المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وهو من الصادقين) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٨٧

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ يوسف [19 - 35]

- ‌تفسير قوله تعالى: (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة)

- ‌فوائد من قوله تعالى: (وشروه بثمن بخس)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه)

- ‌ثمرات قوله تعالى: (وراودته التي هو في بيتها)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها)

- ‌تفسير قوله تعالى: (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وهو من الصادقين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلما رأى قميصه قد من دبر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يوسف أعرض عن هذا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قالت فذلكن الذي لمتنني فيه)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وهو من الصادقين)

‌تفسير قوله تعالى: (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وهو من الصادقين)

{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:25 - 27].

((واستبقا الباب)) هذا متصل بقوله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} [يوسف:24] فقوله تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) اعتراف جيء به بين المعطوفين تقريراً لنزاهته، فقوله:(واستبقا الباب) أي: قصد كل منهما سبق الآخر إلى الباب، فيوسف عليه السلام بادر وسابقها إلى الباب ليخرج ويهرب من هذا الموقف، وهي سبقت أيضاً إلى الباب لتمنعه من الخروج ووحد الباب هنا مع جمعه أولاً، بقوله:(وغلقت الأبواب) لأن المراد به الباب الذي يؤدي إلى الخارج، أما الأبواب الأخرى فهي داخلية تؤدي إلى هذا الباب الخارجي.

فيوسف عليه السلام لم يكن همه فقط أن يخرج من الباب الداخلي، لكن أن يخرج من الباب الذي يكون منه الخلاص من هذه الفتنة.

((وقدت قميصه من دبر)) أي: اجتذبته من خلفه، فانقد قميصه أي: انشق.

((وألفيا سيدها لدى الباب)) أي صادفا بعلها ثمةً قادماً.

((قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم)) تبرئة لساحتها وإغراءً عليه وتحريضاً.

{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف:26].

لأن قده من قبل أمارة الدفع عن نفسها به، أو تعثره في مقادم قميصه بسبب إقباله عليها.

{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:27] لأن قده من دبره أمارة إدباره عنها بسبب أنها تبعته واجتذبت ثوبه إليها فقدته، ومن اللطائف ما قيل: إن هذا الشاهد أراد أن يكون هو الفاضح لها، ووثق بأن انقطاع قميصه إنما كان من دبر فنصبه أمارة لصدقه وكذبها.

وبدأ بذكر القد من القبل؛ لأنه على علم بأنه لم ينقد من قبل، حتى ينفي عن نفسه التهمة في الشهادة وقصد الفضيحة، مع أنه كان يعلم أنه قد من دبر، لكنه أراد أن يأتي بعلامة يحكم بها في هذه المسألة، ومن ثم قدم أمارة صدقها على أمارة صدقه في الذكر، إزاحةً للتهمة ووثوقاً بأن الأمارة الثانية هي الواقعة فلا يضره تأخيرها، وهذه اللطيفة بعينها هي التي راعاها مؤمن آل فرعون في قوله:{وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر:28].

فحتى يزيح التهمة عن نفسه، ويظهر أنه مخلص لقومه ويريد بهم الخير؛ تأليفاً لقلوبهم على الإسلام أو على الدين، يقول لهم:(إن يك كاذباً فعليه كذبه) هو أتى بصفة الكذب ولم يأت بصفة الصدق؛ لكون ذلك يعني أقرب إلى هواهم، مع أنه لن يضر موسى عليه السلام أن يوصف بأنه كاذب؛ لأنه مجرد احتمال، وهو صادق قطعاً.

هذا نوع من التنزل في الحوار الذي لا يضر في الحق شيئاً، وكما في سورة سبأ:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24].

ومن هذا النحو تأخير يوسف عليه السلام لكشف وعاء أخيه الآتي ذكره في قوله: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ} [يوسف:76] فإزاحةً للتهمة بدأ بأوعيتهم أولاً قبل وعاء أخيه؛ كي لا يظهر أنه متعمد إخراجه؛ لأنه لو بدأ به، لفطنوا أنه هو الذي أمر بوضع السقاية فيه.

والقاسمي هنا قد أحسن إحساناً عظيماً في تفسيره حينما تجاهل تماماً الكلام الطويل الذي لا دليل عليه.

فمن هو الشاهد في قوله تعالى: (وشهد شاهد من أهلها)؟! إنه ليس غريباً، ولذا تكون شهادته أوقع وأبلغ، حتى إنها جرت مجرى الأمثال، فحينما تأتي مثلاً بعدو من أعداء الإسلام يشهد بشهادة حق فتقول:((شهد شاهد من أهلها)).

ص: 10