المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تتمةفي الأمثلة التي يحتج بها أصحاب هذه الأقوال أو بعضهموتحقيق معناها - تفسير البسملة - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٧

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌تتمةفي الأمثلة التي يحتج بها أصحاب هذه الأقوال أو بعضهموتحقيق معناها

‌تتمة

في الأمثلة التي يحتج بها أصحاب هذه الأقوال أو بعضهم

وتحقيق معناها

الأول: قوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً} [يوسف: 40].

وهذه الآية من جملة ما قصه الله تعالى من محاورة يوسف عليه السلام لصاحبي السجن، وهما من المصريين، والقوم ــ كما دللت عليه في رسالة "العبادة"

(1)

ــ كانوا يعتقدون وجود ذوات علوية، ينعتونها بنعوت غير نعوت الملائكة، ثم سمَّوها بأسماء اخترعوها، وكانوا يدعونها بتلك الأسماء، ويتضرَّعون إليها.

فبيَّن يوسف عليه السلام أنَّ ما توهموه من وجود ذواتٍ بالصفة التي يزعمون لا حقيقة له، وأنه لا يوجد من تلك الذوات إلا أسماؤها التي اخترعوها، كما نقول نحن في العَنْقاء: إنه اسم بلا مسمًّى وإنه لا يوجد منها إلا اسمها، وفي الأثر في حال آخر الزمان: أنه لا يبقى من الدين إلا اسمه

(2)

.

ولمَّا كانوا إنما يعبدون من تلك الذوات ما هو في ظنّهم موجود، والموجود منها أسماؤها فقط، وهم مع ذلك يعلِّقون العبادة بالأسماء= قيل لهم:{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً} [يوسف: 40].

(1)

(ص 625، 687 وما بعدها).

(2)

أخرجه البيهقي في "الشعب" عن علي موقوفًا (1910)، وعنه مرفوعًا (1908، 1909).

ص: 28

فحملُ الأسماءِ هنا على المسمَّيات أو الأشخاص نقيض قصد القرآن. والذي أوقع هؤلاء فيه إنما هو عدم تدبر القرآن، والجهل بما عليه المشركون.

ونظير هذه قوله تعالى فيما قصَّه عن هود عليه السلام: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا} [الأعراف: 71]، وقوله تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم: 23]. وقد أوضحتُ ذلك بأدلته في رسالة "العبادة"

(1)

.

وقد ذهب بعض المفسرين إلى نحو هذا، ولكنَّه توهم أنّ المراد أسماء الأصنام، وأنّ ذواتِ الأصنام نُزِّلَتْ منزلةَ العدم. وقد عرفتَ ــ بحمد الله تعالى ــ الحقيقة.

المثال الثاني: قوله عز وجل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]. قالوا: وقد أخرج الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: سبحان ربي الأعلى"

(2)

.

وعن عقبة بن عامر: أنها لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اجعلوها في سجودكم"

(3)

. ومعلوم أنه يقال في السجود: سبحان ربي الأعلى.

(1)

إيضاح ذلك في القسم المفقود من رسالة العبادة. وانظر (ص 685) منها.

(2)

"المسند" برقم 2066 (3/ 495). وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء في الصلاة (883) وقال:"خولف وكيع في هذا الحديث. رواه أبو وكيع وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا".

(3)

أخرجه أحمد في "المسند" برقم 17414 (28/ 630) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (869) وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة باب التسبيح في الركوع والسجود (887).

ص: 29

وعن علي رضي الله عنه: أنه قرأها في الصلاة، فقال: سبحان ربي الأعلى. فقيل له في ذلك، فقال: إنما أمرنا بشيء

(1)

.

وروي نحو هذا عن غيره

(2)

.

قالوا: ومعقول أن التسبيح هو قول "سبحان". والمعروف في الشريعة "سبحان الله"[46/أ] ونحوه، ولا يعرف فيها "سبحان اسم الله"، أو نحوه.

أقول: أصل التسبيح في اللغة: التنزيه، ثم كثر استعماله في النطق بـ "سبحان". وجاء هاهنا على أصله بقرينة أنه لم يعرف:"سبحان اسم الله"، كما قلتم.

وتنزيه أسماء الله عز وجل حق لا ريب فيه، ومنه أن لا يسمى غيره بما اختص به أو غلب، كلفظ الله والرحمن والقدوس والحكيم العليم، وغير ذلك، وأن لا تذكر أسماؤه في الهزل واللعب، ولا تذكر عند ملامسة القاذورات، إلى غير ذلك.

والأمر بتنزيه الاسم يدل بفحواه على الأمر بتنزيه المسمَّى؛ لأن تنزيهه سبحانه أوجب وأولى، فقد دلت الآية على كلا الأمرين.

فأما تنزيه الرب عز وجل فإنه يكون بالقول، وقد جعل له الشارع علمًا، وهو لفظ "سبحان". وأما تنزيه الاسم فإنه يكون بالعمل، كما تقدم.

فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أصحابه يمتثلون الأمر الثابت بالأولى بقول

(1)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 483) إلى الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وغيرهم.

(2)

انظر المصدر السابق.

ص: 30

"سبحان ربي الأعلى"، ويمتثلون الأمر بتنزيه الاسم بعملهم، كما نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يقال لإنسان:"ملك الأملاك"

(1)

. وغيَّر كنية من كان يكنى "أبا الحكم"، وقال:"الحَكَم الله"

(2)

. وغيَّر اسم من كان يسمَّى "عزيزًا"

(3)

. بل جاء عنه أنه جاءه رجل، فذكر له أنه طبيب، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"أنت رفيق، والله هو الطبيب"

(4)

. وأن قومًا جاؤوه، وقالوا: أنت سيدنا، فقال:"السيد الله"

(5)

.

وتبعه أصحابه رضي الله عنهم، بل جاء عن عمر أنه كره التسمِّي بأسماء الملائكة والأنبياء

(6)

.

(1)

يشير إلى حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري في الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله (6206) ومسلم في الأدب، باب تحريم التسمّي بملك الأملاك (2143).

(2)

وكناه أبا شريح. أخرجه أبو داود في الأدب، باب تغيير الأسماء (4955) والنسائي في آداب القضاة، باب إذا حكّموا رجلًا فقضى بينهم (5402) بإسناد صحيح.

(3)

ذكره أبو داود في باب تغيير الاسم القبيح (4956) مع أسماء أخرى غيّرها النبي صلى الله عليه وسلم وترك أسانيدها للاختصار.

(4)

أخرجه أبو داود في كتاب الترجل، باب الخضاب (4207) بإسناد صحيح.

(5)

أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في الرفق (4808) بإسناد صحيح.

(6)

أخرج إسحاق بن راهويه في "مسنده"(كما في "المطالب العالية": 12/ 131، و"إتحاف المهرة": 6/ 43) عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع كل غلام اسمه اسم نبي، فأدخلهم دارًا، وأراد أن يغيِّر أسماءهم، فشهد آباؤهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماهم

وإسناده حسن.

وأخرج ابن سعد (5/ 6) أن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كان اسمه إبراهيم، فدخل على عمر في ولايته حين أراد أن يغيِّر اسم مَن تسمَّى بأسماء الأنبياء، فغيَّر اسمه، فسمَّاه "عبد الرحمن"، فثبت اسمه إلى اليوم.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ (العظمة: 4/ 1480) وغيرهم عن عمر أنه سمع رجلًا ينادي بمنى: يا ذا القرنين. فقال له عمر: اللهم غفرًا! ها أنتم قد سميتم بأسماء الأنبياء، فما بالكم وأسماء الملائكة!

وانظر: "الروض الأنف": (2/ 66)، و"تحفة المودود"(185).

ص: 31

وفي هذا كفاية لمن يفهم.

المثال الثالث: قوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 78]. وقد قرأ ابن عامر وأهل الشام: "ذو"

(1)

.

قالوا: ولفظ "تبارك" يجيء في الغالب مسندًا إلى الله عز وجل، كقوله تعالى:{تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] وغير ذلك. وكذلك في السنَّة، كما في حديث:"تباركت ربنا وتعاليت"

(2)

.

والجواب: أن إسناده إلى الاسم نفسه قد جاء في الكتاب، كهذه الآية وغيرها، وفي السنّة كما في الدعاء الآخر:"تبارك اسمك وتعالى جدُّك"

(3)

.

(1)

الإقناع في القراءات السبع (779).

(2)

أخرجه أحمد برقم 1718 (3/ 245) وأبو داود في الصلاة، باب القنوت في الوتر (1425) والترمذي في أبواب الوتر، باب ما جاء في القنوت في الوتر (463) والنسائي في قيام الليل، باب الدعاء في الوتر (1745) من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما.

(3)

أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن أبي سعيد الخدري وعائشة وغيرهما.

انظر الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة (242، 243)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك (775، 776) والنسائي في الافتتاح، باب القراءة في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها (898)، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب افتتاح الصلاة (804).

ص: 32

ولا

داعي إلى تأويله؛ لأن معنى "تبارك": تكاثرت بركته أي خيرُه.

وأسماء الله تبارك وتعالى كثيرة البركة، فبها تستفاد الخيرات، إذ بها يدعى سبحانه فيجيب، ويُستعان فيعين، ويُستغاث فيغيث، ويُستغفر فيغفر، وبه يُوحَّد ويُمجَّد ويُحمَد ويُسبَّح، إلى غير ذلك.

وقد قال ابن الأنباري: "تبارك الله: أي يتبرك باسمه في كل شيء". ذكره صاحب لسان العرب وغيره

(1)

.

فإن قيل: لكن السورة من أولها إنما عددت نعم الرب وبركاته وخيراته عز وجل، ولا يظهر فيها ما يتعلق بالاسم.

قلت: هذا سؤال قوي، وجوابه بحمد الله عز وجل سهل، وهو أن تلك النعم تتعلق باسمين من أسمائه سبحانه، أحدهما: الرحمن، والثاني: الربّ.

ودلّ على ذلك بناؤه السورة على الأول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)

}. ثم عقب تفصيلها بعنوان الثاني، وذلك قوله:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

ومعنى الرحمن والرب موافق لذلك، فقد يكون أحد هذين أو كلاهما هو المراد بالاسم.

فإن قلت: إن النعم لا تتعلق بالاسم نفسه، وإنما تتعلق بالصفة التي دلَّ

(1)

"اللسان"(برك 10/ 396). ونص كلامه في "الزاهر"(1/ 147 - 148): " وقولهم (تبارك اسمك وتعالى جدك) فيه قولان: معنى تبارك: تقدس أي تطهر

وقال قوم: معنى تبارك اسمك، تفاعل من البركة، أي البركة تكتسب وتنال بذكر اسمك".

ص: 33

عليها، وهي الرحمانية والربوبية.

قلت: لا مانع من أن يقال: تبارَكَ الاسم الدالُّ على تلك الصفة.

هذا، وإذا أسند التبارك إلى الاسم، فثبوته للصفة من باب أولى، وللربِّ عز وجل أولى وأولى.

وهذا معنى مقصود فيه زيادة في الحمد والثناء والتعظيم. والخروج عن الظاهر بالقول بزيادة لفظ "اسم"، أو بما يصير في معنى الزائد، يلزمه نقص في ذلك المعنى العظيم.

فأما قراءة ابن عامر وأهل الشام، فإن استكثرت على اسم الله عز وجل أن يوصف بأنه ذو الجلال والإكرام، فاجعل قوله:{ذُو} خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره: هو، أي الرب، وبهذا توافق هذه القراءة معنى قراءة الجمهور.

وإن شئت فاجعل {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} بيانًا للاسم، أي تبارك هذا الاسم، وهو "ذو الجلال والإكرام" لدلالته على ما تضمنته السورة من عظم جلال الله عز وجل، وكثرة إكرامه بالنعم.

وهذا اسم عظيم الشأن، حتى قيل: إنه الاسم الأعظم. وفي حديث رواه أهل السنن وصححه الحاكم على شرط مسلم

(1)

: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع

(1)

أخرجه الترمذي في الدعوات (3776) وأبو داود في الصلاة باب الدعاء (1495) والنسائي في السهو، باب الدعاء بعد الذكر (1299) وابن ماجه في الدعاء، باب اسم الله الأعظم (3858)، والحاكم في المستدرك (1856) من حديث أنس رضي الله عنه. وأخرجه أحمد في "المسند" (12611) وقال محققه: إن الحاكم قد وهم في تصحيحه على شرط مسلم، فإن حفصًا لم يخرِّج له مسلم شيئًا (20/ 63). ولم أجد لفظ "الحنّان" في السنن والمستدرك، ولعل المؤلف نقل الحديث من "المشكاة" (2290) وفيه:"الحنان المنان".

ص: 34

رجلًا:

"اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد، لا إله إلا أنت الحنَّان المنَّان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم". فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "دعا الله باسمه الأعظم

" الحديث.

وفي حديث صححه الحاكم أيضًا

(1)

: "ألِظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام".

والإلظاظ: اللزوم والمثابرة. والله أعلم.

المثال الرابع: في الدعاء النبوي: "باسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم"

(2)

.

قالوا: إنما المعنى: "لا يضرُّ معه" أي مع الله عز وجل، لأنَّ هذا هو الواقع، وذلك أنه سبحانه وتعالى هو المدبِّر للسماوات والأرض، [46/ب] فما لم يقدِّر الضرر لم يقع، فهو الضار النافع. وأما الاسم نفسه، فأنى له ذلك! ومعية الاسم أظهر ما يتحقق بذكره، وكثيرًا ما يذكر الإنسان اسم الله تعالى، ومع ذلك يصيبه الضرر.

(1)

"المستدرك"(1836، 1837) من حديث ربيعة بن عامر وأبي هريرة رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه أحمد في "المسند"(446) والترمذي في الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى (3612) وأبو داود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح (5088) وابن ماجه في الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى (3869) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

ص: 35

والجواب: أنَّ المعنى على قولكم يصير حاصله: أنه لا ضارَّ إلا أنت يا ربنا. ولا يخفى ما فيه، وبعده عن الأدعية النبوية التي منها:"الخير كله بيديك، والشر ليس إليك"

(1)

.

وقال بعض [أهل]

(2)

العلم: المعنى: "لا يضر مع ذكر اسمه شيء"

(3)

. ويجاب عما تقدم: بأن المراد الذكر الكامل، وهو ما كان على وفق المشروع، مع صدق خشوع وقوة يقين. وقد يشهد لهذا تمامُ الحديث وقصته، ففي المشكاة

(4)

: " [فكان أبان (راوي الحديث عن أبيه عثمان) قد أصابه طرفُ فالجٍ، فجعل الرجل (الذي سمع الحديث من أبان) ينظر إليه، فقال له أبان: ما تنظر إلي؟ أمَا، إنَّ الحديث كما حدَّثتك، ولكنِّي لم أقُله يومئذ ليُمضي الله عليَّ قدرَه] ".

ولعل الأولى أن يكون المراد: لا يضرُّ مع بركة اسمه شيء، وذلك أنَّ من ذكر اسم الله تعالى على وفق المشروع، مع صدق الخشوع وقوة اليقين، استحقَّ أن يحُفَّه الله تعالى ببركة لا يضرُّه معها شيء ما دامت معه. ولما كانت تلك البركة مسبَّبةً عن ذكر الاسم نُسِبت إليه، ثم نزلت معيتها منزلة معية الاسم نفسه.

وأرى هذا تحقيقًا بالغًا. والحمد لله رب العالمين.

(1)

أخرجه مسلم في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل (771) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(2)

ساقط من الأصل سهوًا.

(3)

"مرقاة المفاتيح"(8/ 259).

(4)

"مشكاة المصابيح"(2391). وقد ترك المؤلف بعده بياضًا نحو سطرين مع وضع علامة التنصيص، لينقل القصة فيما بعد، فنقلناها.

ص: 36

المثال الخامس: في الدعاء النبوي: "اللهم باسمك أحيا، وباسمك أموت". ذكره ابن عبد السلام، وقال:"معناه: اللهم بك أحيا، وبك أموت، أي: بقدرتك"

(1)

.

أقول: هذا الدعاء كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم[يقوله]

(2)

عند اضطجاعه للنوم كما في "صحيح مسلم" عن البراء

(3)

: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أخذ مضجعه قال: "اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت"، وإذا استيقظ قال:"الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور".

فالحياة والموت فيه بمعنى اليقظة والنوم، والإنسان عند أخذ مضجعه بين يقظة حاضرة ونوم منتظر عن قرب، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يذكر اسم الله تعالى على الأمرين معًا.

وقد فسّره صاحب "فتح الباري" بقوله: "بذكر اسمك أحيا، وعليه أموت"

(4)

.

وأقول: هذا، وقوله في المثال السابق:"بسم الله" وأمثلة أخرى ذكروها كلها من أفراد التسمية، كقول من بدأ الأكل: بسم الله.

وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى.

(1)

"مجاز القرآن"(198).

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

(3)

في كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم (2711). وأخرجه البخاري في الدعوات، باب ما يقول إذا نام (6312) من حديث حذيفة رضي الله عنه.

(4)

"فتح الباري"(11/ 113).

ص: 37

المثال السادس: البيت المنسوب إلى لبيد

(1)

:

إلى الحول ثم اسمُ السلامِ عليكما

ومَن يبكِ حولًا كاملًا فقدِ اعْتَذَرْ

أقول: هذا البيت في قطعة ذكرها صاحب الأغاني (14/ 98)

(2)

في قصة ذكر فيها أن لبيدًا لما حضره الموت جرى له كيت وكيت، وفيها ذكر قصيدة طويلة. والقطعة التي فيها هذا البيت زعم الراوي أنَّ لبيدًا قالها في تلك الحال. وفي رجال السند من لم أعرفه

(3)

.

والمشهور أنَّ لبيدًا لم يقل شعرًا بعد إسلامه، وقد ذكر صاحب الأغاني ذلك عن أبي عبيدة، إلا أنه استثنى بيتًا واحدًا، وهو:

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي

حتى اكتسيتُ من الإسلام سربالًا

(4)

(1)

ديوانه (214).

(2)

يعني: طبعة بولاق. وانظر: طبعة الثقافة (15/ 305 - 306).

(3)

رواها أبو الفرج عن أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عن عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد. ولعل الذي ذكر المؤلف أنه لم يعرفه هو عبد الله بن محمد بن حكيم الطائي البصري. وقد ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(728) ولكن لم يزد على أنه روى عن خالد بن سعيد عن عمرو بن سعيد بن العاص وأنه روى عنه عمر بن شبة. وكذلك ذكره في "تهذيب الكمال" في ترجمة خالد (618) ممن روى عنه.

(4)

"الأغاني" طبعة الثقافة (15/ 29) ورجح ابن عبد البر في "الاستيعاب"(3/ 307) أن البيت المذكور لقَرَدة بن نُفَاثة السَّلولي، وهو ثالث أبيات ثلاثة له ذكرها ابن عبد البر في ترجمته (3/ 260). هذا، ويرى إحسان عباس أن أكثر من عشر قصائد قالها لبيد في الإسلام. انظر: مقدمته لديوان لبيد (27).

ص: 38

وفي كتاب "الشعر والشعراء" لابن قتيبة

(1)

: " [ولم يقل في الإسلام إلا بيتًا واحدًا. واختُلِف في البيت، قال أبو اليقظان: هو

" وذكر البيت السابق، ثم قال: "وقال غيره: بل هو قوله:

ما عاتَبَ المرءَ الكريمَ كنفسِه

والمرءُ يُصلِحُه الجليسُ الصالحُ

وقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنشدْني (من شعرك) فقرأ سورة البقرة، وقال: ما كنت لأقول شعرًا بعد إذ علّمني الله (سورة) البقرة وآل عمران

] ".

وهَبْ أن نسبة هذا البيت: "إلى الحول

" إلخ صحت إلى لبيد، أو إلى غيره ممن يحتج بكلامه، فقد حمله ابن جرير على أن قوله: "السلام" أراد به الاسم المعروف من أسماء الله عز وجل، ثم يقول: إما أن يكون أراد: ثم عليكما اسم السلام، أي: ثم الزما اسم الله. يريد: الزما ذكر اسم الله، ودعا ذكري. وإما أن يكون أراد التبريك عليهما، أي: ثم بركة اسم الله عليكما

(2)

.

وأقول: لو فرضنا أنه لم يكن له وجه إلا ما حملوه عليه من الزيادة، فهو شذوذ وضرورة، فلا يجوز حمل كلام الله عز وجل عليه.

وهب أن ذلك صحيح فصيح غير ضرورة، فلا شك أنه خلاف الأصل.

وقد ذكرنا الأمثلة التي ذكروها من الكتاب والسنة، وظهر أنه لا حاجة

بها إلى الحمل على هذا. والله أعلم.

(1)

(1/ 275 - 276). وقد وضع المؤلف رحمه الله علامة التنصيص وترك بعدها بياضًا لنقل كلام ابن قتيبة فأوردناه.

(2)

"تفسير الطبري"(شاكر 1/ 120 - 121).

ص: 39