المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(كتاب الزَّكَاة)   [2435] عَن بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى - حاشية السيوطي على سنن النسائي - جـ ٥

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌ ‌(كتاب الزَّكَاة)   [2435] عَن بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى

(كتاب الزَّكَاة)

[2435]

عَن بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ كَانَ بَعَثَهُ إِلَيْهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ حَجِّهِ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ تَبُوكَ وَقِيلَ عَامَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَاخْتُلِفَ هَلْ بَعَثَهُ وَالِيًا أَوْ قَاضِيًا فَجَزَمَ الْغَسَّانِيُّ بِالْأولِ وبن عَبْدِ الْبَرِّ بِالثَّانِي وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ قَدِمَ فِي عَهْدِ عُمَرَ فَتَوَجَّهَ إِلَى الشَّامِ فَمَاتَ بِهَا رضي الله عنه إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ كَانَ أَصْلُ دُخُولِ الْيَهُودِ فِي الْيَمَنِ فِي زمن أسعد وَهُوَ تبع الْأَصْغَر حَكَاهُ بن إِسْحَاقَ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ فَإِذَا جِئْتَهُمْ إِلَخ لَمْ يَقَعْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ كَانَ فِي أَوَاخِر الْأَمر وَأجَاب بن الصَّلَاحِ بِأَنَّ ذَلِكَ تَقْصِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى ارْتِفَاعِ الْوُثُوقِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ اهْتِمَامَ الشَّرْعِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَكْثَرُ وَبِأَنَّهُمَا إِذَا وَجَبَا عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ بِالْفِدْيَةِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ الْغَيْرَ قَدْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْمَغْصُوب وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ شُرِعَ وَقَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ إِذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الْأَرْكَانِ لَمْ يُخِلَّ الشَّارِعُ مِنْهَا بِشَيْء كَحَدِيث بن عُمَرَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ فَإِذَا كَانَ فِي الدُّعَاء الىالاسلام اكْتَفَى بِالْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الشَّهَادَةُ وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ وُجُوبِ فَرْضِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ بَرَاءَةٌ مَعَ أَنَّ نُزُولَهَا بعد فرض الصَّوْم وَالْحج قطعا وَحَدِيث بن عُمَرَ أَيْضًا أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْكَانَ الْخَمْسَةَ اعْتِقَادِيٌّ وَهُوَ الشَّهَادَةُ وَبَدَنِيٌّ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَمَالِيٌّ وهُوَ الزَّكَاةُ فَاقْتَصَرَ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا لِيُفَرِّعَ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ عَلَيْهَا فَإِنَّ الصَّوْمَ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ وَالْحَجَّ بَدَنِيٌّ وَمَالِيٌّ وَأَيْضًا فَكَلِمَةُ الْإِسْلَامِ هِيَ الْأَصْلُ وَهِيَ شَاقَّةٌ عَلَى الْكُفَّارِ وَالصَّلَاةُ شَاقَّةٌ لِتَكَرُّرِهَا وَالزَّكَاةُ شَاقَّةٌ لِمَا فِي جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِ مِنْ حُبِّ الْمَالِ فَإِذَا دُعِيَ الْمَرْءُ

ص: 2

لِهَذِهِ الثَّلَاثِ كَانَ مَا سِوَاهَا أَسْهَلَ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا

[2436]

فَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ أَيْ تَجَنَّبِ الظُّلْمَ لِئَلَّا يَدْعُوَ عَلَيْكَ الْمَظْلُومُ زَادَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ أَيْ لَيْسَ لَهَا صَارِفٌ يَصْرِفُهَا وَلَا مَانِعٌ يَمْنَعُهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ الدَّاعِيَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّات إِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ مَا طَلَبَ وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلُهُ وَهَذَا كَمَا قُيِّدَ مُطْلَقُ قَوْلِهِ تَعَالَى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعَاهُ بقوله تَعَالَى ويكشف مَا تدعون إِلَيْهِ إِن شَاءَ

ص: 4

[2437]

عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ بِإِسْقَاطِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ فَتَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ مُسْلِمٍ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ عَلِمَ سَمَاعَ أَبِي سَلَّامٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَبِي مَالِكٍ فَيَكُونُ أَبُو سَلَّامٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي مَالِكٍ وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ فَرَوَاهُ مَرَّةً عَنْهُ وَمَرَّةً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنهُ وَأَبُو مَالك اسْمه الْحَرْث بن الْحَرْث وَقِيلَ عُبَيْدٌ وَقِيلَ عُمَرُ وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ كَعْب وَقيل عَامر بن الْحَرْث وَأَبُو سَلَّامٍ بِالتَّشْدِيدِ اسْمُهُ مَمْطُورٌ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ شَطْرُ الْإِيمَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَصْلُ الشَّطْرِ النِّصْفُ وَاخْتلف الْعلمَاء

ص: 5

فِيهِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْخَطَايَا وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ وَصَارَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِيمَانِ فِي مَعْنَى الشَّطْرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ هُنَا الصَّلَاةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ الله لِيُضيع ايمانكم وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَصَارَتْ كَالشَّطْرِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي الشَّطْرِ أَنْ يَكُونَ نِصْفًا حَقِيقِيًّا وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَانْقِيَادٌ بِالظَّاهِرِ وَهُمَا شَطْرَانِ لِلْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلصَّلَاةِ فَهِيَ انْقِيَادٌ فِي الظَّاهِرِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يُطَهِّرُ نَجَاسَةَ الْبَاطِنِ وَالْوُضُوءَ يُطَهِّرُ نَجَاسَةَ الظَّاهِرِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تملأ الْمِيزَان قَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ أعظم أَجْرِهَا وَأَنَّهُ يَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وَزْنِ الْأَعْمَالِ وَثِقَلِ الْمِيزَانِ وَخِفَّتِهَا وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَالَ النَّوَوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَوْ قُدِّرَ ثَوَابُهُمَا جِسْمًا لَمَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسَبَبُ عِظَمِ فَضْلِهِمَا مَا اشْتَمَلَا عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيهِ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالتَّفْوِيضِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحَمْدُ رَاجِعٌ إِلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَوْصَافِ كَمَالِهِ فَإِذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى حَامِدٌ مُسْتَحْضِرٌ مَعْنَى الْحَمْدِ فِي قَلْبِهِ امْتَلَأَ مِيزَانُهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ فَإِذَا أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ سُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي مَعْنَاهُ تَبْرِئَةُ اللَّهِ وَتَنْزِيهُهُ عَنْ كُلِّ مَالا يَلِيقُ بِهِ مِنَ النَّقَائِصِ مَلَأَتْ حَسَنَاتُهُ وَثَوَابُهَا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِذِ الْمِيزَانُ مَمْلُوءٌ بِثَوَابِ التَّحْمِيدِ وَذِكْرِ السَّمَاوَاتِ على جُبَّة الِاعْتِنَاءِ عَلَى الْعَادَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الثَّوَابَ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا بِحَيْثُ لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ مَا بَيْنَهُمَا وَالصَّلَاةُ نُورٌ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْمَعَاصِي وَتَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ كَمَا أَنَّ النُّورَ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ أَجْرَهَا يَكُونُ نُورًا لِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ إِنَّهَا سَبَبٌ لِإِشْرَاقِ أَنْوَارِ الْمَعَارِفِ وَانْشِرَاحِ الْقَلْبِ وَمُكَاشَفَاتِ الْحَقَائِقِ لِفَرَاغِ الْقَلْبِ فِيهَا وَإِقْبَالِهِ إِلَى اللَّهِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ نُورًا ظَاهِرًا عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِهِ إِلَيْهَا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَالزَّكَاةُ بُرْهَانٌ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَاهُ يُفْزَعُ إِلَيْهَا كَمَا يُفْزَعُ إِلَى الْبَرَاهِينِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا سُئِلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ وَقَالَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى إِيمَانِ فَاعِلِهَا فَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَمْتَنِعُ مِنْهَا لِكَوْنِهِ لَا يَعْتَقِدُهَا فَمَنْ تَصَدَّقَ اسْتُدِلَّ بِصَدَقَتِهِ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبُرْهَانُ الْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ أَيْ أَنَّهَا حُجَّةٌ لِطَالِبِ الْأَجْرِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا فَرْضٌ يُجَازِي اللَّهُ بِهِ وَعَلَيْهِ وَقِيلَ هِيَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِ صَاحِبِهَا لِطِيبِ نَفْسِهِ بِإِخْرَاجِهَا وَذَلِكَ لِعَلَاقَةِ مَا بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ بُرْهَانٌ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِ الْمُتَصَدِّقِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ أَوْ عَلَى صِحَّةِ مَحَبَّةِ الْمُتَصَدِّقِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِمَا لَدَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ إِذْ آثَرَ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَابْتِغَاءَ ثَوَابِهِ عَلَى مَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَتَّى أَخْرَجَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ وَعَلَى النَّائِبَاتِ وَأَنْوَاعِ الْمَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْمُرَادُ أَنَّ الصَّبْرَ مَحْمُودٌ لَا يَزَالُ صَاحِبُهُ مُسْتَضِيئًا مُهْتَدِيًا مُسْتَمِرًّا عَلَى الصَّوَابِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَوَاهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَالصَّوْمُ ضِيَاءٌ بِالْمِيمِ وَلَمْ تَقَعْ لَنَا تِلْكَ الرِّوَايَةُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ

ص: 6

يُعَبَّرَ بِالصَّبْرِ عَنِ الصَّوْمِ وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ تَنَزَّلْنَا عَلَى ذَلِكَ فَيُقَالُ فِي كَوْنِ الصَّبْرِ ضِيَاءً كَمَا قِيلَ فِي كَوْنِ الصَّلَاةِ نُورًا وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ بَيْنَ النُّورِ وَالضِّيَاءِ فَرْقٌ مَعْنَوِيٌّ بَلْ لَفْظِيٌّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ الصَّبْرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ الصَّوْمِ بَلْ هُوَ الصَّبْرُ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْمَشَاقِّ وَالْمَصَائِبِ وَالصَّبْرُ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ كَاتِّبَاعِ هَوَى النَّفْسِ وَالشَّهَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَنْ كَانَ صَابِرًا عَلَى تِلْكَ الْأَحْوَالِ مُتَثَبِّتًا فِيهَا مُقَابِلًا لِكُلِّ حَالٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ ضَاءَتْ لَهُ عَوَاقِبُ أَحْوَالِهِ وَصَحَّتْ لَهُ مَصَالِحُ أَعْمَالِهِ فَظَفِرَ بِمَطْلُوبِهِ وَحَصَّلَ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى مَرْغُوبِهِ كَمَا قِيلَ وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرٍ يُحَاوِلُهُ وَاسْتَعْمَلَ الصَّبْرَ إِلَّا فَازَ بِالظَّفَرِ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ تَنْتَفِعُ بِهِ إِنْ تَلَوْتَهُ وَعَمِلْتَ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْكَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَعْنِي أَنَّكَ إِذَا امْتَثَلْتَ أَوَامِرَهُ وَاجْتَنَبْتَ نَوَاهِيَهُ كَانَ حُجَّةً لَكَ فِي الْمَوَاقِفِ الَّتِي تسئل مِنْهُ عَنْهُ كَمُسَاءَلَةِ الْمَلَكَيْنِ فِي الْقَبْرِ وَالْمُسَاءَلَةِ عِنْدَ الْمِيزَانِ وَفِي عِقَابِ الصِّرَاطِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ ذَلِكَ احْتُجَّ بِهِ عَلَيْكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الَّذِي يُنْتَهَى إِلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْمَبَاحِثِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْوَقَائِعِ الْحُكْمِيَّةِ فَبِهِ تَسْتَدِلُّ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاكَ وَبِهِ يسْتَدلّ عَلَيْك خصمك

ص: 8

[2439]

مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَصْلُ فِي الزَّوْجِ الصِّنْفُ وَالنَّوْعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْ كُلِّ شَيْئَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ شَكْلَيْنِ كَانَا أَوْ نَقِيضَيْنِ فَهُمَا زَوْجَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ يُرِيدُ مَنْ أَنْفَقَ صِنْفَيْنِ مِنْ مَالِهِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَيْ مِنْ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ فَرَسَيْنِ أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ صَلَاتَيْنِ أَوْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ وَالْمَطْلُوبُ تَشْفِيعُ صَدَقَتِهِ بِأُخْرَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ وُجُوهِ الْخَيْرِ وَقِيلَ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْجِهَادِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ لَكَ هُنَا خَيْرُ ثَوَابٍ وَغِبْطَةٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ هَذَا الْبَابُ فِيمَا نَعْتَقِدُهُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَبْوَابِ لِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ وَنَعِيمِهِ فَيُقَالُ فَادْخُلْ مِنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مُنَادٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ الْحَدِيثَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ وَطَاعَتِهِ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ ذَكَرَ هُنَا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَبْوَابٍ بَابَ الصَّلَاةِ وَبَابَ الصَّدَقَةِ وَبَابَ الصِّيَامِ وَبَابَ الْجِهَادِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ بَابُ التَّوْبَةِ وَبَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ

ص: 9

عَنِ النَّاسِ وَبَابُ الرَّاضِينَ فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ جَاءَتْ فِي الْأَحَادِيثِ وَجَاءَ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ فَلَعَلَّهُ الْبَابُ الثَّامِنُ وَقَالَ بن بَطَّالٍ فَإِنْ قُلْتَ النَّفَقَةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي بَابِ الْجِهَادِ وَالصَّدَقَةِ فَكَيْفَ تَكُونُ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ قُلْتُ عَنَى بِالزَّوْجَيْنِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَالْعرب تسمى مَا يُبدلهُ الْإِنْسَانُ مِنَ النَّفْسِ نَفَقَةً يَقُولُ فِيمَا يَعْلَمُ مِنَ الصَّنْعَةِ أَنْفَقْتُ فِيهَا عُمُرِي فَإِتْعَابُ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ إِنْفَاقٌ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَ بَابَ الرَّيَّانِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعَطْشَانَ بِالصَّوْمِ فِي الْهَوَاجِرِ سَيُرْوَى وَعَاقِبَتُهُ إِلَيْهِ وَهُوَ مُشْتَقّ من الرّيّ

[2440]

إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا الْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ وُجُوهِ الْمَكَارِمِ وَالْخَيْرِ وتَنْطِحُهُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ كُلَّمَا نَفَدَتْ أُخْرَاهَا قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطْنَاهُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيح

ص: 10

[2441]

إِلَّا جُعِلَ لَهُ طَوْقًا فِي عُنُقِهِ شُجَاعٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِالضَّمِّ وَصْفٌ لِحَيَّةِ الذَّكَرِ وَقِيلَ هُوَ الْحَيَّةُ مُطْلَقًا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ الشُّجَاعُ مِنَ الْحَيَّاتِ الَّتِي تُوَاثِبُ الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ وَيَقُومُ عَلَى ذَنَبِهِ وَرُبَّمَا بَلَغَ رَأْسَ الْفَارِسِ يَكُونُ فِي الصَّحَارِي أَقْرَعُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي لَا شَعْرَ لَهُ عَلَى رَأْسِهِ يُرِيدُ حَيَّةً قَدْ تَمَعَّطَ جِلْدُ رَأْسِهِ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ وَطُولِ عُمُرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ هُوَ الْأَبْيَضُ الرَّأْسِ مِنْ كَثْرَةِ السُّمِّ وَقِيلَ نَوْعٌ مِنَ الْحَيَّاتِ أَقْبَحُهَا مَنْظَرًا وَقَالَ وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَالَهُ صُيِّرَ وَخُلِقَ عَلَى صُورَةِ الشُّجَاعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الشُّجَاعَ لِعَذَابِهِ قَالَ وَقِيلَ خُصَّ الشُّجَاعُ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ عَدَاوَةِ الْحَيَّاتِ لِبَنِي آدَمَ

ص: 11

[2442]

أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا أَيْ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا فِي نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّجْدَةُ الشِّدَّةُ وَقِيلَ السِّمَنُ وَالرِّسْلُ بِالْكَسْرِ الْهَينَةُ وَالتَّأَنِّي وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَيِ الشِّدَّةُ وَالرَّخَاءُ يَقُولُ يُعْطِي وَهِيَ سِمَانٌ حِسَانٌ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا فَتِلْكَ نَجْدَتُهَا وَيُعْطِي فِي رِسْلِهَا وَهِيَ مَهَازِيلُ مُقَارِبَةٌ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ أَعْطَى فِي إِبِلِهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَتَكُونُ نَجْدَةً عَلَيْهِ أَيْ شِدَّةً وَيُعْطى مَا يَهو ن عَلَيْهِ عَطَاؤُهُ مِنْهَا مُسْتَهِينًا عَلَى رِسْلِهِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي رِسْلِهَا أَيْ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَقِيلَ لَيْسَ لِلْهُزَالِ فِيهِ مَعْنًى لِأَنَّهُ ذَكَرَ الرِّسْلَ بَعْدَ النَّجْدَةِ عَلَى جِهَةِ التَّفْخِيمِ لِلْإِبِلِ فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِمْ إِلَّا مَنْ أَعْطَى فِي سِمَنِهَا وَحُسْنِهَا وَوُفُورِ لَبَنِهَا وَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَلَا مَعْنَى لِلْهُزَالِ لِأَنَّ مَنْ بَذَلَ حَقَّ اللَّهِ مِنَ الْمَضْنُونِ بِهِ كَانَ إِلَى إِخْرَاجِهِ مَا يَهُونُ عَلَيْهِ أَسْهَلَ فَلَيْسَ لِذِكْرِ الْهُزَالِ بَعْدَ السِّمَنِ مَعْنًى قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْأَحْسَنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّجْدَةِ الشِّدَّةَ وَالْجَدْبَ وَبِالرِّسْلِ الرَّخَاءَ وَالْخِصْبَ لِأَنَّ الرِّسْلَ اللَّبَنُ وَإِنَّمَا يَكْثُرُ فِي حَالِ الرَّخَاءِ وَالْخِصْبِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُخْرِجُ حَقَّ اللَّهِ فِي حَالِ الضِّيقِ وَالسَّعَةِ وَالْجَدْبِ وَالْخِصْبِ لِأَنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ حَقَّهَا فِي سَنَةِ الضِّيقِ وَالْجَدْبِ كَانَ ذَلِكَ شَاقًّا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ

ص: 12

إِجْحَافٌ وَإِذَا أَخْرَجَهَا فِي حَالِ الرَّخَاءِ كَانَ ذَلِكَ سَهْلًا عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي الْحَدِيثِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجْدَتُهَا وَرِسْلُهَا قَالَ فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا فَسَمَّى النَّجْدَةَ عُسْرًا وَالرِّسْلَ يُسْرًا لِأَنَّ الْجَدْبَ عُسْرٌ وَالْخِصْبَ يُسْرٌ فَهَذَا الرَّجُلُ يُعْطِي حَقَّهَا فِي حَالِ الْجَدْبِ وَالضِّيقِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّجْدَةِ وَفِي حَالِ الْخِصْبِ وَالسَّعَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالرِّسْلِ فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ بِالْغَيْنِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ أَسْرَعَ وَأَنْشَطَ أَغَذَّ يُغِذُّ إِغْذَاذًا أَسْرَعَ فِي السَّيْرِ وَأَسَرِّهِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ كَأَسْمَنِ مَا كَانَتْ وَأَوْفَرِهِ مِنْ سِرِّ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ لُبُّهُ وَمُخُّهُ وَقِيلَ هُوَ مِنَ السُّرُورِ لِأَنَّهَا إِذَا سَمِنَتْ سَرَّتِ النَّاظِرَ إِلَيْهَا قَالَ وَرُوِيَ وَآشَرِهِ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ أَبْطَرِهِ أَوْ أَنْشَطِهِ يُبْطَحُ لَهَا أَيْ يُلْقَى عَلَى وَجْهِهِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ بِفَتْحِ الْقَافَيْنِ هُوَ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ الْمُسْتَوِي فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ لَوْ حَاسَبَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَقَالَ الْحَسَنُ قدر بن السمان مواقفهم لِلْحسابِ كل موقف أَلْفَ سَنَةٍ وَفِي الْحَدِيثِ إِنَّهُ

ص: 13

لَيَخِفُّ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَيَرَى سَبِيلَهُ زَادَ مُسْلِمٌ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ هِيَ الْمُلْتَوِيَةُ الْقَرْنَيْنِ وَلَا عَضْبَاءُ هِيَ الْمَكْسُورَة

ص: 14

الْقرن

[2443]

لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِهِ الْحَبْلَ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ الَّذِي يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِهَا التَّسْلِيمَ وَإِنَّمَا يَقَعُ الْقبْضُ بِالرِّبَاطِ وَقِيلَ أَرَادَ مَا يُسَاوِي عِقَالًا مِنْ حُقُوقِ الصَّدَقَةِ وَقِيلَ إِذَا أَخَذَ الْمُتَصَدِّقُ أَعْيَانَ الْإِبِلِ قِيلَ أَخَذَ عِقَالًا وَإِذَا أَخَذَ أَثْمَانهَا قِيلَ أَخَذَ نَقْدًا وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعِقَالِ صَدَقَةَ الْعَامِ يُقَالُ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ عِقَالَ هَذَا الْعَامِ إِذَا أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَتَهُ وَبُعِثَ فُلَانٌ عَلَى عِقَالِ بَنِي فُلَانٍ إِذَا بُعِثَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ هُوَ أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْمَعْنَى وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي مِثْلِ هَذَا بِالْأَقَلِّ لَا بِالْأَكْثَرِ وَلَيْسَ بِسَائِرٍ فِي لِسَانِهِمْ أَنَّ الْعِقَالَ صَدَقَةُ عَام

ص: 15

[2444]

وَمَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا أَيْ طَالِبًا لِلْأَجْرِ وَمَنْ أَبَى فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْحَرْبِيُّ غَلِطَ الرَّاوِي فِي لَفْظِ الرِّوَايَةِ إِنَّمَا هُوَ وَشَطْرِ مَالِهِ أَيْ يُجْعَلُ مَالُهُ شَطْرَيْنِ وَيَتَخَيَّرُ عَلَيْهِ الْمُصَدِّقُ فَيَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ خَيْرِ النِّصْفَيْنِ عُقُوبَةً لِمَنْعِهِ الزَّكَاةَ فَأَمَّا مَالا يَلْزَمُهُ فَلَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِ الْحَرْبِيِّ لَا أَعْرِفُ هَذَا الْوَجْهَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَقَّ مُسْتَوْفًى مِنْهُ غَيْرُ مَتْرُوكٍ وَإِنْ تَلِفَ شَطْرُ مَالِهِ كَرَجُلٍ كَانَ لَهُ أَلْفُ شَاةٍ فَتَلْفِتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا عِشْرُونَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَشْرُ شِيَاهٍ لِصَدَقَةِ الْأَلْفِ وَهُوَ شَطْرُ مَالِهِ الْبَاقِي وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ قَالَ إِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّا آخِذُوا شَطْرَ مَالِهِ وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَقَعُ بَعْضُ الْعُقُوبَاتِ فِي الْأَمْوَالِ ثُمَّ نُسِخَ كَقَوْلِهِ فِي التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ مَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ وَكَقَوْلِهِ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ الْمَكْتُوبَةِ غَرَامُهَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا وَكَانَ عُمَرُ يَحْكُمُ بِهِ فَغَرَّمَ حَاطِبًا ضِعْفَ ثَمَنِ نَاقَةِ الْمُزَنِيِّ لَمَّا سَرَقَهَا رَقِيقُهُ وَنَحَرُوهَا وَلَهُ فِي الْحَدِيثِ نَظَائِرُ وَقَدْ أَخَذَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَعَمِلَ بِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ مَنْ مَنَعَ زَكَاةَ مَالِهِ أُخِذَتْ وَأُخِذَ شَطْرُ مَالِهِ عُقُوبَةً عَلَى مَنْعِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا الزَّكَاةُ لَا غَيْرُ وَجَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخًا وَقَالَ كَانَ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتِ الْعُقُوبَاتُ فِي الْمَالِ ثُمَّ نُسِخَتْ وَمَذْهَبُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ أَنْ لَا وَاجِبَ عَلَى مُتْلِفِ شَيْءٍ أَكْثَرُ مِنْ مِثْلِهِ أَو قِيمَته

ص: 16

عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا أَيْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقه وواجب من واجباته

[2445]

خَمْسِ ذَوْدٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَضَافَ خَمْسَ إِلَى ذَوْدٍ وَهُوَ مُنَكَّرٌ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَأَضَافَهُ إِلَى الْجَمْعِ لِأَنَّهُ يَقَعُ على الْمُفْرد وَالْجمع وَأما قَول بن قُتَيْبَةَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ فَقَطْ فَلَا يَدْفَعُ مَا نَقَلَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الذَّوْدَ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنَ الثِّنْتَيْنِ إِلَى الْعَشَرَةِ قَالَ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِنَاثِ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ يَقُول ثَلَاثُ ذَوْدٍ لِأَنَّ الذَّوْدَ مُؤَنَّثٌ وَلَيْسَ بِاسْمٍ كُسِّرَ عَلَيْهِ مُذَكَّرٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَصْلُهُ ذَادَ يَذُودُ إِذَا دَفَعَ شَيْئًا فَهُوَ مَصْدَرٌ فَكَأَنَّهُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَرَّةَ الْفقر وَشدَّة الْفَاقَة وَالْحَاجة وَأنكر

ص: 17

بن قُتَيْبَةَ أَنْ يُرَادَ بِالذَّوْدِ الْجَمْعُ وَقَالَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ خَمْسُ ذَوْدٍ كَمَا لَا يَصح أَن يُقَال خمس ثوب وغطه الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِي الْجَمْعِ فَقَالُوا خَمْسُ ذود لخمس مِنَ الْإِبِلِ كَمَا قَالَ ثَلَاثُمِائَةٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لِلذَّوْدِ وَاحِدًا مِنْ لَفْظِهِ وَالْأَشْهَرُ مَا قَالَهُ المتقدمون أَنه لَا يُطلق على الْوَاحِد

[2447]

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخَذْتُ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ صَرَّحَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ بِأَنَّ حَمَّادًا سَمِعَهُ مِنْ ثُمَامَةَ وَأَقْرَأهُ الْكِتَابَ فَانْتَفَى تَعْلِيلُ مَنْ أَعَلَّهُ بِكَوْنِهِ مُكَاتِبَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُمْ أَيْ لَمَّا وَجَّهَ أَنَسًا إِلَى الْبَحْرَيْنِ عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَةِ إِنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ ظَاهِرٌ فِي رَفْعِ الْخَبَرِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ فِي مُسْنَدِهِ وَمَعْنَى فَرَضَ هُنَا أَوْجَبَ أَوْ شَرَعَ يَعْنِي بِأَمْرِ اللَّهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَدَّرَ لِأَنَّ إِيجَابَهَا ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ فَفَرْضُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهَا بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ مِنَ الْكِتَابِ بِتَقْدِيرِ الْأَنْوَاعِ لَا الَّتِي

ص: 18

أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِهَا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم كَذَا وَقَعَ هُنَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِحَذْفِ الْوَاوِ عَلَى أَنَّ الَّتِي بَدَلٌ مِنَ الَّتِي الْأُولَى وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِوَاوِ الْعَطْفِ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا أَيْ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلَا يُعْطِ أَيْ مَنْ سُئِلَ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ فِي سِنٍّ أَوْ عَدَدٍ فَلَهُ الْمَنْعُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى تَرْجِيحِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَلْيَمْنَعِ السَّاعِيَ وَلْيَتَوَلَّ هُوَ إِخْرَاجَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ السَّاعِيَ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا طَرُوقَةُ الْفَحْلِ بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ مَطْرُوقَةَ فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا بَلَغَتْ

ص: 19

أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ وَهِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ جَذَعَةٌ بِفَتْحِ الْجِيم

ص: 20

وَالْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا إِلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ مُتَطَوِّعًا وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ هِيَ الْكَبِيرَةُ الَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا أَيْ مَعِيبَةٌ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ الْعَيْبُ وَبِالضَّمِّ الْعَوَرُ وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ وَالْمُرَادُ الْمَالِكُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ لَا تُؤْخَذُ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ أَصْلًا وَلَا يُؤْخَذُ التَّيْسُ وَهُوَ فَحْلُ الْغَنَمِ إِلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَفِي أَخْذِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إِضْرَارٌ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُخْتَصٌّ بِالثَّالِثِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَهُوَ السَّاعِي وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ فِي اجْتِهَاده لكنه يجرى مجْرى الوسيل فَلَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَفْظُهُ وَلَا تُؤْخَذُ ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ إِلَّا أَنْ يَرَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِلْمَسَاكِينِ فَيَأْخُذُ عَلَى النَّظَرِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ

ص: 21

قَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ خِطَابٌ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةٍ وَلِلسَّاعِي مِنْ جِهَةٍ فَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ لَا يُحْدِثَ شَيْئًا مِنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ فَرَبُّ الْمَالِ يَخْشَى أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَقِلَّ وَالسَّاعِي يَخْشَى أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَكْثُرَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنِ الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَحُمِلَ عَلَيْهِمَا مَعًا لَكِنِ الْأَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَالِكِ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْخَلِيطِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الشَّرِيكُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشَّرِيكَ قَدْ لَا يَعْرِفُ عَيْنَ مَالِهِ وَقَدْ قَالَ إِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ بن جَرِيرٍ لَوْ كَانَ تَفْرِيقُهُمَا

ص: 22

مِثْلَ جَمْعِهِمَا فِي الْحُكْمِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ أَمْرٍ لَوْ فَعَلَهُ كَانَتْ فِيهِ فَائِدَةٌ قَبْلَ النَّهْيِ قَالَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَمَا كَانَ لِتَرَاجُعِ الْخَلِيطَيْنِ بَيْنَهُمَا سَوَاءً مَعْنًى وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى التَّرَاجُعِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً مَثَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ قَدْ عَرَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَيْنَ مَالِهِ فَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ أَحَدِهِمَا شَاةً فَيَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَلِيطِهِ بِقِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ وَهِيَ تُسَمَّى خُلْطَةَ الْجِوَارِ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً قَالَ الزَّرْكَشِيُّ نَاقِصَةً بِالنَّصْبِ خَبَرُ كَانَ وشَاة تَمْيِيزٌ وَوَاحِدَةً وَصْفٌ لَهَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَاحِدَةً إِمَّا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِوَاحِدَةٍ وَإِمَّا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ نَاقِصَةً وَرُوِيَ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ بِالْجَرِّ وَفِي الرِّقَةِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَهِيَ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ قِيلَ أَصْلُهَا

ص: 23

الْوَرِقُ فَحُذِفَتِ الْوَاوُ وَعُوِّضَتِ الْهَاءُ وَقِيلَ يُطْلَقُ على الذَّهَب وَالْفِضَّة بِخِلَاف الْوَرق

[2448]

وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ لِمَنْ يَحْضُرُهَا مِنَ الْمَسَاكِينِ وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَلْبُ بِمَوْضِعِ الْمَاءِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَى الْمُحْتَاج من قصد الْمنَازل وَذكره الداوي بِالْجِيم وَفَسرهُ بالاحضار إِلَى الْمُصدق وَتعقبه بن دِحْيَةَ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ تَصْحِيفٌ رُغَاءٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَغَيْنٌ مُعْجَمَةٌ صَوْتُ الْإِبِلِ يُعَارٌ بِتَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ صَوْتُ الْمَعْزِ وَرَوَاهُ الْفَزَّارُ بِمُثَنَّاةٍ فوقية وَرجحه بن التِّين وَقَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَيَكُونُ كَنْزُ أَحَدِهِمْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ الْكَنْزُ كُلُّ شَيْءٍ مَجْمُوعٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ أَمْ عَلَى ظَهْرِهَا زَادَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَغَيْرُهُ وَكَانَ مَخْزُونًا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَنْزِ

ص: 24

الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ هُوَ كُلُّ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ تُؤَدَّ فَأَمَّا مَالٌ خَرَجَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَقِيلَ الْكَنْزُ هُوَ الْمَذْكُورُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَكِنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى على القَوْل الأول أَنا كَنْزك زَاد بن حِبَّانَ الَّذِي تَرَكْتَهُ بَعْدَكَ فَلَا يَزَالُ حَتَّى يُلْقِمَهُ أُصْبُعَهُ لِابْنِ حِبَّانَ فَلَا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ يَدَهُ فَيَمْضُغَهَا

ص: 25

ثمَّ يتبعهُ سَائِر جسده

[2450]

أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي الْجِزْيَةَ أَرَادَ بِالْحَالِمِ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّجَالِ سَوَاءٌ احْتَلَمَ أَمْ لَا أَوْ عَدْلَهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ مَعَافِرِيًّا هِيَ بُرُودٌ بِالْيَمَنِ مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَعَافِرَ قَبيلَة بهَا وَالْمِيم زَائِدَة

[2454]

جَمَّاءُ هِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا يَقْضِمُهَا

ص: 26

الْقَضْمُ بِقَافٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ

ص: 28

[2457]

إِنَّ فِي عَهْدِي أَنْ لَا نَأْخُذَ رَاضِعَ لَبَنٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالرَّاضِعِ ذَاتَ الدَّرِّ وَاللَّبَنِ وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ ذَاتَ رَاضِعٍ فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ فَالرَّاضِعُ الصَّغِيرُ الَّذِي هُوَ بَعْدُ يَرْضَعُ وَنَهْيُهُ عَنْ أَخْذِهَا لِأَنَّهَا خِيَارُ الْمَالِ وَمِنْ زَائِدَةٌ كَمَا يَقُولُ لَا يَأْكُلُ مِنَ الْحَرَامِ أَيْ لَا يَأْكُلُ الْحَرَامَ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الرَّجُلِ الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ أَوِ اللِّقْحَةُ قَدِ اتَّخَذَهَا لِلدَّرِّ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ كَوْمَاءَ أَيْ مُشْرِفَةَ السَّنَامِ عَالِيَةً

[2458]

فَصِيلًا مَخْلُولًا أَيْ مَهْزُولًا وَهُوَ الَّذِي جُعِلَ فِي أَنْفِهِ خِلَالٌ لِئَلَّا يرضع أمه فتهزل

ص: 30

[2461]

إِذَا أَتَاكُمُ الْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَهُوَ الْعَامِلُ فليصدر أَي يرجع

ص: 31

[2462]

مُمْتَلِئَةً مَحْضًا وَشَحْمًا أَيْ سَمِينَةً كَثِيرَةَ اللَّبَنِ وَالْمَحْضُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ هُوَ اللَّبَنُ

ص: 32

[2464]

مَا يَنْقِمُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مَا يُنْكِرُ أَو يكره بن جَمِيلٍ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ أَيْ مَا يَنْقِمُ شَيْئًا مِنْ مَنْعِ الزَّكَاةِ إِلَّا بِكُفْرِ النِّعْمَةِ فَكَأَنَّ غِنَاهُ أَدَّاهُ إِلَى كُفْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ أَدْرَاعَهُ بِمُهْمَلَاتٍ جَمْعُ دِرْعٍ وَهِيَ الزَّرْدِيَّةُ وَأَعْتُدَهُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ جَمْعُ عَتَدٍ بِفَتْحَتَيْنِ قِيلَ مَا يُعِدُّ الرَّجُلُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّلَاحِ

ص: 33

وَقِيلَ الْخَيْلُ خَاصَّةً وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ عَبْدٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا قِيلَ أَلْزَمَهُ صلى الله عليه وسلم بِتَضْعِيفِ صَدَقَتِهِ لِيَكُونَ أَرْفَعَ لِقَدْرِهِ وَأَنْبَهَ لِذِكْرِهِ وَأَنْفَى لِلذَّمِّ عَنْهُ وَالْمَعْنَى فَهِيَ صَدَقَةٌ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ سَيَتَصَدَّقُ بِهَا وَيُضِيفُ إِلَيْهَا مِثْلَهَا كَرَمًا ودلت رِوَايَة

ص: 34

مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم الْتَزَمَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ فَهِيَ عَلَيَّ لِأَنَّهُ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ رِوَايَةِ عَلَيَّ وَرِوَايَةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ رِوَايَةُ عَلَيَّ وَرِوَايَةُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا

ص: 35

إِلَّا أَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ هَاءِ السَّكْتِ حَكَاهَا بن الْجَوْزِيّ عَن بن نَاصِر قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ أَيْ تَرَكْتُ لكم أَخذ زَكَاتهَا وتجاوزت عَنهُ مسكتان المسكة بِالتَّحْرِيكِ السوار

ص: 36

[2481]

لَهُ زَبِيبَتَانِ تَثْنِيَةُ زَبِيبَةٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ وَهُمَا الزُّبْدَتَانِ اللَّتَانِ فِي الشِّدْقَيْنِ وَقِيلَ النُّكْتَتَانِ السَّوْدَاوَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ وَقِيلَ نُقْطَتَانِ يَكْتَنِفَانِ فَاهُ وَقِيلَ هُمَا فِي حَلْقِهِ بِمَنْزِلَةِ زَنَمَتَيِ الْعَنْزِ وَقِيلَ لَحْمَتَانِ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْقَرْنَيْنِ وَقِيلَ نَابَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ فِيهِ يُطَوَّقُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الثَّقِيلَةِ أَيْ يَصِيرُ لَهُ ذَلِكَ الثُّعْبَانُ طَوْقًا

[2482]

بِلِهْزِمَتَيْهِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالزَّايِ بَيْنَهُمَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ قَالَ فِي الصِّحَاحِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي اللَّحْيَيْنِ تَحْتَ الْأُذُنَيْنِ وَفِي الْجَامِعِ هُمَا لَحْمُ الْخَدَّيْنِ الَّذِي يَتَحَرَّكُ إِذَا أَكَلَ الْإِنْسَان

ص: 39

[2488]

فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مَا شَرِبَ مِنَ النَّخِيلِ بِعُرُوقِهِ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ سَقْيِ سَمَاءٍ وَلَا غَيْرِهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مَا يَنْبُتُ مِنَ النَّخْلِ فِي أَرْضٍ يَقْرُبُ مَاؤُهَا فَرَسَخَتْ عُرُوقُهَا فِي الْمَاءِ وَاسْتَغْنَتْ عَنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ الْعُشْرُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْأَخْذِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي قَدْرِ مَا يُؤْخَذُ وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِعُمُومِهِ عَلَى وجوب الزَّكَاة فِي كل مَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مِنَ الثِّمَارِ وَالرَّيَاحِينِ وَالْخُضَرِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْحِكْمَةُ فِي فَرْضِ الْعُشْرِ أَنَّهُ يُكْتَبُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهِ وَكَأَنَّ الْمُخْرِجَ لِلْعُشْرِ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ وَمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي جَمْعُ سَانِيَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا وَالنَّضْحُ أَيْ مَا يُسْقَى بِالدَّوَالِي وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالنَّوَاضِحُ الْإِبِلُ الَّتِي يستقى عَلَيْهَا وَاحِدهَا نَاضِح

ص: 41

[2490]

وَفِيمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي جَمْعُ الدِّلَاءِ وَهِيَ جَمْعُ الدَّلْو وَهُوَ المستقى بِهِ من الْبِئْر

[2491]

إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ بِظَاهِرِهِ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ وَفَهِمَ مِنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ بِحَسَبِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ فَقَالَ بِتَرْكِ قَدْرِ احْتِيَاجِهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ لَا يُتْرَكُ لَهُمْ شَيْءٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِي قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ صَحِيحِ النَّظَرِ أَنْ يُعْمَلَ بِالْحَدِيثِ وَقَدْرِ الْمُؤْنَةِ وَلَقَدْ جَرَّبْنَا فَوَجَدْنَاهُ فِي الْأَغْلَبِ مِمَّا يُؤْكَلُ رُطَبًا وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الْخَرْصَ كَانَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِكَوْنِهِ كَانَ يُوَفَّقُ مِنَ الصَّوَابِ لِمَا لَا يُوَفَّقُ لَهُ غَيْرُهُ

[2492]

الْجُعْرُورُ وَلَوْنُ حُبَيْقٍ هُمَا نَوْعَانِ مِنَ التَّمْرِ رَدِيئَانِ الرُّذَالَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِعْجَامِ الذَّالِ الرَّدِيءُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَلَكَ فِيهِ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ مِنَ الْأَوَّلِ وَحُذِفَ فِعْلُ الشَّرْطِ بَعْدَ أَنْ لَا وَالْمُبْتَدَأُ مِنْ جُمْلَةِ الْجَوَابِ الِاسْمِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا وَإِنْ لَا يَجِيء فَهِيَ لَك ذكره بن مَالِكٍ الْعَجْمَاءُ هِيَ الْبَهِيمَةُ سُمِّيَتْ عَجْمَاءَ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّم

ص: 42

[2495]

جَرْحُهَا جُبَارٌ أَيْ هَدَرٌ وَالْمُرَادُ الدَّابَّةُ الْمُرْسَلَةُ فِي رَعْيِهَا أَوِ الْمُنْفَلِتَةُ مِنْ صَاحِبِهَا وَالْبِئْرُ جُبَارٌ يُتَأَوَّلُ بِوَجْهَيْنِ بِأَنْ يَحْفِرَ الرَّجُلُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ لِلْمَارَّةِ فَيَسْقُطُ فِيهَا إِنْسَانٌ فَيَهْلِكَ وَبِأَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ مَنْ يَحْفِرُ لَهُ الْبِئْرَ فِي مِلْكِهِ فَتَنْهَارُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ هُمُ الْأُجَرَاءُ فِي اسْتِخْرَاجِ مَا فِي بُطُونِ الْأَرْضِ لَوِ انْهَارَ عَلَيْهِمُ الْمَعْدِنُ لَا يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ غَرَامَةٌ

[2500]

فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ رَمَضَانَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى صَاعًا مِنْ تَمْرٍ قِيلَ إِنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَقِيلَ عَلَى التَّمْيِيزِ وَقِيلَ خَبَرُ كَانَ مَحْذُوفًا

ص: 43

وَقيل على سَبِيل الْحِكَايَة

ص: 48

[2506]

عَن قيس بن سعد بن عبَادَة قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ وُجُوبَ زَكَاةِ الْفِطْرِ نُسِخَ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ كَيْسَانَ الْأَصَمُّ وَأَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّة وبن اللبان من الشَّافِعِيَّة قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رَاوِيًا مَجْهُولًا وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى النَّسْخِ لِاحْتِمَالِ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ نُزُولَ فَرْضٍ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ فَرْضٍ آخَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهُ فَرَضَ عَلَى مَعْنَى قَدَّرَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ لَكِنْ نُقِلَ عَنْ عُرْفِ الشَّرْعِ إِلَى الْوُجُوبِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أولى

ص: 49

[2509]

مِنْ سُلْتٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَمُثَنَّاةٍ نوع من الشّعير

ص: 51

[2513]

من سمراء الشَّام أَي الْقَمْح الشَّامي

ص: 52

[2520]

الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَزْنَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الزَّكَاةِ وَزْنُ أهل مَكَّة وَهِي دَار الْإِسْلَام قَالَ بن حَزْمٍ وَبَحَثْتُ عَنْهُ غَايَةَ الْبَحْثِ مِنْ كُلِّ مَنْ وَثِقْتُ بِتَمْيِيزِهِ وَكُلٌّ اتَّفَقَ لِي عَلَى أَنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بِمَكَّةَ وَزْنُهُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ الْمُطْلَقِ وَالدِّرْهَمُ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ فَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ حَبَّةً وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرِ عُشْرِ حَبَّةٍ فَالرِّطْلُ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ درهما بالدرهم الْمَذْكُور

ص: 54

[2522]

وكرائم أَمْوَالهم أَي خيارهم

[2523]

قَالَ رَجُلٌ زَادَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ

[2523]

اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ أَي على تصدقي عَلَيْهِ

ص: 55

[2524]

عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ زَيْدٌ وَقِيلَ عُمَيْرٌ عَنْ أَبِيهِ اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ أَبِي الْمَلِيحِ إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يَقْبَلُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ هُوَ هُنَا بِضَمِّ الطَّاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَصْدَرُ

ص: 56

[2525]

مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ عز وجل إِلَّا الطَّيِّبَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ الْمُقَدَّرِ 7 مَا قَبِلَهُ إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ عز وجل بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَبَهُهُ إِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ على مَا اعتداوا فِي خِطَابِهِمْ لِيَفْهَمُوا عَنْهُ فَكَنَّى عَنْ قَبُولِ الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ وَعَنْ تَضْعِيفِ أَجْرِهَا بِالتَّرْبِيَةِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَمَّا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يُرْتَضَى وَيَعِزُّ يُتَلَقَّى بِالْيَمِينِ وَيُؤْخَذُ بِهَا اسْتُعْمِلَ فِي مثل هَذَا استعير لِلْقَبُولِ وَالرِّضَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ قَالَ وَقِيلَ عَبَّرَ بِالْيَمِينِ هُنَا عَنْ جِهَةِ الْقَبُولِ وَالرِّضَا إِذِ الشِّمَالُ بِضِدِّهِ فِي هَذَا قَالَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِكَفِّ الرَّحْمَنِ هُنَا وَبِيَمِينِهِ كَفُّ الَّذِي تُدْفَعُ إِلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَإِضَافَتُهَا إِلَى اللَّهِ إِضَافَةُ مِلْكٍ وَاخْتِصَاصٍ لِوَضْعِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِيهَا لِلَّهِ عز وجل قَالَ وَقَدْ قِيلَ فِي تَرْبِيَتِهَا وَتَعْظِيمِهَا حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ تَعْظِيمُ أَجْرِهَا وَتَضْعِيفُ ثَوَابِهَا قَالَ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنْ يُعَظِّمَ ذَاتَهَا وَيُبَارِكَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا وَيَزِيدَهَا مِنْ فَضْلِهِ

ص: 57

حَتَّى تَثْقُلَ فِي الْمِيزَانِ وَهَذَا الْحَدِيثُ نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدقَات كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمُهْرُ لِأَنَّهُ يَفْلَى أَيْ يَعْظُمُ وَقِيلَ هُوَ كُلُّ فَطِيمٍ مِنْ ذَاتِ حَافِرٍ وَالْجَمْعُ أَفْلَاءٌ كَعَدُوٍّ وَأَعْدَاءٍ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ إِذَا فَتَحْتَ الْفَاءَ شَدَّدْتَ الْوَاوَ وَإِذَا كسرتها سكنت اللَّام كجد وَضرب بِهِ الْمَثَلَ لِأَنَّهُ يَزِيدُ زِيَادَةً بَيِّنَةً

[2526]

جُهْدُ الْمُقِلِّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ قدر مَا يحْتَملهُ حَال الْقَلِيل المَال

ص: 58

[2530]

فَتَصَدَّقَ أَبُو عَقِيلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ أَوْ ثَمَانِيَةِ آلَافٍ

[2531]

إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَأْنِيثُ الْخَبَرِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُبْتَدَأَ مُؤَنَّثٌ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ صُورَةَ هَذَا الْمَالِ أَوْ يَكُونُ التَّأْنِيثُ لِلْمَعْنَى لِأَنَّهُ اسْمٌ جَامِعٌ لِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْخَضِرَةِ الرَّوْضَةُ الْخَضْرَاءُ أَوِ الشَّجَرَةُ النَّاعِمَةُ وَالْحُلْوَةُ الْمُسْتَحْلَاةُ الطَّعْمِ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ أَيْ تَطَّلِعُ إِلَيْهِ وتطمع فِيهِ

ص: 60

[2533]

وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالْيَدُ السُّفْلَى السَّائِلَةُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا نَصٌّ يَدْفَعُ الْخِلَافَ فِي التَّفْسِيرِ لَكِنِ ادَّعَى أَبُو الْعَبَّاسِ اللَّانِيُّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْعَسْكَرِيِّ فِي الصَّحَابَةِ أَنه من كَلَام بن عُمَرَ وَالْأَكْثَرُ رَوَوُا الْمُنْفِقَةَ بِفَاءٍ وَقَافٍ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمُ الْمُتَعَفِّفَةُ بِتَاءٍ وَعَيْنٍ وَفَاءَيْنِ وَقِيلَ إِنَّهُ تَصْحِيف

ص: 61

[2534]

خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى أَيْ مَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إِلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَفْظُ الظَّهْرِ يُزَادُ فِي مِثْلِ هَذَا إِشْبَاعًا لِلْكَلَامِ وَالْمَعْنَى أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا أَخْرَجَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مِنْهُ قَدْرَ الْكِفَايَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ الْمُرَادُ غِنًى يَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ الَّتِي تَنُوبُهُ وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ غِنًى لِلتَّعْظِيمِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَقِيلَ الْمُرَادُ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا أَغْنَيْتَ بِهِ مَنْ أَعْطَيْتَهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَقِيلَ عَنْ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالظَّهْرُ زَائِدٌ أَيْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ سَبَبُهَا غِنًى فِي الْمُتَصَدِّقِ

ص: 62

[2537]

سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَكَسْرِ الْبَاءِ قِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ وَقِيلَ لَا يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ خَلَفٌ وَقِيلَ الْحُوَيْرِثُ الْغِفَارِيُّ وَهُوَ صَحَابِيٌّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ رَوَى عَنْهُ عُمَيْرٌ مَوْلَاهُ فَقَالَ يطعم طَعَامي بِغَيْر أَن آمره قَالَ الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ على أنعميرا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ لِظَنِّ أَنَّ مَوْلَاهُ يَرْضَى بِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ مَوْلَاهُ فَلِعُمَيْرٍ أَجْرٌ لِأَنَّ مَالَهُ أُتْلِفَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا أَيْ لِكُلٍّ مِنْكُمَا أَجْرٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَجْرَ نَفْسِ الْمَالِ يَتَقَاسَمَانِهِ قَالَ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ تَأْوِيلِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَام بَعضهم مَالا يُرْضَى مِنْ تَفْسِيرِهِ

ص: 63

[2538]

عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ صَدَقَةُ نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ لَا إِيجَابٍ وَإِلْزَامٍ يَعْتَمِلُ بِيَدِهِ الِاعْتِمَالُ افْتِعَالٌ مِنَ الْعَمَلِ الْمَلْهُوفَ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَحَسِّرِ وَعَلَى الْمُضْطَرِّ وَعَلَى الْمَظْلُومِ قَالَ يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ عَنِ الشَّرِّ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ لَهُ أَجْرٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالْمَالِ أَجْرًا

ص: 64

[2539]

إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَجْرٌ وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِك وَلَا ينقص كل وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُشَارِكَ فِي الطَّاعَةِ مُشَارِكٌ فِي الْأَجْرِ وَمَعْنَى الْمُشَارَكَةِ أَنَّ لَهُ أَجْرًا كَمَا لِصَاحِبِهِ أَجْرٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي أَجْرِهِ وَالْمُرَادُ الْمُشَارَكَةُ فِي أَصْلِ الثَّوَابِ فَيَكُونُ لِهَذَا ثَوَابٌ وَلِهَذَا ثَوَابٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ ثَوَابِهِمَا سَوَاءً بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَوَابُ هَذَا أَكْثَرَ وَقَدْ يَكُونُ عَكْسَهُ فَإِذَا أَعْطَى الْمَالِكُ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لِخَازِنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوَهَا لِيُوَصِّلَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّ الصَّدَقَةِ عَلَى بَابِ دَارِهِ

ص: 65

أَوْ نَحْوِهِ فَأَجْرُ الْمَالِكِ أَكْثَرُ وَإِنْ أَعْطَاهُ رَغِيفًا أَوْ رُمَّانَةً أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ قِيمَةٍ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى مُحْتَاجٍ مَسَافَةً بَعِيدَةً بِحَيْثُ يُقَابَلُ مَشْيُ الذَّاهِبِ إِلَيْهِ بِأُجْرَةٍ تَزِيدُ عَلَى الرُّمَّانَةِ وَالرَّغِيفِ فَأَجْرُ الْوَكِيلِ أَكْثَرُ وَقَدْ يَكُونُ عَمَلُهُ قَدْرَ الرَّغِيفِ مَثَلًا فَيَكُونُ مِقْدَارُ الْأَجْرِ سَوَاءً وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سَوَاءً مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَجْرَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُدْرَكُ بِقِيَاسٍ وَلَا هُوَ بِحَسَبِ الْأَعْمَالِ وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ قَالَ وَلَا بُدَّ فِي الزَّوْجَةِ وَالْخَازِنِ مِنْ إِذْنِ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِذْنٌ أَصْلًا فَلَا أَجْرَ لَهُمْ بَلْ عَلَيْهِمْ وِزْرٌ بِتَصَرُّفِهِمْ فِي مَالِ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ قُلْتُ وَلِهَذَا عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ

[2540]

لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْإِذْنُ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا الْإِذْنُ الصَّرِيحُ فِي النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالثَّانِي الْإِذْنُ الْمَفْهُومُ مِنَ اطِّرَادِ الْعُرْفِ كَإِعْطَاءِ السَّائِلِ كِسْرَةً وَنَحْوَهَا مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ وَاطِّرَادُ الْعُرْفِ فِيهِ وَعُلِمَ بِالْعُرْفِ رِضَا الزَّوْجِ بِهِ فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَهَذَا إِذَا عُلِمَ رِضَاهُ بِالْعُرْفِ وَعُلِمَ أَنَّ نَفْسَهُ كَنُفُوسِ غَالِبِ النَّاسِ فِي السَّمَاحَةِ بِذَلِكَ وَالرِّضَا بِهِ فَإِنِ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ وَشُكَّ فِي رِضَاهُ أَوْ عُلِمَ شحه بذلك لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا التَّصَدُّقُ مِنْ مَالِهِ إِلَّا بِصَرِيحِ إِذْنِهِ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ مَفْرُوضٌ فِي قَدْرٍ يَسِيرٍ يُعْلَمُ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ فِي الْعَادَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ لَمْ يجز

[2541]

عَنْ فِرَاسٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَرَاءٍ خَفِيفَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اجْتَمَعْنَ

ص: 66

عِنْده زَاد بن حِبَّانَ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَقُلْنَ فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ فَقُلْتُ بِالْمُثَنَّاةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ عَائِشَةَ هِيَ السائلة أيتنابك أَسْرَعُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَيُّنَا بِلَا تَاءٍ وَهُوَ الْأَفْصَحُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَشَبَّهَ سِيبَوَيْهِ تَأْنِيثَ أَيٍّ بِتَأْنِيثِ كُلٍّ فِي قَوْلِهِمْ كُلُّهُنَّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ أَيْ لَيْسَتْ بِفَصِيحَةٍ لُحُوقًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ فَقَالَ أَطْوَلُكُنَّ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ طولا كن بِلَفْظِ الْفُعْلَى قُلْتُ جَازَ فِي مِثْلِهِ الْإِفْرَادُ وَالْمُطَابَقَةُ لِمَنْ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَهُ يَدًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ فَأَخَذْنَ قَصَبَةً فَجَعَلْنَ يَذْرَعْنَهَا أَيْ يُقَدِّرْنَ بِذِرَاعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا بِضَمِيرِ جَمْعِ الذُّكُورِ وَهُوَ من تصرف لرواة وَالصَّوَابُ مَا هُنَا فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَهُنَّ بِهِ لُحُوقًا فَكَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا كَذَا وَقَعَ أَيْضًا فِي رِوَايَة أَحْمد وبن سَعْدٍ وَالْبُخَارِيِّ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِل قَالَ بن سَعْدٍ قَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ يَعْنِي الْوَاقِدَيَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَهل فِي سَوْدَةَ وَإِنَّمَا هُوَ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَهِيَ أَوَّلُ نِسَائِهِ لُحُوقًا وَتُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَبَقِيَتْ سَوْدَةُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ سَوْدَةَ كَانَتْ أَسْرَعُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ زَيْنَبَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنَ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ وَالْوَاقِدِيِّ وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَسَادِهِ الْخَطَّابِيُّ فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ وَقَالَ لُحُوقُ سَوْدَةَ بِهِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ وَهَمٌ وَإِنَّمَا

ص: 67

هِيَ زَيْنَبُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ زَيْنَبَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَسَبَقَهُ إِلَى نَقْلِ الِاتِّفَاق بن بطال قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ مَاتَتْ سَوْدَةُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَجَزَمَ الذَّهَبِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ بِأَنَّهَا مَاتَتْ فِي آخر خلَافَة عمر وَقَالَ بن سيد النَّاس أَنه الْمَشْهُور وَقَالَ بن حَجَرٍ لَكِنَّ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ لِزَيْنَبَ وَتَفْسِيرُهُ بِسَوْدَةَ غَلَطٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ فقد خَالفه فِي ذَلِك بن عُيَيْنَة عَن فراس قَالَ بن رُشْدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ سَوْدَةَ كَانَ لَهَا الطُّولُ الْحَقِيقِيُّ وَمَحَطُّ الْحَدِيثِ عَلَى الطُّولِ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ كَثْرَةُ الصَّدَقَةِ وَذَلِكَ لِزَيْنَبَ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّهَا رضي الله عنها كَانَتْ قَصِيرَةً وَكَانَتْ وَفَاتُهَا سَنَةَ عِشْرِينَ قُلْتُ وَعِنْدِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَسَقَطَ لَفْظَةُ زَيْنَبَ وَأَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ فَأَخَذْنَ قَصَبَةً فَجَعَلْنَ يَذْرَعْنَهَا فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا أَيْ حَقِيقَةً وَكَانَتْ أَسْرَعَهُنَّ بِهِ لُحُوقًا زَيْنَبُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فَأَسْقَطَ الرَّاوِي لَفْظَةَ زَيْنَبَ وَقَدَّمَ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ فَهَمَّنَا ابْتِدَاءً ظَاهِرُهُ فَلَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْيَدِ الْعُضْوَ وَبِالطُّولِ طُولَهَا بَلْ أَرَادَ الْعَطَاءَ وَكَثْرَتَهُ فَالْيَدُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ لِلصَّدَقَةِ وَالطُّولُ تَرْشِيحٌ لَهَا

[2542]

قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبَا ذَرٍّ فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ ضَبَطَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وتشديدها عَلَى إِدْغَامِ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى الشُّحُّ بُخْلٌ مَعَ حِرْصٍ وَقِيلَ هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْبُخْلِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي كَالْوَصْفِ اللَّازِمِ وَمِنْ قَبِيلِ الطَّبْعِ تَأْمُلُ الْعَيْشَ بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ تَطْمَعُ بِالْغِنَى وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ زَادَ الْبُخَارِيُّ وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لَفُلَانٍ كَذَا وَلَفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لفُلَان

ص: 68

[2545]

إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَ لَهُ صَدَقَةً قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَرَادَ بِهَا اللَّهَ عز وجل فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَنْفَقَهَا ذَاهِلًا قَالَ وَطَرِيقُهُ فِي الِاحْتِسَابِ أَنْ يَتَفَكَّرَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَأَطْفَالِ أَوْلَادِهِ وَالْمَمْلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ فَيُنْفِقُ بِنِيَّةِ أَدَاءِ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ

ص: 69

[2546]

أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ مِنْ دُبُرٍ اسْمُ الْمُعْتِقِ أَبُو مَذْكُورٍ وَاسْمُ العَبْد يَعْقُوب

[2547]

إِنَّ مَثَلَ الْمُنْفِقِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْبَخِيلِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ الْأَوَّلُ بِمُوَحَّدَةٍ تَثْنِيَةُ جُبَّةٍ وَهُوَ ثَوْبٌ مَخْصُوصٌ وَالثَّانِي بِالنُّونِ تَثْنِيَةُ جنَّة

ص: 70

وَهِيَ الدِّرْعُ وَهَذَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَصَوَابُهُ جُنَّتَانِ بِالنُّونِ بِلَا شَكٍّ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ قَوْلُهُ وَلَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قُلْتُ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ الدِّرْعُ وَهُوَ بِمُهْمَلَاتٍ مِنْ لَدُنْ ثُدِيِّهِمَا بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ ثَدْيٍ إِلَى تَرَاقِيهِمَا بِمُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَوَّلَهُ وَقَافٍ جَمْعُ تَرْقُوَةٍ حَتَّى تُجِنَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ تَسْتُرُ قَالَ عِيَاضٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ تَحُزَّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَهُوَ وَهَمٌ بَنَانَهُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَنُونَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ أَيْ أَصَابِعَهُ قَالَ عِيَاضٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُثَلَّثَةِ وَتَحْتِيَّةٍ وَمُوَحَّدَةٍ جمع ثوب وَهُوَ وهم قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ هُوَ تَصْحِيفٌ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ تَمْحُوَ أَثَرَ مَشْيِهِ بِسُبُوغِهَا وَكَمَالِهَا قَالَ وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِنَمَاءِ الْمَالِ بِالصَّدَقَةِ وَالْإِنْفَاقِ وَالْبُخْلُ بِضِدِّ ذَلِكَ وَقِيلَ هُوَ تَمْثِيلٌ لِكَثْرَةِ الْجُودِ

ص: 71

وَالْبخل وَأَنَّ الْمُعْطِيَ إِذَا أَعْطَى انْبَسَطَتْ يَدَاهُ بِالْعَطَاءِ وَتَعَوَّدَ وَإِذَا أَمْسَكَ صَارَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ وَقِيلَ مَعْنَى تَعْفُو أَثَرَهُ أَيْ تَذْهَبُ بِخَطَايَاهُ وَتَمْحُوهَا وَقِيلَ ضُرِبَ الْمَثَلُ بِهِمَا لِأَنَّ الْمُنْفِقَ يَسْتُرُهُ اللَّهُ بِنَفَقَتِهِ وَيَسْتُرُ عَوْرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَسَتْرِ هَذِهِ الْجُنَّةِ لَابِسَهَا وَالْبُخْلُ كَمَنْ لَبِسَ جُنَّةً إِلَى ثَدْيَيْهِ فَبَقِيَ مَكْشُوفًا بَادِيَ الْعَوْرَةِ مُفْتَضَحًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَلَصَتْ أَيِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ بِسُكُونِ اللَّامِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوَسِّعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ يُشِيرُ بِيَدِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا تَمْثِيلٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بِالْعِيَانِ لِلْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ لِبَاسِ الْقُمُصِ ذَوَاتِ الْجُيُوبِ فِي الصُّدُورِ وَلِذَلِكَ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابُ جَيْبِ الْقَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ لِبَاسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَهُوَ لِبَاسُ أَكْثَرِ الْأُمَمِ وَكَثِيرٍ مِنَ الزُّعَمَاءِ وَالْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّرْقِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ قَمِيصًا إِلَّا مَا كَانَ لَهُ جَيْبٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُتَصَدِّقِ وَالْبَخِيلِ

ص: 72

[2477]

فَشَبَّهَهُمَا بِرَجُلَيْنِ أَرَادَ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْبَسُ دِرْعًا يُسْتَرُ بِهِ مِنْ سِلَاحِ عَدُوِّهُ يَصُبُّهَا عَلَى رَأْسِهِ لِيَلْبَسَهَا وَالدِّرْعُ أَوَّلُ مَا تَقَعُ عَلَى الصَّدْرِ وَالثَّدْيَيْنِ إِلَى أَنْ يُدْخِلَ الْإِنْسَانُ يَدَيْهِ فِي كُمِّهَا فَجَعَلَ الْمُنْفِقُ كَمَثَلِ مَنْ لَبِسَ دِرْعًا سَابِغَةً فَاسْتَرْسَلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى سَتَرَتْ جَمِيعَ بَدَنِهِ وَجَعَلَ الْبَخِيلَ كَمَثَلِ رَجُلٍ غُلَّتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ كُلَّمَا أَرَادَ لُبْسَهَا اجْتَمَعَتْ فِي عُنُقِهِ فَلَزِمَتْ تَرْقُوَتَهُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْجَوَّادَ إِذَا هَمَّ بِالصَّدَقَةِ انْفَسَحَ لَهَا صَدْرُهُ وَطَابَتْ نَفْسُهُ فَتَوَسَّعَتْ فِي الْإِنْفَاقِ وَالْبَخِيلَ إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالصَّدَقَةِ شَحَّتْ نَفْسُهُ فَضَاقَ صَدْرُهُ وَانْقَبَضَتْ يَدَاهُ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون

[2549]

لَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْكِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْإِحْصَاءُ الْعَدُّ قَالُوا الْمُرَادُ مِنْهُ عَدُّ الشَّيْءِ لِلتَّبْقِيَةِ وَالِادِّخَارُ تَرْكُ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِحْصَاءُ اللَّهِ تَعَالَى يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَحْبِسُ عَنْكَ مَادَّةَ الرِّزْقِ وَيُقَلِّلُهُ بِقَطْعِ الْبَرَكَةِ حَتَّى يَصِيرَ كَالشَّيْءِ الْمَعْدُودِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يُنَاقِشُكَ فِي الْآخِرَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِنْ مُقَابَلَةِ اللَّفْظِ بِاللَّفْظِ لِلتَّجْنِيسِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ومكروا ومكر الله وَمَعْنَاهُ يَمْنَعُكَ كَمَا مَنَعْتَ وَيُقَتِّرُ عَلَيْكَ كَمَا قترت

ص: 73

[2551]

لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا أَعْطَاهَا الزُّبَيْرُ لِنَفْسِهَا بِسَبَبِ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا أَوْ مِمَّا هُوَ مِلْكُ الزُّبَيْرِ وَلَا يَكْرَهُ الصَّدَقَةَ مِنْهُ بَلْ يَرْضَى بِهَا عَلَى عَادَةِ غَالِبِ النَّاسِ ارْضَخِي الرَّضْخُ بِرَاءٍ وَضَادٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَتَيْنِ الْعَطِيَّةُ الْقَلِيلَةُ وَلَا تُوكِي فَيُوكِي اللَّهُ عَلَيْكِ يُقَالُ أَوْكَى مَا فِي سِقَائِهِ إِذَا شَدَّهُ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ رَأْسُ الْقِرْبَةِ وَأَوْكَى عَلَيْنَا أَيْ بَخِلَ أَيْ لَا تَدَّخِرِي وَتَشُدِّي مَا عِنْدَكِ وَتَمْنَعِي مَا فِي يدك فتنقطع مَادَّة الرزق عَنْك

ص: 74

[2553]

فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُشِيحُ الْحَذِرُ وَالْجَادُّ فِي الْأَمْرِ وَقِيلَ الْمُقْبِلُ إِلَيْكَ الْمَانِعُ لِمَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَشَاحَ أَحَدَ هَذِهِ الْمَعَانِي أَيْ حَذِرَ النَّارَ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا أَوْ جَدَّ عَلَى الْإِيصَاءِ بِاتِّقَائِهَا أَو أقبل إِلَيْنَا فِي خطابه

ص: 75

[2554]

حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ قَالَ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيّ ضبط بِفَتْح الْكَاف وَضمّهَا قَالَ بن سِرَاجٍ هُوَ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا كُوِّمَ وَبِالْفَتْحِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ كَالرَّابِيَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَالْفَتْحُ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْكَثْرَةُ وَالتَّشْبِيهُ بِالرَّابِيَةِ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَكَذَا جَاءَ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَبَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ بِالذَّالِ

ص: 76

الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرِّوَايَةُ الدَّالُ وَالنُّونُ فَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فَهُوَ مِنَ الشَّيْءِ الْمُذْهَبِ وَهُوَ الْمُمَوَّهُ بِالذَّهَبِ وَمِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ مُذْهَبٌ إِذَا عَلَتْ حُمْرَتَهُ صُفْرَةٌ وَالْأُنْثَى مُذْهَبَةٌ وَإِنَّمَا خَصَّ الْأُنْثَى بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَصْفَى لَوْنًا وَأَرَقُّ بَشَرَةً وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَالْمُدْهُنَةُ تَأْنِيثُ الْمُدْهُنِ وَهُوَ نَقْرَةٌ فِي الْجَبَلِ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَطَرُ شَبَّهَ وَجْهَهُ لِإِشْرَاقِ السُّرُورِ عَلَيْهِ بِصَفَاءِ الْمَاءِ الْمُجْتَمِعِ فِي الْحَجَرِ وَالْمُدْهُنَةُ أَيْضًا مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدّهن فَيكون قد شبه بِصَفَاءِ الدُّهْنِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْجُمْهُورُ مذْهبه بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَالثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرِ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ غَيْرَ مُدْهُنَةٍ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا نُونٌ وَشَرَحَهُ الْحُمَيْدِيٌّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ فَسَّرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إِنْ صَحَّتِ الْمُدْهُنُ الْإِنَاءُ الَّذِي يُدَّهَنُ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا اسْمٌ لِلنَّقْرَةِ فِي الْجَبَلِ الَّذِي يَسْتَنْقِعُ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ فَشَبَّهَ صَفَاءَ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ بِصَفَاءِ هَذَا الْمَاءِ وَبِصَفَاءِ الدُّهْنِ وَالْمُدْهُنِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ هَذَا تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَعَلَى هَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهَيْنِ فِي تَفْسِيرِهِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ فِضَّةٌ مُذْهَبَةٌ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي حسن الْوَجْه وإشرافه وَالثَّانِي شَبَّهَهُ فِي حُسْنِهِ وَنُورِهِ بِالْمُذْهَبَةِ مِنَ الْجُلُود وَجَمعهَا

ص: 77

مَذَاهِبُ وَهُوَ شَيْءٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَصْنَعُهُ مِنْ جُلُودٍ وَتَجْعَلُ فِيهِ خُطُوطًا مُذْهَبَةً يُرَى بَعْضُهَا إِثْر بعض

[2558]

وَمِنَ الْخُيَلَاءِ هِيَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ عز وجل اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَمَّا الصَّدَقَةُ فَأَنْ تَهُزَّهُ أَرْيَحِيَّةُ السَّخَاءِ فَيُعْطِي طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ فَلَا يَسْتَكْثِرُ كَثِيرًا وَلَا يُعْطِي مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ وَأَمَّا الْحَرْبُ فَأَنْ يَتَقَدَّمَ فِيهَا بِنَشَاطٍ وَقُوَّةٍ وَنَخْوَةٍ وَعَدَمِ جُبْنٍ

ص: 78

[2559]

وَلَا مخيلة هِيَ بِمَعْنى الْخُيَلَاء

[2560]

الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ قَالَ هَذِهِ الْأَوْصَافُ شُرُوطٌ لِحُصُولِ هَذَا الثَّوَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَا وَيُحَافِظَ عَلَيْهَا أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَمَعْنَاهُ لَهُ أَجْرُ متصدق وَقَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ ضُبِطَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ الْقَافِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى الْجَمْعِ أَيْ هُوَ متصدق من المتصدقين

ص: 79

[2562]

وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ الَّتِي تتشبه بِالرِّجَالِ فِي زيهم وهيآتهم فَأَمَّا فِي الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ فَمَحْمُودٌ وَالدَّيُّوثُ بِالْمُثَلَّثَةِ هُوَ الَّذِي لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِهِ وَقِيلَ هُوَ سرياني مُعرب

[2565]

وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ الظِّلْفُ بِكَسْرِ

ص: 80

الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ والخف للبعير

[2566]

يَتَلَمَّظُ فَضْلَهُ أَيْ يُدِيرُ لِسَانَهُ

ص: 82

عَلَيْهِ وَيتبع أَثَره

ص: 83

[2570]

يتملقني قَالَ فِي النِّهَايَة الملق بِالتَّحْرِيكِ الزِّيَادَة فِي التَّوَدُّدِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي

ص: 84

[2571]

لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةُ وَالْأُكْلَتَانِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيِ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الْمِسْكِينُ الْكَامِلُ الْمَسْكَنَةِ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ بِالصَّدَقَةِ وَأَحْوَجُ إِلَيْهَا لَيْسَ هُوَ هَذَا الطَّوَّافُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَنْهُ بَلْ مَعْنَاهُ نَفْيُ كَمَالِ الْمَسْكَنَةِ

[2572]

قَالُوا فَمَا الْمِسْكِينُ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَا تَأْتِي كَثِيرًا لِصِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فانكحوا مَا طَابَ لكم من انساء وَلَا يفْطن لَهُ فَيتَصَدَّق عَلَيْهِ بِالنّصب

ص: 85

[2575]

والعائل المزهو أَي الْفَقِير المتكبر

ص: 86

[2578]

عَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّام ومثلثة صَنَادِيدهمْ العظماء والأشراف والرؤس الْوَاحِدُ صِنْدِيدٌ بِكَسْرِ الصَّادِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ تَثْنِيَةُ وجنة مثلث

ص: 87

الْوَاوِ وَهِيَ أَعْلَى الْخَدِّ إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا بِضَادَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ هُوَ الْأَصْلُ وَيُقَالُ ضِئْضِيءِ بِوَزْنِ قِنْدِيلٍ يُرِيدُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ نَسْلِهِ وعقبه يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ جَمْعُ حَنْجَرَةٍ وَهِيَ رَأْسُ الْغَلْصَمَةِ حَيْثُ تَرَاهُ نَاتِئًا مِنْ خَارِجِ الْحَلْقِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ لَا تَفْقَهُهُ قُلُوبُهُمْ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا تَلَوْا مِنْهُ وَلَا لَهُمْ حَظٌّ سِوَى تِلَاوَةِ الْفَمِ وَالْحَنْجَرَةِ وَالْحَلْقِ إِذْ بِهِمَا تَقْطِيعُ الْحُرُوفِ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ لَا يَصْعَدُ لَهُمْ عَمَلٌ وَلَا تِلَاوَةٌ وَلَا تُتَقَبَّلُ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ أَيْ يَخْرُجُونَ مِنْهُ خُرُوجَ السَّهْمِ إِذَا نَفَذَ الصَّيْدُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْهُ مِنَ الرَّمِيَّةِ هِيَ الصَّيْدُ الْمَرْميُّ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَقِيلَ هِيَ كُلُّ دَابَّةٍ مَرْمِيَّةٍ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَاد

ص: 88

أَيْ قَتْلًا عَامًّا مُسْتَأْصِلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى فَهَل ترى لَهُم من بَاقِيَة

[2580]

تَحَمَّلَ حَمَالَةً هِيَ بِالْفَتْحِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقَعَ حَرْبٌ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ يُسْفَكُ فِيهِ الدِّمَاءُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ يَتَحَمَّلُ دِيَاتِ الْقَتْلَى لِيُصْلِحَ ذَاتَ الْبَيْنِ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مَا يَقُومُ بِحَاجَتِهِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ مَا يَكْفِي حَاجَتَهُ جَائِحَةٌ هِيَ الْآفَةُ الَّتِي تُهْلِكُ الثِّمَارَ وَالْأَمْوَالَ وَتَسْتَأْصِلُهَا وَكُلُّ مُصِيبَةٍ عَظِيمَةٍ وَفِتْنَةٍ مُثِيرَةٍ جَائِحَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا أَيِ الْعَقْلِ

ص: 89

[2581]

الرُّحَضَاءَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَمْدُودَةٍ هُوَ عَرَقٌ يَغْسِلُ الْجِلْدَ لِكَثْرَتِهِ

ص: 90

[2581]

إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ أَيْ يَقْرُبُ مِنَ الْهَلَاكِ إِلَّا كَلِمَةُ الِاسْتِثْنَاءِ آكِلَةَ الْخَضِرِ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الضَّادِ نَوْعٌ مِنَ الْبُقُولِ فَثَلَطَتْ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ أَلْقَتْ رَجِيعَهَا سَهْلًا رَقِيقًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ ضَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَثَلَيْنِ أَحَدَهُمَا لِلْمُفَرِّطِ فِي جَمْعِ الدُّنْيَا وَالْمَنْعُ مِنْ حَقِّهَا وَالْآخَرَ لِلْمُقْتَصِدِ فِي أَخْذِهَا وَالنَّفْعِ بِهَا فَقَوْلُهُ إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ مَثَلٌ لِلْمُفَرِّطِ

ص: 91

الَّذِي يَأْخُذُ الدُّنْيَا بِغَيْرِ حَقِّهَا وَذَلِكَ أَنَّ الرَّبِيعَ يُنْبِتُ أَحْرَارَ الْبُقُولِ فَتَسْتَكْثِرُ الْمَاشِيَةُ مِنْهُ لِاسْتِطَابَتِهَا إِيَّاهُ حَتَّى تَنْتَفِخَ بُطُونُهَا عِنْدَ مُجَاوَزَتِهَا حَدَّ الِاحْتِمَالِ فَتَنْشَقُّ أَمْعَاؤُهَا مِنْ ذَلِكَ فَتَهْلِكُ أَوْ تُقَارِبُ الْهَلَاكَ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَجْمَعُ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا وَيَمْنَعُهَا مُسْتَحِقَّهَا قَدْ تَعَرَّضَ لِلْهَلَاكِ فِي الْآخِرَةِ بِدُخُولِ النَّارِ وَفِي الدُّنْيَا بِأَذَى النَّاسِ لَهُ وَحَسَدِهِمْ إِيَّاهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى وَأَمَّا قَوْلُهُ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ فَإِنَّهُ مَثَلٌ لِلْمُقْتَصِدِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَضِرَ لَيْسَ مِنْ أَحْرَارِ الْبُقُولِ وَجَيِّدِهَا الَّتِي يُنْبِتُهَا الرَّبِيعُ بِتَوَالِي أَمْطَارِهِ فَتَحْسُنُ وَتَنْعُمُ وَلَكِنَّهُ مِنَ الْبُقُولِ الَّتِي تَرْعَاهَا الْمَوَاشِي بَعْدَ هَيْجِ الْبُقُولِ وَيُبْسِهَا حَيْثُ لَا تَجِدُ سِوَاهَا فَلَا تَرَى الْمَاشِيَةَ تُكْثِرُ مِنْ أَكْلِهَا وَلَا تَسْتَمْرِئُهَا فَضَرَبَ آكِلَةَ الْخَضِرِ مِنَ الْمَوَاشِي مَثَلًا لِمَا يَقْتَصِرُ فِي أَخْذِ الدُّنْيَا وَجَمْعِهَا وَلَا يَحْمِلُهُ الْحِرْصُ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا فَهُوَ يَنْجُو مِنْ وَبَالِهَا كَمَا نَجَتْ آكِلَةُ الْخَضِرِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ أَرَادَ أَنَّهَا إِذَا شَبِعَتْ مِنْهَا بَرَكَتْ مُسْتَقْبِلَةً عَيْنَ الشَّمْسِ تَسْتَمْرِئُ بِذَلِكَ مَا أَكَلَتْ فَإِذَا ثَلَطَتْ زَالَ عَنْهَا الْحَبَطُ وَإِنَّمَا تَحْبَطُ الْمَاشِيَةُ لِأَنَّهَا تَمْلَأُ بُطُونَهَا وَلَا تثلط ولاتبول فتنتفخ أجوافها فَيعرض لَهَا الْمَرَض فتهلك

ص: 92

[2583]

تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ مُفْرَدٌ وَأَمَّا الْجَمْعُ فَيُقَالُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاء

[2584]

لَأَنْ يَحْتَزِمَ أَحَدُكُمْ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ اللَّامُ إِمَّا ابْتِدَائِيَّةٌ أَوْ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ فَيَبِيعَهَا بِالنَّصْبِ

ص: 93

[2585]

مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ الْقِطْعَةُ الْيَسِيرَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَحُكِيَ كَسْرُ الْمِيمِ وَفَتْحُهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَنْ يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِيلًا سَاقِطًا لَا جَاهَ لَهُ وَلَا قَدْرَ كَمَا يُقَالُ لِفُلَانٍ وَجْهٌ عِنْدَ النَّاسِ فَهُوَ كِنَايَةٌ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ نَالَتْهُ الْعُقُوبَةُ فِي وَجْهِهِ فَعُذِّبَ حَتَّى سَقَطَ لَحْمُهُ عَلَى مَعْنَى مُشَاكَلَةِ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ مَوَاضِعَ الْجِنَايَةِ مِنَ الْأَعْضَاءِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي قوما تقْرض شفافهم فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هُمُ الَّذين يَقُولُونَ مَالا يَفْعَلُونَ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لَهُ وَشِعَارًا يُعْرَفُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عُقُوبَةٍ مسته فِي وَجهه وَقَالَ بن بَطَّالٍ جَازَاهُ اللَّهُ مِنْ جِنْسِ ذَنْبِهِ حِينَ بَذَلَ مَاءَ وَجْهِهِ وَعِنْدَهُ الْكِفَايَةُ وَإِذَا لَمْ يَكُنِ اللَّحْمُ فِيهِ فَتُؤْذِيهِ الشَّمْسُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا مَنْ سَأَلَ مُضْطَرًّا فَيُبَاحُ لَهُ السُّؤَالُ وَيُرْجَى لَهُ أَنْ يُؤْجَرَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَجِدْ عَنْهُ بُدًّا بِسْطَامَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَحكى فتحهَا قَالَ بن الصَّلَاحِ أَعْجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ

ص: 94

وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ

[2586]

عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَابِ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَضْمُومَةٍ وَسُكُونِ السِّينِ وَضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاء عتبَة الْبَاب السُّفْلى

[2588]

حَتَّى إِذَا نَفِدَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِهْمَالِ الدَّالِ أَيْ فَرَغَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ أَيْ لَنْ أَحْبِسَهُ وَأَخْبَأَهُ وَأَمْنَعَكُمْ إِيَّاهُ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ قَالَ التَّيْمِيُّ أَيْ مَنْ يطْلب العفاف وَهُوَ ترك الْمَسْأَلَة يُعْطِيهِ اللَّهُ الْعَفَافَ وَمَنْ يَطْلُبِ الْغِنَى مِنَ اللَّهِ يُعْطِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ مَنْ طَلَبَ مِنْ نَفْسِهِ الْعِفَّةَ عَنِ السُّؤَالِ وَلَمْ يُظْهِرْ الِاسْتِغْنَاءَ يُعِفَّهُ اللَّهُ أَيْ يُصَيِّرْهُ عَفِيفًا وَمَنْ تَرَقَّى مِنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى وَهُوَ إِظْهَارُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْخَلْقِ يَمْلَأِ اللَّهُ قَلْبَهُ غِنًى لَكِنْ إِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا لَمْ يردهُ

ص: 95

[2592]

خُمُوشًا أَيْ خُدُوشًا

[2592]

أَوْ كُدُوحًا الْخُدُوشُ وَكُلُّ أَثَرٍ مِنْ خِدَاشٍ أَوْ عَضٍّ فَهُوَ كَدْحٌ

ص: 97

[2597]

وَلَا لِذِي مِرَّةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ هِيَ الْقُوَّةُ والشدة سوى هُوَ الصَّحِيح الْأَعْضَاء

ص: 99

[2598]

فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ قويين

ص: 100

[2603]

فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْ غَيْرِ حِرْصٍ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَيْ بِغَيْرِ شَرَهٍ وَلَا إِلْحَاحٍ أَيْ مَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِذِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُعْطِي أَيْ سَخَاوَةُ نَفْسِ الْمُعْطِي أَيِ انْشِرَاحُهُ بِمَا يُعْطِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ هُوَ تَطَلُّعُهَا إِلَيْهِ وَتَعَرُّضُهَا لَهُ وَطَمَعُهَا فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَعْنِي مَنْ بِهِ الْجُوعُ الْكَاذِبُ كُلَّمَا ازْدَادَ أَكْلًا ازْدَادَ جُوعًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ هُوَ الَّذِي بِهِ دَاءٌ لَا يَشْبَعُ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُهُ بِالْبَهِيمَةِ الرَّاعِيَةِ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى الْأَرْجَحُ أَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الْمُعْطِيَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ كَمَا تقدم فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَتَظَافَرَتْ بِذَلِكَ الرِّوَايَاتُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ السُّفْلَى هِيَ الْآخِذَةُ سَوَاءٌ كَانَ

ص: 101

بِسُؤَالٍ أَمْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَقِيلَ السُّفْلَى الْمَانِعَةُ وَذَكَرَ الْأَدِيبُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ نُبَاتَةَ فِي كِتَابِهِ مَطْلَعِ الْفَوَائِدِ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ مَعْنًى آخَرَ فَقَالَ الْيَدُ هُنَا هِيَ النِّعْمَةُ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْعَطِيَّةَ الْجَزِيلَةَ خَيْرٌ مِنَ الْعَطِيَّةِ الْقَلِيلَةِ وَهَذَا حَثٌّ عَلَى الْمَكَارِمِ بِأَوْجَزِ لَفْظٍ وَيَشْهَدُ لَهُ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ مَا أَبْقَتْ غِنًى أَيْ مَا حَصَلَ بِهِ غِنًى لِلسَّائِلِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ فَلَوْ أَعْطَاهَا لِمِائَةِ إِنْسَانٍ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمُ الْغِنَى بِخِلَاف مالو أَعْطَاهَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِ الْيَدِ عَلَى الْجَارِحَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَمِرُّ إِذْ فِيمَن يَأْخُذُ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ يُعْطِي قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَعَسِّفَةُ تَضْمَحِلُّ عِنْدَ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْمُرَادِ فَأَوْلَى مَا فُسِّرَ الْحَدِيثُ بِالْحَدِيثِ لَا أَرْزَأُ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ لَا آخُذُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا وَأَصْلُهُ النَّقْصُ

[2604]

عَن بن السَّاعِدِيّ الْمَالِكِي قَالَ القَاضِي عِيَاض الصَّوَاب بن السَّعْدِيِّ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاسْمُهُ قُدَامَةُ وَقِيلَ عَمْرٌو وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ السَّعْدِيُّ لِأَنَّهُ اسْتُرْضِعَ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَأَمَّا السَّاعِدِيُّ فَلَا يُعْرَفُ لَهُ وَجْهٌ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ قُرَشِيٌّ عَامِرِيٌّ مَكِّيٌّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ عَامِرِ بن لؤَي

ص: 102

[2605]

عَنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْملَة أَخْبرنِي عبد الله بن السعدىأنه قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ عَمْرُو بْنُ السَّعْدِيِّ وَحُوَيْطِبٌ وَالسَّائِبُ وَقَدْ جَاءَ جُمْلَةٌ من الْأَحَادِيث فِيهَا الْأَرْبَعَة صَحَابِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَأَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عُمَالَةً بِضَمِّ الْعَيْنِ اسْمُ أُجْرَةِ الْعَامِل

ص: 103

[2606]

ومالا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ لَا تُعَلِّقِ النَّفس بِهِ

ص: 104

[2609]

إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ قَالَ النَّوَوِيُّ تَنْبِيهٌ عَلَى الْعِلَّةِ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ لِكَرَامَتِهِمْ وَتَنْزِيهِهِمْ عَنِ الْأَوْسَاخِ وَمَعْنَى اوساخ النَّاس أَنَّهَا تَطْهِير أَمْوَالهم وَنُفُوسِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بهَا فَهِيَ كغسالة الأوساخ

[2611]

بن أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يُوَرِّثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي تَوْرِيثَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ ارْتِبَاطًا وَقَرَابَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِرْثِ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَالْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي إِفْشَاءِ سِرِّهِمْ بِحَضْرَتِهِ وَنَحْو ذَلِك

ص: 106

[2614]

هُوَ لَهَا صَدَقَة قَالَ بن مَالِكٍ يَجُوزُ فِي صَدَقَةٌ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خبر هُوَ وَلها صِفَةٌ قُدِّمَتْ فَصَارَتْ حَالًا وَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَيجْعَل لَهَا الْخَبَر

[2615]

حملت على فرس أَفَادَ بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّ اسْمَهُ الْوَرْدُ وَأَنَّهُ كَانَ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَأَهْدَاهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ لِعُمَرَ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ أَيْ بِتَرْكِ الْقِيَامِ بِالْخِدْمَةِ وَالْعَلْفِ وَنَحْوِهَا

ص: 108

[2617]

لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ سَمَّى شِرَاءَهُ بِرُخْصٍ عَوْدًا فِي الصَّدَقَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا ثَوَاب الْآخِرَة فَإِذا اشترها بِرُخْصٍ فَكَأَنَّهُ آثَرَ عَرَضَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَصَارَ رَاجِعًا فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي سُومِحَ فِيهِ

ص: 109