المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: "فألحقت" الفاء للترتيب الذكري، لأن إلحاق أولى الخرق بأخراه - تفريج الكرب في معرفة لامية العرب

[ابن زاكور]

الفصل: قوله: "فألحقت" الفاء للترتيب الذكري، لأن إلحاق أولى الخرق بأخراه

قوله: "فألحقت" الفاء للترتيب الذكري، لأن إلحاق أولى الخرق بأخراه نفس قطعه لا غيره، رتب عليه، وعطفه عليه لتفصيله إجمال القطع، لأن في إلحاق الأولى بالأخرى تنصيصا على أنه استوعب بالسير، ولم يترك منه شيئا، والقطع له محتمل لغير ذلك من الاقتصار على معظمه مثلا، والله أعلم سبحانه.

والمعنى أنه فعل ما ذكر من إلحاق إحدى الغايتين بالأخرى في حال كونه مشرفا على رأس جبل، ربيئة، وفي حال كونه يجلس على أليتيه مرارا، وينتصب مرارا أخرى، قائما يقعي إذا خاف أن يفطن له ويعلم بمكانه، وينتصب إذا أمن من ذلك ليشرف على من تحته ليرصده للغارة، إن أمكنته فرصة انتهزها. ومن جملة أحواله في إشرافه على القنة ما قرره بقوله:

ترود الأراوي الصحم حولي كأنها

عذارى عليهن الملاء المذيل.

ترود: أي تجيء وتذهب، وتقبل وتدبر في طلب ما تأكله. وواحد الأراوي: أروية وهي الشياه الجبلية. وإملاء، اسم جمع، وهي الريطة والملحفة. والمذيل: المطال. والصحم، جمع أصحم وصمحاء: وهو ما في لونه صحمة-بضم الصاد-أي صفرة تضرب إلى السواد.

والمعنى إن إيفاءه على القنة كما كان في حال إقعائه مرة ومثوله أخرى، كان أيضاً في حال رود شياه الجبل الصحم حوله.

والمقصود انه ارتقى إلى موضع من الجبل ليس فيه إلا الأروية فهي تجي وتذهب، غير مكترثة به لأمنها من أن تؤتى هنالك بمكروه، أو لأنها ألفته وأنست به فهي لذلك لا تنفر منه، وقد شبهها في حالة رودها حوله-بالأبكار اللائي لبست الملاحف المذيلة.

ويدل لما قلن له آنفاً من أن ترددها حوله سببه الإلف والأنس قوله:

ويركدن بلآصال حولي كأنني

من العصم أدفى ينتحي الكيح أعقل.

فإنه صريح في ذلك. وركود الروية: ربوضها، أي بروكها ساكنة. والآصال، جمع أصيل: وهو العشي. والعصم، جمع اعصم، وعصماء: وهو ما في معاصمه بياض من الوعول والظباء. والأدفى الذي طال قرناه وانعطفا إلى ظهره حتى كادا يمسان عجزه. والأعقل: الذي تدانت رجلاه، والانتحاء: القصد. والكيح-بالكاف المكسورة فالياء فالحاء المهملة-: سفح الجبل وسنده.

فقوله: "كأنني من العصم" في محل نصب على الحال من الياء في "حولي". و "من العصم" حال من "أدفى" ، وهو في الصل نعت له، فلما قدم عيه انتصب على الحال كغيره من نعوت النكرة المتقدم عليها. وأعقل ك "ينتحي الكيح" نعتان ل "أدفى".

والمعنى: أن الأروية-من فرط أنسهن بي-يرقدن فيما قرب مني عند العشي حتى أشبهت بمخالطتهن لي، وعدم استيحاشهن بمكاني، وعلا طال قرناه، وانعطفا إلى ناحية أليتيه في حال كونه من الأروية التي ابيضت معاصمها موصوفا بتداني الرجلين، ويقصد سفح الجبل.

جعل الله إليه قصدنا، وحصر في قصده مقاصدنا، آمين، والحمد لله أجل مقصود، وأعظم محمود، على تمام ما قصدنا من شرح "‌

‌لامية العرب

" ، والشكر له على ما يسره من ذلك وسناه، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله وسلم على أفصح العرب قاطبة، سيدنا محمد، الذي فصاحة كل فصيح من فصاحته راهبة، وعلى أله وأصحابه المقتبسين من فصاحته ما امتطوا إليه سنام البيان وغاربه، ووافق تمام تبيضه عشية الخميس لليال خلت من ربيع النبوي سنة اثنتي عشرة ومئة وألف. وكتب مؤلفه محمد بن قاسم ابن محمد بن عبد الواحد بين زاكور.

قال رحمه الله: بلغت المطالعة برسم التحرير، والحمد لله العلي الكبير، وفي يوم الخميس التالي لما قبله عرفنا الله خيره وخير ما بعده، ووقانا ضير ذلك آمين، وصلى الله وسلم على النبي محمد الآمين، وعلى أله وحبه، ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين، وكتب محمد بن قاسم بن محمد بن عبد الواحد ابن زاكور وكان الله له آمين ولجميع المؤمنين.

انتهى بحمد الله تعالى وحسن عونه وتوفيقه الجميل على يد كاتبه لنفسه، ثم لمن شاء الله من بعده، أحمد بن المؤلف المذكور صبيحة يوم الخميس من محرم الحرام مفتتح عام ثلاثة وعشرين ومئة وألف والحمد لله على ذلك، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

لامية العرب

أقيموا بني أمي صدور مطيكم

فإني إلى قوم سواكم لأميل.

فقد حمت الحاجات والليل مقمر

وشدت لطيات مطايا وأرحل.

وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى

وفيها لمن خاف القلى متحول.

ص: 17

لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئٍ

سرى راغبا أو راهبا وهو يعقر.

ولي دونكم أهلون سيد عملس

وأرقط زهلول وعرفاء جيأل.

هم الرهط لا مستودع السر شائع

لديهم ولا الجاني بما يجر يخذل.

وكل أبي باسل غير أنني

إذا عرضت أولى الطرائد أبسل.

وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذ أشجع القوم أعجل.

وما ذاك إلا بسطة عن تفضل

عليهم وكان الأفضل المتفضل.

وإني كفاني فقد من ليس جازيا

بحسنى ولا في قربه متعلل.

ثلاثة أصحاب فؤاد مشيع

وأبيض إصليت، وصفراء عيطل.

هتوف من الملس المتون يزينها

رصائع قد نيطت عليها ومحمل.

إذا زال عنها السهم حنت كأنها

مرزأة عجلى ترن وتعول.

ولست بمهياف يعشي سوامه

مجدعة سقبانها وهي بهل.

ولا جبإ أكهى مرب بعرسه

يطالعها في شأنه كيف يفعل.

لا خرق هيق كأن فؤاده

يظل به المكاء يعلو ويسفل.

ولا خالف دارية متغزل

يروح ويغدو داهنا يتكحل.

ولست بعل شره دون خيره

ألف إذا ما رعته اهتاج أعزل.

ولست بمحيار الظلام إذا انتحت

هدى الهوجل العسيف يهماء يعمل.

إذا الأمعز الصوان لاقى مناسمي

تطاير منه قادح ومفلل.

أديم مطال الجوع حتى أميته

واضرب عنه الذكر صفحا فأذهل.

وأستف ترب الأرض كي لا يرى به

علي من الطول امرؤ متطول.

ولولا اجتناب الذم لم يلف مشرب

يعاش به إلا لدي ومأكل.

ولكن نفسا حرة لا تقيم بي

على الذم إلا ريثما أتحول.

واطوي على الخمص الحوايا كما انطوت

خيوطة ماري تغار وتفتل.

وأغدو إلى القوت الزهيد كما غدا

أزل تهاداه التنائف أطحل.

غدا طاوياً يعارض الريح حافيا

يخوت بأذناب الشعاب ويعسل.

فلما لواه القوت من حيث أمه

دعا فأجابته نظائر نحل.

مهللة شييب الوجوه كأنها

قداح بكفي ياسر تتقلقل.

أو الخشرم المبعوث حثحث دبره

محابيض أرساهن سام معسل.

مهرتة فوه كأن شداقها

شقوق العصي كالحات وبسل.

فضج وضجت بالبراح كأنها

وإياه نوح فوق علياء ثكل.

فأغضى وأغضت وابتسى وابتست به

مرامل عزاها وعزته مرمل.

شكا وشكت ثم ارعوى بعد وارعوت

وللصبر إذ لم ينفع الصبر أجمل.

وفاء وفاءت بادرات وكلها

على نكظ مما يكاتم مجمل.

وأشرب أسآر القطا الكدر بعدما

سرت قربا أحناؤها تتصلصل.

هممت وهمت وابتدرنا فأسدلت

وشمر مني فارط متمهل.

فوليت عنها وهي تكبو لعقره

تباشره منها ذقون وحوصل.

كأن وغاها حجرتيه وجاله

أضاميم من سفر القبائل نزل.

توافين من شتا إليه فضمها

كما ضم اذواد الأصاريم منهل.

فعبت غشاشا ثم ولت كأنها

مع الصبح ركب من أحاظة مجفل.

وآلف وجه الأرض عند افتراشها

بأهدأ تنئيه سناسن قحل.

وأعدل منحوضاً كأن فصوصه

كعاب دحاها لاعب فهي مثل.

فإن تبتئس بالشنفرى أم قسطل

فما اغتبطت بالشنفرى قبل أطول.

طريد جنايات تياسرن لحمه

عقيرته لأيها حم أول.

تنام إذا ما نام يقظى عيونها

حثاثا إلى مكروهه تتغلغل.

وإلف هموم لا تزال تعوده

عياد الحمي الربع أو هي أثقل.

إذا وردت أصدرتها ثم إنها

تثوب فتأتي من تحيت ومن عل.

فإما تريني كابنة الرمل ضاحياً

على رقة أخفى ولا أتنعل.

فإني لمولى الصبر أجتاب بزه

على مثل قلب السمع والحزم افعل.

وأعدم أحياناً وأغنى وإنما

ينال الغنى ذو البعدة المتبذل.

فلا جزع من خلة متكشف

ولا مرح تحت الغنى أتخيل.

ولا تزدهي الأجهال حلمي ولا أرى

سؤولاً بأعقاب الأقاويل أنمل.

وليلة نحس يصطلي القوس ربها

وأقطعه اللاتي بها يتنبل.

دعست على غطش وبغش وصحبتي

سعار وإرزيز ووجر وأفكل.

ص: 18

فأيمت نسوانا وأيتمت إلدة

وعدت كما أبدت والليل أليل.

وأصبح عني بالغميصاء جالسا

فريقان: مسؤول وأخر يسأل.

فقالوا: لقد هرت بليل كلابنا

فقلنا: أذئب عسى؟ أم عسى فرعل؟.

فلم يك إلا نبأة ثم هومت

فقلنا: قطاة ريع؟ أم ريع أجدل؟.

فإن يك من جن لأبرح طارقا

وإن يكن إنسا ماكها الإنس تفعل.

ويوم من الشعرى تذوب لؤابه

أفاعيه في رمضائه تتململ.

نصبت له وجهي ولا كن دونه

ولا ستر إلا الأتحمي المرعبل.

وضاف إذا هبت له الريح طيرت

لبائد عن أعطافه ما ترجل.

بعيد بمس الدهن والفلي عهده

له عبس عاف من الغسل محول.

وخرق كظهر الترس قفر قطعته

بعاملتين ظهره ليس يعمل.

فألحقت أولاه بأخراه موفيا

على قنة أقعي مرارا وأمثل.

ترود الأراوي الصحم حولي كأنها

عذارى عليهن الملاء المذيل.

ويركدن بالآصال حولي كأنني

من العصم أدفى ينتحي الكيح أعقل.

ص: 19