المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٤٥

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ المائدة [82 - 96]

- ‌تفسير قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)

- ‌كلام القاسمي على قوله: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا)

- ‌معنى قوله تعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول)

- ‌معنى قوله تعالى: (وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق)

- ‌معنى قوله تعالى: (فأثابهم الله بما قالوا)

- ‌قصة إسلام النجاشي

- ‌معنى قوله تعالى: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم)

- ‌أقسام الأيمان

- ‌مقدار الإطعام في كفارة اليمين

- ‌مقدار الكسوة في كفارة اليمين

- ‌كيفية الصيام في كفارة اليمين

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)

‌تفسير قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)

يقول تبارك وتعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة:82].

قوله تعالى: (لَتَجِدَنَّ) أي: يا محمد (أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمنوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، يعني: من أهل مكة؛ لتضاعف كفرهم وجهلهم، وانهماكهم في اتباع الهوى.

(وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمنوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا) قوله: (ذلك) الإشارة هنا إلى أقربهم مودة للمؤمنين.

(بأن) يعني: بسبب أن (منهم قسيسين) أي: علماء (ورهباناً) أي: عباداً (وأنهم لا يستكبرون) عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة.

وهذه الآية نزلت في وفد النجاشي القادمين عليه من الحبشة، قرأ صلى الله عليه وسلم عليهم سورة يس فبكوا وأسلموا، وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى.

يقول القاضي محمد كنعان: قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة) الآية، ذكر الإمام السيوطي هنا أنها نزلت في وفد النجاشي القادمين عليه من الحبشة.

ولكن القول المشهور في كتب التفسير والسير أنها نزلت في النجاشي وأصحابه بعدما سمعوا سورة مريم من جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لما قدم عليهم المسلمون في الهجرة الأولى خوفاً من مشركي قريش، ففاضت أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحق، ثم أسلم النجاشي، وبعث ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه.

ومما يجب التنبيه حوله أن هذه الآيات لا تشمل جميع النصارى كما يتوهم البعض، فقوله تعالى:(ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) ليس المقصود به جميع من انتسب إلى النصرانية، وإنما الإشارة إلى جماعة موصوفة منهم، فالقول بأن الآية تشمل جميع النصارى -كما يتوهم بعض الناس- قول باطل؛ لأن هؤلاء عداوتهم للمسلمين ظاهرة، ووقائع التاريخ في الأندلس والحروب الصليبية حتى عصرنا تشهد على ذلك، بل الوقائع التي نعيشها إلى الساعة الحاضرة، والمجازر التي تقام على مرأى ومسمع من العالم كله، والتحالف الصليبي اليهودي على مسلمي البوسنة بعد أن صارت الأمم المتحدة شريكاً متضامناً وعنصراً فعالاً في المذابح التي تجري لإخواننا المسلمين في البوسنة ليل نهار، ولم يعد هذا سراً مكتوماً، ومن يتابع الأخبار في هذه الأيام يعلم هذه الحقيقة، فكيف يقال: إن هؤلاء مع وحشيتهم وإجرامهم أقرب إلينا مودة من اليهود؟! بل هؤلاء مشركون كفار كما سيأتي في نفس هذه الآيات، فمن القول الباطل الزعم بأن الآية تشمل جميع النصارى، وإنما هي تصف جماعة معينة منهم سمعوا القرآن ففاضت أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحق.

فهل الصرب أو غيرهم إذا سمعوا القرآن تفيض أعينهم من الدمع مما سمعوا من الحق ويعلنون إسلامهم؟! فالآية تصف هؤلاء الذين إذا بلغهم الحق لا يستكبرون ولا يستنكفون عن اتباعه.

ففي هؤلاء نزلت الآيات، لا في كل نصراني أو قسيس أو راهب، وهذا مع القطع بأن اليهود هم أشد الكافرين عداوة للمؤمنين.

قوله تعالى: ((وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ)) يعني: من القرآن الكريم.

((تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا)) يعني: صدقنا بنبيك وكتابك.

((فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)) أي: المقربين بتصديقهما.

قوله: (وَمَا لَنَا) يعني: وقالوا في جواب من عيرهم بالإسلام من اليهود الذين قالوا لهم: كيف تسلمون: (وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ) أي: من القرآن.

أي: لا مانع لنا من الإيمان مع وجود ما يقتضي هذا الإيمان، وهو نزول هذا الحق في القرآن الكريم، أو الطمع في رحمة الله.

{وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} [المائدة:84] أي: الجنة مع المؤمنين.

ثم قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) فهذا -بلا شك- واضح وضوح الشمس، وهو أن المقصود بالآية الأولى النصارى الذين لما بلغهم الحق انقادوا له، وأسلموا لله سبحانه وتعالى، لا من يقول: إن الله هو المسيح ابن مريم.

أو: إن الله ثالث ثلاثة.

أو غير ذلك من الأقوال الشركية، فهؤلاء يدخلون في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [المائدة:86]، وهؤلاء غير الموصوفين في صدر الآيات.

ص: 2