الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي آدَاب المستفتي وَصفته وَأَحْكَامه
فِيهِ مسَائِل
إِحْدَاهَا فِي صفة المستفتي
كل من لم يبلغ دَرَجَة الْمُفْتِي فَهُوَ فِيمَا يسْأَل عَنهُ من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مُستفتٍ مقلِّد من يفتيه وَالْمُخْتَار فِي التَّقْلِيد أَنه قبُول قولِ من يجوز عَلَيْهِ الْإِصْرَار على الْخَطَأ بِغَيْر حجّة على عين مَا قبل قَوْله فِيهِ وَيجب عَلَيْهِ الاستفتاء إِذا نزلت بِهِ حَادِثَة يجب عَلَيْهِ علم حكمهَا فَإِن لم يجد بِبَلَدِهِ من يستفتيه وَجب عَلَيْهِ الرحيل إِلَى من يفتيه وَإِن بَعدت دَاره وَقد رَحل خلائق من السّلف فِي الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة اللَّيَالِي وَالْأَيَّام
الثَّانِيَة يجب عَلَيْهِ قطعا الْبَحْث الَّذِي يعرف بِهِ أَهْلِيَّة من يستفتيه للإفتاء إِذا لم يكن عَارِفًا بأهليته
فَلَا يجوز لَهُ استفتاء من انتسب إِلَى الْعلم وانتصب للتدريس والإقراء وَغير ذَلِك من مناصب الْعلمَاء بِمُجَرَّد انتسابه وانتصابه لذَلِك وَيجوز استفتاء من استفاض كَونه أَهلا للْفَتْوَى
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا الْمُتَأَخِّرين إِنَّمَا يعْتَمد قَوْله أَنا أهل للْفَتْوَى لَا شهرته بذلك وَلَا يَكْتَفِي بالاستفاضة وَلَا بالتواتر لِأَن الاستفاضة والشهرة بَين الْعَامَّة لَا يوثق بهَا وَقد يكون أَصْلهَا التلبيس وَأما التَّوَاتُر فَلَا يُفِيد الْعلم إِذا لم يسْتَند إِلَى مَعْلُوم محسوس
وَالصَّحِيح هُوَ الأول لِأَن إقدامه عَلَيْهَا إخبارٌ مِنْهُ بأهليته فَإِن الصُّورَة مَفْرُوضَة فِيمَن وثق بديانته
وَيجوز استفتاء من أخبر الْمَشْهُور الْمَذْكُور بأهليته
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ المُصَنّف رحمه الله وَغَيره يقبل فِي أَهْلِيَّته خبر الْعدْل الْوَاحِد
قَالَ أَبُو عَمْرو وَيَنْبَغِي أَن يشْتَرط فِي الْمخبر أَن يكون عِنْده من الْعلم وَالْبَصَر مَا يُمَيّز بِهِ الملتبس من غَيره وَلَا يعْتَمد فِي ذَلِك على خبر آحَاد الْعَامَّة لِكَثْرَة مَا يتَطَرَّق إِلَيْهِم من التلبيس فِي ذَلِك
وَإِذا اجْتمع اثْنَان فَأكْثر مِمَّن يجوز استفتاؤهم فَهَل يجب عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي أعيانهم والبحث عَن الأعلم والأورع والأوثق ليقلده دون غَيره فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يجب بل لَهُ استفتاء من شَاءَ مِنْهُم لِأَن الْجَمِيع أهل وَقد أسقطنا الِاجْتِهَاد عَن الْعَاميّ وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيّين قَالُوا وَهُوَ قَول أَكثر أَصْحَابنَا
وَالثَّانِي يجب ذَلِك لِأَنَّهُ يُمكنهُ هَذَا الْقدر من الِاجْتِهَاد بالبحث وَالسُّؤَال وشواهد الْأَحْوَال وَهَذَا الْوَجْه قَول أبي الْعَبَّاس ابْن سُرَيج وَاخْتِيَار الْقفال الْمروزِي وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد القَاضِي حُسَيْن وَالْأول أظهر وَهُوَ الظَّاهِر من حَال الْأَوَّلين
قَالَ أَبُو عَمْرو رحمه الله لَكِن مَتى اطلع على الأوثق فَالْأَظْهر أَنه يلْزمه تَقْلِيده كَمَا يجب تَقْدِيم أرجح الدَّلِيلَيْنِ وأوثق الرِّوَايَتَيْنِ فعلى هَذَا يلْزمه تَقْلِيد الأورع من الْعَالمين والأعلم من الورعين فَإِن كَانَ أَحدهمَا أعلم وَالْآخر أورع قلد الأعلم على الْأَصَح
وَفِي جَوَاز تَقْلِيد الْمَيِّت وَجْهَان
الصَّحِيح جَوَازه لِأَن الْمذَاهب لَا تَمُوت بِمَوْت أَصْحَابهَا وَلِهَذَا يعْتد بهَا بعدهمْ فِي الْإِجْمَاع وَالْخلاف وَلِأَن موت الشَّاهِد قبل الحكم لَا يمْنَع الحكم بِشَهَادَتِهِ بِخِلَاف فسقه
وَالثَّانِي لَا يجوز لفَوَات أَهْلِيَّته كالفاسق وَهَذَا ضَعِيف لَا سِيمَا فِي هَذِه الْأَعْصَار
الثَّالِث هَل يجوز للعامي أَن يتَخَيَّر ويقلد أَي مَذْهَب شَاءَ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح ينظر إِن كَانَ منتسباً إِلَى مَذْهَب بنيناه على وَجْهَيْن حَكَاهُمَا القَاضِي حُسَيْن فِي أَن الْعَاميّ هَل لَهُ مَذْهَب أم لَا
أَحدهمَا لَا مَذْهَب لَهُ لِأَن الْمَذْهَب لعارف الْأَدِلَّة فعلى هَذَا أَن يستفتي من شَاءَ من حَنَفِيّ وشافعي وَغَيرهمَا
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح عِنْد القفَّال لَهُ مَذْهَب فَلَا يجوز لَهُ مُخَالفَته
وَقد ذكرنَا فِي الْمُفْتِي المنتسب مَا يجوز لَهُ أَن يُخَالف إِمَامه فِيهِ وَإِن لم يكن منتسباً بني على وَجْهَيْن حَكَاهُمَا ابْن برهَان فِي أَن الْعَاميّ هَل يلْزمه أَن يتمذهب بِمذهب معِين يَأْخُذ بِرُخصِهِ وعزائمه
أَحدهمَا لَا يلْزمه كَمَا لم يلْزمه فِي الْعَصْر الأول أَن يخص بتقليده عَالما بِعَيْنِه فعلى هَذَا هَل لَهُ أَن يستفتي من شَاءَ أم يجب عَلَيْهِ الْبَحْث عَن أَشد الْمذَاهب
وأصحهما أصلا ليقلد أَهله
فِيهِ وَجْهَان مذكوران كالوجهين السَّابِقين فِي الْبَحْث عَن الأعلم والأوثق من المفتيين
وَالثَّانِي يلْزمه وَبِه قطع أَبُو الْحسن إِلْكيَا وَهُوَ جارٍ فِي كل من لم يبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد من الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب سَائِر الْعُلُوم وَوَجهه أَنه لَو جَازَ اتِّبَاع أَي مَذْهَب شَاءَ لأفضى إِلَى أَن يلتقط رخص الْمذَاهب مُتبعا هَوَاهُ وَيتَخَيَّر بَين التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم وَالْوُجُوب وَالْجَوَاز وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى انحلال ربقة التَّكْلِيف بِخِلَاف الْعَصْر الأول فَإِنَّهُ لم تكن الْمذَاهب الوافية بِأَحْكَام الْحَوَادِث مهذّبة وَعرفت فعلى هَذَا يلْزمه أَن يجْتَهد فِي اخْتِيَار مَذْهَب يقلده على التَّعْيِين وَنحن نمهد لَهُ طَرِيقا يسلكه فِي اجْتِهَاده سهلاً فَنَقُول أَولا لَيْسَ لَهُ أَن يتبع فِي ذَلِك مُجَرّد التشهي والميل إِلَى مَا وجد عَلَيْهِ آباءه وَلَيْسَ لَهُ التمذهب بِمذهب أحد من أَئِمَّة الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَغَيرهم من الْأَوَّلين وَإِن
كَانُوا أعلم وأعلا دَرَجَة مِمَّن بعدهمْ لأَنهم لم يتفرغوا لتدوين الْعلم وَضبط أُصُوله وفروعه فَلَيْسَ لأحد مِنْهُم مَذْهَب مهذب مُحَرر مُقَرر وَإِنَّمَا قَامَ بذلك من جَاءَ بعدهمْ من الْأَئِمَّة الناخلين لمذاهب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ القائمين بتمهيد أَحْكَام الوقائع قبل وُقُوعهَا الناهضين بإيضاح أُصُولهَا وفروعها كمالك وَأبي حنيفَة وَغَيرهمَا
وَلما كَانَ الشَّافِعِي قد تَأَخّر عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فِي الْعَصْر وَنظر فِي مذاهبهم نَحْو نظرهم فِي مَذَاهِب من قبلهم فسبرها وخبرها وانتقدها وَاخْتَارَ أرجحها وَوجد من قبله قد كَفاهُ مؤونة التَّصْوِير والتأصيل فتفرغ للاختيار وَالتَّرْجِيح والتكميل والتنقيح مَعَ كَمَال مَعْرفَته وبراعته فِي الْعُلُوم وترجحه فِي ذَلِك على من سبقه ثمَّ لم يُوجد بعده من بلغ مَحَله فِي ذَلِك كَانَ مذْهبه أولى الْمذَاهب بالاتباع والتقليد وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ من الْإِنْصَاف والسلامة من الْقدح فِي أحد من الْأَئِمَّة جلي وَاضح إِذا تَأمله الْعَاميّ قَادَهُ إِلَى اخْتِيَار مَذْهَب
الشَّافِعِي والتمذهب بِهِ
الرَّابِعَة إِذا اخْتلف عَلَيْهِ فَتْوَى مفتيين فَفِيهِ خَمْسَة أوجه للأصحاب
أَحدهَا يَأْخُذ بأغلظهما
وَالثَّانِي بأخفهما
وَالثَّالِث يجْتَهد فِي الأولى فَيَأْخُذ بفتوى الأعلم الأورع كَمَا سبق إيضاحه وَاخْتَارَهُ السَّمْعَانِيّ الْكَبِير وَنَصّ الشَّافِعِي رضي الله عنه على مثله فِي الْقبْلَة
وَالرَّابِع يسْأَل مفتياً آخر فَيَأْخُذ بفتوى من وَافقه
وَالْخَامِس يتَخَيَّر فَيَأْخُذ بقول أَيهمَا شَاءَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ المُصَنّف
وَعند الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَنَقله الْمحَامِلِي فِي أول الْمَجْمُوع عَن أَكثر أَصْحَابنَا وَاخْتَارَهُ صَاحب الشَّامِل فِيمَا إِذا تساوى المفتيان فِي نَفسه
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو الْمُخْتَار أَن عَلَيْهِ أَن يبْحَث عَن الْأَرْجَح فَيعْمل بِهِ فَإِنَّهُ حكم التَّعَارُض فيبحث عَن الأوثق من المفتيين فَيعْمل بفتواه وَإِن لم يتَرَجَّح عِنْده أَحدهمَا استفتى آخر وَعمل بفتوى من وَافقه فَإِن تعذر ذَلِك وَكَانَ اخْتِلَافهمَا فِي التَّحْرِيم وَالْإِبَاحَة وَقبل الْعَمَل اخْتَار التَّحْرِيم فَإِنَّهُ أحوط وَإِن تَسَاويا من كل وَجه خيرناه بَينهمَا وَإِن أَبينَا التَّخْيِير فِي غَيره لِأَنَّهُ ضَرُورَة وَفِي صُورَة نادرة
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح ثمَّ إِنَّمَا نخاطب بِمَا ذَكرْنَاهُ المفتيين وَأما الْعَاميّ الَّذِي وَقع لَهُ ذَلِك فَحكمه أَن يسْأَل عَن ذَلِك ذَيْنك المفتيين أَو مفتياً آخر وَقد أرشدنا الْمُفْتِي إِلَى مَا يجِيبه بِهِ
وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخ ابْن الصّلاح لَيْسَ بِقَوي بل الْأَظْهر أحد الْأَوْجه الثَّلَاثَة وَهِي الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس وَالظَّاهِر أَن الْخَامِس أظهرها لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد وَإِنَّمَا فَرْضه أَن يُقَلّد عَالما أَهلا لذَلِك وَقد فعل ذَلِك بِأَخْذِهِ بقول من شَاءَ مِنْهَا وَالْفرق بَينه وَبَين مَا نَص عَلَيْهِ فِي الْقبْلَة أَن أمارتها حسية فإدراك صوابها أقرب فَيظْهر التَّفَاوُت بَين الْمُجْتَهدين فِيهَا والفتاوى أمارتها معنوية فَلَا يظْهر كَبِير تفَاوت بَين الْمُجْتَهدين وَالله أعلم
الْخَامِسَة قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ إِذا لم يكن فِي الْموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ مفت إِلَّا وَاحِد فأفتاه لزمَه فتواه
وَقَالَ أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ رحمه الله إِذا سمع المستفتي جَوَاب الْمُفْتِي لم يلْزمه الْعَمَل بِهِ إِلَّا بالتزامه
قَالَ وَيجوز أَن يُقَال إِنَّه يلْزمه إِذا أَخذ فِي الْعَمَل بِهِ وَقيل يلْزمه إِذا وَقع فِي نَفسه صِحَّته
قَالَ السَّمْعَانِيّ وَهَذَا أولى الْأَوْجه
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو لم أجد هَذَا لغيره وَقد حكى هُوَ بعد ذَلِك عَن بعض الْأُصُولِيِّينَ أَنه إِذا أفتاه بِمَا هُوَ مُخْتَلف فِيهِ خَيره بَين أَن يقبل مِنْهُ أَو من غَيره ثمَّ اخْتَار هُوَ أَنه يلْزمه الِاجْتِهَاد فِي أَعْيَان الْمُفْتِينَ وَيلْزمهُ الْأَخْذ بِفُتْيَا من اخْتَارَهُ بِاجْتِهَادِهِ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو وَالَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد أَن نفصل فَنَقُول إِذا أفتاه الْمُفْتِي نظر فَإِن لم يُوجد مفت آخر لزمَه الْأَخْذ بفتياه وَلَا يتَوَقَّف ذَلِك على الْتِزَامه لَا بِالْأَخْذِ فِي الْعَمَل بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا يتَوَقَّف أَيْضا على سُكُون نَفسه إِلَى صِحَّته
وَإِن وجد مفت آخر فَإِن استبان أَن الَّذِي أفتاه هُوَ الأعلم الأوثق لزمَه مَا أفتاه بِهِ بِنَاء على الْأَصَح فِي تعينه كَمَا سبق وَإِن لم يستبن ذَلِك لم يلْزمه مَا أفتاه بِمُجَرَّد إفتائه إِذْ يجوز لَهُ استفتاء غَيره وتقليده
وَلَا يعلم اتِّفَاقهمَا فِي الْفَتْوَى فَإِن وجد الِاتِّفَاق أَو حكم بِهِ عَلَيْهِ حَاكم لزمَه حِينَئِذٍ
السَّادِسَة إِذا استفتي فَأفْتى ثمَّ حدثت تِلْكَ الْوَاقِعَة لَهُ مرّة أُخْرَى فَهَل يلْزمه تَجْدِيد السُّؤَال
فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يلْزمه لاحْتِمَال تغير رَأْي الْمُفْتِي
وَالثَّانِي لَا يلْزمه وَهُوَ الْأَصَح لِأَنَّهُ قد عرف الحكم الأول وَالْأَصْل اسْتِمْرَار الْمُفْتى عَلَيْهِ
وخصص صَاحب الشَّامِل الْخلاف بِمَا إِذا قلد حَيا وَقطع فِيمَا إِذا كَانَ ذَلِك خَبرا عَن ميت بِأَنَّهُ لَا يلْزمه وَالصَّحِيح أَنه لَا يخْتَص فَإِن الْمُفْتِي على مَذْهَب الْمَيِّت قد يتَغَيَّر جَوَابه على مذْهبه
السَّابِعَة أَن يستفتي بِنَفسِهِ وَله أَن يبْعَث ثِقَة يعْتَمد خَبره لِيَسْتَفْتِيَ لَهُ وَله الِاعْتِمَاد على خطّ الْمُفْتِي إِذا أخبرهُ من يَثِقُ بقوله أَنه خطه أَو كَانَ يعرف خطه وَلم يتشكك فِي كَون ذَلِك الْجَواب بِخَطِّهِ
الثَّامِنَة يَنْبَغِي للمستفتي أَن يتأدب مَعَ الْمُفْتِي ويبجله فِي خطابه وَجَوَابه وَنَحْو ذَلِك وَلَا يُومِئ بِيَدِهِ فِي وَجهه وَلَا يقل لَهُ مَا تحفظ فِي كَذَا أَو مَا مَذْهَب إمامك أَو الشَّافِعِي فِي كَذَا وَلَا يقل إِذا أَجَابَهُ هَكَذَا قلتُ أَنا أَو كَذَا وَقع لي وَلَا يقل أفتاني فلَان أَو غَيْرك بِكَذَا وَلَا يقل إِن كَانَ جوابك مُوَافقا لمن كتب فَاكْتُبْ وَإِلَّا فَلَا تكْتب وَلَا يسْأَله وَهُوَ قَائِم أَو مستوفز أَو على ضجر أَو هم أَو غير ذَلِك مِمَّا يشغل الْقلب
وَيَنْبَغِي أَن يبْدَأ بالأسن الأعلم من الْمُفْتِينَ وبالأولى فَالْأولى إِن أَرَادَ جمع الْأَجْوِبَة فِي رقْعَة فَإِن أَرَادَ إِفْرَاد الْأَجْوِبَة فِي رقاع بَدَأَ بِمن شَاءَ وَتَكون رقْعَة الاستفتاء وَاسِعَة ليتَمَكَّن الْمُفْتِي من اسْتِيفَاء الْجَواب وَاضحا لَا مُخْتَصرا مضراً بالمستفتي وَلَا يدع الدُّعَاء فِي رقْعَة لمن يستفتيه
قَالَ الصَّيْمَرِيّ فَإِن اقْتصر على فَتْوَى وَاحِد قَالَ مَا تَقول رَحِمك الله أَو رَضِي الله عَنْك أَو وفقك الله وسددك وَرَضي عَن والديك وَلَا يحسن أَن يَقُول رحمنا الله وَإِيَّاك
وَإِن أَرَادَ جَوَاب جمَاعَة قَالَ مَا تَقولُونَ رَضِي الله عَنْكُم أَو مَا تَقول الْفُقَهَاء سددهم الله تَعَالَى
وَيدْفَع الرقعة إِلَى الْمُفْتِي منشورة ويأخذها منشورة فَلَا يحوجه إِلَى نشرها وَلَا إِلَى طيها
التَّاسِعَة يَنْبَغِي أَن يكون كَاتب الرقعة مِمَّن يحسن السُّؤَال ويضعه على الْغَرَض مَعَ إبانة الْخط وَاللَّفْظ وصيانتهما عَمَّا يتَعَرَّض للتصحيف
قَالَ الصَّيْمَرِيّ يحرص أَن يكون كاتبها من أهل الْعلم وَكَانَ بعض الْفُقَهَاء مِمَّن لَهُ رياسة لَا يُفْتِي إِلَّا فِي رقْعَة كتبهَا رجل بِعَيْنِه من أهل الْعلم بِبَلَدِهِ
وَيَنْبَغِي للعامي أَن لَا يُطَالب الْمُفْتِي بِالدَّلِيلِ وَلَا يقل لم قلتَ فَإِن أحبَّ أَن تسكن نَفسه بِسَمَاع الْحجَّة طلبَهَا فِي مجْلِس آخر أَو فِي ذَلِك الْمجْلس بعد قبُول الْفَتْوَى مُجَرّدَة
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ لَا يمْنَع من طلب الدَّلِيل وَأَنه يلْزم الْمُفْتِي أَن يذكر لَهُ الدَّلِيل إِن كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ وَلَا يلْزمه إِن لم يكن مَقْطُوعًا بِهِ لافتقاره إِلَى اجْتِهَاد يقصر فهم الْعَاميّ عَنهُ
وَالصَّوَاب الأول
الْعَاشِرَة إِذا لم يجد صَاحب الْوَاقِعَة مفتيًا وَلَا أحدا ينْقل لَهُ حكم واقعته لَا فِي بَلَده وَلَا فِي غَيره
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح هَذِه مسألةُ فَترة الشَّرِيعَة الْأُصُولِيَّة وَحكمهَا حكم مَا قبل وُرُود الشَّرْع وَالصَّحِيح فِي كل ذَلِك القَوْل بِانْتِفَاء التَّكْلِيف عَن العَبْد وَأَنه لَا يثبت فِي حَقه حكم لَا إِيجَاب وَلَا تَحْرِيم وَلَا غير ذَلِك فَلَا يؤآخذ إِذا صَاحب الْوَاقِعَة بِأَيّ شَيْء صنعه فِيهَا وَالله أعلم