الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
قال شيخنا الحافظ ابن عبد الهادي رحمة الله عليه:
93 -
في "القاعدة الزرعية": (لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يجهر بالبسملة، وليس في الصحاح ولا في السنن حديثٌ صحيحٌ صريحٌ بالجهر، والأحاديث الصريحة بالجهر كلُّها ضعيفة، بل موضوعةٌ)
(1)
.
94 -
وقال أيضًا: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على صلاة الضحى باتفاق أهل العلم بسنَّته، ومن زعم من الفقهاء أنَّ ركعتي الضحى كانتا واجبتين عليه فقد غلط، والحديث الذي يذكرونه: "ثلاثٌ هنَّ عليَّ فريضةٌ وهنَّ لكم تطوعٌ: الوتر، والنحر، وركعتي الضحى" حديثٌ موضوعٌ)
(2)
.
95 -
وقال أيضًا في موضعٍ آخر: (والحديث الذي يروى في الرجل الذي قال: إنَّ امرأتي لا تردُّ يد لامسٍ. . . قد ضعَّفوه).
وقال في موضعٍ آخر: (هذا الحديث ضعَّفه أحمد وغيره، وتأوَّله بعضهم على أنَّها لا تردُّ طالب مالٍ، لكن ظاهر الحديث يدلُّ على خلافه، ومنهم من اعتقد ثبوته، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسكها مع كونها لا تمنع الرجال، وهذا مما أنكره غير واحدٍ من الأئمة)
(3)
.
(1)
"الفتاوى": (22/ 275 - 276)، وانظر:"الاختيارات" للبعلي: (78).
(2)
"الفتاوى": (22/ 283).
(3)
"الفتاوى": (32/ 144).
96 -
قال شيخنا: (فواتح السور تناسب خواتمها، وذلك تناسبٌ مظنونٌ، كما أنَّ "البقرة" أُفتتحت بذكر الكتاب وأنَّه هدى للمتقين، وذكر في ذلك
(1)
الإيمان بما أنزل إلينا وما أنزل على من قبلنا، ووُسِّطت بمثل ذلك، وختمت بمثل ذلك، في قوله تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285] إلى آخر السورة.
وكان في "البقرة" مخاطبةً: لجميع الخلق حتَّى يدخل فيه من لم يؤمن بالرسل عمومًا؛ ولمن أقرَّ بهم خصوصًا؛ وللمؤمنين بالجميع خصوص الخصوص؛ ففيها خطاب الأصناف الثلاثة.
وأمَّا "آل عمران" فالغالب عليها مخاطبة من أقرَّ بالرسل من أهل الكتاب، ومخاطبة المؤمنين، فافتتحها سبحانه بذكر وحدانيَّته ردًّا على المشركين من النصارى وغيرهم، وذكر تنزيل الكتاب، وذكر ضلال من اتَّبع المتشابه، ووسَّطها بمثل ذلك، وختمها بقوله:{لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} [آل عمران: 199].
وأمَّا السور المكِّية -كالأنعام والأعراف وغيرهما-[ففيها مخاطبة]
(2)
الناس، الذين يدخل فيهم: المكذِّب بالرسل، [والمقرُّ بهم]
(3)
، ولهذا كانت السور المكِّية في تقرير أصول الدين [التي] اتَّفق عليها المرسلون، بخلاف السور المدنيَّة، فإنَّ فيها مخاطبة أهل الكتاب -الذين آمنوا ببعض الكتب-، ومخاطبة المؤمنين- الذين آمنوا بالله
(1)
كذا بالأصل، ولعلها: وذكر بعد ذلك.
(2)
و
(3)
بياض في الأصل، فاجتهدت في إثباتها.
وملائكته وكتبه ورسله-، ما ليس في السور المكِّية، ولهذا كان الخطاب [بـ]:(يا أيها الذين آمنوا) مختصًا بالسور المدنيَّة، وأمَّا الخطاب بـ:(يا أيها الناس) فالغالب أنَّه من السور المكية، وربَّما كان في السور المدنيَّة، لأنَّ الخطاب العام يدخل فيه المؤمنون وغيرُهم، بخلاف الخاص، والأصول تعمُّ ما لا [تعمُّ]
(1)
الفروع، وإن كانت الفروع واجبةً على الكفَّار -على أصحِّ القولين-، فإنَّما ذلك لأنَّهم يعاقبون عليها في الآخرة، وأمَّا الكافر
(2)
يؤمر بعمل الفروع قبل الإيمان فلا.
و"سورة النساء" الغالب عليها مخاطبة الناس في الصلات التي بينهم بالنسب والعقد، وأحكام ذلك، فافتتحها الله سبحانه بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} لعموم أحكامها، وقال:{اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] فذكر اشتراك جميع الناس في الأصل، وأمرهم بتقوى الله الذي يتعاقدون ويتعاهدون [به]، فإنَّ كلَّ واحدٍ من المتعاقدين يطلب من الآخر ما قصده بالعقد، وهو بالله يعقده، إذ قد جعلوا الله عليهم كفيلًا؛ وبصلة الأرحام التي خلقها هو سبحانه، كما جمع بينهما في قوله:{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد: 20، 21]، وفي قوله:{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [البقرة: 26، 27]
(1)
في الأصل: (يعم).
(2)
كذا بالأصل، ولعل ثم سقط في الكلام، فلعل العبارة:(وأما أنَّ الكافر يؤمر)، أو نحو ذلك، والله أعلم.
وأمَّا "سورة المائدة": فإنَّها سورة العقود، فإنَّ العهود والمواثيق التي يعقدها بنو آدم بينهم وبين ربِّهم، ويعقدها بعضهم لبعض -مثل: عقد الإيمان، وعقد الأيمان-، فأمر الله بالوفاء بالعهود، والوفاء بالعهود من صفات الصادقين دون الكاذبين؛ وختم السورة بما يناسب ما تحتها، فقال:{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [المائدة: 119]، فالموفون بالعقود صادقون، فنفعهم الصدق بالوفاء يوم القيامة بما وعدهم من الكرامة).
[ثم تكلَّم شيخنا]
(1)
على الوفاء بالعهد، وقال: (وهذه "سورة المائدة" للمؤمنين، أمرهم فيها بالوفاء بالعقود، وذكَّرهم فيها بنعمته، كما قال تعالى لبني إسرائيل:{اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40]، فذكر النعم يوجب الشكر، والوفاء بالعقود يحتاج إلى الصبر، فلابدَّ أن يكون صبَّارًا شكورًا، كما قال في أثناء السورة بعد آية الطهارة:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة: 7].
قال: (فلمَّا كان هذا فاتحة السورة كان من مضمونها الشريعة والمنهاج التي جعلها لأهل القرآن، فبيَّن لهم من تفصيل أمره ونهيه -الذي جعله الله لهم شرعةً ومنهاجًا- في هذه السورة ما وجب عليهم الوفاء به، لأجل إيمانهم الذي هو عقد يوجب عليهم: طاعة الله ورسوله واتباع كتابه، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إنَّ سورة المائدة آخر القرآن نزولًا فأحلُّوا حلالها وحرِّموا حرامها". وعن أبي ميسرة:
(1)
في الأصل: (ثم تكلم سبحانه وتعالى عن العهود)! وهو خطأ صرف، فإما أن يكون في الكلام سقط، وإما يكون الصواب ما أثبته أو نحوه، والله أعلم.
إنَّ فيها بضع عشرة شريعة ليست في غيرها
(1)
.
لما أمرهم الله عز وجل أن يوفُّوا بالعهود المتناول لعقوده التي [وجبت عليهم]
(2)
بالإيمان به = بيَّن ما أمر به، وبيَّن ما نهى عنه، وما حلَّله، وما حرَّمه، ليبيِّن أنَّ الوفاء بالعقود: باتباع هذا الأمر والنهي، والتحليل والتحريم، فقال:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} الآيات [المائدة: 1]، فأحلَّ لهم بهيمة الأنعام، بشرط أن لا تحلُّوا الصيد وأنتم حرمٌ، ونهاهم عن إحلال شعائره وما معها، وأحلَّ لهم الصيد بعد الإحرام، ونهاهم عن أن يحملهم بغض قوم يمنعونهم من الدين أن يعتدوا، وأمرهم كلَّهم [جميعًا] أن يتعاونوًا على البرِّ والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، ثمَّ فصَّل لهم ما حرِّم عليهم، كالميِّت حتف أنفه، أو بسببٍ غير الذكاة، واستثنى من ذلك ما أدركوه حيًّا فذكَّوه.
وذكر ما ذبح على النصب والاستقسام بالأزلام، وذلك يتضمن طلب العبد قَسْمَه وما قدِّر له فيما يريد أن يفعله، فيكون مؤتمرًا منزجرًا عن الأزلام؛ أو فيما لا بد أن يفعله، فيتضمن اعتقاده لما يكون عن الأزلام، فإنَّ المستقسم بالأزلام يعتقد ما دلَّت عليه من خيرٍ أو شرٍّ: فيما يفعله -فيفعل أو يترك-؛ وفيما لا يفعل -فيعتقد أنها [مرجوةً]
(3)
ومخوفةً-؛ وذلك فسقٌ، وهو خروجٌ عن طاعة الله فيما أمر به من الاستقامة والتوكُّل عليه).
(1)
أبو ميسرة هو: عمرو بن شُرحبيل الهمداني الكوفي، من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه.
وهذا الأثر أورده بتمامه القرطبي في "تفسيره": (6/ 22)، والسيوطي في "الدر المنثور":(3/ 4)، وفيه تعداد تلك الأحكام.
(2)
في الأصل: (وجب عليها).
(3)
في الأصل: (ما رجوه).
ثمَّ تكلَّم على الطيرة والفأل وأنواع الاستقسام بالأزلام، وتكلَّم أيضًا على السحرة والنجوم وعلى الكسوف، وقال في أثناء كلامه: (فلولا أنَّ الكسوف والخسوف قد يكونان سببًا [. .]
(1)
وعذاب لم يصحَّ التخويف بهما، وكذلك سائر الآيات المخوفة، كالريح الشديدة والزلزلة وسائر الكواكب وغير ذلك، ولهذا يسمِّي العلماء الصلاة المشروعة [عند] ذلك:"صلاة الآيات"، وهي صلاةٌ قد صلَّاها النبي صلى الله عليه وسلم بركوعين طويلين، وسجودين طويلين، ولم يصلِّ قطُّ صلاةً في جماعةٍ أطول من صلاة الكسوف، ويصلَّى أيضًا عند بعض العلماء -وهو المنصوص عن أحمد- للزلزلة، ويصلَّى أيضًا عند محققي أصحابه لجميع الآيات، كما دلَّ على ذلك السنن والآثار، وهذه صلاة رهبةٍ وخوفٍ، كما أنَّ صلاةَ الاستسقاء صلاةُ رغبةٍ ورجاءٍ، وقد أمر الله عباده أن يدعوه خوفًا وطمعًا).
ثمَّ قال الشيخ رحمه الله: (لمَّا ذكر ما حرَّم عليهم ذكر ما أحلَّ لهم: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيهِ} [المائدة: 4]، فأمر بالأكل مما أمسكن عليه الجوارح التي علمنا مكلبين ويذكر اسم الله عليه، و [هذا]
(2)
اعتبار لثلاثة أمور:
احدها: أن يكون الجارح معلمًا، فما ليس بمعلم لم يدخل في ذلك.
الثاني: أن يمسك علينا، فيكون بمنزلة الوكيل من عبدٍ وغيره، وهذا
(1)
كلمة لم أتمكن من قراءتها.
(2)
في الأصل: (هذه).
لا يكون إلا إذا استرسل بإرسال الصيد، ومن تمام الإمساك علينا أن لا يأكل منه، فإذا أكل فقد يكون الإمساك على نفسه لا علينا، فيكون فعله وتصرفه بغير طريق الوكالة)
(1)
.
ثمَّ ذكر حديث عدي بن حاتم وأطال الكلام في ذلك.
97 -
ولمَّا تكلَّم على التمتع والإفراد والقران وما الأفضل؟ [قال]: (والتحقيق أنَّه يتنوع باختلاف حال الحاج:
فإن كان يسافر سفرةً للعمرة وسفرةً أخرى للحج، أو يسافر إلى مكَّة قبل أشهر الحج ويقيم بها حتَّى يحجَّ
(2)
، فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربع".
وأمَّا إذا فعل ما يفعله غالب الناس، وهو أن يجمع بين الحج والعمرة في سفرةٍ واحدةٍ ويقدم مكَّة في أشهر الحجِّ، فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له، وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرةٍ أفضل)
(3)
.
98 -
وكان رحمه الله يذهب إلى أنَّ الأفضل أن يسوق الهدي ويكون قارنًا، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فعل
(4)
.
99 -
قال: (فإذا أراد الإحرام: فإن كان قارنًا قال: "لبَّيك عمرةً وحجًّا"؛ وإن كان متمتعًا قال: "لبيك عمرةً وحجًّا"
(5)
؛ وإن كان مفردًا قال: "لبيك حجَّةً".
(1)
لم يذكر الثالث، وهو التسمية.
(2)
في "الفتاوى": (قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها حتى يحج).
(3)
"الفتاوى": (26/ 101)"الاختيارات" للبعلي: (173).
(4)
"الفتاوى": (26/ 90 - 91).
(5)
انظر التعليق الآتي.
أو قال: "اللهم إنِّي قد أوجبت عمرةً وحجًّا"، أو:"أو أوجبت عمرةً"، أو:"أوجبت حجًّا"، أو:"أوجبت عمرةً أتمتع بها إلى الحجِّ"، أو قال:"اللهم إنِّي أريد العمرة أتمتع بها إلى الحجِّ"، أو قال:"اللهم أريد العمرة وأريد الحجَّ"، أو:"أريدهما"، أو:"أريد التمتع بالعمرة إلى الحجِّ"
(1)
؛ فمهما قال من ذلك أجزأه باتفاق الأئمة، ليس في ذلك عبارة مخصوصةٌ، ولا يجب شيء من هذه العبارات باتفاق الأئمة، ولا يجب عليه أن يتكلَّم قبل التلبية بشيءٍ، ولكن تنازع العلماء: هل يستحب أن يتكلَّم بذلك؟ كما تنازعوا: هل يستحبُّ التلفُّظ بالنيَّة في الصلاة؟ والصواب المقطوع به أنَّه لا يستحب شيءٌ من ذلك)
(2)
.
(1)
وقع اختلاف بين ما في الأصل وبين ما في مطبوعة "الفتاوى" و"منسك شيخ الإسلام" -الذي طبع مفردًا بتحقيق الشيخ / علي العمران-، لذا رأيت أن أثبت نص كل منهما، ففي "الفتاوى":(فإذا أراد الإحرام فإن كان قارنًا قال: لبيك عمرة وحجا، وإن كان متمتعًا قال: لبيك عمرة متمتعًا بها إلى الحج، وإن كان مفردًا قال: لبيك حجة، أو قال: اللهم إني أوجبت عمرة وحجا، أو: أوجبت عمرة أتمتع بها إلى الحج، أو: أوجبت حجا، أو: أريد الحج، أو: أريدهما، أو: أريد التمتع بالعمرة إلى الحج) ا. هـ
وفي "المنسك": (28): (فإذا أراد الإحرام، فإن كان قارنًا قال: لبيك عمرة وحجا، وإن كان متمتعًا قال: لبيك عمرة [متمتعًا بها إلى الحج]، وإن كان مفردًا قال: لبيك حجة، أو قال: اللهم إني أوجبت عمرة وحجا، أو: أوجبت عمرة [أتمتع بها إلى الحج]، أو: أوجبت حجا، أو: أريد الحج، أو: أريدهما، أو: أريد التمتع بالعمرة إلى الحج) ا. هـ وما بين المعقوفات ذكر المحقق أنه أضافه من مطبوعة "الفتاوى".
(2)
"الفتاوى": (26/ 104 - 105).
100 -
وقال في قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَال فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]: (الرفث: اسمٌ للجماع قولًا وعملًا؛ والفسوق: اسمٌ للمعاصي كلِّها؛ والجدال على هذه القراءة -يعني قراءة الرفع
(1)
-: هو الراء في الحجِّ
(2)
، فإنَّ الله قد أوضحه وبيَّنه وقطع المراء فيه كما كانوا في الجاهلية يتمارون في أحكامه؛ وعلى القراءة بالنصب قد (يفسَّر)
(3)
بهذا المعنى أيضًا، وقد فسَّروها [بأن لا يماري الحاج]
(4)
أحدًا، والتفسير الأوَّل أصحُّ)
(5)
.
101 -
قال: (ولا يكون الرجل محرمًا بمجرد ما في قلبه من قصد الحجِّ ونيَّته، فإنَّ القصد ما زال في قلبه منذ خرج من بلده، بل لا بدَّ من قولٍ أو عملٍ يصير [به] محرمًا، هذا هو الصحيح من القولين
(6)
.
102 -
قال: (ويستحب أن يحرم عقيب صلاة -إمَّا فرض، وإمَّا تطوع- إن كان وقت صلاة
(7)
في أحد القولين، وفي الآخر: إن كان يصلِّي فرضًا أحرم عقيبه، وإلَّا فليس للإحرام صلاةٌ تخصُّه، وهذا أرجح)
(8)
.
103 -
قال: (والأفضل أن يحرم في نعلين إن تيسَّرا له، فإن لم يجد
(1)
يعني بالرفع، على قراءة من قرأ:(فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالٌ) وهذه القراءة هي قراءة أبي جعفر بن القعقاع، ورُويت عن عاصم في بعض الطرف. أفاده ابن عطية في "المحرر الوجيز" (2/ 121) وينظر: النشر لابن الجزري (211).
(2)
في "الفتاوى": (المراء في أمر الحج).
(3)
في الأصل غير مقرؤة، فأثبتها من "الفتاوى".
(4)
في الأصل: (بأن الإيمان بين الحاوج)! والتصويب من "الفتاوى".
(5)
"الفتاوى": (26/ 107).
(6)
"الفتاوى": (26/ 108).
(7)
في "الفتاوى": (وقت تطوع)، وهكذا هو في "المنسك":(35).
(8)
"الفتاوى": (26/ 108 - 109)، "الاختيارات" للبعلي:(173).
نعلين لبس خفَّين، وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين -مثل: الخف المكعب، والجمجم، والمداس، ونحو ذلك-، سواء إن كان واجدًا للنعلين أو [فاقدًا]
(1)
لهما)
(2)
.
104 -
وذهب إلى أنَّه يجوز للمحرم أن يعقد الرداء إذا احتاج إلى ذلك
(3)
.
105 -
قال: (و- له أن يستظلَّ تحت السقف والشجر، ويستظلَّ بالخيمة ونحو ذلك باتفاقهم.
وأمَّا الاستظلال بالمحمل -كالمحارة التي لها رأس- في حال السير فهذا فيه نزاعٌ، والأفضل للمحرم أن يُضْحِي لمن أحرم [له]
(4)
، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحجُّون، وقد رأى ابن عمر رجلًا ظلّل عليه، فقال: أيُّها المحرم أَضْحِ لمن أحرمت له.
ولهذا كان السلف يكرهون القباب على المحامل [-وهي المحامل التي لها رأسٌ-، وأمَّا المحامل]
(5)
المكشوفة فلم يكرهها إلا بعض النسَّاك)
(6)
.
106 -
قال: (ولو غطَّت المرأة وجهها بشيءٍ لا يمسُّ الوجه جاز بالاتفاق، وإن كان يمسُّه فالصحيح أنَّه يجوز أيضًا، ولا تكلَّف المرأة
(1)
في الأصل: (قادما)، والتصويب من "الفتاوى".
(2)
"الفتاوى": (26/ 109 - 110) باختصار.
(3)
"الفتاوى": (26/ 111)، "العقود الدرية":(ص: 339)، "الاختيارات" للبرهان ابن ابن القيم:(رقم: 14)، وانظر:"الاختيارات" للبعلي: (174).
(4)
زيادة من "الفتاوى".
(5)
زيادة استدركت من الفتاوى".
(6)
"الفتاوى": (26/ 112).
أن تجافي سترتها عن الوجه، لا بعودٍ، ولا بيدها، ولا غير ذلك)
(1)
.
107 -
قال: (والفدية: صيام ثلاثة أيام؛ أو: نسك شاةٍ؛ أو: إطعام ستة مساكين، لكلِّ مسكينٍ مدُّ برٍّ، أو نصف صاع تمرٍ أو شعيرٍ، وإن أطعم خبزًا جاز، ويكون رطلين بالعراقي -قريبًا من نصف رطلٍ بالدمشقيِّ-، وينبغي أن يكون مأدومًا، وإن أطعمه ممَّا يؤكل -كالبقسماط والرقاق ونحو ذلك- جاز، وهو أفضل من أن يعطيه قمحًا أو شعيرًا)
(2)
.
108 -
قال (وإذا لبس ثمَّ لبس مرات، ولم يكن أدى الفدية، أجزأته فديةٌ واحدةٌ في أظهر قولي العلماء)
(3)
.
109 -
قال: (وممَّا يُنهى عنه المحرم: أن يتطيَّب بعد الإحرام في بدنه أو ثيابه، أو يتعمَّد لشمِّ الطيب، وأمَّا الدهن في رأسه أو بدنه بالزيت أو السمن ونحوه إذا لم يكن فيه طيبٌ، ففيه نزاعٌ مشهورٌ، وتركه أولى)
(4)
.
110 -
قال: (و- له أن يحتجم، وإن احتاج أن يحلق شعرًا لذلك جاز، فإنَّه قد ثبت في "الصحيح"
(5)
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في وسط رأسه وهو محرمٌ، ولا يمكن ذلك إلا مع حلق بعض الشعر.
(1)
"الفتاوى": (26/ 112)، "الاختيارات" للبعلي:(174).
(2)
"الفتاوى": (26/ 113).
(3)
"الفتاوى": (26/ 114).
(4)
"الفتاوى": (26/ 116).
(5)
"صحيح البخاري": (فتح-4/ 50 - رقم: 1836)، "صحيح مسلم":(2/ 862 - رقم: 1203) من حديث ابن بحينة.
وكذلك إذا اغتسل وسقط شيءٌ من شعره بذلك، لم يضرُّه، وإن تيقَّن أنَّه انقطع بالغسل)
(1)
.
111 -
قال: (ولا يصطاد بالحرم صيدًا وإن كان من الماء -كالسمك- على الصحيح)
(2)
.
112 -
قال: (والحرم المجمع عليه حرم مكَّة، وأمَّا المدينة فلها حرمٌ أيضًا عند الجمهور، ولم يتنازع المسلمون في حرمٍ ثالثٍ إلَّا في "وجٍّ" -وهو واد بالطائف-، وهو عند بعضهم حرمٌ، وعند الجمهور ليس بحرمٍ)
(3)
.
113 -
قال: (وللمحرم أن يقتل ما يؤذي بعادته الناس كالحيَّة والعقرب والفأرة والغراب والكلب العقور، وله أن يدفع ما يؤذيه من الآدميين والبهائم، حتَّى لو صال عليه أحدٌ ولم يندفع عنه إلَّا بالقتال [قاتله]
(4)
، وإذا قرصته البراغيث أو القمل فله إلقاؤها عنه، وله قتلها ولا شيء عليه، وأمَّا التفلِّي بدون التأذي فهو من الترفُّه فلا يفعله، ولو فعله فلا شيء عليه)
(5)
.
114 -
قال: (ولو وضع يده على الشاذروان الذي تربط عليه أستار الكعبة، لم يضرَّه ذلك في أصحِّ قولي العلماء، وليس الشاذروان من
(1)
"الفتاوى": (26/ 116)، "الاختيارات" للبعلي:(174).
(2)
"الفتاوى": (26/ 117).
(3)
"الفتاوى": (26/ 117 - 118).
(4)
في الأصل: (قاتلهم)، والتصويب من "الفتاوى".
(5)
"الفتاوى": (26/ 118) باختصار، وانظر:"الاختيارات" للبعلي: (174).
البيت، بل جعل عمادًا للبيت)
(1)
.
115 -
وذكر الاختلاف في اشتراط الطهارة للطواف، ثمَّ قال:(ولا يجوز لحائضٍ أن تطوف إلَّا طاهرةً -إذا أمكنها ذلك- باتفاق العلماء، ولو قدمت المرأة حائضًا لم تطف بالبيت، لكن تقف بعرفة وتفعل سائر المناسك مع الحيض، إلَّا الطواف فإنَّها تنتظر حتَّى تطهر -إن أمكنها ذلك- لمَّ تطوف، وإن اضطرت إلى الطواف فطافت، أجزأها على الصحيح من قولي العلماء)
(2)
.
116 -
وقال أيضًا: (قوله: "الطواف بالبيت صلاةٌ" لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هو ثابتٌ عن ابن عباسٍ، وقد روي مرفوعًا
(3)
.
117 -
قال: (ويجوز الوقوف بعرفة راكبا وماشيًا، وأمَّا الأفضل فيختلف باختلاف الناس، فإن كان ممَّن إذا ركب رآه الناس لحاجتهم إليه، أو كان يشقُّ [عليه]
(4)
ترك الركوب، وقف راكبًا، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقف راكبًا.
وهكذا [الحجُّ]
(5)
: فمن الناس من يكون حجُّه راكبًا أفضل، ومنهم من يكون حجُّه ماشيًا أفضل)
(6)
.
(1)
"الفتاوى": (26/ 121)، "الاختيارات" للبعلي:(175).
(2)
"الفتاوى": (26/ 126)، "العقود الدرية":(ص: 339)، "الاختيارات" للبرهان ابن ابن القيم:(رقم: 15)، "الاختيارات" للبعلي:(45).
(3)
"الفتاوى": (26/ 126).
(4)
في الأصل: (عليهم)، والتصويب من "الفتاوى".
(5)
سقطت من الأصل، واستدركت من "الفتاوى".
(6)
"الفتاوى": (26/ 132).
118 -
قال: (والعلماء في التلبية على ثلاثة أقوالٍ:
فمنهم من يقول: يقطعها إذا وصل إلى عرفة.
ومنهم من يقول: بل يلبِّي بعرفة وغيرها إلى أن يرمي الجمرة.
والقول الثالث: أنَّه إذا أفاض من عرفة إلى مزدلفة لبَّى، وإذا أفاض من مزدلفة إلى منى لبَّى حتَّى يرمي جمرة العقبة، كذا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأمَّا التلبية في وقوفه بعرفة ومزدلفة: فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نقل عن الخلفاء الراشدين وغيرهم أنَّهم كانوا لا يلبون
(1)
بعرفة)
(2)
.
119 -
قال: (وكل ما ذبح بمنى وقد سيق من الحلِّ إلى الحرم فإنَّه هديٌ، سواءٌ كان من الإبل أو البقر أو الغنم، ويسمَّى أيضًا: أضحيةً، بخلاف ما يذبح يوم النحر بالحلِّ فإنَّه أضحية وليس بهدي، و [ليس]
(3)
بمنى ما هو أضحيةٌ وليس بهدي، كما هو في سائر الأمصار، فإذا اشترى الهدي من عرفات، وساقه إلى منى، فهو هديٌ باتفاق العلماء، وكذلك إذا اشتراه من الحرم فذهب به إلى التنعيم.
وأمَّا إذا اشتراه من منى وذبحه بها ففيه نزاعٌ:
فمذهب مالكٍ: أنَّه ليس بهديٍ، وهو منقولٌ عن ابن عمر.
ومذهب الثلاثة: أنَّه هديٌ، وهو منقولٌ عن عائشة)
(4)
.
(1)
في مطبوعة "الفتاوى": (أنهم كانوا يلبون)، وفي مطبوعة "منسك شيخ الإسلام":(78) كما بالأصل.
(2)
"الفتاوى": (26/ 136).
(3)
في الأصل: (لكن)، والتصويب من "الفتاوى".
(4)
"الفتاوى": (26/ 137)، "الاختيارات" للبعلي:(178).
120 -
قال: (وليس على المفرد إلَّا سعيٌ واحدٌ، وكذلك القارن عند جمهور العلماء، وكذلك المتمتع في أصحِّ القولين
(1)
، وهو أصحُّ الروايتين عن أحمد ليس عليه إلَّا سعيٌ واحدٌ)
(2)
.
121 -
قال: (ولا يستحب للمتمتع ولا غيره أن يطوف للقدوم بعد التعريف)
(3)
.
122 -
وذكر شيخنا الخلاف في خلق الأرواح قبل الأبدان، وقال:(والصحيح الذي عليه الجمهور أنَّ أرواح الناس إنَّما برأها الله حين ينفخ الروح في الجنين).
123 -
وقال شيخنا في أثناء كلامه: (وقوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 5]، {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} [الرحمن: 4]، ونحو ذلك، يتناول كلَّ إنسان، فمن قال: إنَّ في بني آدم قومًا عقلاء يجحدون كلَّ العلوم. فقد غلط، كما توهَّمت طائفةٌ من أهل الكلام أنَّ من الناس طائفةٌ يقال لهم:"السوفسطائية" يجحدون كلَّ علمٍ أو كلَّ موجودٍ، أو يقفون ويسكنون، أو يجعلون الحقائق تابعةً للعقائد، ولكن هذه الأمور قد تعرض لبعض الناس في بعض الأشياء.
وقال في قوله: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)} [الرحمن: 1، 2]، وقال في الإنسان:{عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} [الرحمن: 4]، وذلك لأنَّ البيان شاملٌ لكلِّ إنسانٍ، بخلاف تعليمهم القرآن فإنَّه خاصٌّ لمن يعلمه،
(1)
في مطبوعة "الفتاوى" و"المنسك": (80): (في أصح أقوالهم).
(2)
"الفتاوى": (26/ 138)، "العقود الدرية":(ص: 338)، "الاختيارات" للبرهان ابن ابن القيم:(رقم: 92)، "الاختيارات" للبعلي:(175).
(3)
"الفتاوى": (26/ 139)، "الاختيارات" للبعلي:(175).
[لا] لكلِّ إنسان؛ وأيضًا فإنَّ القرآن علَّمه الملَك قبل الإنسان، فإنَّ جبريل أخذه عن الله، ثمَّ جاء به إلى محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم).
قال: (والبيان الذي علَّمه الإنسان يتناول: علمه بقلبه؛ ونطقه بلسانه). ثمَّ تكلَّم على البيان، وأنَّ الشافعيَّ وغيره قسَّموه أقسامًا، وأطال الكلام.
124 -
ثم تكلَّم على قوله تعالى: {وَهَدَينَاهُ النَّجْدَينِ (10)} [البلد: 10]، فقال:([قال] عامة السلف والخلف: المراد بالنجدين: طريق الخير والشر).
وضعَّف قول من قال: المراد بهما: الثديان فقط، وضعَّف إسناده [عن] عليٍّ وغيره.
وضعَّف أيضًا قول من قال: المراد التنويع، فهدى قومًا لطريق الخير، وقومًا لطريق الشر
(1)
.
125 -
وضعَّف شيخنا قول من قال: إنَّ (ما) مصدرية في قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات: 96] تضعيفًا كثيرًا، وقال:(فهذا المعنى وإن كان صحيحًا، فلم يُرد بهذه الآية)
(2)
.
126 -
وتكلَّم شيخنا على قوله تعالى: {سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]، وذكر الاختلاف في المميّز: هل يجوز أن يكون معرفةً أم يتعيَّن أن يكون نكرةً؟ واختار أنَّه قد يقع معرفةً، وجعل منه هذا الموضع وغيره، وقال: (قد يكون المنصوب على التمييز معرفةً، وهذا لم يعرفه البصريون،
(1)
انظر: "الفتاوى": (16/ 143 - 144).
(2)
انظر: "الفتاوى": (8/ 79)، "منهاج السنة النبوية":(3/ 260، 336).
ولم يذكره سيبويه وأتباعه)
(1)
.
127 -
وقال أيضًا لمَّا تكلَّم على قوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ: 20] (ويتوجه في هذا ما قاله الكوفيون في المميّز إذا كان معرفة {سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]
(2)
، و {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص: 58] ونحو ذلك، فإنَّهم يقولون:"صدق وعده" كقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [آل عمران: 152]، ومنه: قول النّبي صلى الله عليه وسلم: "صدق الله وعده، ونصر عبده"، والأصل أن يجعل الصدق للوعد، كقوله:{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54]، فلمَّا جعل للشخص نص
(3)
"الوعد" على التفسير).
128 -
قال في أثناء كلامه: (ولو كان الوعد في قوله: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [آل عمران: 152] مفعولًا ثانيا لقيل: الوعد مصدوقٌ، أو: مصدوق الوعد، كما قيل: الدرهم معطى، والله تعالى قال: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54] لم يقل: مصدوق الوعد).
129 -
وتكلَّم على قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} [النجم: 11] كلامًا جليلًا، وجعله نظير ما تقدَّم من الانتصاب على التمييز، والمعنى: ما كذبت رؤيته، بل الرؤيا التي رأها كانت صادقةً.
* * *
(1)
انظر: "الفتاوى": (14/ 441 - 442، 16/ 570 - 571).
(2)
كذا بالأصل، ويبدو أنه وقع في الكلام سقط، ولعل العبارة:(في المميز إذا كان معرفة في نحو قوله تعالى)، والله أعلم.
(3)
كذا بالأصل، ولعل صوابها:(نصب). والله أعلم.
فصل
130 -
تكلَّم شيخنا على قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 107]، وعلى قوله:{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] وحكى عن بعضهم أنَّ المعنى: تخونوها بارتكاب ما حرم عليكم، قال:(يجعل "الأنفس" مفعول "يختانون" وجعل "الإنسان" قد خانها -أي ظلمها-).
قال: (وهذا فيه نظر، فإنَّ كلَّ ذنبٍ يذنبه الإنسان فقد ظلم فيه نفسه، سواءً فعله سرًّا أو علانيةً، وإذا كان اختيان النفس هو: ظلمها وارتكاب ما حرِّم عليها، [كان كلُّ] مذنبٍ مختانًا لنفسه، وإن جهر بالذنوب، ومعلوم أنَّ هذا اللفظ إنَّما استعمل في خاصٍ من الذنوب، فيما
(1)
يفعل سرًّا).
قال: (ولفظ "الخيانة" حيث استعمل لا يستعمل إلَّا فيما خفي عن المخون، كالذي يخون أمانته، فيخون من ائتمنه إذا كان لا يشاهده
…
-إلى أن قال: - فإذا كان كذلك فالإنسان [كيف]
(2)
يخون نفسه وهو لا يكتمها ما يفعله، ولا يفعله سرًّا عنها
(3)
كما يخون من لا يشاهده؟ ).
قال: (والأشبه -والله أعلم- أن يكون قوله تعالى: {يخْتَانُونَ
(1)
في "الفتاوى": (مما).
(2)
زيادة استدركت من "الفتاوى".
(3)
في "الفتاوى": (وهو لا يكتمها ما يقوله ويفعله سرا عنها).
أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 107] مثل قوله: {إلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]، وقد ذهب الكوفيون وابن قتيبة إلى أنَّ مثل هذا منصوبٌ على التمييز وإن كان معرفة، وقد ذكروا لذلك شواهد كثيرة من كلام العرب، مثل قولهم:"آلم فلانٌ رأسَه"، و"وجع بطنَه"، و"رشد أمره"، ومنه: قوله تعالى: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص: 58] فالمعيشة نفسها بطرت، وقوله:{سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]، معناه: سفهت نفسه، أي: كانت سفيهة، فلمَّا أضاف الفعل إليه
(1)
نصبها على التمييز.
وهذا الذي قاله الكوفيون أصحُّ في اللغة والمعنى، فإن الإنسان هو السفيه نفسه، كما قال تعالى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة: 142]، كذلك قوله:{تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] أي: تختان أنفسكم، فالأنفس هي اختانت، كما أنَّها السفيهة، وقال:"اختانت" ولم يقل: "خانت"، لأنَّ الافتعال فيه زيادة على ما في مجرد الخيانة).
قال في أثناء كلامه: (أو يكون قوله: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] أي: يخون بعضكم بعضًا، كقوله:{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54]، فإنَّ السارق وأعوانه خانوا إخوانهم المؤمنين، والمجامع إذا جامع امرأته [وهي لا تعلم]
(2)
أنَّه حرامٌ فقد خانها).
قال: (والأوَّل أشبه، والنفس هي خانت، فإنَّها تحب الشهوة والمال والرئاسة، و"خان" و"اختان" مثل:"كسب" و"اكتسب"، فجعل الإنسان مختانًا، ثمَّ بيَّن أنَّ نفسه هي التي تختان، كما أنَّها هي
(1)
في "الفتاوى": (فلما كان الفعل []) ونبه مصصحها رحمه الله على أنه وقع فيها بياض.
(2)
في الأصل: (وهو لا يعلم)، والتصويب من "الفتاوى".
التي تسفه، لأنَّ مبدأ ذلك شهوتها، ليس هو مما [يأمر به العقل والرأي]
(1)
، ومبدأ السفه منها، لخفَّتها وطيشها، والإنسان قد [تأمره نفسه في السرِّ بأمورٍ ينهاها عنه العقل]
(2)
والدين، فتكون نفسه اختانت عليه وغلبته، وهذا يوجد كثيرًا في أمر الجماع وأمر المال، ولهذا لا يؤتمن على ذلك أكثر الناس، ويقصد بالائتمان من لا تدعوه نفسه إلى الخيانة في ذلك، قال سعيد بن المسيَّب: لو ائتمنت على بيت المال لأدَّيت الأمانة، ولو ائتمنت على امرأةٍ سوداء حبشيةٍ لخشيت أن لا أؤدِّي الأمانة فيها.
وكذلك المال لا يؤتمن عليه أصحاب الأنفس الحريصة على أخذه كيف أتفق)
(3)
.
131 -
وتكلَّم شيخنا على قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146]، واختار أنَّ المعنى: أن يكون النبيُّ قُتل، وأنَّ من معه من الربِّيون لم يهنوا بعد قتله، وضعَّف قول من قال: إنَّ الربِّيين قُتلوا تضعيفًا كثيرًا من عدة وجوهٍ، والربِّيون: هم الجماعة الكثيرة.
قال: (وقوله: {مَعَهُ رِبِّيُّونَ}
(4)
[آل عمران: 146] صفة للنبيِّ لا حال،
(1)
في الأصل: (يأمره والفعل)، والتصويب من "الفتاوى".
(2)
في الأصل: (تغلبه نفسه في الشر على هواه وأمور ينهى بها عنه الفعل)! والمثبت من "الفتاوى".
(3)
"الفتاوى": (14/ 438 - 444)، ووقع بعض الاختلاف اليسير.
(4)
قال ابن عطية في "المحرر الوجيز": (3/ 253 - 254): (قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: "قُتِل" -بضم القاف، وكسر التاء المخففة-، وقرأ الباقون: "قاتل" - بألف بين القاف والتاء-، وقرأ قتادة: "قُتل" -بضم القاف وكسر التاء مشددة- على التكثير) ا. هـ والشيخ يقرأ بالقراءة الأولى.
قال: (وحَذف- "الواو" في مثل هذا دليلٌ على أنَّها صفةٌ بعد صفة ليست حالًا، وبهذا يظهر كمال المعنى وحسنه، فإنَّ قوله:{مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ} [آل عمران: 146] أي: هم يتَّبعونه سواءً كانوا معه حين قتل أو لم يكونوا، والمعنى على الأوَّل، لأنَّ المقصود أنَّ جميع أتباع النبي صلى الله عليه وسلم لم [يرتدوا]
(1)
-لا من شهد مقتله ولا من غاب-، فإنَّ المقصود أنَّ قَتْلَ النبيِّ لا يغيِّر الإيمان من قلوب أتباعه)
(2)
.
132 -
وقال بعد أن ذكر قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)} [الصافات: 171، 172] قال: (وهذا يشكل على بعض الناس، فيقول: الرسل قد قتل بعضهم، فكيف يكونون [منصورين]
(3)
؟ فيقال: القتل إذا كان على وجهٍ فيه عزة الدين وأهله كان هذا من كمال النصر، فإنَّ الموت لا بدَّ منه، فإذا مات ميتةً يكون بها سعيدًا في الآخرة فهذا غاية النصر، كما كان حال نبيِّنا صلى الله عليه وسلم فإنَّه استشهد طائفةٌ من أصحابه فصاروا إلى أعظم كرامةٍ، ومن بقي كان عزيزًا منصورًا، وكذلك كان الصحابة يقولون للكفار: أخبرنا نبيُّنا أنَّ من قتل منَّا دخل الجنة، ومن عاش منَّا ملك رقابكم.
فالمقتول إذا قتل على هذا الوجه كان ذلك من تمام نصره ونصر أصحابه، ومن هذا الباب حديث الغلام الذي رواه مسلم، لمَّا اتَّبع دين الراهب وترك دين الساحر، وأرادوا قتله مرةً بعد مرةٍ [فلم يستطيعوا]
(4)
، حتى أعلمهم بأنَّه يقتل [إذا قال الملك: بسم الله رب الغلام. ثمَّ
(1)
في الأصل: (يزيدوا) تصحيف، والسياق يدل على ما أثبت، والله أعلم.
(2)
انظر: "الفتاوى": (14/ 373 - 374).
(3)
في الأصل: (منصورون).
(4)
في الأصل: (لم يطيعوا)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم.
يرميه]
(1)
، ولمَّا قتل آمن الناس كلُهم، فكان هذا نصرًا لدينه.
ولهذا لمَّا قتل عمر بن الخطاب شهيدًا بين المسلمين قتل قاتله، وعثمان لمَّا قتل شهيدًا قتل قتلته وانتصرت [طائفته]
(2)
، وكذلك على لمَّا قتله الخوارج مستحلِّين قتله كانوا ممَّن أمر الله ورسوله بقتالهم، وكانوا مقهورين مع أهل السنة والجماعة.
فلم يمنع ذلك عن الإسلام وأهله، لا سيَّما والثبيون الذين قتلوا كان الله ينتقم ممَّن قتلهم، حتَّى يقال إنَّه قتل على دم يحيى بن زكريا سبعون ألفًا! ).
133 -
وأطال شيخنا الكلام على الأسباط، وضعَّف قول من قال إنَّهم أولاد يعقوب لصلبه، واختار أنَّ إخوة يوسف لم يكونوا أنبياء، وأنَّ الأسباط هم بنو إسرائيل، وإنَّما سمُّوا بالأسباط []
(3)
موسى عليه السلام.
وذهب إلى أنَّه لم يكن بين موسى بني إسرائيل ويوسف نبيٌّ، قال:(والقرآن يدلُ على أنَّ أهل مصر لم يأتهم نبيّ بعد يوسف).
134 -
وقال شيخنا: (الصواب أنَّ الحجَّ فرض سنة عشرٍ أو تسع)
(4)
.
135 -
وقال في "شمول النصوص الأحكام" لمَّا تكلَّم [. . .. ]
(5)
(1)
زيادة ليست في الأصل، والكلام بدونه غير تام، وخبر الغلام خرجه الإمام مسلم في "صحيحه":(3005).
(2)
في الأصل: (طائفة)، والسياق يدل على ما أثبت، والله أعلم.
(3)
كلمتان لم أتمكن من قراءتهما.
(4)
"الفتاوى": (27/ 326)، وانظر:(26/ 7).
(5)
جاء الكلام في الأصل متصلا، وظاهرٌ أن في الكلام سقطًا، ولعل العبارة:(لما تكلم على حديث: "من أعتق ")، والله أعلم.
شركًا له في عبدٍ: (وتنازعوا هل يؤدِّي عقب العتاق، أو لا يعتق حتَّى يؤدِّي الثمن؟ على قولين مشهورين، والأوَّل هو المشهور في مذهب الشافعي وأحمد، والثاني قول مالكٍ وقولٌ في مذهب الشافعي وأحمد، وهو الصحيح في الدليل)
(1)
.
136 -
وقال في موضع آخر: (من غلب على ماله الحلال جازت معاملته، كما ذكره أصحاب الشافعيِّ وأحمد، وإن غلب الحرام، فهل معاملته محرمة أو [مكروهة]
(2)
؟ على وجهين)
(3)
.
137 -
قال: (وللعلماء قولان في الدراهم هل تتعيَّن بالتعيين في العقود والقبوض، حتَّى في الغصب والوديعة؟ فقيل: تتعيَّن مطلقًا، كقول الشافعيِّ وأحمد في إحدى الروايتين الثابتة)
(4)
.
138 -
وقال: (من كان بينهما ما لا يقبل القسمة -كحيوانٍ وآنيةٍ ونحو ذلك- إذا طلب أحد الشريكين بيعها وقسمة الثمن، أجبر الآخر على ذلك عند جمهور العلماء -وهو مذهب مالكٍ وأبي حنيفة وأحمد، وذكر بعض المالكية أنَّ هذا إجماع-، لأن حقَّ الشريك في نصف قيمة الجميع لا في قيمة النصف)
(5)
.
139 -
وقال في أثناء كلامه: (قال ابن مسعود -وسئل عن رجل يعامل بالربا إذا أضاف غيره- فقال: كل، فإن مَهْنَأَه لك، وحسابه [عليه])
(6)
.
(1)
"جامع المسائل": (2/ 263 - 264).
(2)
في الأصل: (منكرة)، والمثبت من "الفتاوى".
(3)
"الفتاوى": (29/ 241)، وانظر:(29/ 277).
(4)
"الفتاوى": (29/ 243)، وكلمة:(الثابتة) غير موجودة في المطبوعة.
(5)
"الفتاوى": (29/ 248)، "الاختيارات" للبعلي:(505).
(6)
في الأصل: (علي)! والتصويب من "الفتاوى": (29/ 247).
140 -
قال شيخنا: (أمَّا من ترك الصلاة جاهلًا بوجوبها، مثل: من أسلم في دار الحرب ولم يعلم أنَّ الصلاة واجبة عليه، فهذه المسألة للعلماء فيها ثلاثة أقوالٍ، وجهان في مذهب أحمد:
أحدها: عليه الإعادة مطلقًا، وهو قول الشافعي، وأحد الوجهين في مذهب أحمد.
والثاني: عليه الإعادة إذا تركها بدار [الإسلام دون دار]
(1)
الحرب، وهو مذهب أبي حنيفة، لأنَّ دار الحرب دار جهل يعذر فيه، بخلاف دار الإسلام.
والثالث: لا إعادة عليه مطلقًا، وهو الوجه الثاني في مذهب أحمد وغيره. وأصل هذين الوجهين: أنَّ حكم الشارع هل يثبت في حقِّ المكلف قبل بلوغ الخطاب له؟ فيه ثلاثة أقوالٍ في مذهب أحمد وغيره: أحدها: يثبت مطلقًا، والثاني: لا يثبت مطلقًا، والثالث: يثبت حكم الخطاب المبتدأ دون الخطاب الناسخ، كقضية أهل قباء، وكالنزاع المعروف في الوكيل إذا عُزل، فهل يثبت حكم العزل في حقه قبل العلم؟
وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النصِّ، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ، ثمَّ يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء؛ أو: يصلِّي في أعطان الإبل، ثمَّ يبلغه ويتبين له النصُّ؛ فهل عليهم إعادة ما مضى؟ فيه قولان، هما روايتان عن أحمد.
ونظيره أن يمسَّ ذكره ويصلِّي، ثمَّ يتبيَّن له وجوب الوضوء من مسِّ الذكر.
(1)
زيادة استدركت من "الفتاوى".
والصحيح في هذه المسائل عدم وجوب الإعادة، لأنَّ الله تعالى عفا عن الخطأ والنسيان، ولأنَّه قال:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء: 15] فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيءٍ معينٍ لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمر وعمارًا لمَّا أجنبا فلم يصلِّ عمر، وصلَّى عمار بالتمرُّغ، أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر [بالإعادة]
(1)
لمَّا كان يجنب ويمكث لا يصلَّي، وكذلك لم يأمر من أكل من الصحابة حتَّى يتبيَّن [له]
(2)
الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر من صلَّى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب المستحاضة إذا مكثت مدَّةً لا تصلَّي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان:
أحدهما: لا إعادة عليها، كما نقل عن مالكٍ وغيره، لأنَّ المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنِّي استحاض حيضةً شديدةً [كبيرةً]
(3)
منكرةً منعتني الصلاة والصيام، أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء الماضي).
قال شيخنا: (وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أنَّ في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي من يبلغ ولا يعلم أنَّ الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلِّي، تقول: حتَّى أكبر وأصير عجوز، ظانةً أنَّه لا يخاطب بالصلاة إلَّا المرأة الكبيرة، كالعجوز ونحوها.
(1)
زيادة استدركت من "الفتاوى".
(2)
زيادة استدركت من "الفتاوى".
(3)
زيادة استدركت من "الفتاوى".
وفي أتباع الشيوخ طوائف كثيرون لا يعلمون أنَّ الصلاة واجبةٌ عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات، سواءً قيل: كانوا كفارًا، أو كانوا معذورين بالجهل)
(1)
.
141 -
قال شيخنا: (إذا كان على الولد دينٌ ولا وفاء له، جاز أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره.
وأمَّا إذا كان محتاجًا إلى النفقة وليس لأبيه ما ينفق عليه، ففيه نزاعٌ، والأظهر أنَّه يجوز له أخذ زكاة أبيه.
وأمَّا إذا كان مستغنيًا بنفقته
(2)
فلا حاجة [به]
(3)
إلى زكاته)
(4)
.
142 -
وقال: (إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالقٌ ثلاثًا إن شاء الله، وقصده بذلك أن لا يقع به الطلاق، والاستثناء بسكوتٍ يسيرٍ لم يضرَّ الفصل بينهما، بل لا يقع به الطلاق والحال هذه، ولو لم يقصد النيَّة إلا بعد قوله، ففيه قولان، أظهرهما أنَّه لا ينفعه الاستثناء)
(5)
.
143 -
وذكر شيخنا مسألة الصلاة على الغائب، قال: (وفيها للعلماء قولان مشهوران:
أحدهما: تجوز، وهو قول الشافعي وأحمد في أشهر الروايات عنه عند أكثر أصحابه.
(1)
"الفتاوى": (22/ 100 - 103)، "الاختيارات" للبعلي:(48 - 49).
(2)
في مطبعة "الفتاوى": (نفقة أبيه).
(3)
زيادة من "الفتاوى".
(4)
"الفتاوى": (25/ 92)، وانظر: ما تقدم برقم (8).
(5)
انظر: "جامع المسائل": (4/ 345).
والثاني: لا تجوز، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى، وذكر ابن أبي موسى -وهو ثبتٌ في نقل مذهب أحمد- رجحانها في مذهبه)
(1)
.
ثم قال: (ومن [جوَّز]
(2)
الصلاة على الغائب الذي لم يصلَّ عليه فقد أحسن فيما قال، ولعل قوله أعدل الأقوال)
(3)
.
144 -
قال: (وجوَّز طائفةٌ من أصحاب الشافعيِّ وأحمد الصلاة على الغائب في البلد الواحد، ثمَّ محققوهم قيَّدوا ذلك بما إذا مات الميِّت في أحد جانبي البلد [الكبير، ومنهم من أطلق في أحد جانبي البلد]
(4)
لم يقيِّدوه بالكبير، وكانت هذه المسألة قد وقعت في عصر أبي عبد الله بن حامدٍ: مات ميِّتٌ في أحد جانبي بغداد فصلَّى عليه [أبو]
(5)
عبد الله بن حامدٍ وطائفة من الجانب الآخر، وأنكر ذلك أكثر الفقهاء من أصحاب الإمام الشافعيِّ والإمام أحمد وغيرهم، كأبي حفص البرمكيِّ وغيره)
(6)
.
(1)
"جامع المسائل": (4/ 174).
(2)
في الأصل: (وجوب)، والمثبت من "جامع المسائل"، والله أعلم.
(3)
"جامع المسائل": (4/ 174، 177)، وانظر:"زاد المعاد" لابن القيم: (1/ 520)، "الاختيارات" للبعلي:(130).
وقال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق": (2/ 1320 - رقم: 292): (في المسألة ثلاثة أقوال، أعدلها الصلاة عليه إذا لم يكن قد صلي عليه، والله أعلم) ا. هـ.
(4)
زيادة استدركت من "جامع المسائل".
(5)
في الأصل: (أبي) خطأ.
(6)
"جامع المسائل": (4/ 178).
قال شيخنا: (وأمَّا في زمن الشافعيِّ وأحمد فلم يبلغنا أنَّ أحدًا صلَّى في أحد جانبي البلد ببغداد على من مات في الآخر مع كثرة الموتى وتوافر الهمم والدواعي على نقل ذلك، فتبيَّن أنَّ ذلك محدثٌ لم يفعله أحدٌ من الأئمة.
وأمَّا ما يفعله بعض الناس من أنَّه كلّ ليلةٍ يصلِّي على جميع من مات من المسلمين فلا ريب أنه بدعةٌ لم يفعله أحدٌ من السلف، والله أعلم)
(1)
.
145 -
قال: (وأمَّا لعنة المعيَّن فالأولى تركها، لأنَّه يمكن أن يتوب)
(2)
.
146 -
وقال في حديث: "نهى عن بيع وشرطٍ: (هذا حديثٌ باطل، ليس في شيءٍ من كتب المسلمين، وإنَّما يروى في حكايةٍ منقطعةٍ)
(3)
.
هكذا قال شيخنا
(4)
.
147 -
وقال في حديث: "نهى عن قفيز الطحان": (وهذا أيضًا باطلٌ)
(5)
.
148 -
قال: (وأصول الأقوال في القراءة خلف الإمام ثلاثةٌ -طرفان ووسط-:
فأحد الطرفين: أنَّه لا يقرأ خلف الإمام بحالٍ.
(1)
"جامع المسائل": (4/ 182)، وانظر:"الاختيارات" للبعلي: (130 - 131).
(2)
"الفتاوى": (22/ 63).
(3)
"الفتاوى": (18/ 63).
(4)
قال الحافظ ابن عبد الهادي في الجزء المطبوع باسم: "رسالة لطيفة": (وحديث "نهى عن بيع وشرط" رواه البيهقي بإسناد ضعيف، ورواه غيره من وجه آخر لا يثبت، وأخطأ السهيلي في قوله: رواه أبو داود) ا. هـ
(5)
"الفتاوى": (18/ 63).
والثاني: أنّه يقرأ خلف الإمام بكلِّ [حالٍ]
(1)
.
والثالث -وهو قول أكثر السلف-: أنَّه إذا سمع قراءة الإمام أنصت ولم يقرأ، وإذا لم يسمع قراءتَه قرأ لنفسه، هذا قول جمهور العلماء، كمالكٍ وأحمد بن حنبلٍ وجمهور أصحابهما، وطائفةٍ من أصحاب الشافعيِّ وأبي حنيفة، وهو القول القديم للشافعيِّ وقول محمَّد بن الحسن.
وعلى هذا القول فهل القراءة حال مخافتة الإمام بالفاتحة واجبة على المأموم أو مستحبة؟ فيه قولان:
أحدهما: مستحبةٌ، وهو قول الأكثرين، كمالكٍ ومحمَّد بن الحسن وغيرهما.
والثاني: أنَّها واجبةٌ، وهو قول الشافعيِّ القديم
(2)
.
(1)
زيادة استدركت من "الفتاوى".
(2)
في مطبوعة "الفتاوى": (وعلى هذا القول: فهل القراءة حال مخافتة الإمام بالفاتحة واجبة على المأموم أو مستحبة؛ على قولين في مذهب أحمد، أشهرهما أنها مستحجة، وهو قول الشافعي في القديم) ا. هـ وجاء نحوه في "الاختيارات" للبعلي. فترى اختلافًا بين ما في الأصل وما في "الفتاوى" من جهتين:
الأولى: أنه نسب القول بالاستحباب في الأصل إلى مالك ومحمد بن الحسن، وفي مطبوعة "الفتاوى" أن في مذهب أحمد قولين في المسألة، وكلاهما صحيح.
الثانية: أنه في الأصل نُسب القول بالوجوب إلى الشافعي في القديم، وأما في مطبوعة "الفتاوى" فنُسب إلى مذهبه القديم القول بالاستحباب، وما بالأصل هو الصواب، كما في المصادر وكما جاء في موضع آخر من "الفتاوى":(23/ 309).
والاستماع حال جهر الإمام هل [هو]
(1)
واجبٌ أو مستحبٌ؟ والقراءة إذا سمع قراءة الإمام هل هي محرمةٌ أو مكروهةٌ؟ وهل تبطل الصلاة إذا قرأ؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره:
أحدهما: أنَّ القراءة حينئذٍ محرمة، وإذا قرأ بطلت صلاته، وهو أحد الوجهين اللذين حكاهما أبو عبد الله بن حامدٍ في مذهب أحمد.
والثاني: أنَّ الصلاة لا تبطل بذلك، وهو قول الأكثرين، وهو المشهور في مذهب أحمد.
والذين قالوا: يقرأ حال الجهر والمخافتة، إنَّما يأمرونه أن يقرأ حال الجهر بالفاتحة خاصة، وما زاد على الفاتحة فإنَّ المشروع أن يكون مستمعًا لا قارئًا.
وهل قراءته بالفاتحة مع الجهر واجبةٌ أو مستحبةٌ؟ على قولين:
أحدهما: أنَّها واجبةٌ، وهو قول الشافعيِّ في الجديد، وقول ابن حزمٍ.
والثاني: أنَّها مستحبة، وهو قول الأوزاعي والليث، واختيار جدِّي [أبي]
(2)
البركات)
(3)
.
قال: (وإذا جهر الإمام استمع لقراءته، فإن كان لا يسمع لبُعده، فإنَّه يقرأ في أصحِّ القولين، وهو قول أحمد وغيره.
وإن كان لا يسمع لصممه أوكان يسمع همهمة الإمام ولا يفقه ما يقول، ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره، والأظهر أنه يقرأ، لأنَّ
(1)
في الأصل: (أيضًا)، والتصويب من "الفتاوى".
(2)
في الأصل: (أبو)، والتصويب من "الفتاوى".
(3)
"الفتاوى": (23/ 265 - 267)، "الاختيارات" للبعلي:(81).
الأفضل أن يكون إمَّا مستمعًا وإمَّا قارئًا، وهذا ليس بمستمع يحصل له مقصود الاستماع، فقراءته أفضل له من سكوته)
(1)
.
ثمَّ قال: ([فنذكر الدليل على الفصلين: ]
(2)
على أنَّه في حال الجهر يستمع، وأنَّه في حال المخافتة يقرأ]. ولم يبيِّن هل هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب.
149 -
قال في أثناء كلامه: (وثبت أنّه في هذه الحال قراءة الإمام [له قراءة]
(3)
، كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وفي ذلك الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"من كان له إمامٌ فإن قراءة الإمام له قراءةٌ".
وهذا الحديث روي مرسلًا ومسندًا، لكنَّ أكثر العلماء
(4)
والأئمة الثقات رووه مرسلًا عن عبد الله بن شدَّاد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسنده بعضهم، ورواه ابن ماجه مسندًا، وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومُرسِلُهُ من أكابر التابعين، ومثل هذا المرسل يحتجُّ به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد نصَّ الشافعيُّ على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل)
(5)
.
150 -
قال: (وقيل: لا يستفتح ولا يتعوَّذ حال جهر الإمام، وهذا أصحُّ)
(6)
.
(1)
"الفتاوى": (23/ 268 - 269)، "الاختيارات" للبعلي:(81).
(2)
في الأصل: (فيذكر الدليل عن الفضل بن علي)! فأثبتها من مطبوعة "الفتاوى".
(3)
زيادة استدركت من "الفتاوى".
(4)
كلمة: (العلماء) غير موجودة في مطبوعة "الفتاوى".
(5)
"الفتاوى": (23/ 271 - 272).
(6)
"الفتاوى": (23/ 280)، "الاختيارات" للبعلي:(82).
151 -
وذكر حديث عبادة: "إذا كنتم ورائي فلا تقرؤوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنَّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، قال: (وهذا الحديث معلَّلٌ عند أئمة الحديث كأحمد وغيره من الأئمة
(1)
، وقد بُسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع، وبيَّن أنَّ الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلَّا بأمِّ القرآن"، فهذا هو الذي أخرجاه في "الصحيحين"، رواه الزهريّ عن محمود بن الربيع عن عبادة، وأمَّا هذا الحديث غلط فيه بعض الشاميين، وأصله أنَّ عبادة كان يومًا في بيت المقدس فقال هذا، فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عبادة)
(2)
.
* * *
(1)
في مطبوعة "الفتاوى": (معلل عند أئمة الحديث بأمور كثيرة، ضعفه أحمد وغيره من الأئمة).
(2)
"الفتاوى": (23/ 286 - 287).
فصلٌ
152 -
قال شيخنا: (لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام -الذي يسمَّى: "التبليغ"- لغير حاجةٍ باتفاق الأئمة، فإنَّ بلالًا لم يكن يبلِّغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره، ولم يكن يُبلَّغ خلف الخلفاء الراشدين، لكن لمَّا مرض النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بالناس وصوته ضعيفٌ، فكان أبو بكر يصلِّي إلى جانبه يُسمع الناس التكبير، فاستدلَّ العلماء بذلك على أنَّه يشرع التبليغ عند الحاجة، مثل ضعف صوت الإمام ونحو ذلك، فأمَّا بدون الحاجة فاتَّفقوا على أنّه مكروهٌ غير مشروع، وتنازعوا في بطلان صلاة من يفعله على قولين، والنزاع في الصحة معروفٌ في مذهب مالكٍ وأحمد وغيرهما، مع أنَّه مكروهٌ باتِّفاق المذاهب كلِّها)
(1)
.
153 -
[قال]: (وأمَّا دعاء الإمام والمأمومين بعد الصلاة رافعي أصواتهم أو غير رافعيها فهذا ليس من سنة الصلاة الراتبة، لم يكن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استحبَّه طائفةٌ من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد في وقت الصلاة صلاة الفجر وصلاة العصر بعدهما
(2)
،
(1)
"الفتاوى": (23/ 402 - 403).
(2)
كذا بالأصل، ويبدو أنه وقع في العبارة تصحيف أو سقط، وقال شيخ الإسلام حول هذه المسألة -كما في "الفتاوى":(22/ 512) -: ولكن طائفة من أصحاب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما استحبوا الدعاء بعد الفجر والعصر، قالوا: لأن هاتين الصلاتين لا صلاة بعدهما، فتعوض بالدعاء عن الصلاة.
واستحباب طائفة أخرى من أصحاب الشافعي وغيره الدعاء عقيب الصلوات الخمس، وكلهم متفقون على أن من ترك الدعاء لم ينكر عليه
…
- إلى أن =
وبعض الناس يستحبُّه في أدبار الخمس.
والذي عليه الأئمة الكبار أنَّ ذلك ليس من سنَّة الصلاة، ولا تستحب المداومة عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعله هو ولا خلفاؤه الراشدون، ولكن كان يذكر [الله]، عقب كلِّ صلاةٍ ويرغِّب في ذلك، ويجهر بالذكر عقيب الصلاة، كما ئبت في الأحاديث الصحيحة: حديث المغيرة بن شعبة وعبد الله بن الزبير.
والناس في هذه المسألة طرفان ووسطٌ: منهم من لا يستحب ذكرًا ولا دعاءً، بل بمجرد انقضاء الصلاة يقوم هو والمأمومون كأنَّهم قد فرُّوا من قسورةٍ! وهذا ليس بمستحبٍّ.
ومنهم من يدعو هو والمأمومون رافعين أيديهم وأصواتهم، وهو أيضًا خلاف السنَّة.
والوسط هو اتباع ما جاءت به السنَّة من الذكر المشروع عقيب الصلاة، ويمكث الإمام مستقبل المأمومين على الوجه المشروع.
ولكن إذا دعوا أحيانًا لأمرٍ عارضٍ -كاستسقاءٍ واستنصارٍ أو نحو ذلك- فلا بأس بذلك، كما أنَّهم لو قاموا ولم يذكروا لأمرٍ عارضٍ جاز ذلك ولم يكره، وكلُّ ذلك منقولٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان أكثر الأوقات يستقبل المأمومين بعد أن يسلِّم، وقبل أن يستقبلهم يستغفر الله ثلاثًا، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت
= قال: - بل الفاعل أحق بالإنكار، فإن المداومة على ما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليه في الصلوات الخمس ليس مشروعًا، بل مكروه
…
إلخ) ا. هـ
وانظر أيضًا: (22/ 516 - 517).
يا ذا الجلال والإكرام. وكان يجهر بالذكر، كقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ. وأحيانًا كان يقوم عقيب السلام)
(1)
.
* * *
(1)
انظر: "الفتاوى": (22/ 512 - 514، 516 - 519)، ثم وجدته بنصه في "المجموعة العلية":(ص: 134 - 136) و"جامع المسائل": (4/ 316 - 317).