بالمكر مثلا؟ فلا تقل نعم، ولا تقل لا، ولكن قل هو ماكر بمن يستحق ذلك والله أعلم.

الفرع الثاني: صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية، فالثبوتية: ما أثبتها الله لنفسه كالحياة والعلم والقدرة، ويجب إثباتها لله على الوجه اللائق به؛ لأن الله أثبتها لنفسه، وهو أعلم بصفاته، والسلبية: هي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم فيجب نفيها عن الله.

(1) - سورة يوسف آية: 76.

(2)

- سورة يوسف آية: 75.

(3)

- سورة يوسف آية: 79.

(4)

- سورة يوسف آية: 76.

(5)

- سورة النساء آية: 142.

ص: 12

لكنها تستلزم إثبات ضدها من الكمال، كما ذكر ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية: الصفات تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية، ثبوتية: مثل السمع والحياة والبصر، سلبية النفي لكنها تستلزم إثبات ضدها من الكمال ليس نفيا صرفا؛ لأن النفي الصرف المحض لا كمال فيه مثل نفي الظلم، نفى الله عن نفسه الظلم إثبات كمال العدل {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) } (1) ؛ لكمال عدله، نفى أن يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض؛ لكمال علمه:{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} (2) ؛ لكمال علمه.

نفى الموت {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (3) السنة والنوم؛ لكمال حياته وقيوميته {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} (4) ؛ لكمال قوته وقدرته، وهكذا فالنفي ليس نفيا صرفا وإنما هو نفي يستلزم إثبات ضده من الكمال.

والسلبية هي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم فيجب نفيها عن الله؛ لأن الله نفاها عن نفسه لكن يجب اعتقاد ضدها لله على الوجه الأكمل، لأن النفي لا يكون كمالا حتى يضمن ثبوتا، مثال ذلك قول الله تعالى:{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) } (5) فيجب نفي الظلم عن الله مع اعتقاد ثبوت العدل على الوجه الأكمل.

ومثال النفي الصرف الذي لا كمال فيه مثل قول الشاعر يذم قبيلة:

قُبَيِّلة لا يغدرون بذمة

ولا يظلمون الناس حبة خردل

نفى عنهم الغدر، ونفى عنهم الظلم، لكن كمال عجزهم لا يغدرن لعجزهم، وهذا نفي صرف. متى يكون كمالا إذا كان لا يغدر وهو قادر؟، أما إذا كان عاجزا ما صار كمالا؛ ولهذا صغرهم فقال:

قُبَيِّلة لا يغدرون بذمة

ولا يظلمون الناس حبة خردل

(1) - سورة الكهف آية: 49.

(2)

- سورة يونس آية: 61.

(3)

- سورة البقرة آية: 255.

(4)

- سورة البقرة آية: 255.

(5)

- سورة الكهف آية: 49.

ص: 13

هذا كمال لا يغدرون ولا يظلمون لكن لعجزهم لو قدروا لظلموا وغدروا لكنهم لا يغدرون ولا يظلمون لعجزهم هذا نفي صرف لا يأتي في صفات الله عز وجل.

الفرع الثالث الصفات الثبوتية تنقسم إلى ذاتية وفعلية

الفرع الثالث: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية، فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفا بها كالسمع والبصر، والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والمجيء، وربما تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام فإنه باعتبار أصل الصفة صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلما، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام متعلق بمشيئته يتكلم بما شاء متى شاء.

الصفات كما سبق تنقسم إلى: سلبية وثبوتية، والسلبية كما تقدم متضمنة لإثبات ضدها من الكمال كنفي السنة والنوم لإثبات كمال الحياة والقيومية، نفي عزوب شيء عنه لإثبات كمال علمه {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} (1) وهكذا نفي الظلم لإثبات كمال عدله.

هذه إثبات الصفات السلبية، لا ترد في جناب الرب سبحانه وتعالى لا ترد صفة سلبية إلا لإثبات ضدها من الكمال.

(1) - سورة يونس آية: 61.

ص: 14

{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (1) لكمال حياته وقيوميته، {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} (2) لإثبات كمال علمه، {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} (3) لإثبات كمال قوته واقتداره {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) } (4) ؛ لكمال عدله، وهكذا لأن النفي الذي لا يتضمن إثبات ضده من الكمال نفي محض، والنفي المحض لا كمال فيه، يوصف به الجماد كالجدار وغيره، يوصف بالصفات السلبية التي لا تتضمن كمالا ومن ذلك المخلوق الذي يوصف بصفة لا تتضمن إثبات ضدها من الكمال مثل الشاعر كما سبق يذم القبيلة:

قُبَيِّلَة لا يغدرون بذمة

ولا يظلمون الناس حبة خردل

نفى عنهم الغدر، ونفى عنهم الظلم مع عجزهم لا يسمى كمالا لا يغدرون لأنهم عاجزون، هم لو قدروا لغدروا، ولا يظلمون لكونهم عاجزين، ولا تكون كمالا إلا إذا كانت مع القدرة، الذي لا يغدر مع القدرة على الغدر هذا هو الكمال، والذي لا يظلم مع القدرة على الظلم هذا هو الكمال، أما إذا كان عاجزا فلا يكون كاملا.

ثم الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية وصفات فعلية.

صفات ذاتية: ضابطها أنها لا تنفك عن الباري في وقت من الأوقات كالسمع والبصر والعلم والقدرة والحياة والعلو والعظمة والكبرياء والعزة هذه ملازمة لله ما يقال في وقت عالي وفي وقت ليس بعالي. ثبوتية ذاتية لا تنفك عن الباري.

(1) - سورة البقرة آية: 255.

(2)

- سورة سبأ آية: 3.

(3)

- سورة البقرة آية: 255.

(4)

- سورة الكهف آية: 49.

ص: 15

أما الصفات الفعلية: فهي التي تتعلق بالمشيئة والاختيار مثل الكلام والخلق والرزق والإماتة والإحياء والاستواء والنزول هذه صفات فعلية ينزل إذا شاء، استوى على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض دل على أنه في وقت كان مستويًا، وفي وقت لم يكن مستويًا، والكلام يقال إنه صفة ذاتية وصفة فعلية باعتبار ذات أصل الكلام هو ذاتي؛ لأن نوع الكلام قديم، أما أفراد الكلام فهي حادثة يتكلم إذا شاء لكن أصل الكلام قديم لم يزل ولا يزال خلافًا للكرامية الذين يقولون: إن الرب كان معطلا عن الكلام، هناك فترة كان الكلام ممتنعا على الرب ثم انقلب فجأة فصار متكلما هذا من أبطل الباطل -كلام الكرامية-، وشبهتهم في هذا أنهم يقولون: إذا قلنا إن الرب يتكلم لزم من ذلك تسلسل الحوادث؛ لأن الله يخلق بالكلام فتكون الحوادث متسلسلة، فإذا تسلسلت انسد علينا طريق إثبات الصانع فلا نستطيع أن نثبت أن الله هو الأول إلا بإثبات فترة فنقول هذا من أبطل الباطل إثبات ما عليها دليل.

ثانيًا: أنه يلزم منها خلو الرب من الكمال من الخلق والكلام صفة الكمال والخلق والفعل كمال {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) } (1){فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } (2) ما دليلكم على هذه الفترة؟

أما هذه الشبهة فإنها تزول فإننا نقول أن كل فرد من الأفراد المخلوقات المتسلسلة مسبوق بالعدم أوجده الله بعد أن لم يكن خلقه الله بعد أن لم يكن خلقه الله مسبوق بالعدم أوجده الله ويكفي هذا، أما إيجاد فترة وإثبات فترة فهذا باطل وليس عليه دليل، ويلزم منه تنقص الرب سبحانه وتعالى وتعطيله من صفات الكمال الخلق والفعل.

الفرع الرابع كل صفة من صفات الله فإنه يتوجه عليها ثلاثة أسئلة

الفرع الرابع: كل صفة من صفات الله فإنه يتوجه عليها ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول: هل هي حقيقة ولماذا؟

السؤال الثاني: هل يجوز تكييفها ولماذا؟

(1) - سورة الحجر آية: 86.

(2)

- سورة هود آية: 107.

ص: 16

السؤال الثالث: هل تماثل صفات المخلوقين ولماذا؟

فجواب السؤال الأول: نعم حقيقة لأن الأصل في الكلام الحقيقة فلا يعدل عنها إلا بدليل صحيح يمنع منها.

وجواب الثاني: لا يجوز تكييفها؛ لقوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) } (1) ، ولأن العقل لا يمكنه إدراك صفات الله.

وجواب الثالث: لا تماثل صفات المخلوقين لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (2) ولأن الله مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه فلا يمكن أن يماثل المخلوق؛ لأنه ناقص والخلق بين التمثيل والتكييف أن التمثيل ذكر كيفية الصفة مقيدة بمماثل، والتكييف ذكر كيفية الصفة غير مقيدة بمماثل.

التمثيل يعني يقول مثل كذا الصفة مثل صفة المخلوق هذا التمثيل والتكييف يقول لها كيفية كذا وكذا لها كيفية ولا يحددها، التكييف منفي والتمثيل منفي فصفات الله لها كيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه، لا يعلم البشر شيئا فلا يجوز للمخلوق أن يمثل ولا يكيف.

القاعدة الرابعة في الرد على المعطلة

مثال التمثيل أن يقول قائل يد الله كيد الإنسان ومثال التكييف أن يتخيل ليد الله كيفية معينة لا مثيل لها في أيدي المخلوقين فلا يجوز هذا التخيل.

القاعدة الرابعة فيما نرد على المعطلة، المعطلة هم الذين ينكرون شيئا من أسماء الله أو صفاته، ويحرفون النصوص عن ظاهرها ويقال لهم المؤولة.

(1) - سورة طه آية: 110.

(2)

- سورة الشورى آية: 11.

ص: 17

المعطلة من التعطيل وهو خلو وفراغ الترك، ومنه قولهم:{وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} (1) وهي التي عطلت من الدلاء فلا ينزح منها الماء: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) } (2) ويقال امرأ ة عطل إذا لم يكن عليها حلي وعطل الإبل عن رعيها والدار عن ساكنها فالدار إذا لم يكن فيها ساكن يقال معطلة، والمرأة إذا لم يكن عليها حلي يقال معطلة في مادة (ع ط ل) تدل على الخلو والفراغ والترك، وكذلك من عطل هذا العالم المخلوقات عن صانعه خلقه وأوجده يقال: معطل الجاحد الملحد الذي يعطل المخلوقات من خالقها يقال معطل، وكذلك من أنكر الأسماء والصفات يقال له معطل؛ لأنه عطل الخالق من كماله وهم ثلاثة طبقات -المعطلة-:

الطبقة الأولى: الذين ينكرون وهم الجهمية وهؤلاء أشدهم تعطيلا.

الطبقة الثانية: الذين يعطلون الصفات ويثبتون الأسماء، ينكرون الصفات ويثبتون الأسماء هؤلاء يقال لهم معتزلة.

الطائفة الثالثة: الذين يثبتون الأسماء وسبع صفات وينكرون بقية الصفات، يثبتون سبع وهي: الحياة والكلام والسمع والبصر والإرادة والقدرة والعلم:

له الحياة والكلام والبصر

سمع وإرادة وعلم واقتدر

وينكرون بقية الصفات وهم الأشاعرة، بعضهم يثبت عشرين، وبعضهم يثبت أربعين، وهؤلاء أقلهم تعقيدا، وأقربهم إلى أهل السنة وهم الأشاعرة.

بيان معنى لمعة الاعتقاد

ويقال لهم المؤولة والقاعدة العامة فيما نرد به عليهم أن نقول قولهم خلاف ظاهر النصوص وخلاف طريقة السلف، وليس عليه دليل صحيح، وربما يكون في بعض الصفات وجه رابع أو أكثر.

لمعة الاعتقاد:

اللمعة تطلق في اللغة العربية على معان: منها البلغة من العيش وهذا المعنى أنسب معنى لموضوع هذا الكتاب، فمعنى لمعة الاعتقاد هنا: البلغة من الاعتقاد الصحيح المطابق لمذهب السلف -رضوان الله عليهم-.

والاعتقاد: الحكم الذهني الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإلا ففاسد.

(1) - سورة الحج آية: 45.

(2)

- سورة الحج آية: 45.

هذا الاعتقاد الحكم الذهني الجازم ولكن قد يكون حقا وقد يكون باطلا، فأهل السنة عندهم اعتقاد صحيح وأهل البدع عندهم اعتقاد جازم لكنه باطل يكون غير موافق للحق، المعتزلة يعتقدون أن الله لا يتصف بالصفات لكن هذا باطل وإن كانوا يعتقدون ذلك. لمعة الاعتقاد يعني: شيء من الاعتقاد الصحيح الذي يوافق الكتاب والسنة.

ص: 18