الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجوب والتحريم.
الأول: من التقسيمات الستة:
الخطاب إن اقتضى الوجود ومنع النقيض فوجوب.
لما قدم أن الحكم هو: الخطاب، صح التقسيم في الخطاب، وقرن الخطاب باللام لإفادة المعهود السابق، وهو خطاب الله تعالى.
فخطاب الله تعالى، إن اقتضى أي طلب وجود الفعل، ومنع من نقيضه هو الترك فوجوب.
وإن اقتضى الوجود ولم يمنع من الترك فندب.
وإن اقتضى الترك أي ترك الفعل ومنع من النقيض وهو الإتيان به فحرمة، وإلا فكراهة أي: وإن اقتضى الترك ولم يمنع من الإتيان به فكراهة.
وزاد إمام الحرمين: خلاف الأولى فقال: الخطاب إن اقتضى الترك دون جزم فإن كان بنهى مخصوص (فالكراهة أو غير مخصوص) فخلاف الأولى.
وإن كان الخطاب لا يقتضي شيئًا بل خيرنا بين الإتيان والترك فإباحة وإليه أشار بقوله: وإن خيرنا فإباحة.
فحد الوجوب مثلًا طلب الفعل مع المنع من الترك، وأمثلة الباقي
لا تخفى.
ويرسم الواجب أي بأنه الذي يذم شرعًا تاركه قصدًا مطلقًا.
الرسم التعريف بالجنس والخاصة فالواجب الفعل المتعلق بالوجوب.
وقوله: بأنه الذي، مراده به الفعل، فهو كالجنس دخل فيه الأحكام الخمسة.
والمراد بالذم شرعًا: نص الشارع به أو بدليله، وذلك أنه لا وجوب إلا بالشرع.
ومعنى الذم على تركه أنه على حالة لو تركه لكان مستنقصًا وملامًا، بحيث ينتهي الاستنقاصواللوم إلى حد يصلح لترتيب العقاب عليه.
واحتزر به عن المندوب والمكروه والمباح؛ إذ لا ذم فيهما.
وقوله: ((تاركه)) أخرج به الحرام فإنه يذم فاعله.
وقوله: قصدًا، أي هو الذي بحيث لو ترك قصدًا لذم؛ إذ التارك لا على سبيل القصد لا يذم.
ويجوز أنه احترز به عما إذا مضى من الوقت مقدار يتمكن فيه من إيقاع الصلاة، ثم تركها بنوم أو نسيان (أو موت) فإن هذه الصلاة واجبة، ومع ذلك لم يذم شرعًا تاركها لأنه ما تركها؛ قصدًا فأتى بهذا القيد لإدخال هذا الواجب في الحد، فيصير به جامعًا.
وقوله: ((مطلقًا)) ليدخل من الواجبات ما لا يذم تاركه كيفما تركه، بل بوجه دون وجه: وهو الموسع فإنه يذم تاركه إذا تركه في جميع وقته ولو تركه في بعض الوقت وفعله في بعض لا يذم.
وكذا فرض الكفاية فإنه يذم تاركه إذا لم يقم به غيره في ظنه.
وكذا المخير إذا قلنا: كل واحد واجب، فإنه يذم تاركه إذا ترك معه الآخر. إذا عرفت ذلك فالواجب يرادفه الفرض عند الجمهور.
وقالت الحنفية: الفرض ما ثبت من التكليف بقطعي كالصلوات الخمس.
والواجب: ما ثبت بظني كوجوب الوتر.
والنزاع لفظي، فنحن نجعل اللفظين اسمًا لمعنى واحد تتفاوت أفراده.
وهم يخصون كلًا منهما بقسم من ذلك المعنى ويجعلونه اسمًا له.
وقد يتوهم من جعلهما مترادفين أن خبر الواحد ((الظني))، بل القياس المبني عليه في مرتبة الكتاب القطعي حيث جعل مدلولهما واحدًا وهو غلط ظاهر.
وأورد أنه قد فرق أصحابنا بين الفرض والواجب في الحج.
حيث قالوا: الواجب ما يجبر بالدم والركن ما لا يجبر به.
والفرض يشملها، فيكون الفرض في هذا الموضع أعم من الواجب.
وأيضًا: إذا قال: الطلاق واجب علي طلقت زوجته بخلاف ما إذا قال: فرض علي على رأي.
وأجيب بأن الكلام هنا: في الأسماء الشرعية، فالمراد يترادف الفرض والواجب أنهما جميعًا يطلقان في الشرع على ما يمدح فاعله ويذم تاركه، والطلاق مبناه على وضع اللغة أو عرف الناس.
والتحقيق: أن الفرض له إطلاقان: منها ما يأثم تاركه، وهو مرادف الواجب. ومنها ما لابد منه وهو الركن.
والواجب له إطلاقان: ما يمدح فاعله، ويذم تاركه، وهو مرادف للفرض بالمعنى الأول. وهو ما يقابل الركن).
والمندوب أي: الفعل الذي يتعلق به الندب.
وهو لغة: المدعو إليه فسمى الفعل بذلك لدعاء الشارع إليه وأصله المندوب إليه، ثم توسع بحذف حرف الجر فاستكن الضمير.
واصطلاحًا: ما يمدح فاعله ولا يذم تاركه.
فقوله يمدح: أخرج به المباح؛ إذ لا مدح فيه ولا ذم.
وقوله: «فاعله» أخرج به الحرام والمكروه، إذ يمدح تاركهما.
والمراد بالفعل هنا هو الصادر من الشخص؛ ليعم الفعل المعروف والقول نفسانيًّا أو لسانيًّا فتدخل الأذكار القلبية واللسانية.
وقوله: ولا يذم تاركه، أخرج الواجب بجميع أقسامه فإن تاركه يذم في الجملة؛ لأنه نكرة في سياق النفي فيعم.
(والمحققون من النحاة على أن المراد بتنكير الجملة أن المفرد الذي يسبك منها نكرة في عموم الفعل المنفي ليس من جهة تنكيره، بل من جهة أن ما يتضمنه من المصدر نكرة، فمعنى ولا يذم تاركه، لا يكون ذم على تاركه).
والمندوب يسمى: سنة ونافلة ومستحبًّا وتطوعًا ومرغوبًا فيه ألفاظ مترادفة.
وخالف في ذلك القاضي حسين والبغوي.
والخوارزمي وقالوا: السنة ما واظب عليه النبي- صلى الله عليه وسلم.
والمستحب: ما فعله مرة أو مرتين.
والتطوع: ما ينشئه الإنسان باختياره من الأغراض.
ولم يتعرضوا للمندوب؛ لشموله للأقسام الثلاثة كما هو الظاهر، والخلاف لفظي عائد إلى اللفظ والتسمية.
والحرام ما أي فعل يذم (شرعًا فاعله)
(فبقوله يذم: أخرج المكروه والمندوب والمباح.
وقوله: «شرعًا» إشارة إلى أن الذم لا يكون إلا بالشرع كما مر، خلافًا للمعتزلة.
وقوله: فاعله أخرج به الواجب.
والمراد بالفعل: الشيء الصادر من الفاعل ليعم الغيبة والنميمة من الأقوال والحسد والحقد ونحوهما من أعمال القلب.
ويسمى الحرام معصية، وذنبًا، وقبيحًا، ومزجورًا عنه، ومتوعدًا عليه، أي من الشرع.
والمكروه ما أي فعل يمدح تاركه ولا يذم فاعله.
فـ «يمدح» أخرج المباح، و «تاركه» أخرج الواجب والمندوب.
«ولا يذم فاعله» أخرج الحرام.
والمباح لغة: الموسع فيه.
واصطلاحًا: ما أي فعل لا يتعلق بفعله ولا تركه مدح ولا ذم، فخرج الأربعة وهو ظاهر، ويسمى المباح طلقًا وحلالًا.
الثاني: ما نهى عنه شرعًا فقبيح وإلا فحسن كالواجب والمندوب
والمباح وفعل غير المكلف.
هذا تقسيم ثان للفعل الذي تعلق به الحكم، وهو مستلزم لتقسيم الحكم.
فالفعل إن نهى الشارع عنه فهو القبيح، وتحته قسمان: المحرم والمكروه.
وإن لم ينه عنه فهو الحسن، فيدخل فيه أفعال المكلفين من الواجب والمندوب والمباح، وأفعال غيرهم كالساهي والصبي والنائم، وأفعال الله تعالى.
واعلم: أنه يجوز أن يكونه قسم الشيء أعم من مقسمه.
كما يقال: العالم إما واجب أو ممكن، والممكن أعم من العالم (من وجه).
فكذا هنا المقسم فعل هو متعلق الحكم الشرعي، وقسمه الحسن.
وقال إمام الحرمين: المكروه ليس بحسن ولا قبيح.
فإن القبيح ما يذم عليه، والحسن ما يسوغ الثناء عليه، وهذا لا يسوغ الثناء عليه.
قال السبكي: ولم نر أحدًا نعتمده خالف إمام الحرمين فيما قال إلا ناسًا أدركناهم، قالوا: إنه قبيح؛ لأنه منهي عنه، والنهي أعم من نهي
تحريم وتنزيه.
وكذا اختار إمام الحرمين: امتناع إطلاق الحسن على فعل غير المكلف.
(واعلم أن مراد المصنف بالمباح: هو ما استوى طرفاه في نظر الشارع، وهو ما حده أولًا بقوله:«ما لا يتعلق بفعله وتركه مدح ولا ذم» .
ولا يرد عليه فعل غير المكلف؛ لأنه ما دخل في جنسه، إذ المراد بـ «ما» «فعل المكلف» .
ولو أراد «المباح» بالمعنى الأعم لم يمتنع عطف غير المكلف عليه؛ لأنه يكون من عطف الخاص على العام).
والمعتزلة قالوا: أي القبيح: ما ليس للقادر عليه العالم بحاله أي بصفته من المفسدة الداعية إلى تركه (أن يفعله).
والحسن: ماله أي: للقادر عليه العالم بصفته أن يفعله.
فالقبيح الحرام فقط، والحسن يشمل الواجب والمندوب والمكروه، والمباح وفعل الله تعالى.
ويؤخذ منه أن الفعل إذا لم يقدر عليه كالعاجز عن الشيء والملجأ إليه، فإنه لا يوصف عندهم بحسن ولا قبح وكذا ما لم يعلم حاله كفعل الساهي والنائم.
وربما قالوا- أي: المعتزلة- في تعريف الحسن والقبيح: الواقع على صفة توجب الذم، فالقبيح، وهو الحرام فقط، أو على صفة توجب المدح فالحسن.
فدخل فيه الواجب والمندوب دون المباح، والمكروه.
إذ لا مدح في فعلهما، مع أنهما دخلا في حدهم الأول، للحسن؛ لأن القادر عليهما العالم بحالهما له أن يفعلهما.
فالحسن بتفسيرهم- أي المعتزلة- الأخير أخص منه بتفسيرهم أولًا.
الثالث: قيل:
الحكم إما سبب أو مسبب كجعل الزنا سببًا لإيجاب الجلد على الزاني.
وهذا تقسيم ثالث للحكم باعتبار صفة عارضة، وهي كونه علة ومعلولًا.
فإن أريد بالسببية أي بجعل الزنا سببًا لإيجاب الحد الإعلام بالحكم ومعرفًا له، فحق، إذ يجوز أن يقول الشارع متى رأيت إنسانًا يزني فاعلم أني أوجبت عليه الحد.
وتسميتها حكمًا بحث لفظي يرجع إلى الاصطلاح كما مر.
وإن أريد بها- أي: بالسببية- التأثير على معنى أن الله تعالى جعل الزنا مؤثرًا في إيجاب الحد فباطل، لأن الحادث وهو الزنا لا يؤثر في القديم وهو إيجاب الحد؛ إذ قد ثبت بالدليل قدم الحكم والحادث
لا يؤثر في القديم؛ لأن تأثيره فيه يستدعي تأخر وجوده عنه أو مقارنته له.
ولأنه- أي: القول- بالتأثير مبني على أن للفعل جهات توجب الحسن والقبح وهو باطل.
وذلك لأن الزنا مثلًا لو كان مؤثرًا في إيجاب الحد، فإما أن يكون لكونه فعلًا، أو لكونه فعلًا مشتملًا على خصوصية ليست كسائر الأفعال لا سبيل إلى الأول، وإلا يلزم الترجيح بلا مرجح لكون الأفعال متساوية في كونها فعلًا ولا إلى الثاني، لأن كون الفعل مشتملًا على خصوصية ليست كسائر الأفعال لأجلها صار مؤثرًا ومبني على أن للفعل جهات توجب الحسن والقبح.
(قيل: قوله سبب أو مسبب فيه نظر؛ لأن السبب هو نفس
الزنا، فليس حكمًا، وإنما الحكم جعله سببًا فهو سببي).
الرابع: الصحة: استتباع الغاية وبإزائها البطلان والفساد.
هذا تقسيم رابع للحكم باعتبار اجتماع الشروط المعتبرة في الفعل وعدم اجتماعها فيه سواء كان عبادة أو معاملة.
وغاية الشيء هو الأثر المقصود منه كحل الانتفاع بالمبيع مثلًا
والاستمتاع في النكاح.
فإن ترتبت الغاية على الفعل وتبعته في الوجود كان صحيحًا فاستتباع الغاية طلب الفعل لتبعية غايته وترتب وجودها على وجوده؛ لأن السين للطلب.
وكأنه جعل الفعل الصحيح طالبًا ومقتضيًا لترتب أثره عليه مجازًا.
وأورد عليه أنه غير منعكس، لخروج المبيع قبل القبض في مدة الخيار إذا كان للبائع، فإنه صحيح، مع أنه لم يترتب عليه أثره وهو
حل الانتفاع.
وغير مطرد لدخول الخلع والكتابة الفاسدين فإنه يترتب عليهما أثرهما من البينونة والعتق مع أنهما غير صحيحين.
وأجيب عن الأول:
بأن المراد كونه متهيئًا لتبعية غايته له، ولا شك أن المبيع قبل القبض كذلك، وإن توقف على شرط.
(وقد يجاب عن الثاني بأن المراد ترتب أثره عليه من كل الوجوه.
ومقابل الصحة: البطلان والفساد، لفظان مترادفان، فإن معناهما كون الشيء لم يستتبع غايته) وفي أبواب في الفقه فرقوا بين الفاسد والباطل.
(والتحقيق أن الفاسد له إطلاقان:
أحدهما: ما لا يترتب أثره عليه، وهذا هو المرادف للباطل وهما يقابلان الصحة.
الثاني: ما لا يترتب عليه أثره من كل الوجوه، بل من بعض الوجوه.
وهذا لا يرادف الباطل، وإن كان مقابلًا للصحيح).
وغاية المعاملات ترتب أثرها عليها كما أشار إليه بقوله: والمعني بالصحة إباحة الانتفاع (أي صحتها).
وغاية العبادة موافقة الأمر عند المتكلمين، وسقوط القضاء لدى الفقهاء.
- وفائدة الخلاف فيمن صلى بظن الطهارة ثم تبين له الحدث
فتسمى هذه الصلاة صحيحة عند المتكلمين لموافقة الأمر.
غير صحيحة عند الفقهاء، لعدم سقوط القضاء؛ إذ لا خلاف في وجوب القضاء.
(وإليه أشار بقوله: وصلاة من ظن أنه متطهر صحيحة على الأول لا على الثاني).
وقال السبكي: تسمية الفقهاء هذه الصلاة باطلة ليس لاعتبارهم سقوط القضاء في حد الصحة كما ظنه الأصوليون، بل لأن شرط الصلاة الطهارة في نفس الأمر والصلاة بدون شرطها فاسد وغير مأمور بها.
ثم استدل على هذا: بأن الفقهاء يقولون كل من صحت صلاته صحة مغنيةً عن القضاء جاز الاقتداء به، فإنه يقتضي انقسام الصحة إلى ما يغني عن القضاء، وإلى ما لا يغني.
ثم استدل بغير هذا ثم قال: الصواب أن يكون حد الصحة عند الفريقين موافقة الأمر، غير أن الفقهاء يقولون: ظان الطهارة مأمور مرفوع عنه الإثم بتركها، والمتكلمون يقولون: ليس مأمورًا، فلذلك تكون صلاته صحيحة عند المتكلمين لا الفقهاء.
وأبو حنيفة- رضي الله عنه سمى ما لم يشرع بأصله ووصفه كبيع الملاقيح باطلًا، وما شرع بأصله دون وصفه كالربا فاسدًا.
ففي المعاملات الباطل عنده كبيع الملاقيح، وهو: ما في بطون الأمهات لانعدام ركن البيع، أي: المبيع؛ لأن من أركانه وجود مورد
العقد يقينًا ومن أوصافه كون المبيع مقدور التسليم وهما منتفيان هنا.
وفي العبادات كالصلاة بدون بعض الشروط والأركان.
والفاسد: ما كان أصله مشروعًا، ولكن امتنع لوصف عارض.
ففي العبادات كصوم يوم النحر للإعراض بصومه عن ضيافة الله تعالى للناس بلحوم الأضاحي التي شرعها (الله تعالى) فيه.
وفي المعاملات كما في بيع الدينار بالدينارين لاشتماله على الزيادة فلو أسقطت في المجلس صح البيع.
وصرح ابن الحاجب بأن الصحة والفساد عقليان.
وظاهر كلام المصنف تبعًا للأمدي إنهما شرعيان وهو رأي الجمهور.
والأجزاء معناه قريب من الصحة فلذا ذكره هنا.
وفرق بينهما: بأن الصحة أعم من الأجزاء؛ إذ تكون صفة للمعاملات والعبادات، والأجزاء لا يوصف به إلا العبادات وفيه نظر.
فالأجزاء لغة: الاكتفاء بالشيء.
وشرعًا: هو: الأداء- (يعني الإتيان) - الكافي لسقوط التعبدية أي: طلبه، وذلك بأن تجتمع فيه الشرائط، وتنتفي عنه الموانع.
(فدخل فيه الأداء المصطلح عليه، والقضاء والإعادة فرضًا كان أو نقلاً.
والصواب أن الأجزاء هو الاكتفاء بالمأتي به، لا الإتيان بما يكفي.
كذا قيل).
وقيل: القائلون هم الفقهاء.
سقوط القضاء أي الأجزاء: إسقاط القضاء.
ورد بأن القضاء حينئذٍ لم يجب لعدم الموجب له (فكيف سقط؟ )، وذلك أن القضاء إنما يجب بأمر جديد، فإذا أمر الشارع بالعبادة ولم يأمر بقضائها، فتأتي بها، فإنها توصف بالأجزاء، مع أن القضاء حينئذٍ لم يجب لعدم الموجب له وهو الأمر الجديد، وإذا (لم يجب) لم يقل سقط، إذ السقوط فرع الثبوت.
أو يقال: الموجب للقضاء هو خروج الوقت من غير الإتيان بالفعل، فإذا أتى بالفعل في الوقت على وجهه فقد وجد الأجزاء ولم يوجد وجوب القضاء لعدم الموجب له، وهو خروج الوقت وإذا لم يصدق وجوب القضاء لا يقال: سقط، كما مر.
وقد يقال: المعنى بالسقوط رفع وجوب القضاء، وهي مناقشة لفظية.
- ورد تعريف الفقهاء ثانيًا بقوله: وبأنكم تعللون سقوط القضاء به أي: بالأجزاء، فتقولون: هذا سقط قضاؤه؛ لأنه أجزاء.
- والعلة غير المعلول فكيف تقولن: إنه هو؟
ولك أن تقول: المغايرة مسلمة، ولا يلزم من المغايرة عدم جواز التعريف به؛ لأنه تعريف رسمي،
وهو يكون باللازم، وعدم لزوم القضاء من لوازم الأجزاء.
وإنما يوصف أي بالأجزاء وبعدمه ما يحتمل أن يقع على وجهين:
أحدهما: معتد به شرعًا؛ لكونه مستجمعًا للشرائط فيوصف بالأجزاء.
والثاني: غير معتد به لانتفاء شرط من شروطه، فيوصف بعدم الأجزاء.
كالصلاة والصوم والحج، وهذا مبني على أن الصلاة ونحوها تطلق على الصحيحة والفاسدة حقيقة.
أما إذا قلنا: إطلاقها على الفاسدة مجازًا، فهي من القسم الثاني لا يقع إلا على وجه واحد، كذا قيل.
لا المعرفة ورد الوديعة، أما الذي لا يقع إلا على وجه واحد فلا يوصف بالأجزاء وعدمه كمعرفة الله تعالى، فإنه إن عرفه بطريق ما فواضح، وإن لم يعرفه فلا يقال عرفة غير مجزئة، إذ الفرض أنه ما عرف (فهو جاهل).
وأما جعل رد الوديعة كذلك، ففيه نظر؛ لأن المودع إذا حجر عليه لسفه ونحوه لا يجزئ الرد عليه بخلاف ما لم يحجر عليه
فتكون ذات وجهين.
الخامس: العبادة إن وقعت في وقتها المعين ولم يسبق بأداء مختل، فأداء وإلا فإعادة.
هذا تقسيم خامس للحكم باعتبار متعلقة؛ إذ الأداء والقضاء والإعادة أقسام للفعل الذي تعلق به الحكم.
فالأداة: ما فعل في وقته المعين، أي: المضبوط بنفسه محدود
الطرفين، أم لا ولم يسبق بإتيان مثله على نوع من الخلل.
وإن سبق بمثلها على نوع من الخلل فإعادة: كالصلاة المأمور بها بعد الإتيان بها على نوع من الخلل كترك النية.
وقيل: ما فعل في وقت الأداء ثانيًا لعذر.
(والأول جزم به الإمام الرازي ورجحه ابن الحاجب.
والثاني هو الأوفق لاستعمال الفقهاء).
فالمنفرد إذا صلى ثانية مع الجماعة كانت إعادة على الثاني لأن طلب الفضيلة عذر، دون الأول؛ إذ لم يكن فيها خلل.
فإن لم يكن وقت معين، فلا يوصف بالأداء ولا بالقضاء.
وقد يوصف بالإعادة كمن أتى بذات السبب على نوع من الخلل فتداركها.
وإن وقعت العبادة قبل وقتها المعين حيث جوزه الشارع فتعجيل كإخراج زكاة الفطر.
(تنبيه: إذا أدرك من وقت المؤداة مقدار ركعة، وفعلها فيه كانت صلاته أداء على الأصح، وإن وقع بعضها خارجه).
وإن وقعت العبادة بعده أي: بعد الوقت المعين، ووجد فيه أي: في الوقت سبب وجوبها، فدخل فيه ما إذا فحج عنه وليه لوقوعه بعد وقته الموسع، إذ الموسع قد يكون بالعمر أو بغيره فقضاء، وجب أداؤه كالظهر المتروكة قصدًا بلا عذر.
أو لم يجب أداؤه وأمكن، كصوم المسافر والمريض.
أو أمتنع أداؤه لاستحالته عقلاً كصلاة النائم.
أو امتنع أداؤه شرعًا كصوم الحائض.
- وظاهر كلامه أن الأداء والإعادة والقضاء، أقسام متباينة.
- وقال الشيخ سعد الدين: إنه ظاهر كلام المتقدمين والمتأخرين، وكلام الإمام والغزالي يشعر بأن الإعادة قسم من الأداء.
- وقال المحقق: الإعادة قسم من الأداء في مصطلح القوم، وإن
وقع في عبارات بعض المتأخرين خلافه.
ولعله يشير إلى المصنف وصاحب الحاصل والتحصيل.
وكذا قال ألسبكي: الأداء ما فعل في وقته، سواء فعله مرة أخرى قبل ذلك أم لا.
قال: هذا هو الذي نختاره، وهو مقتضى أطلاقات الفقهاء، ومقتضى كلام الأصوليين: القاضي أبي بكر في التقريب والإرشاد، والغزالي في المستصفي، والإمام في المحصول.
ولكن الإمام لما أطلق ذلك، ثم قال: إنه إن فعل ثانيًا بعد خلل سمى إعادة ظن صاحب الحاصل والتحصيل أن هذا مخصص للإطلاق المتقدم فقيداه وتبعهما المصنف.
وليس لهم مساعد من أطلاقات الفقهاء، ولا من كلام الأصوليين. فالصواب أن الأداء اسم لما وقع في الوقت مطلقًا.
(وفي المرصاد للمصنف- كما قاله الأب هري- التصريح بأن الإعادة قسم من الأداء، حيث قال: "وهو أي الواجب أداء: إن فعل في وقته المعين، وقضاء إن فعل في غيره.
والأداء: إن كان مسبوقًا بأداء مختل فإعادة.
فينبغي أن يؤول كلامه هنا عليه).
والنقل المؤقت يقضي في الأصح، وكذا صلاة الصبي بعد وقتها.
فرع: إذا ظن المكلف أنه لا يعيش إلى آخر الوقت الموسع،
تضيق عليه الوقت فلو أخر الفعل عنه مع ظن الفوات عصى اتفاقًا.
وصورته أن يطالب أولياء الدم باستيفاء القصاص من الجاني فيحضره الإمام أو نائبه، ويحضر الجلاد، ويأمره بالقتل ونحوها.
فإن لم يفت كأن عفا أولياء الدم وعاش وفعل العبادة في آخره، أي آخر الوقت الأصلي بعد الوقت المضيق بحسب ظنه: فقضاء، عند القاضي أبي بكر (الباقلاني من المتكلمين، والقاضي حسين من الفقهاء) لأنه أوقعه بعد الوقت المضيق عليه شرعًا.
وأداء عند الحجة الإمام الغزالي، والجمهور؛ إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه.
ولا خلاف مع القاضيين في المعنى، إلا أن يريدا وجوب نية
القضاء وهو بعيد، إذ لم يقل به أحد.
إنما النزاع في التسمية وتسمية أداء أولى؛ لأنه فعل في وقته المعين بحسب الشرع، وإن عصى بالتأخير.
كما إذا اعتقد انقضاء الوقت قبل الوقت وأخر فإنه يعصى.
ثم إذا ظهر خطأ اعتقاده، وأوقعه في الوقت كان أداءً اتفاقًا.
فكذا هنا، هذا فيمن أخر مع ظن الفوات (وسلم.
وأما عكسه: وهو من أخر مع ظن السلامة) ومات، كأن مات فجأة.
فالتحقيق أنه لا يعصي؛ لأن التأخير جائز له ولا يأثم بالجائز.
ولا يقال: شرط الجواز سلامة العاقبة؛ إذ لا يمكن العلم بها فيؤدي إلى تكليف المحال.
وهذا بخلاف ما وقته العمر، فإنه لو أخر ومات عصى، وإلا لم يتحقق الوجوب.
السادس: هذا تقسيم للحكم باعتبار كونه على وفق الدليل أو خلافه.
وحاصله: أن الحكم ينقسم إلى رخصة وعزيمة.
فالرخصة لغة: التيسير والتسهيل، وهي بتسكين الخاء، وحكي ضمها.
واصطلاحًا- ما أشار إليه المصنف بقوله: الحكم إن ثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصه.
فالحكم جنس، وأشار بالثابت: إلى أن الترخيص لا بد له من دليل.
واحترز (بقوله: على خلاف) الدليل عما أباحه الله تعالى من الأكل وغيره.
وأطلق الدليل ليشمل: ما إذا كان الترخص بجواز الفعل.
على خلاف الدليل المقتضى للتحريم كأكل الميتة.
وما إذا كان بجواز الترك على خلاف الدليل المقتضي للوجوب كجواز الفطر في السفر.
أو على خلاف الدليل المقتضي للندب لترك الجماعة لعذر المطر والمرض ونحوهما فإنه رخصة.
ومعنى العذر: ما يطرأ في حق المكلف من مشقة وحاجة، فيمنع
حرمة الفعل ونحوه.
واحترز به عن الحكم الثابت بدليل راجح على دليل آخر معارض له.
وعن التكاليف كلها- كما قيل- فليست برخصة؛ لأنها لم تثبت لأجل المشقة.
ثم أشار إلى أقسام الرخصة بقوله: كحل الميتة للمضطر والقصر
والفطر للمسافر واجبًا، ومندوبًا، ومباحًا، فأكل الميتة للمضطر مثال للواجب والقصر للمسافر إذا كان سفره المباح ثلاث مراحل، مثال للمندوب.
والفطر للمسافر مثال للمباح، بالنظر إلى المسافر من حيث إنه مسافر، من غير نظر إلى التضرر وعدمه، ويجوز أن يكون الشيء مباحًا في نفسه، ويصير مندوبًا، بل واجبًا بسبب أمر طرأ.
(وأيضًا هو مباح عند بعض الفقهاء، ويكفي في التمسك ذلك.
وبقي من أقسام الرخصة خلاف الأولى، مثل فطر المسافر الذي لا يجهل الصوم).
ومن الرخصة إباحة ترك الجماعة في الصلاة لمرض أو نحوه وحكمه الأصلي الكراهة (الصعبة بالنسبة إلى الإباحة، وسببها قائم حال الإباحة، وهو الانفراد فيما يطلب فيه الاجتماع من شعائر الإسلام).
وإلا أي: وإن لم يثبت الحكم على خلاف الدليل، كإباحة الشرب، أو ثبت على خلاف الدليل لكن لا لعذر كالتكاليف فعزيمة.
قال العراقي: فعلم من ذلك انقسام العزيمة عنده إلى الأحكام الخمسة.
وعليه مشى السبكي ولم يحك خلافه.
وفي المحصول كذلك ما عدا الحرام.
وجعلها القرافي منقسمة إلى الواجب والمندوب فقط.
وخصها الآمدي وابن الحاجب في مختصره الكبير بالوجوب.
وفي كلام والدي أنها مختصة بالوجوب والتحريم لأن كلا منهما فيه عزم مؤكد.
ونقل عن ابن دقيق العيد كلامًا آخر.
وقال الشيخ سعد الدين: إن الفعل لا يتصف بالعزيمة ما لم يقع في مقابلة الرخصة.
والعزيمة لغة: القصد المصمم (لأنه عزم أمره أي قطع وحتم، صعب على المكلف أو سهل.
قال الأب هري: للشارع في الرخصة حكمان:
أحدهما: كونها واجبًا أو ندبًا أو إباحة.
وثانيهما: كونها مسببة عن عذر طارئ في حق المكلف، فناسب تخفيف الحكم عليه مع قيام المحرم، وهو من أحكام الوضع؛ لأنه حكم بالمسببة كما في غير الرخص).