المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٥٨

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الأنعام [123 - 136]

- ‌تفسير قوله تبارك وتعالى: (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وهذا صراط ربك مستقيماً قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم)

- ‌هل من الجن رسل

- ‌وجه الجمع بين قوله تعالى: (وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) وقوله: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون)

- ‌لطائف في قوله تعالى: (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل) الآية

- ‌تفسير قوله تعالى: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)

‌تفسير قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)

قال تبارك وتعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:125].

قوله: (فمن يرد الله أن يهديه) يعني: للتوحيد (يشرح صدره) أي: يوسع ويفسح صدره (للإسلام) أي: يصبح ثقيلاً بنور الهداية، فيقبل نور الحق، كما قال تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:7] وروى عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هذه الآية: كيف يشرح صدره؟ قال: (نور يقذف فيه، فينشرح له وينفتح، قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت)، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وقال ابن كثير: وللحديث طرق مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضاً.

وقوله: ((ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً)) أي: شديد الضيق، فلا يتسع للاعتقادات كلها، ولا للأمور الأخروية، وأصل الحرج موضع الشجر الذي يكون كثيفاً وملتفاً، فكأن قلب الكافر كذلك.

وحين يكون الشجر كثيفاً وملتفاً على بعضه التفافاً شديداً جداً وكثيفاً يترتب على ذلك أنه لا ينفذ الضوء منه، ولا يمكن أن يسمح بنفاذ الضوء، فكأن قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره.

فقوله: ((وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا)) أي: شديد الضيق.

وقوله: ((كأنما يصعد في السماء)) أي: يتكلف الصعود في جهة السماء، وطبعه يهبط إلى الأرض، يعني: طبيعته الهبوط إلى الأرض، وإذا أراد أن يصعد إلى أعلى فإنه يعاني في ذلك أن طبيعته وخليقته وفطرته المنحرفة تجذبه إلى الأرض، فكلما أراد أن يصعد لا يستطيع أن يرقى إلى السماء، فشبه -للمبالغة- ضيق صدره بمن يزاول أمراً غير ممكن؛ لأن صعود السماء مما يمتنع ويبعد.

يقول الإمام القاسمي رحمه الله تعالى: الصعود إلى السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة.

والآن لم يعد الصعود في السماء أمراً ممتنعاً أو خارجاً عن حدود الاستطاعة، بل سخرت من الأسباب العلمية ما جعل الناس يصعدون في السماء.

وهذه الآية ذكرت الكتب المصنفة أنها مما وافق عليه الإعجاز العلمي القرآن الكريم، حيث يقول أولئك المصنفون: إن هذه الآية الكريمة تحوي إخباراً بأمر ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم في وقت الوحي أن يكتشفه بطبيعته البشرية؛ لأن الجبال في مكة ليست شديدة الارتفاع بحيث تظهر فيها هذه الظاهرة، لكن هذه الظاهرة تظهر عند الناس الذين يهوون التسلق في جبال مثل جبال الهملايا وقمة إفرست ونحوها، فمن الأشياء المعروفة جداً أنه كلما أراد الإنسان أن يصعد إلى أعلى يقل الأكسجين في طبقات الجو العلياء، وحينئذٍ يضيق صدره، ويضيق تنفسه لقلة الأكسجين، فلذلك يصيبه الإعياء والتعب الشديد، وهذا كما وصفه تبارك وتعالى هنا بقوله:((يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كأنما يصعد في السماء)) فكلما ارتفع الإنسان إلى طبقات الجو العلياء يقل الأكسجين.

فهذه الأشياء التي اكتشفت سواء عن طريق المناظير، أو عن طريق أخبار هؤلاء الناس الذين يتسلقون إلى الجبال العالية لم يكن لها مصدر بشري في زمن الوحي كي يتلقى منه النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه المعلومة، وهي قلة الأكسجين كلما ارتفع الإنسان في طبقات الجو العليا، الأمر الذي يؤدي إلى ضيق الصدر والصعوبة في التنفس، فلذلك عدت هذه الآية من آيات الإعجاز العلمي؛ لإخبارها عن هذا الأمر الذي ما كان يعرفه العرب في جزيرة العرب.

وقيل معناه: ((كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)) أي: نبواً عن الحق وتباعداً في الهرب منه.

وقوله: ((كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)) يعني: في الاعتقادات والأخلاق، والرجس هو ما استقذر من العمل، فسميت أخلاق الكفار واعتقاداتهم رجساً مبالغة في ذم ما هم عليه، فما عليه الكافر من الاعتقادات والأخلاق والشرك كله داخل تحت قوله تعالى:((كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)).

ص: 4