الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطَّهَارَة
[1]
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ يحيى وَقيل عَليّ حَدثنَا سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شهَاب عَن أبي سَلمَة هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ إِسْمَاعِيلُ وَقِيلَ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ كَانَ عِنْدَنَا رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اسْمُ أَحَدِهِمْ كُنْيَتُهُ مِنْهُمْ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ عَلَى قَوْلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ النَّوَوِيّ
اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِينَ قَوْلًا أَصَحُّهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ وَقَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ هَذَا بِالتَّرْكِيبِ وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ لَا تَبْلُغُ الْأَقْوَالُ عَشَرَةً خَالِصَةً وَمَرْجِعُهَا مِنْ جِهَةِ صِحَّةِ النَّقْلِ إِلَى ثَلَاثَةٍ عُمَيْرُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ واسْمه عبد الرَّحْمَن قَالَ بن حَجَرٍ وَأَبُو إِسْمَاعِيلَ صَاحِبُ غَرَائِبَ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَبِي صَالِحٍ أَوْ مِنْ كَلَامِ مَنْ بَعْدَهُ وَأَخْلَقُ بِهِ أَنْ يَكُونَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ صَخْرٍ فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكُنِّيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ لِأَنِّي وَجَدْتُ هِرَّةً فَحَمَلْتُهَا فِي كُمِّي فَقِيلَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى مِنْ طَرِيقِهِ انْتَهَى إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ قَالَ الْحافِظُ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَيِ الْإِنَاءُ الَّذِي أُعِدَّ لِلْوُضُوءِ انْتَهَى وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْوَضُوءَ بِفَتْحِ الْوَاوِ اسْمٌ لِلْمَاءِ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهَا إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
أَوْ لَمْ يَغْسِلْهَا أَصْلًا حِينَ أَدْخَلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَقَدْ أَسَاءَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْن باتت يَده زَاد بن خُزَيْمَةَ مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْأَحْجَارِ وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ فَإِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ عَرِقَ فَلَا يَأْمَنُ النَّائِمُ أَنْ يُطَوِّفَ يَدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ النَّجِسِ أَوْ عَلَى بَثْرَةٍ أَوْ قَمْلَةٍ أَوْ قَذَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الْأَمْرِ بِذَلِكَ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ إِذَا ذَكَرَ حُكْمًا وَعَقَّبَهُ بِعِلَّةٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِأَجْلِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْمُحْرِمِ الَّذِي سَقَطَ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا بَعْدَ نَهْيِهِمْ عَنْ تَطْيِيبِهِ فَنَبَّهَ عَلَى عِلَّةِ النَّهْي وَهِي كَونه محرما
[2]
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ يَتَهَجَّدُ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ قَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالشَّوْصُ دَلْكُ الْأَسْنَانِ بِالسِّوَاكِ عَرْضًا وَقِيلَ هُوَ الْغَسْلُ وَقِيلَ التَّنْقِيَةُ وَقِيلَ هُوَ الْحَكُّ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ بِأُصْبُعِهِ قَالَ فَهَذِهِ أَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ فِيهِ وَأَكْثَرُهَا مُتَقَارِبَةٌ وَأَظْهَرُهَا الْأَوَّلُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يُدَلِّكُ أَسْنَانَهُ وَيُنَقِّيهَا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَسْتَاكَ مِنْ سُفْلٍ إِلَى عُلُوٍّ وَأَصْلُ الشَّوْصِ الْغَسْلُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ يَشُوصَ مُعَرَّبٌ يَعْنِي يَغْسِلُ بِالْفَارِسِيَّةِ حَكَاهُ الْمُنْذِرِيّ وَقَالَ لَا يَصح
[3]
وَهُوَ يَسْتَنُّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الِاسْتِنَانُ اسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الْأَسْنَانِ أَيْ يُمِرُّهُ عَلَيْهَا وَطَرَفُ السِّوَاكِ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى لِسَانِهِ وَهُوَ يَقُول عأعأ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ عَلَى الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أُعْ أُعْ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ عَلَى الْعَيْنِ السَّاكِنَةِ وَلِأَبِي دَاوُدَ أُهْ وَلِلْجَوْزَقِيِّ أَخْ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ لِتَقَارُبِ مَخَارِجِ هَذِهِ الْأَحْرُفِ وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى حِكَايَةِ صَوْتِهِ إِذْ جَعَلَ السِّوَاكَ عَلَى طَرَفِ لِسَانِهِ وَالْمُرَادُ طَرَفُهُ الدَّاخِلُ كَمَا عِنْد أَحْمد يستن إِلَى فَوق
[5]
السِّوَاكُ مِطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَطْهَرَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ ذكرهمَا بن السِّكِّيتِ وَآخَرُونَ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ
وَهُوَ كُلُّ آلَةٍ يُتَطَهَّرُ بِهَا شُبِّهَ السِّوَاكُ بِهَا لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْفَمَ وَالطَّهَارَةُ النَّظَافَةُ وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ مَطْهَرَةٌ وَمَرْضَاةٌ بِالْفَتْحِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ وَالْمَصْدَرُ يَجِيءُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَيْ مُطَهِّرٌ لِلْفَمِ وَمُرْضٍ لِلرَّبِّ أَوْ هُمَا بَاقِيَانِ عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِمَا أَيْ سَبَبٌ لِلطَّهَارَةِ وَالرِّضَا وَمَرْضَاةٌ جَازَ كَوْنُهَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ مَرْضِيٌّ لِلرَّبِّ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ مَطْهَرَةٌ وَمَرْضَاةٌ إِمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَإِمَّا بِمَعْنَى الْآلَةِ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَكُونُ سَبَبًا لِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى قُلْتُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَنْدُوبِ مُوجِبٌ لِلثَّوَابِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُقَدِّمَةٌ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ مُنَاجَاةُ الرَّبِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ طِيبَ الرَّائِحَةِ يُحِبُّهُ صَاحِبُ الْمُنَاجَاةِ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْضَاةُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ مَرْضِيٌّ لِلرَّبِّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا مِثْلُ الْوَلَدِ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ أَيِ السِّوَاكُ مَظِنَّةٌ لِلطَّهَارَةِ وَالرِّضَا إِذْ يَحْمِلُ السِّوَاكُ الرَّجُلَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَرِضَا الرَّبِّ وَعَطْفُ مَرْضَاةٍ يَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ بِأَنْ يَكُونَ الطَّهَارَةُ عِلَّةً لِلرِّضَا وَأَن يَكُونَا مستقلين فِي الْعلية
[6]
شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ بِحَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ قَدْ أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاك قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ أَيْ بَالَغْتُ فِي تَكْرِيرِ طَلَبِهِ
مِنْكُمْ أَوْ فِي إِيرَادِ الْأَخْبَارِ فِي التَّرْغِيبِ فِيهِ وَقَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ وَحَقِيقٌ أَنْ أَفْعَلَ وَحَقِيقٌ أَنْ تُطِيعُوا قَالَ وَحَكَى الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ رُوِيَ بِصِيغَةٍ مَجْهُولَةِ الْمَاضِي أَيْ بُولِغْتُ مِنْ عِنْد الله بِطَلَبِهِ مِنْكُم
[7]
لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ لَوْلَا كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِثُبُوتِ غَيْرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ لَوِ الدَّالَّةِ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ وَلَا النَّافِيَةِ فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمْرِ لِثُبُوتِ الْمَشَقَّةِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ النَّفْيِ ثُبُوتٌ فَيَكُونُ الْأَمْرُ مَنْفِيًّا لِثُبُوتِ الْمَشَقَّةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَفَى الْأَمْرَ مَعَ ثُبُوتِ النَّدْبِيَّةِ وَلَوْ كَانَ لِلنَّدْبِ لَمَا جَازَ النَّفْيُ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ مَشَقَّةً عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ إِذِ النَّدْبُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ جَائِزُ التَّرْكِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْعَاءَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لَيْسَ بِأَمْرٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ السِّوَاكَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَقَدْ أَخْبَرَ الشَّارِعُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَقَوْلُهُ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَيْ بِاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ لِأَنَّ السِّوَاكَ هُوَ الْآلَةُ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا لَا تَقْدِير وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ السِّرُّ فِي اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ أَنَّا مَأْمُورُونَ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ نَكُونَ فِي حَالَةِ كَمَالٍ وَنَظَافَةٍ إِظْهَارًا
لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمَلَكِ وَهُوَ أَنْ يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيِّ الْقَارِئِ فَيَتَأَذَّى بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَسُنَّ السِّوَاكُ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَفِيهِ حَدِيثٌ فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَقَالَ الْحافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ حِكْمَتُهُ عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ يَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيَزِيدُ فِي الْفَصَاحَةِ وَتَقْطِيعُ الْبَلْغَمِ مُنَاسِبٌ لِلْقِرَاءَةِ لِئَلَّا يَطْرَأَ عَلَيْهِ فيمنعه الْقِرَاءَة وَكَذَلِكَ الفصاحة قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَتْ بِالسِّوَاكِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ بِصَلَاةِ النَّافِلَةِ فَقَلَّمَا كَانَ يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَكُونُ السِّوَاكُ لِأَجْلِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَةُ الْفَمِ عِنْدَ مُحَادَثَةِ النَّاسِ فَإِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ كَانَ مِنْ حُسْنِ مُعَاشَرَةِ الْأَهْلِ إِزَالَةُ ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو شَامَةَ وَالنَّوَوِيُّ قَالَ بن دَقِيق
الْعِيدِ وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ ذكر ذَلِك
[10]
خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَأَصْلُهَا الْخِلْقَةُ قَالَ تَعَالَى فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْخِلَافِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِنَا هِيَ الدِّينُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الحَدِيث بِالسنةِ وَقَالَ بن الصَّلَاحِ وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِبُعْدِ مَعْنَى السُّنَّةِ مِنْ مَعْنَى الْفِطْرَةِ فِي اللُّغَةِ قَالَ فَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ أَصْلَهُ سُنَّةُ الْفِطْرَةِ أَوْ آدَابُ الْفِطْرَةِ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ قَالَ النَّوَوِيّ وَتَفْسِير الْفطْرَة هَا هُنَا بِالسُّنَّةِ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ مِنَ السُّنَّةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَأَصَحُّ مَا فُسِّرَ بِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى انْتَهَى وَقَالَ أَبُو شَامَةَ أَصْلُ الْفِطْرَةِ الْخِلْقَةُ الْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِذَا فُعِلَتِ اتَّصَفَ فَاعِلُهَا بِالْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَيْهَا وَحَثَّهُمْ عَلَيْهَا وَاسْتَحَبَّهَا لَهُمْ لِيَكُونُوا عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ وَأَشْرَفِهَا صُورَةً
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ رَدَّ الْبَيْضَاوِيُّ الْفِطْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى مَجْمُوعِ مَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ الِاخْتِرَاعُ وَالْجِبِلَّةُ وَالسَّنُّ وَالسُّنَّةُ فَقَالَ هِيَ السُّنَّةُ الْقَدِيمَةُ
الَّتِي اخْتَارَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ فَكَأَنَّهَا أَمر جبلي فطروا عَلَيْهَا
[14]
أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ لَا نَتْرُكَ تَرْكًا نُجَاوِزُ بِهِ أَرْبَعِينَ لَا أَنَّهُ وَقَّتَ لَهُمُ التَّرْكَ أَرْبَعِينَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا تَحْدِيدٌ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَفَقُّدُ ذَلِكَ مِنَ الْجُمْعَةِ إِلَى الْجُمْعَةِ
[15]
اُحْفُوا الشَّوَارِب وَاعْفُوا اللحى قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْإِحْفَاءُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاء الِاسْتِقْصَاء وَمِنْه حَتَّى أحفوه بالمسئلة وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ انْهَكُوا الشَّوَارِبَ وَبِلَفْظِ جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِزَالَةِ لِأَنَّ الْجَزَّ قَصُّ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْجِلْدَ وَالنَّهْكُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِزَالَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْخَافِضَةِ أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي أَيْ لَا تُبَالِغِي فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ أَرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَنْصُوصًا وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ كَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ كَانُوا يُحْفُونَ وَمَا أَظُنُّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ إِلَّا عَنْهُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ الْإِحْفَاءُ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ وَخَالَفَ مَالِكٌ انْتَهَى وَقَالَ الْأَشْرَمُ كَانَ أَحْمَدُ يُحْفِي شَارِبَهُ إِحْفَاءً شَدِيدًا وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْقَصِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنَّهُ يَقُصُّهُ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يُحْفِيهِ مِنْ أَصْلِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَحْفُوا
فَمَعْنَاهُ أَزِيلُوا مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ مَا أَدْرِي هَلْ نَقَلَهُ عَنِ الْمَذْهَبِ أَوْ قَالَهُ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى سُنِّيَّةِ اسْتِئْصَالِ الشَّارِبِ وَحَلْقِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَحْفُوا وَانْهَكُوا وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى مَنْعِ الْحَلْقِ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَصُّ الشَّارِبِ أَنْ يَأْخُذَ مَا طَالَ عَنِ الشَّفَةِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي الْآكِلَ وَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ وَالْجَزُّ وَالْإِحْفَاءُ هُوَ الْقَصُّ الْمَذْكُورُ وَلَيْسَ الِاسْتِئْصَالُ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ الِاسْتِئْصَالُ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى التَّخْيِيرِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ هُوَ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلَ مَالِكٍ وَقَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَنَقَلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ الِاسْتِئْصَالُ ثُمَّ قَالَ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَلَا تَعَارُضَ فَإِنَّ الْقَصَّ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ وَالْإِحْفَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ فَيَتَخَيَّرُ فِيمَا شَاءَ قَالَ الْحافِظُ بن حَجَرٍ وَيُرَجِّحُّ قَوْلَ الطَّبَرِيِّ ثُبُوتُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فِي الْأَحَادِيثِ فَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَصِّ فَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ضِفْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ شَارِبِي وَفَاءً فَقَصَّهُ عَلَى سِوَاكٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ فَوَضَعَ السِّوَاكَ تَحْتَ الشَّارِبِ وَقَصَّ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ رَجُلًا وَشَارِبُهُ طَوِيلٌ فَقَالَ ائْتُونِي بِمِقَصٍّ وَسِوَاكٍ فَجَعَلَ السِّوَاكَ عَلَى طَرَفِهِ ثُمَّ أَخَذَ مَا جَاوَزَهُ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَحَسَّنَهُ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُصُّ شَارِبَهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ
مِنْ حَدِيثِ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ رَأَيْتُ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقصون شواربهم أَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ والمقدام بن معد يكرب الْكِنْدِيَّ وَعُتْبَةَ بْنَ عَوْفٍ السُّلَمِيَّ وَالْحَجَّاجَ بْنَ عَامِرٍ الشَّامِيَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ بِشْرٍ وَأَمَّا الْإِحْفَاءُ فَفِي رِوَايَةِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَجُوسَ فَقَالَ إِنَّهُمْ يُرْخُونَ سِبَالَهُمْ ويحلقون لحاهم فخالفوهم قَالَ وَكَانَ بن عُمَرَ يَسْتَعْرِضُ سَبَلَتَهُ فَيَجُزُّهَا كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوِ الْبَعِيرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَخْرَجَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله وبن عُمَرَ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَأَبَا أُسَيدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَأَبَا رَافِعٍ يُنْهِكُونَ شَوَارِبَهُمْ كَالْحَلْقِ وَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرٍ الْأَشْرَمُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْت بن عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى لَا يَتْرُكَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي عُثْمَان قَالَ رَأَيْت بن عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ شَوَارِبَهُمُ انْتَهَى مَا أوردهُ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ أَحْفُوا وَأَعْفُوا بِقَطْعِ الْهمزَة فيهمَا وَقَالَ بن دُرَيْدٍ يُقَالُ أَيْضًا حَفَا الرَّجُلُ شَارِبَهُ يَحْفُوهُ حَفْوًا إِذَا اسْتَأْصَلَ أَخْذَ شَعْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَمْزَةُ اُحْفُوا هَمْزَةَ وَصْلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ عَفَوْتُ الشَّعْرَ وَأَعْفَيْتُهُ لُغَتَانِ انْتَهَى وَفِي النِّهَايَةِ إِعْفَاءُ اللِّحَى أَنْ يُوَفِّرَ شَعْرَهَا وَلَا يُقَصُّ كَالشَّوَارِبِ مِنْ أَعْفَى الشَّيْءَ إِذَا كَثُرَ وَزَادَ
[17]
كَانَ إِذَا ذَهَبَ الِمَذْهَبَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ بَيْنَهُمَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ مَفْعَلٌ مِنَ الذَّهَابِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ هُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعِ التَّغَوُّطِ يُقَالُ لَهُ الْمَذْهَبُ وَالْخَلَاءُ وَالْمِرْفَقُ وَالْمِرْحَاضُ ائْتِنِي بِوضُوء بِفَتْح الْوَاو
[18]
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا السُّبَاطَةُ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُرْمَى فِيهِ التُّرَابُ وَالْأَوْسَاخُ وَمَا يُكْنَسُ مِنَ الْمَنَازِلِ وَقِيلَ هِيَ الْكُنَاسَةُ نَفْسُهَا وَإِضَافَتُهَا إِلَى الْقَوْمِ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ لَا مِلْكٍ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَوَاتًا مُبَاحَةً وَأَمَّا سَبَبُ بَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُ الصُّلْبِ إِذْ ذَاكَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنُ فِي تَعْلِيقه
وَصَارَ هَذَا عَادَةً لِأَهْلِ هَرَاةَ يَبُولُونَ قِيَامًا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً إِحْيَاءً لِتِلْكَ السُّنَّةِ وَقَوْلٌ ثَانٍ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا لِعِلَّةٍ بِمَأْبِضِهِ وَالْمَأْبِضُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحدَة بَاطِن الرّكْبَة قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ غِنًى عَنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ لَكِنْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَصْلُحُ لِلْقُعُودِ فَاضْطُرَّ إِلَى الْقِيَامِ لِكَوْنِ الطَّرَفُ الَّذِي يَلِيهِ مِنَ السُّبَاطَةِ كَانَ عَالِيًا مُرْتَفِعًا وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَعِيَاضٌ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ بَالَ قَائِمًا لِكَوْنِهَا حَالَةً يُؤْمَنُ فِيهَا خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنَ السَّبِيلِ الْآخَرِ بِخِلَافِ الْقُعُودِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَجْهًا خَامِسًا أَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْمرة وَرجحه بن حَجَرٍ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ وَجْهًا سَادِسًا أَنَّهُ لَعَلَّهُ كَانَ فِيهَا نَجَاسَاتٌ رَطْبَةٌ وَهِيَ رَخْوَةٌ فَخَشِيَ أَن تتطاير عَلَيْهِ قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كَذَا قَالَ وَلَعَلَّ الْقَائِمَ أَجْدَرُ بِهَذِهِ الْخَشْيَةِ مِنَ الْقَاعِدِ قُلْتُ مَعَ أَنَّهُ يَؤَوَّلُ إِلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَذهب أَبُو عوَانَة وبن شاهين إِلَى أَنه مَنْسُوخ
[19]
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخبث والخبائث قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْخَلَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَقَوْلُهُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ نَحْوَ قَوْلُهِ تَعَالَى إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة أَيْ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ أَيْ إِذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ مَنْ دَخَلَ وَنَسِيَ التَّعَوُّذَ فَهَلْ يَتَعَوَّذُ أَمْ لَا كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السّلف مِنْهُم بن عَبَّاس
وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ فَحُمِلَ الْحَدِيثُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمَعْنَى الأول وَأَجَازَهُ جمَاعَة مِنْهُم بن عَمْرو بن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ وَلَمْ يَحْتَجْ هَؤُلَاءِ إِلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى مَجَازِهِ مِنَ الْعِبَارَةِ بِالدُّخُولِ عَلَى إِرَادَتِهِ وَوَرَدَ فِي سَبَبِ هَذَا التَّعَوُّذِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ يُرِيدُ ذُكْرَانَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ الْخُبْثُ سَاكِنَةُ الْبَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الْخُبُثُ مَضْمُومَةُ الْبَاءِ قَالَ وَأَمَّا الْخُبْثُ بِالسُّكُونِ فَهُوَ الشَّرُّ قَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ أَصْلُ الْخُبْثِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْكَلَامِ فَهُوَ الشَّتْمُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمِلَلِ فَهُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الطَّعَامِ فَهُوَ الْحَرَامُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الشَّرَاب فَهُوَ الضار قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَحَسْبُكَ بِهِ جَلَالَةً وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ بِالْإِسْكَانِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رُوِّينَاهُ بِالضَّمِّ والاسكان قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ مُؤَيِّدًا لِابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِثْلُ هَذَا غَلَطًا لِأَنَّ فُعُلَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ يُسَكِّنُونَ عَيْنَهُ قِيَاسًا فَلَعَلَّ مَنْ سَكَّنَهَا سَلَكَ ذَلِكَ الْمَسْلَكَ وَلَمْ يَرَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ فِي إِيرَادِ الْخَطَّابِيِّ هَذَا اللَّفْظَ فِي جُمْلَةِ الْأَلْفَاظِ الْمَلْحُونَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخَبِيثَ إِذَا جُمِعَ يَجُوزُ أَنْ تُسَكَّنَ الْبَاءُ لِلتَّخْفِيفِ وَهَذَا مستفيض لَا يسع أحد مُخَالَفَتُهُ إِلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ تَرْكَ التَّخْفِيفِ فِيهِ أَوْلَى لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِالْخُبْثِ الَّذِي هُوَ الْمصدر عَنْ رَافِعِ
[20]
بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهُوَ بِمِصْرَ يَقُولُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَكُنَّا نَتَحَرَّفُ عَنْهَا قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ هَذَا فِي الْبَلَدَيْنِ مَعًا قَدِمَ كُلًّا مِنْهُمَا فَرَأَى مَرَاحِيضَهُمَا إِلَى الْقِبْلَةِ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهَذِهِ الْكَرَايِيسِ بِيَاءَيْنِ مُثَّنَاتَيْنِ مِنْ تَحْتٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي الْكُنُفَ وَاحِدُهَا كِرْيَاسٌ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مُشْرِفًا عَلَى سَطْحٍ بِقَنَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَإِذَا كَانَ أَسْفَلَ فَلَيْسَ بِكِرْيَاسٍ سُمِّيَ بِهِ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الْأَقْذَارِ وَيَتَكَرَّسُ كَكِرْسِ الدِّمَنِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كتاب الْعين الكرناس بالنُّون
[21]
لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وَطَائِفَةٌ فَحَرَّمُوا ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ وَخَصَّهُ آخَرُونَ بالصحراء وَعَلِيهِ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة لحَدِيث بن عُمَرَ الَّذِي يَلِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّا إِذَا نَظَرْنَا إِلَى الْمَعَانِي فَالْحُرْمَةُ لِلْقِبْلَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْبُنْيَانِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْآثَار فَحَدِيث أبي أَيُّوب عَام وَحَدِيث بن عُمَرَ لَا يُعَارِضُهُ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا
أَنَّهُ قَوْلٌ وَهَذَا فِعْلٌ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الثَّانِي أَنَّ الْفِعْلَ لَا صِيغَةَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ حَالٍ وَحِكَايَاتُ الْأَحْوَالِ مُعَرَّضَةٌ لِلْأَعْذَارِ وَالْأَسْبَابِ وَالْأَقْوَالُ لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ الثَّالِثُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ شَرْعٌ مُبْتَدَأٌ وَفِعْلُهُ عَادَةٌ وَالشَّرْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَادَةِ الرَّابِعُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَوْ كَانَ شَرْعًا لَمَا تَسَتَّرَ بِهِ انْتَهَى وَفِي الْآخَرِينَ نَظَرٌ لِأَنَّ فِعْلَهُ شَرْعٌ كَقَوْلِهِ وَالتَّسَتُّرُ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مَطْلُوبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عِلَّةِ هَذَا النَّهْيِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ خَلْقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ فَيَسْتَقْبِلُهُمْ بِفَرْجِهِ وَالثَّانِي أَنَّ الْعِلَّةَ إِكْرَامُ الْقِبْلَةِ وَاحْتِرَامُهَا لِأَنَّهَا جِهَةٌ معظمة قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَوْلَى وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي شرح الْمُهَذّب
[23]
عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ
بْنِ حَبَّانَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَقَدِ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا زَادَ الْبُخَارِيُّ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ قَالَ بن الْقَصَّارِيِّ وَجَمَاعَةٌ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ بَلْ وَقَعَ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّ قَصْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَحَانَتْ مِنِّي التفاته وَجوز بن بَطَّالٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ ذَلِكَ لِيَطَّلِعَ عَلَى كَيْفِيَّةِ جُلُوسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَدَثِ وَأَنَّهُ تَحَفَّظَ مِنْ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَفِيهِ بُعْدٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم فِي الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَحْوِهِ فَقَالَ قَوْمٌ هَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ فَجَوَّزُوا الِاسْتِقْبَالَ وَالِاسْتِدْبَارَ مُطْلَقًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِهِ عَنْهَا وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى النَّسْخِ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا لَكَانَ أَقْرَبَ فِي النَّظَرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ وَرَدَ التَّحْرِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَسْلَمُ مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ دَعْوَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَقَالَ آخَرُونَ هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّة على الْمَنْع بَاقِيَة بِحَالِهَا وايده بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ عَامًّا لِلْأُمَّةِ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ بِإِظْهَارِهِ بِالْقَوْلِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْعَامَّةَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ وَكَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنِ بن عُمَرَ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّفَاقِ وَعَدَمِ قَصْدِ الرَّسُولِ لَزِمَ عَدَمُ الْعُمُومِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ كَونَ هَذَا الْفِعْلِ فِي خَلْوَةٍ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا مِنْ
الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ كَانُوا يَنْقُلُونَ مَا يَفْعَلُهُ فِي بَيْتِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ وَقَالَ آخَرُونَ هَذَا
الْحَدِيثُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْبُنْيَانِ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي النَّهْيِ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى الصَّحْرَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ لِمَا فِيهِ من الْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ
[29]
أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ إِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ لِينٌ لِأَنَّ فِيهِ شَرِيكًا الْقَاضِي وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ بِسُوءِ الْحِفْظِ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إِنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَلذَلِك قَالَ بن الْقَطَّانِ إِنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ صَحِيحٌ وَتَسَاهُلُ الْحَاكِمِ فِي التَّصْحِيحِ مَعْرُوفٌ وَكَيْفَ يَكُونُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ مَعَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْ لِشَرِيكٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَمُسْلِمٌ خَرَّجَ لَهُ اسْتِشْهَادًا لَا احْتِجَاجًا وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ أَصَحُّ مِنْهُ بِلَا تَرَدُّدٍ وَلَوْ تَكَافَآ فِي الصِّحَّةِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ نَفْيَ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَا يَقْدَحُ فِي إِثْبَاتِ حُذَيْفَةَ وَهُوَ سَيِّدٌ مَقْبُولُ النَّقْلِ إِجْمَاعًا وَنَفْيُهَا كَانَ بِحَسَبِ عِلْمِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا أَثْبَتَتْهُ وَنَفَتْ غَيْرَهُ كَانَ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ عليه الصلاة والسلام وَفِي سنَن بن مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ الرِّجَالُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْهَا أَيْ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْبَيْتِ بَلْ فِي الطَّرِيقِ فِي مَوْضِعٍ يُشَاهِدُ فِيهِ الرِّجَالُ دُونَ زَوْجَاتِهِ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَبُولُ قَائِمًا وَرَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرَّةُ الَّتِي كَانَ مَعَهُ فِيهَا حُذَيْفَةُ وَيحْتَمل أَن تكون غَيرهَا وَفِي مُصَنف بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَا بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا الا مرّة فِي كثيب أعجبه
[30]
عَن عبد الرَّحْمَن بن حَسَنَة هُوَ أَخُو شُرَحْبِيل بن حَسَنَةَ وَحَسَنَةُ اسْمُ أُمِّهِمَا وَاسْمُ أَبِيهِمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُطَاعِ وَلَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ عِنْدَ المُصَنّف وَأبي دَاوُد وبن مَاجَهْ وَلَهُ فِي غَيْرِهَا أَحَادِيثُ أُخَرُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِضٍ وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْقَافِ الْحَجَفَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا التُّرْسُ إِذَا كَانَ مِنْ جُلُودٍ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ خَشَبٍ وَلَا عَصَبٍ وَهُوَ الْقَصَبُ الَّذِي تُعْمَلُ مِنْهُ الْأَوْتَارُ وَذَكَرَ الْقَزَّازُ أَنَّهَا مِنْ جُلُودِ دَوَابٍّ تَكُونُ فِي بِلَادِ الْحَبَشَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ اُنْظُرُوا يَبُولُ كَمَا
تَبُولُ الْمَرْأَةُ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ هَلِ الْمُرَادُ التَّشَبُّهُ بِهَا فِي السِّتْرِ أَوِ الْجُلُوسِ أَوْ فِيهِمَا مُحْتَمَلٌ وَفَهِمَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ فَقَالَ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ وَزَعَمُوا أَنَّ شَهَامَةَ الرِّجَالِ لَا تَقْتَضِي السِّتْرَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي رِوَايَةُ الْبَغَوِيِّ فِي مُعْجَمِهِ فَإِنَّ لَفْظَهَا فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ يَبُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ يَبُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَة وَفِي سنَن بن مَاجَهْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ كَانَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ الْبَوْلُ قَائِمًا أَلَا ترَاهُ فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن حَسَنَةَ يَقُولُ يَقْعُدُ وَيَبُولُ مَا أَصَابَ صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْبَوْلِ قَرَضُوهُ بِالْمَقَارِيضِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَصَابَ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ بَوْلٌ قرضه بِالْمَقَارِيضِ
[31]
مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فِي رِوَايَةِ بِقَبْرَيْنِ وَمَرَّ بِمَعْنَى اجتاز يتَعَدَّى تَارَة بِالْبَاء وَتارَة بعلي وَزَاد بن مَاجَهْ فِي رِوَايَتِهِ جَدِيدَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ البُخَارِيّ
بَلَى وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ظن أَن ذَلِك غير كَبِير فَأوحى إِلَيْهِ فِي الْحَالِ أَنَّهُ كَبِيرٌ فَاسْتَدْرَكَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي وَإِنَّهُ يَعُودُ عَلَى الْعَذَابِ لِمَا ورد فِي صَحِيح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُعَذَّبَانِ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ وَقِيلَ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَحَدِ الذَّنْبَيْنِ وَهُوَ النَّمِيمَةُ لِأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِر وَقَالَ الدَّاودِيّ وبن الْعَرَبِيِّ كَبِيرُ الْمَنْفِيُّ بِمَعْنَى أَكْبَرُ وَالْمُثْبَتُ وَاحِدُ الْكَبَائِرِ أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَالْقَتْلِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي الصُّورَةِ لِأَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الدَّنَاءَةِ وَالْحَقَارَةِ وَهُوَ كَبِيرٌ فِي الذَّنْبِ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اعْتِقَادِهِمَا أَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَبِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ الله عَظِيم وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ أَيْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْأَخِيرُ جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَجَمَاعَةٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا صَارَ كَبِيرًا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ السِّيَاقُ فَإِنَّهُ وَصَفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ عَنْهُ وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهِ لِلْإِتْيَانِ بِفِعْلِ الْمُضَارَعَةِ بَعْدَ كَانَ قَالَ الْحافِظُ بن حَجَرٍ وَلَمْ يُعْرَفِ اسْمُ الْمَقْبُورَيْنِ وَلَا أَحَدِهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَمْدٍ مِنَ الرُّوَاةِ لِقَصْدِ السَّتْرِ عَلَيْهِمَا وَهُوَ عَمَلٌ مُسْتَحْسَنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي الْفَحْصِ عَنْ تَسْمِيَةِ مَنْ وَقَعَ فِي حَقِّهِ مَا يُذَمُّ بِهِ قَالَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِمَا فَقِيلَ كَانَا كَافِرَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ قَالَ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَمَا كَانَ لِشَفَاعَتِهِ إِلَى أَنْ يَيْبَسَ الْجَرِيدَتَانِ مَعْنًى وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ لَمْ يَسْتَجِزْ لِلُطْفِهِ وَعَطْفِهِ حِرْمَانَهُمَا مِنْ إِحْسَانِهِ فَتَشَفَّعَ لَهُمَا إِلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَجزم بن الْقَصَّارِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ الْأَظْهر وَقَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَجْمُوعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا زَايٌ ثُمَّ هَاءٌ وَأَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ
ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ بِمُهْمَلَتَيْنِ بِوَزْنِ فَعِيلٍ وَهِيَ الْجَرِيدَةُ الَّتِي لَمْ يَنْبُتْ فِيهَا خُوصٌ فَإِنْ نَبَتَ فَهِيَ السَّعَفَةُ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ وَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ قَالَ الْحافِظُ سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ مَوْضِعُ الْغَرْسِ كَانَ بِإِزَاءِ الرَّأْسِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ انْتَهَى لَعَلَّه قَالَ بن مَالِكٍ الْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا بِالضَّمِّ وَفَتْحِ الْفَاءِ الْأُولَى أَيِ الْعَذَابُ عَنِ الْمَقْبُورَيْنِ مَا لَمْ يَيْبَسَا بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ أَوَّلَهُ وَالْبَاءُ مَفْتُوحَةٌ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيِ الْعُودَانِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يُخَفف عنهماهذه الْمُدَّةَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ قِيلَ إِنَّهُ تَشَفَّعَ لَهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّةَ بَقَاءِ النَّدَاوَةِ لَا أَنَّ فِي الْجَرِيدِ مَعْنًى خَصَّهُ وَلَا أَنَّ فِي الرَّطْبِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِسِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُسَبِّحُ مَا دَامَ رَطْبًا فَيَحْصُلُ التَّخْفِيفُ بِبَرَكَةِ التَّسْبِيحِ وَعَلَى هَذَا فَيَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنَ الْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ مَا فِيهِ بركَة كالذكر وتلاوة الْقُرْآن من بَاب أولى وَقَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّمَا خَصَّ الْجَرِيدَتَيْنِ مِنْ دُونِ سَائِرِ النَّبَاتِ لِأَنَّهَا أَطْوَلُ الثِّمَارِ بَقَاءً فَتَطُولُ مُدَّةُ التَّخْفِيفِ وَهِيَ شَجَرةٌ شَبَّهَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُؤْمِنِ وَقِيلَ إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَةِ طِينَةِ آدَمَ عليه السلام وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِمَا مَا دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ يَمْنَعَانِ الْعَذَابَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لَنَا كَعَدَدِ الزَّبَانِيَةِ وَقَدِ اسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاسِ الْجَرِيدَ وَنَحْوَهُ فِي الْقَبْرِ عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصُّ بِبَرَكَةِ
يَدِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْحافِظُ بن حَجَرٍ لَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ بَاشَرَ الْوَضْعَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ وَقَدْ تَأَسَّى بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الصَّحَابِيُّ بِذَلِكَ فَأَوْصَى أَنْ يُوضَعَ عَلَى قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ وَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُوضَعَ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى قُلْتُ وَأَثَرُ بُرَيْدَةَ مُخَرَّجٌ فِي طَبَقَات بن سَعْدٍ وَقَدْ أَوْرَدْتُهُ فِي كِتَابِي شَرْحُ الصُّدُورِ مَعَ أَثَرٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ مخرج فِي تَارِيخ بن عَسَاكِرَ وَقَدْ رَدَّ النَّوَوِيُّ اسْتِنْكَارَ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ لَا وَجه لَهُ
[32]
أَخْبَرَتْنِي حُكَيْمَةُ بِنْتُ أُمَيْمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ الثَّلَاثَةُ بِالتَّصْغِيرِ وَرُقَيْقَةُ بِقَافَيْنِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أُمَيْمَةُ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ مُخَرَّجٌ حَدِيثُهَا فِي الْوِحْدَانِ وَقَالَ الْحافِظُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُزَنِيُّ فِي التَّهْذِيبِ رُقَيْقَةُ أُمُّهَا وَهِيَ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عِيدٍ وَيُقَالُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِجَادِ بْنِ عُمَيْرٍ وَرُقَيْقَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها وَقَالَ الذَّهَبِيُّ حُكَيْمَةُ لَمْ تَرْوِ إِلَّا عَن أمهَا وَلم يرو عَنْهَا غير بن جريج وَقَالَ غَيره ذكرهَا بن حبَان فِي الثقاة وَخَرَّجَ حَدِيثَهَا فِي صَحِيحِهِ قَالَتْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ يَبُولُ فِيهِ وَيَضَعُهُ تَحْتَ السَّرِيرِ هَذَا مُخْتَصَرٌ وَقد أتمه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فَقَالَ فَبَالَ لَيْلَةً فَوَضَعَ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَجَاءَ فَإِذَا الْقَدَحُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَسَأَلَ الْمَرْأَةَ يُقَالَ لَهَا بَرَكَةُ كَانَت
تَخْدُمُ أُمَّ حَبِيبَةَ جَاءَتْ مَعَهَا مِنَ الْحَبَشَةِ فَقَالَ أَيْنَ الْبَوْلُ الَّذِي كَانَ فِي هَذَا الْقَدَحِ فَقَالَتْ شَرِبْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هَذِهِ سُنَّةٌ غَرِيبَةٌ وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ والحافظ بن حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ عَيْدَانُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَقَالَ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ عَيْدَانُ مُخْتَلَفٌ فِي ضَبْطِهِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَاللُّغَتَانِ بِإِزَاءِ مَعْنَيَيْنِ فَالْكَسْرُ جَمْعُ عُودٍ وَالْفَتْحُ جَمْعُ عَيْدَانَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ النَّخْلَة الطَّوِيلَةُ الْمُتَجَرِّدَةُ وَهِيَ بِالْكَسْرِ أَشْهَرُ رِوَايَةً وَفِي كِتَابِ تَثْقِيفِ اللِّسَانِ مَنْ كَسَرَ الْعَيْنَ فَقَدْ أَخْطَأَ يَعْنِي لِأَنَّهُ أَرَادَ جَمْعَ عُودٍ وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْأَعْوَادُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا قَدَحٌ يَحْفَظُ الْمَاءَ بِخِلَافِ مَنْ فَتَحَ الْعَيْنَ فَإِنَّهُ يُرِيدُ قَدَحًا مِنْ خَشَبٍ هَذِهِ صِفَتُهُ يُنْقَرُ لِيَحْفَظَ مَا يُجْعَلُ فِيهِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا لَا يُنْقَعُ بَوْلٌ فِي طَسْتٍ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْل منتقع وروى بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن بن عُمَرَ قَالَ لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ وَالْجَوَابُ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِانْتِقَاعِهِ طُولُ مُكْثِهِ وَمَا يُجْعَلُ فِي الْإِنَاءِ لَا يَطُولُ مُكْثُهُ غَالِبًا وَقَالَ مُغَلْطَايُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ كَثْرَةَ النَّجَاسَةِ فِي الْبَيْتِ بِخِلَافِ الْقَدَحِ فَإِنَّهُ لَا يحصل بِهِ نجاسه لمَكَان آخر
[33]
دَعَا بِالطَّسْتِ أَصْلُهُ طَسٌّ أُبْدِلَتْ السِّينُ الثَّانِيَةُ تَاءً وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَانْخَنَثَتْ نَفْسُهُ بِنُونَيْنِ بينهماخاء مُعْجَمَةٌ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيِ انْكَسَرَ وَانْثَنَى لِاسْتِرْخَاءِ أَعْضَائِهِ عِنْدَ الْمَوْت
[34]
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله مَا أَعْلَمُ قَتَادَةَ سَمِعَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قِيلَ لَهُ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ سَمَاعًا قُلْتُ قَدْ صَحَّحَ أَبُو زُرْعَةَ سَمَاعَهُ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَمْ يَلْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا أَنَسًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَرْجِسَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ سَرْجِسَ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ عَلَى مِثَالِ نَرْجِسَ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَعْلِلُ بِكَسْرِ اللَّامِ لِأَنَّ هَذَا الْوَزْنَ مُخْتَصٌّ بِالْأَمْرِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ وَأَمَّا نَرْجِسُ فَنُونُهُ زَائِدَةٌ وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا لَا يَبُولَنَّ أَحَدكُمْ فِي جُحْرٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَرَاءٍ قَالَ
صَاحِبُ الْمُحْكَمِ كُلُّ شَيْءٍ يَحْتَفِرُهُ الْهَوَامُّ وَالسِّبَاعُ لِأَنْفُسِهَا يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْجُحْرِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُؤَنَّثٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْجِحَرَةَ الَّتِي هِيَ جَمْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذكرهَا
[36]
عَن الْأَشْعَث هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الْحُدَّانِيُّ وَيُقَالُ لَهُ الْأَزْدِيُّ وَالْأَعْمَى عَنِ الْحَسَنِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ لَا يُعْتَبَرُ بِمَا وَقَعَ فِي أَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ أَشْعَثَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ وَهْمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَتَشْدِيدِهَا قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ قَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله بِسَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنْهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْمُسْتَحَمُّ أَصْلُهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ بالحميم
وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ ثُمَّ قِيلَ لِلِاغْتِسَالِ بِأَيِّ مَاءٍ كَانَ اسْتِحْمَامٌ وَذَكَرَ ثَعْلَبُ أَنَّ الْحَمِيمَ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ مِنَ الْأَضْدَادِ وَعَامَّةُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى جَمِيعِهِ وَبِمَعْنَى مُعْظَمِهِ وَالْوَسْوَاسُ حَدِيثُ النَّفْسِ وَالْأَفْكَارِ وَالْمَصْدَرُ بِالْكَسْرِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ عَلَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا النَّهْيَ بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يُورِثُ الوسواس وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُغْتَسِلَ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ قطره ورشاشه فَيحصل لَهُ وسواس وروى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي الْمُغْتَسَلِ مَخَافَةَ اللَّمَمِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَغَيْرُهُ أَنَّ اللَّمَمَ طَرَفٌ مِنَ الْجُنُونِ قَالَ وَيُقَالُ أَيْضًا أَصَابَتْ فُلَانًا لَمَّةٌ من الْجِنّ وَهُوَ الْمَسُّ وَالشَّيْءُ الْقَلِيلُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِأَنَّ الْمُغْتَسَلَ مَحَلُّ حُضُورِ الشَّيَاطِينِ لِمَا فِيهِ مَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ لَكِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ قَالَ وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ أَنَسٍ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْوَسْوَاسِ فِي الْحَدِيثِ الشَّيْطَانُ وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَإِنَّ عَامَّةَ فِعْلِ الْوَسْوَاسِ أَيِ الشَّيْطَانِ مِنْهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا فَهِمَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْحَدِيثِ وَلَا مَانِعَ مِنَ التَّعْلِيلِ بِهِمَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ انْتَهَى قُلْتُ بَلْ هُنَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ اللَّمَمَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَسٌ هُوَ الْوَسْوَاسُ بِعَيْنِهِ وَذَلِكَ طَرَفٌ مِنَ الْجُنُونِ فَإِنَّ الَّذِي يُسَمَّى فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الْوَسْوَاسُ هُوَ الَّذِي فِي لُغَةِ الْيُونَانِ المَالَيْخُولِيا وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ فَسَادِ الْفِكْرِ وَقَدْ كَثُرَ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ إِطْلَاقُ الْوَسْوَاسِ مُرَادًا بِهِ ذَلِكَ مِنْهَا حَدِيثُ أَحْمَدَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَزِنَ أَصْحَابُهُ حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يُوَسْوَسُ وَقِيلَ لَوْلَا مَخَافَةُ الْوَسْوَاسِ لَسَكَنْتُ فِي أَرض
لَيْسَ بِهَا نَاسٌ فَاَلَّذِي قَالَهُ أَنَسٌ هُوَ عَيْنُ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُغْتَسَلُ لَيِّنًا وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَذٌ بِحَيْثُ إِذَا نَزَلَ فِيهِ الْبَوْلُ شَرِبَتْهُ الْأَرْضُ وَاسْتَقَرَّ فِيهَا فَإِنْ كَانَ صُلْبًا بِبَلَاطٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهِ الْبَوْلُ وَلَا يَسْتَقِرُّ أَوْ كَانَ فِيهِ مَنْفَذٌ كَالْبَالُوعَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا نَهْيَ روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ إِذَا كَانَ يسيل فَلَا بَأْس وَقَالَ بن الْمُبَارَكِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ قَدْ وُسِّعَ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ إِذَا جَرَى فِيهِ المَاء وَقَالَ بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الطُّنَافِسِيَّ يَقُولُ إِنَّمَا هَذَا فِي الْحَفِيرَةِ فَأَمَّا الْيَوْمُ فَلِمُغْتَسَلَاتِهِمُ الْجِصُّ وَالصَّارُوجُ وَالْقَيْرُ فَإِذَا بَالَ فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَكَانُ جُدُدًا مُسْتَوِيًا لَا تُرَابَ عَلَيْهِ وَصُلْبًا أَوْ مُبَلَّطًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْلَكٌ يَنْفُذُ فِيهِ الْبَوْلُ وَيَسِيلُ مِنْهُ الْمَاءُ فَيَتَوَهَّمُ الْمُغْتَسِلُ أَنَّهُ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ قَطْرِهِ وَرَشَاشِهِ فَيُورِثُهُ الْوَسْوَاسَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ إِنَّمَا نَهَى عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ إِذَا كَانَ صُلْبًا يَخَافُ إِصَابَةَ رَشَاشِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْفَذٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ وَهُوَ عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُمْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الْأَرْضِ اللَّيِّنَةِ وَحَمَلَهُ هُوَ عَلَى الصُّلْبَةِ وَقَدْ لَمَحَ هُوَ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ فِي الصُّلْبَةِ يُخْشَى عَوْدُ الرَّشَاشِ بِخِلَافِ الرَّخْوَةِ وَهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّهُ فِي الرَّخْوَةِ يَسْتَقِرُّ مَوْضِعَهُ وَفِي الصُّلْبَةِ يَجْرِي وَلَا يَسْتَقِرُّ فَإِذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ذَهَبَ أَثَرُهُ بِالْكُلِّيَّةِ قُلْتُ الَّذِي قَالَهُ النَّوَوِيُّ رضي الله عنه سَبَقَهُ إِلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْلَكٌ يَذْهَبُ فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ كَانَ صُلْبًا فَيَتَوَهَّمُ الْمُغْتَسِلُ أَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَحْصُلُ مِنْهُ الْوَسْوَاسُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ إِذَا جَعَلْنَا الِاغْتِسَالَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بَعْدَ الْبَوْلِ فِيهِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ سَبَبَ الْوَسْوَاسِ الْبَوْلُ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ سَبَبَهُ الِاغْتِسَالُ بعد الْبَوْل
فِيهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ مَا تَقَدَّمَ أَوْ مِنْ الِاغْتِسَالِ أَوِ الْوُضُوءِ فِيهِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ مَنْ تَوَضَّأَ فِي مَوْضِعِ بَوْلِهِ فَأَصَابَهُ الْوَسْوَاسُ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ رَوَاهُ بن عدي من حَدِيث بن عَمْرٍو فَجَعَلَ سَبَبَ الْوَسْوَاسِ الْوُضُوءَ فِي مَوْضِعِ بَوْله انْتهى
[38]
عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ ثُمَّ نُونٍ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ لَا أَعْرِفُ مَنْ يُسَمَّى حُضَيْنًا بِالضَّادِ غَيْرَهُ وَحَكَى مُغَلْطَايُ أَنَّهُ قِيلَ فِيهِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَبِي سَاسَانَ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ لَقَبٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُمَا لَقَبَانِ وَاسْمُ الْمُهَاجِرِ عَمْرٌو وَاسْمُ قُنْفُذٍ خَلَفٌ رَوَى الْعَسْكَرِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ فَأَوْثَقُوهُ عَلَى بَعِيرٍ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ الْبَعِيرَ سَوْطًا وَيَضْرِبُونَهُ سَوْطًا فَأَفْلَتَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَذَا الْمُهَاجِرُ حَقًا وَلم يكن يَوْمئِذٍ اسْمه المُهَاجر
[39]
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ سَنَّةَ بفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَنْ يَسْتَطِيبَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الِاسْتِطَابَةُ وَالْإِطَابَةُ كِنَايَةٌ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْ يطهر
[40]
وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ الْعَظْمُ الْبَالِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ رَمِيمٍ قَالَ وَإِنَّمَا نهى عَنْهَا لأنهار بِمَا كَانَتْ مَيْتَةً وَهِيَ نَجِسَةٌ أَوْ لِأَنَّ الْعَظْمَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْحَجَرِ لِمَلَاسَتِهِ قُلْتُ وَلِمَا ورد أَن الْعظم طَعَام الْجِنّ
[41]
قَالَ لَهُ رجل زَاد بن مَاجَهْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَيُعَلِّمُكُمْ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَمْدُودٌ وَهُوَ اسْمُ فِعْلِ الْحَدَثِ وَأَمَّا الْحَدَثُ نَفْسُهُ فَبِغَيْرِ تَاءٍ مَمْدُودٌ وَبِفَتْحِ الْخَاءِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَوَامُّ النَّاسِ يَفْتَحُونَ الْخَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثَ فَيَفْحُشُ مَعْنَاهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَكْسُورُ الْخَاءِ مَمْدُودُ الْأَلِفِ يُرِيدُ الْجِلْسَةَ لِلتَّخَلِّي وَالتَّنْظِيفَ مِنْهُ وَالْأَدَبَ فِيهِ قَالَ أَجَلْ بِسُكُونِ اللَّامِ حَرْفُ جَوَابٍ بِمَعْنى نعم
[42]
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ذَكَرَهُ أَيْ لِي وَلَكِنَّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَإِنَّمَا عَدَلَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ إِلَى الرِّوَايَةِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي عُبَيْدَةَ أَعْلَى لَهُ لِكَوْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِّ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَكُونُ
مُنْقَطِعَةً بِخِلَافِ رِوَايَةِ عَبْدِ الرّحْمَنِ فَإِنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَرِوَايَةُ أَبِي إِسْحَاقَ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَمُرَادُ أَبِي إِسْحَاقَ هُنَا بِقَوْلِهِ لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ أَيْ لَسْتُ أَرْوِيهِ الْآنَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَإِنَّمَا أَرْوِيهِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ وَالْأَسْوَدُ وَالِدُهُ هُوَ بن يزِيد النَّخعِيّ صَاحب بن مَسْعُود وَقَالَ بن التِّينِ هُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنَّ الْأَسْوَدَ الزَّهْرِيَّ لَمْ يُسْلِمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعِيشَ حَتَّى يَرْوِيَ عَن بن مَسْعُودٍ أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَائِطَ أَيِ الْأَرْضَ الْمُطْمَئِنَّةَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَأَمَرَنِي أَنْ آتِيهِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ هُنَا مَصْدَرِيَّةٌ صِلَةٌ لِلْأَمْرِ أَيْ أَمَرَنِي بِإِتْيَانِ الْأَحْجَارِ لَا مُفَسِّرَةٌ بِخِلَافِ أَمَرْتُهُ أَنِ افْعَلْ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صِلَةً وَأَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً فَأَخَذْتُ روثه فِي رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ رَوْثَةَ حِمَارٍ وَنَقَلَ التَّيْمِيُّ أَنَّ الرَّوْثَ مُخْتَصٌّ بِمَا يَكُونُ مِنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ هَذِهِ رِكْسٌ زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ بَعْدَهُ ائْتِنِي بِحَجَرٍ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَثَبَاتٌ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ رَوَى أَنَّهُ أَتَاهُ بِثَالِثٍ لَكِنْ لَا يَصح وَقَوله ركس قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ كَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ فَقِيلَ هِيَ لُغَةٌ فِي رِجْس بِالْجِيم وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة بن ماجة وبن خُزَيْمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا رِجْسٌ بِالْجِيمِ وَقِيلَ الرِّكْسُ الرَّجِيعُ مِنْ حَالَةِ الطَّهَارَةِ إِلَى حَالَةِ النَّجَاسَةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ رُدَّ مِنْ حَالَةِ الطَّعَامِ إِلَى حَالَة الروث وَقَالَ بن بَطَّالٍ لَمْ أَرَ هَذَا الْحَرْفَ فِي اللُّغَةِ يَعْنِي الركس بِالْكَاف وَتعقبه بن عَبْدِ الْمَلِكِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ الرَّدُّ كَمَا قَالَ تَعَالَى أركسوا فِيهَا أَيْ رُدُّوا فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا رَدٌّ عَلَيْكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مَا قَالَ لَكَانَ بِفَتْحِ الرَّاءِ يُقَالُ أَرْكَسَهُ رَكْسًا إِذَا رَدَّهُ وَفِي رِوَايَة
التِّرْمِذِيِّ هَذَا رِكْسٌ يَعْنِي نَجِسًا وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ الرِّكْسُ طَعَامُ الْجِنِّ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ صَرِيحٌ بِلَا إِشْكَالٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحافِظِ بن حَجَرٍ وَفِي النِّهَايَةِ الرِّكْسُ شَبِيهُ الْمَعْنَى بِالرَّجِيعِ يُقَالُ رَكَسْتُ الشَّيْءَ وَأَرْكَسْتُهُ إِذَا رَدَدْتُهُ وَرَجَّعْتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ رَكِيسٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ الرِّكْسُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الرِّجْسُ وَبِالْفَتْحِ رَدُّ الشَّيْء مقلوبا وَقَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ رَكَسَ كَقَوْلِهِ رَجَعَ يَعْنِي نَجِسًا لِأَنَّهَا أُرْكِسَتْ أَيْ رُدَّتْ فِي النَّجَاسَةِ بَعْدَ أَن كَانَت طَعَاما
[44]
أَبِي حَازِمٍ اسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ التَّمَّارُ وَتَبِعَهُ الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ إِنَّهُ وَهْمٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قُرْطٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّخْرِيجِ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ
الرَّاءِ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ أَبِي حَازِمٍ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ وَلَا ذِكْرَ لِابْنِ قُرْطٍ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِمَدْحٍ وَلَا قَدْحٍ وَقَالَ الشَّيْخ ولي الدّين ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ يُخْطِئُ وَلَا نَعْرِفُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ رَوَى عَنْ عُرْوَةَ قَالَ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ تَابِعِيٍّ عَمَّنْ لَيْسَ بِتَابِعِيٍّ لِأَنَّ أَبَا حَازِمٍ تَابِعِيٌّ أَكْثَرَ الرِّوَايَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَمُسْلِمِ بْنِ قُرْطٍ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ رِوَايَتِهِ عَنْ عُرْوَةَ وَلِذَلِكَ ذكره بن حِبَّانَ فِي الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ طَبَقَةُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ فَإِنَّهَا تَجْزِي عَنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ التَّاءِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا تجزى نفس عَن نفس شَيْئا
[45]
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ أَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ مَعِي نَحْوِي أَيْ مُقَارِبٌ لِي فِي السِّنِّ وَالْغُلَامُ هُوَ الْمُتَرَعْرِعُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ مِنْ لَدُنِ الْفِطَامِ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ وَحَكَى الزَّمَخْشَرِيُّ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الصَّغِيرُ إِلَى حَدِّ الِالْتِحَاءِ فَإِنْ قِيلَ لَهُ بَعْدَ الِالْتِحَاءِ غُلَامٌ فَهُوَ مَجَازٌ إِدَاوَةً بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ إِنَاءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ مِنْ مَاءٍ أَيْ مَمْلُوءَةٍ مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ قِيلَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا من قَول أنس قَالَه عِيَاض
[47]
إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي إِنَائِهِ هَذَا نَهْيُ تَأْدِيبٍ لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَافَةِ إِذْ قَدْ يَخْرُجُ مَعَ التَّنَفُّسِ بُصَاقٌ أَوْ مُخَاطٌ أَوْ بُخَارٌ رَدِيءٌ فَيُكْسِبُهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً فَيَتَقَذَّرُ بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ شُرْبِهِ وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسُّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْأَفْصَحِ وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِيهِ وَأَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَأَطْلَقَ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَخْتَصُّ النَّهْيُ بِحَالَةِ الْبَوْلِ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمَسْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَفِي الْأُخْرَى لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ وَالْمَخْرَجَ وَاحِدٌ كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ وَالْمُرَادُ مَسُّ الذَّكَرِ عِنْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْبَوْلِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالِ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ حَالَةُ الِاسْتِنْجَاءِ فِي الْحَدِيثِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا سِوَاهَا لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَسُّ بِالْيَمِينِ مَكْرُوهًا فِي حَالَةِ الِاسْتِنْجَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا فَغَيْرُهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي لَا حَاجَة فِيهَا
إِلَى الْمس أولى انْتهى
[49]
نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَقَالَ لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّخْرِيجِ وَقَعَ لِابْنِ حَزْمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَحَّفَهُ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ التَّصْحِيفِ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَقَالَ لَا يَجْزِي أَحَدًا أَنْ يَسْتَنْجِيَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي بِنَاءٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ أَوْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَكَذَا قَالَ أَوْ مُسْتَقْبِلَ بِالْمِيمِ فِي أَوَّلِهِ وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالَ أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِالْعَطْفِ بِأَوْ الثَّانِي أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لِقَوْلِهِ لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ قَالَ لِأَنَّ دُونَ تُسْتَعْمَلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى أَقَلَّ أَوْ بِمَعْنَى غَيْرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَاتَّخَذُوا من دون الله أَيْ غَيْرَهُ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قَالَ فَصَحَّ بِمُقْتَضَى هَذَا الْخَبَرِ أَنْ لَا يُجْزِئَ فِي الْمَسْحِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهَا إِلَّا مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ زَائِدًا وَهُوَ الْمَاءُ قَالَ بن طبرزذ وَهَذَا خَطَأٌ عَلَى اللُّغَةِ فَإِنَّ الْعَدَدَ إِنَّمَا وُضِعَ لِبَيَانِ مَا هُوَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا أَنَّ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسَ أَوَاقٍ أَقَلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْوَرِقِ فَلَا يَسْتَقِيمُ
أَنْ يَكُونَ دُونَ هُنَا بِمَعْنَى غَيْرِ لِفَسَادِهِ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ بِهَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِلَّا معنى أقل انْتهى
[50]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَلَمَّا اسْتَنْجَى دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَرِيرٍ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ وَقَالَ بن الْقَطَّانِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عِلَّتَانِ إِحْدَاهُمَا شَرِيكٌ فَهُوَ سيء الْحِفْظِ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ وَالثَّانِيَةُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَرِيرٍ فَإِنَّهُ لَا يعرف حَاله ورد بِأَن بن حبَان ذكره فِي الثِّقَات وَقَالَ بن عَدِيٍّ لَمْ يُضَعَّفْ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا قِيلَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَأَحَادِيثُهُ مُسْتَقِيمَةٌ تُكْتَبُ قَالَ الذَّهَبِيُّ وَضَعْفُ حَدِيثِهِ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الِانْقِطَاعِ لَا مِنْ قِبَلِ سُوءِ الْحِفْظِ وَهُوَ صَدُوقٌ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ وَأَشَارَ النَّسَائِيُّ إِلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَقَالَّ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ
[51]
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الصَّباح قَالَ حَدثنَا شُعَيْب يَعْنِي بن حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى الْخَلَاءَ فَقَضَى الْحَاجَةَ ثُمَّ قَالَ يَا جَرِيرُ هَاتِ طَهُورًا فَأَتَيْتُهُ بِالْمَاءِ فَاسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَقَالَ بِيَدِهِ فَدَلَكَ بِهَا الْأَرْضَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ هَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ
شريك قَالَ بن الْمَوَّاقِ مَعْنَى كَلَامِ النَّسَائِيِّ أَنَّ كَوْنَ الْحَدِيثِ مِنْ مُسْنَدِ جَرِيرٍ أَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ جَرِيرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ إِنَّ حَدِيثه عَنهُ مُرْسل لَكِن بن خُزَيْمَةَ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى هَذَا فَأَخْرَجَ رِوَايَتَهُ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ وَفِي تَرْجِيحِ النَّسَائِيِّ رِوَايَةَ أَبَانٍ عَلَى رِوَايَةِ شَرِيكٍ نَظَرٌ فَإِنَّ شَرِيكًا أَعْلَى وَأَوْسَعُ رِوَايَةً وَأَحْفَظُ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يُخْرِجْ لِأَبَانٍ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْهُ وَعَنْ مَوْلَى لِأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى أَبَانٍ مِمَّا يُضْعِفُ رِوَايَتَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِإِبْرَاهِيمَ فِيهِ إِسْنَادَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَالْآخَرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَنْ يَكُونَ لِأَبَانٍ فِيهِ إِسْنَادَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ وَالْآخَرُ عَن مولى لأبي هُرَيْرَة وهات بِكَسْرِ التَّاءِ وَهَلْ هُوَ اسْمُ فِعْلٍ أَوْ فِعْلٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ قَوْلَانِ لِلنُّحَاةِ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي عُقُودِ الزَّبَرْجَدِ فِي إِعْرَابِ الحَدِيث
[52]
وَمَا يَنُوبُهُ أَيْ يَنْزِلُ بِهِ وَيَقْصِدُهُ إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ لَا يَنْجُسُ وَفِي أُخْرَى لِلْحَاكِمِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ أَيْ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَقْبَلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ كَمَا قِيلَ أَنه يضعف عَنْ حَمْلِهِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقُلَّتَيْنِ مَعْنًى فَإِن مَا دونهمَا أولى بذلك أتتوضأ بمثناتين من فَوق خطاب للنَّبِي صلى الله عليه وسلم من بِئْر بضَاعَة بِضَم الْبَاء واعجام الضَّاد فِي الْأَشْهر وَالْحيض بِكَسْر الْحَاء وَفتح الْيَاء قَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ الْخرق الَّتِي يمسح بهَا دم الْحيض عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ سَمَّاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن
[53]
أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ رَوَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ مِنْ مُرْسَلِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ ذُو الْخُوَيِّصَةِ لَا تُزْرِمُوهُ بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الزَّاي بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بِدَلْوٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ
[56]
فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ أَيْ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلِمُسْلِمٍ فَقَالُوا مَهْ مَه وأهريقوا قَالَ بن التِّينِ هُوَ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَنَقَلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ أَهْرَاقَ يُهْرِيقُ إِهْرِيَاقًا مِثْلُ اسْطَاعَ يسطيع اسطياعا بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَفَتْحِهَّا فِي الْمَاضِي وَضَمِّ الْيَاءِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي أَطَاعَ يُطِيعُ فَجُعِلَتِ السِّينُ وَالْهَاءُ عِوَضًا مِنْ ذَهَابِ حَرَكَةِ عَيْنِ الْفِعْلِ قَالَ وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَوُجِّهَ بِأَنَّهَا مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ أَصْلَ هَرَاقَ أَرَاقَ ثُمَّ اُجْتُلِبَتِ الْهَمْزَةُ وَسُكِّنَتِ الْهَاءُ عِوَضًا مِنْ حَرَكَةِ عَيْنِ الْفِعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَحْرِيكُ الْهَاءِ عَلَى إِبْقَاءِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ وَلَهُ نَظَائِرٌ وَذَكَرَ لَهُ الْجَوْهَرِيُّ تَوْجِيهًا آخَرَ أَنَّ أَصْلَهُ أَأْرِيقُهُ فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ هَاءً لِلْخِفَّةِ وَجَزَمَ ثَعْلَبُ فِي الْفَصِيحِ بِأَنَّ أَهَرِيقُهُ بِفَتْحِ الْهَاء وَقد
بَسَطْتُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي عُقُودِ الزَّبَرْجَدِ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ إِسْنَادُ الْبَعْثِ إِلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمَبْعُوثُ بِمَا ذُكِرَ لَكِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا فِي مَقَامِ التَّبْلِيغِ عَنْهُ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ هُمْ يُبْعَثُونَ مِنْ قِبَلِهِ بِذَلِكَ أَيْ مَأْمُورُونَ وَكَانَ ذَلِكَ شَأْنُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ بَعَثَهُ إِلَى جِهَةٍ مِنَ الْجِهَات يَقُول يسروا وَلَا تُعَسِّرُوا
[58]
لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ أَيِ الرَّاكِدِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ الرِّوَايَةُ بِرَفْعِ يغْتَسل أَي ثمَّ هُوَ يغْتَسل وَجوز بن مَالِكٍ جَزْمَهُ وَنَصْبَهُ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مَبْسُوطٌ فِي عُقُود الزبرجد
[59]
هُوَ الطَّهَورُ مَاؤُهُ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيِ الْحَلَالُ مَيْتَتُهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَعَوَامُّ الرُّوَاةِ يَكْسِرُونَهَا وَإِنَّمَا هُوَ بِالْفَتْحِ يُرِيد حَيَوَان الْبَحْر إِذا مَاتَ فِيهِ سكت
هُنَيْهَةً أَيْ مَا قَلَّ مِنَ الزَّمَانِ وَهُوَ تَصْغِيرُ هَنَةٍ وَيُقَالُ هُنَيَّةٌ أَيْضًا اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ قَالَ النَّوَوِيُّ اسْتِعَارَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الذُّنُوبِ وَقَالَ الْكرْمَانِي
فَإِنْ قَلْتَ الْعَادَةُ أَنَّهُ إِذَا أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْغَسْلِ أَنْ يُغْسَلَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ لَا الْبَارِدِ لَا سِيَّمَا الثَّلْجُ وَنَحْوُهُ قُلْتُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ أَمْثَالٌ لَمْ يُرَدْ بِهَا أَعْيَانُ الْمُسَمَّيَاتِ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهَا التَّوْكِيدُ فِي التَّطْهِيرِ مِنَ الْخَطَايَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي مَحْوِهَا عَنْهُ وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ مَاءَانِ مَقْصُورَانِ عَلَى الطَّهَارَةِ لَمْ تَمَسَّهُمَا الْأَيْدِي وَلَمْ يَمْتَهِنْهُمَا اسْتِعْمَالٌ وَكَانَ ضَرْبُ الْمَثَلِ بِهِمَا آكَدُ فِي بَيَانِ مَا أَرَادَهُ مِنَ التَّطْهِيرِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَعَلَ الْخَطَايَا بِمَنْزِلَةِ نَارِ جَهَنَّمَ لِأَنَّهَا مُؤَدِّيَةٌ إِلَيْهَا فَعَبَّرَ عَنْ إِطْفَاءِ حَرَارَتِهَا بِالْغُسْلِ تَأْكِيدًا فِي الْإِطْفَاءِ وَبَالَغَ فِيهِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُبَرِّدَاتِ وَالْبَرَدُ بِفَتْحِ الرَّاءِ حب الْغَمَام وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ بِضَمِّ
الزَّاي وَسُكُونِهَا وَهُوَ فِي الْأَصْلِ قِرَى الضَّيْفِ
[64]
إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ وَقَالَ ثَعْلَبُ هُوَ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَائِعٍ فيحركه زَاد بن دَرَسْتَوَيْهِ شَرِبَ أَوْ لَمْ يَشْرَبْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ أَصْلُهُ مَرَّاتٍ سَبْعًا عَلَى الصِّفَةِ فَلَمَّا قُدِّمَتِ الصِّفَةُ وَأُضِيفَتْ إِلَى الْمصدر نصبت نصب الْمصدر
[66]
قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن لَا أعلم أحدا تَابَعَ عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيُرِقْهُ وَكَذَا قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ إِنَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَذْكُرْهَا الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَش كَأبي مُعَاوِيَة وَشعْبَة وَقَالَ بن مَنْدَهْ لَا تُعْرَفُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ الْحافِظُ بن حَجَرٍ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ بن عَدِيٍّ لَكِنْ فِي رَفْعِهِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَكَذَا ذَكَرَ الْإِرَاقَةَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَيُّوب عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره
[67]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَقد يُقَال بن مُغَفَّلٍ وَهِيَ لَامُ لَمْحِ الصِّفَةِ كَالْحَسَنِ وَحَسَنٍ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْأَمْرُ مَنْسُوخٌ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ نَهَى بَعْدُ عَنْ قَتْلِهَا وَاسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ قَالَ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَكَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الْآنَ مَنْسُوخٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا مَزِيدَ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْغَنَمِ زَادَ مُسْلِمٌ وَالزَّرْعِ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ظَاهِرُهُ وُجُوبُ غَسْلِهِ ثَامِنَةً وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ عَنْهُ وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَجَنَحَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ وَرُدَّ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَان الْجمع وَالْأَخْذ بِحَدِيث بن مُغَفَّلٍ يَسْتَلْزِمُ الْأَخْذَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ دُونَ الْعَكْسِ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلَوْ سَلَّمْنَا التَّرْجِيحَ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ نَقُلْ
بِالتَّرْتِيبِ أَصْلًا لِأَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ رحمه الله بِدُونِهِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَثْبَتَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قُلْنَا بِهِ أَخْذًا بِزِيَادَةِ الثِّقَةِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ الْمَجَازِ فَقَالَ لَمَّا كَانَ التُّرَابُ جِنْسًا غَيْرَ الْمَاءِ جُعِلَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مَعْدُودَةً بِاثْنَتَيْنِ وَتعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ ظَاهِرٌ فِي كَونهَا غسلة مُسْتَقلَّة
[68]
عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدٍ هِيَ زَوْجَةُ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الرَّاوِي عَنْهَا وَالْأَكْثَرُ عَلَى ضَمِّ حَائِهَا فَأَصْغَى أَيْ أَمَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيّ ثمَّ بن دَقِيق الْعِيد ثمَّ بن سَيِّدِ النَّاسِ مَفْتُوحُ الْجِيمِ مِنَ النَّجَاسَةِ قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِالْمَمَالِيكِ مِنْ خَدَمِ الْبَيْتِ الَّذِينَ يَطُوفُونَ عَلَى بَيْتِهِ للْخدمَة كَقَوْلِه تَعَالَى طَوَّافُونَ عَلَيْكُم وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِمَنْ يَطُوفُ لِلْحَاجَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْأَجْرَ فِي مُوَاسَاتِهَا كَالْأَجْرِ فِي مُوَاسَاةِ مَنْ يَطُوفُ لِلْحَاجَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ سِوَاهُ وَالطَّوَّافَاتِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَوِ الطَّوَّافَاتِ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ يُرْوَى عَن مَالك
قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ جَاءَتْ صِيغَةُ هَذَا الْجَمْعِ فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ عَلَى صِيغَةِ جَمْعِ مَنْ يَعْقِلُ
[69]
يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرِّجْسُ الْقَذَرُ وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْحَرَامِ وَالْفِعْلِ الْقَبِيحِ وَالْعَذَابِ وَاللَّعْنَةِ وَالْكُفْرِ
[70]
أَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْعَظْمُ إِذَا أُخِذَ عَنْهُ مُعْظَمُ اللَّحْمِ وَجَمْعُهُ عِرَاقٍ وَهُوَ جَمْعٌ نَادِرٌ يُقَالُ عَرَّقْتَ اللَّحْمَ وَأَعْرَقْتَهُ وَتَعَرَّقْتَهُ إِذَا أَخَذْتَ عَنْهُ اللَّحْمَ بِأَسْنَانِكَ
[73]
بِمَكُّوكٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِهِ الْمُدَّ وَقِيلَ الصَّاعَ
وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مُفَسَّرًا بِالْمُدِّ وَأَصْلُهُ اسْمُ الْمِكْيَالِ وَيَخْتَلِفُ مِقْدَارُهُ بِاخْتِلَافِ اصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الْبِلَادِ قَالَ وَالْمَكَاكِيُّ جَمْعُ مَكُّوكٍ عَلَى إِبْدَالِ الْيَاءِ مِنَ الْكَاف الْأَخِيرَة
[75]
إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ مَحْذُوفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ
بِالْكَوْنِ الْمُطْلَقِ وَقِيلَ يُقَدَّرُ تُعْتَبَرُ وَقِيلَ تَصِحُّ وَقِيلَ تَكْمُلُ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى لِبَيَانِ مَا يُعْتَبَرُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالثَّانِيَةُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَقَالَّ النَّوَوِيُّ أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الْفَائِتَةَ فَقَطْ حَتَّى يُعَيِّنَهَا ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ عَصْرًا وَقَالَ بن السَّمْعَانِيِّ فِي أَمَالِيهِ أَفَادَتْ أَنَّ الْأَعْمَالَ الْخَارِجَةَ عَنِ الْعِبَادَةِ لَا تُفِيدُ الثَّوَابَ إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا فَاعِلُهَا الْقُرْبَةَ كَالْأَكْلِ إِذَا نَوَى بِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الطَّاعَةِ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ إِلَى آخِرِهِ اتَّحَدَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ
وَالْقَاعِدَةُ تَغَايُرُهُمَا لِقَصْدِ التَّعْظِيمِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى والتحقير فِي الثَّانِيَة
وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ الْوَاوُ لِلْحَالِ بِتَقْدِيرِ قَدْ فَأتى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ يَنْبُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَفَتْحُهَا
[77]
فَأُتِيَ بِتَوْرٍ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ شِبْهِ الطَّسْتِ وَقِيلَ هُوَ الطَّسْتُ حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ وَالْبَرَكَةِ مِنَ اللَّهِ عز وجل قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَالْبَرَكَةُ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى الطَّهُورِ وَصَفَهُ بِالْبَرَكَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالْكَثْرَةِ مِنَ الْقَلِيل وَلَا معنى للرفع هُنَا
[78]
تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ أَيْ قَائِلِينَ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَفْعَالُ الْعَبْدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا سُنَّتْ فِيهِ التَّسْمِيَةُ وَمَا لَمْ تُسَنْ وَمَا تُكْرَهُ فِيهِ الْأَوَّلُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَذَبْحِ الْمَنَاسِكِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمِنْهُ أَيْضًا مُبَاحَاتٌ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالثَّانِي كَالصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ وَالثَّالِثُ الْمُحَرَّمَاتُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْبَسْمَلَةِ التَّبَرُّكُ فِي الْفِعْلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ وَالْحَرَامُ لَا يُرَادُ كَثْرَتُهُ وَبَرَكَتُهُ وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا سُنَّتْ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ مِنَ الْقُرُبَاتِ وَبَيْنَ مَا لَمْ تُسَنْ فِيهِ عَسِيرٌ فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا لَمْ تُسَنِ الْبَسْمَلَةُ فِي ذَلِكَ الْقِسْمِ لِأَنَّهُ بَرَكَةٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّبْرِيكِ قُلْنَا هَذَا مُشْكِلٌ بِمَا سُنَّتْ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ بَسْمَلَ عَلَى ذَلِكَ لَجَازَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي كَوْنِهِ سُنَّةً وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَنُقِلَ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ كَمَا نُقِلَ غَيْرُهُ مِنَ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدَ آخِرِهِمْ قَالَ التَّيْمِيُّ أَيْ تَوَضَّئُوا كُلُّهُمْ حَتَّى وَصَلَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الْآخِرِ وَقَالَ
الْكَرْمَانِيُّ حَتَّى لِلتَّدْرِيجِ وَمِنْ لِلْبَيَانِ أَيْ تَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّأَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ آخِرِهِمْ وَهُوَ كِنَايَة
عَنْ جَمِيعِهِمْ وَعِنْدَ بِمَعْنَى فِي وَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِينَ هُمْ فِي آخِرِهِمْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ فِي مِنْ عِنْدَ آخِرِهِمْ بِمَعْنَى إِلَى وَهِيَ لُغَةٌ سَطِيحَةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّطِيحَةُ مِنَ الْمَزَادَةِ مَا كَانَ مِنْ جِلْدَيْنِ قُوبِلَ أَحَدُهُمَا
بِالْآخَرِ فَسَطَحَ عَلَيْهِ وَتَكُونُ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً وَهِيَ من أواني الْمِيَاه
[83]
اسْتَوْكَفَ ثَلَاثًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيِ اسْتَقْطَرَ الْمَاءَ وَصَبَّهُ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبَالَغَ حَتَّى وكف مِنْهَا المَاء
[84]
ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ زَادَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ مِنَ الدُّنْيَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ عَرَضَ لَهُ حَدِيثٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ عُرُوضِهِ عُفِيَ عَنْ ذَلِكَ وَحَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ عُفِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَعْرِضُ وَلَا تَسْتَقِرُّ وَقَدْ قَالَ مَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ الْمَازِرِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ القَاضِي عِيَاض غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ النَّوَوِيّ وَالْمرَاد الصَّغَائِر دون الْكَبَائِر فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ أَعْلَى الْأَنْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّمَاغِ وَقَالَ عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّ مَا يَنْعَقِدُ مِنَ الْغُبَارِ وَرُطُوبَةِ الْخَيَاشِيمِ قَذَارَةٌ تُوَافِقُ الشَّيْطَانَ فكفأ أَي أمال الْإِنَاء بِالسَّبَّاحَتَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّبَّاحَةُ وَالْمُسَبِّحَةُ الْأُصْبُعُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا يُشَارُ بهَا عِنْد التَّسْبِيح
[104]
يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِهِ الْعِمَامَةَ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُغَطِّي بِهَا رَأْسَهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَطِّيهِ بِخِمَارِهَا وَذَلِكَ إِذَا كَانَ قَدِ اعْتَمَّ عِمَّةَ الْعَرَبِ فَأَدَارَهَا تَحْتَ الْحَنَكِ فَلَا يَسْتَطِيعُ رَفْعُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَتَصِيرُ كَالْخُفَّيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مسح الْقَلِيل من الرَّأْس ثمَّ يمسح على الْعِمَامَة بدل الِاسْتِيعَاب
قَالَ مَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ الْمَازِرِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ القَاضِي عِيَاض غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
قَالَ النَّوَوِيّ وَالْمرَاد الصَّغَائِر دون الْكَبَائِر
[90]
فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ
هُوَ أَعْلَى الْأَنْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّمَاغِ وَقَالَ عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّ مَا يَنْعَقِدُ من الْغُبَار رُطُوبَة الخياشيم قذارة توَافق الشَّيْطَان فكفأ أَي أمال الْإِنَاء
بِالسَّبَّاحَتَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّبَّاحَةُ وَالْمُسَبِّحَةُ الْأُصْبُعُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا يُشَارُ
بهَا عِنْد التَّسْبِيح
[111]
وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ جَمْعُ الْعَقِبِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ قَالَ الْبَغَوِيُّ مَعْنَاهُ وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلِهَا نَحْوَ واسأل الْقرْيَة وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّ الْأَعْقَابَ تُخَصُّ بِالْعَذَابِ إِذَا قصر فِي غسلهَا
[117]
النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ بِالْكَسْرِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ هِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ السِّبْتِ وَهِيَ جُلُودُ الْبَقَرِ الْمَدْبُوغَةِ بِالْقَرَظِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ شَعْرَهَا قَدْ سَبَتَ عَنْهَا أَيْ حُلِقَ وَأُزِيلَ وَقِيلَ لِأَنَّهَا أُسْبِتَتْ بِالدِّبَاغِ أَي لانت
[139]
لَا يَقْبَلِ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ضُبِطَ بِفَتْح الطَّاء وَضمّهَا
[143]
أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِهَا وَيَحْتَمِلُ مَحْوَهَا مِنْ كِتَابِ الْحَفَظَةِ وَيَكُونُ دَلِيلًا على غفرانها وَيرْفَع بِهِ
صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ضُبِطَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا
الدَّرَجَاتِ هُوَ أَعْلَى الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّةِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ أَيْ إِتْمَامُهُ عَلَى الْمَكَارِهِ يُرِيدُ بَرْدَ الْمَاءِ وَأَلَمَ الْجِسْمِ وَإِيثَارَ الْوُضُوءِ عَلَى أُمُورِ الدُّنْيَا فَلَا يَأْتِي بِهِ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا كَارِهًا مُؤْثِرًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ يَعْنِي بِهِ بُعْدَ الدَّارِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ وَالثَّانِي تَعَلُّقُ الْقَلَبِ بِالصَّلَاةِ وَالِاهْتِمَامُ بِهَا وَالتَّأَهُّبُ لَهَا فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ أَيِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَحَقِيقَتُهُ رَبْطُ النَّفْسِ وَالْجِسْمِ مَعَ الطَّاعَاتِ وَحِكْمَةُ تَكْرَارِهِ قِيلَ الِاهْتِمَامُ بِهِ وَتَعْظِيمُ شَأْنِهِ وَقِيلَ كَرَّرَه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْرَارِ الْكَلَامِ لِيُفْهَمَ عَنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَوَّلُ أظهر
[147]
كَيَوْمَ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ بِفَتْحِ يَوْمَ لِإِضَافَتِهِ إِلَى جملَة صدرها مبْنى
[148]
فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيهَا شَاءَ قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي فَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَالدُّعَاءِ مِنْهَا مَا فِيهِ مِنَ التَّشْرِيفِ فِي الْمَوْقِفِ وَالْإِشَارَةِ بِذِكْرِ مَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِك على رُؤُوس الْأَشْهَادِ فَلَيْسَ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ فِي الدُّخُولِ مِنْ بَابٍ لَا يَتَعَدَّاهُ كَمَنْ يُتَلَقَّى مِنْ كُلِّ بَابٍ وَيَدْخُلُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ هَذَا فَائِدَة التَّعَدُّد فِي فتح أَبْوَاب الْجنَّة
[149]
يَا بَنِي فَرُّوخَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ قِيلَ هُوَ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام كَثُرَ نَسْلُهُ فَوَلَدَ الْعَجَمَ
[150]
خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ قَلِيلٌ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ دَارَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ النِّدَاءِ الْمُضَافِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ وَيَصِحُّ الْخَفْضُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي عَلَيْكُمْ وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الْجَمَاعَةُ أَوْ أَهْلُ الدَّارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُهُ أَوِ الْمَنْزِلُ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ قَالَ النَّوَوِيُّ أَتَى بِالِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا شَكَّ فِيهِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّكِّ وَلَكِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ لِلتَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدا الا أَن يَشَاء الله وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا أَيْ فِي الْحَيَاةِ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي قَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ نَفْيًا لِأُخُوَّتِهِمْ وَلَكِنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتَهُمُ الزَّائِدَةَ بِالصُّحْبَةِ فَهَؤُلَاءِ إِخْوَةٌ صَحَابَةٌ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا إِخْوَةٌ لَيْسُوا بِصَحَابَةٍ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَا أَتَقَدَّمُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يُقَالُ فَرَطْتَ الْقَوْمَ إِذَا تَقَدَّمْتَهُمْ لِتَرْتَادَ لَهُمُ المَاء وتهيىء
لَهُمُ الدِّلَاءَ وَالرِّشَاءَ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ جَمْعُ أَدْهَمَ وَهُوَ الْأَسْوَدُ بُهْمٍ جَمْعُ بَهِيمٍ فَقِيلَ هُوَ الْأَسْوَدُ أَيْضًا وَقِيلَ الْبَهِيمُ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنُهُ لَوْنًا سِوَاهُ سَوَاءٌ كَانَ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ بَلْ يكون لَونه خَالِصا
[151]
يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله جَمَعَ صلى الله عليه وسلم بِهَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ أَنْوَاعَ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ لِأَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْخُشُوعَ فِي الْقَلْبِ عَلَى مَا قَالَهُ جمَاعَة من الْعلمَاء مَذَّاءً أَيْ كَثِيرَ الْمَذْيِ مَذَاكِيرَهُ قِيلَ هُوَ جَمْعُ ذَكَرٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقِيلَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ وَقِيلَ وَاحِدُهُ مِذْكَارٌ قَالَ بن خَرُوفٍ وَإِنَّمَا جَمَعَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَسَدِ مِنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ بِالنَّظَرِ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ وَأَطْلَقَ عَلَى الْكُلِّ اسْمَهُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْمَجْمُوعِ كَالذَّكَرِ فِي حُكْمِ الْغسْل إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ تَضَعُهَا لِتَكُونَ وِطَاءً لَهُ إِذَا مَشَى وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى التَّوَاضُعِ لَهُ تَعْظِيمًا بِحَقِّهِ وَقِيلَ أَرَادَ بِوَضْعِ الْأَجْنِحَةِ نُزُولَهُمْ عِنْدَ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَتَرْكِ الطَّيَرَانِ وَقِيلَ أَرَادَ إظلالهم بهَا نعس بِفتْحَتَيْنِ أَوْ بَضْعَةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ وَهِيَ الْقطعَة من اللَّحْم
[169]
أعوذ برضاك من سخطك قَالَ بن خَاقَانَ الْبَغْدَادِيُّ سَمِعْتُ النَّقَّادَ يَقُولُ طَلَبُ الِاسْتِغَاثَةِ
كالذكر فِي حكم الْغسْل
[158]
إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ تَضَعُهَا
لِتَكُونَ وِطَاءً لَهُ إِذَا مَشَى وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى التَّوَاضُعِ لَهُ تَعْظِيمًا بِحَقِّهِ وَقِيلَ أَرَادَ بِوَضْع الأجنحة
نُزُولَهُمْ عِنْدَ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَتَرْكِ الطَّيَرَانِ وَقِيلَ أَرَادَ إظلالهم بهَا نعس بِفتْحَتَيْنِ
165
أَوْ بَضْعَةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ وَهِيَ الْقطعَة من اللَّحْم
مِنَ اللَّهِ نَقْصٌ مِنَ التَّوَكُّلِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ أَيْ أَنْتَ الْمَلْجَأُ دُونَ حَائِلٍ بَيْنِي وَبَيْنَكَ لِصِدْقِ فَقْرِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْغَيْبَةِ عَنِ الْأَحْوَالِ وَإِضْمَارِ الْخَيْرِ أَيْ أَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ عِوَضًا من السخط ذكره بن ماكولة الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الْعَارِفِينَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رضي الله عنه وَسَخَطُهُ وَمُعَافَاتُهُ وَعُقُوبَتُهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ فَاسْتَعَاذَ مِنَ الْمَكْرُوهِ مِنْهُمَا إِلَى الْمَحْبُوبِ وَمِنَ الشَّرِّ إِلَى الْخَيْرِ قَالَ الْقُرْطُبِيّ ثمَّ ترقى عَن الْأَفْعَال إِلَى منشىء الْأَفْعَالِ فَقَالَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ مُشَاهَدَةً لِلْحَقِّ وَغَيْبَةً عَنِ الْخَلْقِ وَهَذَا مَحْضُ الْمَعْرِفَةِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ قَوْلٌ وَلَا يَضْبِطُهُ صِفَةٌ وَقَوْلُهُ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَيْ لَا أُطِيقُهُ أَيْ لَا أَنْتَهِي إِلَى غَايَتِهِ وَلَا أُحِيطُ بِمَعْرِفَتِهِ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا الْآنَ وَرَوَى مَالِكٌ لَا أُحْصِي نِعْمَتَكَ وَإِحْسَانَكَ وَالثَّنَاءَ عَلَيْكَ وَإِنِ اجْتَهَدْتُ فِي ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عِنْدَ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ صِفَاتِ جَلَالِهِ تَعَالَى وَكَمَالِهِ وَصَمَدِيَّتِهِ وَقُدُوسِيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَبَرُوتِهِ مَا لَا يُنْتَهَى إِلَى عَدِّهِ وَلَا يُوصَلُ إِلَى حَدِّهِ وَلَا يَحْمِلُهُ عَقْلٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِ فِكْرٌ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ انْتَهَتْ مَعْرِفَةُ الْأَنَامِ وَلِذَلِكَ قَالَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إِدْرَاكٌ وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ سُبْحَانَ مَنْ رَضِيَ فِي مَعْرفَته بِالْعَجزِ عَن مَعْرفَته وَقَالَ بن
الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ بَدَأَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالرِّضَا وَفِي رِوَايَةٍ بَدَأَ بِالْمُعَافَاةِ ثُمَّ بِالرِّضَا وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ بِالْمُعَافَاةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ كَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَالرِّضَا وَالسَّخَطُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتُ الْأَفْعَالِ أَدْنَى مَرْتَبَةً مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ فَبَدَأَ بِالْأَدْنَى مُتَرَقِّيًا إِلَى الْأَعْلَى ثُمَّ لَمَّا ازْدَادَ يَقِينًا وَارْتِقَاءً تَرَكَ الصِّفَاتِ وَقَصَرَ نَظَرَهُ عَلَى الذَّاتِ فَقَالَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ثُمَّ ازْدَادَ قُرْبًا اسْتَحْيَا مَعَهُ مِنْ الِاسْتِعَاذَةِ عَلَى بِسَاطِ الْقُرْبِ فَالْتَجَأَ إِلَى الثَّنَاءِ فَقَالَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ قُصُورٌ فَقَالَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَإِنَّمَا قَدَّمَ الِاسْتِعَاذَةَ بِالرِّضَا مِنَ السَّخَطِ لِأَنَّ الْمُعَافَاةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ تَحْصُلُ بِحُصُولِ الرِّضَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا دَلَالَةُ تَضَمُّنٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ فَكَنَّى عَنْهَا أَوَّلًا ثُمَّ صَرَّحَ ثَانِيًا وَلِأَنَّ
الرَّاضِيَ قَدْ يُعَاقَبُ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّ الْغَيْر اه
[173]
أَثْوَارَ أَقِطٍ جَمْعُ ثَوْرٍ بِالْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ قِطْعَةٌ من الاقط وَهُوَ لبن جامد فَثُرِّيَ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ بل بِالْمَاءِ نَجْلٍ بِسُكُونِ الْجِيمِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ النَّزْوُ وَالْجَمْعُ أنجال
[192]
إِذَا قَعَدَ أَيِ الرَّجُلُ بَيْنُ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ جَمْعُ شُعْبَةٍ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ فَقِيلَ الْمُرَادُ هُنَا يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا وَقِيلَ رِجْلَاهَا وَفَخِذَاهَا وَقِيلَ سَاقُهَا وَفَخِذَاهَا وَاسْتَاهَا وَقِيلَ فَخِذَاهَا وَشَعْرُهَا وَقِيلَ نَوَاحِي فَرْجِهَا الْأَرْبَعُ وَحَذَفَ الْفَاعِلَ فِي قَعَدَ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلِابْنِ الْمُنْذِرِ إِذَا غَشِيَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَقَعَدَ إِلَخْ فَعُلِمَ أَنَّ حَذْفَهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ ثُمَّ اجْتَهَدَ كِنَايَةٌ عَنْ معالجة الايلاج
[196]
أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ هِيَ أُمُّ أَنَسٍ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا فَقِيلَ سَهْلَةُ وَقِيلَ رُمَيْلَةُ وَقِيلَ رُمَيْثَةُ وَقِيلَ أُنَيْفَةُ وَيُقَالُ الرُّمَيْصَاءُ وَالْغُمَيْصَاءُ إِن الله لَا يستحي مِنَ الْحَقِّ قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ بَيَانِ الْحَقِّ فَكَذَا أَنَا لَا أَمْتَنِعُ مِنْ سُؤَالِي عَمَّا أَنَا مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ وَقِيلَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقِّ وَلَا يُبِيحُهُ وَإِنَّمَا قَالَتْ هَذَا اعْتِذَارًا بَيْنَ يَدَيْ سُؤَالِهَا عَمَّا دعت الْحَاجة إِلَيْهِ مِمَّا يستحي النِّسَاءُ فِي الْعَادَةِ عَنِ السُّؤَالِ عَنْهُ وَذِكْرِهِ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَيَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ وَيُقَالُ أَيْضًا بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ فَقُلْتُ لَهَا أُفٍّ لَكِ قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله مَعْنَاهُ اسْتِحْقَارًا لَهَا وَلِمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَالْإِنْكَارِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِنْكَارُ وَأَصْلُ الْأُفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ وَفِي أُفٍّ لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ مَنْ كَسَرَ بَنَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَمَنْ فَتَحَ طَلَبَ التَّخْفِيفَ وَمَنْ ضَمَّ أَتْبَعَ وَمَنْ نَوَّنَ أَرَادَ التَّنْكِيرَ وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ وَمَنْ خَفَّفَ الْفَاءَ حَذَفَ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ تَخْفِيفًا أَوَ تَرَى الْمَرْأَةُ ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنْكَارُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ رضي الله عنهن قَضِيَّةَ احْتِلَامِ النِّسَاءِ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ وُقُوعِهِ مِنَ النِّسَاءِ قُلْتُ وَظَهَرَ لِي أَنْ يُقَالَ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَقَعُ لَهُنَّ احْتِلَامٌ لِأَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَعُصِمْنَ مِنْهُ تَكْرِيمًا لَهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا عُصِمَ هُوَ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْتُ الشَّيْخَ وَلِيَّ الدِّينِ قَالَ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَبْحَثُ فِي الدَّرْسِ مَنْعَ وُقُوعِ الِاحْتِلَامِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُنَّ لَا يُطِعْنَ غَيْرَهُ لَا يَقَظَةً وَلَا نَوْمًا وَالشَّيْطَانُ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ فَسُرِرْتُ بِذَلِكَ كَثِيرًا تَرِبَتْ يَمِينُكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَاهُ
عَشَرَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا اسْتَغْنَيْتِ الثَّانِي ضَعُفَ عَقْلُكِ الثَّالِثُ تَرِبَتْ مِنَ الْعِلْمِ الرَّابِعُ تَرِبَتْ إِنْ لَمْ تَعْقِلْ هَذَا الْخَامِسُ أَنَّهُ حَثٌّ عَلَى الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ اُنْجُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَلَا يُرِيدُ أَنْ تُثْكَلَ السَّادِسُ أَصَابَهَا التُّرَابُ السَّابِعُ خَابَتْ الثَّامِنُ اتَّعَظَتْ التَّاسِعُ أَنَّهُ دُعَاءٌ خَفِيفٌ الْعَاشِرُ أَنَّهُ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ جَارِيَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الدُّعَاءَ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَلَا وُقُوعَ الْأَمْرِ بِهَا كَمَا يَقُولُونَ قَاتَلَهُ اللَّهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا لِلَّهِ دَرُّكِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الْمَثْلَ لِيَرَى الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ الْجِدَّ وَأَنَّهُ إِنْ خَالَفَهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ دُعَاءٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها تَرِبَتْ يَمِينُكِ لِأَنَّهُ رَأَى الْفَقْرَ خَيْرًا لَهَا وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ يُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ خُزَيْمَةَ أَنْعِمْ صَبَاحًا تَرِبَتْ يَدَاكَ فَإِنَّ هَذَا دُعَاءٌ لَهُ وَتَرْغِيبٌ فِي اسْتِعْمَالِهِ مَا تَقَدَّمَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ أَنْعِمْ صَبَاحًا ثُمَّ عَقَّبَهُ بِتَرِبَتْ يَدَاكِ وَكَثِيرًا مَا يَرِدُ لِلْعَرَبِ أَلْفَاظٌ ظَاهِرُهَا الذَّمُّ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهَا الْمَدْحَ كَقَوْلِهِمْ لَا أَبَ لَكَ وَلَا أُمَّ لَكَ وَمَوْتَ أُمِّهِ وَلَا أَرْضَ لَكَ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ خِلَافٌ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ جِدًّا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا وَالْأَصَحُّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهَا كَلِمَةٌ أَصْلُهَا افْتَقَرَتْ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ اعْتَادَتِ اسْتِعْمَالَهَا غَيْرَ قَاصِدَةٍ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَقَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ وَلَا أُمَّ لَكَ وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ وَوَيْلَ أُمِّهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ يَقُولُونَهَا عِنْدَ إِنْكَارِهِمُ الشَّيْءَ أَوِ الزَّجْرَ عَنْهُ أَوِ الذَّمَّ لَهُ أَوِ اسْتِعْظَامَهُ أَوِ الْحَثَّ عَلَيْهِ أَوِ الْإِعْجَابَ بِهِ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ قَالَّ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَنِيٌّ فَإِنْزَالُهُ وَخُرُوجُهُ مِنْهَا مُمْكِنٌ وَيُقَالُ شِبْهٌ بِكَسْرِ الشِّينِ
وَسُكُونِ الْبَاءِ وَشَبَهٌ بِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ إِذَا احْتَلَمَتْ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِذَا رَأَتْ أَنَّ زَوْجَهَا يُجَامِعُهَا فِي الْمَنَامِ
[198]
إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ أَي المنى بعد الاستيقاظ
[200]
مَاءُ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَا ذَكَرَهُ فِي صِفَةِ الْمَاءَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ وَاعْتِدَالِ الْحَالِ وَإِلَّا فَقَدْ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمَا لِلْعَوَارِضِ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ الشَّبَهُ الْمُرَادُ سَبْقُ الْإِنْزَالِ فَفِي رِوَايَة بن عَبْدِ الْبَرِّ أَيُ النُّطْفَتَيْنِ سَبَقَتْ إِلَى الرَّحِمِ غَلَبَتْ عَلَى الشَّبَهِ وَجَوَّزَ الْقُرْطُبِيُّ أَنْ يَكُونَ سَبَقَ بِمَعْنَى غَلَبَ مِنْ قَوْلِهِمْ سَابَقَنِي فُلَانٌ فَسَبَقْتُهُ أَيْ غَلَبْتُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا نَحن بمسبوقين أَي مغلوبين وَيكون مَعْنَاهُ كثر
[215]
عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ هُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ اللَّازِمَةِ الْبِنَاءَ لِلْمَفْعُولِ فَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّاتِي ذُكِرَ أَنَّهُنَّ اُسْتُحِضْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعٌ فَاطِمَةُ هَذِهِ وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ وَأُخْتُهَا حَمْنَةُ وَأُخْتُهَا زَيْنَبُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ صَحَّ وَسَهْلَةُ بِنْتُ سَهْلٍ وَسَوْدَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ مَرْثَدٍ الْحَارِثِيَّةُ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ وَبَادِنَةُ بِنْتُ غَيْلَانَ الثَّقَفِيَّةُ قُلْتُ وَقَدْ نَظَمْتُهُنَّ فِي بَيْتَيْنِ وَهُمَا قَدِ اسْتُحِيضَتْ فِي زَمَانِ الْمُصْطَفَى تِسْعُ نِسَاءٍ قَدْ رَوَاهَا الرَّاوِيَهْ بَنَاتُ جَحْشٍ سَوْدَةُ وَالْفَاطِمَهْ زَيْنَبُ أَسْمَا سَهْلَةُ وَبَادِنَهْ
[217]
إِنَّمَا ذَلِكِ بِكَسْرِ الْكَافِ عِرْقٌ زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ انْقَطَعَ
[217]
فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر الَّذِي فِي روايتنا بِالْفَتْح
[203]
اسْتُحِيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أم حبيب بلاهاء وَاسْمُهُا حُبَيْبَةُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُ الْحَرْبِيِّ صَحِيحٌ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهَذَا الشَّأْنِ وَقَالَ بن الْأَثِيرِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ حَبِيبَةَ وَقِيلَ أُمُّ حَبِيبٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ قَالَ وَأَهْلُ السِّيَرِ يَقُولُونَ الْمُسْتَحَاضَةُ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُمَا كَانَتَا تُسْتَحَاضَانِ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا غَيْرُ كَمَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ كُلِّهِمْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ إِثْبَاتَ الِاسْتِحَاضَةِ وَنفي الْحيض
[208]
إِن امْرَأَة كَانَت تهراق الدَّم قَالَ بن مَالِكٍ هَذَا مِنْ زِيَادَةِ أَلْ فِي التَّمْيِيزِ وَقَالَ بن الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي تُهْرَاقُ وَالنَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ تَوَهُّمِ التَّعَدِّي أَوْ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ تُهْرَاقُ قِيلَ مَا تَهْرِيقُ قَالَ تَهْرِيقُ الدَّمَ مِثْلَ لِيَبْكِ يَزِيدٌ ضَارِعٌ لِخُصُومَةٍ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَابِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ اه وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي عُقُود الزبر
مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ إِثْبَات الِاسْتِحَاضَة وَنفى الْحيض
[213]
عِرْقٌ عَانِدٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ شُبِّهَ بِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ وَقيل العاند الَّذِي لَا يرقأ
[214]
حِين نفست بِضَم النُّون من النّفاس
[228]
وَهُوَ الْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ مُدًّا وَقِيلَ هُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَاطٍ وَالْقِسْطُ نِصْفُ صَاعٍ قَالَ صَاحِبُ تَثْقِيفِ اللِّسَانِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ فَيُسَكِّنُ رَاءَهُ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ وَكَذَا أنكر السّكُون الْبَاجِيّ وبن الْأَثِيرِ وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الصِّحَاح والمحكم
[241]
أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي قَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَالْمُسْتَفِيضُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَمَعْنَاهُ أحكم فتل شعري وَقَالَ الإِمَام بن بَرِّيٍّ فِي الْجُزْءِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ إِنَّهُ لَحْنٌ وَصَوَابُهُ ضَمُّ الضَّادِ وَالْفَاءِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٍ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَهُ بَلِ الصَّوَابُ بِجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ الْمَرْوِيَّ الْمَسْمُوعَ فِي الرِّوَايَات الثَّابِتَة الْمُتَّصِلَة
[251]
أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْحَيْضِ هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ وَقِيلَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ فَأَخْبَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ لَفْظُ مُسْلِمٍ فَقَالَ تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَهَا فَتَطْهُرُ فَتُحْسِنُ الطَّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ خذي فرْصَة بِكَسْر الْفَاء وَحكى بن سِيدَهْ تَثْلِيثَهَا وَبِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَإِهْمَالِ الصَّادِ قِطْعَةٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ جِلْدَةٌ عَلَيْهَا صُوفٌ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَحَكَى أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ قَرْصَةً بِفَتْحِ الْقَافِ وَوَجَّهَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَقَالَ يَعْنِي شَيْئًا يَسِيرًا مثل القرصة بِطرف الأصبعين وَقَالَ بن قُتَيْبَةَ هِيَ قُرْضَةُ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَقَوْلُهُ مِنْ مَسْكٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُرَادُ قِطْعَةُ جِلْدٍ وَوَهِيَ مَنْ قَالَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي ضِيقٍ يَمْتَنِعُ مَعَهُ أَنْ يَمْتَهِنُوا الْمِسْكَ مَعَ غَلَاءِ ثَمَنِهِ وَتَبِعَهُ بن بَطَّالٍ وَفِي الْمَشَارِقِ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الْكَسْرَ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّطَيُّبُ وَدفع الرَّائِحَة الكريهة وَمَا استبعده بن قُتَيْبَة من
الْمَشْهُور المع فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَالْمُسْتَفِيضُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَمَعْنَاهُ أُحْكِمُ فَتْلَ
شعري وَقَالَ الامام بن بَرِّيٍّ فِي الْجُزْءِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ إِنَّهُ لَحْنٌ وَصَوَابُهُ ضَمُّ الضَّادِ
وَالْفَاءِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٍ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَهُ بَلِ الصَّوَابُ بِجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا معنى
صَحِيحٌ وَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ الْمَرْوِيَّ الْمَسْمُوعَ فِي الرِّوَايَات الثَّابِتَة الْمُتَّصِلَة
امْتِهَانِ الْمِسْكِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَأْمُورُ بِهِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَيُقَوِّي ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَيْثُ وَقَعَ عِنْدَهُ مِنْ ذَرِيرَةٍ وَقُلْتُ تَتَّبِعِينَ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الْفَرْجُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ
يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تُطَيِّبَ كُلَّ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ الدَّمُ مِنْ بَدَنِهَا قَالَ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَظَاهر الحَدِيث حجَّة لَهُ قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فَلَمَّا رَأَيْته يستحى عَلَّمْتُهَا وَقُلْتُ تَبْتَغِي بِهَا مَوَاضِعَ الدَّمِ زَادَ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ يَسْمَعُ فَلَا يُنْكِرُ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ كَوْنُهُ أَسْرَعَ إِلَى الْحَبَلِ وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَصَّتْ بِهِ الْمُزَوَّجَةُ وَإِطْلَاق الْأَحَادِيث يردهُ
[253]
بالمنديل بِكَسْر الْمِيم
[260]
عَن عبد الله بن دِينَار عَن بن عُمَرَ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَى جَعْلِهِ من مُسْند بن عُمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ من قَالَ عَن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ أَيْ فِي اللَّيْلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي الزَّمَان أَي ابْتِدَاء إِصَابَة الْجَنَابَة اللَّيْلِ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ وَقَالَ طَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إِنَّهُ مَنْسُوخٌ وَفِي قَوْلِهِ ثُمَّ نم جناس مصحف محرف وَقَالَ الدَّاودِيّ وبن عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَرَادَ اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ وَالْوَاوُ لَا تُرَتِّبُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ المُصَنّف فِي الْكُبْرَى وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقٍ بِلَفْظِ اغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ تَوَضَّأْ ثُمَّ اُرْقُدْ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَرْقُدُ الْجُنُبُ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ يَرْقُدَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَإِنِّي أَخْشَى أَنَّهُ يُتَوَفَّى فَلَا يَحْضُرُهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْحِكْمَةِ فِيهِ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَرْقُدَ وَهُوَ جُنُبٌ فَلْيَتَوَضَّأْ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ تُصَابُ نَفْسُهُ فِي مَنَامِهِ وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ إِذَا أَجْنَبَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ ثمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَإِنَّهُ نِصْفُ الْجَنَابَةِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ يُخَفِّفُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا غَرَضُ الْحَدِيثِ وَلَا الْمَفْهُومُ مِنْ جَوَاب سُؤال عمر
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَحْتِيَّةٍ تَابِعِيٌّ وَهُوَ أَبُوهُ لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْجُنُبَ وَلَا غَيْرَهُ وَقِيلَ وَلَمْ يُرِدْ بِالْجُنُبِ مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَأَخَّرَ الِاغْتِسَالِ إِلَى حُضُورِ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّهُ الْجُنُبُ الَّذِي يَتَهَاوَنُ بِالْغُسْلِ وَيَتَّخِذُ تَرْكَهُ عَادَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ قَالَ وَأَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ أَنْ يُقْتَنَى لِغَيْرِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ وحراسة الدّور قَالَ وَأما الصُّورَة فَهِيَ كل مَا صُوِّرَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى جِدَارٍ أَوْ سَقْفٍ أَوْ ثَوْبٍ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي تَخْصِيصِهِ الْجُنُبَ بِالْمُتَهَاوِنِ وَالْكَلْبَ بِاَلَّذِي يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ نَظَرٌ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَقَالَ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ كَلْبٍ وَأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنَ الْجَمِيعِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ الْجَرْوَ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ السَّرِيرِ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَعَ هَذَا امْتَنَعَ جِبْرِيلُ عليه السلام مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ وَعُلِّلَ بِالْجَرْوِ فَلَوْ كَانَ الْعُذْرُ فِي وجود
الْكَلْبِ لَا يَمْنَعَهُمْ لَمْ يَمْتَنِعْ جِبْرِيلُ قَالَ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ كَلْبٌ لِكَثْرَةِ أَكْلِ النَّجَاسَاتِ وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يُسَمَّى شَيْطَانًا كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَالْمَلَائِكَةُ ضِدُّ الشَّيَاطِينِ وَلِقُبْحِ رَائِحَةِ الْكَلْبِ وَالْمَلَائِكَةُ تَكْرَهُ الرَّائِحَةَ الْقَبِيحَةَ وَلِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنِ اتِّخَاذِهَا فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ وَصَلَاتَهَا فِيهِ وَاسْتِغْفَارَهَا لَهُ وَتَبْرِيكَهَا فِي بَيْتِهِ وَدَفْعَهَا أَذَى الشَّيْطَانِ وَسَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ عَنْ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً فَاحِشَةً وَفِيهَا مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَعْضُهَا فِي صُورَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالصُّورَةِ الَّتِي يَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا دُونَ الْمُمْتَهَنَةِ كَاَلَّتِي فِي الْبِسَاطِ وَالْوِسَادَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ صُورَةٍ وَأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنَ الْجَمِيعِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَأَمَّا امْتِنَاعُهُمْ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ جُنُبٌ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤَخِّرُ الِاغْتِسَالَ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْجُنُبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يَتْرُكُ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْجَنَابَةِ عَادَةً فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَوْقَاتِهِ جُنُبًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ دِينِهِ وَخُبْثِ بَاطِنِهِ وَحَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ فَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ بَابٌ فِي الْجُنُبِ إِذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ بَابُ كَرَاهَةِ نَوْمِ الْجُنُبِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ انْتَهَى
[262]
أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعُودَ تَوَضَّأَ اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْوُضُوءِ هُنَا فَقِيلَ غَسْلُ الْفَرْجِ فَقَطْ مِمَّا بِهِ
مِنْ أَذًى قَالَ عِيَاضٌ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ زَادَ الْقُرْطُبِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ فَلْيَغْسِلْ فَرْجَهُ مَكَانَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَالثَّانِي أَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا شُرِعَ لَهُ الْوُضُوءُ فَإِنَّهُ بِأَصْلِ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِلْقُرْبِ والعبادات وَالْوَطْء مَا بِهِ الْمَلَاذُّ وَالشَّهَوَاتُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحَاتِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا لِأَجْلِ الْوَطْءِ لَشُرِعَ فِي الْوَطْءِ الْمُبْتَدَأِ فَإِنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْمُعَادِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَا يَتَلَطَّخُ بِهِ الذَّكَرُ مِنْ مَاءِ الْفَرْجِ وَالْمَنِيِّ فَإِنَّهُ مِمَّا يُكْرَهُ وَيُسْتَثْقَلُ عَادَةً وَشَرْعًا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ روى بن أبي شيبَة عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ غَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ الْكَامِلُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ فِي رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ وَقَالَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهَذَا فِي حَالِ مَا كَانَ الْجُنُبُ لَا يَسْتَطِيعُ ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ لِيُسَمِّيَ عِنْدَ جِمَاعِهِ ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِذِكْرِ اللَّهِ وَهُمْ جُنُبٌ فَارْتَفَعَ ذَلِكَ ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُجَامِعُ ثُمَّ يَعُودُ وَلَا يَتَوَضَّأُ وَيَنَامُ وَلَا يَغْتَسِلُ وَقَالَ فَهَذَا نَاسِخٌ لذَلِك انْتهى وَفِي رِوَايَة بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ زِيَادَةٌ
فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ أَيْ إِلَى الْجِمَاعِ وَهُوَ تَصْرِيح بالحكمة فِيهِ
[264]
كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ عِنْدَ تَمَامِ الدَّوَرَانِ عَلَيْهِنَّ وَابْتِدَاءِ دَوْرٍ آخَرَ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَنْ إِذْنِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِهِ وَإِلَّا فَوَطْءُ الْمَرْأَةِ فِي نَوْبَةِ ضَرَّتِهَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ هُوَ الْمُرَادِيُّ رَوَى لَهُ الْأَرْبَعَةُ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّخْرِيجِ لَيْسَ هُنَا بِمَعْنَى غَيْرِ وَقَالَ الْبَزَّارُ إِنَّهَا بِمَعْنَى إِلَّا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ بن حِبَّانَ إِلَّا الْجَنَابَةُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مَا خلا الْجَنَابَة
[267]
فَحِدْتُ عَنْهُ أَيْ مِلْتُ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا
[268]
فَأَهْوَى إِلَيْهِ أَيْ مَالَ
[269]
فَانْسَلَّ أَيْ ذَهَبَ فِي خفيه
[271]
نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ هِيَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ حَصِيرٍ وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ حَيْضَتُكِ فِي يَدِكِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِصْلَاحِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُصَحِّفُهَا الرُّوَاةُ أَكْثَرُهُمْ يَفْتَحُونَ الْحَاءَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالصَّوَابُ حِيضَتُكِ مَكْسُورُ الْحَاءِ لِلِاسْمِ أَوِ الْحَالِ يُرِيدُ لَيْسَتْ نَجَاسَةُ الْمَحِيضِ وَأَذَاهُ فِي يَدِكِ فَأَمَّا الْحَيْضَةُ فَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْحَيْضِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَصَوَّبَ الْفَتْحَ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدَّمُ وَهُوَ الْحَيْضَةُ بِالْفَتْحِ بِلَا شَكٍّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ لَا مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
[273]
فِي حِجْرِ إِحْدَانَا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا قَالَ فِي النِّهَايَة طرف الثَّوْب الْمُقدم طَامِثٌ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ حَائِضٌ وَكَذَا عَارِكٌ وَكَانَ يَأْخُذُ الْعَرْقَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْعَظْمُ الَّذِي أُخِذَ عَنْهُ مُعْظَمُ اللَّحْمِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنَ اللَّحْمِ فَأَعْتَرِقُ يُقَالُ اعْتَرَقْتَ الْعَظْمَ وَعَرَّقْتَهُ وَتَعَرَّقْتَهُ إِذَا أَخَذْتَ عَنْهُ اللَّحْمَّ بِأَسْنَانِكَ
[283]
بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ فِي الْخَمِيلَةِ هِيَ الْقَطِيفَةُ وَكُلُّ ثَوْبٍ لَهُ خَمْلٌ مِنْ أَيٍّ كَانَ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضَتِي قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ رُوِيَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَجَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِالْكَسْرِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ الْفَتْحَ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِلَفْظِ حَيْضِي بِغَيْرِ تَاءٍ وَمَعْنَى الْفَتْحِ أَخَذْتُ ثِيَابِي الَّتِي أَلْبَسُهَا وَمَعْنَى الْكَسْرِ أَخَذْتُ ثِيَابِي الَّتِي أَعْدَدْتُهَا لِأَلْبَسَهَا حَالَةَ الْحَيْضِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَفِسْتِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَحِضْتِ يُقَالُ نَفِسَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا حَاضَتْ وَنُفِسَتْ بِضَمِّ النُّونِ مِنَ النِّفَاسِ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ لَكِنْ حَكَى أَبُو حَاتِمٍ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنْ يُقَالَ نُفِسَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ بِضَمِّ النُّونِ فِيهِمَا قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَتِنَا بِالْوَجْهَيْنِ فَتْحُ النُّونِ وَضَمُّهَا
[284]
فِي الشِّعَارِ هُوَ الثَّوْب الَّذِي يَلِي الْجَسَد
طَامِثٌ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ حَائِضٌ وَكَذَا عَارِكٌ وَكَانَ يَأْخُذُ الْعَرْقَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْعَظْمُ الَّذِي أُخِذَ عَنْهُ مُعْظَمُ اللَّحْمِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنَ اللَّحْمِ فَأَعْتَرِقُ يُقَالُ اعْتَرَقْتَ الْعَظْمَ وَعَرَّقْتَهُ وَتَعَرَّقْتَهُ إِذَا أَخَذْتَ عَنْهُ اللَّحْمَّ بِأَسْنَانِكَ
[287]
عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ هُوَ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَأَبِي دَاوُدَ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَدِيثٌ آخَرَ عَنْ بُدَيَّةَ وَكَانَ اللَّيْثُ يَقُولُ نَدَبَةَ الْأَوَّلُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ نَدَبَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ نَدْبَةُ الدَّال سَاكن انْتهى
وَقَالَ بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى أَبُو دَاوُدَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ اللَّيْثِ فَقَالَ نَدَبَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّال وَمَعْمَرُ يَرْوِيهِ وَيَقُولُ نُدْبَةِ بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَيُونُسُ يَقُولُ بُدَيَّةِ بِالْبَاءِ الْمَضْمُومَةِ وَالدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَحَكَى الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا بَدَنَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا نُونٌ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ أَيْ يَسْتَمْتِعُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ مُحْتَجِزَةً بِهِ بِالزَّاي أَيْ شَادَّةً لَهُ عَلَى حُجْزَتِهَا وَهُوَ وَسَطُهَا وروى المُصَنّف فِي الْكُبْرَى بِلَفْظ محتجزته
[288]
وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَيْ لَمْ يُخَالِطُوهُنَّ فَسَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِك فَأنْزل الله عز وجل ويسئلونك عَن الْمَحِيض روى بن جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّ الَّذِي سَأَلَ أَوَّلًا عَن ذَلِك هُوَ ثَابت بن الدحداح حُتِّيهِ بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ حُكِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقَرْصُ الدَّلْكُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ مَعَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى يذهب أَثَره
[295]
كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ أَيْ أَثَرَ الْجَنَابَةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ أَطْلَقَ اسْمَ الْجَنَابَةِ عَلَى الْمَنِيِّ مَجَازًا بُقَعَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُ بُقْعَةٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْبُقَعُ اخْتِلَافُ اللونين
الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ مَعَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى يذهب أَثَره
[302]
عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ واسكان الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اسْمُهُا جُذَامَةُ بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ اسْمُهُا آمِنَةُ وَهِيَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيِّ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِير قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَمَاتَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حَجْرِهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ
[302]
فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ أَيْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَأغْرب بن شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ الْمُرَادُ بِهِ ثَوْبُ الصَّبِيِّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ قَالَ الْحافِظُ بن حَجَرٍ ادَّعَى الْأَصِيلِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُدْرَجَةٌ من كَلَام بن شِهَابٍ رَاوِي الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْمَرْفُوعَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ فَنَضَحَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَى مَعْمَرُ عَنِ بن شهَاب وَكَذَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ قَالَ فَرَشَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِك
[304]
حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْحِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ لَا أَعْرِفُ اسْمَ أَبِي السَّمْحِ هَذَا وَلَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الصَّغَانِيُّ فِي الْعُبَابِ لَمْ يُوقَفْ عَلَى اسْمِهِ وَفِي الِاسْتِيعَابِ قِيلَ اسْمُهُ إِيَادُ وَحَدِيثُهُ هَذَا فَرَّقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَفْظُهُ فِيمَا رَوَاهُ قَالَ كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ وَلِّنِي قَفَاكَ فَأَوَّلِيهِ قَفَايَ فَأَسْتُرُهُ بِهِ فَأَتَى حَسَنٌ أَوْ حُسَيْنٌ فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ فَقَالَ يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ قَالَ الْبَزَّارُ لَا يُعْلَمُ حَدِيثُ أَبِي السَّمْحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ إِلَّا هَذَا وَلَا نَحْفَظُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي
[305]
أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُكْلٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بعده من عرينة فَزعم الدَّاودِيّ وبن التِّينِ أَنَّ عُرَيْنَةَ هُمْ عُكْلٌ قَالَ الْحافِظُ بن حَجَرٍ وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ هُمَا قَبِيلَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ عُكْلٌ مِنْ عَدْنَانَ وَعُرَيْنَةُ مِنْ قَحْطَانَ وَعُكْلٌ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ قَبِيلَةٌ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ وَعُرَيْنَةُ بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالنُّونِ مُصَغَّرًا حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ وَحَيٌّ
مِنْ بَجِيلَةَ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي كَذَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي وَالْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ عَلَى الشَّكِّ وَفِي الْمَغَازِي مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانُوا أَرْبَعَةً مِنْ عُرَيْنَةَ وَثَلَاثَةً مِنْ عُكْلٍ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ وَفِي الدِّيَاتِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الثَّامِنُ مِنْ غَيْرِ الْقَبِيلَتَيْنِ أَوْ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ فَلَمْ يُنْسَبْ ذَكَرَ بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ قُدُومَهُمْ كَانَ بَعْدَ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بذود قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ زَائِدَةً أَوْ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ لِشِبْهِ الْمِلْكِ أَوْ الِاخْتِصَاصِ وَلَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ انْتَهَى وَالذَّوْدُ بِمُعْجَمَةٍ أَوَّلَهُ وَمُهْمَلَةٍ آخِرَهُ مِنَ الْإِبِلِ مَا بَيْنَ الثِّنْتَيْنِ إِلَى التِّسْعِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ وَاللَّفْظَةُ مُؤَنَّثَةٌ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا كَالنَّعَمِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الذَّوْدُ مِنَ الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ وَرَاعٍ اسْمُهُ يَسَارُ بِتَحْتِيَّةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ خَفِيفَة وَذكر بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي قَالَ وَكَانَ غُلَامًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصَابَهُ فِي غَزْوَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ فَرَآهُ يُحْسِنُ الصَّلَاةَ فَأَعْتَقَهُ وَبَعَثَهُ فِي لِقَاحٍ لَهُ بِالْحَرَّةِ فَكَانَ بِهَا وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مَوْصُولا
مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ مِنَ السَّوْقِ وَهُوَ السَّيْرُ الْعَنِيفُ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ لِمُسْلِمٍ أَنَّ الْمَبْعُوثِينَ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا وَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ آثَارَهُمْ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ بَعَثَ خَيْلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمِيرُهُمْ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ وَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ أَنَّ السَّرِيَّةَ كَانَتْ عِشْرِينَ رَجُلًا وَلَمْ يَقُلْ مِنَ الْأَنْصَارِ بَلْ سَمَّى مِنْهُمْ جَمَاعَةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ الْأَسْلَمِيَّانِ وَجُنْدُبُ وَرَافِعُ بْنُ مُلَيْبٍ الْجُهَنِيَّانِ وَأَبُو ذَرٍّ وَأَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيَّانِ وَبِلَالُ بْنُ الْحَرْث وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِّيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ أَمِيرَ هَذِهِ السَّرِيَّةِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيِّ وَهُوَ أَنْصَارِي قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ رَأْسَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ كُرْزُ أَمِيرَ الْجَمَاعَةِ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ فَكَحَّلُوهَا بِمَسَامِيرَ مُحْمَاةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ
[306]
فاجتووا الْمَدِينَة قَالَ بن فَارِسٍ اجْتَوَيْتُ الْبَلَدَ إِذَا كَرِهْتُ الْمُقَامَ فِيهِ وَإِنْ كُنْتُ فِي نِعْمَةٍ وَقَيَّدَهُ الْخَطَّابِيُّ بِمَا إِذَا تَضَرَّرَ بِالْإِقَامَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ وَقَالَ الْقَزَّازُ اجْتَوَوْا أَيْ لَمْ يُوَافِقَهُمْ طَعَامُهَا وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ الْجَوَى دَاءٌ يَأْخُذُ مِنَ الْوَبَاءِ لِقَاحٍ بِلَامٍ مَكْسُورَةٍ وَقَافٍ
وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ النُّوقُ ذَوَاتُ الْأَلْبَانِ وَاحِدُهَا لِقْحَةٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ هِيَ لبون لَهُ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ اللِّقَاحَ كَانَتْ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ قَالَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِبِلَ الصَّدَقَةِ كَانَتْ تَرْعَى خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَصَادَفَ بَعْثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحِهِ إِلَى الْمَرْعَى وَطَلَبَ هَؤُلَاءِ الْخُرُوجَ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِشُرْبِ أَلْبَانِ الْإِبِلِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَ رَاعِيهِ فَخَرَجُوا مَعَهُ إِلَى الْإِبِلِ وَذكر بن سَعْدٍ أَنَّ عَدَدَ لِقَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَت خَمْسَة عشرةوانهم نَحَرُوا مِنْهَا وَاحِدَةً يُقَالُ لَهَا الْحَسْنَاءُ وَأَمَرَهُمْ أَن يشْربُوا من أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ أَلْبَانُ الْإِبِلِ وَأَبْوَالُهَا تَدْخُلُ فِي عِلَاجِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الِاسْتِسْقَاءِ لَا سِيَّمَا إِبِلُ الْبَادِيَة الَّتِي ترعى الشيح والقيصوم
[307]
وَمَلَأٌ مِنْ قُرَيْشٍ جُلُوسٌ هُمُ السَّبْعَةُ الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِمْ بَعْدُ بَيَّنَهُ الْبَزَّارُ فِي رِوَايَتِهِ وَقَدْ نَحَرَ جَزُورًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِلَّا أَنَّ اللَّفْظَةَ مُؤَنَّثَةٌ تَقُولُ هَذِهِ الْجَزُورُ وَإِنْ أَرَدْتَ ذَكِّرْهُ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَبُو جَهْلٍ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ الْفَرْثُ بِالْمُثَلَّثَةِ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ أَيْ بِإِهْلَاكِ قُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَادَ مُسْلِمٌ وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيطٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَةً الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَلَدُ الْمُسَمَّى فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَعِمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي قَلِيبِ بِفَتْحِ الْقَافِ آخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ وَقِيلَ الْعَادِيَةُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي لَا يعرف صَاحبهَا
[309]
إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجهه قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى التَّعْظِيمِ لِشَأْنِ الْقِبْلَةِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ زَادَ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ كَاتِبُ الْحَسَنَاتِ وَلِلطَّبَرَانِيِّ فَإِنَّهُ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَكٌ عَنْ يَمِينِهِ وَقَرِينُهُ عَنْ يَسَارِهِ
[310]
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَاره قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ يُقَالُ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ بِالْبَيْدَاءِ هِي الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَوْ ذَاتِ الْجَيْش هِيَ
بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ وَقِيلَ الْعَادِيَةُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهَا
عَلَى بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عِقْدٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُطُوَّقُ فِي الْعُنُقِ عَلَى الْتِمَاسِهِ أَيْ لِأَجْلِ طَلَبِهِ يَطْعُنُ بِيَدِهِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَذَا جَمِيعُ مَا هُوَ حِسِّيٌ وَأما الْمَعْنَوِيّ فَيُقَال يطعن بِالْفَتْح هَذَا هُوَ الْمَشْهُورِ فِيهِمَا وَحُكِيَ الْفَتْحُ فِيهِمَا مَعًا وَالضَّمُ فيهمَا مَعًا أسيد بْنُ حُضَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَمِنَ النَّوَادِرِ مَا فِي تَارِيخِ الْأَنْدَلُسِ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ خَلِيلٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنِّمَا هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ تَصْغِيرُ خِضْرٍ فَذُكِرَ ذَلِك لبَعض الْعلمَاء فَقَالَ مِسْكين أصبغ يخطىء
ويفسر مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ أَيْ هِيَ مَسْبُوقَةٌ بِغَيرِهَا مِنَ الْبَرَكَاتِ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ الْمُرَادُ بِآلِهِ نَفسه وَآله وَأَتْبَاعَهُ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ أَيْ أَثَرْنَاهُ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ أَي حَالَة السّير
[311]
عَلَى أَبِي جُهَيْمٍ بِالتَّصْغِيرِ الْحَارِثِ كَذَا قَالَ طَائِفَةٌ إِنَّ اسْمَهُ الْحَارِثُ وَصَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ الْحَارِثَ اسْمُ أَبِيهِ لَا اسْمُهُ وَأَنَّ اسْمه عبد الله بن الصِّمَّةَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ الْجَمَلِ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعْرَفُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيم وَالْمِيم وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيِّ بِئْرُ جَمَلٍ وَلَقِيَهُ رَجُلٌ وَهُوَ أَبُو جُهَيْمٍ الرَّاوِيُّ بَيَّنَهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ زَادَ الشَّافِعِيُّ فَحَتَّهُ بِعَصًا
[314]
مِنْ جَزْعٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّاي الْخَرَزُ الْيَمَانِيُّ وَاحِدُهُ جَزْعَةٌ ظَفَارِ هِيَ مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ كَقَطَامِ وَرُوِيَ أَظْفَارٌ بِالْهَمْزَةِ وَخَطأَهُ صَاحب النِّهَايَة
[321]
أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ معي مَوْجُود
أَتَتَوَضَّأُ بِتَاءَيْنِ مُثَّنَاتَيْنِ مِنْ فَوْقَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِالنُّونِ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ بِضَمِّ
الْمُوَحَّدَةِ وَإِعْجَامِ الضَّادِ وَفِي الْأَشْهَرِ قِيلَ هُوَ اسْم لصَاحب الْبِئْر وَقيل لموضعها
[348]
لَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ بِضَمِّ النُّونِ أَيْ لَا نَظُنُّ فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَاءٍ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ عَشْرَةِ أَمْيَالٍ وَهُوَ مَمْنُوعُ الصَّرْفِ وَقَدْ يُصْرَفُ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَتَشَرَّفُ لِلرَّجُلِ فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَ وَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ قَالَ الرَّاوِي لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّ نِسَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ عَام أُرِيد بِهِ الْخُصُوص قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّعْمِيمِ بِأَنَّ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ طُولُ مُكْثِهِ بِهِنَّ عُقُوبَةً لَهُنَّ لَا ابْتِدَاءَ وُجُودِهِ وَقد روى بن جرير وَغَيره عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَته قَائِمَة فَضَحكت أَيْ حَاضَتْ وَالْقِصَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِلَا ريب وروى بن الْمُنْذر وَالْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ كَانَ عَلَى حَوَّاءَ بعد ان
أهبطت من الْجنَّة وَاسْتَثْفِرِي هُوَ أَنْ تَشُدَّ فَرْجَهَا بِخِرْقَةٍ عَرِيضَةٍ بَعْدَ أَنْ تَحْشِي قُطْنًا وَتُوثِقُ طَرَفَيْهَا فِي شَيْءٍ تَشُدُّهُ عَلَى وَسَطِهَا فَتَمْنَعُ بِذَلِكَ سَيْلَ الدَّمِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ ثُفْرِ الدَّابَّةِ بِالْمُثَلَّثَةِ الَّذِي
يَجْعَل تَحت ذنبها فَتَمَعَّرَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ تَغَيَّرَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا فَرَدَّهُمَا فَسَقَاهُمَا زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَقَالَ لَهُمَا قَوْلَا اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ فَإِنَّهُمَا بِيَدِكَ لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ
غَيْرك الْعَوَاتِقُ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ مَنْ بَلَغَتِ الْحُلُمَ أَوْ قَارَبَتْ أَوِ اسْتَحَقَّتِ التَّزْوِيجَ أَوْ هِيَ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَهْلِهَا أَوِ الَّتِي عُتِقَتْ عَنْ الِامْتِهَانِ فِي الْخُرُوجِ لِلْخِدْمَةِ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ خِدْرٍ بِكَسْرِهَا وَسُكُونِ الدَّالِ وَهُوَ سِتْرٌ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ تقعد الْبكر
وَرَاءه
[395]
أَبُو الْمِقْدَام ثَابت الْحداد عَن عدي بن دِينَارٍ لَيْسَ لَهُمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ سِوَى هَذَا
الْحَدِيثِ حُكِّيهِ بِضِلَعٍ بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِعُودٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ ضِلَعُ الْحَيَوَانِ يُسَمَّى بِهِ الْعُودُ الَّذِي يُشْبِهُهُ وَقَدْ تُسَكَّنُ اللَّامُ تَخْفِيفًا وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ فَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن بن الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ الضِّلَعُ الْعُودُ هُنَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَصْلُ الضِّلَعِ ضِلَعُ الْجَنْبِ وَقِيلَ لِلْعُودِ الَّذِي فِيهِ عَرْضٌ وَاعْوِجَاجٌ ضِلَعٌ تَشْبِيهًا بِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ أَنَّهُ وَجَدَهُ بِخَطِّهِ فِي رِوَايَتِهِ من جِهَة بن حَيْوَةَ عَنِ النَّسَائِيِّ بِصِلَعٍ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي الْحَاشِيَةِ الصِّلَعُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْحَجَرُ قَالَ وَقَعَ فِي مَوْقِعٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الضِّلَعِ وَأَمَّا الْحَجَرُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ ذِكْرُهُ عَلَى غَلَبَةِ الْوُجُودِ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَكِّ انْتَهَى قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي الرِّوَايَةِ وَالْمَضْبُوطِ فِي الْأُصُولِ ثُمَّ إِنَّ الْحَجَرَ يُقَالُ لَهُ الصُّلَّعُ بِضَمِّ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وبن سيدة وَضَبطه بن سيدالناس فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ قَالَ وَهُوَ عِنْدَهُمُ الْحَجَرُ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ وَلَمْ أَجِدْ لَهُ سَلَفًا فِي هَذَا الضَّبْطِ انْتَهَى وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ لَيْسَ فِيهَا ذكر الضلع والسدر قَالَ بن الْقَطَّانِ وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَلَا نَعْلَمُهُ رُوِيَ بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ وَلَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا اضْطِرَابَ
فِي سَنَدِهِ وَلَا فِي مَتْنِهِ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ عِلّة انْتهى
[406]
يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ حَيِيٌّ سَتِيرٌ بِوَزْنِ رَحِيمٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٌ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ وإرادته حب السّتْر والصون
[409]
خر عَلَيْهِ أَي سقط من علو
[424]
دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ إِنَاءٌ يُحْلَبُ فِيهِ الْغَنَمُ كَالْمِحْلَبِ سَوَاءٌ قَالَهُ أَصْحَابُ الْمَعَانِي فِيمَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ يَعْنُونَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي ذَلِكَ الْحِلَابِ أَيْ يَضَعُ فِيهِ الْمَاءَ الَّذِي يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَصَحَّفَهُ بَعضهم بِالْجِيم
[431]
يَنْضَخُ طِيبًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَفُوحُ رُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي بِالْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَقِيلَ هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَا فُعِلَ تَعَمُّدًا وَبِالْمُهْمَلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ مَا ثَخُنَ مِنَ الطِّيبِ وَبِالْمُهْمَلَةِ مَا رَقَّ كَالْمَاءِ وَقِيلَ هُمَا سَوَاء
[432]
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْحافِظُ بن حَجَرٍ مَدَارُ حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا عَلَى هُشَيْمٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَله شَوَاهِد من حَدِيث بن عَبَّاس وَأبي مُوسَى وَأبي ذَر وبن عُمَرَ رضي الله عنهم وَرَوَاهَا كُلَّهَا أَحْمَدُ بأسانيد جِيَاد وَيزِيد هُوَ بن صُهَيْب لقب الْفَقِير لِأَنَّهُ
شكى فَقَارَ ظَهْرِهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُعْطِيتُ خَمْسًا بَيَّنَ فِي رِوَايَة بن عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قبلي زَاد فِي حَدِيث بن عَبَّاس لَا أقولهن فخرا قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُخَصَّ بِغَيْرِ الْخَمْسِ لَكِنْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ بِخَصَائِصَ أُخْرَى وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ اطَّلَعَ أَوَّلًا عَلَى بَعْضِ مَا اخْتُصَّ بِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى الْبَاقِي وَمَنْ لَا يَرَى مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةً يَدْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ ثُمَّ تَتَبَّعَ الْحافِظُ مِنَ الْأَحَادِيثِ خِصَالًا فَبَلَغَتِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَصْلَةً ثُمَّ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ أَمْعَنَ التَّتَبُّعَ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى إِنَّ الْخَصَائِصَ الَّتِي فُضِّلَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَنْبِيَاءِ سِتُّونَ خَصْلَةً قُلْتُ وَقَدْ دَعَانِي ذَلِكَ لَمَّا أَلَّفْتُ التَّعْلِيقَ الَّذِي عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي سَنَةِ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةِ إِلَى تَتَبُّعِهَا فَوَجَدْتُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ وَشُرُوحِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالتَّصَوُّفِ فَأَفْرَدْتُهَا فِي مُؤَلَّفٍ سَمَّيْتُهُ أُنْمُوذَجُ اللَّبِيبِ فِي خَصَائِصِ الْحَبِيبِ وَقَسَّمْتُهَا قِسْمَيْنِ مَا خُصَّ بِهِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا خُصَّ بِهِ عَنِ الْأُمَّةِ وَزَادَتْ عِدَّةُ الْقِسْمَيْنِ عَلَى أَلْفِ خِصِّيصَةٍ وَسَارَ الْمُؤَلَّفُ الْمَذْكُورُ إِلَى أَقَاصِي الْمَغَارِبِ وَالْمَشَارِقِ وَاسْتَفَادَهُ كُلُّ عَالِمٍ وَفَاضِلٍ وَسَرَقَ مِنْهُ كُلَّ مُدَّعٍ وَسَارِقٍ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ زَادَ أَبُو أُمَامَةَ يُقْذَفُ فِي قُلُوب
أعدائي وَأعْطيت الشَّفَاعَة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَقْرَبُ أَنَّ اللَّامَ فِيهَا لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي إِرَاحَةِ النَّاسِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَلِذَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ الشَّفَاعَةُ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ فِيمَا يَسْأَلُ وَقِيلَ الشَّفَاعَةُ فِي خُرُوجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذِهِ مُرَادَةٌ مَعَ الأولى وَقد وَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فَأَخَّرْتُهَا لِأُمَّتِي فَهِيَ لِمَنْ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّفَاعَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِخْرَاجُ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ إِلَّا التَّوْحِيدَ وَهُوَ مُخْتَصٌّ أَيْضًا بِالشَّفَاعَةِ الْأُولَى لَكِنْ جَاءَ التَّنْوِيهُ بِذِكْرِ هَذِهِ لِأَنَّهَا غَايَةُ الْمَطْلُوبِ مِنْ تِلْكَ لِاقْتِضَائِهَا الرَّاحَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا زَاد فِي رِوَايَة بن عُمَرَ وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَنْ قَبْلَنَا إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُمُ الصَّلَوَاتُ فِي أَمَاكِنَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبِيَعِ وَالصَّوَامِعِ وَطَهُورًا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قومه خَاصَّة قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ لَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ نُوحًا كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مَعَهُ وَقَدْ كَانَ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ بَعْثَتِهِ وَإِنَّمَا اتَّفَقَ بِالْحَادِثِ الَّذِي وَقَعَ وَهُوَ انْحِصَارُ الْخَلْقِ فِي الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ هَلَاكِ سَائِرِ النَّاسِ وَأَمَّا نَبِيُّنَا فَعُمُومُ رِسَالَتِهِ مِنْ أَصْلِ الْبَعْثَةِ فَإِنْ قِيلَ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ بَعْثَةِ نُوحٍ كَوْنُهُ دَعَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ فِي الْأَرْضِ فَأُهْلِكُوا بِالْغَرَقِ إِلَّا أَهْلَ السَّفِينَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إِلَيْهِمْ لَمَا أُهْلِكُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نبعث رَسُولا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الرُّسُلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ دُعَاءَهُ قَوْمَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ بَلَغَ سَائِرَ النَّاسِ لِطُولِ مُدَّتِهِ فَتَمَادَوْا عَلَى الشِّرْكِ فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ ذكره بن عَطِيَّة وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّوْحِيدُ عَامًّا فِي بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنْ كَانَ الْتِزَامُ فُرُوعِ شَرِيعَتِهِ لَيْسَ عَامًّا لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَ غَيْرَ قَوْمِهِ عَلَى الشِّرْكِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ التَّوْحِيدُ لَازِمًا لَهُمْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ إِرْسَالِ نُوحٍ إِلَّا قَوْمَ نُوحٍ فَبَعْثَتُهُ خَاصَّةٌ لِكَوْنِهَا إِلَى قَوْمِهِ فَقَطْ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الصُّورَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِمْ لَكِنْ لَوِ اتَّفَقَ وُجُودُ غَيْرِهِمْ لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إِلَيْهِمْ وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ وَيَأْمُرُ بِالْإِسْلَامِ كَبِلْقِيسَ وَغَيْرِهَا وَيُهَدِّدُهُمْ بِالْقِتَالِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ مَعَ أَنَّهُ مَا أُرْسِلَ إِلَّا إِلَى قَوْمِهِ قَالَ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا فِي رِسَالَتِهِمْ خَاصَّةً أَيْ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ أَمَّا فِي الْمَنْدُوبَاتِ فَهُمْ مَأْمُورُونَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا مُطْلَقًا وَأَمَّا التَّهْدِيدُ بِالْقِتَالِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْوَاجِبِ فِي بَادِئِ الرَّأْي فَلَا نَقُولُ إِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ بَلِ الْعِقَابُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَأَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ بِالْقِتَالِ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَلَا يَلْزَمُ اللُّبْسُ لِحُصُولِ الْفَرْقِ بِالْعِقَابِ تَنْبِيهٌ سَقَطَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْخَصْلَةُ الْخَامِسَةُ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَهِيَ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلْ لِنَبِيٍّ قَبْلِي وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدا وَطهُورًا خصْلَة وَاحِدَة لتعلقها بِالْأَرْضِ
[433]
مِثْلُ سَهْمِ جَمْعٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَهُ سَهْمٌ مِنَ الْخَيْرِ جُمِعَ فِيهِ حَظَّانِ وَالْجِيمُ مَفْتُوحَةُ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْجَمْعِ الْجَيْشَ أَيْ سَهْمُ الْجَيْشِ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ سُئِلَ بن وَهْبٍ مَا تَفْسِيرُ جَمْعٍ قَالَ يَعْنِي أَنَّهُ لَهُ أَجْرُ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُرِدْ جَمْعَ النَّاسِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْسِيرَ مَا رُوِيَ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةٍ لَهُ إِنَّ لِفَاطِمَةَ ابْنَتِي بَغْلَتِي الشَّهْبَاءَ وَعَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلِابْنِي مُحَمَّدٍ سَهْمَ جَمْعٍ فَقَالَ نصيب رجلَيْنِ
[445]
إِذَا أَفْضَى قَالَ الْفُقَهَاءُ الْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَطن الْكَفّ