المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأسلوب الأمثل لتعليم القرآن في الحلقات القرآنية - تقويم تعليم حفظ القرآن الكريم وتعليمه في حلقات جمعيات تحفيظ القرآن الكريم

[إبراهيم آل هويمل]

الفصل: ‌ الأسلوب الأمثل لتعليم القرآن في الحلقات القرآنية

المبحث الخامس:‌

‌ الأسلوب الأمثل لتعليم القرآن في الحلقات القرآنية

وقبل أن أذكر الأسلوب الذي ينبغي أن يتبع في تعليم القرآن الكريم في الحلقات القرآنية، أرى من الضروري أن أذكر ما يتعلق بمكان الحلقة ومن يقوم بالتدريس فيها من المعلمين والمشرفين الإداريين لتؤدي هذه الحلقات ثمارها المرجوة ولتحقق أهدافها المنتظرة والتي أقيمت من أجلها.

ومما ينبغي التأكيد عليه أن تعليم القرآن الكريم من أهم المهمات لما له من الآثار الإيجابية في تربية الأفراد وسلوكهم، بل في أمن المجتمعات وطمأنينتها، وذلك لما يتمتع به حملة القرآن من خلق رفيع وأدب جم وسلوك متزن، معينه ومنهله كلام رب العالمين.

وإذا تأصلت هذه الأفكار عند القائمين على التعليم وجب أن تتكاتف الجهود، وتوفر الإمكانات المالية والبشرية والمادية، وأن يعتنى به تمام العناية وألا يبقى التعليم في الحلقات على حسب الجهود الفردية بلا تخطيط أو تطوير.

وأول ما يمكن النظر إليه وإعداده هو مكان الحلقة. إن الحلقات القرآنية والتي تشرف عليها وتتولاها جمعيات تحفيظ القرآن الكريم غالباً تكون في المساجد سواء كانت صغيرة أو جوامع.

وهذا هو أنسب مكان لتعليم القرآن الكريم وإنما يبقى اختيار المسجد المناسب من حيث السعة والتهيئة كالإضاءة والتهوية والنظافة والهدوء.

ص: 17

ومما ينبغي ملاحظته في هذا الأمر:

أ- ترتيب أماكن الحلقات في المسجد:

بحيث تكون بعيدة عن المكان المعد للصلاة في المسجد فمن المعلوم أن بعض المصلين يبقى في مصلاه لقراءة القرآن أو لقراءة ورده، وإذا كانت الحلقة بجواره قد تشغله وتحدث بعض الأصوات التي تشغله عن ورده.

ب - أن يكون المكان المعد للحلقة واسعاً للطلاب يسعهم جميعاً، يستطيع المعلم رؤيتهم بلا تزاحم شديد أو تفرق كبير.

ج- أن يهتم بجانب النظافة فيه.

ومما هو معلوم أن صغار السن لا يهتمون اهتماماً كبيراً بالنظافة وغالباً يحملون في جيوب ملابسهم بعض المكسرات وغيرها من المأكولات، مما تسبب بعض الآثار في أماكنهم وعلى القائمين على الحلقات أن يهتموا بنظافة المكان يومياً.

ومما ينبغي التأكيد عليه ما هو قوام الحلقة وهو من يقوم بالتدريس فيها.

وذلك باختيار الأساتذة الأكفاء الذين يتصفون بصفات تؤهلهم حتى يكونوا من معلمي القرآن لأن التعليم في هذه الحلقات يحتاج إلى معلم فَذ كما قال الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين (ممن كملت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته، وأشتهرت صيانته، وكان أحسن تعليماً، وأجود تفهيماً)(1) .

(1) أدب الدنيا والدين صـ109 الماوردي - تحقيق مصطفى السقا - الرياض مكتب التربية العربي لدول الخليج 1415هـ.

ص: 18

وهذه الصفات يمكن اجمالها فيما يلي:

1-

أن يتصف بالصدق والاخلاص.

والإخلاص من أعظم الأعمال، ولا يقبل عمل إلا إذا كان خالصاً لله.

يقول الإمام النووي: (وأول ما ينبغي للمقرئ والقارئ أن يقصد بذلك رضا الله تعالى فإنما يعطى الرجل على قدر نيته)(1) . وأثر المعلم في طلابه على قدر إخلاصه وصلاحه وحسن قصده.

2-

الصبر:

والصبر صفه عالية من صفات المؤمنين، وعد الله عليه عظيم الأجر والثواب، وبدون الصبر لا يستطيع المرء بلوغ آماله والوصول إلى أهدافه.

والصبر في معلم القرآن أشد ضرورة لأنه يعمل في ميدان التربية والتعليم ومخاطبة فئات من الناس بل طبقات من الشباب تختلف قدراتهم وأخلاقهم ومعارفهم وعاداتهم، ونقلهم إلى التأدب بآداب القرآن والتخلق بأخلاقه يحتاج إلى صبر ومصابرة وحلم ورفق بهم ليقبلوا قوله ويقتدوا به.

3-

حسن الخلق والسمت:

وحسن الخلق من صفات الرسولُ صلى الله عليه وسلم امتدحه بها رب العالمين فقال {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4) وأمر بها الرسولُ صلى الله عليه وسلم فقال: " وخالق الناس بخلق حسن"(2) .

(1) التبيان صـ 130.

(2)

رواه الترمذي في كتاب البر والصلة 4/355.

ص: 19

وإذا كان المعلم حسن الأخلاق أثر في طلابه تأثيراً عجيباً وجعلهم يحبونه ويعملون بقوله ويمتثلون أمره.

أما إذا كان سيئ الأخلاق فلا يلبث إلا قليلاً من الوقت فيبغضه الطلاب ولا يسمعون قوله، ويضطرهم إلى ترك الحلقة.

4-

العدل:

وقد أمر الله عز وجل بالعدل فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} (النحل:90) .

وأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأولاد فقال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"(1) . وطلاب الحلقات القرآنية بمنزلة الأولاد لمعلمهم، يجب عليه العدل بينهم وإلا كان من الظالمين كما ورد عن مجاهد رضي الله عنه (2) .

وإذا لم يعدل المعلم بين تلاميذه سبب النفور والوحشة والكراهية للمعلم وللطلاب وللحلقة.

وأوجه العدل بين التلاميذ كثيرة من أهمها:

أ - العدل في استماعه إلى حفظهم:

وذلك بتقديم الأسبق فالأسبق كما قال الإمام النووي: (وينبغي أن يقدم في تعليمهم إذا ازدحموا الأسبق فالأسبق ولا يقدمه في أكثر من درس إلا برضا الباقين)(3) . ويدخل في هذا الاستماع الدقيق إلى ما حفظوه وإلى تساوي المقطع المطالبين بحفظه أو مراجعته، وخاصة إذا كانوا سواء في القدرات العقلية.

ب- العدل بين الطلاب في متابعتهم والسؤال عنهم وتشجيعهم.

(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان 3/1242.

(2)

الآداب الشرعية 1/181.

(3)

المجموع 1/33.

ص: 20

إلى غير ذلك من أنواع العدل.

5-

أن يكون المعلم متخصصاً:

وأعني بالتخصص هنا إتقانه للعلم الذي يدرسه بأن يكون متقناً للحفظ عالماً بمخارج الحروف وصفاتها مجوداً في قراءته ملماً بعلوم القرآن كالقراءات وأسباب النزول ومعاني الآيات.

وأما أسلوب التدريس في الحلقة

ففي نظري أنه لا بد من التركيز على جانب التلاوة والحفظ والمراجعة سواء بسواء.

فالتلاوة لتحسين تلاوة الطلاب، لاسيما أن منهم من لا يستمر في الحفظ، وسرعان ما ينقطع.

والحفظ هو أساس الحلقة ومن أجله أسست والمراجعة ثمرتها ليثبت الحفظ ويرسخ في قلب الحافظ.

فالحلقة في مجملها لا بد أن تشتمل على هذه الأساليب كلها:

1-

التلاوة:

التلاوة هي أساس التلقي، وكتابة القرآن في المصاحف على الرسم العثماني تختلف عن بقية الكتابة، لذا بعض الحروف يرسم ولا ينطق والعكس كذلك.

ولذلك اختص القرآن دون غيره بوجوب تلقيه من الأفواه ليتم النطق به سليما كما تلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصلنا غضاً طرياً بسنده المتصل كما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 21

وأول خطوة ينبغي أن تتبع في حلقات تحفيظ القرآن الكريم هي التلاوة، وذلك بأن يتلو المعلم السورة أو المقطع المراد حفظه على الطالب، ثم يطلب من الطالب إعادة قراءته نظراً من المصحف فإذا ما أتقن الطالب التلاوة انتقل إلى المرحلة اللاحقة وهي الحفظ ومن ثمرات هذا الاسلوب:

أ - الأمن من الخطأ في الأداء:

وقد سبقت الإشارة إلى أن كتابة القرآن بالرسم العثماني تختلف عن غيره، فإذا نطق الطالب بهذه الكلمات أو الأحرف على حسب الرسم أمن من الخطأ.

ب- سرعة الحفظ:

وذلك بكثرة تردده على أذن الطالب فسمعه من معلمه وقرأه عليه، وأعاد قراءته وكل هذا يساعد على حفظه.

وقد يؤخذ على هذا الأسلوب ما يلي:

1-

عدم سرعة التقدم في الحفظ، لكن إذا ما قورنت هذه بالثمرات السابقة نجدها تتلاشى لا سيما بعد الاستمرار في الحلقة.

2-

أخذ وقت طويل من المعلم لكل طالب.

وهذا لا يعد مأخذاً في نظري لأن به يتحقق الهدف الصحيح من الحلقة.

3-

يلزم على هذا قلة عدد الطلاب في الحلقة:

وهذا أيضاً من المطالب التي يسعى إليها ليتحسن أداء الطلاب وتسهل متابعتهم من قبل المعلم، ولتؤتي الحلقة ثمارها.

ص: 22

2-

الحفظ

وهو من أعظم الأهداف للحلقات القرآنية، ومن أجله أنشئت الجمعيات، وبعد قراءة الطالب السورة أو المقطع المراد حفظه يطالب بحفظ هذا المقطع أو السورة وإتقانها، وغالباً يكون الحفظ بعد اتقان التلاوة سهلاً وميسوراً، مع الأمن من الخطأ في الأداء.

3-

المراجعة

وهي من الأهمية بمكان وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقالها"(1) .

ومراجعة المعلم لطلابه فيما حفظوه في نظري أنها إحدى الأساسيات التي لاغنى عنها في أي حلقة تحفيظ والمراجعة تنقسم إلى قسمين هما:

1-

مراجعة يومية.

2-

مراجعة دورية.

والمقصود بالمراجعة اليومية الاستمرار في إعادة تسميع ما حفظ سابقاً.

أما المراجعة الدورية فيقصد بها المراجعة التامة للسورة أو الجزء إذا أكمل حفظه.

وبالاستمرار على المراجعة نجني الثمار الآتية:

أ- تثبيت الحفظ وترسيخه:

وهذا مفهوم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " تعاهدوا القرآن".

ب- زيادة الحسنات:

(1) رواه البخاري في صحيحة باب فضل القرآن برقم (4746) .

ص: 23

وذلك بكثرة القراءة، وكل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

ج- انشغال الطالب بتلاوة القرآن الكريم على كل أحيانه وفي كل أوقاته فيحفظ عليه وقته من الضياع.

4-

التفسير:

وأعني به تفسير الكلمات الغريبة وبيان معناها وحبذا لو أعطى المعلم نبذة مختصرة بين فيها المعنى الإجمالي للآيات وأوضح سبب النزول إن وجد ووجه ارتباط الآيات بعضها ببعض ليكون أسهل للحفظ.

وهذا الأسلوب يتبعه المعلم إذا كان طلاب الحلقة يسيرون في حفظهم على مستوى واحد أي يحفظون جزءاً واحداً أو سورة واحدة سوياً.

أما إذا اختلفت مستوياتهم فمن الصعب إعطاء كل واحد المعنى الإجمالي أو تبيين سبب النزول أو غير ذلك إلاّ ما كان من بيان معاني الكلمات الغريبة. فأرى أن ذلك من الضرورة بمكان.

هذا في جانب التدريس

وهناك جوانب أخر لا بد من الأخذ بها في عين الاعتبار.

الجانب الأول: جانب الثواب:

وهو ما يسمى بالحوافز وسواء كانت هذه الحوافز مادية أو معنوية وسواء كانت ثابتة أو منقطعة.

فالتشجيع يدفع الطالب إلى زيادة الحرص وإتقان الحفظ والتخلق بالأخلاق العالية بل يدفعه إلى الاقتداء بمعلمه والتعاون معه وعدم الانصراف عنه.

ص: 24

وكما قيل: "الثواب أقوى وأبقى أثراً من العقاب في عملية التعليم وهذا يعكس أهمية المكافأة في تدعيم الاستجابات الصحيحة وتثبيت التعليم"(1) .

فالثواب والتشجيع ولو بالثناء والمدح والدعاء له، وكتابة ذلك في سجل الطالب، أو منحه شهادة تقدير، أو إخراج اسمه في لوحة الشرف، أو إرسال خطاب شكر لولي أمره أو لمدرسته أو غير ذلك مما يكون له الأثر في تشجيع الطالب، وفي تقدم الحلقة. وهذا مما يؤكد الأخذ بهذا الجانب الهام في جوانب التربية، لا سيما في تعليم القرآن الكريم في الحلقات القرآنية.

2-

الجانب الثاني: جانب العقاب

والعقاب مبدأ أقره الإسلام وعمل به العلماء وذلك إذا لم يحقق جانب الثواب الهدف المنشود، والعقاب له عدة أساليب ليس هذا مجال بحثها أو الإطالة في سردها، وإنما المقصود أن يكون العقاب من الأساليب المعمول بها في الحلقات القرآنية.

ولذا يقول الإمام النووي: "ومن قصر عنفه تعنيفاً لطيفاً"(2) .

3-

الجانب الثالث: جانب التقويم المستمر

وسواء كان هذا التقويم للمعلم أو الطالب أو المدرسة، فبالتقويم المستمر اليومي والأسبوعي والشهري والفصلي ومن ثم في نهاية كل عام تظهر جوانب القوة والضعف داخل الحلقات القرآنية، ويستطيع القائمون عليها تقوية جوانب الضعف وسد النقص، والتخطيط السليم للتقدم بالحلقة وطلابها.

(1) أصول علم النفس صـ 269.

(2)

التبيان صـ 21.

ص: 25