المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في تعريفه - تيسير الوصول إلى منهاج الأصول - جـ ١

[ابن إمام الكاملية]

الفصل: ‌الفصل الأول في تعريفه

‌الباب الأول في الحكم

وفيه فصول

‌الفصل الأول في تعريفه

الحكم: خطاب الله - تعالى - المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير.

فالخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام.

ص: 311

والمراد هنا بخطاب (الله تعالى) - هو ما أفاد، وهو الكلام النفسي الأزلي،

ص: 312

المسمى في الأزل خطابًا على الراجح وبإضافته إلى الله - تعالى - أخرج خطاب من سواه إذ لا حكم إلا حكمه.

ص: 313

والرسول والسيد إنما وجب طاعتهما، بإيجاب الله - تعالى - إياها.

وقوله: ((المتعلق بأفعال الكلفين)) أي البالغين العاقلين تعلقًا معنويًا قبل وجوده، وتنجيزيًا بعد وجوده بعد البعثة إذ لا حكم قبلها.

وخرج بفعل المكلفين: خطاب الله تعالى المتعلق بذاته وصفاته وذوات المكلفين والجمادات.

وقوله: ((المتعلق بأفعال المكلفين)) لا يمكن حمله على ظاهره قطعًا؛

ص: 314

لأنه حينئذ لا يتناول شيئًا من الأحكام، إذ لا يصدق على حكم ما أنه خطاب متعلق بجميع أفعال المكلفين.

فالمراد تعلقه بفعل منها، وحينئذ يتناول ما لا يعم كخواص النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: ((بالاقتضاء)) أي طلب الفعل وطلب الترك، جازمًا أو غير

ص: 315

جازم.

فطلب الفعل الجازم الايجاب، وغير الجازم الندب، وطلب الترك الجازم التحريم، وغير الجازم الكراهة، والتخيير الإباحة.

فدخلت الأحكام الخمسة وأخرج بذلك مثل قول تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} .

إذ ليس فيه اقتضاء ولا تخيير، إنما هو أخبار بحال له.

ولا خطاب يتعلق بفعل غير البالغ العاقل.

وولي الصبي والمجنون مخاطب بأداء ما وجب في مالها منه كالزكاة وضمان المتلف، كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته

ص: 316

حيث فرط في حفظها لتنزل فعلها في هذه الحالة منزلة فعله.

وصحة عبادة الصبي كصلاته وصومه المثاب عليها، ليس لأنه مأمور بها كما في البالغ، بل ليعتادها فلا يتركها بعد بلوغه.

واختار السبكي في حد الحكم: أنه خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين على وجه الإنشاء، ليندرج تحته خطاب الوضع، وهو كون الشيء سببًا أو شرطًا أو مانعًا، والحكم بالصحة والفساد.

فإن قلت: الفقه - على ما تقدم - هو العلم بالأحكام الشرعية المكتسب من الأدلة.

والدليل الشرعي: ليس إلا خطاب الله تعالى، وإذا كان الحكم أيضًا: خطاب الله - تعالى - فيصير حاصله الفقه: العلم بخطاب الله -

ص: 317

تعالى - الحاصل عن خطاب الله -تعالى- أجيب: بأن المراد بالفقه: العلم بالخطاب النفساني الذي هو قديم، الحاصل عن الخطاب اللفظي الذي هو دليل.

أو كأنه قيل: علم بالوحي الحاصل عن إيجاب الله تعالى.

وقالت المعتزلة اعتراضًا على هذا الحد: خطاب الله - تعالى - قديم عندكم؛ لأنه كلامه، ومذهبكم - أهل السنة - أن الكلام قديم.

والحكم حادث؛ لأنه يوصف به، أي بالحدوث.

ص: 318

كقولنا: حلت المرأة بعدما لم تكن حلالًا، فالحل من الأحكام الشرعية، وقد وصف بأنه لم يكن، وكان، (وكل ما) لم يكن وكان فهو حادث.

ويكون الحكم أيضًا صفة لفعل العبد، كقولنا: هذا وطء حلال، فجعل الحل صفة للوطء الذي هو فعل العبد، وفعل العبد حادث، وصفة الحادث أولى بالحدوث؛ لأنها إما مقارنة للموصوف، أو متأخرة عنه.

ويكون الحكم معللًا به أي بفعل العبد، كقولنا: حلت المرأة بالنكاح، وحرمت بالطلاق، فالنكاح علة للإباحة، والطلاق

ص: 319

علة للتحريم، والنكاح والطلاق حادثان، إذ النكاح هو: الإيجاب والقبول، والطلاق قول الزوج: طلقت، فالمعلل بهما حادث بطريق الأولى؛ لأن المعلول إما مقارن لعلته، أو متأخر عنها.

فإذا كان الخطاب قديمًا، والحكم حادثًا، فتعريف الحكم الحادث بالخطاب القديم، بمقتضى أن يكون القديم حادثًا، أو الحادث قديمًا، وفساده واضحًا.

واعترضوا أيضًا:

بأن الحد غير جامع لأفراد المحدود؛ لأن أحكام الوضع ليست داخلة فيه، وأشار إليه بقوله:

ص: 320

فموجبية الدلوك، وما نعيه النجاسة، وصحة البيع وفساده خارجة عنه أي عن الحد؛ لأن جعل الشيء سببًا كجعل دلوك الشمس، أي زوالها سببًا للصلاة، والزنا سببًا لوجوب الحد، أو شرطًا كطهارة المبيع لصحة البيع، ومانعية النجاسة لصحة الصلاة، لا اقتضاء فيها ولا تخيير، بل هي من وضع الشارع وتحصل بجعله.

وكذا الصحة والفساد حكمان شرعيان لأنا استفدناهما من الشارع، وليس فيهما طلب ولا تخيير. واعترضوا أيضًا:

بأن فيه أي في الحد الترديد؛ لأن فيه: أو، وهي موضوعة للترديد، أي للشك، وهو: أي الترديد ينافي التحديد.

لأن المقصود من الحد التعريف فتنافيا.

قلنا جوابًا عن الأول:

ص: 321

الحادث التعلق، لا الحكم فإنه قديم إذ هو مثلًا:

قول الله - تعالى - في الأزل: أذنت لفلان أن يطأ فلانة إذا جرى بينهما نكاح.

فالحل قديم وتعلقه حصل بعد ما لم يكن، فالحادث التعلق ولا يلزم من حدوثه حدوث المنتسبين معًا، لجواز تعلق الخطاب القديم بالمعدوم، كما سيجيء.

والحكم متعلق بفعل العبد لا صفته، ويجوز أن يكون القديم متعلقًا بالحادث؛ إذ لا امتناع في تعلق المتقدم بالمتأخر كالقول المتعلق بالمعدومات، فيكون الحكم القديم متعلقًا بفعل العبد الحادث.

ولا يلزم من كون القول متعلقًا بشيء، أن يكون صفة لذلك الشيء، كالقول المتعلق بالمعدوم، والنكاح والطلاق اللذان هما فعل العبد ونحوهما من فعله معرفات له، أي للحكم لا علل له.

ص: 322

ويجوز أن يكون الحادث معرفًا للقديم كالعالم - بفتح اللام - وهو جميع المخلوقات فإنه معرف للصانع القديم.

والموجبيةوالمانعية ليست أحكامًا حتى يجب دخولها في الحد، وإن سماها غيرنا به، بل هي أعلام للحكم لا هو، وإن سلم أنها أحكام فليست خارجة عن الحد؛ لأن خطاب الوضع يرجع إلى الاقتضاء والتخيير.

إذ معنى جعل الزنا سببًا لوجوب الحد، هو وجوب الحد عند الزنا.

وجعل الطهارة شرطًا لصحة البيع جواز الانتفاع بالمبيع.

ص: 323

عندها وحرمته دونها. وعليه فقس.

والحاصل أن مرادنا من الاقتضاء والتخيير أعم من الصريح والضمني، وخطاب من قبيل الضمني.

وإليه أشار بقوله: ((فالمعني بهما اقتضاء الفعل والترك)).

(وأورد أن في دلوك الشمس ثلاثة أمور: وجوب الظهر، ولا نزاع في أنه حكم شرعي، ودلوك الشمس، ولا نزاع في أنه ليس بحكم شرعي، وكون الدلوك موجبًا للظهر، وهو محل النزاع فكيف

ص: 324

يصح؟

وأجيب: أن المراد بأن هذه الأمور قطعية لا ظنية.

والترديد في أقسام المحدود لا في الحد، فلا ينافي التحديد، لأنه لا ترديد في الحد؛ (لأن الترديد إنما هو في أحدهما معينًا، وهو أخص من أحدهما مطلقًا، ولم يقع في أحدهما مطلقًا ترديد، وهو الواقع في الحد، إنما الترديد في الاقتضاء والتخيير اللذين هما من أقسام المحدود، الذي هو الحكم.

ص: 325