المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٩٤

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ طه [1 - 43]

- ‌تفسير قوله تعالى: (طه)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العلى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وهل أتاك حديث موسى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وما تلك بيمينك يا موسى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (اذهب إلى فرعون إنه طغى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال رب اشرح لي صدري)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتوناً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله)

‌تفسير قوله تعالى: (إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله)

قال تعالى: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} [طه:40].

هذا الذي ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كون أخته مشت إليهم، وقالت لهم:(هل أدلكم على من يكفله)، أوضحه جل وعلا في سورة القصص، فبين أن أخته المذكورة كانت مرسلة من قبل أمها لتتعرف على خبره بعد ذهابه في البحر، وأنها أبصرته من بعد وهم لا يشعرون بذلك، وأن الله حرم عليه المراضع غير أمه تحريماً كونياً قدرياً، فقالت لهم أخته:(هل أدلكم على من يكفله) أي: على مرضع يقبل ثديها وتكفله لكم بنصح وأمانة؟ وذلك في قوله تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:11 - 13]، فقوله تعالى في آية القصص:(وقالت لأخته) أي: قالت أم موسى لأخته وهي ابنتها، (قصيه) أي: اتبعي أثره وتطلبي خبره حتى تطلعي على حقيقة أمره.

(فبصرت به عن جنب) أي: رأته من بعيد كالمعرضة عنه؛ تنظر إليه وكأنها لا تريده، (وهم لا يشعرون) بأنها أخته جاءت لتعرف خبره، فوجدته ممتنعاً من أن يقبل ثدي مرضعة؛ لأن الله يقول:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} [القصص:12] أي: تحريماً كونياً قدرياً، ومنعناه منها ليكون بذلك رجوعه إلى أمه، وليكون ذلك سبب رجوعه إلى أمه؛ لأنه لو قبل غيرها أعطوه لذلك الغير الذي قبله ليرضعه ويكفله فلم يرجع إلى أمه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها لما قالت لهم: ((هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ))، أخذوها وشكوا في أمرها، وقالوا لها: ما يدريك بنصحهم له، وشفقتهم عليه؟ فقالت لهم: نصحهم له وشفقتهم عليه رغبة في سرور الملك ورجاء منفعته.

يعني: أنها تكون مخلصة وناصحة له وأمينة؛ كي تنتفع من الملك بأجر هذه الرضاعة؛ فأرسلوها لما قالت لهم ذلك، وخلصت من أذاهم، فذهبوا معها إلى منزلهم، فدخلوا به على أمه فأعطته ثديها فالتقمه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وذهب البشير إلى امرأة الملك، فاستدعت أم موسى وأحسنت إليها وأعطتها عطاء جزيلاً، وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة؛ ولكن لكونه قبل ثديها سألتها أن تقيم عندها فترضعه، فأبت عليهم، وقالت: إن لي بعلاً وأولاداً، ولا أقدر على المقام عندكم، ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت، فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك، وأجرت عليها النفقة والغلال والكساوي والإحسان الجزيل، فرجعت أم موسى بولدها، وقد أبدلها الله بعد خوفها أمناً في عز وجاه ورزق دارٍ! قوله تعالى في آية القصص:{وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ} [القصص:13]، وعد الله هو المذكور في قوله:{وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7]، والمؤرخون يقولون: إن أخت موسى المذكورة اسمها مريم.

قوله: (كي) إن قلنا: إن (كي) حرف مصدري واللام محذوف، فالمعنى: لكي تقر، وإن قلنا: إنها تعليلية فالفعل منصوب بأن مضمرة.

(تقر عينها) قيل: أصله من القرار؛ لأن ما يحبه الإنسان تسكن عينه عليه، ولا تنظر إلى غيره، فقرت العين: أن العين إذا رأته تسكن وتثبت عليه ولا تتحول إلى غيره من شدة الوله به.

وقيل: أصله من القرار كما في قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، فالقرار المقصود به السكون، بمعنى: أن العين إذا رأته لشدة حبه له تدخل وتستقر عليه، ولا تتحول إلى غيره.

وإذا قلنا: هو مأخوذ من القر: البرد، تقول العرب: يوم قر، أي: بارد، ومنه قول امرئ القيس: تميم بن مر وأشياعها وكندة حولي جميعاً صبر إذا ركبوا الخيل واستلأموا تحرفت الأرض واليوم قُرّ يعني: واليوم بارد.

ومنه أيضاً قول حاتم الطائي الجواد: أوقف فإن الليل ليل قر والريح يا وافد ريح صر فالقر البرد، ولماذا خص البارد؟ لأنهم يقولون: إن البكاء الذي ينشأ عن الفرحة تكون دموعه باردة، والبكاء الذي يصدر عن الحزن يكون ساخناً، وعلى هذا القول فإن قرة العين من بردها؛ لأن عين المسرور باردة، ودمع البكاء من السرور بارد جداً، بخلاف عين المحزون فإنها حارة، ودمع البكاء من الحزن حار جداً، ومن أمثال العرب: أحر من دمع المقلاة، والمقلاة هي المرأة التي لا يعيش لها ولد، فيشتد حزنها بموت أولادها، فتشتد حرارة دمعها بذلك.

قال القاسمي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: ((إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ)): أي: يضمن حضانته ورضاعته، فقبلوا قولها؛ وذلك لأنه لما استقر عند آل فرعون عرضوا عليه المراضع فأباها، كما قال تعالى:(وحرمنا عليه المراضع)، فجاءت أخته فقالت:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص:12] فجاءت بأمه كما قال: (فرجعناك إلى أمك) أي: مع كونك في يد العدو، (كي تقر عينها)، برؤيتك، (ولا تحزن) بفراقك، فهذه منن زائدة على النجاة من القتل.

ص: 14