الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمثال (1)
أمثال القرآن: من أعظم علمه
(2) وعدَّه الشافعي مما يجب على المجتهد معرفته (3) ضربها الله تذكيرا، ووعظا (4) وهي: تصور المعاني بصورة الأشخاص (5) .
(1) المثل الشبه ومثل الشيء بالشيء وصفه به، وسواه وشبهه به.
(2)
أي: من أعظم علم القرآن، قال الماوردي، والناس في غفلة عنه، لاشتغالهم بالأمثال، وإغفالهم الممثلات، والمثل بلا ممثل، كالفرس بلا لجام.
(3)
وقال: ثم معرفة ما ضرب فيه من الأمثال، الدوال على طاعته المبينة لاجتناب نواهيه.
(4)
مما اشتمل منها على تفاوت في ثواب، أو على مدح، أو ذم ونحوه، وقال غير واحد ضرب الله الأمثال في القرآن، يستفاد منه أمور كثيرة، منها: التذكير والوعظ، والحث والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره بصورة المحسوس.
(5)
لأنها أثبت في الأذهان، لاستعانة الذهن فيها بالحواس، قال إبراهيم: هي تشبيه شيء بشيء، في حكمه وتقريب المعقول
من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر، واعتبار أحدهما بالآخر قال تعالى:{وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} فامتن تعالى علينا بذلك، لما تضمنه من الفوائد، فإنها تريك المتخيل في صورة المتحقق والمتوهم في معرض المتيقن والغائب كأنه مشاهد، وتؤثر في القلوب، ما لا يؤثر وصف الشيء في نفسه، قال تعالى:{وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} والأمثال كثيرة في كتاب الله، وهي أقسام، منها: ما هو مصرح به {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} ، {أَوْ كَصَيِّبٍ} ، {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} الآية {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} ، {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} والكامنة كما نقل الماوردي أنها تخرج منها أمثال العرب، نحو: ليس الخبر كالعيان، في نحو {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} والجارية مجرى المثل، نحو {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ} ، {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا} الآية:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} وغير ذلك.
الإقسام (1)
القسم: تَحقيقٌ للخَبَرِ، وتَوكيدٌ لهُ (2) ولا يَكونُ إلَاّ بمعظم (3) وهو تعالى: يُقسِمُ بِنَفسِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوصُوفَةِ بِصِفاتِهِ (4) وبِآياتِهِ الْمُستَلزِمةِ لذاته وصفاته (5) .
(1) القسم: اليمين وأقسم بالله حلف به.
(2)
والله تعالى ذكر القسم في كتابه، لكمال الحجة، وتأكيدها، وقال ابن القيم: المقسم عليه، يراد بالقسم توكيده، وتحقيقه، فلا بد أن يكون مما يحسن فيه وذلك كالأمور الغائبة، والخفية، إذا أقسم على ثبوتها، فأما الأمور الظاهرة كالشمس والقمر والليل والنهار، والسماء والأرض فهذه يقسم بها، ولا يقسم عليها.
(3)
أي: بما يعظم المقسم أو يجله ولهذا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله، وقال:«ومن حلف بغير الله فقد كفر، أو أشرك» .
(4)
نحو قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ} {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ} في سبعة مواضع من كتابه.
(5)
نحو {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} وهو دليل على أنها من عظيم آياته، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} فما أقسم عليه الرب، فهو من آياته، وهو تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله، وقال ابن القيم: القسم إما على جملة خبرية، وهو الغالب كقوله:{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} وإما على جملة طلبية كقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
تارَةً على التَّوحيدِ (1) وَتارَةً على أنَّ القُرآنَ حَقٌّ (2) وَتارَةً على أنَّ الرَّسولَ حَقٌّ (3) وَتارَةً على الجَزاءِ، وَالوَعدِ، والوَعيدِ (4) وَتارَةً على حالِ الإنسان (5) .
(1) كقوله {وَالصَّافَّاتِ} إلى {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} وعلى أصول الإيمان، التي يجب على الخلق معرفتها، ونحو ذلك.
(2)
كقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إلى قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} .
(3)
كقوله: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} .
(4)
كقوله: {وَالذَّارِيَاتِ} إلى قوله: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} {وَالْمُرْسَلاتِ} إلى {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} .
(5)
كقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} إلى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} {وَالْعَادِيَاتِ} إلى {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} وغيرها.
…
وهو سبحانه: يذكر جواب القسم تارة، وهو الغالب ويحذفه أخرى، كما يحذف جواب «لو» كثيرا للعلم به ويختصر فيحذف فعل القسم ويكتفي بالباء، ثم عوض عنه الواو في الأسماء الظاهرة، والتاء في اسم الله، وأكثر ما يحذف الجواب: إذا كان في نفس المقسم به دلالة على المقسم عليه، نحو {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} .
والقسم: إما ظاهر، وَإِمَّا مُضمَرٌ (1) وَهُوَ قِسمان: قِسمٌ دَلَّت عَلَيهِ اللَاّم نَحوُ {لَتُبْلَوُنَّ} (2) وَقِسمٌ دَلَّ عليهِ الْمَعنَى نحو {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} (3) .
(1) فالظاهرة نحو: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ} {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} وإما أن يكون القسم مضمرا كما مثل.
(2)
{فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} فاللام موطئة للقسم {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} ونحو ذلك.
(3)
وتقدير القسم {و} الله {إِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ونحو ذلك.
الخبر والإنشاء (1)
الكلام نوعان: خبر وإنشاء (2) والخبر: دائر بين النفي والإثبات (3) .
(1) الخبر لغة وعرفا: ما ينقل عن الغير، وأنشأ ابتدأ حديثا وهو من أفعال الشروع.
(2)
لأن الكلام: إما أن يدخله التصديق، أو التكذيب، أو لا، فالأول: الخبر، والثاني، قيل: إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء وإن لم يقترن بل تأخر عنه فهو الطلب والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء، وحذاق النحاة وأهل البيان: على انحصار الكلام في النفي والإثبات وإن ادعى قوم أكثر منهما.
(3)
والنفي: هو شطر الكلام كله، والفرق بينه وبين الجحد أن النافي إن كان صادقا سمي كلامه نفيا، وإن كان كاذبا سمي جحدا ونفيا أيضا، نحو {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} {قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} وأصل أدوات النفي لا، وما والإثبات نحو {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} .
…
ونفي العام، يدخل على نفي الخاص، وثبوته لا يدل على
ثبوته، وثبوت الخاص: يدل على ثبوت العام، ونفيه، لا يدل على نفيه، ونفي العام، أحسن من نفي الخاص، وإثبات الخاص: أحسن من إثبات العام، والأول كقوله:{فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} لم يقل بضوئهم والثاني كقوله {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} ولم يقل طولها لأن العرض أخص.
والإنشاء: أمر، أو نهي، أو إباحة (1) والخبر: يدخله التصديق والتكذيب (2) .
(1) أي: ومن أقسام الإنشاء، الأمر؛ وهو: طلب فعل غير كف، وصيغته افعل ولتفعل، وهي حقيقة في الإيجاب نحو {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} ومن أقسامه: النهي، وهو: طلب الكف عن فعل وصيغته لا تفعل وهو حقيقة في التحريم، ويرد بمعنى الكراهة، وبمعنى الإرشاد والتسوية والتقليل وغير ذلك والإباحة نحو {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} ومن أقسام الإنشاء: الاستفهام وأشهر أدواته، الهمزة ومن أقسامه التمني والترجي والنداء والقسم وغير ذلك.
(2)
وقيل الإنشاء: ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام والخبر خلافه، والقصد به: إفادة المخاطب، وخبر الله لا يكون إلا صدقا وكلامه لا يكون إلا صدقا قال تعالى:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} {قَوْلُهُ الْحَقُّ} .
والإخبارُ: إِمَّا إِخبارٌ عَن الخالِقِ، وإِمّا إخبارٌ عَن الْمَخلوقِ، فالإخبار عَنِ الخالِقِ: هُوَ التَّوحيدُ، وما يَتَضَمَّنُهُ مِن أسماءِ اللهِ وَصِفاتِهِ، وَالإخبارُ عَنْ الْمَخلوقِ: هُوَ القَصَصُ (1) وهُوَ الخَبَرُ عَمَّا كان، وما يكون (2) ويدخل فيه الخبر عن الرسل وأممهم ومن كذبهم (3) والإخبار عن الجنة، والنار، والثواب، والعقاب (4) .
(1) والله تعالى: قص علينا في كتابه العزيز، حتى قيل: إنه ثلث القرآن.
(2)
أي: عما كان مما مضى تكوينه قبل وجودنا وما يكون في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
(3)
في غير موضع من كتابه، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وغيرهم، وما يثني ذكره من القصص ليس المقصود بها أن تكون مكررة بل المقصود بها: أن تكون عبرا كما قال: {عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ} وليس من التكرار في شيء.
(4)
عن الجنة، وما أعد فيها من النعيم، وعن النار، وما أعد فيها من العذاب، وعن الثواب لمن أطاعه، والعقاب لمن عصاه، ولا ريب أنه سبحانه بين في القرآن، كل ما يحتاج إليه في أصول الدين، قرر فيه التوحيد، والنبوة والمعاد بالبراهين، التي لا ينتهي إلى تحقيقها نظر، واحتج فيه بالأمثال الصمدية التي هي المقاييس العقلية، المفيدة لليقين، وإما بالآيات المشهودة من عقوبات مكذبي الرسل، ومن عصاهم ومن نصر الرسل
وأتباعهم على الوجه الذي وقع وما وقع من إكرام الله لأهل طاعته، وجعل العاقبة لهم وانتقامه من أهل معصيته، وجعل الدائرة عليهم لا بمجرد الخبر، كما يظنه طوائف من أهل الكلام بل قرر أمور الآخرة، وضرب الأمثال حتى كأنه مشاهد.
طرق التفسير (1)
أصح طرق التفسير، أن يفسر القرآن (2) فَما أُجمِلََ فِي مَكانٍ، فَإنَّهُ قَد فُسِّرَ فِي مَوضِعٍ آخَرَ، وَما اُختُصِرَ فِي مَكانٍ، فَقَد بُسِطَ في مَوضِعٍ آخَرَ (3) فَإنْ لَم تجده فبالسنة (4) .
(1) أي: بيان طرق تفسير القرآن، وأوجه التفسير، وغير ذلك.
(2)
قاله الشيخ وغيره، وقالوا أيضا: من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولا من القرآن.
(3)
وصنف ابن الجوزي، كتابا فيما أجمل من القرآن في موضع وفسر في موضع آخر منه.
والمجمل لغة: المجموع أو المبهم واصطلاحا ما تردد بين محتملين فأكثر على السواء، وقيل: هو ما لم تتضح دلالته ومنه، الاشتراك نحو:{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} و {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}
والحذف: نحو {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} واحتمال اللفظ والاستئناف وغرابة اللفظ وغير ذلك وحكمه: التوقف على البيان الخارجي.
(4)
أي: فإن لم تجد تفسير القرآن، فطريقة تفسيره، بالسنة التي رواها الثقات، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي السنن «لما بعث معاذا إلى اليمن، قال: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم تجد؟ قال أجتهد رأيي فضرب في صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله، لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
…
ويجب الحذر من رواية الضعفاء، والوضاعين، فإنه كثير، ولهذا قال أحمد: ثلاث كتب لا أصل لها، المغازي والملاحم، والتفسير ومراده، أن الغالب ليس لها أسانيد صحيحة متصلة، وقد صح من ذلك كثير، كتفسير الظلم، بالشرك والحساب اليسير بالعرض، وغير ذلك وقال تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} .
فإنها شارحة للقرآن وموضحة له (1) .
(1) قاله الشيخ: وغيره، وقال يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن، كما بين لهم ألفاظه فقوله تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} يتناول هذا وهذا، وقال: اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة الدين أن السنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عن مجمله وأنها تفسر مجمل القرآن، من الأمر والخبر.
…
وقال ابن القيم: تقرر نصوص القرآن، وتكشف معانيها كشفا مفصلا وتقرب المراد منه، وتدفع عنه الاحتمالات وتفسر المجمل منه، وتبينه وتوضحه لتقوم حجة الله به، ويعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين ما أنزل إليه من ربه، وأنه بلغ ألفاظه
ومعانيه بلاغا مبينا، حصل به العلم اليقني، بلاغا أقام الحجة، وقطع المعذرة، وأوجب العلم، وبينه أحسن البيان، وأوضحه وقال: إنما يحسن الاستدلال على معاني القرآن بما رواه الثقات، ورثة الأنبياء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يتبعون ذلك بما قاله الصحابة، والتابعون أئمة الهدى.
فَإنْ لم تَجِدهُ فَارجِعْ إِلى أَقوالِ الصَّحابَةِ (1) فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه (2) .
(1) أي: فإن لم تجد تفسير القرآن، فيما تقدم، فارجع إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم، فقد أخذوا القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفاظه ومعانيه.
…
قال ابن القيم: بل كانت عنايتهم، بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ ليضبطوا بها المعاني، حتى لا تشذ عنهم، قال عمر: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن، فازددنا إيمانا، فنقل معاني القرآن عنهم، كنقل ألفاظه سواء.
(2)
أي: فإن الصحابة رضي الله عنهم، أدرى بمعاني القرآن، لما شاهدوه من التنزيل، والقرائن، والأحوال التي اختصوا بها.
…
قال ابن القيم: سمعوا من الأحاديث الكثيرة، ورأوا منه من الأحوال المشاهدة، وعلموا بقلوبهم من مقاصده، ودعوته، ما يوجب فهم ما أراد بكلامه، ما يتعذر على من بعدهم
مساواتهم فيه، فليس من سمع وعلم، ورأى حال المتكلم كمن كان غائبا لم ير، ولم يسمع وعلم بواسطة ووسائط.
ولِما لَهُم مِن الفَهمِ التَّامِّ، والعِلمِ الصَّحيحِ (1) . لا سيما
(1) قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإظهار دينه، وحفظه فالرجوع إليهم متعين قال أحمد: أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد لهم فقال: «من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي
…
» .
…
وقال البخاري: كانوا إذا جلسوا يتذاكرون كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ولم يكن بينهم رأي، ولا قياس ولم يكن الأمر بينهم كما هو في المتأخرين قوم يقرءون القرآن ولا يفهمونه، وآخرون يتفقهون في كلام غيرهم، ويدرسونه، وآخرون يشتغلون في علوم أخر، وصنعة اصطلاحية.
…
بل كان القرآن عندهم: هو العلم، الذي يعتنون به، حفظا وفهما وعملا وتفقها وكانوا أحرص الناس على ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، وهو يعلم تأويله ويبلغهم إياه كما يبلغهم لفظه فمن الممتنع أن يكونوا يرجعون إلى غير ذلك، ومن الممتنع أن لا تحرك نفوسهم لمعرفته، ومن الممتنع أن لا يعلمهم إياه، وهم أحرص الناس على كل سبب ينال به العلم والهدى، وهو أحرص الناس على تعليمهم وهدايتهم.
…
وقال ابن القيم: وإذا كان للصحابة من ذلك ما ليس لمن بعدهم، كان الرجوع إليهم في ذلك، دون غيرهم متعينا
قطعا وأن الرجوع إليهم في تفسير القرآن هو الطريق المستقيم.
كبراؤهم كالخلفاء الرَّاشدينَ (1) والأَئمَّةُ الْمَهديينَ، كَابنِ مَسعودٍ، وابنِ عبَّاسٍ (2) ،
(1) أي: لا سيما كبراء الصحابة كالخلفاء الراشدين، المنوه بذكرهم في قوله صلى الله عليه وسلم:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ» ، وأكثر من روى عنه منهم، علي حتى إنه قال: سلوني عن كتاب الله فما من آية إلا وأنا أعلم: أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل، أم في جبل وقال: وقد علمت فيما أنزلت.
(2)
أي: ولا سيما أيضا، الأئمة المهديين، كعبد الله بن مسعود الذي يقول: ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم أحدًا أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا، لأتيته وقال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.
…
وكترجمان القرآن عبد الله بن عباس الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل» ، وقال فيه ابن مسعود: نعم الترجمان للقرآن وتوفي ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة ومنهم ابن أبي كعب وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأنس وأبو
هريرة وجابر وغيرهم.
…
ونص أحمد: على أنه يرجع إلى الواحد من الصحابة في تفسر القرآن ما لم يخالفه غيره منهم، وطائفة من أهل الحديث: يجعلون تفسيره في حكم الحديث المرفوع قال الحاكم: تفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع، والبخاري: يدخل قول الصحابي، نزلت هذه الآية في كذا، في المسند، وغيره لا يدخله فيه بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه، فكل العلماء: يدخلون مثله في المسند، وما فسروه من حيث اللغة، فهم أهل اللسان، فلا شك في اعتماده، أو بما شاهدوه من الأسباب والقرائن فلا شك فيه.
وإِذا لَم تَجِدْهُ فَقَدْ رَجَعَ كَثيرٌ مِن الأَئمَّةِ في ذلكَ إِلى أَقوالِ التّابعينَ (1) كَمُجاهدٍ، وسعيد بن جبير (2) .
(1) أي: وإذا لم تجد معاني القرآن في القرآن، لا فيما رواه الثقات، عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فيما قاله الصحابة رضي الله عنهم، فقد رجع كثير من الأئمة الأربعة، وغيرهم في تفسير القرآن، إلى أقوال التابعين أئمة الهدى وهم تلقوا التفسير عن الصحابة، وقال صلى الله عليه وسلم:«خير القرون قرني ثم الذين يلونهم» فكلما كان العصر أشرف كان الاجتماع، والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر.
(2)
وكان مجاهد بن جبر المكي، مولى ابن مخزوم، آية في التفسير، وقال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، أسأله عنها فيم نزلت؟ وكيف نزلت؟ وكيف معناها؟ وقال ابن أبي مليكة: رأيت مجاهدا، يسأل ابن عباس، عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: اكتب حتى سأله عن التفسير كله، وقال سفيان: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، واعتمده البخاري وغيره في التفسير.
…
وكان سعيد بن جبير: أعلم التابعين بالتفسير، قال قتادة كان أعلم التابعين أربعة؛ وكان سعيد بن جبير: أعلمهم بالتفسير، وقال سفيان: خذوا التفسير عن أربعة عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك.
وعِكرِمَةَ وعَطاءٍ (1) والحَسَنِ ومَسروقٍ، وسَعيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ (2) .
(1) قال عكرمة، كل شيء أحدثكم به في القرآن، فهو عن ابن عباس، وعطاء أيضا ممن أخذ عن ابن عباس.
…
وقال شيخ الإسلام: أعلم الناس بالتفسير، أهل مكة، لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم.
(2)
والحسن البصري، وعطاء بن أبي سلمة الخراساني، ومحمد بن كعب القرظي، وأبي العالية، والضحاك، وعطية العوفي وقتادة وزيد بن أسلم، ومرة الهمداني، وأبي مالك وغيرهم وغالب أقوالهم تلقوها من الصحابة رضي الله عنهم، وقال أحمد
⦗ص: 113⦘
لا يكاد يجيء شيء عنهم إلا ويوجد فيه شيء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ أيضًا: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة، لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد وعطاء، وعكرمة، وكطاوس، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير، وكذا أهل الكوفة، من أصحاب ابن مسعود، وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير وابن وهب، وذكر أيضا: من لهم لسان صدق في الأمة مثل سعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وعلقمة، والأسود والحسن البصري وابن سيرين وغيرهم من التابعين.
وقال: السلف محتاجون لشيئين معرفة ما أراد الله ورسوله بألفاظ الكتاب والسنة، بأن يعرفوا لغة القرآن التي بها نزل وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين في معاني تلك الألفاظ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما خاطبهم بالكتاب والسنة، عرفهم ما أراد بتلك الألفاظ، وكانت معرفة الصحابة لمعاني القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، وقد بلغوا تلك المعاني إلى التابعين أعظم مما بلغوا به حروفه.
وَكَمالكٍ والثَّوريِّ، والأَوزاعيِّ والحَمَّادَينِ، وأَبي حَنيفَةَ، وغَيرِهِم من تابعي التابعين (1) .
(1) فهم تلقوا معانيه عن التابعين، عن الصحابة، وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«خير القرون: قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» ، والناس محتاجون لمعرفة معاني ألفاظ القرآن
عنهم، وهم الواسطة بين التابعين وأتباع تابعي التابعين.
وكَالشَّافِعي وأحمدَ، وإسحاقَ، وأبي عُبيدٍ، وأَمثالِهِم مِن أتباع تابعي التابعين (1) .
قَالَ الشَّيخُ: وقَد يَقَعُ في عِباراتِهِم تَبايُنٌ، في الأَلفاظِ يَحسَبُها مَن لا عِلمَ عِندَهُ اختِلافاً، وليسَ كَذلكَ (2) فإنَّ مِنهُم مَن يُعَبِّر عَن الشَّيءِ بِلازِمِهِ، أَو نَظيرِهِ ومِنهُم مَن ينص على الشيء بعينه (3) .
(1) فهم أئمة هدى وداخلون في المثنى عليهم، والمسلمون: محتاجون لأخذ معاني القرآن عنهم، وعن غيرهم من أئمة المسلمين وبهم حفظت الشريعة المطهرة.
(2)
أي: وليس التباين في الألفاظ، من تفاسير السلف، اختلافًا.
(3)
قال: الكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، وقال أيضًا: بعد أن ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لهم ألفاظه ومعانيه، ولهذا كان النزاع بين الصحابة، في تفسر القرآن قليل جدا، وهو وإن كان بين التابعين أكثر منه بين الصحابة فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم، ومن التابعين من تلقى جميع التفاسير عن الصحابة، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال.
…
والخلاف بين السلف قليل، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد، وذلك صنفان أحدهما: أن يعبر واحد منهم عن المراد، بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى، غير المعنى الآخر، مع اتحاد المسمى كتفسيرهم {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} بعض بالقرآن أي: اتباعه وبعض بالإسلام فالقولان متفقان، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن ولكن: كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر، كما أن لفظ: صراط يشعر بوصف ثالث، وكذلك قول من قال هو السنة والجماعة وقول من قال هو طريق العبودية وقول من قال هو طاعة الله ورسوله، وأمثال ذلك فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها.
…
الثاني: أن يذكر كل منهم، من الاسم العام، بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه مثاله ما نقل في قوله تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} الآية، فمعلوم: أن الظالم لنفسه، يتناول المضيع للواجبات والمنتهك للحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات، وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات.
…
فالمقتصدون أصحاب اليمين، والسابقون السابقون، أولئك المقربون، ثم كل منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات، كقول القائل: السابق الذي يصلي في أول الوقت والمقتصد: الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار، ويقول: السابق: المحسن بالصدقة مع الزكاة، والمقتصد: الذي يؤدي الزكاة المفروضة فقط، والظالم: مانع الزكاة، قال: وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما في تنوع التفسير تارة، لتنوع الأسماء والصفات وتارة لذكر بعض أنواع المسمى، وهو الغالب، في تفسير سلف الأمة، الذي يظن أنه مختلف.
…
ومن التنازع الموجود عنهم، ما يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين، كلفظ:{عَسْعَسَ} الذي يراد به إقبال الليل، وإدباره وإما لكونه متواطئا في الأصل لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشخصين كالضمائر في قوله:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} الآية، وكلفظ:{وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} وأشباه ذلك فمثل ذلك قد يجوز أن يراد به كل المعاني، التي قالها السلف وقد لا يجوز ذلك، فالأول: إما لكون الآية نزلت مرتين، فأريد بها هذا تارة، وهذا تارة، وإما لكون اللفظ المشترك، يجوز أن يراد به معناه، وإما لكون اللفظ متواطئًا فيكون عامًا إذا لم يكن لمخصصه موجب، فهذا النوع إذا صح فيه القولان، كان من الصنف الثاني.
…
ومن الأقوال الموجودة عنهم، ويجعلها بعض الناس اختلافا أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة، كما إذا فسر بعضهم {تُبْسَلَ} بتحبس وبعضهم: ترتهن لأن كلا منهما قريب من الآخر.
ويرجع إلى لغة القرآن (1) .
(1) أي: ويرجع فيما احتمل معان، ووقع في عباراتهم تباين إلى
لغة القرآن في ذلك، فإن اللفظ في القرآن، يكون له نظائر، يعرف معناه، باطراد ذلك المعنى، في تلك النظائر، وعموم المعنى لموارد استعمال ذلك اللفظ، ولهذا تسمى تلك الألفاظ النظائر، وفيها صنف ابن الجوزي، وغيره: كتب الوجوه والنظائر فالوجوه: الألفاظ المشتركة والنظائر: الألفاظ المتواطئة، الوجوه فيما اتفق لفظه واختلف معناه، والنظائر: فيما اتفق لفظه ومعناه.
أَو السَّنَّةِ أَو لُغَةِ العَرَبِ (1) ومَن تَكَلَّمَ بِما يَعْلَمُ مِن ذلكَ، لغة وشرعا فلا حرج عليه (2) .
(1) أي: ويرجع في تفسير القرآن فيما احتمل معان، ووقع في عبارات السلف فيه تباين: إلى لغة السنة في ذلك، أو يرجع إلى لغة العرب، فإن القرآن نزل بلسان عربي مبين، ونص عليه أحمد، وغيره، قال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله، واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله، إذا لم يكن عالما بلغة العرب، وقال مالك: لا أوتي برجل، غير عالم بلغة العرب، يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا فيجوز الرجوع إلى اللغة، لأن بها يعرف شرح الألفاظ، ومدلولاتها واستعمالها بحسب الوضع.
(2)
أي: ومن تكلم بما يعلم، من مقتضى لغة القرآن، والسنة ولغة العرب، وبالمقتضى من قوة الشرع، فلا حرج عليه في ذلك، وذلك هو: ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس حيث قال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» ، وهو الذي عناه علي بقوله: إلا فهمًا يؤتاه رجل في القرآن وقد تعبدنا تعالى بتدبر
كتابه وتفهمه واستنباط الأحكام منه وقال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} .
ويحرم بمجرد الرأي (1) .
(1) من غير لغة ولا نقل ولا معرفة لأصول العلم وفروعه، قال تعالى:{ولا تقف ما ليس لك به علم} وقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ولأبي داود وغيره: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» ، وله أيضًا:«من قال في القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار» .
…
ومن أعظم الغلط في كلام الله، وكلام رسوله، أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث فيريد أن يفسر كلام الله، وكلام رسوله، بذلك الاصطلاح ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها لا بمقتضى اللغة.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: التَّفسيرُ على أَربَعَةِ أَوجُهٍ (1) وَجهٌ: تَعرِفُهُ العَرَبُ مِن كَلامِها (2) وتَفسيرٌ لا يعذر أحد بجهالته (3) وتفسير: يعلمه العلماء (4) .
(1) هذا الأثر: رواه ابن جرير، وغيره، عن ابن عباس: من طرق، وروي مرفوعا: بسند ضعيف، بلفظ أنزل القرآن
على أربعة أحرف، حلال وحرام، لا يعذر أحد بجهالته،
وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله.
(2)
وهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم، وذلك اللغة والإعراب أما اللغة: فعلى المفسر معرفة معانيها، ومسميات أسمائها، وأما الإعراب فما كان اختلافه محيلا للمعنى، وجب عليه تعلمه، ليصل به إلى معرفة الحكم، وإلا فلا لوصوله إلى المقصود
بدونه.
(3)
وهو ما يتبادر معناه إلى الأفهام، من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام، ودلائل التوحيد، إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ} وأن مقتضى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ونحوه: طلب إيجاد المأمور به فما كان من نحو هذا، فلا يعذر أحد بجهله بمعاني ألفاظه لأنها معلومة لكل
أحد.
(4)
وهو: استنباط الأحكام، وبيان المجمل وتخصيص العموم وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فيرجع في ذلك إلى
اجتهادهم وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي، وإذا كان أحد المعنيين أظهر، وجب الحمل عليه، إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي.
وتفسير: لا يعلمه إلا الله (1) .
(1) وهو ما يجري مجرى الغيوب، وهو نحو ما تقدم في المتشابه، الذي لا يعلمه إلا الله، كأشراط الساعة، وأما عدم وصول بعضهم إلى فهم المراد باللفظ فتارة يكون بسبب استعمال لفظ غريب، أو لعدم تمييز المنسوخ، أو معرفة أسباب النزول، أو حذف المضاف، أو الموصوف، أو غيرها، أو إبدال شيء مكان شيء أو حرف بحرف، أو اسم باسم أو فعل بفعل، أو ذكر الجمع موضع المفرد أو بالعكس وغير ذلك مما ينبغي الاطلاع عليه.
التفاسير (1)
أَحسَنُ التَّفاسيرِ، مِثلُ تَفسيرُ عَبدِ الرَّزَّاقِ (2) وَوَكيعٍ، وعبد بن حميد ودحيم (3) .
(1) أي: بيان ذكر بعض التفاسير المقبولة، كتفاسير أئمة الإسلام؛ والمردودة كتفاسير أهل البدع.
(2)
أي: أحسن التفاسير التي لا يكاد يوجد فيها الخطأ لا من جهة الدليل ولا من جهة الاستدلال، مثل تفسير عبد الرزاق بن همام، بن نافع الصنعاني، الحافظ الحميري مولاهم.
(3)
أي: وأحسن التفاسير، مثل تفسير وكيع بن الجراح، الرواسي، أبي سفيان الحافظ الكوفي، روي عنه أحمد وطبقته، من كبار تابعي التابعين، قال أحمد: ما رأيت أوعى للعلم، ولا أحفظ منه، مات سنة مائة وسبع وتسعين.
…
وعبد -بغير إضافة- بن حميد بن نصر -الكسي -مدينة قرب سمرقند- قيل اسمه عبد الحميد، ثقة حافظ مات سنة
مائتين وتسع وأربعين له مسند كبير وتفسير مشهور،
ودحيم، هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو، العثماني
مولاهم الدمشقي الحافظ المتوفى سنة مائتين وخمس وأربعين وله خمس وسبعون.
وتَفسيرُ أَحمدَ، وإِسحاقَ (1) وبَقِيِّ بنِ مَخلَدٍ وابنِ المنذر (2) وسفيان بن عيينة وسنيد (3) .
(1) أحمد هو الإمام أحمد بن حنبل الشيباني العالم الرباني، ناصر السنة وقامع البدعة، ولد ببغداد وطاف البلاد له المسند والتفسير، وغيرهما توفي سنة مائتين وإحدى وأربعين.
…
وإسحاق هو ابن إبراهيم بن مخلد التميمي النيسابوري المعروف بابن راهويه، أحد أئمة التفسير توفي سنة مائتين وتسع وثلاثين.
(2)
بقي بن مخلد هو الأندلسي القرطبي الحافظ المفسر له تفسر قال ابن بشكوال: لم يؤلف مثله في الإسلام مات سنة مائتين وست وسبعين.
وابن المنذر هو: محمد بن إبراهيم النيسابوري، الإمام المشهور، صاحب التصانيف المتوفى سنة ثلاث مائة وتسع عشرة.
(3)
سفيان بن عيينة هو ابن أبي عمران ميمون الهلالي كوفي ثم مكي ثقة حافظ مشهور في التفسير، مات سنة ثمان وتسعين ومائة، وكذا سفيان بن سعيد، بن مسروق الثوري وسنيد وهو: حسين بن داود المصيصي إمام مشهور مات سنة مائتين وست وعشرين، ومثل تفسير شعبة ويزيد بن هارون، وابن أبي إياس، وروح بن عبادة وابن أبي شيبة وغيرهم، جمعوا فيها أقوال الصحابة والتابعين.
وتَفسيرُ ابنِ جَريرٍ، وابنِ أبي حاتمٍ (1) وأَبي سَعيدٍ الأَشجِّ، وابنِ ماجةَ (2) وابنِ مَردَوَيهِ، والبَغَويِّ، وابن كثير (3) .
(1) أي: ومثل تفسير ابن جرير، الإمام الحافظ، محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري، صاحب التفسير المشهور، وغيره، قال النووي: كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف أحد مثله، توفي سنة ثلاثمائة وعشرة، وابن أبي حاتم، وهو عبد الرحمن بن محمد، بن إدريس الحنظلي له التفسير وغيره مات سنة ثلاثمائة وسبع وعشرون، ومثل تفسير شعبة بن الحجاج ويزيد بن هارون وغيرهم.
(2)
أبو سعيد هو عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي، إمام أهل زمانه كوفي ثقة أخذ عنه ابن جرير وغيره مات سنة سبع وخمسين ومائتين.
…
وابن ماجه هو محمد بن يزيد الربعي، مولاهم أبو عبد الله بن ماجه القزويني الحافظ صاحب السنة وغيرها توفي سنة مائتين وثلاث وسبعين.
(3)
ابن مردويه، هو أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني الحافظ له كتب منها التفسير وغيره، توفي سنة إحدى وأربعمائة والبغوي هو الإمام الجليل محيي السنة أبو محمد الحسين بن سعيد الفراء، المتوفى سنة خمسمائة، وست عشرة قال الشيخ: تفسير البغوي، مختصر من تفسير الثعلبي، لكنه صان تفسيره، عن الأحاديث الموضوعة، والآراء المبتدعة.
وابن كثير هو الحافظ عماد الدين، أبو الفداء، إسماعيل بن كثير القرشي، الدمشقي، المتوفى سنة سبعمائة، وأربع وسبعين وشيخه: شيخ الإسلام، والمزي، وغيرهما من أهل التحقيق، ولا ريب: أن الأكباب على كتب أهل السنة الذين لا تروج عليهم أحداث المحدثين، وتأويلات الجاهلين، وعلى تفاسيرهم وسيلة إلى سلوك سبيلهم.
…
وقال ابن رجب: في زماننا تتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم، إلى زمن الشافعي، وأحمد وإسحاق وأبي عبيد، وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم، فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة وحدث من انتسب إلى متابعة السنة، والحديث من الظاهرية، ونحوهم وهم أشد مخالفة لها لشذوذهم عن الأمة وانفرادهم عنهم بفهم يفهمه، أو مأخذ لم تأخذ به الأمة من قبل، وأما الدخول مع ذلك في كلام المتكلمين والفلاسفة فشر محض.
وَحَدَثَ طَوائِفٌ مِن أَهلِ البِدَعِ (1) تَأوَّلوا كَلامَ الله على آرائهم (2) .
(1) قال: وهم نوعان، عالم بالحق يتعمد خلافه، يبتدع ما يخالف كتاب الله، ويقول: هو من عند الله، إما أحاديث مفتريات وإما تفسير وتأويل للنصوص باطل، وإما أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني، تلاوة غير عارفين بمعناه.
(2)
قال: قد أخطئوا في الدليل والمدلول حيث اعتقدوا مذهبا يخالف الحق، الذي عليه الأمة الوسط الذين لا يجتمعون على
ضلالة كسلف الأمة وأئمتها، عمدوا إلى القرآن، فتأولوه على آرائهم واستخرجوا التأويلات المستكرهة، التي هي بالألغاز أشبه منها بالبيان.
تارة يَستَدِلُّونَ بِآياتِ اللهِ على مَذهَبِهِم (1) وَتارَةً يَتَأوَّلونَ ما يخالف مذهبهم (2) كالخوارج والرافضة، الجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة وغيرهم (3) .
(1) ولا دلالة فيها بل يتعسفون بكل طريق، حتى يجعلوا القرآن تبعا لمذاهبهم وتقوية لقول أئمتهم.
(2)
بما يحرفون به الكلم عن مواضعه، والمبتدع: ليس له قصد إلا تحريف الآيات، وتسويتها على مذهبه الفاسد، بحيث أنه متى لاح له شاذة من بعيد اقتنصها أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال سارع إليه.
(3)
وقل في تفاسيرهم: تفسير ما بعث الله به رسله، بل غالب ما فيها حق ملبوس بباطل، وقل من يتصور مرادهم ولما ذكر ابن القيم الاستدلال على معاني القرآن بما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين قال: وهذا خير مما أخذ عن أئمة الضلال، وشيوخ التجهم والاعتزال، كالمريسي والجبائي والنظام والعلاف وأضرابهم.
…
وقال: أفيجوز الرجوع إلى تحريفات جهم، وشيعته وتأويلات العلاف، والنظام، والجبائي، والمريسي، وعبد الجبار، وأتباعهم من أعمى أعجمي القلب واللسان، بعيد عن السنة والقرآن مغمور عند أهل العلم والإيمان؟
…
وقال الطبري: من شرط المفسر صحة الاعتقاد أولا، ولزوم سنة الدين، فإن من كان مغموصا عليه في دينه لا يؤتمن على الدنيا، فكيف على الدين، ثم لا يؤتمن في الدين على الإخبار عن عالم فكيف يؤتمن في الإخبار عن أسرار الله تعالى ولأنه لا يؤمن أن يكون متهما بالإلحاد أن يبغي الفتنة، ويغري الناس بليه وخداعه كدأب الباطنية وغلاة الرافضة.
…
وإن كان متهما بهوى لم يؤمن أن يحمله هواه، على ما يوافق بدعته، كدأب القدرية فإن أحدهم يصنف الكتاب في التفسير ومقصوده منه إيضاح الساكن ليصدهم عن اتباع السلف ولزوم طريق الهدى.
…
وقال التفتازاني: سميت الملاحدة باطنية لادعائهم أن النصوص ليست على ظاهرها، بل لها معان باطنة، لا يعرفها إلا المعلم وقصدهم بذلك: نفي الشريعة بالكلية.
قال الشيخ: وأعظمهم جدالاً المعتزلة (1) .
(1) ولهم عبارات مزخرفة تتضمن الداء العضال، قال: وكثير من المتأخرين غلب عليهم مذهب الأشاعرة، الذي حاصله نفي العلو وتأويل الآيات بالتأويلات الموروثة عن بشر، وأضرابه وبعضهم يذكر ما عليه السلف، وما عليه المتكلمون ويختاره ويقرره ولا خير في تكبير حجم تفسير بمذهب أهل البدع.
وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم (1) ومثل تَفسيرِ ابنِ كَيسانَ الأَصَمِّ والجُبَّائِيِّ (2) وعَبدُ الجَبَّارِ الهمداني، والرماني والكشاف (3) .
(1) فصنفت الرافضة وتأولت آيات من كتاب الله على مذهبها كما يأتي وكذا الجهمية تأولت آيات الصفات والأسماء، وأنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات، ولا معاني والمعتزلة كما تقدم عنهم، والقدرية كنفيهم علم الله بما هو كائن، وكذا غيرهم من أهل البدع.
…
قال الشيخ: وتأويلاتهم هي بعينها التأويلات، التي ذكرها بشر المريسي، وأضرابه، وقد أجمع أئمة الهدى على ذمهم وأكثرهم كفروهم وضللوهم.
(2)
ابن كيسان، هو محمد بن أحمد المعروف بابن كيسان، له كتب منها: معاني القرآن وتوفي سنة مائتين وتسع وتسعين والجبائي هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي البصري من أئمة المعتزلة، ورئيس علماء الكلام في عصره، وإليه تنسب الطائفة الجبائية مات سنة ثلاث وثلاث مائة.
(3)
عبد الجبار هو ابن أحمد بن عبد الجبار شيخ المعتزلة في عصره له تنزيه القرآن عن المطاعن والرماني هو: علي بن عيسى النحوي البغدادي له كتاب التفسير وغيره توفي سنة ثلاثمائة، وأربع وسبعين، والكشاف للزمخشري محمود بن عمر الخوارزمي المتوفى سنة خمسمائة وثمان وثلاثين وأشهر كتبه الكشاف في تفسير القرآن.
ووافقهم متأخرو الشِّيعَةِ، كالمفيدِ، وأبي جَعفَرِ الطُّوسيِّ (1) اعتقَدوا رَأياً ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه (2) .
(1) أي: ووافق المعتزلة، متأخرو الشيعة، وصنفوا تفاسير على أصول مذهبهم وتأولوا آيات الصفات، وحرفوها عن مواضعها، وألحدوا فيها والمفيد هو محمد بن النعمان رئيس الإمامية في وقته، له مصنفات منها: الكلام في وجوه إعجاز القرآن توفي سنة أربعمائة وثلاث عشرة وأبو جعفر الطوسي هو: محمد بن الحسن بن علي، من أكابر فقهاء الشيعة، له التبيان الجامع لعلوم القرآن المتوفى سنة أربعمائة وستين.
(2)
وذكر أيضًا: أنهم ابتدعوا ألفاظا ومعاني، وجعلوها هي الأصل المعقول المحكم الذي يجب اعتقاده والبناء عليه، ثم نظروا في الكتاب والسنة فما أمكنهم أن يتأولوه على قولهم، تأولوه وإلا قالوا: هذا من الألفاظ المتشابهة المشكلة التي لا ندري ما أريد بها فجعلوا بدعتهم أصلا محكما وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فرعا له ومشكلا إذا لم يوافقه.
…
والواجب: أن يجعل ما أنزل الله من الكتاب، والحكمة أصلا ثم يرد ما تكلم فيه الناس إلى ذلك، قال: وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين ولا من أئمة المسلمين، لا في رأيهم ولا في تفسيرهم، وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة، إلا وبطلانه يظهر، من وجوه كثيرة، وذلك من جهتين، من العلم بفساد قولهم، ومن العلم بفساد ما فسروا به القرآن.
ومِنهم حسنُ العبارةِ، يَدُسُّ البِدَعَ في كَلامِهِ، كَصاحبِ الكَشَّافِ (1) حتَّى إِنَّهُ يَروجُ على خَلقٍ
كثير (2) .
(1) أي: ومن أهل البدع، من يكون حسن العبارة، فصيحا، ويدس البدع في كلامه، كما يدس البدع، وغيرها، صاحب الكشاف، يعني: الزمخشري ونحوه وأكثر الناس لا يعلمون.
(2)
ممن لا يعتقد الباطل، من تفاسيرهم الباطلة، قال ولسبب تطرفهم، وضلالهم دخلت الرافضة الإمامية، ثم الفلاسفة، ثم القرامطة وغيرهم، فيما هو أبلغ من ذلك، وتفاقم الأمر في الفلاسفة، والقرامطة، والرافضة، فإنهم فسروا القرآن بأنواع لا يقضي العالم منها عجبه، فتفسير الرافضة كقولهم:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} هما أبو بكر وعمر {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} هي: عائشة {قَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} طلحة والزبير {اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الحسن والحسين {فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} علي.
…
قال: ومما يقاربه من بعض الوجوه، ما يذكره كثير من المفسرين مثل قوله:{الصَّابِرِينَ} رسول الله {الصَّادِقِينَ} أبو بكر و {الْقَانِتِينَ} عمر، و {الْمُنْفِقِينَ} عثمان و {الْمُسْتَغْفِرِينَ} علي، وأمثال هذه الخرافات، التي تتضمن تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحال.
…
وتارة جعل اللفظ المطلق العام، منحصرا في شخص واحد نحو {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} أريد بها علي
وحده {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} أريد بها أبو بكر وحده ونحو ذلك.
وذَكَرَ: أنَّ تَفسيرَ ابنِ عَطِيَّةَ وأَمثالِهِ (1) وَإن كانَ أَسلَمَ مِن تَفسيرِ الزَّمخشَريِّ (2) لَكِنَّه يَذكُرُ ما يزعم أنه من قول المحققين (3) .
(1) أي: وذكر شيخ الإسلام، أن تفسير ابن عطية، عبد الحق بن غالب بن عبد الرحيم، الغرناطي صاحب المحرر، والوجيز في تفسير الكتاب العزيز، المتوفى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وأمثاله من أهل البدع.
(2)
وأتبع للسنة والجماعة قال البلقيني، في تفسير الزمخشري، استخرجت من الكشاف اعتزالا بالمناقيش، من قوله، في تفسير:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} وأي فوز أعظم من دخول الجنة، أشار به إلى عدم الرؤية، والملحد فلا تسأل عن كفره، وإلحاده في آيات الله، وافترائه على الله ما لم يقل، وذكر قول الرافضة في:{أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وغيره، ثم قال: وعلى هذا وأمثاله يحمل خبر: «إن في أمتي قومًا يقرءون القرآن، ينثرونه نثر الدقل، يتأولونه على غير تأويله» .
(3)
ولو ذكر كلام السلف، الموجود في التفاسير، المأثور عنهم على وجهه، لكان أحسن، وأجمل فإنه كثير ما ينقل من تفسير محمد ابن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير، وأعظمها قدرا ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف، لا يحكيه بحال ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين.
وإنما يَعني طائِفةٌ مِن أهلِ الكلامِ، الذين قَرَّروا أُصولَهُم بِطُرُقٍ، مِن جِنسِ ما قَرَّرت به المعتزلة (1) وذكر الذين أخطئوا في الدَّليلِ، مِثلَ كَثيرٍ مِن الصّوفيَّةِ، والوُعَّاظِ، والفقهاء، وغيرهم، يفسرون القرآن بمعان صحيحة، لكن القُرآن لا يَدلُّ عَلَيها، مِثلَ كثيرٍ مما ذَكَرَهُ أَبو عبدِ الرَّحمن السُّلَميِّ، في حَقائِقِ التفسير (2) .
(1) يَعني: أُصولَهم، وإن كان أهلُ الكلامِ، أَقربُ إلى السنة من المعتزلة لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه، ويعرف أن هذا: من جملة التفسير على المذهب، قال: فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر، لأجل مذهب اعتقدوه وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، صاروا مشاركين للمعتزلة، وغيرهم، من أهل البدع في مثل هذا.
(2)
هو محمد بن الحسين، بن محمد، بن موسى، الأزدي، النيسابوري من علماء الصوفية وتفسيره على طريقتهم: يستدل عليها بألفاظ لم يرد بها القرآن، وهو الذي يسمونه الإشارات قال ابن الصلاح: وجدت عن أبي الحسين الواحدي المفسر، أنه قال: صنف أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير، فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير، فقد كفر، وقال: الظن بمن يوثق بهم، إذا قال شيئا من ذلك، لم يذكره تفسيرا ولا ذهب به
مذهب الشرح للكلمة، فإنه لو كان كذلك، كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية.
وَإن كانَ فيما ذَكروهُ ما هو مَعانٍ باطِلَةٍ، فإنَّ ذلكَ يَدخلُ في الخطإِ في الدَّليلِ، والمدلولِ جَميعاً (1) حيث يكون الْمَعنى الذي قَصَدوه فاسِداً (2) .
وَبِالجُملَةِ: مَن عَدَلَ عَن مَذاهبِ الصَّحابَةِ وَالتَّابعين، وَتَفسيرِهِم، إلى ما يُخالِفِ ذلكَ، كان مخطئا في ذلك (3) .
(1) أي: فإن ما فسروا به الآية، على ما لا يدل على مرادهم وأخطئوا في معنى الآية يدخل ذلك في الخطأ في الدليل، إذ لم يدل على مرادهم، وفي المدلول إذ أخطئوا في المعنى.
(2)
ليس المراد بيان معاني كتاب الله، وإيضاح المراد منه، بل تأييد مذاهبهم.
(3)
أي: في ذلك التفسير، الذي عدل فيه عن مذاهب الصحابة والتابعين، إلى ما يخالفها وكثير من الناس، لا يعرف حقيقة كلام السلف، والأئمة ومنهم: من يعظمهم ويظن أنه متبع لهم، مع أنه مخالف لهم، من حيث لا يشعر، ومنهم: من يظن أنهم كانوا لا يعرفون أصول الدين، ولا تقريرها بالدلائل البرهانية، وذلك لجهلهم بعلمهم، بل لجهلهم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق، الذي تدل عليه الدلائل العقلية، مع السمعية،
بل فضلوا طريقة الخلف، على طريقة السلف حيث
ظنوا أن طريقة السلف، هي: مجرد الإيمان، بألفاظ القرآن، والحديث من غير فقه، ولا فهم لمراد الله، ورسوله منها.
…
واعتقدوا: أنهم بمنزلة الأميين، وأن طريقة المتأخرين، هي استخراج معاني النصوص، وظنهم هو الذي أوجب لهم نبذ الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، والتابعين، وراء ظهورهم فجمعوا بين الجهل، بطريقة السلف، والكذب عليهم، وبين الجهل والضلال، بتصويب طريقة الخلف، وبقوا مترددين بين الإيمان باللفظ، وتفويض المعنى وهذا طريقة السلف عندهم، وبين صرف اللفظ عن حقيقته، وما وضع له، إلى ما لم يوضع له، ولا دل عليه بأنواع من المجازات والتكلفات، التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالبيان والهدى.
بل مبتدعا (1) وإن كان مجتهدا مغفور له خطؤه (2) .
(1) قال: لأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه كما أنهم أعلم بالحق، الذي بعث الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسباب هذا الضلال، التقصير عن معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف وكم هلك بسبب قصور العلم، وعدم معرفة الحقائق من أمة، وكم وقع بذلك من خلل وريب وغمة.
(2)
أي: وإن كان من عدل عن مذاهب الصحابة، وتأول الآيات مجتهدا باذلا وسعه، مغفور له خطؤه، للخبر:«وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد» ، وخبر:«عفي عن أمتي الخطأ والنسيان» .
فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته (1) وطرق الصواب (2) .
(1) أي فالمقصود من ذكر من أخطأ في التفسير، بيان طرق العلم، الذي ينبغي أن تسلك، وأدلة العلم المقبولة، والتنبيه على المردودة.
(2)
أي: والمقصود بيان طرق الصواب، من الخطأ والضلال، قال الشيخ: ومن أعظم أسباب البدع الباطلة، التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه، وفسروا كلام الله ورسوله بغير ما أريد به، وتأولوه على غير تأويله، فمن أصول العلم بذلك: أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه، وأنه الحق: وأن يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم، وأن يعرف: أن تفسيرهم محدث مبتدع، ثم أن يعرف بالطرق المفصلة، فساد تفسيرهم بما نصبه الله من الأدلة، على بيان الحق.
سَبَبُ الاخْتِلافِ (1)
مِنهُ: ما مُستَنَدُهُ النَّقلُ، أَوِ الاستدلال (2) والمنقول: إما عن المعصوم أو لا (3) .
(1) أي: ذكر سبب الاختلاف بين الناس، في تفسير القرآن.
(2)
أي: من الاختلاف في التفسير كما قال الشيخ وغيره، منه: ما مستنده النقل، والمرجع فيه إلى الصحة، ومن يقبل منه، ومنه: ما يعلم بغير النقل، وهو: ما مستنده الاستدلال والمرجع فيه إلى صحة الاستدلال، وقال: إذ العلم إما نقل مصدق، وإما استدلال محقق.
(3)
أي: والمنقول في التفسير، وغيره: إما عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أو عن غيره من الصحابة أو التابعين.
…
قال الشيخ: ومن المنقول، ما يمكن معرفة الصحيح منه، والضعيف، وما يحتاج المسلمون إلى معرفته، فإن الله نصب على الحق دليلا، وما لا يمكن، فلا طريق بالجزم بالصدق منه، فالبحث عنه: مما لا فائدة فيه.
…
ومثال ما لا يفيد، ولا دليل على الصحيح منه، الاختلاف في أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضرب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح، وفي اسم الغلام الذي قتل الخضر، ونحو ذلك، فهذا طريقة العلم به النقل، فما كان منقولا نقلا صحيحا، عن المعصوم، كاسم صاحب موسى، أنه الخضر، فمعلوم، وما لم يكن كذلك، بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب، فلا يجوز تصديقه، ولا تكذيبه، إلا بحجة، وكذا: ما نقل عن بعض التابعين، وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، فمتى اختلف التابعون، لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض.
فالْمَقصودُ: وَإذا جاء عنهُ مِن جِهتين، أو جهات من غير تواطؤ فَصَحيحٌ (1) وكَذا الْمَراسيلُ إذا تَعَدَّدَت طُرُقُها (2) وخَبَرُ الواحِدِ، إذا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بالقَبولِ، أوجَبَ العِلمَ (3) .
(1) أي: وإذا جاء التفسير عن المعصوم صلى الله عليه وسلم من جهتين، من غير تواطؤ فصحيح، لاعتضاد أحدهما بالآخر، أو جاء عن المعصوم من جهات، وقد علم، أن المخبرين لم يتواطئوا على اختلافه وعلم أن ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقا بلا قصد، فهو صحيح.
(2)
أي: فهي صحيحة، قال الشيخ: المراسيل إذا تعددت طرقها، وخلت عن المواطأة قصدا أو الاتفاق بغير قصد، كانت صحيحة قطعا والمراسيل: جمع مرسل، وهو قول التابعي: قال رسول الله كذا أو فعل كذا.
(3)
قال الشيخ: جمهور أهل العلم من جميع الطوائف، على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له، وعملا به، أنه
يوجب العلم إلا فرقة من المتأخرين اتبعوا طائفة من أهل الكلام، أنكروا ذلك، وأكثر أهل الكلام: يوافقون الفقهاء على ذلك وقال ابن القيم: هذا الذي اعتمده نفاة العلم،، عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقوا به إجماع الصحابة، المعلوم بالضرورة وإجماع التابعين، وإجماع أئمة الإسلام ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة، والخوارج، الذين انتهكوا حرمة هذه الأمة وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء، وإلا فلا يعرف لهم سلف من الأئمة بذلك، بل صرح الأئمة بخلاف قولهم، ومن له إلمام بالسنة، والتفات إليها، يعلم ذلك، وذكر عليه أكثر من عشرين دليلا.
والْمُعتَبَرُ في قَبولِ الخَبَرِ: إِجماعُ أَهلِ الحديثِ (1) ولَهُ أدِلَّةٌ يُعرَفُ بِها أنَّهُ صِدقٌ (2) وعليه أدلّةٌ يُعرَفُ بِها أَنَّهُ كَذِبٌ (3) كما في تفسير الثعلبي (4) .
(1) كما أن المعتبر في الإجماع على الأحكام: بإجماع أهل العلم بالأمر، والنهي والإباحة، ولا تجتمع الأمة على خطأ فإذا أجمعوا على حكم جزمنا بأنه ثابت.
(2)
أي: وللخبر الوارد من طريق، أو طرق أدلة شرعية، يعرف بها أنه صدق لموافقته الأصول الشرعية.
(3)
لمناقضته الأصول الشرعية، يعلم ذلك من له إلمام بأصول الشرع، وإطلاع تام، وذهن ثاقب، وفهم قوي، ومعرفة بالقرائن الدالة على ذلك.
(4)
أحمد بن محمد بن إبراهيم، المتوفى سنة سبع وعشرين وأربعمائة له التفسير الكبير، اختصره البغوي، قال الشيخ: هو نفسه فيه خير ودين، وكان حاطب ليل، ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
والواحدي، والزمخشري وأمثالها (1) وهو قليل في تفاسير السَّلفِ (2) وما نُقِلَ عَن بَعضِ الصّحابَةِ نَقلاً صَحيحاً،
فالنَّفسُ إِليهِ أَسكَنُ، مِما نُقِلَ عَن بَعضِ التّابعينَ (3) ،
والإسرائِيلِيّات: تُذكَرُ للإِستِشهادِ، لا للاعتمادِ (4) ما علمت
(1) الواحدي: هو علي بن أحمد بن محمد بن علي، معروف بالواحدي، له البسيط والوسيط والوجيز، في التفسير والزمخشري، هو محمود بن عمر صاحب الكشاف وذكر الشيخ: أن في كتب التفسير، من الموضوعات شيء كثير، وقال: مثل ما يرويه الثعلبي، والواحدي، والزمخشري في فضائل سور القرآن، سورة، سورة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم.
(2)
أي: والخبر الذي عليه أدلة، يعرف بها أنه كذب، قليل في تفاسير السلف، وأكثرهم يوضح ذلك، كابن كثير، ويورده بسنده ليعلم ذلك.
(3)
لأن الصحابة رضي الله عنهم، أخذوا القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفاظه ومعانيه، وكانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ ورأوا من الأحوال المشاهدة، وعلموا بقلوبهم من مقاصده ما يتعذر على من بعدهم مساواتهم فيه.
(4)
ففي شرع محمد صلى الله عليه وسلم غنية عنها، وشريعته ناسخة لشريعة من قبله.
صِحَّتُهُ مما شَهِدَ لَهُ الشَّرعُ، فَصَحيحٌ (1) .
وما خالَفَهُ فَيُعتَقَدُ كَذِبُهُ (2) ومَا لَم يُعلَم حُكمُهُ في شَرعِنا، لا يُصَدَّقُ، وَلا يُكَذَّبُ (3) وَغالِبُهُ لا فائدة فيه (4) والخطأ الواقع في الاستدلال. من جهتين حدثتا عمن تقدم ذكرهم من المبتدعة بعد تفسير الصحابة، والتابعين وتابعيهم اعتقدوا معاني، حَمَلُوا أَلفاظَ القُرآنَ عَلَيها (5) أَوْ فَسَّرُوهُ بِمُجَرَّدِ ما يَسوغُ أَن يُرِيدُوهُ، مِمَّا لا يَدُلُّ على المراد من كلام الله بحال (6) .
(1) يعرفه من له بصر بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
(2)
لما تقرر من تحريفهم وتبديلهم.
(3)
إلا بحجة لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا حدثكم أهل الكتاب، فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» ، قال الشيخ: وكذا ما نقل عن بعض التابعين، ولو لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب.
(4)
أي: وغالب ما في الإسرائيليات لا فائدة فيه.
(5)
أي: قسم ممن جاء بعد الصحابة والتابعين، اعتقدوا معاني، ثم حملوا ألفاظ القرآن عليها، وراعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن، من الدلالة والبيان، وهم تارة يسلبون لفظ القرآن، ما دل عليه، وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه، ولم يرد به، وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا تفسيره أو إثباته من المعنى باطلا.
(6)
أي: والقسم الثاني، فسروا القرآن، بمجرد ما يسوغ أن يريدوه بكلامه، ممن كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزل عليه، والمخاطب به، وهو مما لا يدل على المراد من كلام الله بحال، وإنما راعوا مجرد اللفظ، وما يجوز عندهم أن يريد به العربي، من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به وسياق الكلام.
وَتَبِعَهُم كَثيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ لِضَعفِ آثارِ النُّبُوَّةِ (1) والعَجزِ، والتَّفريطِ (2) حتَّى كانوا يَرْوُونَ ما لا يَعلمونَ صِحَّتَهُ.
وقد يكون الاختِلافُ، لِخَفاءِ الدَّليلِ، والذّهولِ عَنهُ (3) وَقدْ يكونُ: لِعدَمِ سَماعِهِ، وَقد يكونُ للغَلَطِ في فَهمِ النَّصِّ، وَقَد يَكونُ لاعتقاد معارض راجح (4) .
(1) فيهم لضعف الهمم، وتشعبها والاشتغال بما لايجدي.
(2)
أي: والعجز عن معرفة معاني القرآن العزيز، والتفريط في التحصيل حتى أخطئوا في الاستدلال.
(3)
لما بهم من الوهن، عن التفتيش عليه.
(4)
وغير ذلك، مما هو من أسباب الاختلاف، قال الشيخ: وكثير من الكتب المصنفة، في أصول علوم الدين، وغيرها، نجد الرجل المصنف فيها، في المسألة العظيمة، كمسألة القرآن، والرؤية والصفات، والمعاد، وحدوث العالم وغير ذلك، يذكر أقوالا متعددة والقول الذي جاء به الرسول، وكان عليه سلف الأمة ليس في تلك الكتب، ولا عرفه مصنفوها ولا شعروا به.
التفسير (1)
التَّفسيرُ: كَشفُ مَعانِي القُرآنِ، وبَيانُ المرادِ مِنهُ (2) .
(1) أي: ذكر أحكام التفسير وما لا بد للمفسر منه والتفسير: تفصيل من المفسر، وهو البيان والكشف.
(2)
هذا المعروف عند العلماء، كما حكاه الأصبهاني، وغيره، وقال الزركشي، وغيره: علم يفهم به كتاب الله المنزل، على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه، واستخراج أحكامه، وحكمه واستمداد ذلك من علم اللغة، والنحو والتصريف، وعلم البيان،
وأصول الفقه، والقراءات ويحتاج لمعرفة أسباب النزول
والناسخ، والمنسوخ، وغير ذلك، ومن ذكر فضائل القرآن، يذكرها في أول كل سورة، لما فيها من الترغيب والحث على حفظها.
…
وقال غيره: يجب أن يتحرى مطابقة المفسر، وأن يتحرز من نقص لما يحتاج إليه في إيضاح المعنى، أو زيادة لا تليق بالغرض، ويتحرى الغرض الذي سيق له الكلام، وقال أبو حيان: كثيرا ما يشحن المفسرون تفاسيرهم، عند ذكر الإعراب، بعلل النحو ودلائل أصول الفقه، ومسائله ودلائل أصول الدين
وكل ذلك مقرر في تآليف هذه العلوم، وإنما يؤخذ ذلك مسلما في علم التفسير دون استدلال عليه.
…
وكذلك أيضا: ذكروا ما لا يصح من أسباب النزول، وأحاديث في الفضائل، وحكايات، لا تناسب، وتواريخ إسرائيلية ولا ينبغي ذكر هذا في التفسير.
قيلَ بَعضُهُ يكون مِن قِبَلِ الألفاظِ الوجيزة، وكشف معانيها (1) وبعضه مِن قِبَلِ ترجيحِ بَعضِ الاحتمالاتِ على بعضٍ (2) وأجمَعوا: على أنَّ التَّفسيرَ مِن فُروضِ الكِفاياتِ (3) .
(1) وقال الثعلبي وغيره: بيان وضع اللفظ، وإخبار عن دليل المراد، وروى البيهقي وغيره الحث على إعرابه، وهو معرفة معاني ألفاظه، والمرجع في ذلك، إلى كتب أهل الفن في ذلك، كالزجاج، والفراء، والأخفش، وأبي عبيد، وابن الأنباري، وغيرهم.
(2)
وقيل هو: التأويل وتقدم بيان التأويل في القرآن، وعند أهل التفسير، أنه يراد به عند بعضهم التفسير.
(3)
للحاجة إليه، وما أنزل إلا ليفهم، وقال الشيخ: معرفة معنى كل آية فرض على الكفاية، ولا يجب على كل مسلم، معرفة معنى كل آية، بل معرفة ما لا بد منه.
وهُو أجلُّ العلومِ الشَّرعِيَّةِ (1) وأَشرَفُ صِناعَةٍ يَتَعاطاها الإنسانُ (2) والْمُعتني بِغريبه، لا بُدَّ لَهُ مِن معرفة الحروف (3) .
(1) بالإجماع بل القرآن أصل العلوم، وفضله وفضل حامله مشهور معلوم، فإيضاحه وبيانه، أجل العلوم، وأشرفها وأعلاها بل به عصمتنا، وسعادتنا في الدنيا والآخرة
(2)
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تعلموا عشر آيات، لم يجاوزوهن حتى يتعلموا معانيهن، والعمل بهن، وفي الخبر:«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وشرف كلام الله لا يخفى، فبيانه أشرف بيان وأفضله، وقال ابن عباس: الذي يقرأ القرآن، ولا يحسن تفسيره كالذي يهذ الشعر هذا.
(3)
أي: والمعتني بتفسير القرآن، لا بد له من معرفته معنى الكلمة، وصيغتها ومحلها، ومعرفة الحروف، لاختلاف مواقعها، قال ابن عباس: الحمد لله الذي قال: {عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} ولم يقل: في صلاتهم.
…
وقال في: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية، فالأربعة الأول يملكونها ملكا مطلقا، والأربعة الأخيرة ملكا مراعا، كما هو معروف في موضعه، والحروف يراد بها الاسم، والفعل وحروف المعاني، واسم حروف الهجاء، وكثيرا ما يوجد في كلام المتقدمين هذا حرف من الغريب، يعبرون بذلك عن الاسم
التام فقوله صلى الله عليه وسلم: «بكل حرف عشر حسنات» ، مثله بقوله ألف حرف ولام حرف وميم، حرف، والمراد هنا: حروف المعاني، التي هي قسيمة الأسماء، والأفعال، وباعتبار معانيها: إلى حروف استفهام وحروف نفي، وحروف تحضيض وغير ذلك، وحروف الهجاء، تسمى حروفا، وهي أسماء كالحروف المذكورة في أوائل السور، لأن مسماها هو الحرف، الذي هو حرف الكلمة، وسميت حروف الكلام حروفا، لأنها طرف الكلام وحده ومنتهاه.
وأكثَرُ مَن تكلَّمَ فيها النُّحاةُ (1) والأَسماءِ، والأَفعالِ (2) وأَكثَرُ مَن تكلَّمَ فيها اللُّغَوِيّونَ (3) ومِنهُ: معرفةُ ما وُضِعَ لهُ الضَّميرُ وما يَعودُ عليه (4) ؛
(1) فيرجع في ذلك إلى كتبهم، وهي كثيرة مشهورة.
(2)
أي: ومعرفة الأسماء فنحو {قل هو الله أحد} أحد: أكمل من واحد والاسم الشريف: علم على ربنا تعالى، ومعرفة الأفعال ومدلولاتها وكذا الظروف.
(3)
فيرجع في ذلك، إلى كتب أهل اللغة، كالمحكم لابن سيدة، والتهذيب للأزهري، والصحاح للجوهري، ومجمع البحرين للصاغاني وأمثالها من كتب اللغة.
(4)
أي: ومن معرفة غريب القرآن، معرفة ما وضع له الضمير، وأصل وضعه للاختصار قال تعالى:{أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} قام الضمير مقام [خمسة وعشرين] * كلمة () .
…
ومنه: معرفة ما يعود إليه الضمير، فإنه لا بد له من مرجع يعود إليه ويكون ملفوظا به، سابقا، نحو {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} أو متضمنا له نحو {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أو دالا عليه، نحو {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} أو متأخرا نحو {أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} {كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} أو دل عليه السياق، نحو {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} وإذا اجتمع في الضمائر مراعاة اللفظ والمعنى بدئ باللفظ ثم بالمعنى.
والتذكير والتأنيث والتعريف والتنكير (1) .
(1) التأنيث الحقيقي: لا تحذف تاؤه غالبا إلا إن وقع فصل، وغير الحقيقي الحذف أحسن نحو {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} وكذا الإثبات نحو {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} وإن وقع ضمير، وإشارة بين مبتدأ وخبر، جاز.
…
وكل أسماء الأجناس: يجوز فيها التذكير، حملا على الجنس، والتأنيث حملا على الجماعة، والتعريف والتنكير، لكل منهما حق لا يليق بالآخر، فللتنكير إرادة الوحدة، كجاء رجل، والنوع نحو {هَذَا ذِكْرُ} والتعظيم والتكثير، وضدهما وغير ذلك، وللتعريف أل والإضمار، والعلمية، والإشارة والتعريض وغير ذلك.
ــ
*- بهذا العدد في البرهان والإتقان ولعل الصواب: «عشرين» .
والخِطابِ بالاسمِ والفِعلِ (1) .
وأولى ما يُرجَعُ في غريبهِ، إلى: تَفسير ابن عباس، وغيره (2) ودواوين العرب (3) .
(1) الاسم: يدل على الثبوت، والاستمرار، والفعل: يدل على التجدد، والحدوث، ومعرفة ذلك من معرفة غريب القرآن، وكذا السؤال، والجواب، والمصدر، والعطف، وغير ذلك.
(2)
من الصحابة، وغيرهم، وورد عن ابن عباس، وأصحابه: ما يستوعب أكثر غريب القرآن، وتقدم: أن أصح الطرق عنه، طريق مجاهد، ولذلك اعتمده البخاري وغيره.
(3)
لأن الله تعالى قال: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} وقد احتج الصحابة، والتابعون، على غريب القرآن، ومشكله، بشعر العرب، وقال ابن عباس: الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن، الذي أنزله الله بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها، فالتمسنا معرفة ذلك منه، وروي عنه من ذلك كثير، وتقدم: لغة قريش، ثم أهل الحجاز.
…
وليس فيه شيء من التراكيب الأعجمية، وقال القرطبي: أجمعوا على أنه ليس في القرآن شيء، من التراكيب الأعجمية، وأجمعوا على أن فيه أعلاما من الأعجمية، كإبراهيم ونوح ولوط، واختلفوا هل فيه شيء من غير ذلك بالأعجمية؟ فأنكره بعضهم، وقالوا: ما وقع فيه مما يوافق الأعجمية، فهو من باب ما توافقت فهي اللغات.
…
وقال غير واحد: ما كان معلوم المعنى، عند غير العرب، ثم استعملته العرب في ذلك المعنى كإبراهيم، وإسماعيل، ونحوهما، فلا ينبغي أن يقع فيه خلاف.
…
وأما ما كان من غير الأعلام، فإن العرب استعملت كلمات: أصلها أعجمية ثم عربتها بألسنتها، وحولتها عن ألفاظ العجم، إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن، وقد اختلطت بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية، باعتبار التعريب الطارئ فصادق ومن قال إنها أعجمية، باعتبار أصلها فصادق والجمع بين القولين أن نحو {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} و {مِشْكَاةٍ} و {إِسْتَبْرَقٍ} أصلها بغير العربية، ثم عربتها العرب واستعملتها فصارت من لسانها، بتعريبها واستعمالها وإن كان أصلها أعجميا.
ويبحث عن كون الآية مكملة لما قبلها أو مستقلة (1) .
(1) أي: ويبحث المفسر عن كون الآية من القرآن، مكملة للآية التي قبلها، وظاهرة الارتباط، لتعلق الكلم بعضه ببعض، وعدم تمامه بالأولى، وكذا إذا كانت الثانية للأولى، على وجه التأكيد، أو التفسير، ونحو ذلك، أو كونها مستقلة، غير ظاهرة الارتباط.
وما وجه مناسبتها لما قبلها وكذا السور (1) .
(1) أي: ويبحث عن وجه مناسبتها لما قبلها، أو كانت مستقلة والمرجع في ذلك، إلى معنى رابط بين الآيات، عام، أو خاص، بأي نوع من أنواع العلاقات، ومنه: أن تكون معطوفة بحرف من حروف العطف، المشركة في الحكم، أو توجد قرائن معنوية تؤذن بالربط كإلحاق النظير بالنظير، أو استطراد أو انتقال من حديث إلى آخر، أو غير ذلك، كما في سورة ص بعد ذكر الأنبياء ذكر المتقين ثم الجنة وأهلها، ثم النار وأهلها قال ابن الأثير: هذا في هذا المقام من الفصل الذي هو أحسن من الوصل، وهي: علاقة أكيدة بين الخروج من كلام إلى آخر، وقيل: الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات، أن تنظر الغرض، الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض، من المقدمات وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات، في القرب والبعد من المطلق، وتنظر إلى انجرار الكلام، في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع، إلى الأحكام واللوازم التابعة له، التي تقتضي البلاغة شفاء الغليل، بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها، فإذا عقلته تبين لك وجه النظم.
…
وقال ابن العربي: ارتباط آي القرآن بعضها ببعض، حتى يكون كالكلمة الواحدة، منتسقة المعاني منتظمة المباني، علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد، عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله لنا فيه، فلما لم نجد له حملة، ورأينا الخلق بأوصاف البطلة
ختمنا عليه، وكذا السور، يبحث عن وجه مناسبتها لما قبلها ووجه اتصالها بها، ووجه ما سيقت له.
…
وقيل: أول من أظهر علم المناسبة، أبو بكر النيسابوري، وكان يقول على الكرسي، إذا قرئ عليه: لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه الآية؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة، إلى جنب هذه السورة؟ وذكر الخطابي: أن الصحابة لما اجتمعوا على القرآن وضعوا سورة القدر عقب العلق، استدلوا بذلك على أن المراد بالكناية، في قوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} الإشارة إلى قوله اقرأ.
…
وقال ابن العربي: هذا بديع جدا، ومن المناسبة التي تطلب الحكمة فيها: إيراد الآية تشبه الآية، والقصة تشبه القصة، نحو:{وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ} وفي أخرى {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} و {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} و {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} والقصص في كل موضع: بلفظ غير الآخر.
وعن القراءة المتواترة، المشهورة والآحاد (1) وكَذا: الشَّاذَّةِ فَإنّها تُفسّر المَشهورةِ وتُبيِّن معانيها (2) .
(1) وهي: ما صح سندها ولم تبلغ درجة المتواترة، ولا المشهورة فإنها تفسر معنى الآية وتبين معانيها.
(2)
وإن لم يصح سندها نحو: {مَلَك} بصيغة الماضي، ونصب {يَوْمَ} .
وإن كان لا تَجوزُ القِراءةُ بالشَّاذةِ إجماعاً (1) .
(1) فإنها تعتبر في التفسير، والإيضاح وأما القراءة بها، فحكى ابن عبد البر وغيره: الإجماع على أنه لا تجوز القراءة بالشاذة، وما ذكر موهوب الجزري، من جواز القراءة بها في غير الصلاة، قياسا على رواية الحديث بالمعنى فلا يلتفت إليه.
التلاوة (1)
تستحب تلاوة القرآن، على أكمل الأحوال (2) .
(1) أي: ذكر أحكام تلاوة القرآن العزيز، وتحسينها وبيان ما صرف عنه الأكثر، من فهم كتاب الله، والخشوع عند تلاوته، بتكلف المخارج ونحو ذلك وذكر أحكام المصحف.
(2)
متطهرا مستقبل القبلة، متحريا أفضل الأوقات، كبعد الفجر، لقوله {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} . قال الشيخ: قراءة القرآن بعد الفجر، أفضل من قراءته آخر النهار، ومتهجدا آخر الليل أفضل لقوله:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً} ولا بأس بالقراءة في كل حال، قائما، وقاعدا ومضطجعا وراكبا وماشيا، ولا في شيء من الأوقات لمعنى فيه ولا تكره مع حدث أصغر، أو نجاسة بدن، أو ثوب وتكره في المواضع القذرة، والأسواق التي يصيح فيها أهل الأسواق بالنداء، والبيع ويكره الجهر بها مع الجنازة.
…
وتحرم مع الجنابة، لخبر:«لا يحجبه من القرآن شيء ليس الجنابة» ، رواه الخمسة، ولفظ الترمذي:«يقرئنا القرآن، ما لم يكن جنبا» ، وقال الشيخ: تحرم باتفاق الأئمة والجمهور آية فصاعدا وعند الشيخ: تباح قراءته للحائض، إذا خافت نسيانه، وقال: بل تجب وله قول: ما وافق قرآنا لم يقصده، ويمنع الكافر من قراءته، وهو أولى من الجنب، لقوله:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} ورجح البغوي وغيره: جواز تعليمه إن رجي
إسلامه.
والإكثار منها (1) وهو أفضلُ من سائِرِ الذكرِ (2) .
(1) أي: ويستحب الإكثار من تلاوة القرآن قال تعالى: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} وثبت: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار» ، وأنه: يأتي يوم القيامة شفيعا، ومن قرأه وهو ماهر فيه، فهو مع السفرة الكرام، ومن قرأه وهو يتتعتع فيه، وهو عليه شاق، وفي رواية شديد فله أجران، وللترمذي:«من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها» .
(2)
ففي الحديث القدسي: «من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي للسائلين» ، وفي الخبر:«فضل كلام الله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه» ، صحح الترمذي وبعضه أفضل من بعض، فما تكلم به في وصف نفسه المقدسة أفضل مما تكلم به في وصف خلقه، وفي الصحيح:«إنه لم ينزل في القرآن، ولا في غيره أفضل من الفاتحة» ، و {قل هو الله أحد} ، تعدل ثلث القرآن، وأعظم آية فيه: آية الكرسي،
ويجب منه ما يجب في الصلاة، ويبدأ الصبي وليه به
قبل العلم، ويستحب حفظه إجماعا، وحفظه فرض كفاية إجماعا.
والترتيل أفضل من السرعة، مع تبيين الحروفِ (1) وأشدُّ تأثيراً في القلبِ (2) وينبغي إعطاء الحروف حقها، وترتيبها (3) وتلطيف النطق بها (4) .
(1) وأما السرعة، مع عدم تبيين الحروف، فتكره، ومن الناس من إذا حدر كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ ومنهم من لا يحسن الحدر والناس في ذلك على ما يخف عليهم، فيستحب لكل إنسان ملازمة ما يوافق طبعه، ويخف عليه، فربما تكلف ما يشق عليه فيقطعه عن القراءة، والإكثار منها، ولا خلاف، أن الأفضل الترتيل لمن تساوى في حالته الأمران.
(2)
وأجل قدرا، وأقرب إلى الإجلال، والتوقير، بل قراءة آية بتدبر وتفهم خير من قراءة ختمة، بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاة القرآن وقال تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} وهكذا كانت قراءته صلى الله عليه وسلم والسلف من بعده، حتى إنه ليردد الآية إلى الصباح، وهذا هو أصل صلاح القلب.
(3)
حالة النطق بها، ورد الحرف إلى مخرجه، وأصله.
(4)
على كمال الهيئة فإن التجويد حلية القراءة، وفي الحديث:«من أحب أن يقرأ القرآن غضا، كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد» ، يعني ابن مسعود، وكان قد أعطي حظا عظيما في حسن الأداء وكما أن الأمة متعبدة بفهم معاني القرآن، وإقامة حدوده فهي متعبدة بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه.
من غيرِ إسرافٍ: ولا تَعسُّفٍ، ولا تكلُّفٍ (1) ويُسنُّ تَحسينُ الصَّوتِ (2) والتَّرَنُّمُ: بِخشوعٍ، وحُضورِ قلبٍ، وتفكر وتفهم (3) .
(1) ولا إفراط في مخارج الحروف ونحوها.
(2)
لقوله صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم» ، وقوله:«ليس منا من لم يتغن بالقرآن» ، وغير ذلك، قال النووي: والذي يتحصل من الأدلة، أن حسن الصوت بالقراءة مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع، ولا يخرج بتحسينه عن حد القراءة، إلى التمطيط المخرج له عن حدوده، وتحسينه من غير مراعاة قوانين النغم مطلوب بلا نزاع، وقال الحافظ: ما كان طبيعة وسجية، كان محمودا، وما كان تكلفا وتصنعا، كان مذمومًا، وهو الذي كرهه السلف.
(3)
أي: ويسن الترنم، وهو تحسين الصوت، وفي الخبر:«ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الترنم بالقرآن» ، وفي رواية حسن الصوت يترنم بالقرآن، ويسن أن يكون بخشوع وحضور قلب، وتفكر، وتفهم فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبه ينشرح الصدر، ويستنير القلب، قال تعالى:{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ، وذلك أن يشغل
قلبه في معنى ما يتلوه، سائلا عند آية الرحمة، مستعيذا
عند آية العذاب، مستغنيا بمعانيه، وحكمه عن غيره، من كلام الناس، وإذا سمع شيئا من كلام الناس وعلومهم عرضه على القرآن فإن شهد له بالتزكية، قبله، وإلا رده، وإن لم يشهد له بقبول ولا رد، وقفه، وهمته عاكفة على مراد ربه من كلامه ويستحب البكاء عند القراءة، وهي صفة العارفين وشعار الصالحين وقرأ ابن مسعود، على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عيناه تذرفان وروي:«فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا» ، وطريقه في تحصيل البكاء، أن يتأمل ما يقرأه من التهديد والوعيد الشديد، والمواثيق، والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها فإن لم يحضره حزن وبكاء، فليبك على فقد ذلك، فإنه من المصائب.
يُنفِذ اللفظ إلى الأسماعِ، والمعاني إلى القلوبِ (1) قال الشيخُ في زَيِّنُوا القُرآنَ بِأَصواتِكُمْ هو التحسين، والترنم بخشوع، وحضور قلب (2) .
(1) وهو المراد منه قال تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} .
(2)
أي: قال شيخ الإسلام، في شرحه الحديث الصحيح، الذي رواه البخاري، وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «زينوا القرآن بأصواتكم» تزيين القرآن بالأصوات، هو: التحسين، أي تزيين الصوت وجعله حسنا، يقال: فلان يحسن القراءة ويتغنى بها، وفي الحديث:«ليس منا من لم يتغن بالقرآن» ، ولابن ماجه، عن جابر مرفوعا:«إن من أحسن الناس صوتا: الذي إذا سمعته يقرأ حسبته يخشى الله» ، وقال النووي: يستحب طلب القراءة من حسن الصوت، والإصغاء إليها بالاتفاق.
لا صرفُ الهِمَّةِ إلى ما حُجِبَ به أكثر الناس، من الوسوسةِ، في خروجِ الحروفِ (1) وترقيقِها وتفخيمِها وإمالتِها (2) والنّطقِ بالمدِّ الطّويلِ، والقَصيرِ، والمتوسّطِ (3) وشَغلهِ بالوصل والفصل (4) .
(1) أي: من مواضعها وظهورها وتميزها.
(2)
الترقيق: ضد التفخيم، والتفخيم: فتح الشخص فاه بالحرف وتحريك أوساط الكلم بالضم، والكسر، في المواضع المختلف فيها دون إسكانها، والغالب على أهل الحجاز تفخيم الكلام، والإمالة، أن ينحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء.
(3)
أي: ولا صرف الهمة بالنطق، بالمد الطويل، وهو عبارة عن زيادة مط في حرف المد، على المد الطبيعي، ولا النطق بالمد القصير، وهو ترك تلك الزيادة ولا صرف الهمة بالمد المتوسط، وحرف المد: الألف مطلقا، والواو الساكنة، المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها.
(4)
الذي قد جعله طوائف أصلا كبيرا في الوقف، وذكروا: أن الوقف على ثلاثة أوجه، تام وحسن وقبيح وأن التام: الذي يحسن الوقف عليه، والابتداء بما بعده، وأن الحسن هو الذي يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده، واستغرب بعضهم هذه التسمية، وأما الوقف على رءوس الآي فسنة لخبر أم سلمة: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع آية آية.
والإضجاعِ والإرجاعِ (1) والتَّطريبِ وغيرِ ذلكَ، مما هو مُفضٍ إلى تغييرِ كتابِ اللهِ (2) والتَّلاعُبِ بهِ (3) .
(1) الإضجاع في الحركات كالإمالة، والإرجاع، الإعادة والترديد.
(2)
أي: وشغل القارئ باله، بالتطريب، وهو الترجيع، والتمديد ونحو ذلك، مما هو مفض إلى تغيير نظم كتاب الله، الذي أمرنا بتدبره، ولأبي داود، عن جابر رضي الله عنه، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي، فقال: اقرءوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح ويتعجلونه ولا يتأجلونه» أي يبالغون في عمل القراءة كمال المبالغة للرياء، والمباهاة، الشهرة والتأكل ويذهب الخشوع قال الذهبي: القراءة المجودة فيها تنطع وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة، إلى مراعاة الحروف، والتنطع في تجويدها، بحيث يشغله ذلك، عن تدبر كتاب الله، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة حتى ذكر أنهم ينظرون إلى حفاظ كتاب الله، بعين المقت.
(3)
أي: وشغله بذلك، مفض إلى التلاعب بكتاب الله، والتنطع والوسوسة المستكرهة.
حائل للقلوب (1) قاطع لها عن فَهمِ مُرادِ الرِّبِّ من كلامِهِ (2) ومن تأمَّل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) وإقرارَهُ أهل كُلِّ لِسانٍ على قِراءَتِهِم (4) تبيَّن له: أنَّ التنطّعَ بالوَسوسةِ في إخراجِ الحروف ليس من سنته (5) .
(1) عن مراد الرب من كتابه، وقال ابن رشد: الواجب أن ينزه القرآن عما يؤدي إلى هيئة تنافي الخشوع، ولا يقرأ إلا على الوجه الذي يخشع منه القلب، ويزيد في الإيمان، ويشوق فيما عند الله.
…
وقال الشيخ: الثواب، ورفع الدرجات، والأقدار، على قدر معاملة القلوب، وما يحصل عند تلاوته، من وجل القلب، ودمع العين، واقشعرار الجسم، هو أفضل ذلك.
(2)
فينزه كلام الله عن ذلك، وأما التغني بما تقتضيه الطبيعة وتسمح به القريحة، من غير تكلف، ولا تمرين، فممدوح بل إذا خلي وطبعه، واسترسلت طبيعته بفضل تزيين، وتحسين حسن، كما قال أبو موسى، لحبرته لك تحبيرا فإن من هاجه الطرب، والحب والشوق، لا يملك من نفسه، دفع التحزين، والتطريب في القراءة، والنفوس تقبله، وتستحليه.
(3)
في تلاوة كتاب الله.
(4)
مع تباين نطقهم بالأحرف.
(5)
قاله: شيخ الإسلام، وغيره.
وقال: يُكرَهُ التَّلحين الذي يُشبهُ الغِناءَ (1) واستحبَّ بَعضُهُم القِراءةَ في المُصحَفِ (2) ويُستحبُّ الخَتمُ كُلَّ أسبوع (3) .
(1) وكرهها أحمد، وقال: هي بدعة وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في أشراط الساعة: أن يتخذ القرآن مزامير، يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم، ولا أفضلهم، إلا ليغنيهم غناء.
وقال الشيخ: الألحان التي كره العلماء قراءة القرآن بها، هي التي تتضمن قصر الحرف الممدود، ومد المقصور، وتحريك الساكن، وتسكين المتحرك ونحو ذلك، يفعلون ذلك، لموافقة نغمات الأغاني المطربة، فإن حصل مع ذلك تغيير نظم القرآن، وجعل الحركات حروفا، فهو حرام.
(2)
لأن النظر إليه عبادة، وقال النووي: لم أر فيه خلافا، ولعله: ما لم يكن من الحفظ أحضر وأخشع.
(3)
أي: ويستحب ختم القرآن كل أسبوع، لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو:«اقرأ القرآن كل أسبوع، ولا تزد على ذلك» ، وإن قرأه في ثلاث فحسن، لقوله لابن عمرو، وقد قال أجد بي قوة، قال:«اقرأه في ثلاث» ، وللترمذي وصححه، لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث، ولا بأس فيما دونه أحيانا، وفي الأزمنة والأمكنة الفاضلة، كرمضان خصوصًا الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر، وكمكة، واغتناما للزمان، والمكان، ويتقدر بالنشاط وعدم المشقة، فمن السلف من يختمه في ليلة، ويكره تأخير الختم فوق أربعين بلا عذر، ويحرم إن خاف نسيانه.
والدعاء بعده (1) وتحسين كتابة المصحف (2) .
(1) أي: ويستحب الدعاء عند ختم القرآن، وجمع أهله وعياله وكان أنس إذا ختم جمع أهله، وعياله ودعا، وقال الحكم بن عتبة أرسل إلي مجاهد، وعنده ابن أبي أمامة.
وقال: إنا أرسلنا إليك، لأنا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء يستجاب عند ختم القرآن، واستحبه أحمد وغيره، ونقله عن عثمان وغيره وللطبراني عن العرباض مرفوعا:«من ختم القرآن فله دعوة مستجابة» .
وقال مجاهد: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، ويقول: عنده تنزل الرحمة، وكان بعض السلف يقول: أدركت أهل الخير، من صدر هذه الأمة، يستحبون الختم في الشتاء أول الليل، وفي الصيف أول النهار، يقولون: إذا ختم أول النهار، صلت عليه الملائكة حتى يمسي وإذا ختم أول الليل، صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وينبغي أن يشرع في أخرى لما روى الترمذي:«أحب الأعمال إلى الله الحال المرتحل» .
(2)
أي ويستحب تحسين كتابة المصحف الشريف، وتبيينها وإيضاحها وتحقيق الخط، فروى أبو عبيد عن عمر رضي الله عنه أنه وجد مع رجل مصحفا، قد كتب بقلم دقيق فكره ذلك وضربه، وقال: عظموا كتاب الله وكان إذا رأى مصحفًا
عظيما سر به وكره أن يكتب في الشيء الصغير، وكره علي أن تتخذ المصاحف صغارا.
ولا يُخالِفُ خَطَّ مُصحَفِ عُثمانَ في واوٍ، أو ياءٍ، أو ألفٍ أو غيرِ ذلكَ (1) ويحرم على المحدث مسه (2) .
(1) وقاله: أحمد وغيره، وسل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، وقال الدارمي: لا مخالف له من علماء الأمة، وقال البيهقي: من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيه ولا يغير مما كتبوه شيئا فإنهم كانوا أكثر علمًا، وأصدق قلبًا ولسانًا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم.
(2)
أي: ويحرم على المحدث حدثا أكبر، أو أصغر: مس المصحف الشريف من أصحف بالضم، أي: جمعت فيه الصحف، لقوله تعالى:{لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} أي: من الجنابة والحدث وقول ابن عباس وغيره: {إِلا الْمُطَهَّرُونَ} يعني الملائكة لا ينفي القول الأول، وكتب صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم:«أن لا يمس القرآن إلا طاهر» ، وقال ابن عبد البر: أشبه التواتر، وقال أحمد: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه له.
…
وقال الشيخ: مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يمس المصحف إلا طاهر، وذكره الوزير، إجماعا، وقال الزركشي: إذا كتب بعض القرآن مفردا عن تفسير وغيره، فإنه لا يجوز للمحدث مسه
وإن لم يسم مصحفا، وسواء حصل المس بيد، أو غيرها من أعضائه بلا حائل، ولو بصدره، اتفاقا.
وسفر به لدار حرب (1) ويجب احترامه (2) .
(1) أي: ويحرم سفر بالمصحف لدار حرب، لما في الصحيحين نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو لأنه عرضة إلى استيلاء الكفار عليه، واستهانتهم به.
(2)
أي: ويجب احترام المصحف، وحيث كتب كلام الله قال النووي: أجمعوا على وجوب صيانة المصحف واحترامه فلو ألقاه والعياذ بالله، في قاذورة كفر، ولكن لو خلف المحدث على المصحف، من حرق أو غرق، أو وقوع نجاسة عليه، أو وقوعه بيد كافر جاز أخذه مع الحدث، وصرح به الدارمي وغيره بل يجب ذلك صيانة له.
…
ويحرم أن يكتب القرآن، بحيث يهان، كأن يكتب ببول حيوان، ونحوه، حكاه الشيخ إجماعًا، وتجب إزالته، وفي الفنون: إن قصد بكتبه بنجاسة إهانته، وجب قتله وكذلك دوسه، وتكره: كتابته على الحيطان والجدران ونحوها: لأنه يوطأ قال عمر بن عبد العزيز: لا تكتبوا القرآن حيث يوطأ ويحرم توسده، واستناد إليه وجلوس عليه إجماعا ويكره: مد رجل إليه إذا لم يقصد إهانته، وإلا حرم وذكر بعضهم أنه يكفر بذلك.
ويكره استدباره، وتخطيه ورميه إلى الأرض بلا وضع، قال الشيخ، وجعله عند القبر منهي عنه، ومذهب الجمهور: أنه يكره تحليته، بذهب أو فضة وجزم الشيخ بالتحريم، ككتب علم، ويكره، استفتاح الفأل فيه، اختاره الشيخ، وحكى ابن العربي تحريمه.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.