المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خاتمةفي ذكر ما ينبغي لأهل البيت النبوي من الآداب الزكيةوالأخلاق السنية والهمم العلية - آداب العلماء والمتعلمين

[الحسين بن المنصور اليمني]

الفصل: ‌خاتمةفي ذكر ما ينبغي لأهل البيت النبوي من الآداب الزكيةوالأخلاق السنية والهمم العلية

الثامن: إذا أراد إن يخرج شيئاً في الحاشية ويسمى اللحق بفتح " الحاء "، علم له في موضعه بخط منعطف قليلاً إلى جهة التخريج، وجهة اليمين أولى إن أمكن ثم يكتب التخريج في محاذاة العلامة صاعداً إلى أعلى الورقة، لا نازلاً إلى أسفلها، لاحتمال تخريج آخر بعده، ويجعل رأس الحروف إلى جهة اليمين، سواء كان في جهة يمين الكتابة أو يسارها، وينبغي إن يحسب الساقط وما يجيء منه من الأسطر قبل إن يكتبها، فإن كان سطرين أو أكثر جعل آخر سطر منها يلي الكتابة إن كان التخريج عن يمينها، وإن كان التخريج عن يسارها جعل أول الأسطر مما يليها ولا يوصل الكتابة والأسطر بحاشية الورقة، بل يدع مقداراً يحتمل الحك عند حاجته مرات، ثم يكتب في آخر التخريج " صح "، وبعضهم يكتب بعد صح الكلمة التي تلي آخر التخريج في متن الكتاب علامة على اتصال الكلام.

التاسع: لا بأس بكتابة الحواشي والفوائد والتنبيهات المهمة على حواشي كتاب يملكه ولا يكتب في آخره " صح " فرقاً بينه وبين التخريج، وبعضهم يكتب عليه حاشية أو قائدة، وبعضهم يكتب في آخرها دارة كذا. ولا ينبغي إن يكتب إلا الفوائد المهمة المتعلقة بذلك الكتاب، مثل تنبيه على إشكال أو احتراز، أو رمز أو خطأ، أو نحو ذلك، ولا يسوده بنقل المسائل والفروع الغريبة، ولا يكثر الحواشي كثرة يظلم الكتاب أو تضيع مواضعها على طالبها، ولا ينبغي الكتابة بين الأسطر، وقد فعله بعضهم بين الأسطر المفرقه بالحمرة وغيرها، وترك ذلك أولى مطلقاً.

العاشر: لا باًس بكتابة الأبواب والتراجم والفصول بالحمرة، فإنه أظهر في البيان وفي فواصل الكلام، وكذلك لا بأس بالرمز به على أسماء أو مذاهب، أو أقوال أو طرق، أو أنواع، أو لغات، أو أعداد ونحو ذلك، ومتى فعل ذلك بين اصطلاحه في فاتحة الكتاب ليفهم الخائض فيه معانيها. وقد رمز بالأحمر جماعة من المحدثين من الفقهاء وغيرهم لقصد الاختصار، فإن لم يكن ما ذكرناه من الأبواب والفصول والتراجم بالحمرة، أتى بما يميزه من تغليظ القلم وطول المشق واتحاده في السطر، ونحو ذلك، ليسهل الوقوف عليه عند قصده وينبغي إن يفصل بين كل كلامين بدارة أو ترجمة أو قلم غليظ، ولا يوصل الكتابة كلها على طريقة واحدة، لما فيه من عسر استخراج المقصود، وتضييع الزمان فيه، ولا يفعل ذلك إلا غبي جداً.

الحادي عشر: قالوا: الضرب أولى من الحك، لا سيما في كتب الحديث لأن في تهمة وجهالة، ولأن زمانه اكثر فيضيع وفعله خطر فربما نقب الورقة، وافسد ما ينفذ إليه فأضعفها فإن كان إزالة نقطة أو شكله ونحو ذلك فالحك أولى، وإذا صحح الكتاب على الشيخ أو في المقابلة علم على موضع وقوفه، بلغ أو بلغت أو بلغ العرض، أو غير ذلك مما يفيد معناه.

‌خاتمة

في ذكر ما ينبغي لأهل البيت النبوي من الآداب الزكية

والأخلاق السنية والهمم العلية

وذلك خمسة أنواع:

ص: 24

الأول: بذل الهمة في تحصيل العلوم الشرعية خصوصاً الكتاب العزيز والسنة النبوية، لأن أولى الناس بذلك أهل البيت النبوي، ولم يزل سلفهم رضوان الله عليهم على ذلك، فإن العلوم الشرعية ما طهرت وانتشرت إلا من عنصر بيتهم الشريف فكيف لا يهتفون بهذا، وهذا عبد الله بن عباس الحبر رضي الله عنهما يقول: طلبت العلم فلم أجد أكثر منه في الأنصار، فكنت آتي الرجل فأسأل عنة، فيقال لي: نائم، فأتوسد ردائي ثم اضطجع، حتى يخرج إلي الظهر فيقول: متى كنت هنا يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فأقول: منذ طويل، فيقول ة بئس ما صنعت.. هل أعلمتني؟ فأقول: أردت إن تخرج إلي وقد قضيت حاجتك. وفي رواية عنه قال: وجدت أكثر حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند هذا الحي من الأنصار، والله إن كنت لآتي الرجل منهم فيقال: هو نائم، فلو شئت إن يوقظ لي. فادعه حتى يخرج لأستطيب بذلك حديثه، رواه الدارمي في مسنده واخرج في الصفوة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يفتقرون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فيهم، قال: فتركته وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحديث، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد الباب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك، فأقول بل أنت أحق إن آتيك، فأسأله عن الحديث. فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس حولي يسألوني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني. وأخرجه الخطيب في الجامع من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، إلا أنه قال: فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تنفخ الريح علِى التراب، والباقي سواء، وقد تقدم قول ابن عباس: ذلك طالباً فعززت مطلوباً، فقد أفضى ذلك بابن عباس إلى كمال الشرف والفخار، وأخرج الخطيب في الجامع عن الشعبي قال: أخذ ابن عباس رضي الله عنهما بركاب زيد ابن ثابت فقال له: أتمسك بي وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء، وأخرج أيضاً عن الحسن قال: رئي ابن عباس رضي الله عنهما آخذاً بركاب أبي بن كعب فقيل له: أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتأخذ بركاب رجل من الأنصار؟ فقال: أنه ينبغي للحبر إن يعظم ويشرف، وقد تقدم ما روي إن علياً بن الحسين عليهما السلام كان يذهب إلى زيد بن اسلم، فيجلس إليه يعني للأخذ عنه، فقيل له: أنت سيد الناس وأفضلهم، تذهب إلى هذا العبد فتجلس إليه؟ فقال: العلم يتبع حيث كان وممن كان، أي إن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الشريف كل الشريف من شرفه علمه، والسؤدد حق السؤدد لمن اتقى ربه، والكريم من أكرم عن ذل النار وجهه، وما أحسن قول امرئ القيس:

لسنا وإن أحسابنا كرمت

يوماً على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا

تبني ونفعل مثلما فعلوا

وقال محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضي الله عنهم: كنت أطلب العلم في دور الأنصار حتى أني لأتوسد عتبة أحدهم فيوقظني الإنسان فيقول: إن سيدك قد خرج إلى الصلاة وما يحسبني إلا عبده.

ص: 25

الثاني: تطهير القلب من كل دنس، وغل، وحسد، وخلق ذميم، وسوء عقيدة، فإنها من خبايات القلب، قال الله تعالى:(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) . وأيضاً فبذلك يحصل التهيؤ لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائقه وغوامض حقائقه. وقد سبق في آداب المتعلم إن بعضهم قال: العلم صلاة السر وعبادة القلب وقربة الباطن، وكما لا تصلح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث، فكذلك لا يصلح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبيث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها، وإذا طيب القلب للعلم ظهرت بركته ونما كالأرض إذا طيبت للزرع نما زرعها وزكا، ثم لا بد من حسن النية في طلب العلم، بأن يقصد به امتثال أمر الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأحيا شريعته والدخول في سلسلة العلم المنتهية إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، محققاً بذلك حصول النسبتين، وإن يعد في جملة مبلغي وحي الله وأحكامه وتنوير قلبه، إلى غير ذلك مما أسلفناه مع سائر ما تضمنه من آداب العالم والمتعلم، فعليك بتدبره وتذكره باعتبار الصدق والإخلاص، فقد قال الجنيد رحمه الله: ما طلب أحد شيئاً بجد وصدق إلا ناله، فإن لم ينله كله، نال بعضه. وانشد أبو يعلي الموصلي:

أصبر على مضض الادلاج بالسحر

وبالرواح على الحاجات والكبر

لا تعجزن ولا يضجرك مطلبها

فالنجح يتلف بين العجز والضجر

إني رأيت وفي الأيام تجربة

للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقل من جد في أمر يطالبه

واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

وإياك إن تقصد بالعلم الأغراض الدنيوية من تحصيل الرئاسة والجاه والمال، والتصدر في المجالس فيحبط عملك ويكشف نور علمك ويضيع تعبك، وتكون ممن لم ينفعه الله بعلمه، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من علم لا ينفع والتوسل بالعلم الذي هو أعظم العبادات إليها من أعظم الصوارف عنها.

الثالث: اجتناب كل ما يستقبح شرعاً فإن القبيح من أهل هذا البيت أقبح منه من غجرهم، ولهذا قال العباس رضي الله عنه لأبنه عبد الله، كما في تاريخ دمشق: يا بني إن الكذب ليس بأحد من هذه الأمة أقبح منه بي وبك وبأهل بيتك، يا بني لا تكونن بشيء مما خلق الله أحب إليك من طاعته ولا أكره إليك من معصيته، فإن الله عز وجل ينفعك بذلك في الدنيا والآخرة. وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: لن يستكمل المرء حقيقة الإِيمان حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه، وقال: من لزم الاستقامة لزمته السلامة، وجماع ذلك كله ما جاء من إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته.

وقال الحسن المثنى عليه السلام: وإني أخاف إن يضاعف للعاصي.

منا العذاب ضعفين، ووالله إني لأرجو إن يؤتى المحسن أجره منا مرتين. وقد أخرج الخطيب البغدادي في الجامع عن جابر بن عبد الله: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله يحب معاني الأخلاق ويكره سفاسفها. واخرج أيضاً عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله يحب معاني الأخلاق وأشرفها ويكره سفاسفها. وأخرج أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق، وأولى الخلق بذلك أهل البيت النبوي، لمضاهاة ذلك تكريم محتدهم وتشريف نسبهم ولتكون حشمتهم في النفوس موفورة وحرمة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم محفوظة، حتى لا ينطق بذمهم لسان ولا يشنؤهم إنسان، وأولى الناس مروءة من كانت له نبوة النبوءة.

ص: 26

الرابع: ترك الفخر بالإباء وعدم التعويل عليهم من غير اكتساب للفضائل الدينية، فقد قال الله تعالى:(إن أكرمكم عند الله اتقاكم) . وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أي الناس أكرم؟ فقال أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا ليس عن هذا نسألك، قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. وروى العسكري والقضاعِي وغيرهما عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. وهو في صحيح مسلم في جملة حديث. وجاء عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم في الإشارة إلى سلوك التواضع، وإطراح المفاخر، قوله: أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد، وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، هون عليك فلست بملك إنما أنا عبد.

وأخرج الدارمي وغيره، عن عياض بن حمار، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله عز وجل أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر بعضكم على بعض. وقد جاء في أحاديث كثيرة حثه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل بيته على خشية الله واتقائه وطاعته، وتحذيرهم ألا يكون أحد أقرب إليه منهم بالتقوى يوم القيامة، وإن لا يؤثروا الدنيا على الآخرة اغتراراً بنسبهم، كما في حديث أبي هريرة، قال: لما نزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاجتمعوا قريشا فعم وخص، فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً تسابلها ببلالها؛ أخرجه مسلم في صحيحه وكذا البخاري بدون الاستثناء.

وحديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا بني هاشم لا يأتين الناس يوم القيامة بالآخرة يحملونها على صدورهم وتأتوني بالدنيا على ظهوركم لا أغني عنكم من الله شيئاً؛ أخرجه أبو الشيخ وابن حبات. وحديث معاذ رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما بعثه إلى اليمن خرج معه يوصيه، ثم التف إلى المدينة فقال: أن أهل بيتي لا يرون أنهم أولى الناس بي، وليس كذلك.. إن أوليائي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا، أخرجه الطبراني وأبو الشيخ، وهو عند احمد في مسنده بلفظ: إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا، وعن الفضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول لرجل ممن يغلو فيهم: ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا، قال: فقال له الرجل: إنكم ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأهل بيته، فقال: ويحكم لو كان الله نافعاً بقرابة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغير عمل بطاعته، لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباه وأمه، وإني أخاف إن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، ووالله إني لأرجو إن يؤتى المحسن منا أجره مرتين أخرجه الطائي في أواخر الحديث الرابع من أربعينه، ولله در القائل:

لعمرك ما الإِنسان إلا بدينه

فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب

لقد رفع الإسلام سلمان فارس

وقد وضع الشرك الشقي أبا لهب

فما الحسب الموروث إن در دره

لمحتسب إلا بآخر مكتسب

إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعبة

من المثمرات اعتده الناس في الخطب

وجاء عن أبي الأسود الدؤلي رضي الله عنه أنه قال:

العلم زين وتشريف لصاحبه

فاطلب هديت فنون العلم والأدبا

لا خير فيمن له أصل بلا أدب

حتى يكون على ما زانه حدبا

كم من كريم أخي عيٍّ وطمطمة

فدم لدى الصوم معروفٍ إذا نسبا

في بيت مكرمة آباؤه نجب

كانوا الرؤوس فأمسى بعدهم ذنبا

ص: 27

وخامل مقرف الآباء ذي أدب

نال المعالي بالآداب والرتبا

أمسى عزيزاً عظيم الشان مشتهراً

في خده صعر قد ظل محتجبا

العلم كنز وذخر لا نفاد له

نعم القرين إذا ما صاحب صحبا

قد يجمع المرء مالاً ثم يحرمه

عما قليل فيلقى الذل والحربا

وجامع اسم مغبوط به أبداً

ولا يحاذر منه الفوت والعطبا

يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه

لا تعدلن به دراً ولا ذهبا

وروى الخطيب البغدادي عن أحمد بن عبد الجليل، أنه قال من قصيدة له:

لا يكون السري مثل الدني

لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي

قيمة المرء كلما أحسن المر

ء قضاء من الإمام علي

الخامس: سلوك طريق سلفهم في التواضع والحلم والصبر على الأذى ذاكرين قوله تعالى: (وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) وما كان عليه نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصبر على الأذى، وما كانوا يتحملونه في الله تعالى حتى كانت لهم العقبى. فينبغي لأهل البيت النبوي اتباع سلفهم في اقتفاء آثارهم والاهتداء بهديهم وأنوارهم والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم وزهدهم وورعهم وتحققهم لمعرفة ربهم عز وجل، فإنهم أولى الناس بذلك. وقد أخرجِ الدولابي وابن عبد البر إن معاوية قال لضرار الصدائي: صف لي عليأَ، فقال: اعفني. قال: لتصفنه لي، قال: أما إذا لا بد من وصفه؛ كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس إلى الليل ووحشته، وكان عزيز العبرة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويبينا إذا استبناه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظُم أهل الدين ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرُي غيري، إلي تعرضت أو إليَّ تشوقت؛ هيهات قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك كثير.. آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فبكى معاوية، وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، انتهى.

وتواضعه وورعه وزهده أشهر من إن يذكر حتى قال رضي الله عنه: لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها وعن محمد ابن علي عليهما السلام قال: قال الحسن عليه السلام: إني لأستحيي من ربي إن ألقاه ولم أمشِ إلى بيته. فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه. وعن علي بن زيد قال: حج الحسن عليه السلام خمس عشرة حجة ماشياً، وإن النجائب لتقاد معه، وخرج من ماله مرتين وقاسم الله ماله ثلاث مرات. أخرجها في الصفوة، وعن مصعب بن الزبير قال: حج الحسين بن علي عليهما السلام خمساً وعشرين حجة ماشياً أخرجه أبن عبد البر والبغوي في معجمه. ويروى أنه قيل للحسين عليه السلام إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من العافية، فقال رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من أتكل على حسن اختيار الله له، لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختارها الله له. وأخرج ابن الأخضر في معالم العترة الطاهرة عن عبد الله بن أبي سليمان قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فيقال له: مالك؟ فيقول: ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي. وعن موسى بن طريف قال: استطال رجل على علي بن الحسين فتغافل عنه، فقال له الرجل: إياك أعني، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه: وعنك أغضي.

ص: 28

وقد اشتهر إن زين العابدين عليه السلام كان عظيم الهدى والسمت، وقد أخرج الخطب في الجامع عن ابن عباس رضي الله عنهما، إن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة وكلمات أهل البيت النبوي وحكمهم وأوصافهم الشريفة، لا تكاد تنحصر، ومنها معاملتهم لأمة مشرفهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكارم الأخلاق من طلاقة الوجه، وإفشاء السلام ومزيد الإكرام، ورفقهم بهم في الكلام، وترك التعاظم على آحادهم وإحسان الضن بهم، وتخصيصهم بمزيد الإكرام للعلماء المتمسكين بسنة نبيهم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنهم ورثة الأنبياء، فينبغي أن يكون المنتسبون إليهم متخلقين بمحاسن أخلاقهم وآدابهم ونزاهتهم، متأملين لسيرهم وطرائقهم سالكين سبلهم في ذلك، حتى يكونوا خير الناس أسلافاً، وأخلاقاً، وأعمالاً، ويدخلون السرور على مشرفهم صلى الله عليه وآله والماضين من سلفهم عند عرض أعمالهم.

هذا آخر ما تيسر جمعه بحمد الله وإعانته فنسأل الله أن ينفع به، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم، إنه سميع عليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين. آمين اللهم آمين.

ص: 29