الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمزي
هُوَ حَافظ الْعَصْر ومحدث الشَّام ومصر وحامل لِوَاء الْأَثر
وعالم أَنْوَاع نعوت الْخَبَر صَاحب معضلاتنا وموضح مشكلاتنا الشَّيْخ جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عَليّ بن عبد الْملك ابْن أبي الزهر الْقُضَاعِي الْكَلْبِيّ الْمزي الْحلَبِي المولد خَاتِمَة الْحفاظ وناقد الْأَسَانِيد والألفاظ مولده بِظَاهِر حلب فِي عَاشر ربيع الآخر سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَطلب الحَدِيث فِي أول سنة خمس وَسبعين وهلم جرا وَإِلَى الْآن لَا فتر وَلَا قصر وَلَا عَن الْعلم وَالرِّوَايَة تَأَخّر فأعلى مَا عِنْده بِالسَّمَاعِ أَصْحَاب ابْن طبرزد وحنبل والكندي وَابْن الحرستاني ثمَّ ابْن ملاعب والرهاوي وَابْن الْبناء ثمَّ ابْن أبي لقْمَة وَابْن البن وَابْن مكرم والقزويني ثمَّ ابْن اللتي وَابْن صباح وَابْن الزبيدِيّ وَأَعْلَى مَا سمع بِإِجَازَة عَن ابْن كُلَيْب وَابْن بوش وَالْجمال وخليل بن بدر والبوصيري وأمثالهم ثمَّ الْمُؤَيد الطوسي وزاهر الثَّقَفِيّ وَعبد الْمعز الْهَرَوِيّ
وَسمع الْكتب الْأُمَّهَات الْمسند والكتب السِّتَّة والمعجم الْكَبِير والسيرة والموطأ من طرق والزهد والمستخرج على مُسلم والحلية وَالسّنَن للبيهقي وَدَلَائِل النُّبُوَّة وتاريخ الْخَطِيب وَالنّسب للزبير وَأَشْيَاء يطول ذكرهَا وَمن الْأَجْزَاء ألوفا ومشيخته نَحْو الْألف سمع أَبَا الْعَبَّاس ابْن سَلامَة وَابْن أبي عمر وَابْن عَلان والمقداد والعز الْحَرَّانِي وَابْن الدرجي والنواوي
والزواوي والكمال عبد الرَّحِيم وَابْن البن وَالقَاسِم الإربلي وَابْن الصَّابُونِي والرشيد العامري وَمُحَمّد بن القواس وَالْفَخْر ابْن البُخَارِيّ وَزَيْنَب وَابْن شَيبَان وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن مَنَاقِب وَإِسْمَاعِيل بن الْعَسْقَلَانِي وَالْمجد ابْن الْخَلِيل والعماد ابْن الشِّيرَازِيّ والمحيي ابْن عصرون وَأَبا بكر بن الْأنمَاطِي والصفي خَلِيلًا وغازيا الحلاوي والقطب بن الْقُسْطَلَانِيّ وطبقتهم والدمياطي والفاروثي واليونيني وَابْن بلبان والشريشي وَابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن الظَّاهِرِيّ والتقي الأسعردي وطبقتهم وتنزل إِلَى طبقَة سعد الدّين الْحَارِثِيّ وَابْن نَفِيس وَابْن تَيْمِية وَلم يتهيأ لَهُ السماع من ابْن عبد الدَّائِم وَلَا الْكرْمَانِي وَلَا ابْن أبي الْيُسْر وَنَحْوهم وَلَا أَجَازُوا لَهُ مَعَ إِمْكَان أَن يكون لَهُ إجَازَة المرسي وَالْمُنْذِرِي وخطيب مردا واليلداني وَتلك الحلبة حفظ الْقُرْآن وتفقه للشَّافِعِيّ مُدَّة وعني باللغة فبرع فِيهَا وأتقن النَّحْو وَالصرْف وَله عمل فِي الْمَعْقُول وَبَاعَ مديد فِي الْمَنْقُول وَمَعْرِفَة بِشَيْء من الْأُصُول وكتابته حلوة منسوبة وَفِيه حَيَاء وحلم وسكينة وَاحْتِمَال كثير وقناعة وإطراح للتكلف وَترك للتجمل والتودد وانجماع عَن النَّاس وصبر على من يغتابه أَو يُؤْذِيه وَقلة كَلَام إِلَّا أَن يسْأَل فَيُفِيد ويجيب ويجيد
وَكَانَ معتدل الْقَامَة أَبيض بلحية سَوْدَاء أَبْطَأَ عَنهُ الشيب ومتع بحواسه وذهنه وَكَانَ قنوعا بالقوت غير متأنق فِي مأكل وَلَا ثوب وَلَا نعل وَلَا مركب بل يصعد إِلَى الصالحية وَغَيرهَا مَاشِيا بهمة وجلادة وَهُوَ
فِي عشر التسعين وَكَانَ طَوِيل الرّوح ريض الْأَخْلَاق جدا لَا يرد بعنف وَلَا يتكثر بفضائله وَلَا يكَاد يغتاب أحدا وَإِذا كتب فِي النَّادِر كتابا إِلَى أحد لَا ينمقه وَلَا يزوقه وَكَانَ يستحم بِالْمَاءِ الْبَارِد فِي الشيخوخة وَأما معرفَة الرِّجَال فإليه فِيهِ الْمُنْتَهى لم أعاين مثله وَلَا هُوَ رأى فِي ذَلِك مثل نَفسه وَقَالَ لي لم أر أحفظ من الدمياطي وَكَانَ ملحوظا بالتقدم فِي ذَلِك من وَقت ارتحاله إِلَى مصر وَلما أمْلى عَليّ شَيخنَا ابْن دَقِيق الْعِيد لم يسألني عَن أحد إِلَّا عَن الْمزي فَقَالَ كَيفَ هُوَ صنف كتاب تَهْذِيب الْكَمَال فِي أَرْبَعَة عشر مجلدا أربى فِيهِ على الْكِبَار وَألف أَطْرَاف الْكتب السِّتَّة فِي سِتَّة أسفار وَخرج لجَماعَة وَمَا عَلمته خرج لنَفسِهِ لَا عوالي وَلَا موافقات وَلَا معجما وَكنت كل وَقت ألومه فِي ذَلِك فيسكت وَقد حدث بتهذيبه الَّذِي اختصرته أَنا ثَلَاث مَرَّات وَحدث بالصحيحين مَرَّات وبالمسند وبمعجم الطَّبَرَانِيّ وَدَلَائِل النُّبُوَّة وبكتب جمة وَحدث بِسَائِر أَجْزَائِهِ الْعَالِيَة بل
وبكثير من النَّازِلَة وَلَو كَانَ لي رَأْي للزمته أَضْعَاف مَا جالسته سَمِعت بقرَاءَته شَيْئا وافرا وَأخذت عَنهُ هَذَا الشَّأْن بحسبي لَا بِحَسبِهِ وَلنْ يخلفه الزَّمَان أبدا فِي مَعْرفَته مَعَ أَن عِنْد غَيره فِي معرفَة الرِّجَال والأمراء وَالْخُلَفَاء وَالنّسب مَا لَيْسَ عِنْده فَإِنَّهُ إِنَّمَا يعتني بالرواة الَّذين يجيئون فِي سماعاته ويجيد الْكَلَام فِي طبقاتهم وقوتهم ولينهم وَهَذَا الشَّأْن بَحر لَا سَاحل لَهُ وَإِنَّمَا المحثون بَين مستكثر مِنْهُ ومستقل وَكَانَ شَيخنَا لَا يكَاد يعرف قدره الطَّالِب إِلَّا بِكَثْرَة مُجَالَسَته أَو ينظر فِي تهذيبه لقلَّة كَلَامه وَكَانَ مَعَ حسن خطه ذَا إتقان قل أَن يُوجد لَهُ غلطة أَو تُوجد عَلَيْهِ لحنة بل ذَلِك مَعْدُوم وَكَانَ ذَا ديانَة وتصون وطهارة من الصغر وسلامة بَاطِن وَعدم دهاء وانزواء عَن الْعقل الْعرفِيّ المعيشي وَكَانَ يحكم ترقيق الْأَجْزَاء وترميمها وينقل عَلَيْهَا كثيرا إِلَى الْغَايَة ويفيد الطّلبَة وَيحسن بذلك إِلَى سَائِر أوقاف الخزائن بسعة نفس وسماحة خاطر لَا يخلف فِي ذَلِك وَكَانَ فِيهِ سذاجة توقعه مَعَ من يربطه على أَمر فيأكله ومستأكله حَتَّى لَا يزَال فِي إفلاس وَذَلِكَ لكرمه وسلامته وَكَانَ مَأْمُون الصُّحْبَة حسن المذاكرة والبشر خير الطوية محبا للآثار مُعظما لطريقة السّلف جيد المعتقد وَرُبمَا بحث بِالْعقلِ الملائم للنَّقْل فَيُصِيب وَيحسن غَالِبا بِحَسب مَا يُمكن وَرُبمَا غلط وَكَانَ الْكَفّ بِمثلِهِ أولى عَن الجدل فَإِن الْمُخَالف ينْتَقد عَلَيْهِ ذَلِك وَيلْزمهُ بالتناقض بِحَسب نظره فمذهب السّلف فِي غَايَة الصلف وَالسُّكُوت أسلم وَالله أعلم
وَبِكُل حَال فالخطأ فِي ذَلِك من قَاصد الْحق بتنزيه الْحق مغْفُور للْعَالم وَقد كَانَ اغْترَّ فِي شبيبته وَصَحب الْعَفِيف التلمساني فَلَمَّا تبين لَهُ ضلاله هجره وتبرا مِنْهُ فَالْحَمْد لله
أسمع أَوْلَاده كثيرا وأحفاده وَحج وَسمع بالحرمين وَبَيت الْمُقَدّس ودمشق ومصر وحلب وحماة وحمص وبعلبك والإسكندرية وبلبيس وقطية وَغير ذَلِك وأوذي مرّة واختفى مُدَّة من أجل سَمَاعه لتاريخ الْخَطِيب وأوذي نوبَة أُخْرَى لقِرَاءَة شَيْء من كتاب أَفعَال الْعباد مِمَّا يتأوله الْفُضَلَاء المخالفون وَحبس فَصَبر وكظم وَقضى أَكثر عمره على الاقتصاد والقناعة وَقلة الدِّرْهَم إِلَى أَن توفّي شَيخنَا ابْن أبي الْفَتْح فَحصل لَهُ من جهاته حَلقَة الْخضر والْحَدِيث بالناصرية فأضاء حَاله وفرحنا لَهُ ثمَّ ولي دَار الحَدِيث سنة ثَمَان عشرَة بعد ابْن الشريشي ثمَّ فِيمَا بعد ترك الْحلقَة وَأخذت مِنْهُ الناصرية ثمَّ نزل عَن العزية لصَاحبه نجم الدّين وتكفى بِمَا تبقى على قلته بِنِسْبَة رتبته وَرُبمَا وصل بِشَيْء متمم لأولاده وَبَاعَ كِتَابيه بِأَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ فأنفقها وَأَعْلَى مَا عِنْده مُطلقًا الغيلانيات وبإجازة جُزْء ابْن عَرَفَة وَابْن الْفُرَات سَمِعت مِنْهُ سنة أَربع وَتِسْعين وَأخذت عَنهُ صَحِيح البُخَارِيّ وَغير ذَلِك واستملى مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن الْحَافِظ وَسمع مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين الْكِنَانِي والحافظ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي ومحب الدّين وَأَوْلَاده والسروجي وَابْن
الدمياطي وَابْن عبد الْهَادِي وابنا السفاقسي وَابْن رَافع وسبط التنسي وخلائق
وَتخرج بِهِ جمَاعَة كالبرزالي وَابْن الْفَخر والعلائي وَابْن كثير وَابْن الْعَطَّار والجميزي وَابْن الجعبري وَآخَرين
قَرَأت بِخَط أبي الْفَتْح قَالَ وَوجدت بِدِمَشْق الإِمَام الْمُقدم والحافظ الَّذِي فاق من تَأَخّر من أقرانه وَتقدم أَبَا الْحجَّاج الْمزي بَحر هَذَا الْعلم الزاخر الْقَائِل من رَآهُ كم ترك الأول للْآخر أحفظ النَّاس للتراجم وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم لَا يخص بمعرفته مصرا دون مصر وَلَا ينْفَرد علمه بِأَهْل عصر دون عصر مُعْتَمدًا آثَار السّلف الصَّالح مُجْتَهدا فِيمَا نيط بِهِ فِي حفظ السّنة من النصائح معرضًا عَن الدُّنْيَا وأسبابها مُقبلا على طَرِيقَته الَّتِي أربى بهَا على أَرْبَابهَا لَا يُبَالِي بِمَا ناله من الْأَزَل وَلَا يخلط جده بِشَيْء من الْهزْل وَكَانَ بِمَا يصنعه بَصيرًا وبتحقيق مَا يَأْتِيهِ جَدِيرًا وَهُوَ فِي اللُّغَة إِمَام وَله بالقريض إِلْمَام فَكنت أحرص على فَوَائده لأحرز مِنْهَا مَا أحرز وأستفيد من حَدِيثه الَّذِي إِن طَال لم يمل وَإِن أوجز وددت أَنه لم يوجز وَهُوَ الَّذِي حداني على رُؤْيَة الإِمَام شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية
وسرد أَبُو الْفَتْح فضلا فِي تقريظ ابْن تَيْمِية وَلَقَد كَانَ بَين
الْمزي وَابْن تَيْمِية صُحْبَة أكيدة ومرافقة فِي السماع ومباحثة واجتماع وود وصفاء وَالشَّيْخ هُوَ الَّذِي سعى للمزي فِي تَوليته دَار الحَدِيث ولي فِي تَوْلِيَة التربة الصالحية وَجَرت فِي ذَلِك أُمُور ونكد من أضداد الشَّيْخ وسئلنا عَن العقيدة فَكتب لَهُم الْمزي بجمل وأعفيت أَنا من الْكِتَابَة ومردنا الْكل إِلَى الله تَعَالَى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَكَانَ شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج يترخص فِي الْأَدَاء من غير أصُول وَيصْلح كثيرا من حفظه ويتسامح فِي دمج الْقَارِي ولغط السامعين ويتوسع فَكَأَنَّهُ يرى أَن الْعُمْدَة على إجَازَة المسمع للْجَمَاعَة وَله فِي ذَلِك مَذَاهِب عَجِيبَة وَالله تَعَالَى يسمح لنا وَله بكرمه وَكَانَ يتَمَثَّل بقول ابْن مندة يَكْفِيك من الحَدِيث شمه
توفّي فِي ثَانِي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة من الْغَد وتأسفوا عَلَيْهِ وَلم يخلف أحدا مثله رَحمَه الله تَعَالَى