الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
هل يُعيد إمامًا
؟
*
أدلة المجيزين:
الأول: حديث جابر في قصة معاذ
رواه عن جابر جماعةٌ أجلُّهم عمرو بن دينار، ورواه عن عمرٍو جماعةٌ أجلُّهم ابن جريج.
قال الشافعي: أخبرنا عبد المجيد قال: أخبرني ابن جريج عن عمرو عن جابر قال: «كان معاذ يُصلِّي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاءَ، ثم ينطلق إلى قومه، فيصلِّيها بهم، هي له تطوع، وهي لهم المكتوبة» . (الأم 1/ 153)
(1)
.
ورواه عبد الرزاق في «مصنفه»
(2)
ــ كما يظهر من «الفتح»
(3)
وغيره ــ: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو.
وكذلك أخرجه الدارقطني (ص 102)
(4)
وغيره ــ من طريق عبد الرزاق.
وأخرجه الدارقطني
(5)
أيضَا: حدثنا أبو بكر النيسابوري نا إبراهيم بن مرزوق ثنا أبو عاصم عن ابن جريج ....
(1)
(2/ 347) ط. دار الوفاء.
(2)
رقم (2266).
(3)
(2/ 195، 196).
(4)
(1/ 275).
(5)
(1/ 274).
وقد طعن بعضم في زيادة «هي له تطوع» قال: قد رواه عن جابر جماعة غير عمرو ــ كما سيأتي ــ وعن عمرو جماعة غير ابن جريج ــ كما سيأتي ــ ولم يذكروا هذه الزيادة.
ثم قال بعضهم: إنما وجدت في رواية الشافعي، وقد علمت أنها ثابتة من غير طريقه.
وقال غيره: إنما هي في رواية ابن جريج، ويوشك أن تكون مدرجة، وجزم بعض المتأخرين أنه أدرجها ابن جريج، وقوى ذلك بموافقتها لمذهب ابن جريج.
أقول: إن أراد أن ابن جريج أدرجها عمدًا؛ لتلتبس بالحديث وتُحسَب منه، فهذه تهمة باطلة تنافي أصلَ العدالة، فضلًا عما عُرِف به ابن جريج من التقوى والجلالة.
فإن قيل: فإنه معروف بالتدليس.
قلت: تدليسه المعروف عنه أنه إذا قال: «قال فلان» احتمل أن لا يكون سمعه منه، وقد أخبر بذلك عن نفسه، أي أنه لا يلتزم إذا قال:«قال فلان» أن يكون سمعه منه، بل قد يقول فيما لم يسمعه ممن سمَّاه، وقال ــ كما في «تهذيب التهذيب»
(1)
ــ: إذا قلت: «قال عطاء» فأنا سمعتُه منه، وإن لم أقلْ: سمعتُ.
فأوضح أنه إنما يلتزم في قوله: «قال فلان» أن يكون سمعه من فلان إذا قال: «قال عطاء» ، فأما في غيره فلا.
(1)
(6/ 406).
[ق 12] وهكذا ينبغي أن تكون الحال في كل ثقةٍ عُرِف بالتدليس، فأما من يُدلِّس بدون أن يدلَّ على أنه يُدلِّس فالظاهر أن ذلك يَخدِش في عدالته.
والمقصود أن اعتياد ابن جريج أن يقول: «قال فلان» ولم يسمع من فلان بعد أن بيَّن أنه قد يقول ذلك فيما لم يسمعه، لا يستلزم أن يلبس شيئًا من كلامه بالحديث؛ ليحسب من الحديث.
وإن أراد أن ابن جريج زادها على وجه التفسير بحسب اعتقاده، كما يقع كثيرًا من أهل العلم، يذكر الرجل الآية، ثم يُتبِعها بشيء من عنده على وجه التفسير، وكذلك في الأحاديث، وقد بيَّن علماء الحديث نوع المدرج، وأن غالبه يكون على هذه الوجه= فيرُدُّه أن العادة في مثل هذا أن الشيخ إذا تكررت روايته للحديث إنما يتفق الإدراج في بعض الروايات، وبقية الروايات إما أن تسكتَ عنه، وإما أن تُفصِّل، فتُميِّز الحديثَ من كلام الشيخ.
وهذا الحديث قد روي عن ابن جريج من أوجهٍ كما علمتَ، وتلك الجملة متصلة بالقصة فيها كلها.
فالظاهر أنه إن كان هناك إدراج فهو من عمرو بن دينار؛ لأنه هو الذي تعددت عنه الروايات، ولم تقع الجملة المذكور إلا في رواية ابن جريج. فإن قيل بذلك، دُفِع بأن الإدراج خلاف الأصل، إذ الغالب مِن حال الثقة الضابط أنه إن أراد أن يُتبِعَ الحديثَ بشيء من عنده فصَّل ذلك وبيَّنه. وابن جريج إمام فقيه متقن، وهو بلديُّ عمرو، ولازمه مدةً، فمن البعيد أن يشتبه عليه الأمر في هذا بأن تكون تلك الجملة من كلام عمرو، فيحسبها ابن جريج من الحديث، ويستمرَّ عليه الوهم.
والحاصل: أن انفراد رواية ابن جريج بذكر تلك الجملة دون بقية الرواة عن عمرو ودون بقية الرواة عن جابر يُشعِر بالإدراج، والأصل المذكور ــ أي أن الغالب من حال العدل الضابط أن لا يُتبِع الحديثَ بشيء من كلامه بدون فصل أو بيان، والغالب من حال الفقيه المتقن التمييز بين ما يذكره الشيخ على أنه من الحديث، وما يزيده من عنده في الحديث ــ يُنافي الإدراجَ. فالميزان الترجيح بين هذين.
وقد يُرجَّح عدم الإدراج:
أولًا: بأن الإدراج في الأصل خلاف الظاهر الغالب، فلا يُصار إليه إلا بحجة واضحة، ولا يكفي ما يوقع في الشكّ والتردّد.
وثانيًا: لا يُستغرب أن ينفرد ابن جريج بالزيادة عن عمرو، فإنه بلديُّه ، قديم السماع منه، وهو فقيه يعقل قيمة هذه الزيادة فيعتني بحفظها، فأما من ليس بفقيه فقد يرى أن من صلَّى صلاة صحيحة ثم أعادها، لا يتصور فيه إلا أن تكون الأولى فرضه، والثانية نافلة، فيتوهم أن الزيادة المذكورة لا حاجة إليها.
وقد قال الشافعي
(1)
: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ابن عَجْلان عن عبيد الله بن مِقْسَم عن جابر أن معاذ بن جبل كان يُصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العشاءَ، ثم يرجع إلى قومه فيصلِّي بهم العشاء، وهي له نافلة.
وإبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى الأسلمي، كذَّبه جماعة، وكان الشافعي يُوثِّقه في حديثه، وكذلك وثَّقه ابن الأصبهاني، وقوَّاه ابن عُقدة
(1)
في «الأم» (2/ 347، 348).
وابن عدي
(1)
.
ويظهر أن إبراهيم كان ــ أولًا ــ متماسكًا، وذلك لما سمع منه الشافعي، ثم تغيَّر بعده.
وعلى كل حال، فرواية إبراهيم لا تصلح للحجة، وقد رواه غيره عن ابن عجلان، ولم يقل:«وهي له نافلة» . راجع «مسند أحمد» (3/ 302)
(2)
.
وقال بعضهم: هَب الجملة المذكورة ثبتت عن جابر فذلك ظن منه، ولا يلزم أن يكون مطابقًا للواقع، وهَبْ أن معاذًا أخبر جابرًا بذلك، فذلك رأي لمعاذ، ولا يلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرف ذلك، وأقرَّه عليه.
وغير ذلك مما قالوه، وسيأتي النظر فيه جملة إن شاء الله تعالى.
ومنهم منصور بن زاذان: في «صحيح مسلم»
(3)
ومنهم سفيان بن عيينة: قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان معاذ بن جبل يصلِّي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء أو العَتمةَ، ثم يرجع فيُصلِّيها بقومه في بني سلمة، قال: فأخَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء ذاتَ ليلةٍ. قال: فصلَّى معه معاذ. قال: فرجع فأمَّ قومَه فقرأ بسورة البقرة
…
فقال: يا رسول الله، إنك أخَّرتَ العشاء،
(1)
انظر «تهذيب التهذيب» (1/ 158 ــ 160).
(2)
رقم (14241).
(3)
رقم (465/ 180).
وإن معاذًا صلَّى معك ثم رجع فأمَّنا، فافتتح بسورة البقرة، فلما رأيتُ ذلك تأخرتُ وصلَّيتُ، وإنما نحن أصحاب نواضِحَ نعمل بأيدينا، فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على معاذ فقال:«أفتَّانٌ أنتَ يا معاذ؟ أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟ اقرأْ بسورة كذا وسورة كذا» (الأم 1/ 152)
(1)
.
ثم قال الشافعي: «وأخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا أبو الزبير عن جابر مثله، وزاد
…
».
الحميدي عن ابن عيينة عن عمرو وأبي الزبير معًا: أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (2/ 156) والبيهقي في «السنن» (3/ 112) عن الحميدي عن ابن عيينة عن عمرو فقط، ثم ذكر زيادة «أبي الزبير» التي رواها الشافعي، ذكره البيهقي أيضًا.
ورواه عن ابن عيينة عن عمرو فقط جماعة، منهم الإمام أحمد في «المسند» (3/ 308)
(2)
، ومن طريقه أبو داود
(3)
.
ومنهم محمد بن منصور عند النسائي
(4)
، ومنهم محمد بن عبَّاد عند مسلم
(5)
، فلم يذكروا العشاء في أول الحديث، ولفظ مسلم: «كان معاذ يُصلِّي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يأتي فيؤمُّ قومَه، فصلَّى ليلةً مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء
…
».
(1)
(2/ 346) ط. دار الوفاء.
(2)
رقم (14307).
(3)
رقم (790).
(4)
(2/ 102).
(5)
رقم (465).