المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العلماء العاملون حماة الأمة - جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية - جـ ٦

[ابن باديس، عبد الحميد]

الفصل: ‌العلماء العاملون حماة الأمة

_________

الصفحة 5

ــ

ـ[عمود:1]ـ

هنالك مثل ما هنا، في كل واد أثر من ثعلبة! ، نشرت ((البلاغ)) ما يلي:

‌الدين الإسلامي

بين المبشرين والمبتدعين

لست أذيع سرا إذا ما جاهرت عن يقين ثابت وعقيدة راسخة بأن المسلمين الآن بين شقي الرحى، تضغطهم أعمال المبشرين التي ذاع أمرها واستفاض خبرها، وتصرفات المبتدعين الذين يدخلون في الدين ما ليس منه، ولئن حمدت للأمة اهتمامها بأمر المبشرين وانتهاج الوسائل المؤدية إلى الحد من طغيانهم والقضاء على أغراضهم، فإنه لا يزال عالقا بنفسي أثر سيء مما يأتيه المبتدعون هادما لبنيان الدين، وناقضا لتعاليمه من أساسها، ولو أحسنت الحكومة صنعا لعملت على تحرير الدين مما علق به بفعل جماعة من المسلمين لا يعنيهم من أمر دينهم غير أن تشبع بطونهم وتمتلئ جيوبهم، أولئك على الدين أشد ضررا وأكثر خطرا من المبشرين.

ذلك لأن جماعة المبشرين إنما يدعون إلى الخروج على الدين إطلاقا ويروجون لاعتناق دين غيره وتلك دعوة ينبني على مجرد الجهر بها النفور عنها اللهم إلا عند نفر قليل تدفعهم الحاجة إلى الاستسلام وتغريهم الفاقة بالاستكانة، وهؤلاء لا يلبثون أن يصدوا عن الدعوة ويرجعوا إلى الهدى عندما يرون بأعينهم أن المنشآت التي أعدت لهم بين أهل دينهم ستغنيهم عن التردد على أماكن المبشرين فتكتب لهم النجاة من المهاوي السحيقة التي كانوا على وشك التردي فيها، ولكن ما ظنك بجماعة ليسوا من المبشرين حتى نجتنبهم، ولا يدعون للخروج على الإسلام حتى نتحاشاهم، وإنما هم مسلمون أولا، يلبسون لباس الإسلام، ويتزيون بزيه وجاءوا تحت ستار لباسهم الزائف يجتذبون نفرا من المسلمين، ينفثون فيهم سموم خرافات وأوهام ما أنزل الله بها من سلطان بدعوى أن تلك الخرافات من الدين وأن من لم يتبعها وينسج على منوالهم فيها يبوء بغضب من الله ورسوله ويكون من

ـ[عمود2]ـ

الكافرين.

لا شك أن هؤلاء أشد ضررا على الإسلام من المبشرين الذين قدمنا أن معالجة أمرهم باتت وشيكة النجاح، وأن دعوتهم عند الكثيرين لا تصادف ما قدر لها من رواج.

فأنت تشهد فريقا من أرباب الطرق الذين يزعمون أنهم ينتسبون إلى (الصوفية) يصرفون جهدهم في إفهام عامة الشعب أن طريقتهم هي المثلى وأن خطتهم هي القويمة، وأن من لم يخضع لتقاليدهم لا يزكيه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه، وهم في هذا المضمار يتسابقون ويتنافسون، كل يرمي الآخر بالمروق والزندقة، وكل يدعي لنفسه السبق والتفوق:

وكل يدعي وصلا لليلى

وليلى لا تقر له بذاك

فإذا ما حدثت أحد ((المريدين)) نفسه أن يسلك الطريق، ويرتدي مرقعته، تبين له بعد البحث والاختبار أن المسألة ليست مسألة طريق ولا مسألة تصوف أريد بها وجه الله والإسلام، وإنما هي مسألة خلق أوهام وحشد جيش من الخرافات في الذهن عندما يقال له: إنك إذا ذكرت بالاسم الفلاني كذا مرة أكلت النار وداعبت الأفاعي، وإذا تلوت التميمة الفلانية أوتيت العلم ونظمت الشعر وإذا استرضيت (الشيخ) بكذا وكذا (وهذا هو بيت القصيد) كشف عنك الحجاب.

كل هذا وتعاليم الدين الأساسية لا حساب لها في تقديرهم، فلا دعوة لاجتناب محرم ولا استحثاث همة للقيام بمفروض، وبطبيعة الحال فإن الإنسان يكون معذورا إذا ما أهمل الفرائض ولم يتورع عن المحارم طالما كان قصد الجميع الحصول على رضا الله، ورضا الله كما يدخل في الورع متوقف على رضا الشيخ. . .

من أجل هذا كان حقا على من يهمهم أمر الدين ويعنون بشؤون المسلمين أن يعملوا على تطهيره من أمثال هذه البدع وأن يضربوا بيد من حديد على رؤوس الذين يتخذون الدين ستارا يخفون وراءه أغراضهم ومآربهم

محمد جير فودة

ـ[عمود3]ـ

‌العلماء العاملون حماة الأمة

أمين مالية جمعية العلماء في القرارم

بقلم الأخ العالم العامل صاحب الإمضاء.

إن أسعد ساعة قضاها الإنسان في هذه الحياة وأفضل حلقة مرت به من سلسلة تلك الحياة ما كانت في سبيل العلم، العلم النافع الذي تعود فوائده وتجنى ثمرته، على أمة هي في أشد الحاجة إلى جهود عظيمة ونفوس كبيرة يبذلها الفرد لإسعاد أمته، السعادة الحقة، السعادة الدينية والدنيوية، السعادة التي لا شقاء معها سواء في ذي الدار أو في تلك الدار.

من بين أفراد أمتنا الجزائرية المسلمة، أفراد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذين أخلصوا لخالقهم في إيمانهم وتصديقهم، فطهرت نفوسهم وزكت أعمالهم الصالحة النافعة لبني الإنسان.

رأى المطلعون على المجريات الجزائرية ما أسدته هاته الجمعية المباركة للأمة من النصائح والأعمال، وصار معلوما حتى عند أضدادها نبل مقصدها وشرف غايتها، فانتفع بها قوم أراد الله بهم خيرا، وكابر فيها آخرون فكانت الدائرة عليهم بحكم العزيز الحكيم، وبقي فريق من الأمة لا زال بعيدا عن حركتها سيأتيه يوم وما هو ببعيد يكون من أنصارها إن شاء الله.

رجال رأوا رأي العين ما عليه أمتهم من ضعف دين إلى فساد أخلاق إلى سقوط في هاوية لا مفر منها، أيلذ لهم عيش وتحلو لهم حياة ويطيب لهم نوم وأمتهم في كل هذا؟؟؟ إذا رضي العالم هذا فخير له الموت على الحياة.

من أفراد العلماء العاملين حقا في هذا الوطن العالم الأستاذ الشيخ مبارك الميلي أمين مال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومدير مدرسة الشبيبة بالأغواط.

من ذا الذي يجحد ما بذله هذا الأستاذ من الجهود في سبيل إسعاد أمته؟ وأي شخص لا يرى الأستاذ خدم أمته خدمة ستظل محفوظة عندها؟.

إن وجد هذا فإننا نطلب منه أن يفتح عينيه ليرى ذلك الفراغ الهائل الذي سده الأستاذ بكتابه تاريخ الجزائر في القديم والحديث الذي قد سد ثلمة عظيمة من سور الجزائر المتصدع.

ص: 5

_________

الصفحة 6

ــ

ـ[عمود:1]ـ

حل الأستاذ مبارك الميلي ببلدة القرارم قادما من الميلية بعد صلة الرحم صباح يوم الأربعاء عاشر ربيع الآخر، وبنزوله من السيارة تسابق الناس إلى لقائه فتلقوه بوجوه ضاحكة مستبشرة وقلوب تحمل في سويدائها إيمانا صادقا وعطفا زائدا نحو العلماء العاملين. وقصد الكل محل آل بوزيان المعد لنزول الوافدين، وإن ما انتشر خبر قدومه حتى أسرع أهل البلدة للترحيب به وفي مقدمتهم بعض العلماء الذين كانوا هنا منهم الشيخ بلقاسم السوفي المتطوع بجامع الزيتونة.

وفي عشية اليوم نفسه قدم من الميلية الشيخ محمد الصالح بن عتيق أحد المتطوعين بجامع الزيتونة والمدير لمدرسة الميلية وبرفقته الحافظ الأديب السيد محمد دريوش معلم القرآن بمدرسة الميلية وبعض الطلبة، فكان يوما عزيز الوجود، مضى هذا اليوم في محاورات علمية أدبية تناولت عدة جهات من حالة الأمة الجزائرية.

عند صلاة العشاء قصد الناس المسجد الجامع لأداء فريضة العشاء، وبعد الصلاة ألقى الأستاذ الميلي درسا وعظيا إرشاديا في قوله تعالى:(((والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى))) إلى آخر السورة، وقبل الشروع في الدرس قرأها العالم الشيخ محمد الصغير اليعلاوي المقرئ السبعي بترتيل حسن وصوت رخيم، وبالانتهاء منها شرع الأستاذ في الدرس بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، فأخذ ينثر على السامعين من معاني التفسير ما جعل الأعين إليه ناظرة، والقلوب من جلال كلامه تعالى خاشعة واعية. فأبان للسامعين قسمه تعالى بما ذكر في هذه السورة وما يستنتجه العقل السليم من بلاغة القرآن العظيم، وأن الله تعالى يقسم بما يريد من مخلوقاته لينبهنا إلى ما في

المقسم به من علامات ناطقة بجلال قدرته، هذا بخلاف المخلوق فإنه لا يجوز له شرعا أن يقسم بمخلوق مثله. ومعلوم أن المقسم بالكسر بقسمه قد عظم المقسم به، والتعظيم لا ينبغي أن يكون إلا لله.

ـ[عمود2]ـ

وهكذا سار في إفهام الحاضرين إلى آخر السورة، معبرا لهم بعد تفسير الآية بلسانهم الذي يتخاطبون به، فما قاموا إلا وقد فهموها كما هي.

ومن الغد ألقى درسا آخر بعد صلاة الظهر في قوله تعالى: (((يا أيها النبئ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا إلى قوله تعالى: إن الله غفور رحيم))) بمثل الأسلوب الذي سار عليه في الدرس الأول.

فكان الإقبال عليه عظيما، وكانت النتيجة صادقة طيبة، وقد بين للحاضرين معنى المبايعة ومبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء المؤمنات، وأن مبايعة النساء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون لأحد، فتلقى الحضور هاته النصائح بارتياح عظيم، مما يدل على أن العقول قابلة لتلقي النور الإلهي.

أقول: إن هذه الآية خلاف ما يفهمه الجهال من أهل هذا الزمان الذين يستبيحون مبايعة النساء بما يعطونهن من الأوراد، ويستندون في هذا إلى هذه الآية الكريمة. والحقيقة أنهم لم يعرفوا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، خصوصا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبايع النساء بوضع يده في أيديهن كما يفهمه (القوم) كما هو ثابت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، نقل ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية حديثا رواه عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة التيمية خالة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من المسلمين فقلنا له جئناك يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن، فقلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، فقلنا بايعنا يا رسول الله، فقال اذهبن فقد بايعتكن إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة، وما

ـ[عمود3]ـ

صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا واحدة اه. ثم ذكر ابن جرير رحمه الله حديثا آخر برواية أخرى عن أميمة بنت رقيقة المذكورة جاء في آخره: فقلنا يا رسول الله ألا تصافحنا، فقال: إني لا أصافح النساء ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة اه. فلينظر القوم سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفهموها كما هي ثم يسيروا على ضوئها الوهاج فإنهم لا يضلون ما تمسكوا بها.

أما والحالة هذه، جهل بالسنة، وبعد عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وارتكاب لما حرم الله ورسوله فهذه أمور لا ينبغي السكوت عنها، فإذا نادى أهل العلم ودعوا الناس إلى السنة الصحيحة وقالوا إن ما عليه هؤلاء (القوم) اليوم وما دعوا إليه لا مناسبة بينه وبين السنة الصحيحة في هذا الوقت تقوم قيامة (القوم) على العلماء ويختلقون عليهم الأكاذيب ويحدثون لهم الفتن، لا لذنب سوى أنهم جاهروا العامة بأن ما عليه (القوم) اليوم ليس من السنة في شيء، فإذا أراد القوم أن يكونوا من أنصار السنة ومؤيديها فما عليهم إلا اتباعها كما هي من غير تبديل ولا تغيير.

أما إذا تمادى القوم في طريق غير طريق السنة فليعلموا أن واجبا على العلماء أن يبينوا للعامة السنة الصحيحة حب من أحب وكره من كره ولا يضرهم من خالفهم ولا يزيدهم ما أصابهم في سبيل إحياء السنة النبوية إلا صبرا وإقداما، (((فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين))).

وفي عشية الخميس حادي عشرة ربيع الآخر سافر إلى بلدة ميلة بصحبة بعض الأعيان الفضلاء جاءوا لملاقاته، مشيعا من أهالي بلدة القرارم بما يليق بحضرته.

حيا الله رجال جمعية العلماء وبياهم وأعانهم على إحياء سنة خير الخلق صلى الله عليه وسلم وقتل ما أحدثه المحدثون.

عبد اللطيف بن علي القنطري

العضو بالجمعية

المدرس بالقرارم

ص: 6