المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عند ابن الصلاح - تقرير الاستناد في تفسير الاجتهاد

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌عند ابن الصلاح

‌عِنْد ابْن الصّلاح

وَقَالَ ابْن الصّلاح لَا يشْتَرط فِي الْمُجْتَهد المستقل معرفَة تفاريع الْفِقْه لِأَنَّهَا نتيجة الِاجْتِهَاد فَلَو شرطت فِيهِ لزم الدّور نعم يشْتَرط فِي الْمُجْتَهد الَّذِي يتَأَدَّى بِهِ فرض الْكِفَايَة فِي الأفتاء ليسهل عَلَيْهِ إِدْرَاك أَحْكَام الوقائع على قرب من غير تَعب كَبِير

وَهُوَ معنى قَول الْغَزالِيّ إِنَّمَا يحصل الِاجْتِهَاد فِي زَمَاننَا بممارسة الْفِقْه فَهُوَ طَرِيق تَحْصِيله فِي هَذَا الزَّمَان وَلم يكن الطَّرِيق فِي زمن الصَّحَابَة رضي الله عنهم ذَلِك

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ يَكْفِي فِي الْمُجْتَهد بالتوسط فِي عُلُوم الْعَرَبيَّة من لُغَة وإعراب وتصريف وَمَعَان وَبَيَان

وَفِي أصُول الْفِقْه لَا بُد أَن يكون لَهُ فِيهَا ملكة وَأَن يكون مَعَ ذَلِك قد أحَاط بمعظم قَوَاعِد الشَّرْع ومارسها بِحَيْثُ اكْتسب قُوَّة يفهم بهَا مَقَاصِد الشَّرْع

وَكَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي عبر عَنهُ الْغَزالِيّ بِفقه النَّفس وَيحْتَمل أَن يكون غَيره وَجزم بِهِ ابْن السُّبْكِيّ فِي جمع الْجَوَامِع وفسروه بِأَن يكون شَدِيد الْفَهم بالطبع لمقاصد الْكَلَام بِحَيْثُ يكون لَهُ قدرَة على التصريف

قَالَ الْغَزالِيّ إِذا لم يتَكَلَّم الْفَقِيه فِي مَسْأَلَة لم يسْمعهَا ككلامه فِي مَسْأَلَة سَمعهَا فَلَيْسَ بفقيه

هَذَا مَجْمُوع كَلَام الْعلمَاء فِي شُرُوط الِاجْتِهَاد

ص: 46

فصل 4 شُرُوط الِاجْتِهَاد عِنْد السُّيُوطِيّ

قلت وَحَاصِل ذَلِك أَن الْعُلُوم الْمُشْتَرط فِي الِاجْتِهَاد بضعَة عشر

أَحدهَا عُلُوم الْكتاب الْعَزِيز وَهِي كَثِيرَة جدا وَقد جمعت فِي أُصُولهَا كتاب الإتقان فِي عُلُوم الْقُرْآن وَهُوَ مُجَلد ضخم مُشْتَمل على ثَمَانِينَ نوعا وَكلهَا أَو أَكْثَرهَا مِمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد وَمن أهمها معرفَة أَسبَاب النُّزُول وَقد أفردت فِيهِ كتابا لم يؤلف مثله سميته لباب النقول وَمَعْرِفَة النَّاسِخ والمنسوخ وَقد حررته فِي الإتقان تحريرا بَالغا وَمَعْرِفَة مَا ورد من الْأَخْبَار والْآثَار فِي مَعَاني الْآيَات وَقد ألفت فِي ذَلِك الدّرّ المنثور فِي التَّفْسِير الْمَأْثُور أَربع مجلدات وَمَعْرِفَة مَا استنبطه الْعلمَاء مِنْهُ فن الْأَحْكَام وَقد ألفت فِي ذَلِك الإكليل فِي استنباط التَّنْزِيل وَمَعْرِفَة أسراره وبلاغته ومجازاته وأساليبه وَقد ألفت فِي ذَلِك أسرار التَّنْزِيل ثَلَاث مجلدات ولي فِي تعلقات الْقُرْآن تصانيف أخر لَا يحْتَاج مَعهَا إِلَى غَيرهَا

الثَّانِي عُلُوم السّنة وَهِي مائَة علم شرحها فِي الْكتب الَّتِي ألفتها فِي عُلُوم الحَدِيث وَقد تبِعت بِحَمْد الله جَمِيع الْأَحَادِيث على تفرقها وانتشارها فأحطت بأضعاف مَا فِي الْكتب السِّتَّة فضلا عَن سنَن أبي دَاوُد من كتاب الصِّحَاح وَالسّنَن والجوامع وَالْمَسَانِيد والمعاجم والأجزاء والفوائد والتواريخ مَعَ معرفَة متصلها ومرسلها ومعضلها ومنقطعها ومدلسها ومدرجها وَمَا اخْتلف فِي وَصله وإرساله وَفِي رَفعه وَوَقفه وَمَعْرِفَة أَصَحهَا وصحيحها وحسنها لذاته وحسنها لغيره وضعيفها المتماسك وواهها ومنكرها

ص: 47

ومتروكها وشاذها ومعللها وَمَا اخْتلف فِي صِحَّته وَحسنه وَضَعفه ومتواترها ومشهورها وأحادها وغريبها ومردها الْمُطلق وفردها النسبي وَمَا لَهُ متابع من لَفظه وَمَا لَهُ شَاهد من مَعْنَاهُ وناسخها ومنسوخها وَأَسْبَاب وُرُودهَا وتصانيفي الحدية كافلة بِكَثِير من ذَلِك

الثَّالِث علم أصُول الْفِقْه وَهُوَ أهم مِمَّا بعده لأجل كَيْفيَّة الِاسْتِدْلَال وَتَقْدِيم بعض الْأَدِلَّة على بعض وَالْجمع بَينهمَا عِنْد معارضها وَقد ألفت فِيهِ منظومة جمع الْجَوَامِع وشرحتها

الرَّابِع علم اللُّغَة وَهَذَا يرجع فِيهِ إِلَى الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي ذَلِك كصحاح الْجَوْهَرِي بتكملته للصغاني والعباب والقاموس وَنَحْوهَا وَإِلَى الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي يغريب الْقُرْآن وغريب الحَدِيث

الْخَامِس الْمعَانِي المفهومة من السِّيَاق وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْغَزالِيّ فِي المنخول وَأَنه لَا يَكْتَفِي فِيهِ بكتب اللُّغَة وَقد ألف فِي هَذَا النَّوْع بِخُصُوصِهِ الرَّاغِب كِتَابه مُفْرَدَات الْقُرْآن وعقدت لَهُ فِي الإتقان فصلاء

السَّادِس وَالسَّابِع النَّحْو وَالصرْف وكتبي فِيهَا كَثِيرَة وَلَو لم يكن إِلَّا جمع الْجَوَامِع وَشَرحه كَانَ فيهمَا غنية كَبِيرَة

الثَّامِن وَالتَّاسِع والعاشر الْمعَانِي وَالْبَيَان والبديع وَقد ألفت فِيهَا ألفية وشرحتها

الْحَادِي عشر علم الْإِجْمَاع وَالْخلاف وَهَذَا يُؤْخَذ من غصون الْكتب وَأول مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى ممارسة فقه الْمَذْهَب حَتَّى يُحِيط بمسائل الْقطع ومسائل الْأَقْوَال وَالْوُجُوه ثمَّ ينْهض إِلَى مُرَاجعَة كتب بَقِيَّة الْمذَاهب

ص: 48

وَالْخلاف العالي وَلَا يشْتَرط حفظ الْكل بل يعرف مواقعه ليراجعه عِنْد الْحَاجة كَمَا تقدم فِي الْكَلَام الْغَزالِيّ والرافعي وَالنَّوَوِيّ

الثَّانِي عشر علم الْحساب وَهَذَا شَرط فِي الْمُجْتَهد الْمُطلق فِي جَمِيع أَبْوَاب الشَّرْع أما الْمُجْتَهد فِيمَا عدا الْفَرَائِض وَنَحْوهَا فَلَا يشْتَرط فِيهِ وَلِهَذَا لم يذكرهُ الشَّيْخَانِ وَلَا غَيرهمَا سوى الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور

الثَّالِث عشر فقه النَّفس

الرَّابِع عشر الْإِحَاطَة بمعظم قَوَاعِد الشَّرْع الَّذِي ذكره السُّبْكِيّ أَن عددناه مغايرا لفقه النَّفس وَإِلَّا فَهُوَ وَمَا قبله وَاحِد وَيَنْبَغِي أَن يضم إِلَى ذَلِك

خَامِس عشر وَهُوَ علم الْأَخْلَاق ومداواة الْقُلُوب أخذا من كَلَام صَاحب قوت الْقُلُوب

وَذكر السُّبْكِيّ فِي جمع الْجَوَامِع من شُرُوطه أَن يكون عَارِفًا بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ وَهُوَ الْمنزلَة أساسا مكلفون بالتمسك بِهِ مَا لم تردنَا حجَّة وَلَا حَاجَة إِلَى أَفْرَاد هَذَا شرطا لِأَنَّهُ من جملَة أصُول الْفِقْه

وَأما علم الْكَلَام فالراجح عدم اشْتِرَاطه كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ والشيخان

ص: 49

وَأما علم الْمنطق فَأَقل وأذل من أَن يذكر وَقد كَانَ المجتهدون وتقررت الْمذَاهب فِي الْمِائَة الأولى وَالثَّانيَِة والمنطق بعد فِي جَزِيرَة قبرص لم يدْخل بَين الْمُسلمين وَلَا أحضر إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام من قبرص إِلَّا فِي خلَافَة الْمَأْمُون وَعلم أصُول الْفِقْه وَالْبَيَان تعنيان عَنهُ فِي كَيْفيَّة الاستفادة وَلم يذكرهُ أحد من الْفُقَهَاء والأصوليين بل زجروا عَنهُ وحرموا الِاشْتِغَال بِهِ وَلم يُوَافق صَاحِبي الْمَحْصُول وَالْحَاصِل أحد على عده شرطا حَتَّى وَلَا الْبَيْضَاوِيّ الَّذِي مهاجه مُخْتَصر من الْحَاصِل

ص: 50

فَائِدَة 5 دَلِيل استكمال شَرَائِط الِاجْتِهَاد

قَالَ الشهرستاني بِأَيّ شَيْء يعرف الْعَاميّ أَن الْعَالم قد وصل إِلَى حد الِاجْتِهَاد وَكَذَلِكَ الْمُجْتَهد نَفسه مَتى يعلم أَنه قد اسْتكْمل شَرَائِط الِاجْتِهَاد فِيهِ نظر كَذَا فِي عدَّة نسخ من كِتَابه من غير زِيَادَة عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ لم يَتَّضِح لَهُ فِيهِ شَيْء يذكرهُ

وَيظْهر أَن الْعَالم يعرف ذَلِك من نَفسه بَان يعلم أَنه أتقن آلاته كل الإتقان وجد لَهُ ملكة وقدرة على الاستنباط واستخراج الْأَحْكَام الْخفية من الْأَدِلَّة الْبَعِيدَة على نَظِير مَا حكى عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه سُئِلَ مَا الدَّلِيل على أَن الْبَارِي تَعَالَى لَيْسَ فِي جِهَة

فَقَالَ الدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا تفضلُونِي على يُونُس بن مَتى فخفي وَجه الدّلَالَة على الْحَاضِرين مقرره لَهُم بطريقة فَمثل هَذَا الاستنباط الدَّقِيق إِنَّمَا يُدْرِكهُ مُجْتَهد بِخِلَاف أَخذ الْأَحْكَام الظَّاهِرَة من الْأَدِلَّة الْقَرِيبَة فَأن ذَلِك يقدر عَلَيْهِ كل عَالم وَأَن لم يبلغ دَرَجَة الِاجْتِهَاد

وَأما معرفَة الْعَاميّ ذَلِك فَلَا يُمكن إِلَّا بأخبار الْمُجْتَهد عَن نَفسه لِأَن الِاجْتِهَاد معنى قَائِم بِالنَّفسِ لَا إطلاع للعامي عَلَيْهِ نعم قد يدْرك ذَلِك بِكَثْرَة الاختبار من لَهُ أَهْلِيَّة الاختبار

ص: 51

وَالظَّاهِر قبُول قَول الْعَالم فِي الْأَخْبَار عَن نَفسه أَنه وصل إِلَى حد الِاجْتِهَاد إِذا كَانَ عدلا قِيَاسا على قَوْلهم من أدعى الصُّحْبَة قبل قَوْله فِي ذَلِك إِذا كَانَ عدلا لِأَن عَدَالَته تَمنعهُ أَن يكذب وَلَا نظر إِلَى اتهامه بِكَوْنِهِ يَدعِي لنَفسِهِ رُتْبَة عالية

ص: 52