الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
_________
الصفحة 3
ــ
ـ[عمود:1]ـ
نحن والطرقيون
- أو -
حادث الاعتداء على الأستاذ الزاهري
بقلم الأستاذ الطيب العقبي العضو الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
قبيح: هو الاعتداء على الأشخاص، وفظيع جدا أن يكون ذلك الاعتداء لا لسبب سوى محاربة المعتدى عليهم في معتقدهم وحرية تفكيرهم، ويشتد قبح هذا الاعتداء وتعظم فظاعته إذا كان المعتدون من رجال الدين وحملة زعامته
…
وليس بجميل أن يعتدي أي تلميذ تابع لرئيس ديني يرشده إلى أقرب المسالك ويقيه في طريقه المهالك على أي عبد من عباد الله كيفما كان دينه وتفكيره. لأن أحق الناس بفهم معنى الحرية الدينية هم أولئك السالكون. أما إذا كان ذلك الاعتداء نتيجة التآمر مع الشيخ المربي والمرشد المسلك فتلك هي البلية العظمى ورزية المجتمع البشري في طائفة من مجموعته تتبعها وتصغى لصوتها جماعات كلما نعقت بها ودعتها لما تسمع وتفهم، ولما لا تسمع ولا تفهم
…
وهذا ما منيت به بلاد الجزائر ولا سيما في العصر الحاضر.
بينما هي في ضلالها القديم تتخبط، وبينما رؤساء الأمة ومرشدوها لا يكادون يهتدون إلى الحق ويهدونها سواء السبيل وبينما التبعة الكبرى والمسئولية العظمى يلقيها كل عاقل ومفكر على العلماء، وهؤلاء يعتقدون بما يقبل وبما لا يقبل إذ قيض الله عصبة المصلحين العاملين لخير هذه الأمة وصلاحها فقام منهم من لا تأخذه في الله لومة لائم يبينون للناس دينهم الحق بالحجة والبرهان، ويفهمونهم تعاليم نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم في أسهل عبارة وأوضح بيان، داعين إلى سبيل ربهم بالحكمة
ـ[عمود2]ـ
والموعظة الحسنة، ومجادلين من تصدى لجدالهم بالتي هي أحسن غير هيابين ولا وجلين، فلم يرق لأولئك الرؤساء المسلكين وجودهم ولم تحل دعواتهم تلك لأسماعهم، ذلك لأنها تضر بمصالحهم الخاصة ولا تتفق بحال من الأحوال مع تعاليمهم واصطلاحاتهم التي أسسوا بها عرش عزهم ومجدهم وقادوا بها الفريق الكبير من الأمة في حين غفلتها وجهلها حتى سخروها لقضاء أوطارهم ونيل مآربهم، وسرعان ما انفضت الأمة عنهم وأقبلت ذلك الإقبال الهائل على المصلحين (وذلك شأن كل مغرور ومخدوع مع من غره وخدعه حتى وجد من يهديه سواء الطريق) فكبر أمر هؤلاء المصلحين عند أولئك المبطلين من الطرقيين وأهمهم بالخصوص أن يصبحوا محتقرين في نظر من كانوا لهم عابدين، ولم يجدوا لهم في مقاومة المصلحين من حجة ولا برهان إذا هم حاجوهم وجادلوهم فما وسعهم إلا الالتجاء إلى سلاح الكذب والبهتان وقلب الحقائق تضليلا للعامة وتغليطا للرأي العام ورمي المؤمنين الموحدين والعلماء العاملين بكل إفك وباطل فقالوا عنا: إننا ننكر الوسيلة إلى الله بحب الأولياء والأنبياء؛ وإننا لا نتقرب إليه بالطاعات وصالح الأعمال وقالوا إننا نحط من كرامة نبينا ((محمد)) صلى الله عليه وسلم وننتقص من قدره وننكر شفاعته يوم القيامة، وإننا نسميه موزع بريد (فكتور) وأنهم سمعوا ذلك منا المرار العديدة (ولعنة الله على الكاذبين) وقالوا ولا يزالون يقولون في جرائدهم
ـ[عمود3]ـ
الكاذبة الخاطئة كلما شاءوا وشاءت لهم أهواؤهم، فلم يصد كل ذلك الأمة عنا ولم يفت في ساعدنا ولا قلل من تأثير دعوتنا الطيبة وخطتنا الرشيدة، إذ علمت الأمة أن كل تهمة يتهم بها الخصم المغرض خصمه البريء النزيه هي باطلة أو مبالغ فيها على الأقل فأخذت رغبتها في مطالعة جرائد الإصلاح والاجتماع برجاله تشتد وتعظم وكلما أخذت الحق من منبعه وعرفت حقيقة المصلحين لعنت أولئك المفترين وعرفت مقدار دعواهم الإسلام والإيمان، وأعرضت عن جرائدهم فبطل ما كانوا يأفكون. وكما حاولوا تضليل الأمة وتغليطها فلم يفلحوا، هم محاولون أيضا تغليط رجال الحكومة لعلهم ينتقمون لهم من هؤلاء المصلحين فيفتكون بهم ويريحونهم منهم، وسيخيبون مع الإدارة ورجالها ويخسرون الصفقة كما خسروا مع الأمة المفكرة في مخازيهم الشاعرة بمكائدهم اليوم. وستعلم الإدارة أن هؤلاء الكاذبين الذين يكذبون ويقولون:
{إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله} فيعطون الحجة والدليل للناس على كفرهم وتكذيبهم بالله وآياته هم ألد أعدائها وأضر الناس بمصالحها وأنه ما أوقعها في كثير من المشاكل إلا كذبهم وافترائهم
…
انتبهت الأمة لكيد هؤلاء المتمربطين فلم تعد تصدقهم في كذبهم وكل ما ينسبونه إلى المصلحين في جرائدهم ليحطوا من أقدارهم وينفروها عنهم فنبذتهم واحتقرتهم وقبضت يدها فلم تمدها بالإعانة المالية إليهم ولم يبق لهم منها من يتبعهم سوى أناس لهم منافع خاصة وعلاقات شخصية تربطهم بهم. أو آخرين بلغ الجهل بهم حدا صيرهم هم وبهيمة الأنعام سواء فلم يقدروا على أن يستفيدوا منهم أكثر من إشلائهم على العلماء المصلحين وإغرائهم على الفتك بهم، سيما في الحالة التي لا يجدون فيها من الحكومة ورجالها من يساعدهم على تنفيذ أغراضهم وما يشتهون إنزاله بالمصلحين لتخلو لهم الأرض منهم
_________
الصفحة 4
ــ
ـ[عمود:1]ـ
ويستريحوا من وجودهم على ظهرها، لأن رجال الحكومة مقيدون بقانون يحتكمون إليه ويحكمون به وهم أحرص الناس على تنفيذه بل هم أنفسهم إليه خاضعون.
إذن ما ذا يفعل (سيدي المرابط) أو الدجال المحتال الذي وقف له المصلحون في الطريق التي كان يجمع الناس لها ويحشرهم من كل ناحية إليها، وما هي إلا طريق ابتزازه الأموال من هذه الأمة واعتصاره آخر قطرة من دم بقيت في جسمها وقد قطعوا رزقه كما قيل وحالوا بينه وبين ما يشتهيه في هذه الأمة ومنها؟. . لم يبق له من وسيلة بعد ذلك الكذب والبهتان وبعد السعاية والوشاية الكاذبة بهم، وشهادات الزور عليهم. وانتهاك حرمات الدين والكفر بما أنزل على ((محمد)) صلى الله عليه وسلم في تحريم الأعراض والأموال والأنفس: لم يبق له إلا أن يعتدي على أشخاص هؤلاء المصلحين بالضرب والقتل ويحاول الفتك بالذوات البارزة منهم قبل غيرهم كيفما كانت الطريقة الموصلة لذلك.
وهذا آخر سلاح يستعمله الطاغي الباغي واللص المجرم المجترئ المحارب الذي يفتك الرزق من العباد ويغتصبهم أموالهم رغم إرادتهم واختيارهم. . لهذا لا لغيره اعتدى أولئك المجرمون على العلماء ولا يزالون يعتدون (إن لم توقفهم العدالة وقوة الحق عند حدهم) وقد تكرر هذا الاعتداء منهم. وكانت الطريقة السابقة إلى استعمال هذه الوسيلة الملعونة طريقة العليويين التي سنت لغيرها من رجال الطرق هذه السنة السيئة، وهذه هي سنة العليويين التي عليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيء. وليس من القراء من يجهل اعتداءاتهم المتكررة
ـ[عمود2]ـ
على رجال العلم والدين.
وقد كنا نحسب أن مثل هذا الاعتداء ينتهي بعد حادثة ذلك العليوي الجاني على الأستاذ الشيخ (عبد الحميد بن باديس) واقتصاص يد العدالة منه بما صيره عبرة لغيره وموعظة للمعتدين.
فإذا به يتجدد مرة ثانية، فقد جاءتنا أنباء اليوم بفاجعة جديدة وجناية فظيعة تضاف إلى جنايات رجال الطرق السابقة حيث اعتدى بعض الطرقيين على (الأستاذ الزاهري) في هذه الأيام بمدينة (وهران) العضو الإداري بجمعية ((العلماء المسلمين)) وصاحب الكتابات الكثيرة ضد الضالين المضلين بما ذكرته جريدة ((الشريعة)) التي له اليد الأولى في تحريرها، وتالله لقد هالنا هذا النبأ العظيم وأحزننا تجدد مثل هذه الحوادث من حين لآخر بهذا القطر البائس المسكين، وعز علينا ما نزل بأخينا الأستاذ الزاهري ولكننا لم نرتب في أن القوم قد انهزموا في هذه المرة أيضا من ميدان المقاومة الشريف، وأن ما يبذلونه من الجهود في الكيد لنا قد ذهب هباء منثورا وأن مكائدهم في صد الأمة عنا قد تلاشت، ومساعيهم في مراغمتنا بقوة رجال الحكومة قد أخفقت تماما وذهبت أدراج الرياح ولولا ذلك كله لما عمدوا إلى هذه الوسيلة المرذولة ولما تصدوا إلى قتل الحركة الإصلاحية والقضاء على جمعيتنا العلمية الدينية في أشخاص رجالها الأحرار فإذا بهم يسجلون لهم تاريخا أغر. وإذا بهم يرسمون لهم من دمائهم المارقة صور الكمال والجمال، ويكتبون لهم آية الحب وسور الإخلاص لهذا الوطن، ويذيعون لهم بمثل هذه الحوادث منشورا سيقرأ به العالم كله ما تنطوي عليه قلوب المصلحين وما هم عليه من صلابة في الدين وقوة في الإسلام والإيمان
…
ـ[عمود3]ـ
كما أننا لم نرتب في أن الحكومة ستنتبه بمثل هذه الحوادث إلى أن المصلحين هم المحقون في دعواهم والمحافظون على النظام والأمن العام لأنهم لم يعتدوا هم وأتباعهم في يوم من الأيام على أي شخص كان وإنما لهم فكرة ينشرونها في دائرة القانون بالوسائل المشروعة وطريق الحجة والبرهان دون ترغيب بما لا تصدق به العقول السليمة، ولا إرهاب وتخويف بضرب أو قتل، وهذا ما خفف علينا من وقع مصيبتنا بهذه الحادثة الجديدة حادثة الاعتداء على الأستاذ الزاهري؛ وجعلنا من الجهة الأخرى نهنيه ونهني أنفسنا لا بنجاته من الموت وانفلاته من يد ذلك المعتدي الأثيم فقط وانتصاره عليه وعلى من معه، بل بما تحقق له من الظفر الكبير والفوز الذي ناله بهذه الضربة، وإنها لضربة في سبيل الله كتب اسمه بها في (ديوان الصالحين) وشهد له المؤمنون وسيشهدون وتشهد الملائكة بين يدي رب العالمين بأنه أوذي في سبيل الله. وأنه قد لحقه بعض ما يلحق أولياء الله المؤمنين من الابتلاء ومن الأذى الكثير، تحقيقا لقوله تعالى:(((لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور))).
هذا وإننا لم ندر إلى ساعتنا هذه من هو المباشر لهذا الاعتداء والمنفذ لعملية أيسرها اعتداء على حرمة مسلم ذي شرف ودم معصوم مصون، وأعظمها لو تم للمعتدي ما أراد قتل عالم من علماء المسلمين يقول: ربنا الله، لا يؤمن بعقيدة الحلول ويكفر بها وبمن يقول: كل ما في الكون هو الله حتى الشيخ والكلب وحمار العزيز وخنزير جاره الذي يرعاه
…
وقد جاءتنا الأخبار الأخيرة عن هذا الحادث الفظيع أن الحكومة بوهران ألقت القبض على الجاني وأنه رهن السجن والتحقيق. ولكنا لم نعلم اسمه ولا هويته في طريقته ونحلته، ولا اسم (الشيخ) أو (المقدم) الذي سول له ارتكاب هذه الخطيئة وجرأه عليها بل أغراه بها و أشلاه، فلهذا لا نقدر أن نقول أنه من فقراء الطريقة العليوية أو أفرادها وما أكثر الأفراد في كل طريقة؟. . . غير أن الأمر المحقق عندنا هو أن الجاني طرقي وأنه مدفوع إلى هذه الجناية من طرقي ضال، وأفاك دجال ستظهره الأيام وسيلقى جزاء جريمته وما اكتسبت يداه، وإن غدا لناظره قريب، وقريب جدا ما يوعدون.
(الجزائر) الطيب العقبي