الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابط الخ) رواه مسلم وغيره والرباط مصدر ربطت الدابة ومصدر رابط المرابطة، والمرابطة ضربان مرابطة الثغور ومرابطة النفوس، والعدل بالفتح المثل من غير جنس، وبالكسر منه فهو بالفتح هنا، وقال: الراغب العدل والعدل متقاربان لكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، والعدل فيما يدرك بالحس كالموزونات، وقوله: إلا لحاجة متعلق بالفعلين، وقوله: ولا ينفتل عن صلاته أي لا ينصرف عنها والمراد أنه معادل لصوم رمضان وتيامه. قوله: (قانقوه بالتبري عما سواه الخ) المضض الألم، والمعبر عنها صفة المقامات فالصبر على الطاعات المرتبة الأولى التي هي الشريعة ورفض العادات التي هي الطريقة الثانية والمرابطة على جنات الحق التي هي الحقيقة الثالثة، وأوّل تفسيره ناظر إلى هذه. قوله:(من قرأ سورة آل عمران الخ) تجب الشمس بمعنى
تغرب وأصل معنى الوجوب السقوط، وقوله: التي يذكر فيها آل عمران مر الكلام عليه والحديث الثاني أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما والأوّل موضوع وهو من الحديث الطويل المذكور فيه فضائل جميع السور، وهو مما اتفقوا على أنه موضوع مختلق وقد خطؤوا من أورده من المفسرين وشنعوا عليه، وقوله: بكل آية منها أماناً اعتبر في الأمان تعدداً بحسب أجزاء الزمان والمسافة، تمت سورة آل عمران اللهمّ وفقنا لإتمام باقيه، وألهمنا لفهم معانيه.
سورة
النساء
مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مائة الخ) في كتاب العدد للداني رحمه الله أنّ هذا عدد المدني والمكي والبصري
وفي الكوفي ست وفي الشامي سبع. قوله: (عطف على خلقكم الخ) بني آدم له استعمالات الأوّل يطلق على جنس البشر فيشمل آدم وحوّاء وسائر الذكور والإناث والناس مثله في العموم، والثاني يطلق على نسله ذكورا وإناثا تغليبا فيشمل ما عدا آدم وحوّاء، والثلث أن يراد ما تفرع عنه فيشمل ما سواه بناء على أن حواء خلقت من ضلع من أضلاعه، كما ورد في الحديث الصحيح وهو القول المرضي، وقيل إنها خلقت من فضل طينته، والرابع أن يراد ذكور بني آدم وهو معناه الحقيقي، وله معنى خامس شاع في غير لغة العرب وهو أن يستعمل بمعنى إنسان فيقال آدم فعل كذا وهو منصرف كما قلت:
على رياض الحسن من خده طائرقلبي لم يزل حائما
حبات خيلان بجناتها كم أخرجت من جنة آدما
فالظاهر على عموم الناس أنّ المراد ببني آدم في تفسيره المعنى الثالث، فالزمخشري
جعل توله: (وخلق الخ) على هذا معطوفا على محذوف هو صفة نفس أي أنشأها من تراب وخلق الخ، وهو بيان وتفصيل لكيفية خلقهم منها فإن عطف على ما تبله فالمراد به من بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من أمّة الدعوة والمعنى خلقكم من نفس آدم لأنهم من جملة الجنس المفرّع منه، وخلق منها أمكم حوّاء وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء غيركم من الأمم الفائتة للحصر، والداعي له إلى ذلك على الأوّل إن خلق الزوج، وبث الرجال والنساء داخل في خلقكم من نفس واحدة فيكون تكرارا، ولأنه يوهم أن الرجال والنساء غير المخلوقين من نفس واحدة وأنهم منفردون بالخلق منها ومن زوجها، والناس أعني بني آدم إنما خلقوا من النفس الواحدة من غير مدخل للزوج فلذا عطف على محذوف صفة للنفس يدلّ عليه المعنى المقصود وهو أنه فرّعكم من أصل واحد فلا بد من وضمع الأصل وإنشائه أولاً، ثم ابتناء الفروع عليه، وهي كون
الأصل مثل الفرع في المخلوقية، ولذا عبر بالزوح للإشعار بالوحدة الجنسية والأصل أوّل الإفراد، والمبدئية ليست بطريق المادّية والمقصود تفصيل الناس أي جميع بني آدم الماضين منهم والحاضرين والآتين على التغليب في أمر الاتقاء، إذ لا يتصوّر أمر الماضين بذلك بل الآتين أيضاً
على الحقيقة كما حقق في الأصول في خطاب المشانهة، وما قيل: إنه لا يبعد! أن يكون الأمر بالتقوى عامّا لجميع الأمم بالنسبة إلى الكلام القديم القائم بذاته تعالى وان كان كونه عربياً عارضا بالنسبة إلى هذه الأمة لا وجه له لأن المنظور إليه أحكامه بعد النزول والا لكان النداء وجميع ما فيه من خطاب المشافهة مجازات ولا قائل به، وقيل المراد بالمخاطب من بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم المأمورون بالاتقاء حقيقة أو العرب كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنّ دأبهم التناشد بالأرحام وان دئع بأنه تغليب أو الخطاب الأول عام والثاني خاص، وإذا كان المراد بالرجال والنساء ما سوى هؤلاء المخاطبين تغايرت المتعاطفات، وسيأتي في سورة الزمر أنه يجوز عطفه على واحدة، والمصنف رحمه الله خالفه فذهب في الناس إلى العموم، وجعل ما بعده معطوفا عليه من غير تقدير، وذكر ما سلكه مؤخراً إشارة إلى مرجوحيتة، ولم يلتفت إلى ما جنح إليه على ما قرّرناه لك، وهو زبدة ما في شروحه بناء على أن العموم هو المتبادر منه وأنّ التقدير خلاف الظاهر وما رآه محذورا لا توجه له عند. لأنّ اللازم في العطف تغاير المعطوقات لا ما صدقت عليه، كما قال في التقريب فلا تكرار في هذا إذ لا يفهم من خلق بني آدم من نفس خلق زوجها منه ولا خلق الرجال والنساء من الأصلين جميعاً، واليه يشير قوله بيان لكيفية تولدهم منهما أو أنّ العطف بيان خلقهم، وتفصيله بأنه خلق حوّاء منه ثم بث منهما الذكور والإناث، ولما كان في البيان زيادة خلق حوّاء وتنويعهم وذكر توالدهم كان أوفى من معنى الأوّل وأزيد، فجاز عطفه وان كان بياناً لمغايرته له من وجه، كما قالوه في قوله تعالى:{يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ} [سورة البقرة، الآية: 49] مع أنه بيان على ما حقق في المعاني، فلكل وجهة هو موليها.
واعلم أن المراد بالتقوى شكر الله على ما ألبسهم من حلل الوجود، وكذا ذكره بعنوان الربوبية وما بعده بالألوهية لا أن المراد بالتقوى الخوف فاعرفه فإنه من النفائس. قوله:) من ضلع من أضلاعه) هذا هو الصحيح كما مز، وهو من حديث رواه الشيخان، وهو:" استوصوا بالنساء خيرا فإنهق خلقن من ضلع وإن أعوج شيء من الضلع اعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج " وجعله تقريرا وتأكيداً لوحدة الأصل لأنّ خلق حوّاء منه يقتضي
ذلك، وقوله: ونشر بيان لمعنى بث، وقوله: بنين وبنات إشارة إلى أنه ليس المراد بالرجال والنساء البالغين والبالغات، بل الذكور والإناث مطلقا تجوزا، وقيل إنه في معرض! المكلفين بالتقوى، فلذا ذكر الكبار منهم، ولو قيل: إنه وجه العدول عن الحقيقة كان وجها حسنا. قوله: (واكتفى بوصف الرجال بالكثرة الخ) الاكتفاء يشعر بأن النساء موصوفة بها أيضا لكن حذف اكتفاء ونكتة الاكتفاء بكثرتهم عن كثرتهن أنه على مقتضى الحكمة لأنهم خير منهن جنسا وزيادة الخير خير، لكن لما كان لكل زوح زوجة فأكثر استدعى ذلك ال! ص ة فيهن خارجا فلا يرد عليه ما قيل بل الحكمة تقتضي أن يكون النساء أكثر، كما سيجيء في قوله:{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} [سورة الورى، الآية: 49] أن تقديم الإناث لكونهت لتكثير النسل، وفي الحديث من أشراط الساعة أن تقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون الخمسون امرأة فيهم قياً واحد. وهذا يشهد لما ذكره المصنف رحمه الله، وأيضا للرجل أن يزيد على واحدة، وهو زهرة لا تحتمل الفرك وتذكيره إما رعاية لصيغة فعيل أو لتأويل موصوفه بالجمع، أو لأنه صفة مصدر محذوف أي بثا كثيرا، وأما جعله صفة حين، كما قيل فتكلف سمج. قوله:(وترتيب الأمر بالتقوى الخ) يعني أنّ الاستعمال جار على أن الوصف الذي علق به الحكم علة موجبة له، أو باعثة عليه داعية إليه، وهو هنا كذلك لا! ما ذكر يدلّ على القدرة العظيمة والنعمة الجسيمة، والأوّل يوجب التقوى حذرا عن العقاب العظيم، والثاني يدعو إليها وفاء بالشكر الواجب، هذا إذا أريد بالاتقاء ما يعم المتعلق بحقوق الله والعباد، ويجوز أن يراد ما يتعلق بحفظ ما بينهم من الحقوق، وحينئذ يكون خلقهم من أصل واحد علة موجبة لاتقاء الله في الإخلال بما يجب حفظه من الحقوق التي بينهم، وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة من رعاية حال الأيتام، وصلة الأرحام، والعدل في النكاح، والإرث ونحو ذلك، بالخصوص بخلاف الأوّل
فإنه إنما يطابقها من حيث العموم فإنّ اتقاء الله باجتناب الكفر والمعاصي وسائر القبائح يتناول رعاية حقوق الناس ويؤيده ما رواه مسلم عن جرير وضي الله عنه قال كنا صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم مجتابي النمار أو العباءة متقلدي السيوف من مضر فتمعر وجهه لما رأينا بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن فقام ثم خطب فقال: " يا أيها الناس اتقوا ربكم " إلى قوله: " إنّ الله كان عليكم وقيبا " أي عالما بأحوالكم فاحذروه ولا يخفى موقع الخاتمة مما قبلها. وقوله:) أو لآن المراد الخ (فالتقوى خاصة وعلى ما قبله عامة ة
والأوّل أولى لعدم التكرار، ولذا قدّمه. وقوله على حذف مبتدا لأنه صلة لعطفه على الصلة فلا يكون إلا جملة، بخلاف نحو زبد ركب وذاهب. قوله:(أي يسأل بعضكم بعضاً الخ) اتقوا الله من وضع الظاهر موضع الضمير إشارة إلى جميع صفات الكمال ترقيا بعد وصف الربوبية فكأنه قيل اتقوه لربوبيته، وخلقه إياكم خلقاً بديعاً، ولكونه مستجمعا لصفات الكمال كلها، وتساءلون إما بمعنى يسأل بعضكم بعضا فالمفاعلة على ظاهرها، أو بمعنى تسألون كما قرئ به، وتفاعل يرد بمعنى فعل إذا تعدّد فاعله كما أشار إليه الزمخشريّ، وعلى حذف إحدى التاءين فالمحذوف الثانية لأنها التي حصل بها الثقل ويجوز أن يكون الأولى. قوله:(بالنصب عطف على محل الجار والمجروو الخ) المحل للجار والمجرور، وقيل التحقيق أنه للمجرو فقط، وقوله:(فصلوها الخ) إما بيان لمعنى اتقائها أو إشارة إلى تقدير مضاف أي قطع الأرحام. قوله: (وهو ضعيف لأنه كبعض الكلمة) يعني الضمير المجرور لشدة اتصاله كجزء الكلمة، فكما لا يجوز العطف على جزء الكلمة لا يجوز العطف عليه وهذا مذهب البصريين وقد تبع في هذا الزمخشرئ وهو تبع المبرّد، فإنه شنع على حمزة رحمه الله في هذه القراءة حتى قال: لا تحل القراءة بها، وقد تبعهم ابن عطية وزاد أنّ المعنى لا ينتظم فيها لأنّ التساؤل بالأرحام لا دخل له في الحض على تقوى الله فلا فائدة في عطفها وهو مما يغض من الفصاحة، وردّ بأنّ العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار صحيح عند الكوفيين فصيح مشهور في كلام العرب، وهذه القراءة من السبعة المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، متواترة فمثل هذا جسارة لا تليق بأحد، وحمزة رحمه الله أجل قدراً مما توهموه، وقد ذهب ابن جني في الخصائص إلى تخريجها على حذف الجارّ، وأن الأصل وبالأرحام بعطف الجاز والمجرور على الجار والمجرور لأنّ هذا المكان لما اشتهر فيه ذكر الجارّ قامت شهرته مقام ذكره، وأنشدوا له شواهد كثيرة ونعم ما قال وارتضاه في الكشف، إلا أنه قال: يؤخذ من القراءة صحة العطف أو الإضمار، والثاني أقرب عند أكثر البصرية لثبوته في نحو إلله لأفعلن وقول رؤبة خير، وفي نحو ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذل ومطرد في نحو:
الإعلالة أو بدا هة سابح نهدالجزاره
وقال بعضهم: إنّ الواو للقسم على نحو اتق الله فوالله إنه مطلع عليك، وترك الفاء لأنّ الاستئناف أقوى الوصلين وهو حسن، وقد نسب إلى الوهم في قوله الإعلالة البيت فإنه مما حذف فيه المجرور لا الجار، اللهم إلا أن يقال إنه مثال للإضمار مطلقا، وبيان لأنه قد يكون في الجار وقد يكون في المجرور ولا يخفى بعده، وأما انتظام المعنى فلأن التقوى إن أريد بها تقوى خاصة وهي التي في حقوق العباد التي من جملتها صلة الرحم، فالتساؤل بالأرحام مما تقتضيه، وان أريد الأعم فلدخوله فيها، فيصير المعنى إما اتقوا الله في حقوق العباد، فإنكم تعظمون الله وتعظمونها أو تساءلون بها فلم لا تتقونها، أو اتقوا الله وراعوا حقوقه وحقوق عباده، فإنكم تساءلون الخ، فاذكروه توهم ساقط فافهم. وأما قراءة الرفع فتوجيهها ما ذكر لكن في العطف خفاء، فلعلها معترضة، وتقدير مما يتقي لقرينة اتقوا ومما يتساءل به لقرينة تساءلون، وقدره ابن عطية أهل لأن توصف وقدره ابن جني مما يجب أن تصلوه وتحتاطوا فيه، وهي قراءة ابن يزيد. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام رواه الشيخان والأحاديث في معناها كثيرة كقوله: " إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال منه فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أنّ أصل من وصلك وأقطع من قطعك فقالت بلى " قال الراغب معناه أنه تعالى جعل بين نفسه وعباده سببا، كما كتب
على نفسه الرحمة لعباده، وأوجب عليهم في مقابلتها الشكر لما أفاضه عليهم من نعم الخلق والقوى والقدر وغير ذلك، كذلك جعل بين ذوي اللحمة سب أأوجب به على الأعلى رعاية الأدنى، وعلى الأدنى توقير الأعلى، فصار بين الرحم والرحمة مناسبة معنوية ولفظية، ولذا عظم شكر الوالدين وقرنه بشكره، فقال:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [سورة لقمان، الآية: 14] تنبيها على أنهما السبب الأخير في الوجود. قال الطيبيئ: والتحقيق فيه أنّ العرش منصة لتجلي صفة الرحمانية قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه، الآية: 5] ولما كان للرحم تعلق باسم الرحمة جعلها عند العرس الذي هو منصة الرحمة. قوله: (حافظاً مطلعاً (لأنه من رقبه بمعنى حفظه كما قاله الراغب، أو اطلع ومنه المرقب للمكان العالي الذي يشرف عليه ليطلع على ما دونه. قوله: (أي إذا بلغوا الخ) قيده به لما سيأتي في قوله:
{فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [سورة النساء، الآية: 6] وقوله: الذي مات أبوه هذا أصل معناه لغة لانفراده، وجمع على يتامى وان لم يكن فعيل يجمع على فعالى بل على فعال وفعلاء وفعل وفعلى، نحو كرام وكرماء ونذر ومرضي، فهو إمّا جمع يتمي جمع يتيم إلحاقا له بباب الآفات والأوجاع فإنّ فعيلا فيها يجمع على فعلى ووجه الشبه ما فيه من الذل والانكسار المؤلم، وقيل لما فهي من سوء الأدب المشبه بالآفات كما جمع أسير على أسرى ثم على أسارى بفتح الهمزة أو هو مقلوب يتائم فإن فعيلا الاسمي يجمع على فعائل كأقيل وأقائل، وقل ذلك في الصفات لكن ييم جرى مجرى الأسماء كصاحب وفارس، ولذا قلما يجري على موصوف ثم قلب، فقيل يتامى بالكسر ثم خفف بقلب الكسرة فتحة فقلبت الياء ألفا وقد جاء على الأصل في قوله:
" طلال حسن في البراق اليتائم
قوله: (والاشتقاق يقتضي وقوعه الخ (لانفراده عن أبيه، وعرف اللغة خصه بمن لم يبلغ،
وفي الكشاف من استغنى عن الكافل، ومراده البلوغ أيضا لكته خرج مخرج الغالب، والا يلزم أن يسمى من كبر مجنونا " يتيما، وقد تردد فيه بعضهم لكن جزم النحرير بعدمه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم " لا يتم بعد البلوغ " فليس لتعليم اللغة بل الشريعة فلا يدل على عدم الإطلاق لغة أما عدم الإطلاق شرعا وعرفا فمما لا نزاع فيه، والآية بظاهرها تقتضي إما إطلاق اليتامى على الكبار أو إثبات الأحكام للصغار، فاحتاجت إلى التوجيه، فذهب صاحب الكشاف إلى التجوّز في الإيتاء باستعماله في لازم معناه وهو تركها سالمة لأنها لا تؤتي إلا إذا كانت كذلك، أو أن اليتامى بمعناه اللغوي الأصلي فهو حقيقة، وارد على أصل اللغة، فما قيل اللفظ إذا نقل في العرف يكون في أصله مجازاً وهو هنا كذلك، فلا مقابلة بينه وبين الاتساع إلا أنّ العلاقة في الاتساع الكون، وفي هذا الإطلاق والتقييد غفلة عما تقرّر في المعاني، أو مجاز باعتبار ما كان أوثر لقرب العهد بالصغر والإشارة إلى وجوب المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم حتى كان اسم اليتيم باق بعد غير زائل، وهذا المعنى يسمى في الأصول بإشارة النص، وهو إن يساق الكلام بمعنى وبضمن معنى آخر وهذا في الكون نظير المشارفة في الأول، ومنه علم انقسامهما إلى قسمين، وفي قوله: قبل أن يزول عنهم هذا الاسم أي قبل أن يتحفق زواله، والا فقبل زواله لا يؤتى.
قوله: (أو لغير البلغ والحكم مقيد فكأنه الخ) رد هذا بأنه قال في التلويح أنّ المراد من قوله تعالى: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} وقت البلوغ فهو مجاز باعتبار ما كان فإن العبرة بحال النسبة لا مجال التكلم، فالورود للبلغ على كل حال، ومثله قول الآخر تقديرا لقيد لا يغني عن التجوّز إذ الحكم على ما عبر عنه بالصفة يوجب اتصافه بالوصف حين تعلق الحكم به وحين تعلق الإيتاء له لا يكون يتيما فلا بد من تأويله بما مرّ.
(قلت) هذه المسألة وان كانت مذكورة في التلويح لكنها ليست مسلمة وقد تردّد فيها الشريف في حواشيه، والتحقيق أنّ في مثله نسبتين، نسبة بين الشرط والجزاء وهي التعليقية وهي واقعة الآن ولا تتوقف على وجودهما في الخارج، ونسبة إسنادية في كل من الطرفين وهي غير واقعة في الحال بل مستقبلة، والمقصود الأولى وفي زمان تلك النسبة كانوا يتامى حقيقة ألا تراهم قالوا في نحو عصرت هذا الخل في السنة الماضية أنه حقيقة مع أنه في حال العصر عصير لا خل لأنّ المقصود النسبة التي هي تبعية فيما بين اسم الإشارة وتابعه لا النسبة الإيقاعية بينه وبين العصير، كما حققه بعض الفضلاء، وقد مر تحقيقه في أوائل البقرة فتأمله فإنه من معارك الإفهام
ومزالق الإقدام، وقد ترك المصنف رحمه الله تأويل الإيتاء بالحفظ، وقال في الإنصاف إنه أقوى لقوله بعد آيات:{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} الخ فإنه يدل على أنّ الآية الأولى في الحض على حفظها لهم ليؤتوها عند بلوغهم ورشدهم، والثانية في الحض على الإيتاء الحقيقي عند حصول البلوغ والرشد، ويقويه أيضا قوله عقب الأولى:{وَلَا تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} الخ فهذا كله تأديب للوصي ما دام المال في يده، وأما على التأويل الآخر فمؤدي الآيتين واحد، لكن الأولى مجملة والثانية مبينة لشرط. قوله:(ما روي أنّ رجلَا من غطفان الخ) تتمته كما في الكشاف فدفع ماله إليه فقال صلى الله عليه وسلم: " ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره " يعني ج! هـ فلما قبض الفتى ماله أنفقته في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام: " ثبت الآجر وبقي الوزر " قالوا: يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الآجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله فقال: " ثبت أجر النلام وبقي الوزر على والده " وهذا رواه الثعلبي عن مقاتل والكلبي ووزر. بأنّ كسبه من غير حله أو منع حقوق الله: أو المراد بالوزر حسابه والأجر إنما يكون إذا لم يكن مغصوباً علم صاحبه، ووجه التأييد أنها نزلت في البلغ كما ترى ومو الوجه الأول. قوله:(ولا تستبدلوا الحرام من أموالها بالحلال من أموالكم الخ) يعني المراد بالخبيث
الحرام وبالطيب الحلال، لكن المراد على الأوّل لا تأكلوا ذلك الحرام الذي هو مال اليتيم مكان الحلال من أموالكم، فليس المراد في هذا الوجه أخذ مال اليتيم واعطاء ماله، بل أكل مال اليتيم، وترك ماله على حاله فالطيب حينئذ هو أكل ماله الذي تركه بحاله وفي الوجه الثاني هو حفظ مال اليتيم فاختلف الطيب والخبيث في الوجهين، فالتفعل بمعنى الاستفعال كالتعجل والاستعجال، قال الزمخشريّ: وهو غير عزيز والاختزال بإعجام الخاء والزاي الاقتطاع. قوله: (وقيل لا تأخذوا الرفبع من أموالهم وتعطوا الخسيس مكانها) وهذا تبديل، وليس بتبدل وفي الكشاف وقيل: هو أن يعطي رديئا ويأخذ جيداً وعن السدي أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة، وليس هذا بتبدل وإنما هو تبديل إلا أن يكارم صديقا له فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصبي، اص. وهذا المقام مما كثر فيه الكلام فهل الإبدال والتبدل والتبديل والاستبدال بينها فوق في المعنى، والاستعمال أم لا فقيل التبديل تغيير الشيء مع بقاء عينه، والإبدال رفع الشيء ووضمع غيره مكانه، فإذا استعملت بالباء دخلت على المتروك، وقيل: الباء تدخل على المأخوذ في التبديل، وحكي في الاستبدال خلاف، وقال المحلي إنها في الإبدال تدخل على المأخوذ في الاستعمال العرفي، وقال الدميري: في التبديل الباء تدخل على المتروك، لكن حكى الواحدي أنها تدخل على المأخوذ ويشهد له قوله الطفيل لما أسلم:
وبدل طالعي نحسي بسعدي
قال النحرير: وللتبديل استعمال آخر يتعذى إلى المفعولين بنفسه كقوله: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان، الآية: 70] والى المذهوب به المبدل منه بالباء كقوله: {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سورة سبأ، الآية: 6 ا] وآخر يتعدى إلى مفعول واحد، نحو بدلت الشيء أي غيرته ومنه:{فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ} [سورة البقرة، الآية: 81] وقال المدقق في الكشف أنّ حاصل الفرق أنه إذا قيل تبدل الكفر بالإيمان، أريد اتخذ الكفر بدله، فالمأخوذ هو ما عدى إليه الفعل بلا واسطة، وإذا قيل بدله به أريد غيره به، فالحاصل ما أفضى إليه الفعل بالباء، كما قال في تفسير قوله تعالى:{لَاّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 15 ا] لا أحد يبدّل شيئا من ذلك بما هو أصدق، ونقل الأزهري عن ثعلب بدلت الخاتم بالحلقة إذا أذبته وجعلته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتماً، وأبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذا مكانه، وحقيقته أنّ التبديل تغيير صورة إلى أخرى، والإبدال تنحيته فاتفقا على دخول الباء على الحاصل، عكس التبدل والاستبدال وعن المبرّد أنه استحسنه لما نقله إليه الزاهد وزاد عليه أنه يستعمل بمعنى الإبدال أيضا، ومنه يظهر أنّ من زعم أنّ التبديل أعم من التبدل لأن الثاني تغيير خاص، فقد وهم، فإن قلت فقد أعضل عليك قوله تعالى:{وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سورة سبأ، الآية: 6 ا] قلت الكلام فيما إذا كانت الباء صلة ثانية للفعل أما إذا تعدى بنفسه إلى العوضين كما في قوله تعالى:
{فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان، الآية: 70] أو إلى العوض وصاحبه كما في قوله: {أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا} [سورة الكهف، الآية: 81] فليس مما تحل فيه لا قضاء الفعل إلى الماخوذ بلا واسطة، وخروج الباء
عن التكميل، فإن ذكوت لبيان المعوّض عنه فباء المقابلة تصلح للمأخوذ والمتروك، واعتبر بقولك بعت هذا بدرهم، وجواب مخاطبك اشتريت به، فالدرهم مأخوذك ومتروك مخاطبك، وظهر من هذا أنّ بدل له ثلاث استعمالات، بدلت الخاتم بالحلقة وهو المبحث، وبدلت الخاتم حلقة إذا جعلت الحلقة بدله، وبدلت زيداً خاتماً بثوب إن أعطيته الخاتم بدلاً عن الثوب، فاعتبره واستبصره، ثم إنّ كلامه اعتراض على قول السدي، وما قبله لأن المتروك عنده الخبيث وهو المهزول، أو الرديء وتركه على المكارمة مع الصديق بأن يكون للصبي دين على صديق الولي فيأخذ الوليّ منه رديئا مكان جيد مكافأة له على سابق صنع له أو إثابة تصحيحا لهما، والأشبه أنّ الكلام على إطلاقه، وإذا أعطى رديئاً وأخذ جيدا من مال الصبيّ يصدق أنه تبدل الجيد بالرديء للصبي وبدل لنفسه، وظاهر الآية أنه أريد البدل للصبي، لأنّ الأولياء هم المتصرفون في أموالهم فنهوا عن بغ بوكس من أنفسهم ومن غيرهم وما ضاها ولا يضر أنه تبدل لنفسه أيضا باعتبار آخر، لأن المتبادر إلى الفهم النهي عن تصرف لأجل الصبي ضارّ سواء عامل الولي نفسه أو غيره، واشتبه على المصنف للغفول عن اختلاف الاعتبار، فأوّله بما لا إشعار للفظ به، فإن ذهب إلى التأويل لا محالة، فالأولى أن يقال المهزول هو الطيب والسمين هو الخبيث ضربه مثلاً للحرام والحلال اهـ، وهذا زبدة الكلام في هذا المقام فاختر لنفسك ما يحلو، والرفغ بمعنى النفيس، وأصل معناه العالي المرتفع وإنما ضعفه كما مرّ وأشار إليه لدخول الباء على المأخوذ وهو شأن التبديل لا التبدّل وقد عرفت ما فيه. قوله: (ولا تثلواها مضمومة إلى أموالكم الخ (يعني أنّ إلى التقدير متعلقه مضمومة وهو يتعذى بإلى، أو لتضمين اكل معنى الضم، وقيل: إلى بمعنى مع وفي الكشف لو حمل الانتهاء في إلى على أصله على أن النهي عن أكلها مع بقاء مالهم كأنّ أموالهم جعلت غاية لحصلت المبالغة، والتخلص عن الاعتذار وهذا ما ارتضاه الفراء في تفسيره، وقال: لا تكون إلى بمعنى مع إلا إذا ضم شيء إلى آخر كقوله: لذود إلى الذو ابل، وقد مرّ وفسر ا! ل بالإنفاق إشارة إلى أن المراد به الانتفاع والتصرف فعبر عنه بأغلب أحواله، وقوله:{ولا تسووا بينهما} إشارة إلى أن المراد بالمعية مجرد التسوية بينهما في الانتفاع أعم من أن يكون على الانفراد، أو مع ماله فهو جواب عن السؤال الواقع في الكشاف المجاب عنه ثمة بأن المعية تدل على غاية قبح فعلهم حيث أكلوا أموالهم مع الغني عنها تقبيحاً لما كانوا عليه فلا يلزم القائل بمفهوم المخالفة جواز أكل أموالهم وحدها، والسؤال لا يرد إذا فسر تبدل الخبيث بالطيب
باستبدال أموال اليتامى بماله وأكلها مكانه فإنه يكون نهبا عن أكلها وحدها وهذا عن ضمها، وليس الأوّل مطلقاً حتى يرد سؤال بأنه أي فائدة في هذا بعد ورود النهي المطلق. قوله:(الضمير لدل الخ) وقيل للتبدل وقيل لهما، وقوله: ذنبا عظيماً فسر الكبير بالعظيم، وهذا لا ينافي ما قيل إن العظيم فوق الكبير إما لأن الكبير بمعناه عنده أو أن تنكيره للتعظيم والحوب الذنب العظيم، وقيل: هو مطلق الذنب، ويكون بمعنى الوحشة والصعب. قوله:(أي {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُواْ} الخ) تفسيره بما ذكر لبيان الربط بين الشرط والجزاء، وقدم هذا الوجه لأنه أرجح مما بعده لمناسبة ما قبله وما بعده، وارتباط الشرط بالجزاء أتم إرتباط، والقرينة على أن المراد من لا تقسطوا في اليتامى المتزوّج بهن، الجواب فإنه صريح فيه والربط يقتضيه، وتفسير النساء بغير اليتامى لدلالة المعنى واشارة لفظ النساء وقوله:(طاب لكم طاب) يكون بمعنى مالت له النفس واستطابته، وبمعنى حل وبالثاني فسره الزمخشريّ وظاهر تصريح المصنف به في الثالث أنه فيما قبله بالمعنى الأوّل، وفسره الزمخشري فيها بالحل، واعترض عليه الإمام بأنه في قوّة أبيح المباح، وأيضا يلزم الإجمال حيث لا يعلم المباج من الآية، وآثر الحمل على المستطاب، ويلزم التخصيص وجعله أولى من الإجمال، وأجاب في الكشف بأن المبين تحريمه في قوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [سورة النساء، الآية: 23] الخ إن كان مقدم النزول فلا إجمال لأن المعنى فانكحوا ما بين لكم حله ولكنه مقيد بالعدّة المخصوصة فليس في قوّة أبيح المباح لإفادة الزيادة ولا إجمال ولا تخصيص، وتعريف الموصول للعهد وألا فالإجمال المؤخر بيانه أولى من التخصيص بغير المقارن لأنّ تأخير بيان المجمل
جائز دون بيان التخصيص عتد أكثر الحنفية، والأمر لو كان للإباحة لا يلغو معه طاب إذا كان بمعنى حل لأنه يصير المعنى أبيح لكم ما أبيح هنا لأنّ مناط الفائدة القيد وهو العدد المذكور، وقيل: إنه للوجوب أي وجوب الاقتصار على هذا العدد، وقوله: أن يتحرّج من الذنوب أي يبعد ويخرج
منها يقال تحرّج إذا فعل ما يخرج به من الإثم والحرج وقوله: {فخافوا} الخ لم يقل لقبحها كما في الكشاف لإيهامه الاعتزال والقول بالحسن والقبح العقليين وان احتمل الشرعي، والوجه الثالث أبعدها، ولذا أخره ولكن قرينة الحال توضح ربطه كما أشار إليه، وفظيره ما إذا داوم على الصلاة من لا يزكي يقول له إن خفت الإثم من ترك الصلاة فخف ترك الزكاة، ويتامى جمع يتيمة، وأصله يتائم، ولا كلام فيه وتركه المصنف رحمه الله هنا اكتفاء بما مرّ.
قوله: (وإنما عبر عنهن بما ذهاباً إلى الصفة الخ) ما تختص أو تغلب في غير العقلاء،
وهو فيما إذا أريد الذات أما إذا أريد الوصف فلا كما تقول ما زيد في الاستفهام، أي أفاضل أم كريم وكرم ما شئت من الرجال، يعني الكريم أو اللثيم ونحو.، كما ذهب إليه العلامة والسكاكي وغيرهما وان أنكره بعضهم والمراد بالوصف هنا ما أريد ثمّ من البكر والثيب، أو ما لا حرج ولا تضييق في تزوجها، وقد خفي معنى الذهاب إلى معنى الصفة هنا على من قال: المراد الوصف المأخوذ من المذكور بعدما إذ معنى ما طاب الطيب، وهو صادق على العاقل وغيره، والسؤال لا يسقط به وقوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ذهاباً للوصف ولكون المملوك لبيعه وشرائه، والمبيع كثره ما لا يعقل كان التعبير بما فيه أظهر، وقوله: وقرئ {تُقْسِطُواْ} الخ قسط يقسط قسوطا جار ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [سورة الجن، الآية: 5 ا] وأقسط يقسط ضدّه بمعنى عدل ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة المائدة، الآية: 42] فإن قرئ من الثلاثيّ فلا مزيدة وهو ظاهر. قوله: (معدولة عن أعداد مكرّرة الخ) هذه الصيغ ممنوعة من الصرف على الصحيح وجوز الفراء صرفها وفي سبب منعها أقوال. أحدها: مذهب سيبويه والخليل أنه العدل والوصف، وأورد عليه أنّ أسماء العدد الوصفية فيها عارضة وهي لا تمنع الصرف، وأجيب بأنها وان عرضت في أصلها فهي نقلت عنها بعد ملاحظة الوصف العارض! فكان أصليا في هذه دون أصلها وفيه نظر.
الثاني: قول الفراء إنها منعت للعدل والتعريف بنية الألف واللام ولذا لم تجز إضافتها
ولا دخول أل عليها.
الثالث: أنها معدولة عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة فعدلت عن ألفاظ العدد وعن المؤنث
إلى المذكر ففيها عدلان: وهما سببان، والرإبع أنه مكرّر العدل لأنه عدل عن لفظ اثنين، ومعنا. لأنها لا تستعمل في موضح يستعمل فيه إذ لا تلي العوامل وإنما تقع بعد جمع معنى إما
خبراً أو حالاً أو وصفاً، وشذ أن تلي العوامل، وأن تضاف وقوله وقيل لتكرير العدل هو مذهب الزمخشريّ، وردّه أبو حيان بأنه لم يقل به أحد من النحاة، وليس من المذاهب الأربعة في شيء، وأجيب بأنه المذهب الرابع، وهو منقول عن ابن السراج، فلا وجه لقول أبي حيان لم يقل به أحد، ولو قال لا نظير له صح، وأشار المصنف رحمه الله لضعفه من غير بيان لوجهه وتكراره بخروجه عن وزنه وافراده بوزن آخر مكرّر معناه، وعبر عن العدل في المعنى بعدلها عن تكرارها، وقريب منه ما ذكره النحرير. قوله:(منصوبة على الحال من فاعل طاب) وهو ضمير ما، ويعلم منه جواز الحالية منها، وقد مرّ أنه لا يباشر العوامل ولا يضاف، ولم يسمع من العرب إدخال الألف واللام عليه، كما صرح به أبو حيان رحمه الله وخطأ الزمخشري في قوله: تنكح المثنى والثلاث والرباع، ولذا قال النحرير إنه لا بد للزمخشريّ من إثباته والاستشهاد عليه، والقول بأنه غفلة غفلة، ولهذا ذهب بعض النحاة إلى أنه معرفة، فلا يكون عنده حالاً، وقوله: بين هذه الأعداد أي بعضها لا مجموعها، والمراد المعدودات وذروا الجمع أي اتركوا الجمع بين النعحماءالحرائر، والمقنع ما يقنع، ويكتفي به وهو بفتح الميم مصدر، وبمعنى الرضا أريد به المرضي، ويستوي فيه الواحد وغيره، فيقال شاهد مقنع وشهود مقنع، وقدم تقدير اختاروا على انكحوا مع أنه المتبادر مما قبله لدلالته على جواز العزوبة فتأمّل، وقوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} إشارة إلى أنّ الخطاب للأحرار لأنّ العبد لا يحل له أكثر من اثنتين. قوله: (ومعناها الإذن لكل ناكح الخ) قال الزمخشريّ فإن
قلت الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع قلت الخطاب للجميع فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له كما تقول للجماعة اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ولو أفردت لم يكن له معنى فإن قلت فلم جاء العطف بالواو دون، أو قلت كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك ولو ذهبت تقول اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة أعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسم على تثنية وبعضه على تثليث، وبعضه على تربيع وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة التي دلت عليه الواو وتحريره أنّ الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أراد وانكاحها من النساء على طريق الجمع إن شاؤوا مختلفين في تلك الأعداد وان شاؤوا متفقين فيها محظوراً عليهم ما وراء ذلك ا!.
وحاصله أن أبيح لكل واحد أن يأخذ ما أراد من هذه العدة، ولا يتجاوزها لمانما تفيد هذا المعنى صيغة العدل والعطف بالواو لأنه حال فلو أفرد وقيل اقتسموا هذا المال درهما وثلاثة وأربعة لم يصح جعله حالاً من المال الذي هو ألف درهم بخلاف، ما إذا كرّر فإن المقصود فيه
الوصف، والتفصيل في حكم الانقسام أي مفصلاً ومنقسما إلى درهم درهم، وأو لأحد الأمرين أو الأمور والإباحة إنما تكون من دليل خارجي والحال بيان لكيفية الفعل، والقيد في الكلام نفي لما يقابله فمعنى أو أن يكون الاقتسام على أحد هذه الأنواع غير مجموع بين اثنين منها، ومعنى الواو أن يكون على هذه الأنواع غير متجاوز إياها إلى ما فوقها، وهذا معنى قوله محظورا عليهم ما وراء ذلك دفع لما ذهب إليه البعض من جواز التع تمسكا بأنّ الواو للجمع فيجوز الثنتان والثلاث والأربع وهي تسع، وذلك لأنّ من نكح الخمس أو ما فوقها لم يحافظ على القيد أعني كيفية النكاح، وهي كونه على مذا التقدير والتفصيل بل جاوزه إلى خماس وسداد، والسنة بينت أنّ هذا هو المراد كقوله صلى الله عليه وسلم:" اختر أربعاً وفارق سائرهن " وغيره من الأحاديث الصمحيحة ولا مخالفة بينه وبين كلام المصنف في المآل كما توهم، وإنما وقعت في بعض العبارة كقوله: لم يكن له معنى، وقول المصنف كان المعنى تجويز الجمع فلو قيل معنى لم يكن له معنى يعني يصح قصده لأنه يفيد جواز الجمع، وجواز التسعة وهو غير صحيح كان المال واحداً، والبدرة بفتح الموحدة وسكون الدال والراء المهملتين عشرة آلاف درهم، وقوله: لذهب تجويز الاختلاف فكان يجب الاجتماع على هذه الإعداد وما قيل إنه لا يلتفت إليه الذهن لأنه لم يذهب إليه أحد لا عبرة به لأنّ الكلام في الظاهر الذي هو نكتة العدول، وفي بعض الحواشي هنا خبط وخلط تركناه لأنه تطويل بغير طائل، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. قوله:) ولو ذكرت بأو) رد لما قيل إنّ الواو بمعنى أو قال ابن هشام: نقلَا عن الأصفهاني القول بأنها بمعنى، أو خطأ لأنّ الإعداد على قسمين قسم يقصد ضم بعضه إلى بعض كقوله:{ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [سورة البقرة، الآية: 96 ا] وقسم لا يقصد به ذلك بل هو للتقسيم كما هنا وفيه نظر. قوله: (سوّى بين الواحدة الخ (إشارة إلى أن أو للتسوية والعدد في السراري يؤخذ من السياق ومقابلة الواحدة ومؤن جمع مؤنة، والقسم بفتح فسكون معروف وقوله: أي التقليل الخ هو مستفاد من واحدة والعدد المذكور، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الجميع، وقوله: أقرب إشارة إلى أن أدنى من الدنوّ بمعنى القرب، ومن صلة القرب لا تفضيلية. قوله: (يقال عال الميزان إذا مال الخ) يعني أصل معناه الميل المحسوس، ثم نقل إلى الميل المعنوي، وهو الجور وقوله وعول الفريضة أي نصيب الورثة، وهو العول المعروف في
علم الفرائض مأخوذ من الجور لتقليل أنصبة الورثة، ولذا يقال فريضة عائلة وفريضة عادلة والسهام انصباء الورثة المقدّرة لهم. قوله:(وفسر بأن لا تكثر عيالكم الخ) تفسيره بأن لا تجوروا منقول عن عائشة رضي الله عنها، وهو المشهور وهذا التفسير منقول عن الإمام الثافعي رضي الله عنه، وقد خطأه فيه كثير من المتقدمين لأنه إنما يقال من كثرة العيال أعال يعيل إعالة ولم يقولوا عال يعول
ولأن الأحسن المطابق لقوله قبله: لا تعدلوا أن يكون بمعنى لا تجوروا، وردّ. في الكشاف بأنه من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم لأن من كثرت عيأله لزمه أن يعولهم وفي ذلك ما تصعب عليه المحافظة على حدود الشرع وكسب الحلال، ومثله أعلى كعباً وأطول باعا في كلام العرب أن يخفى عليه مثل هذا فسلك في تفسيره طريق الكناية فاستعمل الإنفاق وأراد لازم معناه، وهو كثرة العيال، وذكر في الكشف أنه لا حاجة إلى هذا فإنّ الكساتي رحمه الله نقل عن فصحاء العرب عال يعول إذا كثر عياله وممن نقله الأصمعي والأزهري، وهذا التفسير منقول عن زبد بن أسلم وهو من أجلة التابعين وقراءة طاوس مؤيدة له! لا وجه لتشنيع من شنع عليه جاهلا باللغات والآثار، وقد نقل الدوري إمام القراء أنها لغة حمير وأنشد:
وأنّ الموت يأخذكل حي بلا شك وان أمشي وعالا
أي وان كثرت ماشيته وعياله، وأمّا ما قيل إن عال بمعنى كثرت عياله يائيّ وبمعنى جار
واوي فليست التخطئة في استعمال عال بمعنى كثرة العيال بل في عدم الفرق بين الماذتين فرد أيضاً بحكاية ابن الأعرابي وغير. عال يعول بهذا المعنى، وعال يعيل بمعنى افتقر فعال له معان مال وجار وافتقر وكثرت عياله ومان وأنفق وأعجز يقال عالني الأمر أي أعجزني ومضارعه يعيل فهو من ذوات الواو والياء على اختلاف المعاني فان قلت عال بمعنى مان لا دلالة له على كثرة المؤنة حتى يكنى به عن كثرة العيال قلت قال الراغب: أصل معنى العول الثقل يقال عاله أي تحمل ثقل مؤنته، والثقل إنما يكون في كثيره لا في قليله فالمراد بلا تعولوا وبقوله ما نهم كثرة ذلك بقرينة المقام والسياق لأنه ليس المراد نفي المؤنة والعيال من أصله لأنه لو تزوّج واحدة كان عائلَا، وعليه مؤنة فالكلام كالصريح فيه واستعمال أصل الفعل في الزيادة فيه غير عزيز فلا غبار عليه كما توهم. قوله:(ولعل المراد بالعيال الأرّواج الخ) أي على تفسيره تعولوا بتكثر عيالكم وعيال جمع عيل بتشديد الياء فإن كان ذلك إشارة إلى التقليل واختيار الواحدة فعدم كثرة الأزواج فيه ظاهر، وان كان للتسري فعدم كثرة الأزواح صادق على عدمهن بأن لا يكون لكم أزواج، ولا كثرة وان كان العيال بمعنى الأولاد فعلى الأول ظاهر فلذا أخره المصنف
رحمه الله وجعله مشبهاً به وعلى الثاني فلأنه مظنة قلة الأولاد إذ العادة على أن لا يتقيد المرء بمضاجعتهن ولا يأبى العزل عنهن، وهذا معنى قوله لجواز العزل الخ أي عادة فلا يرد عليه أنّ مذهب الشافعي جواز العزل عن الحرائر والإماء مع أنّ في بعض شروح الكشاف ما يدل على أنّ فيه خلافا عنده فلعل المصنف رحمه الله تعالى مال إلى المنع كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله. قوله:(مهورهق الخ) يعني الصدقة كالصداق بمعنى المهر والقراءة بفتح الصاد وسكون الدال أصلها ضم الدال، فخفضت بالتسكين وضمهما باتباع الثاني لضم الأول كما يقال ظلمة وظلمة وهو المراد بالتثقيل وقوله: على التوحيد أي قرئ صدقتهن بضمتين مع الإفراد. قوله: (عطية الخ) أي النحلة حقيقتها في اللغة العطية بغير عوض! ، فإن قلت كيف يكون بلا عوض، وهو في مقابلة البضع والتمتع به، قلت قالوا لما كان لها في الجماع مثل ما للزوج في اللذة أو أزيد وتزيد عليه بوجوب النفقة والكسوة كان المهر مجانا لمقابلة التمتع بتمتع أكثر منه، وقيل: إنّ الصداق كان في شرع من قبلنا للأولياء بدليل قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ} [سورة القصص، الآية: 27] الخ ثم نسخ فصار ذلك عطية اقتطعت لهت فسمي نحلة، ومن فسره بالفريضة نظر إلى أنّ هذه العطية فريضة، ونصبه على المصدر لملاقاته الفعل معنى كقعدت جلوساً، وقوله: أو منحولة أي معطاة منكم ومن فسره بالديانة أخذه من النحلة بمعنى الملة، ومولياتهم بفتح الميم وتشديد الياء أي من كن في ولايتهم.
ثنبيه: قال العلائي: في قواعده في الصداق عوضية عن البضع من وجه وهبة من وجه لحرمتها لكن المغلب أيهما فقيل المغلب الأوّل، وقيل الثاني ومأخذه الآية لأنّ النحلة العطية بلا عوض وحجة الثاني أنه يردّ بالعيب ولها حبس نفسها حتى تقبضه وأنه يثبت فيه الشفعة ويضمن لو تلف ورجح المصنف رحمه الله الأوّل لاقتضاء الوضع له فقدّمه، وفي قوله نظر إلى مفهوم الآية بحث لأنه قد يقال
إنه منطوق على الوجه الأخير لأنّ معنى كونه ديانة مشروع اللهمّ
إلا أن يريد ما يقتضيه قوله فإن طين لكم المؤيد بالأمر. قوله: (الضمير للصداق الخ الما كان الظاهر منها لرجوعه إلى الصدقات أوّله بأنّ الصدقات بمعنى الصداق لصدقه على القليل، والكثير أو أنه عائد على الصداق الدّي في ضمن الجمع لأنّ المعنى آتوا كل واحدة منهن صداقاً أو أنّ الضمير راجع لما قبله باعتبار أنه وضحع موضع اسم الإشارة أي ذلك فلذا أفرد وذكر وهو في اسم الإشارة كثير لأنّ الإشارة إلى أمور متعددة دفعة واحدة كثيرة فلذا نزل الضمير منزلته فلا يقال إنه تطويل للمسافة فليجعل الضمير مؤوّلاً بما ذكر ابتداء، ولذا قال: رؤبة ذلك وهو من أهل اللسان فلا وجه لما قيل إنّ قول رؤبة لا يدل على ما ذكر لجواز أن يريد أنّ الضمير مؤوّل كما يؤوّل اسم الإشارة مع أنه لا يعلم من كلامهم وجهه والنكتة فيه فلا بدّ من بيانه والبيت:
فيها خطوط من سواد دويلق كأنه في الجلد توليع البهق
وهو من أرجوزة له والتوليع تلميع البلق على اسنطالة وذكر قول رؤبة في جواب السائل
له هلا قلت كأنها أو كأنهما، وإنما ذكره ليتعين التوجيه إذ لولاه احتمل أن يكون ذلك لرعاية الخبر، وقوله: ولذلك وحد يعني أنّ التمييز كما قاله النحاة: حقه مطابقة المميز وهو هنا جمع وتوضيحه إنّ التمييز إن اتحد معناه بالمميز وجبت المطابقة نحو كرم الزيدون رجالاً كالصفة والخبر والحال دمالا فإن كان مفرداً غير متعدد وجب إفراده نحو كرم بنو فلان أبا إذ المراد أن أصلهم واحد متصف بالكرم فإن تعدد، وألبس وجب خلفه بظاهر نحو كرم الزيدون آباء إذا أريد أن لكل منهم أبا كريما إذ لو أفرد توهم أنهم من أب واحد والغرض خلافه وإن لم يلبس جاز الأمران، ومصححه عدم الإلباس كما هنا فإنه لا يتوهم أن لهن نفساً واحدة ومرجحه أنه الأصل مع خفته ومطابقته لضمير منه، وهو اسم جنس والغرض هنا بيانه والواحد يدل عليه كقولك عشرون درهما، وما قيل إنه مخالف لقول ابن الحاجب إنّ التمييز إن لم يكن اسم جنس ويراد نفس المنتصب عنه يطابقه لا محالة فيجب تقييد كلامه بأنه إذا لم يقصد به بيان الجنس، وهو وهم منه فإنّ النفس ليس المراد بها الذات حتى يكون عين ما قبله، والذي أوقعته في الغلط لفظ نفس المشتركة وقيل إنّ فائدة التمييز الإشارة إلى أنه لا اعتداد بهبة الأولياء. قوله:(والمعنى فإن وهبن لكم الخ) يعني لما كان لا بد من طيب النفس جعل مبتدأ وركنا من
الكلام للدلالة على ذلك ولو قيل عن طيب لوقع فضله وقوله: وعداه بعن يعني أصله أن يتعدى بالباء كقوله:
وما كان نفسا بالفراق تطيب
لأنه ضممن معنى التجافي، والتباعد فوصل بصلته فإن قلت الصواب أن يقتصر على التجافي متعد بنفسه ولا يتعدى بعن إلا إذا كان بمعنى المغفرة نحو تجاوز الله عن سيئاته قلت إمّا أن يكون مقصوده أنه ضمن معنى التجافي فقط، والتجاوز بيان لمعناه أو كون التجاوز لا يتعدّى بعن مطلقا غير مسلم عنده، ولذا استعمله كثير من الفضلاء متعديا بها مطلقا، وقد صرح به الإمام التبريزي في شرح ديوان أبي تمام، وقوله: بعثا لهن على تقليل الموهوب هو يفهم من شيء، ومن كونه من الصداق لا كله حتى نقل عن الليث رحمه الله أنه لا يجوز تبرعها إلا باليسير ولا فرق بين المقبوض وما في الذمة إلا أن الأوّل هبة والثاني إبراء، ولذلك تعامل الناس على التعويض فيه ليرتفع الخلاف. قوله:(فخذوه وأنفقوه) يعني أنّ الأكل عبارة عن التملك كما مرّ، وفي نصب هنيئا مريئا وجوه أحدها أنه صفة مصدر محذوف أي أكلا هنيئا، الثاني أنه منصوب على الحال من فاعل كلوه أي مهنا سهلاً، الثالث أنه حال منصوب بفعل مقدر محذوف وجوبا كقولك أقائماً، وقد قعد الناس وقال الزمخشريّ: قد يوقف على فكلوه، ويبتدأ هنيئا مريئا على الدعاء، وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام مصدرين أي هنأ مرأ ورد بأنه تحريف لكلام النحاة فإنّ المصادر الدعائية كسفياً ورعيا لا ترفع الظاهر، وهذا قد رفعه في قول كثير:
هنيئا مريئا غيرداء مخامر
فإن غير فاعله ورد بأن سيبويه، قال: هنيئا مريئا صفتان نصبهما نصب المصادر المدعوّ
بها بالفعل غير المستعمل
إظهاره المختزل لدلالة الكلام عليه، وفيه تأمّل ومريئا لا يستعمل إلا تابعا لهنيئا وهو صفة له أو منصوب بعينه، وقيل إنه يجيء غير تابع، وقد أسقط المصنف رحمه الله قول الزمخشرفي: على الدعاء لما مرّ، ولأنّ الدعاء لا يكون من الله حتى أوّلوه فما قيل إنه قصر في تقرير كلام الكشاف سهو، وقوله: يتأثمون قال النحرير في الصحاح: نأثم تحرّج عن الإثم كف، وحقيقة تأثم وتحرج تجنب الإثم والحرج، ولا يخفى عليك حال ما قيل يتأثمون يخرجون من الإثم من تأثم، خرج من الإثم كتحرّج خرج من لاحرج، ولا وجه له فإنّ مراده
ما ذكره بعينه، وأنّ المراد السلب فلا وجه للرد، وعلى القول الثاني في تفسير هنيئا مريئاً لا يكون اتباعا. قوله:(نهى للأولياء الخ (هذا بيان لمحصحل المعنى وضمير أموالهم للذين والدليل على أن الخطاب لهم قوله: {وَارْزُقُوهُمْ} الخ وحينئذ فاضافة الأموال للأولياء للملابسة لكونها في أيديهم وتصرّفهم ورجحه با! الكلام السابق يدلّ عليه وهو قوله: {وَلَا تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ} وكذا ما بعده، وأوّل قوله التي جعل الله لكم قياما بأنها من جن! ذلك، والا فلا قيام لهم بمال اليتيم وعدل عما ارتضاه الزمخشرّي من أنّ إضافتها لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم، كما قال: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [سورة النساء، الآية: 29] يعني أن المراد بالمال جنسه مما به تعيش الناس فنسبته إلى كل أحد كنسبته إلى الآخر، لعموم النسبة وإنما المخصوص بواحد دون واحد شخص المال فجاز أن ينسب حقيقة إلى الأولياء كما ينسب إلى الملاك، والدليل على ذلك وصفه بما لا يختص بمال دون مال، كما أنّ المراد بالنفس في الآية جنسها مما يقال له نفس، فإنّ الشخص لا يقتل نفسه بل غيره، وقال الإمام إجراء للوحدة النوعية مجرى الوحدة الشخصية، فالمال وان كان مالهم لكنهم كأنهم أنتم بحسب الماهية، والنوع فالزمخشريّ، اعتبر النوعية في المضاف وهو المال والإمام اعتبرها في المضاف إليه وهو معنى بديع إلا أنّ المصنف رحمه الله جنح إلى أنّ السياق يأباه ففيه ردّ له معنى، وقوله: خوّله بالخاء المعجمة أي أعطاه وقوله: (ينظر إلى أيديهم) أي ينظر ويحتاج إلى ما في أيديهم مما أعطاه لهم لينفقوا عليه فالإضافة حقيقية وسماهم سفهاء لأنه شأن الأولاد والنساء فليس المراد ظاهره بل أريد بهم أهله، وقوله: وتنتعشون أي تحيون وتقومون، وقوله: يؤوّل إشارة إلى دفع ما ارتضاه الزمخشري، وقراءة قيماً كان قياسها قوما بالواو كعوض لكنه اتبع فعله وقياماً في الإعلال، وقوله: قواماً وهو ما يقام به أي ليس بمصدر بل هو اسم تشبيه بالآلة كما مر. قوله: (واجعلوها مكاناً لررّقهم الخ) يعني لم يقل منها لئلا يجعلوا بعض أموالهم رزقا لهم بل أمرهم
أن يجعلوا الأموال، ظروفا للرزق حتى يكون الإنفاق من الربح لا من نفس المال الذي هو ظرف، وهو تشبيه للربح الحاصل من المال بالشيء المظروف فيه المتمكن وفيه إشارة إلى أنه هو المقصود من ذلك المال. قوله:(عدة جميلة تطيب بها نفوسهم الخ) العدة كالزنة لوعد، والمعروف ما عرف بالحسن عقلا أو شرعا والمنكر خلافه، وهو ما أنكر كذا في الكشاف، وليس هذا إشارة إلى المذهبين في الحسن والقبح هل هو شرعيّ، أو عقليّ كما قيل لأنه لا خلاف بيننا وبينهم في الصفة الملائمة للغرض! ، والمنافرة له التي يعبر عنها بالمصلحة والمفسدة وأن منها ماً مأخذ. العقل وقد يرد به الشرع وإنما الخلاف فيما يتعلق به المدح والذم عاجلاً والعقاب والثواب آجلا هل هو مأخذه الشرع فقط أو العقل على ما حقق في الأصول، فلا يرد عليه أنّ الأولى الاقتصار على الأوّل فإن كان قول معروف إمّا واجب أو مندوب أو مباج وكل منها حسن شرعا كما صرح به في الأصول. قوله:(اختبروهم قبل البلوغ الخ) هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، والنص ظاهر في قولهما لما تدل عليه الغاية، وقال مالك إنه بعد البلوغ وقوله:(صلاح الدين الخ) المعتبر فيه عند الشافعي صلاح الدين، والتصرف في الدنيا وعند أبي حنيفة المعتبر الثاني فقط وقوله:(بأن يكل) الخ بيان لأنّ الاختيار بمجرد تفويض ذلك لا بتسليم المال وهذا بناء على أنّ الصبي لا يصح كونه مأذوناً له في التجارة ومذهبنا على خلافه. قوله: (حتى إذا بلغوا حدّ البلوغ) يعني أنّ النكاج كناية عن ذلك، وهو أن يحتلم أو يبلغ بالسن فمذهب
الشافعي ما ذكره وعند أبي حنيفة فيه خلاف فقيل ثماني عشرة في الغلام وسبع عشرة للجارية ولم يفرّق المصنف بينهما، وقيل خمس عشرة فيهما وعليه الفتوى وقوله:(خمسة عشر سنة) بتأويل السنة بالعام والا فالقياس خمس عشرة، ومعنى قوله يصلح للنكاح أي لثمرته لأنّ المقصود منه التوالد ولا يكون بدونه وقوله:(إذا استكمل الولد) الخ رواه البيهقي، وقال: إسناده ضعيف. قوله: (فإن أبصرتم منهم رشدا الخ) أصل معنى الإيناس النظر من بعد
مع وضع اليد على العين إلى قادم ونحوه مما يؤنس به، ثم عم في كلامهم قال الشاعر:
آنست نبأة وأفزعها القناص عصرا وقد دنا الإمساء
أي أحست أو أبصرت كما فسره به أهل اللغة ثم استعير للتبين أي علم الشيء بينا إذ
الرشد مما يعلم ولا يبصر وهي استعارة محسوس لمعقول أن أريد بالإيناس تلك الحالة المحسوسة وان أريد الإبصار فمعقول لمعقول مستلزم لتشبيه الرشد بالشيء المحسوس كذا في شرح الكشاف، ويمكن تنزيل كلام المصنف رحمة الله عليه بأن يكون اقتصر على بيان حقيقته، ويحتمل أن يكون شبه الرشد المحقق المتبين بالمحسوس المشاهد على طريق الكناية، ثم أثبت له الإبصار تخييلا، وقوله: وقرئ أحستم أي بحاء مفتوحة وسين ساكنة وأصله أحسستم بسينين نقلت حركة الأولى إلى الحاء، وحذفت لالتقاء الساكنين إحداهما على غير القياس، وقيل إنها لغة سليم وانها مطردة في عين كل فعل مضاعف اتصل بها تاء الضمير أو نونه والإحساس أيضا على هذه القراءة استعارة. قوله:(من غير تأخير عن حدّ البلوغ الخ) التعقيب مأخوذ من الفاء ولم يفسر الرشد، وهو معرفة التصرّف وحفظ المال عندنا وعند الشافعي صلاج الدين والمال، وقيل الرشد بالضم في الأموو، لدكيوية والأخروية وبالفتح في الأخروية لا غير، والراشد والرشيد يقال فيهما.
تنبيه: في قواعد ابن عبد السلام رحمه الله: الأحكام مبنية على ظاهر الأمر حتى يظهر ما
يبطله ولو شذد في ذلك بطلت المعاملات، وهذا يشكل على شرط الشافعي في الرشد حسن التصرّف في المال والصلاح في الدين حتى لا يرتكب كبيرة، ولا يصرّ على صغيرة بإجماع المسلمين حتى جوزوا معاملة المجهول، وقبول عتاقه وهداياه وهو يأباه والآية لا تدل على ما ذكر والعجب من قول الإمام في النهاية إذا بلغ الغلام ولم يظهر ما يخالف رشده أبطل حجره اص.
(وفيه بحث اللفرق بين الولي والناس المعاملين فتأمل. قوله:) ونظم الآية الخ (في حتى الداخلة على إذا قولان أشهرهما أنها حرف غاية دخلت على جملة شرطية وهي حرف ابتداء تدخل على الجمل وهو الذي ارتضاه المصنف تبعا للزمخشريّ، والثاني وهو مذهب الزجاج وبعض النحاة أنها حرف جر وإذا متمحضة للظرفية وليس فيها معنى الشرط، وقدر بعضهم في
النكاح حده أو وقته وقيل لا حاجة إليه لأنّ المعنى صلحوا للنكاح وكون إذا شرطية غير جازمة هو المشهور، وقيل: إنها ليست بشرط وإن إطلاقه عليها ليس حقيقة، وقوله: وهو دليل الخ يقتضي تقدم إيناس الرشد مع تأخره في النظم بناء على أنّ الشرط المعترض على شرط آخر يعتبر مقدما في الحكم فلو قال إن شتمتني فإن دخلت الدار فأنت طالق لا بد لوقوع الطلاق من تقدم دخول الدار على الشتم وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى: {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي} أسورة هود، الآية: 34] الآية، وقول أبي حنيفة رحمه الله مبني على عدم الحجر بالسفه عنده وقدر الزيادة بسبع لما ذكره، وقوله: يميز بعدها أي يبلغ سن التمييز، وفي نسخة يتميز أي ينفرد في مضجعه ونحوه. قوله:(مسرفين ومبادرين الخ) المبادرة المسارعة وهي لأصل الفعل هنا وتصح المفاعلة فيه بأن يبادر وأخذ مال اليتيم، واليتيم يبادر منه وأشار إلى أنه منصوب على الحالط، وقيل: إنه مفعول لأجله والجملة معطوفة على ابتلوا الأعلى جواب الشرط لفساد المعنى لأنّ الأوّل بعد البلوغ وهذا قبله، ويكبروا بفتح الباء من باب علم في السن وأمّا بالضم فهو في القدر والشرف، فإذا تعدّى الثاني بعلى كان للمشقة نحو كبر عليه كذا، ومعنى مبادرة الكبر إتلافه قبله لئلا ينزعه منه إذا كبر، وتخصيص اكل الذي هو أساس الانتفاع وتكثر الحاجة إليه يدل على
النهي عن غيره بالطريق الأولى لذلك.
قوله: (بقدر حاجته وأجرة سعيه الخ) أمّا ا! ل فلأنه رأس الانتفاع فلا يؤمر به ولا يباح
ما لم يكن له حق، وأمّا الاسنعفاف فلأنه مبالغة في العفة ولا يتحقق بمجرّد الامتناع عما لا حق له فيه أصلَا وأهل اللغة وان قالوا عف واستعف وتعفف بمعنى لكن في استعف مبالغة من جهة دلالة السين على الطلب كأنه يطلب ذلك من نفسه، ويبالغ فيه وزيادة العفة عنه فلا ينافي أنه لطلب مأخذ الاشتقاق وليس من التجريد في شيء بالمعنى الذي عرفوه به واعتراض الانتصاف بأن تلك متعدية، وهذه قاصرة خال عن التحصيل لأنّ كلا من بابي فعل واستفعل يكون لازما ومتعدياً وكل من عف واستعف لازم البتة كذا قيل وهو مخالف لكلام النحاة فإن استفعل إذا كان للطلب أو للنسبة كاستخرجت المال، واستحسنت زيدا واستقبحته يكون للتعدية، وقد اعترف به نفسه في البقرة في استرضعوا فالأولى دفعه بما قاله السكاكي: من أنه يحذف مفعوله كثيراً، وقد يلتزم فالمعنى استعف نفسه وحينئذ يلزمه أن يكون تجريداً ليتغاير الطالب والمطلوب منه فلا يصادف ردّه محزه مع أنه اعتبار بليغ لطيف، ثم إنّ قوله وأجرة كأنه مذهب الشافمي لا مذهبنا كما صرح به الجصاص في الأحكام، وقال: ليس له أجرة لأنهم أباحوه له في حال الفقر والإجارة لا تختص به والوصي لا يجوز له أن يستأجر نفسه لليتيم ومن أباج له ذلك لم يجعله أجرة، واختلفت الرواية عنه في جواز القرض! من ماله ويشهد لجوازه قول عمر رضي الله عنه إني أنزلت نفسي من مال الله مني منزلة مال اليتيم إن استغنيت
212
صورة انساء / الآية: 7
استعففت، وان افتقرت أكل بالمعروف وقضيت، وقد قيل إن الأكل منه بالمعروف منسوخ ومذهب الشافعي أن ما زاد على أقل أجره ونفقته حرام. قوله:(وعته الخ) رواه أبو داود والنساتي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما والتأثل اتخاذه أثلة أي أصلا والمراد جامع منه، وآخذ للقنية، يقال: مال موئل ومجد موثل أي مجموع وأثلة وأصل، ومعنى وقاية ماله به أن يترك ماله ويأكل مال اليتيم. قوله:(وإيراد هذا التقسيم الضى) يعني أنه خص الأكل منه بالمعروف فدل على أنه ليس له عدة من النفقة والأخذ وهو يدل على أنّ هذا النهي وما قبله للأولياء لا لغيرهم لأنهم المنهيون عنه. قوله: (ووجوب الضمان) يعني إذا أنكر القبض وقوله: أنّ القيم أي الوصي القائم على مال اليتيم لا يصدق بقوله بدون بينة، وإنما قال ظاهره لأنه يعلم مما قبله أنه للاحتياط وعندنا لئلا يلزمه اليمين لكن المتبادر هذا، ولا يقوم حجة على أبي حنيفة رحمه الله. قوله:(محاسباً الخ الا يخفى موقعه هنا لأنّ الوصي يحاسب على ما في يده، ثم أشار إلى أنّ المحاسبة نهي عن مخالفة حدود الله لأنه يحاسب كلا بما عمل فليحذره، وفسره الزمخشريّ بالكافي في الشهادة عليكم، وتركه المصنف لأنه موافق لمذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى في عدم لزوم البينة. قوله: (يريد بهم الخ) أي يريد بالرجال والنساء والأقربون المتوارثين بالقرابة أي الذين يرث بعضهم بعضا فهو يشمل الوارث والموروث، ولو كان تفسيراً للأقربين كما قيل لقال الموروثين وقوله: بدل مما ترك باعادة العامل إذا كان الجار والمجرور بدلاً من الجار والمجرور فلا إعادة فيه لكنه سبق لمثله وجه، وكان وجهه أنه لو أبدل المجموع لا بدلت من من من واتحاد اللفظ في البدل غير معهود فكان هو الحامل لهم على القول بأنّ المجرور مبدل والجارّ معاد حتى استدلوا بمثله على أن البدل في نية تكرار العامل فافهم. قوله:(نصب على أنه مصدر مؤكد الخ) أي بتأويله بعطاء ونحوه من المعاني المصدرية والا
فهو اسم جامد، ونقل عن بعضهم إنه مصدر وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتملهما، والحالية إما من الضمير المستتر في قل وكثر أو في الجار والمجرور والواقع صفة أو من نصيب لكون وصفه بالظرف سوّغ مجيء الحال منه، ولذا لما لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى وصفه في التفسير قدمه على ذيه لأنّ الحال من النكرة يلزم تقديمها، أو من الضمير المستتر في لهم قيل، وهو مراد المصنف رحمه الله تعالى، ولذا قدمه على نصيبا ولم يذكر. إشارة إلى أنها حال موطئة والحال في الحقيقة وصفها، وهو وجه وجيه إذ لا يلزمه مجيء الحال من المبتدأ أو عمل الظرف من غير اعتماد، وقوله على الاختصاص أراد به القطع من التبعية بفعل مقدّر وهو مما اصطلح عليه الزمخشريّ كما بينه شراحه فيما مرّ
فلا يرد عليه أنه نكرة وقد نصوا على اشتراط تعريف المنصوب على الاختصاص وقوله: (مقطوعاً) تفسير لمفروضا وفيه نظر لا يخفى واشارة إلى أنه بمعنى الواجب القطعي، ولذا لم يسقط حقه بالإسقاط كما هو كذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وقيل: إنه يحتمل أن يكون بمعنى مقدرا ففي كونه دليلَا خفاء، وفيه نظر. قوله:(روي أن أوس بن الصامت الخ) هذا خطا في الرواية تبع فيه الزمخشريّ فإنّ أوس بن الصامت بن أصرم بن قهر بن ثعلبة الأنصاري الصحابي رضي الله تعالى عنه شهد بدر أو المشاهد كلها وبقي إلى زمن خلافة عثمان رضي الله عنه وليس في الصحاية من اسمه أوس بن الصامت غيره، وأوس اسم جماعة منهم مذكورون في الاستيعاب وغيره، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: إن هذا الحديث روا. مقاتل في تفسيره فقال إن أوس بن مالك توفي يوم أحد وترك امرأته أم كحة، وبنتين إلى آخر القصة، وقال: في موضع آخر من الإصابة اختلف في اسم الميت فقيل أوس بن ثابت، وقيل أوس بن مالك وقيل ثابت بن قيس، وأما المرأة فلم يختلف في أنها أم كحة بضم الكاف وتشديد الحاء المهملة وهاء تأنيث إلا ما حكى أبو موسى المديني عن المستغفري، أنه قال فيها أم كحلة بسكون المهملة، وبعدها لام والا ما روي عن ابن جريج إنها بنت كحة فيحتمل أن تكون كنيتها وافقت اسم أبيها، وفي رواية ابن جريج أنها أم كلثوم اص. وقيل الذي في الكتب المعتبرة والروايات الصحيحة أوس بن ثابت أخو حسان استشهد باحد وأما أوس بن صامت فاستشهد في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهو خطأ أيضاً لأنه لو كان أخا حسان من أبيه ثابت لم يكن ابن العم وارثا مع وجود الأخ وأيضاً ليس من الأوس المذكور من إخوته ولا أعمامه من يسمى عرفطة ولا خالداً وان كان أوس بن ثابت أخو حسان قتل يوم أحد كما في الاستيعاب وإنما سبب غلطه لفظ ثابت المشترك، وروي
بالزاي المعجمة بمعنى جمع وقبض، ومسجد الفضيخ بالضاد والخاء المعجمتين قال شراح الكشاف: لعله المسجد الذي كان يسكنه أصحاب الصفة لأنهم كانوا يرضخون فيه النوى والرضخ والفضخ من واد واحد ولا يوجد الفضيخ في اللغة إلا بمعنى لنبيذ المتخذ من البسر المفضوخ أي المشدوخ المرضوض وقيل إنه اسم لموضع بالمدينة كان يفضخ فيه البسر اص.
(قلت) عجبت من هؤلاء بأجمعهم وعدم اهتدائهم إلى المراد منه وفي تاريخ المدينة للشريف السمهودي مسجد الفضيخ مسجد صغير شرقيّ مسجد قباء على شفير الوادي على نشز من الأرض مردوم وهو مربع ذرعه بين المشرق والمغرب أحد عشر ذراعا ومن القبلة للشام نحوها روى ابن شيبة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال حاصر النبي ع! يير بني النضير فضرب قبته قريباً من مسجد الفضيخ ست ليال فلما حرمت الخمر خرج الخبر إلى أبي أيوب ونفر من الأنصار رضي الله عنهم وهم يشربون فيه فضيخا فحلوا وعاء السقاء وهراقوه، وفيه فبذلك سمي مسجد الفضيخ، وكان ذلك قبل اتخاذه مسجداً أو قبل العلم بنجاسة الخمر ولأحمد وأبي يعلى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم اثى بفضيخ فثربه فيه فسمي مسجد الفضيخ وقيل إنه يعرف اليوم بمسجد الشمس ولم أره اهـ فانظر خبطهم فيما مرّ وأنا أعجب من السيوطي رحمه الله تعالى مع سعة حفظه كيف تابعهم فيه، وأخرح ابن حبان في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما هدّا الحديث بطوله، وسماه أوس بن ئابت أيضا، وقال ترك ابنتين وابنا صغيرا وسمي ابني عمه خالداً وعرفطة، وقال فيه فأعطى المرأة الثمن وفسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين يعني من الأولاد إذ لا ميراث لابني العم معهم، وليس فيه ذكر مسجد الفضيخ وسويده مصغر بسين مهملة علم وعرفطة بضم العين المهملة والراء المهملة والفاء والطاء المهملة علم وهو في الأصل اسم شجر وقوله:) أو قتادة الخ) شك من الراوي في اسمهما وعرفجة بعين مهملة مفتوحة وراء ساكنة مهملة وفاء وجيم علم أيضا، وهو اسم شجر أيضاً ويذب من الذب بالذال المعجمة الموحدة المشددة المنع والحماية والحوزة المقرّ وما يجب أن يحفظ ويحمي، وقوله: ولم يبن أي لم يبين الله نصيب كل على التقديرين وإنما بين في المواريث الآتية وقوله: (وهو دليل الخ) وهو هنا بيان لإجمال بالتفصيل والحنفية أيضا قائلون بجواز تأخيره كما مرّ. قوله. (ممن لا يرث (بقرينة ذكر الورثة قبله
وقوله ثم اختلف في نسخة أي على القول بالوجوب والصحيح إنه لا يجب وقوله:) أو ما دل عليه القسمة) أي
المقسوم أو المال، والبلغ جمع بالغ وفي نسخة الباقي ومن الورثة بيان له وقوله:(ولا يمنوا عليهم) المراد أنّ القول المعروف ليس معه من والا فعدم المن ليس قولأ، والقول بالنسخ قول ابن المسيب وغيره من السلف وعدمه قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال يرضخ لهم وفيها تفسير آخر غريب عن سعيد بن جبير أنّ المراد بأولي القربى هنا الوارثون وأنهم يعطون أنصباءهم من الميراث إذا حضر بعض الورثة، وكان وارث آخر صغيراً أو غائبا فإنه يحبس نصيبه فلا يمسك نصيب الكبير الحاضر حتى يكبر الآخر أو يحضر. قوله:(أمر للأوصياء الخ) فيتصل بقوله: وابتلوا اليتامى وما بينهما اعتراض! واستطراد كذا قيل لكن كون قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ} الخ بيانا لإجماله يقتضي أنه ذكر قصداً لا استطراداً فالأولى إنّ هذا وصية للأوصياء بحفظ الأيتام بعد ما ذكر الوارثين الشاملين للصغار والكبار على طريق التتميم كذا قيل في بيان ارتباط النظم، ولا يخفى ما فيه من التكلف فالأظهر إنه مرتبط بما قبله لأنّ قوله:(للرجال الخ) في معنى الأمر للورثة أي أعطوهم حقهم دفعاً لأمر الجاهلية، وليحفظ الأوصياء ما أعطوه ويخافوا عليهم كما يخافون على أولادهم ومفعول بخش أمّا الله بدليل قوله فليتقوا الله أو على أولادهم بدليل قوله:{خَافُواْ عَلَيْهِمْ} كما أشار إليه في الوجه الآتي ولو ذكره هنا لكان أولى ليعلم منه تقديره فيما بعده. قوله: (أو للحاضرين المريض الخ) هذا هو الوجه الثاني فليس الأمر للأوصياء إذ لو كان كذلك لقال وليخشوا فتعريف الموصول للعهد لما عرف منهم أنهم كانوا يحضرون عند المريض، ويحثونه على الوصية ويذكرون أنّ أولاده لا يغنون عنه شيئا في الآخرة، وإنما النافع له ما يصرف في الخيرات فيكون أوّل الكلام للأوصياء، وما بعده للورثة وهذا للأجانب بأن لا يتركوه يضرهم فضلا عن أمره بما يضر وأن يخافوا على أولاده كما يخافون على أولادهم فهو متصل بما قبله وقوله:(بأن يخشوا) الخ بيان لمعموله كما مرّ. قوله: (أو للورثة الخ) هذا هو الوجه الثالث وعليه فاتصاله بما قبله ظاهر لأنه حث على الإيتاء لهم وأمرهم بأن يخافوا من حرمانهم ما يخافون من حرمان ضعاف ذريتهم وقوله: (أو للموصين) هذا هو الوجه الرابع وهو أبعدها ولم يذكره الزمخشري، ولذا أخره المصنف رحمه الله تعالى فالمراد من الذين المرضي، وأصحاب الوصية أمرهم بعدم الإسراف في الوصية خوفاً
على ذرّيتهم الضعاف، والقرينة عليه أنهم هم المشارفون لذلك، ويكون التخويف من أكل مال اليتامى بعده تخويفاً عن أخذ ما زاد من الوصية فيرتبط به ويكون متصلا بما قبله تتميمأ لأمر الأوصياء، والورثة بأمر المرضي الموصين. قوله:(ولو بما في حيزه جعل صلة الخ (يعني أن الصلة يجب أن تكون قصة معلومة للمخاطب ثابتة للموصول كالصفة فأشار إلى أن مضمون الشرطية قصة معلومة، وأشار إلى أنه لا بدّ من حمل تركوا على المشارفة ليصح وقوع خافوا خبراً له ضرورة أنه لا خوف بعد حقيقة الموت، وترك الورثة، وقال النحرير: الظاهر أن لو بمعنى إن وهذا جار على الوجوه كلها فقوله في المغني إنه أؤله بشارفوا لأن الخطاب للأوصياء وإنما يتوجه إليهم قبل الترك لأنهم بعد. أموات لا وجه له وإنما وجهه صحة كون الجواب خافوا كما قال النحرير. قوله: (وفي ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود الخ) أي جعل مرتباً على الوصف المذكور في حيز الصلة المشعر بالعلية كما مز إشارة إلى أن المقصود من الأمر إذ لا يضيعوا اليتامى حتى تضيع أولادهم، وأنه السبب في ذلك والترحم جاء من ضعف الذراري الماقتضي له وتهديد لهم بأنهم إن فعلوه أضاع الله أولادهم، فضمير عليه للحال أو الوصف والمراد بالأمر الأمر باللام في قوله وليخش، والحاصل أنّ المقصود منه مراعاة الضعفاء واليتامى والخوف عليهم وهو علة الأمر بالخشية. قوله:(أمرهم بالتقوى التي هي غاية الخشية الخ) يعني أن الخشية بمعنى الخوف مبدأ لتقوى الله مقدمة عليها طبعاً فلذا قدّمت وضعاً ليوافق الوضعالطبع، ولما لم ينفع الأول بدون الثاني لم يقتصر عليه مع استلزامه له عادة، ثم فسر القول بالمعروف بوجوه تناسب الوجوه السابقة في الأمر بالخشية ناظرة إليها والأخير مبني على الأخير كما ترى. قوله:
(ظالمين أو على وجه الظلم) في نصب ظلماً وجوه الحالية وإليه أشار بقوله ظالمين والمفعولة لأجله المصدرية وقوله: على وجه الخ قيل إنه إشارة إلى أنه تمييز، وقيل إلى المصدرية وأن أصله كل ظلم ومعنى أكل الظلم أن يكون على وجهه. قوله:(ملء بطوئهم) في الكشاف يقال أكل فلان في بطنه وفي بعض بطنه قال:
كلوأفي بعض بطنكموتعفوا فإن زمانكم زمن خميص
قال النحرير: المظروف المفعول أي المأكول لا الفاعل كما إذا حلف ليضربنه في المسجد وسيأتي تفصيله في سورة الأنعام وحقيقة الظرفية المتبادر منها الإحاطة بحيث لا يفضل الظرف على المظروف فيكون الأكل في البطن ملء البطن وفي بعض البطن دونه، وإذا قيل للجماعة كلوا في بعض البطن كان غاية في القلة فإن قلت هذا ينافي قول الأصوليين إنّ الظرف إذا جز بفي لا يكون بتمامه ظرفاً بخلاف المقدرة فيه فنحو سرت يوم الخمس لتمامه وفي يوم الخميس لغيره.
(قلت) قيل هذا مذهب الكوفيين، والبصريون لا يفرقون بينهما كما بين في النحو والظاهر أن ما ذكره أهل الأصول فيما يصح جرّه بفي ونصبه على الظرفية، وهذا ليس كذلك لأنه لا يقال أكل بطنه بمعنى في بطنه فليس مما ذكره أهل الأصول في شيء، وهو مثل جعلت المتاع في البيت فهو صادق عليه وعدمه لكن الأصل فيه الأوّل كما ذكروه فاعرفه، وكذا ما يمنع دخول في عليه فهو من قبيل قاله بفيه مما يفيد التأكيد المناسب للملء، والجار والمجرور متعلق بياً كلون أو حال من ناراً لتقدمه عليه. قوله:) ما يجرّ إلى النار ويؤوّل إليها الخ) جعل النار مجازاً مرسلا من ذكر السجب وإرادة المسبب، وجوّز فيه الاستعارة على تشبيه ما أكل من هذا بالنار لمحق ما معه وهو بعيد وأبو بردة بضم الباء وسكون الراء ودال مهملة، وفي نسخة برزة كواحدة البروز وهو المصحح فالأولى كأنها تصحيف والحديث المذكور روأه ابن حبان وابن أبي شيبة، وهو مؤيد لما فسر به لاحتراق أجوافهم في قبورهم ويحتمل أنه إشارة إلى أنه يجوز حمله على ظاهره فتأفل. قوله:) سيدخلون نارا وأي نار الخ) هذا بيان للمعنى المراد منه وحقيقته ما أشار إليه بعده، وأصل الصلى القرب من النار فاستعمل في لازم معناه، وظاهر
كلامه أنه متعد بنفسه وقيل: إنه يتعدى بالباء فيقال صلى بالنار، وذكر الراغب أنه يتعدّى بنفسه تارة وبالباء أخرى وسعيراً بمعنى مسعراً وموقداً، وتوله: وأي ناراً لتعظيم مستفاد من التنكير. قوله:) يأمركم ويعهد إليكم الخ) الوصية كما قال الراغب: أن يقدم إلى الغير ما يعمل فيه مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية متصلة النبات، وهي في الحقيقة أمر له بعمل ما عهده إليه فلذا فسرها المصنف رحمه الله تعالى بما ذكر وقوله:(في شأن) قدر المضاف ليصح معنى الظرفية، وقيل في بمعنى اللام وقوله: وهو إجمال الخ بيان لموقع الجملة فإنها مفسرة للوصية التي في ضمن الفع! فلا محل لها من الإعراب ولا حاجة إلى تقدير قول أي قائلا ونحوه وجوّز فيها أن تكون مفعولاً ليوصي لأن فيه معنى القول فيحكي به الجمل على أحد المذهبين المعروفين. قوله: (أي يعدّ كل ذكر بأنثيين الخ) إنما قيده بقوله: حيث اجتمع الصنفان أي من الذكور والإناث يعني واتحدت جهة إرثهما لأنه قد ينقص الذكر عن الأنثى في بعض الصور، وهذا أغلبي أيضا لتساوي الذكور والإناث من أولاد الأم كما سيأتي فمان كان المراد بيان حكم اجتماع الابن والبنت على الإطلاق، وهو الظاهر لم يحتج إلى تقييد أصلاً فتأمّل. قوله:(وتخصيص الذكر بالتنصيص! على حظه الخ) يعني أنّ الآية نزلت لبيان المواريث رداً لما كانوا عليه من توريث الذكور دون الإناث ومقتضاه الاهتمام بالإناث وأن يقال للاثنين مثل حظ الذكر لكنه عكس هنا فأشار إلى أنّ حكمته إنّ الذكر أفضل ففعل ذلك لفضله، ولأنّ ذكر المحاسن أليق بالحكيم من غير ولذا قال تعالى:{إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [سورة الإسراء، الآية: 7] فلذا قدم ذكر الإحسان وكرّره دون الإساءة فلذا جعل الأوّل صريحا ونصاً والثاني ضمنا وعدل عن مقتضى الظاهر، وفضله معلوم من الخارج أو من تضعيف حظه، أو أنه مقتضى الظاهر، والمقصود هنا أن الذكور أولى فيكفي للأولوية تضعيف نصيبهم وهو كالقول بالموجب وقيل المقصود بالبيان تنقيص حظ الذكور عما كانوا عليه وذلك يقتضي التنصيص عليهم، وهو
قريب مما قبله، وتقدير ما قدره تصحيح معنى لا إعراب. قوله:(أي إن كان الأولاد نساء خلصا الخ) يعني أنّ الضمير راجع للأولاد مطلقا فيفيد الخبر حينئذ من غير تأويل، أو للمولودات أو البنات التي في ضمن مطلق الأولاد وليس الخبر عينه حتى لا يفيد الحمل كما توهم لأنّ المراد نساء خلصا إلى آخره وإذا كان فوق اثنتين صفة فهو محل الفائدة، فإن قلت على الوجه الأوّل يلزم تغليب الإناث على الذكور قلت يجوز ذلك مراعاة للخبر
ومشاكلة له وهو معنى ما قيل إذا عاد الضمير على جمع التكسير المراد به محض الذكور في قوله عليه الصلاة والسلام رب الشياطين ومن أضللن كعوده على الإناث فلأن يعود على جمعه الشاملى للإناث بطريق الأولى، فلا يرد عليه إنه هناك للمشاكلة المفقودة هنا، وجوز الزمخشرقي أن تكون كان تامّة والضمير مبهم مفسر بالمنصوب على أنه تمييز ولم يرتضه النحاة لأنّ كان ليس من الأفعال التي يكون فاعلها مضمرا يفسره ما بعده لاختصاصه ببابي نعم والتنازع، ولذا تركه المصنف رحمه الله ولا يرد على كون فوق اثنتين خبرا ثانيا إنه يلزم أن لا يفيد الخبر لما مرّ، وقوله: زائدات إشارة إلى أنّ الفوقية هنا ليست حقيقية بل بمعنى زيادة العدد وأضمر فاعل ترك لدلالة الكلام عليه ومثله سائغ شائع، وأظهر منه ضمير كانت. قوله: (واختلف في الثنتين الخ الما دل الحديث الصحيح الذي رواه أحمد بن حنبل والترمذيّ وأبو داود وابن ماجه عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: جاءت امرأة سعد بن الربغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل ابوهما يوم أحد وإن عمهما أخذ مالهما ولم ياع لهما مالاً ولا يثكحان إلا ولهما مال فقال صلى الله عليه وسلم " يقضي الله في ذلك " فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: " أعط لابم! ي سعد الثلثين وأعط أمّهما الثمن وما بقي فهو لك " فدل ذلك على أن حكم البنتين وأنّ لهما الثلثين مفهوم من النص بطريق الدلالة أو الإشارة لأنه حكم به بعد نزولها، ووجه إنهما لما استحقتا معه النصف علم أنهما إذ انفردتا عنه استحقتا أكثر من ذلك لأنّ الواحدة إذا انفردت أخذت النصف بعدما كانت معه تاخذ الثلث ولا بد أن يكون نصيبهما مما يأخذه الذكر في الجملة، وهو الثلثان لأنه يأخذه مع البنت، وليس هذا بطريق القياس بل بطريق الدلالة أو الإشارة، فيكون قوله: فإن كن نساء الخ بيانا لحظ الواحدة وما فوق الثنتين بعدما بين حظهما، ولذا فرعه عليه إذ لو لم يكن فيما قبله ما يدل على سهم الإناث لم تقع الغاية موقعها وهذا مما لا غبار عليه، وقيل لما تبين أن للذكر مع الأنثى ثلثين وللذكر مثل حظ الأنثيين فلا بد أن يكون للبنتين الثلثان في صورة والا لم يكن للذكر مثل حظ الأنثيين لأنّ الثلثين ليس بحظ لهما أصلاً لكن تلك الصورة ليست صورة الاجتماع إذ ما من صورة يجتمع فيها الثلثان مع الذكر، ويكون لهما ثلثان فتعين أن تكون صورة الانفراد.
(ثم ههنا سؤال) وهو أنّ الاستدلال دوري لأنّ معرفة أنّ للذكر الثلثين في الصورة
المذكورة موقوفة على معرفة حظ الأنثيين لأنه ما علم من الآية إلا أنّ للذكر مثل حظ الأنثيين، فلو كان معرفة حظ الأنثيين مستخرجة من حظ الذكر لزم الدور، والجواب أنّ المستخرج هو الحظ المعين للأنثيين وهو الثلثان، والذي يتوقف عليه معرفة حظ الذكر هو معرفة حظ الأنثيين مطلقاً فلا دور وأنت في غنى عن هذا بما بيناه لك من غير تكلف، وأما ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فنظر إلى ظاهر النظم ولعله لم يبلغه الحديث لأنه لما لم يكن لهما حكم الجماعة كان لهما حكم الواحدة إذ لا قائل بغيرهما وفيه أنه لو استفيد من قوله فوق اثنتين إنّ حالهما ليس حال الجماعة بناء على مفهوم الصفة فكذلك يستفاد من واحدة أنّ حالهما ليس حال الواحدة لمفهوم لعدد، وان فرق بينهما بأنّ النساء ظاهر فيما فوقهما فلما أكذبه صار محكماً في التخصيص بخلاف إن كانت واحدة، وأورد أنه إنما يتم على كونه صفة مؤكدة لا خبراً بعد خبر، وأجيب بأنه على هذا مؤكد أيضاً وبأنه لما تعارض النصان عنده جعل لهما نصيبا من النصيبين وجمهور الصحابة رضي الله عنهم على خلافه لما مرّ وكلام المصنف رحمه الله ينزل عليه. قوله:(ويؤيد ذلك الخ) جعله مؤيداً، ولم يجعله دليلَا مستقلا لعدم الحاجة إليه ولأنه قبل إنّ القياس
لا يجري في الفرائض والمقادير كما شرحناه في اللمعة والحاصل أن هذا قياس على البنت مع أخيها أو على الأختين والأوّل لأنها لما استحقت الثلث مع الأخ فمع البنت بطريق الأولى، والثاني أنه ذكر حكم الواحدة والثلاث فما فوقها من البنات، ولم يذكر حكم البنتين وذكر في ميراث الأخوات حكم الأخت الواحدة والأختين ولم يذكر حكم الأخوات الكثيرة فيعلم حكم البنتين من ميراث الأخوات وحكم الأخوات من ميراث البنات لأنه لما كان نصيب الأختين الثلثين كانت البنتان أولى بهما لأنهما أقرب منهما، ولما كان نصيب البنات الكثيرة لا يزيد على الثلثين فبالأولى أن لا يزداد نصيب الأخوات على ذلك. قوله:(ولأبوي الميت) يعني أنّ الضمير راجع إلى ما فهم من الكلام كضمير ترك السابق، ولكل واحد بدل بعض من كل ولذا أتى معه بالضمير ما وقع لصاحب الانتصاف من أنه بدل كل، والمناقشة فيه غلط منه كما ذكره أبو حيان وغيره لأنه مبني على أن كل عمومها شمولي، وقوله: منهما يأباه، ولم يقل لكل واحد من أبويه السدس لفوات الإجمال والتفصيل الذي هو أوقع في الذهن ولم
يقل لأبويه السدسان للتنصيص على تساويهما إذ فيه يحتمل التفاضل، وان كان خلاف الظاهر فإنه يكفي نكتة للعدول، وقوله: غير أن الأب الخ إشارة إلى أحوالا الأب الثلاثة كما هو مقرّر، ودفع لما يتوهم أنه يأخذ مع البنت أكثر من السدس لأنه ليس بجهة واحدة وتعدد الجهات منزل منزلة تعدّد الذوات، وقوله: فحسب أي فقط وهو مأخوذ من التخصيص الذكرى كما تدل عليه الفحوى، وإنما فسر به ليخرج ما إذا كانا مع أحد الزوجين كما سيبينه، وفي الكشاف معناه فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فح! سب فلأمّه الثلث مما ترك، كما قال: لكل واحد منهما السدس مما ترك لأنه إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين كان للأم ثلث ما بقي بعد إخراج نصيب الزوج لا ثلث ما ترك إلا عند ابن عباس، والمعنى أن الأبوين إذا خلصا تقاسما الميرإث للذكر مثل حظ الأنثيين انتهى، وهو بعينه كلام المصنف رحمه الله لا زيادة فيه إلا إيضاح أنّ المراد بالثلث ثلث ما ترك وهو الكل لا ثلث الباقي ولا الأعمّ لقوله قبله السدس مما ترك، دمانما نقلته لك لترى العجب ممن قال قوله: وورثه أبوا. فحسب إشارة إلى دفع ما ذكره صاحب الكشاف لما أشكل عليه من أنه لا فائدة لقوله وورثه أبوا. لأنه في بيان حكم الأبوين في الإرث مع الولد ومع عدمه، فكما أنه لا حاجة في قوله: ولأبويه لكل واحد منهما السدس إلى التقييد، بقوله: إن ورث أبواه لا حاجة إليه في قوله فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث إلى آخر ما أطال به من غير طائل، فانظر ما جرّه قلة التأمّل إليه وكتابة محشوّ بمثل هذا لكنا أضربنا عن أكثرها فإن لم يقيد بقوله فحسب حمل الثلث على الأعم من ثلث الكل أو ثلث ما بقي لكونه خلاف المتبادر ويلزمه لغوية قوله وورثه أبواه لكنهم بينوا له فائدة كما سيأتي، ومنه يعلم إنه إذا لم يكن قوله وورثه أبواه للتخصيص يكون في الكلام الباس، ولذا رجحوه وان رجح شراح السراجية خلافه، وفيه نكتة أخرى وهي الإشارة إلى أنّ إرثه بالعصوبة، وهي تقتضي عدم التعيين والتحديد. قوله:(وعلى هذا ينبني الخ) يعني إنه ليس داخلا في النظم ولكنه مستنبط منه وضمير فرضه لأحد الزوجن، وقوله: يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذكر في مسألة الزوج معها ظاهر، وأما الزوجة فلا.
أما الأول: فلأنها لو جعل لها مع الزوج ثلث جميع المال والمسألة من ستة لاجتماع نصف وثلث فللزوج ثلاثة وللأم اثنان على ذلك التقدير فيبقى للأب واحد وفيه تفضيل الأنثى وإذا جعل لها ثلث ما يبقى كان لها واحد وله اثنان.
وأمّ الثاني: فلأنه لو جعل لها مع الزوجة ثلث الأصل والمسألة مع أثني عشر لاجتماع
ربع وثلث فللزوجة ثلاثة وللأم أربعة ثلث الكل بقي خمسة للأب فلا يلزمه تفضيلها عليه ولذا
ذهب الإمام للفرق بينهما فهذا التعليل لا يفي بالمراد بل لا يستقيم وإن وجهه شراح السراجية لكن على مسلكهم في أنّ المراد بالثلث الأعئم يكون ذكر قوله وورثه أبواه إشارة إلى أنّ الثلث ثلث ما ورثاه سواء الكل أو الباقي، ولو حمل على ثلث الكل في هذه الصورة لخلا المذكور عن الفائدة، اللهم إلا أن يقال إنّ المراد إنه يفضي إليه في إحدى الصورتين وابن عباس رضي الله عتهما لا يفرق بينهما فيلزمه التفضيل في الجملة بخلاف ما ذهب إليه أبو بكر الأصمّ، وهو
غير مذكور في الكتاب.
قوله: (بإطلاقه يدل على أن الأخوة) أمّا دلالته على الردّ إلى الثلث فظاهرة وأما قوله:
وان كانوا لا يرثون فمان أراد أنه من مدلول الآية فوجهه أنه معطوف على ما قبله، وهو مقيد بوراثة الأبوين فقط وقد زيد عليه الأخوة فقط من غير رفع القيد فيبقى على حاله، وفيه نظر وان أراد أنه معلوم من خارج فلا كلام فيه، وأما ما قيل إنه من كون الولد فيما سبق وارثاً هنا فليس بشيء وهذا بناء على أنّ المحجوب يحجب كما بين في الفرائض، وأبن عباس رضي الله عنهما يخالف فيه فيعطيهم السدس الذي حجبوها عنه. قوله:(والجمهور على أن المراد بالأخوة الخ) يعني المراد بهم ما فوق الواحد مطلقا ذكوراً واناثا ومختلطين من أيّ جهة كانوا من الأبوين أو أحدهما وابن عباس رضي الله عنهما اشترط ما فوق الاثنين وأن لا يكونوا خلص إناث لأنّ حقيقة الجمع ثلاثة، وهو جمع أخ فلا يشمل الأخت إلا بطريق التغليب والخلص لا ذكور معهم فيغلبون كما حاج عثمان رضي الله عنه في ذلك لكن أكثر الصحابة على خلافه، ولم ينكروه حين قضى به قبل عثمان فلذا جعله إجماعا، وصيغة الجمع قيل إنها حقيقة فيما فوق الاثنين مطلقاً، وقيل في المواريث والوصايا ألحقت بالحقيقة كما صرّح به في الأصول وهو مراد الزمخشري هنا فلا يرد عليه ما قيل إنه مخالف لما قاله النحاة: وصرّح به في كتبه. قوله: (وقرأ حمزة والكسائي فلامه بكسر الهمزة اتباعاً للكسرة) . أي كسرة اللام وقيل إنه اتباع لكسرة الميم، وهو ضعيف لما فيه من اتباع حركة أصلية لحركة عارضة وهي الإعرابية، ولذا قال المصنف رحمه الله التي قبلها تنبيهاً على اختيار خلافه وليس لغة فيه كما قيل. قوله:(متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها الخ) المراد بالمواريث كلها ما سبق برمته فإنه سيعيده فيما
يأتي وقوله: (أي مذه الخ) بيان لمحصل المعنى والتعلق المعنوي لا الإعرابي فإنه متعلق على هذا بقوله يوصيكم، وقيل إنه متعلق بقوله:(فلأمه السدس الخ) فالعامل فيه الجار والمجرور الواقع خبرا لاعتماده ويقدر لما قبله مثله كالتنازع، وقيل متعلق بمحذوف أي استقز ذلك بعد وصية الخ والاً وّل أولى. قوله:(وإنما قال بأو التي للأباحة دون الواو الخ) المراد بالإباحة التسوية وعدم اختلاف الحكم متعلقة بالأمرين جميعا، أو بأحدهما سواء كان ذلك في الأمر أو غيره ومنهم من اشترط فيها تقدم الأمر، وعبارة المفصل تشعر بعدم الاتفاق عليه واشترط في الهادي تقدم أمر أو تشبيه فيقال عليه إن قوله:{يُوصِيكُمُ} خبر مراد به الأمر كما فسره المصنف وغيره أي أعطوا الخ بعد الوصية أو الدين إن كان أحدهما أو كلاهما ولا يلزم جواز التقديم على أحدهما فقط كما في جالس الحسن أو ابن سيرين لأنّ معنى الإباحة هنا التسوية في الوجوب وفي جالس الحسن التسوية في الجواز وأو تكون للإباحة أو التسوية فيما هو مقتضى الأمر، وبالجملة فالمقام مقام أو دون الواو إذ لا تفيد سوى وجوب تقديم الأمرين إذا وجدا جميعاً دون ما إذا وجد أحدهما إذ ربما يكون وجوب التقديم أثرا للاجتماع فلا يتحقق عند الانفراد فكلمة أو للتسوية بينهما في الوجوب قبل القسمة وان كان الدين مقدماً عند عدم وفاء التركة بهما. قوله: (وقدم الوصية على الدين الخ الما كان تقدم الدين أمراً مقرّرا كان الظاهر تقديمه لكن أولاً تقتضي ترتيبا فقدمت الوصية لأنها تشبه الميراث من وجوه كتعلقها بالموت وكونها تؤخذ بلا عوض فلذلك كانت تشق عليهم فربما فرّطوا فيها فقدمت اهتماماً بشأنها لذلك فقوله: شاقة بيان لوجه الشبه، وقوله: مندوب إليها الجميع بخلاف الدين مع ندرته أو ندرة تأخيره إلى الموت قيل على من ذكره من الحنفية إن هذا مذهب الشافعي، فإنّ الوصية عنده أفضل مطلقا كما في الروضة، وأما غيره فيقول لا يندب إليها إذا كانت الورثة فقراء لا تغنيهم التركة ويمكن دفعه بأنّ المراد أنّ الشارع سنها للجميع لقوله صلى الله عليه وسلم:" حق على كل مسلم عنده شيء أن لا يبيت إلأ ووصيتة مكتوية عنده " فتخلفها العارض لا يضر كونها مندوبة للجميع بحسب الأصل، والتوصيف بقوله يوصي بها إما للتعميم لأنّ الوصية لا تكون إلا موصى بها، أو المراد تعتبر الوصية بها بأن تكون من الثلث فلا يقال إنه لا فائدة فيه، وقوله: بفتح الصاد أي مخففا وقرئ أيضا بالتشديد، ولم يذكرها المصنف رحمه الله
بقي هنا إن
صاحب الانتصاف قال: إنّ الآية لم يخالف فيها الترتيب الشرعي دمان السؤال غير وارد رأسا لأنّ أوّل ما يبدأ به إخراج الدين ثم الوصية، ثم اقتسام ذوي الميراث فانظر كيف جاء إخراج الميراث آخرا تلو إخراج الوصية، والوصية تلو الدين فوافق قولنا قسمة المواريث بعد الوصية، والدين صورة الواقع شرعا ولو سقط ذكر بعد وكان الكلام أخرجوا الميراث والوصية والدين لأمكن ورود السؤال المذكور يعني أنه ذكر الميراث أوّلاً، ثم ذكر أنه بعد الوصية ناصا على بعديته لها فيقتضي تعقيبه لها، ثم ذكر بعدية الدين مؤخرة عن بعدية الوصية لما بينهما من المفاضلة فحاصل المعنى من بعد وصية، أو وصية بعد دين فلا حاجة إلى شيء مما تقدّم وهو دقيق جداً، ولا يرد عليه ما قيل إنّ الآية واردة في حكم الميراث أصالة لأنها بيان لقوله تعالى:{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ} [سورة النساء، الآية: 7] الخ فكان ذكر الوصية والدين كالاستطراد وذكر من بعد إمارة عليه، فكأنهما حكم واحد في كونهما مقدّمين على الميراث، والظاهر تقدم الدين على الصوية فيرد السؤال ا!. قوله:(أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم الخ) أيّ هنا إما استفهامية مبتدأ وأقرب خبره والفعل معلق عنها فهي سادّة مسد المفعولين وعليه المصنف رحمه الله، أو موصولة بمعنى الذي وأقرب خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلته وهو مفعول أوّل مبني على الضم لإضافته، وحذف صدر صلته، والثاني محذوف وهذا ذكره أبو حيان، والآباء والأبناء عبارة عن الورثة الأصول والفروع فيشمل البنات والأمّهات والأجداد والجدّات، كما أشار إليه المصنف رحمه الله وهو على هذا الوجه الأوّل تأكيد لأمر القسمة وردّ لما كان في الجاهلية، وعلى الثانية المراد المحتضرين وهو حث لهم على تنفيذ وصاياهم، فهو تأكيد لما قبله ونفعاً تمييز، وقوله: روي الخ أخرجه الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ع! ي! قال: " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك فيقول يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به " وتفسيره أقرب نفعاً بأنفع لكم دون أقرب نفعاً فضلا عن النفع تفسير بلازم معناه المراد، وقوله: ولا تعمدوا إلى آخره إشارة إلى ما كان منهم في الجاهلية. قوله: (فهو اعتراض مؤكد لآمر القسمة الخ) إشارة إلى ما ذكره الزمخشرقي من أن هذا التوجيه غير ملائم للمعنى، ولا مجاوب له لأن الجملة اعتراضية فينبغي
أن تؤكد ما اعترضت بينه وتناسبه، وليس بوارد لأنه ذكر قبلها وبعدها الوصية وأمر الإرث فيصح مراعاة كل منهما وهو ظاهر. قوله:(مصدو مؤكد الخ) أراد بالمؤكد المؤكد لنفسه نحو هذا ابني حقا وهو الواقع بعد جملة لا محتمل لها غيره وهنا كذلك لأن ما قبلها مفروض عليهم معين من الله وإذا كان مصدر يوصي بمعنى يفرض من غير لفظه فهو مؤكد أيضا لكن غير التأكيد المصزج به لأنّ الأوّل مؤكد لمضمون الجملة، وهذا مؤكد لعامله وفعله لكن أورد عليه أن المصدر إذا أضيف لفاعله أو مفعوله أو تعلقا به يجب حذف فعله كما صرح به الرضى إلا أن يفرق بين صريح فعله وما تضمنه فتأمل، وفسر العليم والحكيم بما يناسب المقام ويتم به النظام، وقيل فريضة حال لأنه ليس بمصدر. قوله:) أي ولد وارث الخ) يعني أنّ المراد بالولد ما يشمل الذكر والأنثى والصلبي وغيره سواء كان من هذا الزوج أو غيره، ولذا قال لهت: ولم يقل لكم. قوله: (فرض للرجل لحق الزواج الخ) الزواج كالقتال مصدر واستثنى أولاد الأم والمعتقة لاستواء الذكر والأنثى منهم، ثم بين أنّ الزوجات المتعددة يشتركن في ذلك ولا تعطي كل واحدة ربعا أو ثمناً، وفسر الرجل بالميت لا الوارث لتوصيفه بأنه موروث منه، وقوله: من ورث معلوما ومجهولاً أي هو مأخوذ من الثلاثي لا المزيد لاحتماله يقال ورث منه مالاً وورثه مالاً وكأنّ المصنف رحمه الله جعل الأولى هي اللغة، والثانية من الحذف والإيصال. قوله:) وهو من لم يخلف ولدا ولا والدا أو مفعول له والمراد بها ترابة الخ) يعني أنه على كون الرجل هو الميت فيورث من ورث الثلاثيّ، وكلالة لها أربعة معان نفس القرابة بغير الأصلية والفرعية، والوارث الذي ليس بولد ولا والد والميت الذي ليس أحدهما، والمال الموروث مز غير أحدهما، وترك هذا المصنف رحمه الله لعدم شهرته وعلى الوجوه يختلف إعرابه فإن كان
الوارث فهو
مجهول أورث وهي في الأصل مصدر بمعنى الكلال والإعياء نقل إلى تلك القرابة لضعفها، ثم وصف بها من ذكر مبالغة أو بتقدير مضاف. قوله:(قال الأعشى الخ) هو من قصيدة مدح بها النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أراد الوفادة عليه فصدّه كفار قريش بأنّ له تكاليف لا يقدر عليها كتحريم الخمر وقصيدته معروفة وأوّلها:
ألم تغتمض عيناك لليلة أرمدا وبت كما بات السليم مسهدا
والبيت في وصف الناقة السابقة في قوله:
وأتعابي العيس المراقيل تعتلي
وبعده:
متى ماتناخى عند باب ابن هاشم تراحى وتلقى من فواضله ندا
فضمير لها للناقة لا للفرس كما قيل ولا أرثي بمعنى أشفق، وأرق لها من كلالة أي إعياء والحفا بالحاء المهملة رقة أسفل الخف من كثرة السير، وقوله: فاستعيرت يعني بحسب الأصل وبعد النقل صارت حقيقة، وقوله: ليست بالبعضية فيه قصور، وكان عليه أن يقول ولا الأصلية لكته تركه لشهرته، وقوله: من قرابتي بناء على أنه مصدر أطلق على الأقرباء لما ذكره ولا عبرة بتخطثة الحريري في الدرة من قال: هو من قرابتي وأنّ الصواب من ذي قرابتي لقوله:
وذو قرابته في الحيّ مسرور
لأنه مجاز شائع وقد استعملوه كذلك، وذهب ابن مالك إلى أنه اسم جمع لقريب كصحابة فلا شاهد فيه حينئذ. قوله:(واكتفى بحكمه عن حكم المرأة الأن تقييد المعطوف عليه تقييد للمعطوف، وإن كان ليس بلازم وإنما فعل كذلك لأنّ توحيد الضمير بعد أو لا بد منه حتى أنّ ما ورد على خلاف ذلك مؤوّل عند الجمهور كقوله تعالى: {إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا} [سورة النساء، الآية: 135] وأتى به مذكراً لأنك بالخيار بين أن تراعي المعطوف أوالمعطوف علبه فراعى المتقدم منهما ويجوز أن يكون الضمير لواحد منهما والتدّكير للتغليب. قوله: (سوّى بين الذكر والأنثى الخ) لأنّ الأولاد الأم في القسمة والاستحقاق سواء للواحد
السدس، ولما زاد الثلث على السوية لأنّ وراثتهم بواسطة الأم ومحض الأنوثة فنظر فيه إلى الأصل وأصل الإدلاء إرسال الدلو في البثر لإخراج الماء فتجوّز به عن الاتصال النسبي. قوله:) ومفهوم الآية أنهم لا يرثون الخ) ذلك إشارة إلى السدس، أو الثلث وفي كونه مفهوما من الآية نظر قال بعض الفضلاء الظاهر أنه بناء على أنّ الوالد يعني الذي دل عليه الكلالة يتناول الوالدة سواء كانت له أو لأبيه، كما أنّ الولد يتناول الابن وابن الابن وان سفل والبنت وبنت الابن وان سفلت، وفيه أن تناول الولد لأنه اسم جنس غير صفة، وأمّا الوالد الذي هو صفة مؤنثة والدة ففي تناوله لها كلام فكون ما ذكر مفهوما ممنوع اهـ ولك أن تقول أنه غلب عليه حتى ألحق بأسماء الأجناس ولذا لا يوصف به فيقال الرجل الوالد وهذا بيان لحكمة تسوية الشارع فلا يرد أن من أدلى بواسطة ذكر كبني العلات ينبغي التسوية بينهم ونحوه كما قيل به، وفي قوله أكثر من ذلك نكتة في وجه التعبير باسم الإشارة وهي أنه لا يقال أكثر من الوأحد حتى لو قيل أوّل بأن المعنى زائد عليه فلذا عبر به أي أكثر من المذكور ولم يؤت بعنوان الوحدة فتنبه لما فيه من الدقائق. قوله (وهو حال من قاعل يوصي الخ) قيل عليه إن فيه فصلا بين الحال وصاحبها بأجنبي وهو قوله:(أو دين) فلا بدّ من تقدير كما في الوجه الذب بعده، وهو يلزم ذلك أو يوصي به حالة كونه غير مضار، وأجيب بأنه ليس بأجنبي محىت ر لشبهه بالوصية أو هو تابع بغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره، وعلى قراءة المجهول يقدر فعل مهطوم يدل عليه المذكور على حذ قوله تعالى:{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [سورة النور، الآية: 36] رجال في قراءة المجهول ولا يصح أن يكون حالاً من الفاعل المحذوف في المجهول لأنه ترك بحيث لا يلتفت إليه فلا يصح مجيء الحال منه ويصح في غير أن يكون صفة مصدر أي إيصاء غير مضار قيل والمفهوم من الآية أنّ الإيصاء لقصد الإضرار لا يستحق التنفيذ إلا أنّ إثباته مشكل فلو علم بإتراره لا ينفذ، وهذا مما لم نره في الفروع فانظره. قوله: (مصدر مؤكد الخ (ذكروا في نصبه وجوها، إمّا أنه مصدر يوصي مؤكد له أو منصوب بمضارّ على أنه مفعول به إمّا بتقدير مضاف أي أهل وصية أو على المبالغة لأنّ المضارّة ليست للوصية بل لأهلها، ويشهد له قراءة الإضافة بإضافة اسم الفاعل لمفعوله لأنها بمعنى في ولم يثبتها
الجمهور، ووقع هنا وجه ذكره في الدر المصون وهو أنه منصوب على الخروج قال وهذه عبارة تشبه عبارة الكوفيين، ولم يبين المراد
منها وقد وقعت هذه العبارة في قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} في تفسير البغوي، وسأل عنها الناس ولم أر من فسرها إلا أنه وقع في همع الهوامع في المفعول به أنّ الكوفيين يجعلونه منصوبا بأعلى الخروج ولم يبينه فكان مرادهم أنه خارج عن طرفي الإسناد فهو كقولهم فضلة فانظره في محله وقوله:(والله عليم الخ) تهديد ووعيد على ذلك وأنّ عدم العقوبة ليس للعفو بل تأخيره لحكمه ستكون، وقول المصنف رحمه الله أو وصية منه أي وصية من الله في حق الأولاد بأن لا يدعهم عالة بالإسراف في الوصية ونحوه. قوله:) شرائعه الخ) يعني أنّ الحدود هنا استعارة شبهت الأحكام بالحدود المحيطة بشيء في أنه لا يتجاوزها أحد، ومراعاة اللفظ والمعنى فيما كان لفظه مفردا ومعناه مجموع كمن معروف وجعل الخلود حالاً مقدرة لأنه بعد الدخول لكن الفرق بين المثال وما نحن فيه ملاقاة أوّل الحال للعامل وعدمها، ثم إنّ الصفة ونحوها إن اتصف بها متبوعها وكان فاعلها فالأصل استتار الضمير ويجوز إبرازه والا فللنحويين فيه مذهبان وجوب الإبراز مطلقا، والثاني إن وقع لبس وجب إبرازه وإلا جاز إبرازه واستتاره والمشهور الأوّل، وعليه المصنف رحمه الله والزمخشري وإذا أبرز الضمير فهل هو فاعل أو الفاعل مستتر وهذا تأكيد له احتمالان ذكرهما في شرح التسهيل. قوله:(أي يفعلنها الخ) أي أن حقيقة الإتيان الذهاب فعبر به عن الفعل، وصار حقيقة عرفية فيه كما استعمل فيه المجيء ونحوه وأصل معنى الفاحشة ما اشتد قبحه فاستعمل كثيراً في اك نا لأنه من أقبح القبائح، وشناعتها بمعنى قباحتها، ووقع في نسخة بشاعتها وهو قريب منه. وقوله:(ممن قذفهن) أي رماهن وهو مما لزم من الكلام. قوله: (يستوفي أرواحهن الموت الخ (إشارة إلى
دفع ما يتوهم، من أنّ المتوفى الموت فيكون معناه يميتهن الموت بأنّ التوفي ليس بمعناه المشهور وهو الموت بطريق المجاز أو الكناية بل هو على أصله لغة، وهو الاستيفاء للأرواج على الاستعارة بالكناية بتشبيه الموت بشخص يستوفيها، أو هو على حذف مضاف أي ملائكة الموت أو على جعل التجوّز في الإسناد بإسناد ما للفاعل الحقيقي إلى أثر فعله كما تقول جاد عطاؤه بالغني فلا وجه لما قيل لا يصح جعل الإسناد هنا مجازيا لأنّ الموت ليس من الملابسات التي يسند إليه الإماتة مجازا، والحبس المذكور إن كان عقوبة للزنا فهو منسوخ بالجلد أو الرّجم وان كان للمجلودات بعد الجلد يكون حفظا عن صدور مثله مرّة أخرى، والحد معلوم من شيء آخر، وقوله: لتعيين الحد الخ على الوجه الأوّل، وقوله: أو النكاج على الثاني، واللذان إذا كان للزاني والزانية فهو تغليب وعلى التشديد يلتقي ساكنان على حده كدابة وشابة والتمكين زيادة المد على ألف وتشديد النون لغة، وليس مخصوصاً بالألف كما قيل، بل يكون مع الياء كما قرئ به وهو عوض! عن ياء الذي المحذوفة إذ قياسه اللذيان واعلم أنّ قوله: اللذان يأتيانها مبتدأ ما بعده خبره، والفاء زائدة فيه لتضمن معنى الشرط وهل يجوز نصبه على الاشتغال فقيل بمنعه لأنه حينئذ يقدر له عامل قبله وأسماء الشرط والاستفهام، وما تضمن معناها لا يعمل فيها ما قبلها لصدارتها وقيل: يجوز ويقدر متأخراً مطلقا أو في الشرط والاستفهام الحقيقي دون ما تضمن معناه لأنه لا يعامل معاملته من كل وجه، والإغماض مجاز عن الستر والترك وأصله غض البصير، وقوله: هذه الآية إشارة إلى واللذان يأتيانها منكم الخ والسحاقات، من السحق وهو مباشرة المرأة للمرأة، وهذا التفسير للإصفهاني والقرينة عليه تمحيض التذكير والتأنيث. قوله:(أي أنّ قبول التوبة الخ) يعني أنّ التوبة مصدر تاب الله عليه لا تاب هو نفسه ومعناه القبول، وعلى وإنّ استعملت للوجوب حتى استدلّ به الواجبية عليه فالمراد أنه لازم متحقق الثبوت البتة بحكم سبق العادة وسبق الوعد حتى كأنه من الواجبات،
كما يقال واجب الوجود وهو ردّ على الزمخشريّ. قوله: (ملتبسين بها سفهاً الخ) إشارة إلى أنه حال وأنّ المراد بالجهل السفه بارتكاب ما لا يليق بالعاقل لا عدم العلم فإن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة والجهل بهذا المعنى حقيقة
واردة في كلام العرب كقوله:
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وحتى ينزع بمعنى يكف ويترك وهو وارد في الأثر عن أبي العالية أن أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة. قوله: (من زمان قريب أي قبل الخ) أي يتوبون في زمن الحياة الذي هو قريب منه قبل حالة اليأس، وحملها على التبعيض لا الابتداء كما قيل به لأنها إذا كانت لابتداء الغاية لا تدخل على الزمان على القول المشهور، والذي لابتدائه مذ ومنذ، وسلطان الموت حضوره وقوّته وغلبته فهو بالمعنى المصدري أو المراد بقربه أن لا ينهمك فيه ويصر عليه فإنه إذا كان كذلك يبعد عن القبول، وإن لم يمتنع قبول توبته وقوله: الذي هو ما قبل الخ ناظر إلى الأوّل وما بعده إلى الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة عبده ما لم ينرغر " أصل معنى الغرغرة ترديد الماء في الفم إلى الحلق وغرغرة المريض تردّد الروح في حلقه على التشبيه، وهو حديث حسن صحيح أخرجه الترمذفي وابن ماجه وابن حبان والحاكم. قوله:(وعد بالوفاء الخ) دفع لتوهم الاستدراك فيه لأنه جعله أوّلاً لازماً أي الأوّل وعد بتنجيز قبول التوبة، وهذا بيان لأن الوفاء به محقق قيل ويحتمل أنه من المذهب الكلامي كأنه قال: التوبة كالواجب على الله، وما هو كالواجب عليه كائن لا محالة فهو كائن فأولئك يتوب الله عليهم كالنتيجة له. قوله:) سؤ! بين من سؤف الخ (لما كان يختلج في الوهم أنه لا معنى لنفي قبول التوبة بالنسبة إلى من لم يتب ومات على الكفر صرف
النظم عن ظاهره كما قيل إنّ المراد بالتوبة المغفرة كما يقال تاب الله على فلان بمعنى عفا عنه، وأشار إلى أنّ المراد من الذين يعملون السيئات ما يشمل الفسقة والكفرة فسوّى بين المسوّف منهما وبين من مات على الكفر في عدم الاعتداد بأمر المسوّف لأنه والعدم سواء، ويحتمل أنه حذف من الثاني لدلالة الأوّل أو اشتراك المتعاطفين في القيد، والمراد بالذين يعملون السيئات العصاة أي لا توبة لمسوف التوبة ومسوّف الإيمان إلى حضور الموت، واعلم أنّ هذا كله بناء على أنّ توبة اليأس كإيمان اليأس في عدم القبول، وقد قيل: إنّ توبة اليأس مقبولة دون إيمانه لأنّ الرجاء باق، ويصح منه الندم والعزم على الترك وقال الإمام: إنها لا تقبل، واستدلّ عليه بآيات ونقل في البزازية عن فتاوى الحنفية أنّ الصحيح أنها تقبل بخلاف إيمان اليأس وإذا قبلت الشفاعة في القيامة، وهي حالة يأس فهذا أولى لكن هذه الآية صريحة في خلافه. وقوله:) وبالذين يعملون السيئات المنافقون الخ (جعل عمل السيئات من غيرهم في جنب عملهم بمنزلة العدم فكأنهم عملوها دون غيرهم ولا يخفى لطف التعبير بالجمع في أعمالهم وبالمفرد في المؤمنين على هذا، وأمّا أن التوبة هنا من الله لا من العبد فينافي التسوية فليس بشيء فتأمله! اووجه تضعيف القول الأخير أن المراد بالمنافقين إن كان المصرّين على النفاق فلا توبة لهم يحتاج إلى نفيها والا فهم وغيرهم سواء. قوله: (لا يعجزه عذابهم ش شاء) مأخوذ من كون العذاب حاضراً مهيأ لهم عنده، والعتاد العدة وهي ما يعد ربهيأ، أو التاء مبدلة من الدال وهو ظاهر. قوله:(كان الرجل إذا مات الخ) أخرجه ابن جرير وعضلها بمعنى منعها من التزوّج وأصله من العضل المعروف، والمراد من الإرث أخذ صداقها وعلى الثاني أخذ الزوجة نفسها بطريق الإرث، وحاصل الوجهين أن النساء يجوز أن يكون مفعولاً ثانيا والمفعول الأوّل محذوف فيحمل على أن ترثوا أنفسهن كما تأخذون الميراث، وأن يكون مفعولاً أوّل فيحمل على أن ترثوا أموالهن، وقرئ لا تحل لكم أن ترثوا بالتاء لأنّ أن ترثوا بمعنى الوراثة كما قرئ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا لأنه بمعنى المقالة وهذا عكس تذكير المصدو المؤنث لتأويله بأن
233
والفعل فكل منهما جار في الكلام الفصيح والكره بالفتح والضم، قيل هما بمعنى كالضعف والضعف وقيل الأوّل الإكراه وهو المراد بالمشقة في كلام المصنف رحمه الله كما أشار إليه الراغب، والثاني بمعنى الكراهية وإليهما أشار بقوله: كارهات أو مكرهات. قوله:) عطف على أن ترثوا الخ) فيه وجهان أحدهما أنه مجزوم بلا الناهية، وعطف جملة النهي على جملة خبرية إمّا بناء على جوازه وقد قيل إنه مذهب سيبويه أو أنّ الأولى في معنى النهي إذ معناها لا ترثوا النساء كرها فإنه غير حلال لكم وجعله أبو البقاء
على النهي مستأنفا، والثاني أنه منصوب معطوف على ترثوا وأيدت بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه ولا أن تعضلوهن، وردّ هذا الوجه بأنك إذا عطفت فعلاً منفيا بلا على مثبت وكانا منصوبين فالناصب يقدّر بعد حرف العطف لا بعد لا فإذا قلت أريد أن أتوب ولا أدخل النار فالتقدير أريد أن أتوب وأن لا أدخل النار فالفعل يطلب الأوّل على سبيل الثبوت والثاني على سبيل النفي، والمعنى أريد التوبة وانتفاء دخول النار وكذا لو كان الفعل المسلط عليهما منفيا كما هنا، ولو قدرته لا يحل لكم أن لا تعضلوهن لم يصح إلا أن تجعل لا زائدة لا نافية وهو خلاف الظاهر.
وأمّا تقدير اًن بعد لا فغير صحيح فإنه من عطف المصدر على المصدر لا الفعل على
الفعل، فقد التبس عليهم العطفان وفرق بين أريد أن تقوم وأن لا تخرج ولا أن تقوم، ولا أن تخرج ففي الأوّل أثبت إرادة وجود قيامه وانتفاء خروجه، وفي الثاني نفي إرادة وجود قيامه ووجود خروجه فلا تريد لا القيام ولا الخروج، وهذا فيه غموض! لا يفهمه إلا من تمرّن في العربية.
ورد بأنّ المثال الذي ذكره أعني أريد أن أتوب الخ تقدير أن فيه قبل لا لازم فإنه لو قدر
بعدها فسد المعنى والتركيب، وامّا هنا فتقدير أن بعد لا صحيح فإنّ التقدير لا يحل لكم ميراث النساء ولا عضلهن، وهو عطف على أن ترثوا ولا مزيدة لتأكيد النفي، وقد صرح به الذاهبون إليه كالزمخشريّ وابن عطية والمصنف رحمهم الله، وفي الكلام محذوف تقديره ولا تعضلوهن من النكاح إن كان الخطاب للأولياء والعصبات، أو لا تعضلوهن من الطلاق إن كان الخطاب للأزواج، والأوّل هو المراد هنا فإن قلت على هذا كيف يلتئم قوله: لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن مع أنّ العصبة ما آتاها شيئاً وإنما منعها التزوّج لتفتدي بما ورثت من زوجها أو تعطيه صداقا أخذته من غيره، قلت: المراد حينئذ بما آتيتموهن ما آتاه جنسكم، وقوله: عضلت الدجاجة ببيضا أي تعسر خروجه، وكذا عضلت المرأة بالولد. قوله:(وقيل الخطاب مع الأزواج) ولا لتاكيد النفي كما في الوجه الأوّل لا للنهي كما في الوجه الثاني والمراد بالخطاب ما في ترثوا وتعضلوا. وقوله: (كانوا يحبسون النساء) بيان لقوله: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ} الخ. وقوله:
(أو يختلعن) الخ بيان لقوله: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} وعلى الوجه الذي بعده الخطاب الأوّل للأولياء ولا تعضلوهن للأزواج، ولا يرد عليه أنه لا يخاطب في كلام واحد اثنان من غير نداء، فلا يقال قم واقعد خطابا لزيد وعمرو، بل يقال: قم يا زيد واقعد يا عمرو كما في شرح التلخيص لأنّ الجملة الثانية مستأنفة وليست من هذأ الكلام، ولهذا قال: تم الكلام مع أن القاعدة ليست مسلمة كما سيأتي، وأمّا على تقدير العطف فلا يلزم عليه عطف الإنشاء على الخبر كما مرّ. قوله: (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة الخ (قرئ في السبعة بالفتح، والكسر وعلى الثاني فهو من بين اللازم أو مفعوله محذوف، أي مبينة حال صاحبها وقرئ مبينة بكسر الباء وسكون الياء، وهي كالتي قبلها واختلفوا في الاستثناء فقيل منقطع وقيل متصل إما مستثنى من ظرف زمان عاثم أي لا تعضلوهت في وقت من الأوقات إلا وقت إتيانهن أو من حال عامّة أي في حال من الأحوال إلا في هذه الحال أو من علة عافة أي لا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لإتيانهن الخ كما بيته المصنف رحمه الله، فإن قلت كيف يتصوّر تقدير لعلة من العلل بعد ذكر علة مخصوصة وهي لتذهبوا قلت: يجوز أن يكون المراد العموم وذكر فرد منه لنكتة لا ينافيه أي للذهاب أو غيره أو العلة المعينة المذكورة غائية، والعامة المقدرة باعثة على الفعل متقدّمة عليه في الوجود، ولذا فسر المصنف رحمه الله تعالى المستثنى بما هو منها كالنشوز، والمراد بالإجمال فعل الجميل كما في قول المتنبي:
أنا لفي زمن ترك القبيح به من أكثر الناس إحسان واجمال
قوله: (فلا تفارقوهق الخ) إشارة إلى بيان الجواب الدّي أقيم علته مقامه، وقوله: فاصبروا الآتي إجمال له، وعشى لكونها الإنشاء الترجي لا تصلح للجوابية فلذا أوّلوه بما ذكر، وقوله: وهو خير لكم إشارة إلى أنّ جملة ويجعل الله فيه خيراً كثيراً حالية لتأويلها بالاسمية، والمعروف فيه تقدير المبتدأ لأن المضارعية الحالية لا تقترن بالواو كما قرّره النحاة، لكن في شروح الكشاف أنّ الزمخشرقي جوّزه في مواضع من
الكشاف كتابة فقيل: لو لم يذكر الواو هنا لا التبس بالصفة لشيئا وهذا مخالف لمذهبه في جواز إدخال الواو بين الصفة وموصوفها،
فلذلك جوّز هنا إدخال الواو في المضارع إذا وقع حالاً وان خالف النحاة، وقال فخر المشايخ: إنه قد يجامع الواو كقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 44] فإن قيل: لم لا يجوز تقدير وأنتم تنسون أنفسكم فتكون الجملة اسمية قيل: لا يستقيم، هذا فيما نحن بصدده إلا على التعسف بأن يقال: أصله والله يجعل فيه خيراً، ثم حذف المبتدأ وأظهر فاعل يجعل ورد بأنه بتقدير المبتدأ غايته وقوع المظهر موقع المضمر، إذا قدروا لله يجعل، وأمّا الاعتذار بأنه أتى بالواو لئلا يلتبس بالصفة فليس بشيء لأنه إذا كان مذهب المصنف امتناع الواو في الحال وجوازها في الصفة توكيداً للصوقها كان دخول الواو بالالتباس أولى بعدم الالتباس فتحصل في المسألة ثلاثة مذاهب، منع الدخول على المضارع إلا بتقدير مبتدأ وجوازه مطلقا والتفصيل بأنه إن تضمن نكتة كدفع إيهام حسن والا فلا ولا يخفى أن تقدير المبتدأ هنا خلاف الظاهر، وما ذكره لا يرفع التعسف، وقوله: أصلح دينا أي من جهة الدين ويصح أن يكون دينا مقابل الآخرة. قوله: (جمع الضمير لأنه الخ) يعني أنه من وضع المفرد مكان الجمع وهو كثير حيث يراد الجنس، وعدم التعيين وأما كونه يقال هو زوج وهما زوجان فشيء آخر غير هذا، ومن ظنه يدل على أنه موضوع للجمع فقد وهم، وجعل القنطار كناية عن الكثرة وهو ظاهر. قوله:(استفهام إنكار وتوبيخ الخ) أشار بقوله: باهتين إلى أنه مصدر منصوب على الحالية بتأويل الوصف، وقوله: ويحتمل الخ أي مفعول لأجله، وهو كما يكون بالعلة الباعثة كقعدت عن الحرب جبناً يكون بالعلة الغائية أيضاً، وقوله: يبهت بفتح الياء أي يحيره ويدهشه. وقوله: {وَآتَيْتُمْ} أي آتى أحدكم وضمير إحداهن للمضاف إليه مكان. وقوله: (وصل إليها بالملامسة) بناء على أن تقرير المهر يكون بذلك لا بمجرّد الخلوة. وقوله: (وهو حق الصحة الخ) فالعهد مجاز عنه ووصفه بالغلظ لعظمه وفي الكشاف قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة.
(قلت) بل قالوا:
صحبة يوم نسب قريب وذمّة يعرفها اللبيب
وقوله: (أو ما أوثق الله فعليه إسناد الأخذ إليهن مجازيّ وقوله عليه الصلاة والسلام: " اخذتموهن " الخ) أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه بلفظ: " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن " والمراد بأمانة الله أي بسبب أن جعلهم الله أمانة عندكم وكلمة الله أمره أو العقد. قوله: (وإنما ذكر ما دون من الخ) يعني أن ما إذا كانت واقعة على من يعقل فضد من جوزه مطلقا لا كلام وكذا من جوزه إذا أريد معنى صفة مقصودة منه، وليس المراد ما تضمنه الصلة كما مرّ وقيل: ما مصدرية والمراد مثل نكاح آبائكم أو نكاج آبائكم والمراد منكوحاتهم بتأويله بالمفعول. قوله: (بيان ما نكح الغ (المراد بالوجهين الموصولية والمصدرية وظاهره أن من بيانية قبل أو تبعيضية والبيان معنوي، ونكتة البيان مع عدم الاحتياج إليه إذا المنكوحات لا يكن إلا نساء قيل التعميم. توله: (اس! مناء من المعنى اللارّم الخ) يعني أنّ النهي للمستقبل وما قد سلف ماض فكيف يستثنى منه فيل: إنّ الاستثناء متصل بالتأويل الذي ذكره على إرادة المبالغة فقيل: هو متصل أو منقطع، والمختار أنه متصل لأنه لو لم يدخل فيه لا تحصل المبالغة المذكورة وسيأتي ما قيل من أنه منقطع، والمعنى لكن ما سلف منه قبل لا تعاقبون وتلامون عليه لأنّ الإسلام يهدم ما قبله فيثبت به أحكام النسب وغيره وأما التقرير عليه فلم يقل به أحد من الأئفة، وقد ردّ القول بأنهم أقرّوا عليه أوّلاً، ثم أمروا بمفارقتهن، والزمخشريّ ذكر هذا التوجيه في إلا ما قد سلف الآتي وتركه هنا، وقال شراحه إنما اختاره هناك وتركه هنا لأنه ذيل هنا بقوله: إنه كان فاحشة فيقتضي أنه غير معفوّ بخلافه ثمة فإنه ذيل بقوله: إنه كان غفوراً رحيما، فاقتضى هذا التأويل وهو متجه والمصنف خالفه وأشار إلى وجه المخالفة بأن التذييل لتعليل النهي بقطع النظر عن الاستثناء فلم يره متجها وفيه نظر. قوله:(أو من اللفظ للمبالغة الخ) يعني أنه من باب تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه كما في بيت النابغة وهو من تعليق الشيء بالمحال كقوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [سورة الأعرأف، الآية: 40] والمعلق على المحال محال فيقتضي ما ذكر من
التأكيد والتعميم لأنه لا شيء من المحال بواقع. قوله: (ولا عيب الخ) هو من قصيدة للنابغة الذبياني أوّلها:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
والحلائل جمع حليلة وهي الزوجة لحلها له أو حلولها عنده والفلول جمع فل وهو كسر
في حد السيف، وقيل: إنه مصدر بمعناه وتكسر حد السيف من شدة القتال ممدوج فالمعنى إن يكن فيهم عيب فهو هذا، وهذا لا يتصوّر أنه عيب فلا يتصوّر أن يكون بهم عيب. قوله:(علة للنهي الخ) تقدّم وجه ذكر المصنف لهذا وعلى انقطاع الاستثناء يحتمل أنه خبر وهذا النكاح كان يسمى في الجاهلية نكاح المقت ويسمى الولد منه مقتياً، والمقت البغض والكراهة، وقوله: سبيل من يراه إشارة إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل، وذم طريقه مبالغة في ذم سالكها وكناية عنه والضمير المستتر في ساء يعود على النكاج المذكور، وجوّز أن يكون ساء من باب بئس وضميره عائد على التمييز والمخصوص بالذم محذوف فقوله: سبيل من يراه إشارة إلى المخصوص المقدّر. قوله: (ليس المراد تحريم ذاتهن الخ الما كانت الحرمة واخواتها إنما تتعلق بأفعال المكلفين أشار المصنف رحمه الله إلى أنه على حذف مضاف بدلالة الفعل، ثم تعيين المحذوف موكول إلى القرينة كالنكاح والشرب والأكل ونحوه وقيل: إنه مضمن معنى المنع وانّ تعلقه بالأعيان أبلغ. وقوله: (لآنه معظم الخ) إن كان المراد بالنكاج الوطء بعقد فظاهر، وان كان المراد العقد فالمراد ثمرته من الجماع والاستمتاع، ولما كان ما بعده وما قبله بصدده لو لم يكن المراد هذا كان تخلل أجنبي بينهما من غير نكتة. قوله:(وامهاثكم الخ (يعني المراد بها الأصول والفروع ليشمل الجدات وبنات الأولاد، وكذلك الباقيات أي العمات والخالات يشملها من الجهات الثلاث، وفسر العمة والخالة بما ذكره ليشمل أخت الأب والجدّ وأخت الأم والجدّة. قوله: (وأمرها على قياس النسب الخ) أمرها بفتح الهمزة وسكون الميم
أي أمرها كائن على قياس النسب، وقيل: إنه بفتحتين وراء مشددة بمعنى أجراها يعني أن المرضعة أم وزوجها أب. وقوله: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (واستثناء أخت ابن الرجل وأم أخيه من الرضاع الخ الفظ أخيه بالياء والتاء صحيح قال الفقهاء: حكم الرضاع حكم النسب مطلقا إلا في صور هاتين الصورتين وأخريين أم النافلة وجدة الولد فإنّ كلا منهما يحرم من النسب لأنّ أم النافلة أي ولد الولد زوج الابن وجدة الولد أم الزوج ولا يحرمان من الرضاع كمن أرضعت ولد ولدك وأم أجنبية أرضعت ولدك، وقال المحققون: إنهما غير داخلين في الأصل ليصح الاستثناء قيل: وهو أولى مما قيل إنه مستغنى عنه لأنه لا نسب في هذه الصور بل مصاهرة وفرق بينهما وكأنّ من أخرجها أدخل المصاهرة في النسب لتعلقها به في الجملة، وقد صرح شارح المنهاج بأنّ بعض الشافعية استثناها وبعضهم لم يستثنها. قوله: (لحمة كلحمة النسب) أي اتصال كاتصاله وهي مستعارة من لحمة الثوب المعروفة ووجهه أن في النسب جزئية وكذا هنا لكون اللبن جزأه أو كجزئه وقد صار جزءاً منه فأشبه النسب بخلاف المصاهرة فإنها أمر عارض بالزواج، ورت وربي بمعنى والربيب فعيل بمعنى مفعول أي مربي ولما ألحق بالأسماء الجامدة لحوق التأنيث له، والا ففعيل بمعنى مفعول يستوي فيه الذكر والمؤنث. قوله:(ومن نسائكم متعلق بربائبكم الا بقوله: أثهات نسائكم وربائبكم كما سيأتي، وقوله: واللاتي بصلتها يعني بصلتها دخلتم بهن ولو قال: مقيدة للحكم فقط لكان أظهر إذ تقييد اللفظ، وإن كان المراد منه أنه عام فخص به فالحكم الشرعي مقيد به أيضا إذ لا كبير فائدة فيه. وقوله:) قضية للنظم) أي لأجل قضاء النظم به، ومنهم من فسر اللاتي بصلتها بقوله اللاتي في حجوركم وجعل من نسائكم اللاتي دخلتم بهن داخلاً في صلتها، وأورد عليه أنه يجوز أن يكون حالاً من ربائبكم فلا يتم كلامه، وهو تكلف والأوّل أولى وجعل الصلة والموصول صفة
تسمح لأن الصفة إنما هو الموصول وهو سهل 0 قوله: (ولا يجوز تعليقها بالأمّهات أيضاً الخ) أي تعليق من نسائكم بهما، لأنه يلزم في من استعمالها في معنيين مختلفين البيان وابتداء الغاية وما يقال جميع معاني من راجعة
للابتداء على ضرب من التأويل لا أنه معنى كليّ صادق عليها بالحقيقة وأيضا إنها إذا كانت بيانا كانت حالاً من نسائكم فيختلف عاملا الحالين، ولا قائل به فإن أريد الاتصال تناول اتصال الأمهات بالنساء لكونها، والدات لهن والربائب بالنساء لكونهن مولودات منهن فحينئذ يصح تعلقه بالأمهات والربائب جميعا حالاً منهما وتظهر فائدة اتصال الأمهات بالنساء بعد إضافتها إليها من جهة زيادة قيد الدخول لكن الاتفاق على حرمة أمهات النساء مدخولات بهن أو غير مدخولات يأباه فمن ثمة علق بالربائب فقط. قوله:(فإني لست منك ولست مني) هو للنابغة، وصدره:
إذا حاولت في أسد فجورا
قال الأعلم إنه قاله لعيينة بن حصن الفزاري، وكان قد دعاه تومه إلى نقض حلف بني
أسد فأبى عليه، وأراد بالفجور نقض الحلف، وقيل تمامه:
إذا ما طار من مالي الثمين
والثمين بمعنى الثمن وهو خطاب لزوجته بأنها إذأ أخذت من إرثه الثمن انقطع الاتصال
بيننا فمنك بكسر الكاف ولست بالكسر على هذه الرواية. قوله: (على معنى أن أمهات النساء الخ) أي متصلة بالنساء المدخول بهن بالأصلية والفرعية، وقيل عليه إنّ تركيبه مع الربائب في غاية الفصاحة وحسن النظم وأما مع أمهات فلا فإنّ تقديره وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ولا وجه له وفيه نظر. وقوله: (لكن الرسول صلى الله عليه وسلم الخ الحديث أخرجه الترمذفي بمعناه والمروفي عن علي رضي الله عنه أخرجه ابن أبي حاتم ووجه الفرق كما في الانتصاف أنّ المتزوّج بالبنت لا يخلو عن محاورة، ومراجعة مع أمها بعد العقد وقبل الدخول فحرمت بالعقد لينقطع شوقه من الأم لمعاملتها معاملة المحرم، ولا كذلك عكسه إذ لا تحصل مظنة الخلطة بالربيبة إلا بعد الدخول، وعن الإمام أن البنت إذا أبدلت بالأم وأوثرت عليها لم تلحقها مشقة
وغيرة كما تلحق البنت إذا أوثرت بأمها لشفقة الأم وحنوها كما قال المتنبي:
إنما أنت والد والأب القا طع أحنى من واصل الأولاد
واختلاف العاملين ظاهر لأنّ أحدهما المضاف والآخر من. قوله: (وفائدة قوله في حجوركم الخ) يعني أن القيد ليس معتبرا لأنه إنما يعتبر إذا لم يكن لذكره فائدة أخرى، وهي هنا ما ذكر من مشابهتهن للولد بما ذكر وتناول الأمهات للبعيدة فيه نظر، وقوله: دخلتم معن الستر يريد أنّ الباء للتعدية وفيها معنى المصاحبة كما صرح به الكشاف، وهو الفارق بين التعدية بالباء والهمزة، وقوله: لمس المنكوحة بل الأجنبية أيضا أو بمعنى مع فهو وجه آخر. قوله:) تصريح بعد إشعار الخ) يعني أنّ تقييد الحكم بقيد يفيد انتفاءه عند انتفائه فالتصريح بانتفائه بعده تعيين له دون غيره فلا يقاس عليه أمر آخر كاللمس والنظر إلى الفرج وهو ردّ على أبي حنيفة رحمه الله، ومن قال في تفسيره: أي لقياس الربائب على أمهات النساء في كون الربائب محرمة مثلهن على الإطلاق فقد أخطأ لعدم الوقوف على مراده، قال المحقق: الدخول بهن كناية عن الجماع صريح في أنّ مدلول الآية كون الحرمة مشروطة بالجماع ولهذا قال اللمس ونحوه يقوم مقام الدخول، وما ذكر من الآثار إنما يدل على ثبوت الحرمة بتقدير اللمس لا على تناول الآية إياه وحمل الدخول على حقيقته فلم يبق إلا القياس ولا سبيل إليه مع صريح قوله:(فإن لم تكونوا الخ) .
(أقول) يعني ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله مما لا مجال له لأنّ صريح الآية غير مراد
قطعا بل ما اشتهر من معناها الكنائي فما قاله: إن أثبت بالقياس فهو مخالف لصريح نص الشرط، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وان أثبتوه بالحديث وهو غير مشهور لم يوافق أصولهم، ويدفع بأنه من صريح النص لأنّ باء الإلصاق صريحة فيه لأنه يقال: دخل بها إذا أمسكها وأدخلها البيت كما أشار إليه النسفي، فإن قلت هب أنّ الكناية لا يشترط فيها القرينة
المانعة عن إرادة الحقيقة لكن لا يلزم إرادته كما حقق في المعاني فلا دلالة للآية عليه، قلت: هو وإن لم يلزم إرادته لكن لا مانع منه عند قيام قرينة على إرادته والآثار المذكورة كفى بها قرينة على ذلك فلذا أدرجوه في مدلول النظم فالمعترض غافل أو متغافل فإن قلت هب إنك أدخلت اللمس في صريحه فكيف يدخل نحوه فيه قلت هو داخل بدلالة النص، ثم إنّ
ما ذكر من كون الشرط مانعا مما ذكر ممنوع فإنه مبني على اعتبار مفهوم الشرط ونحن لا نقول به مع أنه غير عام، ولو سلم عمومه فقط خص ما فيه بعض المحرمات النسبية فيجوز تخصيصه بعد ذلك بالحديث فتأمل، وفيه كلام في بعض شروح الهداية فإن أردته فانظره، وقوله: ما لبس بزنا هو مذهب الشافعي وعندنا تحرم المصاهرة به. قوله: (احتراز عن المتبنين الخ (المتبني بصحيغة المفعول المتخذ ابنا، وذكر بعضهم فيه خلافا للشافعي رحمه الله والمنقول عنهم أنّ ذكر الأصلاب لإحلال حليلة المتبني لا لإحلال حليلة الابن من الرضاع ولا حليلة ابن الابن كمذهبنا بلا خلاف. قوله: (والظاهر أن الحرمة غير مقصورة على النكاح (فيشمل التسرّي وقوله: حرّمتهما الخ ذكره في الموطأ وقوله: مخصوصة الخ أي في غير الأختين. قوله: (ما اجتمع الحلال والحرام الأغلب الحرام) قالوا: هذه القاعدة مقرّرة، ولم يخرج عنها إلا بعض أمور نادرة لكن الكلام في كونه حديثاً فقال العراقيّ: لا أصل له وقال السبكي رحمه الله: في الأشباه إنه حديمث ضعيف، رواه جابر رضي الله عنه وكذا قال الزركثيّ وقد عورض الحديث المذكور بما رواه ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما لا يحرّم الحرام الحلال، وجمع بينهما بأنّ المحكوم في الأوّل إعطاء الحلال حكم الحرام تغليبا واحتياطاً لا صيرورته في نفسه حراما وغلب الحرام بمعنى أنّ تركه أرجح كما في الحديث:" دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ". قوله: (استثناء من لارّم المعنى الخ (قد تقدّم الكلام في هذا التركيب، وما فيه من
الوجوه وهل هو متصل أو منقطع وأنّ بينهما فرقاً يؤخذ من التذييل واليه يشير قول المصنف رحمه الله لقوله: إنّ الله كان غفوراً رحيماً، وأمّا قصد التأكيد والمبالغة هنا فلا يناسب قوله:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} ولذا تركوه ولم يتعرضوا له هنا لأنّ الغفران والرحمة لا يناسب تأكيد التحريم فلو اقتصر على الوجه الثاني لكان أولى. قوله: (ذوات الآزواج الخ (وأصل معناه لغة المنع وحصنت المرأة عفت وأما أحصن، فجاء في اسم فاعله محصنة ومحصنة بالكسر والفتح وقال ابن الأعرابيّ: كل أفعل اسم فاعله بالكسر إلا ثلاثة أحرف أحصن وألفج إذا ذهب ماله وأسهب كثر كلامه وقد قرأ السبعة غير الكسائي المحصنات في جميع القرآن بفتح الصاد وقرأها الكسائي بالكسر إلا في هذه الآية فإنه فتحها وحكى أبو عبيدة إجماع القراءة على فتحها في هذه المواضع، وقال: من فتح ذهب إلى أنّ المراد ذوات الأزواج أي أحصنهن أزواجهن ومن كسر ذهب إلى أنهن أسلمن فأحصن أنفسهن، والإحصان في المرأة ورد في اللغة فاستعمل في القرآن بأربعة معان:
الإسلام والحزية والتزوّج والعفة وزاد الرافعيّ العقل لمنعه من الفواحش كذا بخط العلائيّ وتفصيله في غير هذا المحل، والإحصان من الحصن ومنه درع وفرس حصان لكونه حصيناً لراكبه.
قال الشاعر:
إنّ الحصون الخيل لا مدر القرى
ويقال حصان للعفيفة، ويقال: امرأة محصن بالكسر إذا تصوّر حصنها من نفسها وبالفتح
إذا تصوّر من غيرها والمحصنات بعد قوله: حرمت بالفتح لا غير وفي سائر المواضع بالفتح والكسر لأن اللواتي حرم التزوّج بهن المتزوّجات دون العفيفات وفي سائر المواضسع يحتمل الوجهين كذا قال الطيبي: وقال أبو البقاء: القراء السبعة على فتح الصاد هنا فقول المصنف رحمه الله هنا (وقرأ الكسائي الخ أليس على ما ينبغي لأنه متفق على الفتح هنا، وفي نسخة في غير هذا الحرف فلا إشكال وبعض الناس أوردها وفسرها بما أفسدها، والمحصنات معطوف على فاعل حرمت. قوله: (أحصنهن التزويج) إشارة إلى توجيه الفتح وأنه اسم مفعول لا اسم فاعل على خلاف القياس كما مرّ. قوله:) {إِلَاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الخ اللعلماء هنا ثلاثة أقوال ترجع إلى معنيين في المحصنات.
أحدها: أن المراد به المزوجات أي هن حرام إلا على أزواجهن والمراد بالملك مطلق
ملك اليمين فكل من انتقل إليه ملك أمة يبيع أو هبة أو سباء أو غير ذلك، وكانت مزوجة كان
ذلك الانتقال مقتضيا لطلاقها وحلها كمن انتقلت إليه وهو قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
والثاني: تخصيص الملك بالسباء خاصة فإنه المقتضي لفسخ النكاح وحلها للسابي دون غيره، وهو قول عمر وعثمان وجمهور الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة كما سيأتي.
والثالث: إنّ المحصنات أعم من العفائف والحرائر
وذوات الأزواج والملك أعم من
ملك اليمين وملك الاستمتاع بالنكاح فرجع معنى الآية إلى تحريم الزنا وحرمة كل أجنبية إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، وهذا مروي عن بعض الصحابة واختاره مالك رحمه الله في الموطأ. قوله:(يريد الخ) هذا هو القول الثاني في الآية كما مرّ، وهو الماثور وقوله لقول أبي سعيد الخ إشارة إلى ما روي في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبئ صلى الله عليه وسلم بعث يوم حتين سرية فأصابوا حياً من العرب يوم أوطاس فهزموهم وقتلوهم واصابوا لهم نساء لهن أزواج فكان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تأثموا من غشيانهن من أجل أزواجهن فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهي غزوة من غزواته صلى الله عليه وسلم واليوم بمعنى الوقعة والقتال ووقعة حنين في المعجم وفيها قال صلى الله عليه وسلم:" اليوم حمى لوطيس حين استعرت الحرب ". قوله: (من اللاتي سبين ولهن أزواج الخ) يعني أنّ الآية مخصحوصة بذوات الأزوأج المسبيات، بدليل سبب النزول لأنّ ملك اليمين لا يزيل النكاج بالاتفاق كما لو باع جارية مزوجة أو انتقل ملكها عمن زوجها بأرث أو هبة لكن هل مجرد السبي محل لذلك، أو سببها وحدها فعند الشافعي رحمه الله مجرد السبي موجب للفرقة ومحل للنكاح وعند أبي حنيفة رحمه الله سبيها وحدها حتى لو سبيت معه لم تحل للسابي. قوله:(فنزلت الآية (يعني من قوله: ( {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ} الخ الا قوله:){وَالْمُحْصَنَاتُ} الخ) إذ لا يتم بدون ما قبله ويحتمل ذلك بأن يقدر له عامل، وهو خلاف الظاهر ولم يذكره أحد من المعربين لا يقال: هذا قصر للعام على سببه وهو مخالف لما تقرر في الأصول من أنه لا يعتبر خصوص السبب، لأنا نقول ليس هذا من قصر العام على سببه لمانما خص لمعارضمة دليل آخر، وهو الحديث المشهور عن عائشة رضي الله عنها أنها لما
اشترت بريرة، وكانت مزوجة أعتقتها، وخيرها النبيّ صلى الله عليه وسلم من زوجها مغيث فلو كان بيع الأمّة طلاقا ما خيرها فاقتصر حينئذ بالعامّ على سببه الوارد عليه لما كان غير البيع من أنواع الانتقالات كالبيع في أنه ملك اختياري مترتب على ملك متقدم بخلاف السباء فإنه إنشاء ملك جديد قهري فلا يلحق به غيره كذا حققوه، وبيت الفرزدق هذا من قصيدة له والحليل الزوج واسناد الإنكاج إلى الرماح مجاز وحلال صفة ذات تجري على إعرابه وذكر لأنه مصدر أو خبر مبتدأ محذوف أي هي حلال، ولمن يبنى بها أي يدخل عليها متعلق بحلال، ولم تطلق صفة بعد صفة أو خبر بعد خبر وهو ظاهر. قوله:(وإطلاق الآية والحديث حجة عليه) إطلاق الآية والحديث غنر مسلم قال في الأحكام المروي إنه: لما كان يوم أوطاس لحقت الرجال بالجبال وأخذت النساء فقال المسلمون: كيف نصنع ولهن أزواج فأنزل الله {وَالْمُحْصَنَاتُ} الآية وكذا في حنين كما ذكره أهل المغازي، فثبت أنه لم يكن معهن أزواجهن فإن احتجوا بعموم اللفظ قيل لهم قد اتفقنا على أنه ليس ب! ، م وأنه لا تجب الفرقة بتجدد الملك فإذا لم يكن كذلك علمنا أنّ الفرقة لمعنى آخر، وهو اختلاف الدارين فلزم تخصيصها بالمسبيات وحدهن وليس السبي سبب الفرقة بدليل إنها لو خرجت إلينا مسلمة أو ذمية ولم يلحق بها زوجها وقعت الفرقة بلا خلاف وقد حكم الله به في المهاجرات في قوله {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فلا يرد ما ذكره المصنف عند التحقيق، وأوطاس بفتح الهمزة أفعال بطاء وسين مهملتين واد بديار هوازن كانت فيه تلك الوقعة. قوله:(كتاب الله الخ) إمّا منصوب على أنه مصدر كتب مقدراً بمعنى فرض وهو مصدر مؤكد ولا ينافيه الإضافة كما توهم وذهب الكسائي إلى أنه منصوب على الإغراء، واستدل به على جواز تقديم المفعول في باب الإغراء، ورد بأنه منصوب على المصدرية وعليكم متعلق بالفعل المقدر وجملة كتب مؤكدة لما قبلها. قوله: (عطف على الفعل المضمر (تبع فيه الزمخشري حيث جعله في قراءة المعلوم معطوفاً على كتب المعلوم وفي قراءة المجهول معطوفا على حرمت المجهول، وقيل عليه إنّ ما اختاره من التفرقة غير مختار لأنّ جملة كتب لتأكيد ما قبلها وهذه غير مؤكدة، فلا ينبغي عطفها على المؤكدة بل على الجملة المؤسسة خصوصا مع تباينهما بالتحليل والتحريم وفيه نظر لأنّ تحليل ما سوى ذلك مؤكد لتحريمه معنى وما ذكره أمر استحساني رعاية لمناسبة
ظاهرة. قوله: (ما سوى المحرمات الثمان الخ الا يخفى
زيادتها على ثمان ولذا وقع في نسخة المحرمات المذكورة بدون ثمان ولا خفاء فيها، وأما هذه فتوجه بأنه جعلها أصنافاً يدخل بعضها في بعض وهي الأصول حقيقة أو حكماً كالرضاع والفروع حقيقة أو حكماً كارضاع والربائب وفروع الأصول حقيقة أو حكما كالأخوات نسباً ورضاعا، وفروع الجذ والجدة كالعمات والخالات وفروع فروع الأصول كبنات الأخ والأخت وأصول النساء والأختان وذوات الأزواج ونحو ذلك من الاعتبارات التي تلف نشرها باعتبار مدار الحرمة ونحوه، وكذا عدها النووي رحمه أدلّه تعالى في منهاجه الفرير فإن أردت تحقيقه فراجع شروحه، وأشار إلى جواب سؤال وهو أنّ المحرمات لا تنحصر في هذه بأن ما عداها مخصوص من الحل بدليل إمّا الحديث أو الكتاب كما زاد على الأربع، وقوله: والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وكذا الجمع بين كل امرأتين أيتهما فرضت ذكرا لم تحل له الأخرى كما بين في الفروع. قوله: (مفعول له والمعنى أحل لكم الخ) قيل تقدير الإرادة بيان للمعنى والا فلا حاجة لحذف اللام إلى تقدير الإرادة وهو مفعول له لما دل عليه الكلام من قوله: حرّمت وأحل ويرد عليه أنّ شرط المفعول اتحاد فاعل المعلل والعلة وفاعل التحليل والتحريم الله وفاعل الابتغاء المخاطبون، فلذا جعله على حذف المضاف فالحاجة داعية إليه لا كما قال وقيل: إنه من خبايا دسائسه الاعتزالية فلا ينبغي للمصنف رحمه الله تعالى متابعته، وليس كما قال: وأما كونه يلزم تخلف إرادته تعالى لأنّ منهم من لا يبتغي ذلك، وهو مذهبهم فمد فرع بأنّ الإرادة هنا بمعنى الطلب مطلقاً وكثيراً ما تستعمل له، واعتذر عن الأوّل بأنّ ألاتحاد المذكور مشروط في غير أنّ وأن ومن التعسف ما قيل إنه يحتمل أنه مفعول به وضمير له لا حل ولا وجه له، وقوله: تبتغوا النساء إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله: بأموالكم لا يناسب ما سيأتي. قوله: (ويجوز أن لا يقدر مفعلو تبتغوا إلى آخره) هذا ما ارتضاه الزمخشري والمصنف رحمه الله تعالى خالفه فيه وجعل الأجود تقديره عامّا لأنهم وجهوا أرجحيته بأنه أبلغ لأنه بين ما يحل مما يحرم ليكون الطلب بالأموال أي صرفها وإخراجها في وجوه الطلب حال كونكم محصنين غير مسافحين ومصلحين غير مفسدين، والقصد إلى الفعل من غير تقدير مفعول يتناول إعطاء المهور الحرائر وأثمان السراري والإنفاق عليهن وغيرها، وقيل: لأن هذا المقدر يفهم من قوله: غير مسافحين فيكون تكرارا مستغنى عنه ولا يخفى ما فيه من التكلف، وما فعله المصنف رحمه الله تعالى أحسن وقوله: إرادة أن تصرفوا إشارة إلى أن الابتغاء بالمال عبارة عن صرفه واخراجه. قوله: (أو بدل الخ) جعله بدلاً ما الموصولة، وهي بمعنى أحل من النساء وما بمعنى المبدل بدل اشتمال لأنّ الحل والحرمة متعلقان بالأفعال والرابط له عموم
المفعول فإن كانت ما عبارة عن الفعل، كالتزوّج والنكاح ونحوه فهو بدل كل من كل، والزمخشريّ لم يرتض البدلية لأنها على تقدير المفعول المرجوح عنده. قوله:(واحتج به الحنفية الخ (وجه الاحتجاج تخصيص المال، وهو ظاهر فيما ذكروه ولا حجة فيه لأنّ التخصيص لأنه الأغلب المتعارف فيه قيل ويؤيده ما في البخاري ومسلم وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم سألى رجلَا خطب الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم: " ماذا معك من القرآن " قال: معي سورة كذا وكذا وعددهق قال: " تقرؤهق عن ظهر قلبك " قال: نعم، قال: " اذهب فقد ملكتها لك بما معك من القرآن " وأجيب بأن كون القرآن معه لا يوجب كونه بدلاً، والتعليم ليس له ذكر في الخبر فيجوز أن يكون مراده زوجتك تعظيماً للقرآن ولأجل ما معك منه، وفسر الإحصان بالعفة لأنه المناسب واختار الزجاج هنا أنّ المراد بمحصنين ناكحين وعاقدين التزوبج، وقال الفرّاء: إنه بمعنى متعففين عن الزنا يقول: أن تبتغوا الحلال إما بالتزوج أو التسرّي، وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أعم معنى، وأصل السفح الصب فكنى به عن الزنا لأنّ الغرض! منه صب المنيّ لا النسل وغيره من فائدة التزوج. قوله: (فمن تمتعتم به الخ) يشير إلى أنّ ما بمعنى من للعقلاء لأنه أريد بها الوصف كما مرّ، وأنّ استمتع بمعنى تمتع والسين ليست للطلب بل للتأكيد وضمير به راجع لما باعتبار لفظه، ومن على هذا بيانية لما وهي متعلقة بمقدر هو حال من ضمير به وما إما موصولة أو شرطية
وعلى الوجه الأخير ما لما لا يعقل بمعنى أي شيء ومن للابتداء متعلقة باستمتع وهو بمعنى تمتع أيضا وسكت عنه لعلمه مما قبله، وما فيها الوجهان والعائد من الخبر أو الجواب على اشتراطه على كونها بمعنى من ضميرهن الراجع إليه باعتبار معناه، فإن كانت بمعنى أيّ شيء فهو مقدر أي لأجله أو عليه وقوله: أو مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة فهي مصدر كالقطيعة بمعنى القطع. قوله: (فيما يزاد على المسمى أو يحط عنه الخ (الفريضة هنا الشيء المقدر كما في فريضة الميراث ففي التيسير هذا مذهب الشافعي رحمه الله، ومذهبنا أنه لا يشترط تراضيهما في غير الزيادة، ويصح الإبراء والهبة
برضاها وحدها فهذا مخصوص وكذا في أحكام الجصاص مع زيادة تفصيل. قوله:) وقيل نزلت الآية في المتعة الخ) أي آية فما استمتعتم هذه 0
(اعلا (أنّ نكاح المتعة جوّزه النبيّ عت! هـ في صدر الإسلام، ثم نسخ بلا خلاف الآن فيه لا
حد من الفقهاء ولا قائل به سوى الشيعة، وأما المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما فيها فإنه رجع عنه وقيل: إنه إنما أجازه للمضطر لا مطلقا، روي أن سعيد بن جبير قال له: أتدري ما صنعت بفتواك فقد سارت بها الركبان وقيل فيها الشعر كقوله:
قدقلت للشيخ لماطال مجلسه ياصاج هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال: إنا لله وأنا إليه راجعون، والله بهذا أفتيت ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله الميتة
والدم وقياسه على الميتة لا وجه له أيضاً، وقيل: إنّ النسخ وقع فيها مرات وأنها لم تبح إلا في السفر لا في الحضر. قوله: (غنى واعتلاء الخ) الطول بالضم ضدّ القصر والفتح أصله الفضل، والزيادة ومنه الطائل فأطلق على الغنى لأنه زيادة المال والقدرة أيضاً والاعتلاء ليس بالغين المعجمة افتعالاً من غلو السعر بل بالمهملة من علا إليه وطال إليه إذا ناله ووصل إليه وذكر الطيبي رحمه الله أنه يتعدّى بالى، وعلى فالطول الغنى والقدرة على المهر أو القدرة على الوطء بأن يكون تحته حرة، فالظاهر أنه أراد بالاعتلاء القدرة لأنّ القادر لتمكنه من المقدور عليه، كأنه فوقه معتل عليه فإذا كان أن ينكح مفعول طولاً فمعناه ينال النكاح ويقدر عليه إما بالغنى أو بالتمكن من الوطء، وقوله: يبلغ به نكاح المحصنات بيان للفعل المقدر الذي هو صفة وهو إشارة إلى أنه لا بد من تقدير إلى أو على أي طولاً وزيادة إلى أن ينكح أو طولاً على أن ينكح من طال عليه أي غلبه، كما نقل عن حواشي الكشاف، وقوله: يعتلي أي يرتفع إلى نكاح
المحصنات إشارة إلى وجه جعله منصوبا بطولاً أو جعل الطول بمعنى الاعتلاء أي الغلبة فتأمل، وفسر المحصنات بالحرائر لأنه يؤخذ من مقابله وهي المصونات عن ذل الرق. قوله:(فظاهر الآية حجة للشافعي رحمه الله الخ) لاًن حمل طول نكاح المؤمنات على ملك فراس الحرّة، وحمل النكاج على الوطء خلاف الظاهر لما في سورة النور من أن النكاج بمعنى الوطء لم يستعمل في القرآن، ولذا جعله تأويلاً من أبي حنيفة وحمل قيد المؤمنات على الأفضل، وهو أيضا غير قائل بالمفهوم كما حمل عليه قوله:{الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} لأنّ نكاج المحصنات لا يتوقف على الإيمان بالاتفاق، وفيه نظر لما سيأتي في كلام المصنف رحمه الله، وقيل عليه إن ثصت قرينة وهي قوله:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} وليس في الفتيات مثله ورد بأنه حيث ذكر في محل لا للتقييد جاز في الآخر ذلك. وقوله. (ومن أصحابنا الخ) هو قول آخر للشافعية فعلى الأوّل لا يجوز نكاح الأمة الكافرة مطلقاً ولا يجوز نكاج الأمة للقادر على حرّة مطلقاً وعلى هذا يجوز نكاح الأمة المؤمنة للقادر على غير مؤمنة للعلة المذكورة فقوله: (من حمله أيضاً على التقييد (أي حمل وصف المحصنات بالمؤمنات أيضاً على التقييد، وقوله: وما فيه أي ما في رق الولد من المهانة أي الذلة، ونقصان حق الزوج باستخدام سيدها لها وقوله: (أنتم وأرقاؤكم الخ (يريدان من هنا للاتصال. قوله: (واعتبار إذنهم مطلقاً الخ) وجه الاحتجاج كما في الكشاف أنه اعتبر إذن الموالي لأعقدهم ووجه ما ذكره المصنف أنّ عدم الاعتبار لا يوجب اعتبار بالعدم فلعل العاقد يكون هو المولى أو الوكيل فلا يلزم جواز عقدها، وأعاد الأمر
بانكحوا مع فهمه مما قبله لأنّ المفهوم منه الإباحة وهذا للوجوب فلا إطناب. قوله: (أي أذوا إليهن مهورهن بإذن أهلهن الخ الما كان المهر للسيد قدر
المضاف، أو القيد بقرينة ما قبله فإذا أذن لها في أخذه جاز، وفي قوله: بالمعروف وجوه تعلقه بآتوهن أي آتوهن مهورهن بالمعروف أو حال أي ملتبسات بالمعروف غير ممطولات أو متعلق بانكحوهن أي انكحوهن بالمعروف أي بالوجه المعروف باذن أهلهن ومهر مثلهن، وأما أن فيه حذفاً أي بإذن أهلهن كقوله تعالى:{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [سورة الأحزاب، الآية: 35] ومثله كثير فلا يرد عليه ما قيل إنّ العطف لا يوجب مشاركة المعطوف المعطوف عليه في القيد المتأخر، وإنما هو ظاهر في القيد إذا تقدّم وكذا تقدير الموالي لا بد له من شاهد ولا بد حينئذ من نكتة لاختيار آتوهن على آتوهم مع تقدم الأهل، وقال النحرير: فيه تأكيد إيجاب المهر واشعار بأنه حقهن من هذه الجهة وأنما تأخذه الموالي بجهة وإنما تأخذه الموالي بجهة ملك اليمين وقول مالك رحمه الله يوجب كون الأمة مالكة مع أنه لا ملك للعبد فلا بد أن تكون مالكة له يداً كالعبد المأذون له في التجارة، لأنّ جعلها منكوحة إذن لها فيجب التسليم إليهن فإن حملت الأجور على النفقات استغنى عن اعتبار التقدير وكذا إن فسر بالمعروف بما عرف شرعا من إذن الموالي، ومحصنات غير مسافحات إما حالان من مفعول آتوهن فهو بمعنى متزوّجات أو من مفعول فانكحوهن فهو بمعنى عفائف، وما بعده تفسير له والمسافحة المجاهرة بالزنا والمتخذة الخدن بمعنى الصديق المستسرة به كذا فسروه به فلا يرد عليه أنه لا وجه له. قوله:(عفائف) فسره به لأنّ العفة أحد معاني الإحصان وأما حمله على المسلمات وان جاز خصوصاً على مذهب الجمهور الذين لا يجيزون نكاج الأمة الكتابية لكن هذا الشرط تقدّم، في قوله فتياتكم المؤمنات فلذا رجح الجمهور أن المراد بالمحصنات العفيفات فقوله: غير مسافحات أكيد له ولا ينافيه كونه تقسيماً للزواني فإنهن كن قسمين أحدهما الفجور بمن آتاهن، والثاني من لها خدن يزني بها سرأ حتى يقال الحمل على التقسيم أقوى. قوله:(فإذا أحصن) قرأها نافع وغيره بضم الهمزة وكسر الصاد مجهولاً وآخرون بالفتح معلومأ، ومعنى الأوّل فإذا أحصن بالتزويج فالمحصحن لها الزوج، ومعنى الثاني فإذا أحصن فروجهن أو أزواجهن، وقد مرّ تحقيقه وقاء فإن جواب إذا وفعليهن جواب إن فالثرط الثاني وجوابه مترتب على وجود الأوّل ولو سقطت الفاء انعكس الحكم ولزم تقدم الثاني على الأوّل لأنه حال فيجب التلبس به أوّلاً وهو معروف في النحو. قوله:(بالتزويج) قد مرّ انّ للإحصان معاني يحمل على بعضها بحسب ما يقتضيه النظم، وهو لا يمكن حمله هنا على الحرّية ولا على العفة لمنافاة
معناها له، ولهذا ذهب الجمهور إلى أنّ المراد به هنا التزويج، وهو المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره فعليه لاتحد الأمة إذا زنت ما لم تتزوّج، وذهب كثير إلى أنّ المراد به الإسلام، وهو مروي عن عمر رضي الله عنه من طرق وابن مسعود وابن عمر واليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم، وقيل: إنّ مأخذ القولين اختلاف القراءتين فمن فتح الهمزة أراد أي أحصن أنفسهن بالإسلام، ومن ضمها أراد التزوبج فإنّ أزواجهن أحصنوهن، والحق إن كلا من القراءتين محتمل لكل من المعنين واحتج المرجح للأوّل بأنه سبحانه شرط الإسلام بقوله: من فتياتكم المؤمنات فحمل ما هنا على غيره أتم فائدة وان جاز أنه تأكيد لطول الكلام وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الآمة إذا زنت ولم تحصن فقال: " إن زنت فاجلدوها " الحديث والمراد بالإحصان فيه التزويج وفي الآبة الإسلام إلا أن الزهري قال الإحصان في الآية التزوّج إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة إذا لم تتزوّج بهذا الحديث فالمزوّجة محدودة بالقرآن وغيرها بالسنة لكن تفسير الإحصان هنا بالإسلام، قال بعض المحققين إنه ظاهر على قول أبي حنيفة من جهة أنه لا يشترط في التزويج بالأمة أن تكون مسلمة، وإنّ الكفار ليسوا مخاطبين بالفروع وهو يشكل على قول من يقول بمفهوم الشرط من الشافعية فإنه يقتضي أن الأمة الكافرة إذا زنت لا تجلد، وليس مذهبه كذلك فإنه يقيم الحد على الكفار. قوله:(من الحدّ الخ) يعني أن المراد من العذاب الحد كما في تلك الآية قيل، وهذا
دفع لتوهم أنّ الحدّ لهن يزيد بالإحصان فسقط الاستدلال به على أنهن قبل الإحصان لا حد عليهن كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وطاوس، وعلم من بيان حالهن حال العبيد بدلالة النص فلا وجه لما قيل إنه خلاف المعهود، لأنّ المعهود أن يدخل النساء تحت حكم الرجال بالتبعع! وكان وجهه إن دواعي الزنا فيهن أقوى وليس هذا تغليباً، وذكرا بطريق التبعية حتى يتجه ما قاله ووجه التخصيص لو كان ما ذكر لا يدل على حكم العبيد أنّ الكلام في تزوّج الإماء فهو بمقتضى الحال. قوله:(لمن خاف الوقوع في الزنا الخ) أي لغلبة شهوته، وقلة تقواه والتفسير الآخر قريب منه وعليهما فهو شرط آخر لجواز تزوّج الإماء كما هو مذهب الشافعي وهو عند أبي حنيفة ليس بشرط وإنما هو إرشاد للأصلح. قوله:(وصبركم الخ) إشارة إلى ا!
إن مصدرية وقيد العفة مأخوذ من الصبر الذي هو خير فإنه لا يكون إلا مع العفة والحديث المذكور في مسند الديلمي والفردوس عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو كقوله:
ومن لم يكن في بيته قهرمانة فذلك بيت لا أباً لك ضائع
وقوله:
إذالم يكن في منزل المرء حرة تدبره ضاعت مصالح داره
قوله: (لمن لم يصبر الخ) إنما عبر بالمغفرة فيه تنفيراً عنه حتى كأنه ذنب. قوله: (ما تعبدكم به من الحلال والحرام الخ) إشارة إلى مفعول يبين المقدر، وفيه ربعل للآيات السابقة باللاحقة إنّ ما قبله في النساء والمناكحات وما بعده في الأموال والتجارات، وهذه قد توسطتهما كالتخلص من أمر إلى آخر يناسبه وذكر السنن من حسن التخلص. قوله:(وليبين مفعول يريد الخ) هذا التركيب وقع في كلام العرب قديماً كقوله، أريد لأنسي ذكرها، وخرجه النحاة على مذاهب فقيل مفعول يريد محذوف أي تحليل ما حلل وتحريم ما حرّم ونحوه واللام لام التعليل أو العاقبة أي ذلك لأجل التبيين ونسب هذا لسيبويه فمتعلق الإرادة غير التبيين وإنما فعلوه لثلا يتعذى الفعل إلى مفعوله المتأخر عنه باللام، وهو ممتنع أو ضعيف وقيل: إنه إذا قصد التأكيد جاز من غير ضعف، وسمي صاحب اللباب اللام فيه لام التكملة وجعلها مقابلة للام التعدية، وأما جعل الفعل مؤوّلاً بالمصدر من غير سابك على أنه مبتدأ والجار والمجرور خبره أي إرادة الله كائنة للتبيين فتكلف، وان ذهب إله بعض البصريين فكان مذهبهم عدم اشتراط السابك، ومذهب الكوفيين أنّ اللام هي الناصبة من غير تقدير إن ولذا قيل على ما ذهب إليه المصنف تبعاً للزمخشريّ من أنه مفعول واللام زائدة إنه مخالف لمذهب البصريين والكوفيين معاً مع أن أن لا تضمر بعد اللام إلا وهي لام تعليل أو جحود وقد جوّز في الآية أن يكون يبين ويهدي تنازعا في سنن وهو حسن وكون اللام لتأكيد الاستقبال لأنها لا تكون إلا لما يستقبل بنفسه، أو بإضمار أن وكي بعدها والإرادة لا تكون أيضاً إلا لمستقبل أي إنه يلزم استقبال تعلقها ومتعلقها فلا يرد أنّ إرادة الله قديمة. قوله:(كما في قول قيس بن سعد رضي الله عنهما الخ) وسبب هذا الشعر كما في كامل المبرد، وغيره إنّ عظيم الروم بعث إلى معاوية
رضي الله عنه بهدية مع رسولين أحدهما جسيم طويل جداً، والآخر أيد قوي ففطن معاوية رضي الله عنه لمراده فقال لعمرو بن العاص رضي الله عنه أما الطويل فإني أجد مثله فمن للأيد فقال: أرى له أحد شخصين محمد ابن الحنفية أو عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فقال: أجل برّدت قلبي، ثم أرسل إلى قيس رضي الله عنه وعرفه الحال فحضر فلما تمثل عند معاوية لما أراد نزع سراويله، ورمى بها إلى العلج الطويل فلبسها فنالت ثندوته وأطرق مغلوبا فلام الحاضرون قيساً على نزعها بين يدي معاوية وتبذله عنده وقيل له هلا ذهبت وبعثت بها فقال: أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه سراوبل عاد أودعته ثمود
واني من القوم الثمانين سيد وما الناس إلا سيد ومسود
وبد جميع الخلق أصلي ومنصبي وجسمي به أعلو الرجال مديد
وحضر محمد ابن الحنفية، وعلم ما يراد منه فخير العلج بين أن يقعد ويقوم العلج ويعطيه يده فيقيمه أو يقعد العلج، ويقوم محمد ويعطيه يده فيقعده فاختار العلج الحالتين فغلبه محمد وأقام العلج وأقعده، وكذا أخرجه ابن عساكر في تاريخه فاللام وكي زائدة في البيت لتأكيد معنى الاستقبال أو يوجه بما مرّ وما ذكره من تقدير المفعول مرّ شرحه. قوله:(مناهج من تقدّمكم الخ) يشير إلى أنّ السنن كالسنة بمعنى الطريقة وكون هذا طريقة من قبلهم أي من نوعها وجنسها في بيان المصالح، وان لم تكن منفعة وقيل: إنّ هذا الحكم كان كذلك في الأمم السالفة وفيه نظر. قوله: (ويغفر لكم ذنوبكم الخ الما كانت التوبة ترك الذنب مع الندم والعزم على عدم العود، فإسنادها إلى الله تعالى لا بد من تأويله أشار المصنف رحمه الله إلى أنه بمعنى المغفرة مجازاً لتسببها عن التوبة أو بمعنى، الإرشاد إلى ما يمنع عن المعاصي على الاستعارة لأن التوبة تمنع عنها كما أنّ إرشاده تعالى كذلك أو عن حثه تعالى عليها لأنه سبب لها عكس الأوّل، أو الإرشاد إلى مكفرها على التشبيه أيضا، وقال الطيبي رحمه الله: أنّ قوله تعالى: (دبتوب من وضع المسبب موضع السبب) وذلك لعطفه ويتوب على قوله: {وَيَهْدِيَكُمْ} الخ على سبيل البيان كأنه قيل: {لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ} ويرشدكم إلى الطاعات فوضعموضعه ويتوب عليكم. قوله:) كرر للتثيد والمبالنة (لم يجعله الزمخشرفي تكريراً لأنه فسر يتوب أوّلاً بقبول التوبة والإرشاد إلى الطاعات ليناسب المعطوف عليه، وهو يبين وفسره
هنا بأن يفعلوا ما يستوجبون به قبول التوبة لتقابل إرادته إرادة أن قيلوا ميلا عظيما فيجب تعاطف الجملتين المشتملتين على تقابل المريد والمراد أعني والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات الخ فلا يكون تكريراً للإرادة الأولى كما ذهب إليه بعضهم مع زيادة تقوي الحكم، ثم إنه إنما يتمشى على كون ليبين لكم مفعولاً كما مرّ والا فلا تكرار لأنّ تعلق الإرادة بالتوبة في الأوّل على جهة الغلبة، وفي الثاني على جهة المفعولية فلا تكرار لاختلاف المتعلقين. قوله:(يعني الفجرة الخ) أي الفسقة لأنهم يدورون مع شهوات أنفسهم من غير تحاس عنها فكأنهم بانهماكهم فيها أمرتهم الشهوات باتباعها فامتثلوا أمرها واتبعوها فهو استعارة تمثيلية، وأمّا المترخص فلم يتبع الشهوات وإنما اتبع الشرع، وتحليل الأخوات لأب لأنهم لم يجمعهم رحم، وبنات الأخ والأخت تياساً على بنات العمة والخالة بجامع أن أمّهما لا تحل فكانوا يريدون أن يضلوا المسلمين بما ذكر، ويقولون لم جوّزتم تلك ولم تجوّزوا هذه، وبين عظمه لأنّ المراد به الاستحلال. قوله: (كإحلال نكاح الأمة (أخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد إنّ مما وسع الله به على هذه الأمة جواز نكاح الأمة والنصرانية واليهودية ولم يرخص لغيرهم، والشرعة بالكسر الشريعة والسمح الجواد وهي سمحة والسهل اللين وهو المراد، والحنيفية المائلة إلى الصواب كما مرّ. قوله: (لا يصبر عن الشهوات الخ (فالضعف معنوي عبارة عما ذكر، وقوله: ثمان آيات الخ في شرح الكشاف في ثمان لغات، ثماني بالياء وثمان بحذفها وكسر النون وثمان بإجراء الإعراب على النون، وقوله: مما طلعت إلى آخره أي من الدنيا وما فيها وهذه الثلاثة أي الآيات من قوله: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} إلى هنا لما فيها من التيسير والتخفيف عن هذه الأمة، والتجاوز عن سيئاتها وهو ظاهر، والقمار بكسر القاف مصدر قامره مقامرة إذا غلبه في رهان شرط فيه المال فأخذه منه وهو حرام معروف.
فائد جليلة:
وقع هنا في الكشاف ذكر حديث ما أيس الشيطان لعنه الله من بني آدم إلا أن أتاهم من
قبل النساء، وقال النحرير رحمه الله: فيه إشكال من جهة دلالته على أنه لا ييأس إلا في حال الإتيان من قبل النساء، والمقصود العكس وهو أنه لا ييأس البتة في تلك الحال، والجواب بأن التقدير ما فعل الشيطان شيئاً عند يأسه من إغواء بني آم إلا أن أتاهم من قبل النساء ليس دفعاً للإشكال بل بيانا لما يعرفه كل أحد من أنه المقصود، وان أراد أن أيس في معنى ما فعل عند اليأس، وأتاهم من قبيل تنزيل الفعل منزلة المصدر فلا بدّ من بيان جهة التجوّز، وقد يجاب بأنّ ما بعد إلا في موقع الوصف لحين محذوف أي ما أيس حينا إلا موصوفا بأنه يأتيهم فيه من قبل النساء فيكون قصراً لزمان اليأس
على وصف الإتيان ونفيا أن يكون له زمان ينفك عنه من غير تعرض لنفي اليأس في غيره ودل بحسب المقام على أنّ الإتيان لإزالة اليأس فصار الحاصل أنه كلما أيس أتاهم من قبلهن، والأقرب ما ذكر بعض الأفاضل أنه في موضع الحال وأنّ النفي والاستثناء لما دل على لزوم الثاني للأوّل كالشرط استعمل فيه وأريد أنه كلما أيس من جميع جهات إتيانهم أتاهم من قبل النساء (أقول) :
سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق لقد أبعدت مرماك
لا حاجة إلى ما ذكروه كله مما لا نظير له فإنه تمثيل لشدة إغواء النساء وانقياد الناس لهن
بزمام الهوى فالشيطان إذا أيس من إضلال أحد بذاته وفضول نزغاته فلم يقده بحبائل الحيل إلى مهاوي الزلل سلط النساء عليه ليضللنه فإنهن حبائل الشيطان كما في الأثر فيفعلن فهو في حال إضلال النساء له آيس من إضلاله بغير واسطتهن، وكم من مر لا يقبل يلقي بواسطة آخر فيقبله منه من لم يكن قابلاً له قبل فإنّ معهن من الحسن شافعا لا يرد، ومن الكيد ملحا لا تمل، ولذا قال تعالى:{إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} مع ما في قوله: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [سورة النساء، الآية: 76] فيكون الاستثناء في الحديث على ظاهره مستثنى من أعم الأحوال والأوقات زمان بأسه من الإغواء بلا واسطة منهت فافهمه فإنه بريء من التكلفات بعيد من الشبهات. قوله: (استثناء منقطع الخ) أراد أن التجارة لما لم تكن من الباطل لم يجز الاتصال فجعل منقطعآ لتخلفه عن اتحاد الحكم بل عن جملة الكلام السابق فتعتبر المخالفة في الحكم، والمغايرة المعنوية بين الكلامين ليصح الاستدراك وحينئذ إن حمل على استدراك النهي عن المحرم بالإرشاد إلى المحلل يقدر لكن اقصدوا أمر إرشاد لأن لا تأكلوا في معنى لا تقصدوا أكلها وان حمل على استدراك المؤاخذة المدلول عليها بالنهي، برفعها لأنّ التجارة مباحة لا مأمور بها قدر ولكن كون تجارة عن تراض منكم غير منهيّ عنه، والأرجح هو الأوّل لظهور المقابلة، والمقصود على الوجهين بيان حاصل المعنى لا أنه مرفوع على الأوّل منصوب على الثاني كما
في بعض الحواشي فإنه فاسد لأنه منقطع منصوب أبدا ولو جعل متصلا على نحو ما سلف لكان وجهاً ولا تخصيص في الآية للتفصي عن الباطل بها، وتفسير الباطل بأنه ما لا عوض فيه، ثم ارتكاب التخصيص أو النسخ تحريف لكتاب الله يستعاذ منه كذا أفاده المدقق في الكشف، وفي الدر المصون إنه لا بد من حذف مضاف تقديره إلا في حال أو وقت أن تكون الأموال أموال تجارة، والحاصل أنّ الاستثناء المنقطع بتقدير لكن وهو مخالف لجنس ما قبله وحكمه والأوّل ظاهر وليس المراد (لا تاكلوا الآموال بالباطل) إلا التجارة فلكم أكلها بالباطل كما إذا قلت لا تأخذ أموال الناس بغير حق إلا الحربيين فلك أخذها بغير حق بل هو من حكم مفهوم من الكلام، وهو عدم القصد إليه المفهوم من عدم ا! لأو النهي فيكون هذا مقصودا، أو غير منهي عنه فهو بيان معنى لا إعراب كما توهم فافهمه فإنه من مشكلاته. قوله:(وبجوز أن يراد بها الانتقال مطلقاً الخ) أي انتقال المال من الغير بطريق شرعي سواء كان تجارة أو إرثاً أو هبة أو غيرها من استعمال الخاص وارادة العام لتظهر صحة الحصر ولكونه بعيداً قال: ويجوز كذا الوجه الذي بعده، وهو أبعد منه لجعل الأكل بمعنى الصرف، وعلى قراءة النصب كان ناقصة واسمها ضمير الأموالط أو التجارة على أن الخبر مفيد بالقيد وهو على حد قوله:
إذا ى ن يوماً ذا كواكب اشنعا
أي إذا كان اليوم يوما الخ والضمير راجع إلى ما يفهم من الخبر، وسيأتي تحقيقه. قوله:
(بالبخع كما تفعله جهلة الهند الخ) البخع بالباء الموحدة والخاء المعجمة والعين المهملة قتل النفس غما ومراده به مطلق القتل، والموقوف في قتل الهند أنفسها طرحها في النار كما قال الشاعر:
والهند تقتل بالنيران أنفسها وعندنا أنّ ذاك القتل يحييها
وهذا هو الصحيح، وما قيل: كما هو في بعض النسخ الجوع والبجع بباء موحدة وجيم والنخع بنون وخاء معجمة لا يلتفت إليه، وما روي عن عمرو رضي الله عنه رواه الحاكم
وأبو داود وصححه وارتكاب ما يؤدي الخ أعم من التهلكة وتفسيره بارتكاب الذلة بعيد وان كان حسنا كما قال:
إذا ما أهان امرؤ نفسه فلا أكرم الله من يكرمه
قوله: (وقيل المراد بالأنفس الخ) ما قبله على أنّ الأنفس حقيقة والقتل إما حقيقيّ أو مجازي وهذا بالتجوّز في النفس بأن يراد بها غيرهم من أهل الملة لأنهم كشيء واحد فأطلق النفس عليه بطريق التشبيه كما في الحديث: " المؤمنون كالنفس الواحدة إذا لم يعضد تداعي سائره بالحمى والسهر " فكأنه قيل لا يقتل بعضكم بعضا، وهذا وجه حسن اختاره كثير من المفسرين. قوله:(ريثما) بالراء المهملة والياء التحتية المثناة والمثلثة بمعنى مقداره وساعته والريث في الأصل مصدر راث بمعنى أبطأ إلا أنهم جعلوه ظرفا كمقدم الحاج قال أبو عليّ رحمه الله: في الشيرازيات، وهذا المصدر خاصة لما أضيف إلى الفعل في كلامهم كقوله:
لا يمسك الغيث إلا ريث يرسله
صار مثل الحين والساعة، ونحوهما من أسماء الزمان وما زائدة بدليل سقوطها في كلامهم كثيراً ويجوز أن تكون مصدرية، والنفس في هذه الآية، والمال في التجارة واستبقاء أي طلباً لحياتهم وبقائهم. وقوله:(تستكمل الخ) إشارة إلى أنّ البقاء في الدنيا إنما طلب لتكميل النفس، والاستعداد للبقاء السرمدي. قوله:(أي أمر ما أمر الخ) يعني أنه تذييل لجميع ما قبله، وقوله معناه وقع في نسختي بدون عطف ولعله أو معناه فيكون تذييلا لقوله:{وَلَا تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} لأنه تعالى عظمت رحمته وشفقته عليكم إذ لم يكلفكم قتل الأنفس في التوبة كما كلفه بني إسرائيل. قوله: (أو ما سبق الخ) أشار بما إلى وجه إفراده وتذكيره، وافراط التجاوز تفسير العدوان، واتيان ما لا يستحق تفسير الظلم فلذا عطفه بالواو وأو من سهو الكتاب، وقد
تقدم معنى الصلاة. وقوله: (من حيث الخ) إشارة إلى المجاز في الإسناد وشاة مصلية بمعنى مشوية. قوله: (وقرئ كبير الخ) يعني جن! الذنب الكبير فيطابق القراءة المشهورة ويحتمل أن يراد الشرك، وقوله: صغائركم أخذه من المقابلة وقد مر أنّ السيئة إذا أطلقت يراد بها ذلك، وقوله: ونمحها إشارة إلى أنه ليس المراد بالغفر الستر بل المحو فإن قلت في حديث مسلم:! الصلوات الخمس مكفرة لما بينها ما اجتنبت الكبائر " قلت: أجيب عنه بأجوبة أصحها أن الآية والحديث بمعنى واحد لأنّ قوله: ما اجتنبت الخ دال على بيان الآية لأنه إذا لم يصل ارتكب كبيرة وأيّ كايرة، ووجه المعارضة أنّ الصلاة إذا كفرت لم يبق ما يمفره غيرها. قوله:(واختلف في الكبائر الخ) أي في حدها وعدها وهل هي محصورة أو غير محصورة، وهل هو معنى حقيقيّ أو إضافي يختلف بالإضافة إمّا على طاعة أو معصية أو عقاب فاعلها، لا يقال: يجوز أن يكونا متساويين فلا تنحصر المعصية في الصغيرة والكبيرة، لأنا نقول تكون صغيرة أو كبيرة بالقياس إلى طاعة أخرى ضرورة امتناع تساوي جميع الطاعات، والفرار من الزحف بمعنى الهرب من جيش الكفار من غير مقتض، وفيه تفصيل في محله وعد حديث النفس أصغر الصغائر إذا صمم عليه قبل فعله، وأئا إذا لم يصمم فوسوسة لا إثم فيه فلا إشكال فيه كما توهم، وقد مرت الإشارة إليه. وقوله:(فمن عق له الخ) الظاهر أنّ المراد به ما عدا الكفر فلا يرد ما قيل إنه يقتضي أنّ مجتنب الكفر يكفر عنه جميع ذنوبه ويغفر له من غير توبة. قوله: (ولعل هذا مما يتفاوت الخ) هذا مما لا شبهة فيه ولذا قيل حسنات الأبرار سيئات المقرّبين
وقال الشاعر:
لايحقر الرجل الرفيع دقيقة في السهوفيها للوضيع معاذر
فكبائر الرجل الصغير صغائر وصغائر الرجل الكبيركبائر
ومثله كثير وقوله: ألا ترى الخ تنظير لا تمثيل فلا يقال إنه إذا لم يكن خطيئة كيف يطابق
ما قبله والحديث المذكور رواه الطبرانيّ وصححه. قوله: (الجنة الخ) هو على الضم إمّا مصدر ومفعول يدخلكم محذوف أي يدخلكم الجنة إدخالاً أو مكان منصوب على الظرف عند سيبويه، وعلى أنه مفعول به عند الأخفش وهكذا كل مكان مختص بعد دخل فيه الخلاف وعلى الفتح فقيل منصوب بمقدر أي ندخلكم فتدخلون مدخلاً، ونصبه كما مرّ أو أنه كقوله. {أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} . قوله:(من الأمور الدنيوية الخ) قيد بالدنيوية لأنّ الأخروية تمنيها حسن، ومعربة بضم الميم صفة ذريعة ويجوز فتح ميمها، وقوله: من غير طلب
أي مباشرة خارجية لأسبابه وأما الطلب المذكور في تعريف كل تمن فمجرد أمر ذهنيئ، فلا غبار عليه وما قدر بكسب إذا اشتغل بتمنيه كان بطالة وتضييعاً للخطر النصيب الذي قدر له كسبه، وما قدر بغير كسب لا محالة من وقوعه فتمنيه ضائع ومحال لأنه لا بد من حصوله في وقت معين فقبله يكون ضائعاً وبعده يكون محالاً لأنه تحصيل الحاصل فهما بالنظر لوقتين والا فهما متنافبالت، وجعل المصنف رحمه الله المقتضي للمنع كونه ذريعة للتحاسد، وصاحب الكشاف جعا! النهي عن التمني كناية عن التحاسد، وسيأتي في قول المصنف رحمه الله أن المنهيئ هو الحسد إشارة إليه ولكل وجهة والفرق بين التمني والدعاء ظاهر لا يشتبه أحدهما بالآخر كما توهم 0 قوله:) بيان لذلك الخ (أي للنهي عن التمني لأنه قدر لكل نصيب، وقوأسه: ومن أجله إشاكأة إلى أن من سببية، وقوله: وجع!! بالماضي المجهول توجيه لأنّ أنصباء الميراث ليس تفاوتها يكسبهم وقيل: إنه بصيغة المصدر عطف على النصيب.
قوله: (بيان لذلك الخ) أي للنهي عن التمني لأنه قدر لكل نصيب، وقوله: ومن أجله إشارة إلى أنّ من سببية، وقوله: وجعل بالماضي المجهول توجيه لأنّ أنصباء الميراث ليس تفاوتها يكسبهم وقيل: إنه بصيغة المصدر عطف على النصيب. قوله: (وهو يدل على أنّ المنهئ الخ) وجه الدلالة الأمر بالسؤال من فضله لا بطلب ما عند الغير ليزول عنه، ويأتي له وهو المنهيّ عنه وأما الغبطة فلا نهي عنها، وقوله: بما يقر به أي يقرب ذلك المتمني إليكم. قوله: (روي أنّ أم سلمة الخ (أخرجهأ ا (الترمذي والحاكم وصححا 5 وهذا متمني غير جائز لأنه ما قدر الله خلافه بحسب الاستعداد أو هو تمن لأن ينكشف علمهن الآن ولذا قال: واسألوا الله من فضله أي اسألوه ما يليق بكم من بعض فضله وما يقر بكم من فضله ويسوقه إليكم، وحاصله افعلوا ما تصلون به لرضوانه فالباء في قوله بما سببية فلا يرد أنه محمود فانه عليم حكيم. قوله:) أي ولكل تركة الخ الا بد من تقدير مضاف إليه ملفوظ أو مقدر فقيل تقديره لكل إنسان وقيل: لكل مال، وقيل: لكل قوم ففيه على هذا وجوه الأوّل أنه على التقدير الأوّل معناه لكل إنسان موروث، وهو الميت الذي قدره المصنف رحمه الله جعلنا موالي أي ورّاثا مما ترك ففي ترك ضمير كل، وهنا تم الكلام ويتعلق مما ترك بموالي لما فيه من معنى الوراثة أو بفعل مقدر وموالي مفعول أوّل لجعل بمعنى صير، ولكل هو المفعول الثاني قدم على عامله ويرتفع الوالدان على أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل ومن الورّاث، فقال هم الوالدان والأقربون وهو معنى قول المصنف رحمه الله إنه استئناف، والثاني أن التقدير لكل إنسان موروث جعلنا ورّاثاً مما تركه ذلك الإنسان الموروث ثم بين الإنسان بقوله الوالدان، كأنه قيل: ومن هذا الإنسان الموروث فقيل الوالدان والأقربون واعرابه كما قبله وإنما الفرق بينهما أن الوالدان والأقربون في الأوّل وارثون، وفي الثاني موروثون وعليهما فالكلام جملتان ولا ضمير محذوف في جعلنا وموالي مفعول أوّل ولكل ثان وهذا لم يذكره المصنف رحمه الله، والثالث أنّ التقدير ولكل إنسان وارث مما تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي موروثين
فالمولى الموروث، ويرتفع الوالدان بترك وما بمعنى من والجار والمجرور صفة ما أضيف إليه كل والكلام جملة واحدة وهو بعيد، ولهذا لم يذكره المصنف رحمه الله، والرابع أنّ التقدير ولكل قوم فالمعنى: ولكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما تركه والداهم وأقربوهم فلكل خبر نصيب المقدر مؤخراً وجعلناهم صفة قوم، والعائد الضمير المحذوف الذي هو مفعول جعل وموالي إما ثان أو حال ومما ترك صفة المبتدأ المحذوف الباقي صفته كصفة المضاف إليه وحذف العائد منها، ونظيره لكل خلق الله إنسانا من رزق الله أي لكل، واحد خلقه ألله إنسانا نصيب من رزق الله وهو الوجه الأخير في كلام المصنف رحمه الله، والخاس! تقدير لكل مال أي لكل مال أو تركه مما تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي ورّاثا يلونه ويحوزونه، ولكل متعلق بجعل ومما ترك صفة كل وإليه أشار المصنف بقوله: بيان الخ الوالدان فاعل ترك فهو كلام واحد، قيل: وفيه الفصل بين الصفة والموصوف بجملة عاملة في الموصوف نحو بكل رجل مررت تميمي وفي جوازه نظر، ورد بأنه جائز كما في قم إ " تعالى:{قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة الأنعام، الآية: 4 ا] ففاطر صمفة الله وقد فصل بينهما باتخذ العامل في غير فهذا أولى وإليه يشير قوله مع الفصل الخ، وما قيل: إنّ العامل لم يتخلل بل المعمول قد تقدم فجاء التخلّل من ذلك فلم يضعف إذ حق المع! س ل التاً خر عن عامله، وحينئذ يكون الموصوف مقروناً بصفته فتكلف مستغنى عنه بما مرّ
والسادس أن يكون لكل مال مفعولآ ثانيا لجعل، وموالي مفعول أوّل والإعراب كما مرّ، وهذا زبدة ما في الآية، وقد ارتضى المصنف رحمه الله بعضها وترك بعضا منها وبما ذكرناه اتضح كلامه. قوله:(على أنّ من صلة موالي الخ) قيل المولى يشبه أن يكون في الأصل اسم مكان لا صفة لتكون من صلة له، وأجيب بأنّ ذلك لتضمته معنى الة عل كما أشار إليه بقوله لأنهم في معنى الورّاث والمصنف غير قوله: لأنهم بقوله لأنه لدقيقة وأيضا من المورّثين من لا موالي له بل له مولى واحد، وأجيب بأنه بحسب التوزيع الجنسي يعني لكل الآحاد شيئا من جنس الموالي قل أو كثر بمعنى أن من لا وارث له يجوز المال مولاه انتهى. وقوله:) قي المولى) أنه ليس صفة مخالف لكلام الراغب فإنه قال: إنه بمعنى الفاعل والمفعول أي الموالي والموالي لكن وزن مفعل في الصفة أنكره
قوم، وقال ابن الحاجب في شرح المفصل إنه نادر فإمّا أن يجعل من النادر أو مما عبر عن الصفة فيه باسم المكان مجازاً لتمكنها، وقرارها في موصوفها ويمكن أن يجعل في المفعول كناية كما يقال المجلس السامي فتأمّل. قوله:(وفيه خروج الأولاد الخ) فإن الأولاد لا يدخلون في الأقارب عرفا، ولذا قيل: إنه بمعناه اللغوي فيدخلون لكنه يتناول حينئذ الوالدين أيضا أو ذكر الوالدين لشرفهم والاهتمام بشأنهم، وترك ما عداهم اعتمادا على تفصيل آية المواريث وظهور أمرهم، وقوله: ولكل قوم الخ مر أنه خبر مقدم والمبتدأ مقدر مؤخر قامت صفته مقامه، وهي مما ترك وأورد عليه أنّ فيه جعل الجارّ والمجرور مبتدأ بتقدير الموصوف، وأنّ لكل قوم من الموالي جميع ما ترك الوالدان والأقربون لا نصيباً وإنما النصيب لكل فرد، وأجيب بأنه ثابت مع قلته كقوله:{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [سورة الصافات، الآية: 164] ومنا دون ذلك وأن ما يستحقه القوم بعض التركة لتقدّم التجهيز والدين والوصية وأما حمل من على البيان للمحذوف فبعيد جداً.
(أقول) فيه خلل من وجهين، الأوّل إنّ ما ذكره لا شاهد له فيه لأنهم ذكروا في متون النحو أنّ الصفة إذا كانت جملة أو ظرفا تقام مقام موصوفها بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن أو في والا لم تقم مقامه إلا في شعر كذا في التسهيل وغيره وما ذكره داخل فيه والآية ليست كذلك الثاني أنه ليس المراد بقيامها مقامه أن تكون مبتدأ حقيقة بل المبتدأ محذوف، وهذا بيانه فلا وجه لاستبعاده نعم ما ذكروه وان كان مشهوراً ليس بمسلم فإن ابن مالك رحمه الله صرح بخلافه في التوضيح في حديث الإسراء فجعل الموصوف محذوفاً في السعة بدون ذلك الشرط فالحق أنه أغلبيّ لا كليّ فاعرفه. قوله:(موالي الموالاة كان الحليف يوزث السدس الخ) كان الرجل يعاقد الرجل فيقول دمي دمك، وهدمي هدمك، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس. وقوله:(فنسخ الخ) قال النحرير: فيه نظر لأنه لا دلالة فيها على نفي إرث الحليف لا سيما والقائلون به إنما يورّثونه عند عدم العصبات وأولي الأرحام، ومذهب أبي حنيفة رحمه الله في مولى الموالاة وشروطه مبسوط في محله والإيمان هنا جمع يمين بمعنى اليد اليمنى لوضعهم الأيدي في العهود، أو بمعنى القسم وكون العقد هنا عقد النكاح خلاف الظاهر إذ لم يعهد فيه إضافته إلى اليمين والخطاب حينئذ للأولياء. قوله: (وهو
مبتدأ الخ) فيه وجوه.
الآوّل: أنه مبتدأ وجملة فآتوهم خبره والفاء زائدة.
والثاني: أنه منصوب على الاشتغال قيل: وينبغي أن يكون مختاراً لئلا يقع الطلب خبرا لكنهم لم يختاروه لأنّ مثله قلما يقع في غير الاختصاص وهو غير مناسب هنا، ورد بأنّ زيدا ضربته إن قدر مؤخرا أفاد الاختصاص وان قدّره مقدما فلا يفيد. ولاخفاء أنّ الظاهر تقديره مقدما فلا يلزم الاختصاص الذي ذكره.
والثالث: أنه مرفوع عطفا على الولدان فإن أريد بالوالدين أنهم موروثون عاد الضمير من فآتوهم على موالي وان أريد أنهم وارثون جاز عود. على موالي وعلى الوالدين وما عطف عليهم، قالوا: ويضعفه شهرة الوقف على الأقربون دون إيمانكم، وأمّا جعله منصوبا عطفا على موالي فتكلف، وترك تفسير المعاقدة بالتبني الذي ذكره في الكشاف لأنه لا يوافق المذهب. قوله:(جملة مسببة الخ) مسببة بصيغة المفعول والتأكيد الحاصل من السبب، والمسبب المتلازمين لا ينافي العطف بالفاء ومفعول عقدت محذوف على جميع القراآت، وإنما
جعل الحذف تدريجيا ليكون من حذف العائد المنصوب فإنه كثير مطرد. وقوله: (تهديد الخ) قيل إنه أبلغ وعد ووعيد. قوله: (قيام الولاة على الرعية الخ) أي كقيامهم عليهم بالأمر والنهي، ونحوه وليس مرإد. أنه استعارة، والوهبي ما فضلهم الله به والكسبيّ الإنفاق الآتي وقوله: بسبب الخ إشارة إلى أنّ الباء سببية وما مصدرية وقوله: (بالنبوّة) على الأشهر أو المراد الرسالة والإمامة تشمل الصغرى والكبرى، والولاة تولي أمرهن في النكاح، أو المراد به ولاية القضاء ونحو. واقامة الشعائر كالآذان والإقامة الخطبة والجمعة وتكبيرات التشريق عند أبي حنيفة رحمه الله، والمراد بالشهادة في مجامع القضايا مهماتها التي من شأنها أن تفصل في المحافل كالحدود ونحوها مما لا تقبل فيه شهادة النساء، ومنهم من فسره بجميع الأمور ولا وجه له، والتعصيب
أي كونه عصبة بنفسه والاستبداد بالفراق الاستقلال بالطلاق وهو ظاهر. قوله: (في نكاحهن كالمهر الخ) خصه لأنه هو الذي به التميز وسعد بن الربيع صحابيّ معروف رضي الله عنه أحد نقباء الأنصار، وقصته هذه أخرجها أبو داود وغيره في حديث مرسل قبل وأمره باقتصاص زوجته كان باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، وأراد به التعزير وأمر به المرأة ليكون أردع له والا فلا خلاف في أنه لا قصاص فيما لا ينضبط، واعلم أن القصاص في اللطمة وقع في الأحاديث حتى عقد المحدّثون له بابا إلا أنه مشكل لاًنّ المذاصب الأربعة على خلافه حتى قيل: إنه مجمع عليه وان شذت فيه رواية عن بعض أصحاب أحمد وقول السعد أنه باجتهاد النبيّ صلى الله عليه وسلم أو تعزير فيه أنّ اجتهاده إذا لم يتغير حكمه لا يسوغ مخالفته لا سيما وقد عمل به من بعده كعمر كما نقله ابن الجوزي في مناقبه فادّعاء عدم الخلاف فيه مشكل جدا، ونشزت المرأة ونشصت بمعنى لم تطع زوجها، وكون اسم أبيها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قول وقيل: إنها بنت محمد بن مسلمة كما في التيسير، وهو دليل على أنّ للرجل تعزير زوجته وتأديبها ومعنى قانتات خاشعات مطيعات لله ومن إطاعة الله إطاعة الزوجة. قوله:(لمواجب الغيب الخ) مواجب جمع موجب، اسم مفعول أي ما يوجبه غيبة الزوج أي تحافظ عليه. قوله:(وعته عليه الصلاة والسلام الخ) أخرجه ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه لكنه بلفظ مالك ونفسها ورواه الحاكم مالها والمراد ماله كما تفسره الرواية الأخرى لكنه إضافة إليها لكونه في يذيها وهي المتصرفة فيه، وفيه إشارة إلى أنه ينبغي أن تحفظه كما تحفظ مالها، ولا حاجة إلى ما قيل إنّ أكثر الروايات ماله فلعل رواية الحاكم تحريف فإنّ الراوي واحد فيهما، والمراد بأسرارهم ما يقع بينهم في الخلوة، ومنه المنافسة والمنافرة واللطمة المذكورة، ولذا قيل: إنّ هذا أنسب بسبب النزول
وفيه نظر. قوله: (بحفظ الله إياهن الخ) معنى قوله بالأمر على حفظ الغيب أي بسبب الأمر والمحافظة على حفظه وهي مصدرية على هذا وموصولة في الذي بعد. ويصح أن تكون موصوفة. قوله: (وفرئ بما حفظ الله بالنصب الخ الا بد من تقدير مضاف على هذه كدين الله وحقه لأنّ ذاته تعالى لا يحفظها أحد، وما موصولة أو موصوفة ومنع المصنف رحمه الله تعالى كغيره المصدرية الخلوّ حفظ حينئذ عن الفاعل لأنه كان يجب أن يقال بما حفظن الله، وأجيب عنه بأنه يجوز أن يكون فاعله ضميراً مفردا عائداً على جمع الإناث لأنهن في معنى الجنس كأنه قيل من حفظ الله وجعله ابن جني كقوله:
فإن الحوادث أودى بها
أي أودين ولا يخفى ما فيه من تكلف الإفراد وشذوذ ترك التأنيث فإنه كان ينبغي أن يقال
بما حفظت، وأودت فمنعه بناء على أنه لا يليق بالنظم الكريم لا أنه غير صحيح أصلا فحفظ إذا أسند للأمر إسناده مجازي لسببه وعلى حفظ الله إياهن عن الخيانة وتوفيقهن لحفظ الغيب الحفظ حقيقة وعلى الوعد والوعيد على المحافظة والخيانة الحفظ مجاز عن سببه، وجمع السلامة هنا للكثرة أما المعرّف فظاهر وأما المنكر فلأنه حمل عليه فلا بد من مطابقته له في الكثرة، فإذا قلت الرجال قائمون لزم كون قائمين للكثرة لأنّ كل واحد منهم قائم وهذه فائدة حسنة أفادها في الدرّ المصون، وقوله ة من النشز يسكون الشين وفتحها وهو المكان المرتفع ويكون بمعنى الارتفاع أطلق على الترفع أي الإباء عن الطاعة وظاهره ترتبه على خوف النشوز، وإن
لم يقع وإلا لقيل نثزن، ولذا فسر في التيسير تخافون بمعنى تعلمون لأنّ الخوف يرد بهذا المعنى، وقيل المراد تخافون دوام نشوزهن، أو أقص مراتبه كالفرار منه في المراقد وقيل: إنّ في الكلام مقدراً وأصله واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن وقول الفرّاء إنه بمعنى الظن مردود. فوله: (في المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف الخ) اللحف بضمتين جمع لحاف، وهو دثار النوم قيل إنّ ما عدا التفسير الثاني لا تساعده العبارة فإنها تدلى على الهجران مع كونهما في المضاجع فلو كانت العبارة عن المضاجع لصح تفسيره فلا بد من حمله على الثاني، أو على الأمر بأن يوليها ظهره في المضجع، وكذا حمله على المبايت ودفعه بأنه حال عن الفاعل ولا
يخفى أنّ في فيل إنها للسببية فالمعنى اهجروهن بسبب المضاجع أي تخلفهن عن المضاجعة كذا قال أبو البقاء: وقيل إنها للظرفية، واهجروا بمعنى اتركوا والمضاجع بمعنى مضاجعهن أي اتركوهن منفردات في مضاجعهن وعليه فلا يرد ما ذكر رأساً؟ ولا حاجة لجوابه، وكأنّ المراد بالمبايت أخص من المضاجع والمراقد وهو هجر حجرهن ومحل مبيتهن من البيت والا فلا فرق بينه ويين ما قدمه، والمبرّح الشديد والشائن الذي فيه شين وعيب كنقص، وجراحة وكسر عضو وما! يقرب منه فالشائن بمعجمة ونون كذا في النسخ، وكونه بزاي هوز بمعنى شديد غليظ أظنه تحريفاً. قوله:(والأمور الثلاثة مرتبة الخ) الترتيب مأخوذ من السياق. والقرينة العقلية لأنها تنصح، ثم تهجر ثم تضرب إذ لو عكس استغنى عما قبله والا قالوا: ولا تدل على ترتيب، وكذا الفاء في فعظوهن لا دلالة لها على غير ترتيب المجموع دون غيره كما قيل، وفي الكشف الترتيب مستفاد من دخول الواو على أجوبة عختلفة في الشدة، والضعف مرتبة على أمر مدرّج فإنما النص هو الدال على هذا الترتيب. قوله:(والمعنى فأرّيلوا عنهن / الئعرض الخ) بغى هنا بمعنى ظلم فهو لازم، وسبيلاً منصوب على نزع الخافض وأصله بسبيل أي لا تظلموهن بطريق من الطرق بالتوبيخ اللساني والأذى الفعلي، وغيره أو بمعنى طلبءفهو متعد وسبيلاً مفعوله أي لا تطلبوا سبيلاً وطريقاً إلى التعدي عليهن، والجار والمجرور متعلق بتبغوا أو صفة سبيلاً قدم عليه فصار حالاً والمعنى على كل حال لا تتعرّضوا لهن بما يؤلمهن. وقوله: " التائب من الذنب) الحديث أخرجه ابن ماجه والطبراني والديلمي عن أنس، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. قوله:(فاحذروه فإنه أقدر عليكم الخ) أي المراد بوصفه تعالى بالعظمة والعلوّ ما يلزمه من تمام القدرة، وارتباطه بما قبله أنّ المراد منه أنّ قدرته عليكم أعظم من قدرتكم على من تحت أيديكم منهن فينبغي الخوف منه وأن لا يبغي أحد أو أنه مع القدرة التامّة يعفو وأنتم أحق بذلك، أو أنه قادر على الانتقام منكم غير راض بظلم أحد. قوله: (خلافاً بين المرأة وزوجها
الخ) الشقاق المخالفة والمنافرة لأنّ كلا منهما يكون في شق وجانب غير شق الآخر أو هو من شق العصاب بمعنى العداوة، وضمير بينهما للزوجين لأنهما وإن لم يجر ذكرهما صريحاً فقد جرى، ضمنا لدلالة النشوز الذي هو عصيان المرأة زوجها والرجال والنساء عليهما. قوله:) وإضافة الشقاق إلى الظرف الخ الما كانت بين من الظروف المكانية التي يقل تصرّفها، والإضافة إليها تقتضي خلافه وجه بأنه للملابسة بين الظرت ومظروفه نزل منزلة الفاعل أو المفعول وشبه بأحدهما فعومل معاملته في الإضافة إليه، وأصله شقاقاً بينهما أي أن يخالف أحدهما الآخر فأقيم البين مقام واحد منهما فالنسبة الإسنادية أو الإضافية مجازية ولم يلتفتوا إلى كون الوصل غير ظرف بمعنى المعاشرة ولا إلى كون الإضافة بمعنى في لضعفهما، والخوف هنا كالذي في تخافون نشوزهن وقد مرّ. قوله:(فابعثوا أيها الحكام الخ) الحكمان لا يخلوان من أن يكونا وكيلين مطلقا أو وكيلين في الصلح، أو شاهدين فإن كانا وكيلين في الجمع والتفريق فلهما ذلك وإلا فهو مخالف للكتاب والسنة، وما نقل عن علي رضي الله تعالى عنه في ذلك مؤوّل وكذا قول مالك رحمه الله تعالى، وقال: ابن العربي: المالكي في الأحكام إنهما قاضيان لا وكيلان فإنّ الحكم اسم في الشرع له، وقال الحسن: شاهدان قال علماؤنا إن كانت الإساءة من الزوج فرّقا بينهما، دمان كانت منهما فرّقا على بعض ما أصدقها، وقوله: وسطا بمعنى عدل والقول بالتحكيم، هو الصحيح عندنا كما بين
في الفروع، وذات البين العداوة وقوله: يتخالعا لما كانا هما المباشرين قال: يتخالعا والا فالظاهر تخالعا، وفي نسخة يتخالفا بالفاء وهو من تحريف النساخ وان تكلف تصحيحها ووجد الصلاح بالمجهول وفي نسخة وجدا مثنى معلوم. قوله:(الضمير الآوّل للحكمين الخ) محصل الاحتمالات في
ضميري التثنية أربعة عودهما للحكمين أو للزوجين، أو الأوّل للحكمين، والثاني للزوجين وعكسه ذكر منها ثلاثة وترك الرابع، وجوّزه الإمام وهو أن يكون ضمير يريدا للزوجين وضمير بينهما للحكمين أي أن يرد الزوجان إصلاحاً يوفق الله بين الحكمين حتى يعملا بالصلاح، ويتحراه بمعنى يقصده ومبتغاه مطلوبه، وقوله: بالظواهر والبواطن ليس نشرا ولفاً وفرّع عليه ما فرّع للالتئام، وقيل: إنه لف ونشر مرتب فأورد عليه أنّ الأولى أنّ العليم هو العليم بالظاهر والباطن والخبير هو العالم ببواطن الأمور كما فسروه به، ولذا أكد لخفائه وفيه نظر. قوله:(صنماً أو غيره الخ) يعني أنّ شيئا هنا مفعول به أو مصدر، ووجه تعقيب هذه الآية لما قبلها بين فإنه لما أرشد إلى معاملة الزوجين ثمة ببيان جميع المعاملات قدم الأمر بالعبادة ونفي الشرك لأنه لا يعتد بهذه الأمور إلا بعد ذلك. قوله:(وأحسنوا بهما إحساناً الخ) ظاهره أنّ الجار والمجرور متعلق بالفعل المقدر فلا يكون مقدّما من تأخير ويجوز تعلقه، بالمصدر فتقديمه للاهتمام وهذا بيان للمعنى، وأحسن يتعذى بإلى واللام والباء قال تعالى:{أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [سورة يوصف، الآية: 00 ا] وقيل: إنه مضمن معنى لطف، وفسر القربى بالقرابة وأصلها مصدر بمعنى القرب، وهو في المكان والزمان ويكون في النسب ويقال للحظوة قربة قال تعالى:{أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ} أسورة التوبة، الآية: 99] وأعاد الباء هنا ولم يعدها في البقرة لأنّ هدّا توصية لهذه الأمّة فاعتنى به وأكد وذلك في بني إسرائيل والقربى الثانية مكانية أو نسبية، أو بمنزلتها من أخوة الإسلام، وقرئ بالنصب أي نصب الجار وصفته على قطعه بمعنى أخص! ، وليس هو الاختصاص النحوي ومرّ القطع في العطف في سورة البقرة ومن قال: أي قرئ ذا القربى فقد وهم لأنه خلاف المنقول والجنب بضمتين صفة كناقة سرح، وقوله: لا قرابة له أي حقيقية أو حكمية كأخوّة الدين كما مرّ والحديث المذكور أخرجه
البزار وابن سفيان في سنديهما، وأبو نعيم في الحلية ولم يذكر الجار القريب نسباً الغير المسلم قيل إشارة إلى أنّ حق القرابة إنما يعتبر مع الإسلام. قوله:(الرفيق في أمر حسن الخ) قدمه وأخر تفسيره بالمرأة لأنه خلاف الظاهر، ومختال من الخيلاء وهو التكبر والتيه. قوله:(بدل من قوله من كان الخ) أي بدل كل من كل، وفي التيسير هو صفة لمن لأنه بمعنى الجمع، وقيل عليه إن جعلت موصوفة فهي نكرة لا يصح أن توصف بالموصول، وإن جعلت موصولة فصحة وصف الموصولات لم نعثر عليه وهذا عجيب منه فإنه مذهب الزجاج وتبعه كثير من النحاة قال الرضي ة لا يقع من الموصولات وصفا إلا ما فيه أل كالذي، وأما وقوع الموصول موصوفاً فلم أعرف له مثالاً قطعياً، بلى قال الزجاج: إن الموفون صفة لمن آمن اهـ، وكذا ذكره في البحر ورجحه وقد مرّ مثله. قوله:(تقديره الذين يبخلون الخ (خبره المقدر قوله أحقاء بكل ملامة وأخره ليكون بعد تمام الصلة، وأحقاء جمع حقيق كأصدقاء جمع صديق ومنهم من قدره مبغضون وغيره مما يؤخذ من السياق، ووقع في نسخة مقدما والنسخة الأولى هي الصحيحة وإنما حذف لتذهب نفس السامع كل مذهب، وفرق الطيبي رحمه الله تعالى بين كون خبر أو مبتدأ بأنه على الأوّل متصل بما قبله مفيد لأنّ هذا من أحسن أوصافهم التي عرفوا بها، وعلى الثاني هو منقطع جيء به لبيان بعض أحواله، والوجه الأوّل، وفي البخل أربع لغات فتح الباء والخاء، وبهما قرأ حمزة والكساتي وضمهما وبها قرأ الحسن وعيسى بن عمرو بفتح الباء وسكون الخاء وبها قرأ قتادة وبضم الباء وسكون الخاء وبها قرأ الجمهور. قوله: (وضع الظاهر فيه موضع المضمر الخ) تبع الزمخشري هنا في تفسير الكفار بمن كفر النعمة وجعله ذماً لهم بكتمان نعمتهم وما آتاهم من فضل الغني، وفي الحديث: " إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن
يرى أثر نعمتة عليه) وبنى عامل للرشيد- قصرا بحذاء قصره فنمّ به عنده فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنّ الكريم يسره أن يرى أثر نعمته فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك، فأعجبه كلامه
لأنه أنسب بما قبله وما بعده من البخل إذ البخل- وكتمان النعمة توأمان، وأشار بما بعده إلى جواز حمله على ظاهره، وهو وان كان ظاهرا بحسب اللفظ لكنه بعيد عن السمياق وقوله:(تنصحا) بمعنى تكلفا للنصح، واظهارا للغش في صورته، وأما على ما بعده فقيل في وجه المناسبة إنهم بخلوا بما عندهم من نعمة العلم وأمروا أتباعهم بذلك أو هم بمنزلة الآمرين بذلك لعلمهم باتباعهم لهم وذكر ضمير التعظيم في اعتدنا أيضاً للتهويل لأنّ عذاب العظيم عظيم، وغضب الحليم وخيم والمراد بنعمة الله الجنس، فلا يقال الظاهر نعم الله، وجعل البخل والإخفاء إهانة للنعمة لأنه في الأكثر لجحودها أو عدم الاعتداد بها أو لأنه يشبه الإهانة لأنه فعل ما لا يليق بها:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [سورة الضحى، الآية: اا] وكونها نزلت في اليهود أخرجه أبن إسحق وابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكذا ما بعد. أخرجه ابن أبي حاتم لكن سنده ضعيف. قوله: (لأنّ البخل والسرف الخ) المراد بالسرف التبذير لأنه في غير محله وقوله: (خبره محذوف الخ) أي قرينهم الشيطان، وليتحروا أي يقصدوا بالحاء المهملة. قوله:(تنبيه على أنّ الشيطان الخ) أي تنبيه على الخبر المقدر كما تقدّم وعدل عن الظاهر لتعينه، والمراد التنفير عن اتباعه، قيل: والمراد بأعوانه الداخلة قبيلته وبالخارجة الناس التابعون له، أو الداخلة في الإنسان قواه النفسانية وهواه، والخارجة صحبة الأشرار وقيل الأولى النفس والقوى الحيوانية، والخارجية شياطين الإنس والجن وساء بمعنى بض من أفعال الذم الملحقة بالجامدة ولذا قرنت بالفاء، ويحتمل أن تكون على بابها بتقدير قد كقوله:{وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [سورة النمل، الآقي: 90 لح. قوله: (أي وما
الذي عليهم أو أيّ تبعة تحيق بهم الخ) أشار إلى وجهي ماذا من كون ما استفهامية وذا بمعنى الذي موصولة وكون المجموع كلمة اسنفهام بمعنى أي شيء والتبعة الوبال والضرر وقوله: (بسبب الإيمان الخ) إشارة إلى أنّ جملة ماذا بمعنى جواب الشرط مسبب عنه لكونه بمنزلته في الدلالة عليه، ولو قيل إنها هنا بمعنى إن وقيل: إنها مصدرية وقيل إنها جملة مستأنفة جوابها مقدر أي حصلت لهم السعادة ونحوه. قوله: (وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المتقعة الخ) أي بالمنفعة وموقعها يعني أنّ السؤال بحسب الظاهر عن الضرر المترتب على ذلك ومعلوم أنه لا ضرر فيه فالمقصود توبيخهم على اجتناب ما ينفع كما يجتنب عما يضر كما يقال للعاق ما ضرك لو كنت باراً وهو أسلوب بديع كقوله:
ما كان ضرّك لومننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق
ولولا هذا لم يستقم لأنه معلوم أنّ كل منفعة فيه فلا معنى للاستفهام بأنه أفي ضرر فيه والضرر مستفاد من على ويؤدّي بهم ضمن معنى يصل بهم والا فهو متعد بنفسه، ووجه التنبيه المذكور ظاهر. قوله:(وإنما قدم الإيمان الخ (المراد بالاية الأخرى والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله الخ، والتحضيض بضادين معجمتين بمعنى الحث، يعني أنّ عدم الإيمان ثمة ذكر لتعليل ما قبله من وقوع مصارفهم في دنياهم في غير محلها كما أشار إليه فيما سبق بقوله: ليتحرّوا الخ ولو قيل لأنّ المراد به الإسراف الذي هو عديل البخل فقدم لئلا يفصل بينهما على تقدير العطف لكان له وجه، وهنا ذكر للتحريض فينبغي أن يبدأ فيه بالأهم فالأهم، وثمّ بالفتح اسم إشارة وترسم بالهاء السكتية أيضا، وكون ذكر علمه للوعيد مر تحقيقه. قوله: (لا ينقص من الأجر ولا يزيد الخ) الظلم كما قال الراغب: في مفرداته عند أهل اللغة، وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة أو بعدول عن وقته أو مكانه اهـ، فمن قال إنه ليس معنى حقيقيا للظلم حتى يلزم عدم تحقق الظلم بوقوع أحدهما دون الآخر فالأولى
أن يقال إنّ الظلم الضر بما لا يستحقه فما ذكر تفصيل له بإيراد أنواعه لم يصب، ثم إنه جعل نفي أدنى ما يكون من الظلم كناية عن إعطاء الأجر والثواب بتمامه من غير نقصحان، وعن عدم زيادة في عقاب السيئة أدنى شيء فلولا أنّ ترك هذا الإعطاء والمنع ظلم لما صحت الكناية ويدل على القصد إلى هذا قوله:( {وَإِن تَكُ حَسَنَةً} الخ) قال المحقق: هو لا يفعل الظلم لمنافاته الحكمة لا القدرة لأنّ الظاهر من قولنا فلان لا يفعل كذا في الأفعال التي هي اختيارية في نفسها، أنه تركه باختياره
والقادر على الترك قادر على الفعل والتمدح بترك الفعل الاختياري لا يغون إلا حيث يمكن فعله بخلاف غير الاختياري مثل لا تاخذه سنة ولا نوم، فإنّ التمدح بتنزهه عنه وعدم اتصافه به مبناه على أنّ مدلول الكلام الترك لا عدم الاتصاف، وقد يقال: إن الظلم أي وضمع الشيء في غير موضعه ممكن في نفسه وقدرته تشمل جميع الممكنات ويتوجه مغ إمكان ظلمه كنومه، وأما استحالته في الحكمة فلأنها إتيان بالفعل على ما ينبغي، وعلى أن يتعلق به غرض صحيح والقبيح لا يكون كذلك بالنسبة إلى الغني المطلق، وعندنا أيضا أنه لا ينقص عن الأجر ولا يزيد في العقاب بناء على وعده المحتوم فإنّ الخلف فيه ممتنع لكونه نقصا منافيا للألوهية وكمال الغني وبهذا الاعتبار يصح إن يسمى ظلماً، وان كان لا يتصوّر حقيقة الظلم منه تعالى لكونه المالك على الإطلاق، فاحفظه ف! نه مهم ونزل عليه ما يقع من المصشف من أنه لا بد من ثواب المطيع وعقاب غيره وأنه ليس مبنيا على الاعتزال والأصلح وارتباطه لما فيه من تحقق الجزاء بما قبله من الحث على الإيمان والإنفاق ظاهر.
قوله: (وفي ذكره إيماء الخ) يعني لم يقل مقدار ذرّة ونحوه ل! شارة بما يفهم منه الثقل
الذي يعبر به عن الكثرة والعظم كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} إلى أنه وان كان حقيرا فهو باعتبار جزائه عظيم ولذا رتبه على أخذه من الثقل. قوله: (وأنت الضمير لتأنيث الخبر الخ) في تأنيثه وجوه فقيل لتأويل المثقال بالزنة، وقيل: لأنّ المضاف قد يكتسب التأنيث من المضاف إليه إذا كان جزأه نحو:
كما شرقت صدر القناة من الدم
أو من صفته نحو لا تنفع نفسا إيمانها في قراءة ومقدار الشيء صفة له، أو هو لتأنيث الخبر أو الضمير عائد على المضاف إليه فإن قلت تأنيث الخبر إنما يكون لمطابقة تأنيث المبتدأ فلو كان تأنيث المبتدأ له لزم الدور قلت إنما ذاك إذا كان مقصوداً وصفيته والحسنة غلبت عليها الاسمية، فألحقت بالجوامد التي لا تراعي فيها المطابقة نحو الكلام هو الجملة. قوله:(وحذف النون من غير قياس الخ) وجه الشبه غنتها وسكونها وكونها من حروف الزوائد ولكثرة
دوره جاز فيه على خلاف القياس بشروطه وفيه مخالفة له أخرى، وهو عدم عود الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين بعد حذفها. قوله:(يضاعف ثوابها الخ) مضاعفة نفس الحسنة بأن تجعل الصلاة الواحدة صلاتين مما لا يعقل، وما في الحديث من أنّ تمرة الصدقة يربيها الرحمن حتى تصير مثل الجبل محمول على هذا للقطع بأنها أكلت واحتمال إعادة المعدوم بعيد، وكذا كتابة ثوابها مضاعفاً، ومضاعفة الثواب بحسب المقدار كما اختاره الإمام وقيل بحسب المدة لأنّ الثواب منفعة دائمة وهو من أوصافه الذاتية فيتحقق في كل ثواب البتة، ويحسن عطف التفضل عليه بقوله: ويؤت من لدنه أجراً عظيما، وهو المضاعفة بحسب المقدار ولذا فسر الثواب بالمنفعة الخالصة الدائمة للتنبيه على هذا وفيه بحث. قوله:(وكلاهما بمعنى) هذا هو المختار عند أهل اللغة والفارسي.
وقال أبو عبيدة ضاعف يقتضي مراراً كثيرة وضعف يقتضي مرّتين، وردّ بأنه عكس اللغة
لأنّ المضاعفة تقتضي زيادة المثل فإذا شدد دلت البنية على التكثير فيقتضي ذلك تكرير المضاعفة وقد مرّ فيه تفضيل. قوله: (ويعط صاحبها من عنده الخ) إشارة إلى أنّ لدن بمعنى عند هنا وإن فرق بينهما بأنّ لدن أقوى في الدلالة على القرب، ولذا لا يقال لدفي مال إلا وهو حاضر بخلاف عند، وتقول: هذا القول عندي صواب ولا تقول لديّ ولدني كما قاله الزجاج رحمه الله تعالى وفيه نظر لأنه شاع استعمال لدن في غير المكان كقوله: {مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [صورة الكهف، الآية: 65] ومحصل تفسيره إنّ الأجر مجاز عن التفضل لأنه قال يضاعفها والمضاعفة هي الأجر، فوجب حمل هذا على معنى زائد على الأجر، وهو التفضل ولذا قرن معه من لدنه، وهذا القول يقتضي تقدير الثواب وأنه بالاستحقاق لا بالتفضل، وتسميته بالأجر تسمية له باسم مجاوره، وقيل عليه إنه تعسف إنما يصار إليه إذا قدر مضاف أي يضاعف ثوابها وأما إذا جعلت الحسنة نفسها مضاعفة كما صرّح به في الأحاديث، وترك الأجر على ظاهره ليعلم أنّ الأجر تفضل منه وأنه من لدنه لا باستحقاق العمل كما هو مذهب أهل الحق فأيّ حاجة لنا إلى ارتكاب هذه التعسفات، والعجب من القاضي وصاحب التقريب والانتصاف كيف لم ينبهوا عليه ولم ينتبهوا له، وهو
ليس بوارد لأنه جار على المذهبين كما في الكشف أما على مذهب المعتزلة فظاهر كما قرّره وأما على مذهب أهل الحق فالمراد بالأجر التفضل كما ذكره والمراد بمقابلة العمل الثواب الموعود به فلو عده تعالى به وهو الذي لا يخلف الميعاد صار كأنه حق له وذلك أيضاً بمقتض الكرم كما قيل، وعديم الكردين وقد صرّح به المصنف رحمه الله تعالى بقوله على ما وعد والمعترض! غفل عنه لا بطريق الوجوب كما ذهب إليه المعتزلة نعم حمل الأجر على ما ذكر لا يخلو من بعد والداعي إليه عدم التكرار ولذا ذهب كل إلى وجه
فيه، وقال الإمام إن ذلك التضعيف يكون من جنس اللذات الموعود بها في الجنة وأما هذا الأجر العظيم فهو اللذة الحاصلة عند الرؤية والاستغراق في المحبة والمعرفة، وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادات الجسمانية وهذا الأجر إشارة إلى السعادات الروحانية. قوله:(فكيف حال هؤلاء الخ (الفاء فصيحة أي إذا كان كل قليل، وكثيريجازي عليه فكيف حال هؤلاء وكيف في محل نصب على الظرفية على القول الأصح لا الحالية فهو خبر مبتدأ محذوف هو حالهم، وهو العامل في الظرف ولذا قدر والا كان يكفي كيف هؤلاء لأنه سؤال عن الحال وعامله استقرّ أو مستقرّ وذلك هو العامل في إذا، وهو المراد بالظرف في كلام المصنف رحمه الله تعالى، وقيل: إنه في محل نصب بفعل محذوف وهو العامل فيها أي كيف تصنعون أو يكون حالهم، وهذا ما قرّره صاحب الدرّ المصون، وهو أولى من جعله متعلقا بمضمون الجملة من التهويل والتفخيم المستفاد من الاستفخام وأما كونه متعلقا بكيف فمما لا ينبغي. قوله: (تشهد على صدق هؤلاء الشهداء الخ) المراد بالشهداء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فكان المناسب إبدال قواعدهم بشرائعهم لكنه قعد على طريق القافية، وعلى القول بأنه إشارة إلى الكفرة يكون شهادته تقوية لشهادة أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، وقد مرّ تفصيل معنى الشهادة فيه، وإنما أقحم صدق لأنّ شهد إذا تعذى لأحد الخصمين تعدى بعلى في الضرر وباللام للنفع وان تعدّى للأمر المشهود عليه تعدى بعلى مطلقا فلذا قدره ليكون من الثاني إذ لو كان من الأوّل لقيل لهؤلاء، ومن لم يتفطن للفرق قال: على متعلق بشهيداً مضمناً معنى التسجيل لئلا يلزم الشهادة عليهم لا لهم، وكأنه الداعي إلى جعله إشارة إلى الكفرة. قوله: (بيان لحالهم حينئذ (تسوّي تجعل مستوية والباء إما بمعنى الملابسة، أو على أو مع أو للتعدية وتسوية الأرض بهم إما كناية عن دفنهم والباء للملابسة أي تسوّي الأرض ملتبسة فبهم، وقيل للسببية أو بمعنى على وعلى الوجهين الأخيرين هي صلة، قال في الأساس: ساويت هذا بهذا وسوّيته به، ولا قلب إذ لا فرق بين سوّيتهم بالأرض! والتراب وسوّيتهما بهم، وقيل: معناه لو تعدل بهم الأرض! أي يؤخذ ما عليها منهم فدية، وقرئ بالتخفيف مع ضم التاء، وفتحها وعلى
الأوّل {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ} واحد نوعا، وعلى الثاني نوعان ويشملهما الذين لكن في الصلة إشارة إلى تنويعهم فلا يلزم عليه حذف الذين، وقد صرّج المصنف بأنه غير جائز في قوله تعالى:{وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [سورة الزمر، الآية: 33] حيث قال: إذا كان الجائي هو الرسول صلى الله عليه وسلم والمصدق أبو بكر رضي الله تعالى عنه يقتضي إضمار الذي وهو غير جائز كما قيل للفرق بين المفرد والجمع مع أنّ في المسألة خلافا للفراء، وما نسب لحمزة والكسائي هو قراءة نافع، وابن عامر وحمزة والكسائي قرآ بالفتح والتخفيف كما في الدر المصون فليحزر النقل فيه، ثم إنه قال: وتسوية الأرض بهم أو عليهم دفنهم أو إن تنشق وتبلعهم أو أنهم يبقون ترابا على أصلهم من غير خلق. قوله: (ولا يقدرون على كتمانه) قيل هو على الوجه الأول عطف على قوله تسوّى بهم الأرض فقوله أي يوذون تفسير للآية على وجه العطف لأنه جعل لا يكتمون في حيزيوذ.
(وههنا شيء) وهو أنّ قوله: ولا يقدرون على كتمانه إن كان تفسيراً للآية على وجه العطف فما الحاجة إلى تقدير القدرة مع أنه فسر بأنهم لا يكتمون وان كان تفسيرا للآية على وجه الحال فالعطف عليه بقوله، وقيل للحال غير مستقيم، وقوله: ولا يكذبونه عطف على لا يكتمون الله حديثا على سبيل البيان والتفسير لأنّ المراد بالكتمان جحدهم بأنه ربهم حتى أدى إلى أن ختم أفواههم وتكلمت جوارحهم بتكذيبهم فافتضحوا، لذلك وتمنوا أن
تسوى بهم الأرض ولم يكذبوا.
(أتول) بل هو عطف على يودّ، وقوله: لأنه الخ مما لا يفهم من الكشاف أصلا وان جوّزوا عطفه على تسوّى أيضاً، وقوله: ولا يقدرون بيان للمعنى بأنهم لا يقدرون على الكتمان أي عدم كتمانهم ناشئ من عدم قدرتهم لا أنهم يقدرون ولا يكتمون، وليس مراده إنه محتاج إلى تأويله فقوله ههنا شيء ليس بشيء، وقد جوّز في الدرّ المصون فيه ستة أوجه لا! الواو إفا للحال أو للعطف وهو إما عطف على مفعول يود أي يوذون تسوية الأرض! بهم وانتفاء كتمانهم ولو مصدرية في موضع مفعول يودّ لا شرطية ويكون حينئذ، لا يكتمون عطفا على مفعول يوذ المحذوف، ويجوز أن يكون عطفا على جملة يوذ فأخبر عنهم بالودادة وأنهم لا يقدرون على الكتم ولو مصدرية أو شرطية جوابها محذوف، ومفعول يوذ محذوف أيضأ، ولا يكتمون عطف
على الجملة الشرطية وان كانت حالية فهي إما حال من ضمير بهم، والعامل تسوّي، ويجوز في لو الوجهان، أو من الذين كفروا والعامل يودّ. قوله:(لا تقوموا إليها وأنتم سكارى الخ) يعني أنّ المراد بقربها القيام لها، والثلبس بها والمعنى لا تصلوا لكن نهى عن القرب مبالغة، وشمول السكر للنوم وسكر الخمر مخالف لجمهور المفسرين وسبب النزول وأنه خلاف الظاهر لما فيه من الجمع بين الحقيقة، والمجاز أو عموم المجاز واطلاق السكر على غير الخمر يستعمل مقيداً في الأغلب كسكرة الموت، وقيده بعلم ما يقوله وهو كناية عن علم ما يصحدر عنه من قول وفعل بيانا لحد السكر، وخصه لأنه سبب النزول ولأنّ القراءة مع أنها أعظم الأركان ومناجاة الرحمن الخلط فيها ربما أدّى إلى الكفر بخلاف الأفعال، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صحابيّ معروف والمأدبة بفتح الدال وضمها الطعام الذي يدعى إليه وأدب القوم بأدبهم دعاهم إليه، وثملوا بالثاء المثلثة بمعنى سكروا وقوله: فقرأ عبد الخ أي بحذف لا في سورة الكافرين. قوله: (وقيل أراد بالصلاة مواضعها الخ) فهو مجاز من ذكر الحال، وإرادة المحل بقرينة قوله:(إلا عابري) فانه يدل عليه بحسب الظاهر وجعل المنهي عنه السكر وافراط الشرب لا قربان الصلاة لأنّ القيد مصب النفي، والنهي ولأنه مكلف بالصلاة مأمور بها والنهي ينافيه لكنه لا مانع عن النهي عنها للسكران مع الأمر المطلق إلا أنّ مرجعه إلى هذا والحاصل أنه مكلف بها في كل حال، وزوال عقله بفعله لا يمنع تكليفه، ولذا وقع طلاقه ونحوه ولو لم يكن مأموراً بها لم تلزمه الإعادة إذا استغرق السكر وقتها وقد نص عليه الجصاص في الأحكام وفصله فمن قال: لا دليل على ما ذكره غفل عن المسألة. قوله: (والسكر من السكر الخ) السكر بفتح السين وسكون الكاف حبس الماء وبكسر السين نفس الموضع المسدود وقيل: السكر بضم السين وسكون الكاف السد والحاجز كالجسر قال:
فما زلنا على السكر نداوي السكر بالسكر
والحاصل أنّ مادته تدل على الانسداد ومنه سكرت أعينهم أي انسدت. قوله:) سكارى بالفتح الخ) قراءة الجمهور سكارى بضم وألف، وهو جمع تكسير عند سيبويه واسم جمع عند غيره لأنه ليس من أبنية الجمع والأرجح الأوّل وقرأ الأعمش سكرى بضم السين على أنه صفة كحبلى وقع صفة لجماعة أي وأنتم جماعة سكرى كما حكي، كسلى وكسلى وقرأ النخعي
سكرى بالفتح وهو إما صفة مفردة صفة جماعة كما مرّ أو جمع تكسير كجرحى وإنما جمع سكران عليه لما فيه من الآفة اللاحقة للعقل، وقد تقدم الكلام عليه في أسارى في البقرة وقراءة سكارى بفتح السين جمع سكران كندمان وندامى. قوله:(عطف على قوله وأنتم سكارى الخ) جعله عطفا على الجملة الحالية مع الواو لئلا يلزم دخول، واو الحال على الحال المفردة، وأعاد لا لأنّ كلا منهما مانع منها وفيه تأمل قال النحرير هذا حكم الإعراب وأما المعنى ففرق بين قولنا جاء القوم سكار! ، وجاؤوا وهم سكارى إذ معنى الأوّل جاؤوا كذلك والثاني جاؤوا وهم كذلك باستئناف الإثبات ذكره عبد القاهر يعني بالاستثناف أنه مقرّر في نفسه مع قطع النظر عن ذي الحال وهو مع مقارنته له يشعر بتقرّره في نفسه، ويجوز تقدمه واستمراره ولذا قال السبكي رحمه الله تعالى في الأشباه لو قال لله عليّ أن اعتكف صائما لا بد له من صوم يكون لأجل ذلك النذر من غير سبب آخر فلا يجزئه
الاعتكاف بصوم رمضان، ولو قال وأنا صائم أجزأه فافهمه فإنه فرق دقيق وانظر وجه التفرقة بين الحالين هنا والنكتة فيه ووجهه، أنّ الحال إذا كانت جملة دلت على المقارنة وأما اتصافه بمضمونها فقد يكون قد لا يكون نحو جاء زيد وقد طلعت الشمس، والحال المفردة صفة معنى فإذا قال دلّه عليّ أن أعتكف وأنا صائم نذر مقارنته للصوم، ولم ينذر صوما فيصح في رمضان، ولو قال صائما نذر صومه فلا يصح فيه وهذه المسألة نقلها الأسنوي في التمهيد ولم يبين وجهها، والنحرير ذكرها من غير نقل كأنها من بنات فكره ولم نر لأئمتنا فيها كلاما فأعرفه فإنه مما يعض عليه بالنواجذ. قوله:(والجنب الذي أصابه الجنابة الخ) بيان اسنواء المفرد المذكر وغيره فيه لتوجيه عطفه على الجمع وهي اللغة الفصيحة فيه، وفيه لغة أخر! تجمعه، وتثنيه واجراؤه مجرى المصدر معاملته معاملته في شموله للواحد وغيره لأنّ من المصادر ما جاء على وزنه كالنكر والنذر لا أنه مصدر في الأصل بمعنى الجنابة وأصله من التجنب بمعنى البعد. قوله: (متعلق بقوله ولا تجنباً الخ (أي هو استثناء منه لا منه ومما قبله، وكونه استثناء من أعم الأحوال أي أحوال المخاطبين المجنبين ولهم أحوال جمة ما عدا حال السفر فنهوا عن قربان الصلاة إلا في حال السفر يعني:{لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} أي وأنتم جنب على تقدير من التقادير وفي حال من الأحوال إلا في حال السفر قال الزمخشريّ: إلا عابري سبيل استثناء من عامّة أحوال المخاطبين،
وانتصابه على الحال فإن قلت كيف جمع بين هذه الحال، والحال التي قبلها قلت كأنه قيل لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة إلا ومعكم حال أخرى تعذرون فيها وهي حال السفر، وعبور السبيل عبارة عنه يعني لا عن المرور في المسجد كما في القول الآخر، ثم قال ويجوز أن لا يكون حالاً و! ن صفة لقوله:" جنباً " أي ولا تقربوا الصلاة جنباً غير عابري سبيل أي جنبا مقيمين غير معذورين اهـ، وقيل في تقرير كلامه إنّ السؤال للاستفسار عن كيفية جعلهما من فعل واحد أهما على سبيل الاستقلال أو الاجتماع وعلى تقدير الاجتماع أكل منهما معتبر في الأخرى أم ذلك من جانب واحد وعلى الأخير ما ذاك وكيف هو، وحاصل الجواب أنهما على الاجتماع واعتبار الثانية في الأولى أي لا تصلوا في حال الجنابة كائنين على حال من الأحوال إلا مسافرين، والمراد نفي ما يقابل السفر، ولا صحة للاستقلالط مثل لا تصلوا جنباً ولا تصلوا إلا عابري سبيل، وقوله: ولكن صفة ربما يشعر بأنه استثناء مفرع في موقع الصفة أي ولا جنباً موصوفاً بصفة إلا مسافراً لكن قوله جنبا غير عابري سبيل أي جنباً مقيمين يدل على أنه جعل إلا بمعنى غير صفة لجنباً لكونه جمعا منكراً، كقوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [سورة الأنبياء، الآية: 22] لكن مثل هذا إنما يصح عند تعذر الاستثناء، ولا تعدّر هنا لعموم النكرة بالنفي كما تقول ما لقيت رجالاً إلا مسافرين، والأوجه أن يجعل مفرّغا ويكون قوله جنباً غير عابري سبيل بياناً للمعنى لا تقديراً للإعراب وقد يرجح الأوّل أي أنها بمعنى غير بأنه لا يفيد الحصر فلا يرد المريض إشكالاً بخلاف الثاني فإنه يفيد حصر جوازه صلاة الجنب في وصف كونه مسافراً، وكذا جعله حالاً وجوابه منع عدم إفادة الأوّل الحصر فإنّ معناه لا تصلوا جنباً غير مسافرين، والمريض الجنب غير مسافر فيكون قوله: وان كنتم مرضى تخصيصا للحكم وتعميماً للعذر سواء أكان حالان أو صفة أو بمعنى غير، وقوله: غير معذورين صفة لمقيمين إما على سبيل التخصيص واما على سبيل البيان والقصد أنّ عابري سبيل كناية عن مطلقا المعذ وربن.
(أقول) معنى كلام العلامة أنه يجوز فيه وجهان أن يكون استثناء مفرغا من حال متداخلة
عامّة أو من صفة للنكرة مقدرة لأنه يجوز التفريغ في الصفات، ويحتمل الوجه الثاني أنه صفة والا بمعنى غير والوجه الأوّل لا يحتمل غير التفريغ لأنه لو كان مستثنى من جنبا لأنه بمعنى جنبين لقال مستثنى من ذوي الجنابة لا من عامّة الأحوال وفي كلام الشاوج المحقق إجمال مخل، وما ذكره من الشرط في التوصيف بإلا ذكره ابن الحاجب وقد خالفه فيه النحاة كما في المغني.
(وههنا أمور ينبغي التنبه لها) وهو أنّ الحصر يقتضي أنه لا يرخص فيه لغير المسافر
وليس كذلك وأنه على تقدير تأويله فما الداعي إلى العدول عن الظاهر بأن يقال إلا عابري سبيل أو مرضى فاقدي الماء يعني حساً أو حكماً، وأنه لم لم يقدم حتى
تغتسلوا على الاستثناء هو الظاهر، أما الأوّل فإنّ المراد بغير عابري السبيل غير معذورين بعذر شرعي إما بطريق
الكناية أو بإيماء النص ودلالته، والداعي إلى عدم التصريح أنه أبلغ وأوكد منه لما فيه من الإجمال والتفصيل ومعرفة تفاضل العقول والإفهام، وأنّ المراد أوّلاً بيان غير المعذورين والاستثناء إيماء إليه وفيما بعده بيان حال المعذورين والمقصود هو صحة الصلاة جنبا ولا مدخل لقوله: حتى تغتسلوا فيه ولذا أخر، وإنما ذكر تنبيها على أنّ الجنابة إنما ترتفع بالاغتسال، ولولا ذلك كان ذكره لغواً وبما ذكر علم كلام المصنف رحمه الله فنزله على ما مر. قوله:(وفيه دليل على أنّ التيمم لا يرفعا الحدث) هذا مما وقع فيه الخلاف عندنا وعندهم أيضاً، ووجه الدلالة كما قال الجصاص: أنه سماه جنبا مع كونه متيمما ومن لا يراه يقول لم يوصف الجنب بأنه متيمم، وإن كان يعلم ذلك من الآية المتصلة به فيجوز أن يكون وصفه بالجنابة قبل التيمم فإن محصل معنى الآية لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا، إلا عابري سبيل فاقربوها بلا اغتسال بالتيمم لأنّ المعنى فاقربوها جنبا بلا اغتسال بالتيمم فالرفع، وعدمه مسكوت عنه، ثم استفيد كونه رافعاً من خارج وقيل هو من قوله حتى تغتسلوا. قوله:(ومن فسر الصلاة الخ) على أنه مجاز أو بتقدير مضاف، وربما يرشحه أنه قيل لا تقربوا مع أن لا تصلوا أخصر لأنّ حقيقة القرب والبعد في المكان وليس من استعمال لفظ الصلاة في حقيقته ومجازه، والموجب للعدول عن الظاهر توهم لزوم جواز الصلاة جنباً حال كونه عابر سبيل لأنه مسحنى من المنع المغيا بالاغتسال، وليس بلازم لوجوب الحكم بأنّ المراد جوازها حال كونه عابر سبيل أي مسافراً بالتيمم لأنّ مؤدي، التركيب لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا إلا حال عبور السبيل فلكم أن تقربوها بغير اغتسال، نعم مقتضى ظاهر الاستثناء إطلاق القربان حال العبور لكن ثبت اشتراط التيمم فيه بدليل آخر وليس ببدع، وعلى هذا فالآية دليلهما على منع التيمم للجنب المقيم في المصر ظاهرا، وجوابه أنه خص حالة عدم القدرة على الماء في المصر من منعها كما أنها مطلقة في المريض، والإجماع على تخصيص حالة القدرة حتى لا يتيمم المريض القادر على استعمال الماء وهذا للعلم بأنّ شرعيته للحاجة إلى الطهارة عند العجز عن الماء فإذا تحدد في المصر جاز وإذا لم يتحقق في المريض لا يجوز، وقوله وقال أبو حنيفة الخ نحو منه في الكشاف لكن المذكور في فقه الحنفية منع الدخول في المسجد مطلقا وكذا نقله الجصاص في الأحكام إلا أنه نقل عن الليث أنه لا يمرّ فيه إلا أن يكون بابه إلى المسجد، وهو قريب منه وذكر أنه صح أنه رخصة لعلي رضي الله عنه وكرم وجهه خاصة. قوله:(غاية النهي الخ) وجه التنبيه المذكور أنه إذا وجب تطهير البدن فتطهير القلب أولى، أو أنه إذا لم يقرب مواضع
الصلاة من به حدث فلأن لا يقرب القلب الذي هو عرش الرحمن خاطر غير طاهر ظاهر. قوله: (مرضاً يخاف معه الخ (ليس مراده أن المرض مخصص بصفة مقدرة بل بيان للحكم المأخوذ من الآية، وتحقيقه فلا يرد عليه أنه لا حاجة إلى هذا التقييد لأنه مأخوذ من قوله فلم تجدوا كما سيأتي في تفسيره، وجعله راجعاً إلى غير المرضى لا وجه له، واعادة على سفر على أحد التفسيرين تتميم للأقسام ولأنّ الاستثناء كني به عن العذر كما مرّ ولأنّ هذا الحكم مطلق شامل للحدثين والأوّل للجنب فقط والمرض المانع تمكنه من الوصول له ككونه مقعداً. قوله: (فأحدث الخ) يعني أنّ الغائط المكان المطمئن أي المنخفض وهو الغيط أيضا وبه قرأ ابن مسعود رضي الله عنه، ولذا استعملوه بمعنى البستان ثم إنه كني به عن الحدث المعروف لأنه مما يستحيا من ذكره لا إنّ في الكلام مقدراً بهما توهم، وفي ذكر أحد فيه دون غيره إشارة إلى أنّ الإنسان ينفرد عند قضاء الحاجة كما هو دأبه وأدبه. قوله:(استدل الشافعئ رضي الله عنه على أنّ اللمس الخ) لأنّ الحمل على الحقيقة هو الراجح لا سيما في قراءة من قرأ لمستم إذ لم يشتهر في الوقاع كالملامسة، وفي الكشف ورجح بعضهم الحمل على الوقاع في القراءة الأخرى ترجيحا للمجاز المشهوو وعملاً بالقراءتين إذ لا منافاة، وآخرون إنها على الحقيقية أيضاً دالة على حدث اللام! والملموس وقد نقله صاحب الإتقان وحسنه. قوله:(فلم تتمكنوا من استعماله الخ) المراد بالممنوع غير
الممكن لمانع ما، وقوله: في غالب الأمر لأنه تد يفقد الماء في الحضر أيضا وما يحدث بالذات هو الغائط وما بالعرض الملامسة، ولم يذكر العذر في الحدث الأصغر لأنه مندرج في اكبر ومعلوم منه بالطريق الأولى ففي النظم إيجاز لطيف. قوله:(فتعمدوا شيثاً الخ) إشارة إلى أنّ صعيداً مفعول به وقيل إنه منصوب بنزع الخافض أي بصعيد، وفسر الطيب بالطاهر ومنهم من فسره بالمنبت، وكون الصعيد بمعنى التراب عليه أكثر
أهل اللغة، وقوله:{فَتَيَمَّمُواْ} جزاء للشرط والضمير راجع إلى جميع ما اشتمل عليه ولا حاجة إلى تقدير جزاء لقوله تعالى: {جَاء أَحَدٌ مَّنكُم} وكون التبعيض ظاهراً في مسحت منه أي ببعضه هو المتبادر وهو يقتضي التراب، والحنفية يحملونه على الابتداء أو الخروج مخرج الأغلب، وقيل: الضمير للحدث المفهوم من السياق، ومن للتعليل أو لابتداء الغاية، وقوله: من وجه الأرض تفسير على المذهبين. قوله: (واليد الخ) اليد مشتركة بين معان من أطراف الأصابع إلى الرسغ، والى المرفق، والى الإبط وهل هو حقيقة في واحد منها مجاز في غيره أو حقيقة فيها جميعا رجح بعضهم الثاني ولذا ذهب إلى كل منها بعض السلف هنا لكن مذهبنا ومذهب الشافعيّ والجمهور أنه إلى المرفقين، والرواية التي أشار إليها حديث أبي داود وهو وان قيل ضعيف لكنه مؤيد بالقياس على الوضوء الذي هو أصله وإنه أحوط، وقوله: فلذلك يسر الأمر إلى آخره قيل لو فسر العفو بالميسر من العفو بمعنى السهل لكان أنسب كما في التيسير ولا يخفى أنّ العفو الضقرون بالمغفرة يقتضي خلافه فهو كالتعليل لقوله: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى} الخ والعفو والغفران يستدعيان سبق جرم وليس في تلك الأعذار ما يشم منه رائحته فلا يصح إجراؤه على ظاهره فوجب العدول إلى تجعله كناية عن الترخيص، والتيسير لأنه من توابعه ويؤيده مجيء قوله:{مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 6] في المائدة بعده وأدمج فيه أنّ الأصل فيها الطهارة الكاملة وأنّ غيرها من الرخص من العفو والغفران. قوله: (من رؤية البصر الخ (يعني الرؤية إما بصرية وتعديتها بإلى حملا لها على نظر أو علمية وضمن معنى الانتهاء أي ألم ينته علمك إليهم، وقوله: حظا يسيراً أخذ القلة من التنوين وأما حمله على التكثير والكتاب على القرآن فخلاف الظاهر. قوله: (يختارونها) يعني أنه استعارة أو مجاز مرسل في لازم معناه إما للاختيار أو الاستبدال وعلى كل فمتعلقه محذوف، وقوله بعد تمكنهم إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنهم ليس لهم هدي فيستبدلوه بأن التمكن جعل بمنزلة
حصوله أو أنه حاصل لهم بالفعل لعلمهم به وتحققه عندهم، وان لم يظهروه والتمكن والحصول لف ونشر مرتب للاختيار والاستبدال، وعلى القيل المراد بالضلالة تحريف التوراة أي اشتروها بمال الرشا، وقوله: فاحذروهم الخ يعني أنّ الجملة للتأكيد وبيان التحذير والا فأعلميته معلومة. قوله: (والباء تزاد الخ) الباء تزاد بعد كفى كثيراً في الفاعل وقد تزاد في المفعول أيضا، ووجه زيادتها هنا تأكيدا لنسبة بما يفيد الاتصال وهو الباء الالصاقية وهو المراد بالاتصال الإضافي لأنّ حروف الجر يسميها بعض النحاة حروف الإضافة لإضافة معنى متعلقها لما بعدها وايصاله إليه وليس هذا معنى آخر كما توهم. قوله: (بيان للذين أوتوا نصيياً الخ (ولا يرد اعتراض با! الاعتراض بجملتين مختلف فيه كما قيل لأنّ الخلاف إذا لم يكن عطف وفيه هي كجملة واحدة بلا خلاف فما قيل ظاهره أنّ كلا منها جملة مصدرة بالواو الاعتراضية لا أن تكون الأولى اعتراضية والأخريان عطفا عليها ليس كما ينبغي، وقوله: ويحفظكم إشارة إلى أنه إذا كان متعلقا بالنصر وصلة له فتعديته بمن لتضمنه معنى الحفظ أو الائتقام كما أن تعديته بعلى لمعنى الغلبة، وأما جعله خبراً الخ فقد مر أنّ المبتدأ إذا وصف بجملة أو ظرف، وكان بعض اسم مجرور بمن أو في مقدم عليه يطرد حذفه والفرّاء يجعل المبتدأ المحذوف اسماً موصولاً يحرفون صلته أي من يحرفون فلا وجه لقول النحرير: لم يقدر المحذوف موصوفا بالظرف لأنّ الشائع في مثل هذا المقام تقديم الخبر نحو من المؤمنين رجال صدقوا الخ والبصريون لا يجيزون حذف الموصول وابقاء صلته وفيه خلاف لكن يؤيده ما في مصحف حفصة رضي الله عنها من يحرفون، ومن جعله مؤيد الحذف المبتدأ فقد وهم، وقال: هنا عن
مواضعة وفي المائدة من بعد مواضعه والمراد واحد وفرق بينهما بعض شراح الكشاف. قوله: (جمع كلمة الخ) أراد الجمع اللغوي وهو ما يدل على ما فوق الاثنين مطلقاً.
وأما النحاة فيسمونه اسم جنس جمعي ويفرقون بينه وبين اسم الجمع، ويجعلون علامته
غلبة التذكير فيه كقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [سورة فاطر، الآية: 0 ا] فلا يرد عليه أنه قول ضعيف مخالف لكلام النحاة، وأمّا أنه اختار أنه جمع وأنّ تذكيره بتقدير بعض فمما لا حاجة إليه، وتخفيف كلمة بنقل كسرة اللام إلى الكاف. قوله:(أي مدعوّا عليك بلا سمعت الخ) يعني أنه يحتمل الذم والمدح ولذا ذكروه نفاقا منهم فالمدح هو الوجه الأخير والذم من
وجوه، الأول أنّ مسمع متروك المفعول الثاني من غير أن يجعل كناية عن مقيد والمعنى اسمع مدعوّاً عليك بلا سمعت مجابا فيك هذه الدعوة بحيث يصح أنك غير مسمع يعني المقصود به الدعاء لئلا يتناقض اسمع وغير مسمع، وقيل: هو حال وحاليته باعتبار أنّ دعاءهم لما قدروا إجابته صار كأنه واقع مقرّر وأيضا الدعاء إنشاء لا يقع حالاً فلذا أوّلوه بما ذكر فافهمه، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: أي مدعوا الخ الثاني أنه متروك المفعول مجعول ذلك المطلق كناية عن المقيد. بمفعول مخصوص هو جواباً يوافقك كقوله:
شجو حساده وغيظ عداه أن يرى مبصر ويسمع واعي
كناية لمطلق الرؤية والسسصاع عق رؤية الآثار وسماع الإخبار الدالة على اختصاصه باستحقاق إطلاقه والى ترك المفعول من غير أن يقدّر أشار الزمخشريّ بقوله: غير مجاب إلى ما تدعو إليه وقوله: فكأنك لم تسمع شيئاً، والى كونه كناية عن المقيد أشار بقوله: غير مس! مع جوابا يوافقك، أو على أنه محذوف المفعول للعموم كقد كان* منك ما يؤلم أن كل أحد والمعنى غير مسمع شيئاً لأنّ ما! عدا الجواب االموافق بالنسبة إليه بمنزلة العدم، فإذا لم يسمعه فكأنه لم يسنع شيئاً وهذا مراد المصنف رحمه الله بقوله أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه الثالث أنه محذوف المفعول المخصوص بقرينة الحال اًي غيبر مسمع كلا ما ترضاه وبخعله الزمخشريّ بمعنى نابيا سحعك ص المسموع لكونه غير مرضى عندك، وأورد عليه أن أسمع غير مسمع كلاما رضاه معنى تام لا يحتاج إلى جعل عدم السقاع كناية عن نبوّ السمع، ولا يشعر بالقصد إليه فالأولى أنّ غير مسمع في هذا الوجه أيضا متروك المفعول لكن لما كان الأمر بالسماع حال كون المخاطب غير مسمع كالتناقض جعل كونه غير مسمع عبارة عن كونه نابي السمع عن المسموع، ولزمه كون المسموع كلاما لا يرضاه فصح أن يؤمر بأن يسمع حالة كونه غير مسمع، والمصنف رحمه الله لما حذفه كان إشارة إلى تقدير المفعول بلا اشتباه، ثم لما كان نبوّ سمع المخاطب عن المسموع لكراهته في قوّة كون المسموع مما ينبو عنه سمعه لا فرق بينهما إلا بحسب الإضافة، والاعتبار جوّز في هذا الوجه المبنيّ على النبوّ كون غير مسمع مفعول اسمع بتقدير موصوف أي كلاما ولزم اعتبارا حذف المفعول الأوّل أعني المخاطب دون الترك، لأنّ نبوّ سمعه وعدم رضاه إنما هو بكون الكلام غير مسمع إياه لا كونه غير مسمع على الإطلاق، وحاصل الوجه الثاني عند الؤمخشرفي، كالمصنف اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه بمنزلة من لم يسمع شيئا، والثالث اسمع نابي السمع عن المسموع لكونه غير مرضيّ، إذا سمع كلاما ينبو عنه السمع ولذلك كان الفرق بينهما ظاهرا، وأمّا السؤال بأنه لم لا يجوز في الوجه الثاي أيضا أن يكون غير مسمع مفعول اسمع فمبنيّ على توهم أنه لا فرق بينهما إلا بكون
المفعول المقدّر جوابا يوافقك أو كلاما لا ترضاه، وليس كذلك ولا يخفى عليك أنه إذا قيل اسمع جواباً غير مسمع بمعنى كونه غير موافق للمخاطب لم يستقم إلا بأن يجعل عدم سماعه عبارة عن نبوّ السمع عنه، وكان هذا هو الوجه الثالث لا الثاني وقوله:{غَيْرَ مُسْمَعٍ} إياك إشارة إلى تقدير المفعول الأوّل على هذا الوجه، وقوله: فيكون مفعولاً به أي غير مسمع، وعلى ما قبله هو حال وقولهم: أسمعه بمعنى سبه كذا قال الراغب: وكان أصله أسمعه ما يكره فحذف مفعوله نسياً منسياً وتعورف في ذلك. قوله: (وراعنا انظرنا (أو اسمع كلامنا، وهو مشابه لكلمة سب عندهم إما لأنها من الرعونة أو لأشياعهم يعنون راعينا تحقيرا له بأنه بمنزلة خدمهم وعان غنمهم، وقوله: نفاقاً لأنه مما يحتمل الذم والمدح لا ينافي قولهم سمعنا وعصينا لأنه
مجاهرة لإنفاق لاحتمال أنهم قالوه فيما بينهم أو لم يقولوه لكن أشبهت حالهم من يقوله، وأيضاً المجاهرة بالعصيان لا تنافي نفاقهم بإيهام الدعاء له وعدم إظهار سبه. قوله:) فتلا بها وصرفا للكلام الخ) الفتل والليّ يكون بمعنى الانحراف والالتفات والانعطاف عن جهة، إلى أخرى كما في قوله تعالى:{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ} [سورة آل عمران، الآية: 153] ويكون بمعنى ضم إحدى نحو طاقات الحبل على الأخرى فأشار المصنف رحمه الله إلى أنه يجوز أن يكون من الأوّل ومعناه، صرف الكلام عن جانب المدح إلى جانب السب أو المراد أنهم يضمون أحدهما إلى الآخر، والحامل عليه كله النفاق وهو مفعول لأجله أو حال وظاهر كلامه الأوّل، وفسر الطعن بالاستهزاء وأصله الوخز والوقيعة من طعن بالرمح. قوله:(ولو ثبت قولهم هذا الخ) بأن قالوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} مكان سمعنا وعصينا واسمع فقعل مكان اسمع غير مسمع وانظرنا مكان راعنا، واسم كان ضمير المصدر المؤوّل وقوله:{خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ} أي مما طعنوا وفتلوا ولا يخفى موقع أقوم في مقابلة الفتل، وجعله فاعل ثبت المقدر لدلالة أنّ عليه إذ هي حرف توكيد وثبت حل في محله وهو مذهب المبرد، وقيل: إنه مبتدأ لا خبر له
قليل التشكي للمهم يصيبه
أو إلا قليلاً منهم آمنوا، أو سيؤمنون (تكأكا اللإين أولؤأ آمتب ة اينوأ بما ترتآ شلإقا
يتا محكم ين تتلي آن تظعش وضهأ تزدئا غل+ آتارتآ) من تبل أن نمحو تخطيط صورها، ونجعلها على هيئة أدبارها يعني الأقفاء، أو ننكسها إلى، ورائها في الدنيا أو في الآخرة، وأصل الطمس إزالة الأعلام الماثلة، وقد يطلق بمعنى الطلس في إزالة الصورة، ولمطلق القلب، والتغيير، ولذلك قيل معناه ممن قبل أن نغير وجوها، فنسلب وجاهتها واقبالها
وقيل خبره مقدر. قوله: (1 لا إيماناً قليلأ الخ) قليلاً جوّز فيه أن يكون منصوبا على ألاستثناء من لعنهم الله أي لعنهم الله إلا قليلاً منهم آمنوا فلم يلعنوا أو من فاعل لا يؤمنون، والقليل عبد الفه ابن سلام رضي الله عنه وأضرابه، وكان الوجه فيه الرفع على البدل لأنه من كلام غير موجب. أو هو صفة مصدر محذوف أي إلا إيمانا قليلاً لأنهم وحدوا وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وشريعته فالإيمان بمعنى التصديق لا الإيمان الشرعي، أو أنّ المراد بالقليل كما ورد في قول الشاعر، قليل التشكي بمعنى لا تشكي، له والمراد أنهم لا يؤمنون إلا إيمانا معدوما أمّا على حد لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أي إن كان المعدوم إيمانا فهم يحدثون شيئا من الإيمان فهو من التعليق بالمحال، أو أن ما أحدثوه منه لما لم يشتمل على ما لا بد منه كان معدوما انعدام الكل بجزئه واستعمال القلة في العدم لعدم الاعتداد به ودخوله بقلته طريق الفناء وبهذا التقرير سقط، ما قيل أنّ القلة وإن استعملت في العدم في قولهم قلما يقول ذلك أحد، وأقل رجل يفعل ذلك غير أنّ التركيب الاستثنائي يأباه إذا قلت لم أقم إلا قليلاً إذ معناه انتفاء القيام إلا القليل، أما أنك تنفي، ثم توجب ثم تريد بالإيجاب بعد النفي نفيا فلا لأنه يلزم أن تكون إلا وما بعدها لغوا لأنّ النفي فهم مما قبله فأي فائدة فيه. قوله: (قليل التشكي للمهم يصيبه (كثير الهوى شتى النوى والمسالك
هو من الحماسة وقائله تأبط شرا وقيل أبو كبير الهذلي أي هو كثير الهم مختلف الوجوه والطرق لا يقف أمله على فن واحد بل يتجاوزه إلى فنون مختلفة صبور على النوائب لا يكاد يتشكى منها فاستعمل لفظ قليل وأراد به نفي الكل وقوله: (إلا قليلَا منهم آمنوا (إشارة إلى أنه مستثنى من لا يؤمنون ومرّ ما فيه. قوله: (من قبل أن نمحو تخطيط صورها الخ (المراد بتخطيط الصور ما صوره الباري بقلم قدرته في الوجه من الحاجب والأنف ونحوه وطمسها أن تسوّي وتجعل كإدبارها أي ما خلفها، وهو القفا فإنه لا تصوير فيه فحينئذ يكون الطمس والردّ على الأعقاب واحداً فلا يناسب عطفه بالفاء إلا أن يؤوّل نطمس بنريد الطمس أو يجعل من عطف المفصل على المجمل، وقوله: أو ننكسها الخ أي نجعل العيون وما معها في القفا فنقلب صورهم وهذا إما مسخ في الدنيا أو أنه يكون في الآخرة لتشهيرهم. قوله:) وأصل الطمس إزالة الاعلام الماثلة الخ) الماثلة بالثاء المثلثة بمعنى المنتصبة في الطرق علامة لها
والماثلة تحريف من الناسخ، وهذا المعنى مشهور في اللسان واللغة كقوله: طامس الإعلام مجهول، من قال: لم نجده في اللغة لا يحتاج إلى الجواب والطلس محو النقوس والصور ولذا أريد به مطلق التغيير سواء كان عن هيئة له أو صفة، والطمس بمعنى التغيير راجعة على إدبارها كناية عن إخراجهم من ديارهم إلى أذرعات أرض الثام وبنو النضير من يهود المدينة وإذا فسر الطمس بالطبع على حواسها والختم عليها فهو استعارة كما مرّ. قوله:(أو نخزيهم بالس! خ الخ) أصل معنى اللعن الطرد والإبعاد وهو عقوبة وخزى فلذا فسره به وأما إرادة المسخ فلأنه إخراج
عن خلقتهمم وجنسهم فكأنه طرد لكنه بعيد، وقد يطلق اللعن ويراد به الدعاء به وهو معنى قوله على لسانك الخ وأصحاب السبت اليهود. قوله: (أو للذين على طريق الالتفات الأنه بعد تمام النداء مقتضى الظاهر الخطاب، وأمّا قبله فالظاهر الغيبة وبجوز الخطاب لكنه غير فصيح كقوله:
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وقوله: (وعطفه الخ الأنه هو أو قريب منه فلا يليق عطفه بأو، ومن حمل الوعيد الخ أي
في قوله نطمس الخ قال: إنه سيقع لهم أو وقوعه مشروط بعدم إيمان أحد منهم وغير قول الزمخشريّ مشروط بالإيمان إلى قوله مشروطا بعدم إيمانهم لاحتياجها إلى التأويل بأن الوعيد مشروط ومعلق بالإيمان وجوداً وعدما فإن وجد الإيمان لم يقع وألا وقع وقد وجد فلم يقع، وقيل: إنه على حذف مضاف أي بعدم الإيمان للقرينة العقلية. قوله: (بإيقاع شيء الخ (يعني المراد بالأمر معناه المعروف أو هو واحد الأمور والمراد الوعيد أو ما قضى، وقدر مفعولاً بمعنى نافذآ واقعا في الحال أو كائنا في المستقبل لا محالة فيقع ما أوعدتم به فاحذروه. قوله: (لأنه بت الحكم على خلود الخ) قيل الأولى الاقتصار على الوجه الأوّل لأنّ الثاني مبني على
أن فعل الله مبني على استعداد المحل وهو مذهب الفلاسفة، والشرك يكون بمعنى اعتقاد أن لله شريكاً وبمعنى الكفر مطلقا، وهو المراد هنا وقد صرّح به في قوله تعالى في سورة: لم يكن بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [سورة البينة، الآية: 6] فلا يبقى شبهة في عمومه. قوله: (وأوّل المعتزلة الخ) ردّ على الزمخشري فيما تعسفه هنا، وتقريره كما قال النحرير: إنه لا خفاء في أنّ ظاهر الآية التفرقة بين الشرك وما دونه، بأنّ الله لا يغفر الأوّل البتة ويغفر الثاني لمن يشاء ونحن نقول بذلك عند عدم التوبة فحملنا الآية عليه بقرينة الآيات والأحاديث الدالة على قبول التوبة فيهما جميعا ومغفرتهما عندهما بلا خلاف من أحد لا يقال حقيقة المغفرة الستر وترك إظهار الأثر والمؤاخذة على ما هو باق كالمعصية المتصف بها الشخص تاب أو لم يتب، وهذا لا يتصوّر في الشرك إلا على تقدير عدم التوبة عنه بالإيمان إذ هو مع الإيمان يزول عنه بالكلية ولا يبقى حتى يغفر، وإنما المغفرة بالنسبة إليه ترك التعيير بما سلف منه، وهما معنيان مفترقان لا يقع اللفظ عليهما فلا حاجة في الآية إلى التقييد بعدم التوبة إذ لا مغفرة للشرك الباقي البتة بخلاف ما دونه لمن يشاء، لأنا نقول الزائل بالإيمان هو الكيفية الحاصلة في النفس والاعتقاد الباطل، وأما كونه قد أشرك فمساو لكونه قد زنى.
وأما المعتزلة فلا يقولون بالتفرقة بين الشرك، وما دونه من الكبائر في أنهما يغفران بالتوبة
ولا يغفران بدونها فحملوا الآية على معنى إن الله لا يغفر الإشراك لمن شاء، أن لا يغفر له وهو غير التائب ويغفر ما دونه لمن يشاء أن يغفر له وهو التائب فقيد المنفي بما قيد به المثبت على قاعدة التنازع لكن من يشاء في الأوّل المصرّون بالاتفاق، وفي الثاني التائبون قضاء لحق التقابل، وليس هذا من استعمال اللفظ الواحد في معنيين متضادّين لأنّ المذكور إنما تعلق بالثاني، وقدر في الأوّل مثله والمعنى واحد لكن مفعول المشيئة يقدر في الأوّل عدم الغفران وفي الثاني الغفران بقرينة سبق الذكر، فإن قيل لا يخفى أنه لا بد في من يشاء من عائد على الموصول، وهو في المثبت تقديره من يشاء الله أن يغفر له والمنفي لا يتوجه إليه، قلنا مراده التوجه إلى لفظ من يشاء ثم الحمل على ما يناسب من المعنى، وعبارته توهم أنّ العائد إلى الموصول ضمير الفاعل كما قيل وليس كذلك ولقائل أن يقول بعد تسليم ما مز لا جهة لتخصيص كل من القيدين بما ذكر لأنّ الشرك أيضا يغفر للتائب، وما دونه لا يغفر للمصرّ من غير فرق بينهما وسوق الآية ينادي على التفرقة ويأخذ بكظم المعتزلة حتى ذهب البعض منهم إلى أنّ ويغفر عطف على النفي والنفي منسحب عليهما فالآية للتسوية بينهما لا للتفرقة وهو من تحريف كلامه تعالى. قوله: (إذ ليس عموم آيات الوعيد بالمحافظة الغ (يعني أنه ترك المفعول
الأوّل للمحافظة على عمومه فإن حذفه يفيد ذلك فذكر أنه لا وجه للمحافظة عليه في أحدهما دون الآخر وأما كونه من التنازع كما قرّره النحرير فغير متوجه مع اختلاف متعلق المشيئة
فيهما وما ذكره لتوجيهه تعسف لا يصلح ما أفسده الدهر. قوله: (ونقض لمذهبهم الخ (رذه صاحب الكشف فقال: وما قاله بعض الجماعة من أنّ التقييد بالمشيئة ينافي وجوب التعذيب قبل التوبة ووجوب الصفح بعدها لم يصدر عن ثبت لأنّ الوجوب بالحكمة يؤكد المشيئة عندهم، وأيضا فإنه أشار بتمثيله بأنّ الأمير يبذل القنطار لمن يشاء، ولا يبذل الدينار لمن لا يشاء بأنّ المشيئة بمعنى الاستحقاق وهي تقتضي الوجوب، وتؤكده كما قاله المدقق فلا يرد ما ذكره رأسا ووجه إلزام الخوارج يفهم من التقابل فافهم. قوله:) ارتكب ما يستحقر دونه الآثام) هذا من جعله عظيما بعظمته وأنه أكبر الكبائر يقتضي التخليد به دون غيره. قوله: (والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل وكذلك الاختلاق) الافتراء من الفرى وهو القطع، ولأنّ قطع الشيء مفسدة له غالبا غلب في الإفساد واستعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم كما قاله الراغب: فهو ارتكاب ما لا يصح أن يكون قولاً أو فعلا فيقع على اختلاق الكذب وارتكاب الإثم كما هنا وهو مشترك فيهما، وقيل الأظهر أنه حقيقة في اختلاق الكذب أي تعمده مجاز في افتعال ما لا يصح مرسل أو استعارة، ولا يلزمه الجمع بين الحقيقة والمجاز هنا لأنّ الشرك أعم من القولي والفعلي لأنّ المراد معنى عام وهو ارتكاب ما لا يصح كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله:(يعني أهل الكتاب الخ) أحباء جمع حبيب بمعنى محب أو محبوب، وقوله: إلا كهيئتهم فيه تجوّز أي إلا بصفتهم من أنه لا يكتب عليهم ذنب لأنّ أعمال! ليلنا تكفر ما في النهار وعكسه، وتزكية النفس مذمومة عند الله وعند الناس إلا لغرض صحيح كالتحدث بالنعمة ونحوه، وقوله دون تزكية غيره أي تزكية غيره لا يعتد بها إذا خالفت تزكيته فلا ينافي قبول التزكية من الناس كما مرّ والتزكية في الأصل التطهير والتبرئة من القبيح فعلاً كقرله:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [سورة الشمس، الآية: 9] وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}
[سورة التوبة، الآية: 103] وأما قولاً فظاهر. قوله: (بالذم أو العقاب الخ) أو لا يظلمون إذا زكوا بزيادة أو نقص في وصفهم، والفتيل مثل يضرب للحقارة كالنقير للنقرة التي في ظهر النواة والقطمير وهو قشرة النواة الرقيقة، وقيل الفتيل ما خرج بين إصبعيك وكفيك من الوسخ وجعل المصنف رحمه الله تعالى الإضراب ببل إيطاليا لإبطال تزكية أنفسهم واثبات تزكية الله، وقيل بل للإضراب عن ذمّهم بتزكيتهم أنفسهم إلى ذمهم بالبخل والحسد اللذين هما شر خصلتين وفوق رذيلة ما في التزكية من العجب والكذب، وهذا إنما يتم أن لو ارتبط قوله:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} الخ بقوله: {بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء} وهو بعيد لفظا ومعنى إذ هو مرتبط بقوله ألم تر الخ ولا داعي لما ذكره وقوله: (في رّعمهم الخ) المراد في تزكيتهم أنفسهم وهي بما ذكر كما مرّ. قوله: (لا يخفى الخ) إشارة إلى أنه من أبان اللازم لا المتعدي وظهور الذنب بين غيره من الذنوب عبارة عن كونه عظيما منكراً. قوله: (نزلت في يهود الخ) يهود ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، وهو من الإعلام التي يتعاقب عليها تعريفان تعريف باللام وغلبة العلمية كاليهود ويهود والمجوس ومجوس وقد جوّز تنوينه لأنه أريد التنكيو والوصفية وحيى بالتصغير تصغير حيّ علم يهودي معروف، وكذا كعب وقوله: يحالفون بالمهملة أي يعاقدون. قوله: (والجبت في الأصل اسم صنم الخ) قال الراغب: الجبت والجبس الرذيل الذي لا خبر فيه وقيل التاء بدل من السين كما في قوله:
عمرو بن يربوع شرار النات
أي الناس وهو قول قطرب لأنّ مادة ج ب ت مهملة وغيره يجعلها مادّة مستقلة وأطلق
على كل معبود غير الله، وكذا الطاغوت وقد مرّ وقوله: لأجلهم يشير إلى أنّ اللام ليس صلة القول، ولو كان صلة! قال أنتم أهدى الخ وفسر السبيل بالدين لأنه يعبر به عنه وهو الطريق
المستقيم وفي نفي النصر بيان لخفيتهم، في استنصارهم بمشركي قريش. قوله:(أم منقطعة ومعنى الهمزة الخ) أم المنقطعة مقدرة ببل والهمزة أي بل أكان الخ والهمزة المقدرة التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى معناها الإنكار أي لا يكون لهم ذلك. قوله: (أي لو كان لهم نصيب من الملك الخ) قيل أي لا نصيب لهم من الملك لعدم استحقاقهم حرمانه بسبب أنهم لو أوتوا نصيباً منه لما آتوا أحدا أقل
قليل مته، ومن حق من أوتي العملك الإيثار وهم ليسوا كذلك فالفاء في فإذا للسيية، والجزائية لشرط محذوف هو إن حصل لهم نصيب لا لو كان لهم نصيب كما قدّره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري لأنّ الفاء لا تقع في جواب لو سيما مع إذا والمضارع، وما قيل أنّ لو ههنا بمعنى إن وعدم وقوع الفاء في جواب لمو المستعار لمعنى أن ممنوع فتكلف، وتعسف إذ لا داعي لتقدير لو ثم تأويلها بأن مع أنّ وقوع الفاء في جوابها حينئذ غير معلوم، ومجرّد المنع في الأمور العقلية لا يسمع. قوله:(ويجوز أن يكون المعنى الخ) أي الفاء إمّا جواب شرط أو عاطفة، ومعنى الهمزة إنكار المجموع من المعطوف، والمعطوف عليه بمعنى لا ينبغي أن يكون هذا الذي وقع، وهو أنهم قد أوتوا نصيباً منه ويعقبه منهم البخل بأقل القليل، وفائدة إذا زيادة الإنكار والتوبيخ حيث يجعلون ثبوت النصيب الذي هو سبب للإعطاء سبباً لهم فقوله: وأنهم لا يؤتون عطف على أنهم أوتوا فعلى الأوّل الإنكار مخصوص بالجملة الأولى أي كون لهم نصيباً من الملك وعلى هذا إلى مجموع الأمرين، والهمزة للإنكار بمعنى لم كان، وعلى الأوّل معناه لم يكن هذا مسلكه في الكشاف، والمصنف رحمه الله تعالى خالف فجعل الإنكار فيهما بمعنى لم يكن، ومعنى قوله: على الكناية أنه يلزم من عدم إعطائهم القليل لا أن يكون لهم ملك فالإنكار بحسب الظاهر، وان كان بمعنى لم يكن فمآله إلى أنه لم يكن ولا يكون فنفي إعطاء القليل، وأريد نفي لازمه، وهو الملك. قوله:) وإذا إذا وقع الخ الأنه شرط في أعمالها الصدارة فإن نظر إلى كونها في صدر جملتها نصبت، وإن نظر إلى العطف وكونها تابعة لغيرها أهملت وتراءة النصب شاذة منقولة عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. قوله:(بل أيحسدون الخ) يعني أم هنا منقطعة مقد بعدها
الهمزة الإنكارية كما مرّ، وفسر الناس بالنبي مح! فه وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لحسدهم لهم على الدين أو حسد، والعرب إذ بعث منهم النبيّ ع! ي! ، ونزل القرآن بلسانهم أو حسدوا جميع الناس حيث نازعوا في نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي إرشاد لجميع الخلق فهو مجاز على هذا، وقوله: كمالهم ورشدهم بالنصب بدل من الناس يدل اشتمال أو منصوب بنزع الخافض، وبخسهم بالتشديد في الخاء المعجمة يليها سين مهملة، وقوله: كان بينهما تلازما لما كان في نفس الأمر لا تلازم بينهما أتى بكان لذلك إذ رلث بخيل لا يحسد وحسود لا يبخل، وقوله: النبوّة والكتاب راجع إلى تفسير الناس بالنبيّ-! بم وأصحابه وجعل النبيّ منهم راجع إلى تفسيره بالعرب، وأبناء عمه لأنهم من إسحق، وهو من إسماعيل وإذا كان كذلك فلا فائدة في الحسد سوى الاعتراض على الحكمة الربانية، وترك تفسير الحسد باستكثار نسائه مع ما كان لسليمان وداود عليهما الصلاة والسلام من أكثر بكثير من ذلك لبعده، وعدم ما يدل عليه مع جعل الناس فيه بمعنى النبيّ صلى الله عليه وسلم، والحسد بمعنى الطعن والذم. قوله:) وقيل معناه الخ) ضمير به لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فهو تسلية له عليه الصلاة والسلام، ويوهن بالتشديد بمعنى يضعف وكذا يعجلوا وقوله: كالبيان بيان لوجه ترك العطف. قوله: (بأن يعاد ذلك الجلد بعيته الخ (إشارة إلى دفع ما يقال إنّ الجلد الثاني لم يعص فكيف يعذب بأنه هو العاصي باعتبار أصله فإنه لم يبدل إلا صفته لا مادّته الأصلية فلا يكون التعذيب إلا للجلود العاصية فإنّ الاختلاف في الصورة فقط أو في النضج وعدمه أو أنه يعاد بعد العدم بناء على جواز إعادة المعدوم بعينه أو أنّ العذاب إنما هو على النفس الحساسة، واعادة ذلك لتجديد عذابها وتقويته وقوله: (والعذاب في الحقيقة الخ)
فالمعذب هو العاصي لا غيره مع أنه لا يسأل عما يفعل واليه أشار بما بعده. قوله: (فيناناً لأجوب فيه الخ) فينان بمعنى متصل منبسط فيعال من الفنن بفاء، ومثناة تحتية ونونين بينهما ألف كأنه كثير الأفنان، وقيل فلان من الفين وليس بواضح ولا وجه لانصرافه حينئذ، ولأجوب بضم الجيم، وفتح الواو جمع جوبة بمعنى فرجة ولا تنسخه بمعنى لا تزيله، والظليل صفة اشتقت من الظل لتكيده كما هو عادتهم في يوم أيوم، وغيره. وقيل: إنه اتباع. قوله: (خطاب يعم المكلفين الخ) غير عبارة الكشاف وقيل: نزلت لأنّ عموم الحكم لا ينافي
خصوص السبب، وهو مراد الزمخشري أيضا كما ذكره شراحه. قوله:(فلوى علئ كرم الله وجهه الخ) في الكلام حذف، وايجاز يعني فنزل فسأله عليّ رضي الله تعالى عنه اًن يفتح الباب فأبى وروى بعض الشيعة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حمل عليا رضي الله تعالى عنه على عاتقه حتى صعد سطح الكعبة وأخذ المفتاح، وقال: قد خيل لي أني لو أردت لبلغت السماء قيل: وهو مخرّج في بعض كتب الحديث وسدانة الكعبة بكسر السين المهملة خدمتها وتولي أمرها كفتح بابها، واغلاقه يقال سدن يسدن سدانة فهو سادن والجمع سدنة.
(أقول) هكذا ذكره الثعلبي والبغوي، والواحدي رحمهم الله تعالى لكن قال الأشموني: المعروف عند أهل السير أن عثمان بن طلحة أسلم قبل ذلك في هدنة الحديبية مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص كما ذكره ابن إسحق وغيره وجزم به ابن عبد البر في الاستيعاب، والنووي في تهذيبه والذهبي وغيرهم، وما ذكر من أنّ السدانة في أولاد عثمان
يخالف قول ابن كثير في تفسيره أنّ عثمان دفع المفتاح إلى أخيه شيبة فهو في يد ولده إلى اليوم وهو الصحيح. قوله: (وإذا حكمتم الخ) في التسهيل الفصل بين العاطف والمعطوف إذا لم يكن فعلا بالظرف والجار والمجرور جائز، وليس ضرورة خلافاً لأبي عليّ كما هنا وكما في قوله:{وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [سورة البقرة، الآية: 201] وإذا كان فعلاً لم يجز والحجة ما ذكر من الآيات، وقيل الممتنع إذا كان العاطف على حرف ويجوز في غيره، والكلام عليه مفصل في محله. قوله:(أي وأن تحكموا بالإنصاف والسوية الخ) السوية إشارة إلى حقيقة العدل، وفي هذا العطف كلام، وهو أنه هل يجوز الفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف كما هنا فإنّ أن تحكموا معطوف على أن تؤدّوا وقد فصل بينهما بإذا ثم إن الظرف أن تعلق بما بعد أن فما في حيز الموصول الحرفي لا يتقدم عليه، وان تعلق بما قبله لا يستقيم المعنى لأن تأدية الأمانة ليس وقت الحكومة، ولذا ذهب أبو حيان رحمه الله تعالى إلى أنه متعلق بمقدر يفسره المذكور أي وأن تحكموا إذا حكمتم بالعدل بين الناس أن تحكموا لتسلم مما ذكر ومن أجاز التقدم والفصل لا يأباه وكلام المصنف محتمل له وقوله:(ولأنّ الخ) قول مقابل لعموم الخطاب السابق وسماه أمانة لأنه لم يرد الله نزعه منه، ولأنه أخذه بصورة حق فليس بغصب لأنه بأمره صلى الله عليه وسلم، وقوله: أو يرضى بحكمكم إشارة إلى جواز التحكيم. قوله: (أي نعم شيئاً يعظكم به الخ) في التسهيل فاعل نعم ظاهر معرف بالألف واللاء أو مضاف إلى المعرف بها، وقد يقوم مقامه ما معرفة تامّة وفاقاً لسيبويه، والكسائي لا هـ وصولة خلافاً لابن السراج والفارسي، ولا نكرة مميزة خلافاً للزمخشري والفارسي في أحد قوليه يعني ما عندهما في محل نصب على التمييز، وأعترض عليه بأنّ ما مساوية للمضمر في الإبهام فلا تميزه لأنّ التمييز لبيان جنس المميز، وأجيب بمنع كونها مساوية لأنّ المراد بها شيء عظيم والضمير لا يدل على ذلك وقال النحرير وجه وقوع ما الموصولة فاعل نعم أنها في معنى المعرف باللام، والمخصوص بالمدح محذوف سواء كانت منصوبة على التمييز للضمير المستتر المبهم الذي هو فاعل نعم وبعظكم صفة لها أو مرفوعة على أنها فاعل ويعظكم صلة لها، وأما ما قيل أنّ ما تتميز بمعنى شيثاً أو فاعل بمعنى الشيء ويعظكم صفة محذوف هو المخصوص بالمدح فيعيد بل غير مستقيم فيمن يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف لبقاء الجملة الواقعة خبر إنّ خالية عن العائد على أنّ جعل ما بمعنى الشيء المعرف من غير صلة ليس بشيء وفيه تأمل ومن
الغريب ما قيل إنّ ما كافة. قوله: (يريد به أمراء المسلمين الخ) اختلف السلف في أولي الأمر المأمور بإطاعتهم فقيل هم أمراء السرايا، وهو جمع سرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدوّ سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر، وخيارهم من الشيء السريّ أي النفيس ووجه التخصيص أنّ في عدم إطاعتهم ولا سلطان، ولا حاضرة مفسدة عظيمة وقيل: أولو الفقه والعلم ووجه التخصيص أنهم هم الذين يرجعون إلى الكتاب والسنة، وحمله كثير على ما يعم الجميع لتناول الاسم لهم لأنّ للأمراء أمر تدبير الجيش والقتال، وللعلماء حفظ الشريعة، وما يجوز وما لا يجوز فأمر الناس بطاعتهم ما عدلوا بقرينة ما قبله، وكانوا عدو لأمر مبين موثوقا بديانتهم وأمانتهم، وقيل: الأظهر أنّ المراد بهم الحكام
كالقضاة والأمراء لأنه أمر أولاً بالعدل ثم خاطب من له تنفيذ الأمر بذلك، ورجح بعضهم أنّ المراد العلماء لما قدمناه، وقوله: ما داموا على الحق إشارة إلى أنه لا تجب طاعتهم فيما خالف الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الله " ولا في المباج أيضا لأنه لا يجوز لأحد أن يحرم ما حلله الله، ولا أن يحلل ما حرمه الله، وبعض الجهلة يظن أنّ طاعة أولي الأمر لازمة مطلقا، ولو في المباح، والناس على ما حقق الجصاص على خلافه، وفي التعبير بأولي الأمر دون الحكام إشعار وقوله:(لقوله سبحانه وتعالى لخ) فإن العلماء بل المجتهدين هم المستنبطون المستخرجون للأحكام.
قوله: (أنتم وأولو الأمر منكم الخ) يعني الخطاب عام للمؤمنين مطلقا، وخصص الشيء
بأمر الدين بدليل ما بعده ووجه التأييد أن للناس، والعامّة منازعة الأمراء في بعض الأمور، وليس لهم منازعة العلماء إذ المراد بهم المجتهدون والناس ممن سواهم لا ينازعونهم في أحكامهم، والمراد بالمرؤس على وزن المفعول العامة التابعة للرائس والرئيس فإذا كان الخطاب في تنازعتم لأولي الأمر على إلالتفات صح إرادة العلماء لأن للمجتهدين أن ينازع بعضهم بعضا مجادلة ومحاجة فيكون المراد أمرهم بالتمسك بما يقتضيه الدليل. قوله:) بالسؤال عنه في زمانه
الخ (ظاهره أنه لا يجوز الاجتهاد بحضوره صلى الله عليه وسلم، وهو مختلف فيه كما قدمناه ووجه الاستدلال والجواب ظاهر.
أمّا الآوّل: فللحصر في الكتاب والسنة.
وأما الثاني: فلأن المقيس مردود إلى الكتاب والسئة لاستناده إليه، واستنباطه منه لكن قوله: إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه المراد منه أنّ المختلف فيه غير المعلوم من النص مردود إليه ورده إليه إنما يكون بهذا الطريق فلا يرد عليه أنه لا وجه للحصر والمختلف بصيغة المفعول كالمشترك، والآية دالة على جميع الأدلة الشرعية فالمراد بإطاعة الله العمل بالكتاب وإطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم العمل بالسنة، والرذ إليهما القياس، وعلم من قوله فإن تنازعتم أنه عند عدم النزاع يعمل بما اتفق عليه، وهو الإجماع فلو ذكره لكان أولى. قوله:(ذلك أي الردا لو حمل على جميع ما سبق على التفريع لحسن، وقوله: عاقبة أصل معنى التأويل الرجوع إلى المآل والعاقبة ثم استعمل في بيان المعنى المراد من اللفظ الغير الظاهر مته، وكلاهما حقيقة وارد في القرآن، وأن غلب في الثاني في العرف، ولذا يقابل التفسير، والى هذين المعنيين أشار المصنف رحمه الله، وقوله أحسن تأويلاً من تأويلكم بمنزلة قولك زيد أحسن وجهأ من وجه عمرو لا أحسن من عمرو وإن كان مرجع أحسن وجها إلى أحسن وجهه. قوله: (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخ) هذا الحديث أخرجه ابن أبي حاتم من طرق، وكذا رواه غيره، وقوله
مكانكما أي اجلسا اسم فعل أو متعلق بمحذوف أي الزما، وضرب عنقه لأنه أظهر نفاقه وزندقته، وقوله: حتى برد أي مات، وهو كناية عنه للزوم انطفاء الحرارة الغريزية له وقوله: فسمي الفاروق، والذي سماه به النبيّ صلى الله عليه وسلم كما صرّح به في الكشاف. قوله:(والطاغوت الخ) يعني الطاغوت إما أن يجعل علما لقيا له كالفاروق فهو حقيقة، وكذا إن كان اسماً للكثير الطغيان مطلقاً فإن كان بمعنى الشيطان فهو استعارة أو حقيقة، والتجوّز في إسناد التحاكم إليه بالنسبة الإيقاعية بين الفعل ومفعوله بالواسطة، وقيل: إنه مجاز مرسل بالتسمية باسم السبب الحامل عليه، واستدل على هذا الوجه بما بعده لأنهم إنما أمروا أن يكفروا بالشيطان لا بكعب، وقوله: ويؤثر لأجله أن يختار لأجل الباطل ما يختاره. قوله: (ويريد الشيطان الخ (عطف على الجملة الحالية وضع فيه المظهر موضع المضمر على معنى يريدون أن يتحاكموا إلى الشيطان، وهو بصدد إرادة إضلالهم وعلى الأوّلين يكون ضمير به للطاغوت باعتبار الوصف لا الذات أي أمروا أن يكفروا بمن هو كثير الطغيان أو شبيه بالشيطان، وقرئ بها وبهن لأنّ الطاغوت يكون للواحد، والجمع فإذا أريد الثاني أنث باعتبار معنى الجماعة، ولذا ورد تذكيره وتأنيثه، وقد مرّ تفصيله. قوله:) وقرئ تعالوا بضا اللام الخ) في الكشاف، وقرأ الحسن تعالوا بضم اللام على أنه حذف اللام من تعاليت تخفيفاً كما قالوا ما باليت به بالة، وأصلها بالية كعافية وكما قال الكساني في آية أنّ أصلها آيية فاعلة فحذفت اللام فلما حذفت وقعت واو الجمع بعد اللام من تعال فضمت
فصار تعالوا نحو تقدموا ومنه قول أهل مكة تعالى بكسر اللام للمرأة في شعر الحمداني:
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
والوجه فتح اللام انتهى. يعني أنّ فيه لغة بحذف لامه اعتباطا بالمهملة أي لغير علة لأنّ المحذوف لها كالموجود فتصير اللام كاللام فتضم كآخر الكلمة قبل واو الجمع وهذه لغة مسموعة فيه أثبتها ابن جني، وان كانت ضعيفة فلا عبرة بمن لحن الشاعر فيها كابن هشام،
واذا قرى بها فقد انقطع النزاع، وأصل معناه طلب الإقبال إلى مكان عال ثم عم، والشعر المذكور لأبي فراس الحرث بن أبي سعيد ابن عم سيف الدولة، وهو من الفصحاء الذين يجعل قولهم بمنزلة روايتهم، ويستأنس به وقد كان أسرته الروم فسمع هدير حمامة تنوح فقال:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتا هل بات حالك حالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى ولا خطرت منك الهموم ببالي
أتحمل محزون الفؤاد قوادم إلى غصن نائي المسافة عالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي
تعالي تري روحا لد! يّ ضعيفة تردّد في جسم يعذب بالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة وبسكت محزون ويندب سالي
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ولكن دمعي في الحوادث غالي
قوله: (هو مصدر أو اسم للمصدر) كونه اسم مصدر عزاه مكي إلى الخليلى رحمه الله
لكنه غير ظاهر وإن لم يكن على المصنف فيه عهدة كما توهم، لأنّ فعولاً مصدر قياسي في اللازم كدخل دخولاً بالاتفاق وهذا لازم لأنّ صدّ يكون متعديا، ومصدره الصدود، وفي المتعدّي كلزمه لزوما، ودفنه دفونا فلا وجه لكونه اسم مصدر إلا أن يدعي أنه متعد حذف مفعوله أي يصدون المتحاكمين، ولا حاجة إليه وكونه مصدراً هو الصحيح لما ذكرنا ولذا قدمه المصنف رحمه الله، وقوله: يصدون في موضع الحال أي إن كانت رأي بصرية والا فهي مفعول ثان وقوله: (يكون حالهم) إشارة إلى أنّ في الكلام مقدراً هو العامل في كيف وإذا ويحلفون حال من فاعل جاؤوك، وقوله: ما أردنا إشارة إلى أنّ إن نافية، وقوله: والتوفيق أي لم نرد بالمرافعة لغيرك عدم الرضا بحكمك بل أن تصلح بين هذين الخصمين، وعلى القول بأنه لحكاية أصحاب القتيل إذ المجرّد الظرفية دون الاستقبال. قوله: (أي عن عقابهم لمصلحة
في استيقائهم) أي عدم قتلهم واهلاكهم، ورجح النحرير الوجه الثاني، ويلزمه الإعراض عن طلبهم دم القتيل لأنه هدر وليس وجها آخر كما قيل. قوله:(أي في معنى أنفسهم) في نسخة شأن أنفسهم وهما بمعنى، وفي إعرابه ومعناه وجوه أحدها أنه متعلق بقل، ومعناه أمّا قل لهم خاليا لا يكون معهم أحد لأنه أدعى إلى قبول النصيحة، ولذا قيل النصح بين الملا تقريع، وأئا قل لهم في شأن أنفسهم، ومعناها قولاً بليغاً يبلغ ما يزجرهم عن النفاق، والظرفية على الأوّل حقيقية، وعلى الثاني من ظرفية اللفظ للمعنى ويؤثر فيهم عطف تفسيري ليبلغ منهم يعني يتمكن منهم من جهة الإبلاغ، والثاني تعلقه ببليغاً وسيأتي. قوله: (أمره بالتجافي الخ (التجافي بمعنى التجاوز من تجافي بمعنى تباعد، وهو بناء على أحد معنى الإعراض! والنصح من الوعظ، وتعليق الظرف ببليغا ذهب إليه الزمخشري، ولم يرتضه المصنف رحمه الله لأنه مذهب الكوفيين، والمشهور مذهب البصريين أنّ معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف لأنّ المعمول إنما يتقدم حيث يصح تقدم عامله عندهم، وقيل: إنه يصح إذا كان ظرفاً دون غيره، وقوّاه بعضهم وقيل إنه متعلق بمقدر يفسره المذكور، وفيه بعد. قوله: (والقول البليغ في الآصل الخ (أي في أصل وضعه لغة لا اصطلاحا كما تقرّر في المعاني، وهذا معناه إذا أخذ من البلاغة على ما ارتضاه من تعلق إذا بقل وأما إذا تعلق ببليغا فهو من البلوغ أي يبلغ أنفسهم، ويؤثر فيها، ولم يتعرّضى له المصنف رحمه الله تعالى لمرجوحيته عنده.
قال الراغب البلاغة تقال في وجهين.
أحدهما: أن يكون بذاته بليغاً وذلك يجمع
ثلاثة أوصاف أن يكون صوابا في وضع لغته وطبقا للمعنى المقصود به وصدقا في نفسه فمتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة. والثاني: أن يكون بليغا باعتبار القائل، والمقول له، وهو أن يقصد القائل به أمراً ما فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له، وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً يصح حمله على المعنيين، وقول من قال: قل لهم إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم، ومن قال: خوّفهم بمكاره
تنزل بهم إشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ اص. قوله: (بسبب إذنه الخ) يعني أنّ الإذن بالطاعة بمعنى الأمر والرضا بها مجازاً، وفسر بالتيسير، والتوفيق أيضاً، وقوله: وكأنه احتج أي ذكر دليلاً على كفر من لم يرض بحكمه وتصويب قتله واهدار دمه ولا حجة في الآية لما يقوله المعتزلة من أنه لا يريد إلا الخير وأنّ الشر ليس بإرادته لأنّ المعنى إلا ليطيعه من أذن له في الطاعة وأرادها منه وأمّا من لم يأذن له فيريد عدم إطاعته فلذا لا يطيعه، ويكون كافراً. قوله:(وإنما عدل عن الخطاب الخ) أي لم يقل، واستغفرت تفخيما لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عدل عن خطابه إلى ما هو من عظيم صفاته على طريقة حكم الأمير بكذا مكان حكمت، وتعظيم الاستغفار من جهة إسناده إلى لفظ ينبئ عن علوّ مرتبته من جهة التعلق بالرسالة، وفسر التوّاب بقابل التوب لما مرّ. قوله:(ولا مزيدة لتثيد القسم الخ الا تذكر قبل القسم كثيراً فقيل إنها ردّ لمقدر أي لا يكون الأمر كما زعمتم، وقيل مزيدة لتأكيد النفي في الجواب ولتأكيد القسم إن لم يكن نفي وارتضى الزمخشرقي وتبعه المصنف رحمه الله أنها لتأكيد القسم مطلقا لتكون على نمط واحد لأنها زيدت في النفي والإثبات، وقال في الانتصاف أنها لم تزد في القرآن إلا مع صريح فعل القسم، ومع القسم بغير الله نحو: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [سورة البدد، الآية: ا] قصداً إلى تأكيد القسم وتعظيم المقسم به كأنه قيل إعظامي له كلا إعظام لاستحقاقه فوق ذلك وهذا لا يحسن في القسم بالله ولم يسمع زيادتها مع القسم بالثه إلا إذا كان الجواب منفياً فدل ذلك على أنها معه زائدة موطئة للمقسم عليه الواقع في الجواب، ومنه يعلم الفرق بين المقامين والجواب عن قول المصنف والزمخشريّ أنه لا فارق بينهما فافهم فإنه معنى بديع. قوله: (فيما اختلف بينهم واختلط الخ) التشاجر المنازعة والمخاصمة، وأصل ماذته للاختلاط لأنهم لما بينهم تختلف أقوالهم، ويختلط بعضهم ببعضهم، وتتعارض أقوالهم، وفسر الحرج بالضيق لأنّ
أصل معناه كما قال الراغب: اجتماع أشياء، ويلزمه الضيق فاستعمل فيه ثم قيل حرج إذا قلق وضاق صدره ثم استعمل أيضاً في الشك لأنّ النفس تقلق منه، ولا تطمئن له واليه أشار المصنف رحمه الله وسيأتي في سورة الأعراف. قوله:(وينقادوا لك انقياد الخ) تفسير التسليم بالانقياد والإذعان إشارة إلى أنه ليس أمرا وراء التصديق المعتبر في الإيمان، وهو ترك الآباء والجحود على ما هو الحق، وعلى هذا فالحق تفسير الحرج بضيق الصدر لشائبة الكراهة، والإباء بدليل أنّ بعض الكفرة كانوا يستيقنون الآيات بلا شك، لكن يجحدون ظلما وعتوّا فلا يكونون مؤمنين، وأما تفسيره بالشك فيلائم القول بأنّ الإيمان هو المعرفة، والاعتقاد هكذا قال النحرير فتأمله. قوله:(تعرّضوا بها للقتل الخ) يعني أنّ المراد بالقتل إمّا مباشرة ما يؤدّي إليه أو حقيقته، وفي أن هذه قولان فقيل مفسرة، وقيل مصدرية، ولا يضرّه زوال الأمر بالسبك لأنه أمر تقديري، وكون الكتابة في معنى الأمر لا يضرّه تعديه بعلى حتى يقال الصواب تأويله بأوحينا لأنه لم يخرج عن معناه ولو خرج فتعديته باعتبار معناه الأصلي جائزة كما في نطقت الحال بكذا في تعديته بالباء مع أن دلّ يعذي بعلى كما تقرّر في محله، والقراءة بكسرهما على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، وضمهما لاتباع الثالث، والتفرقة لأنّ الواو وأخت الضمة، وقوله إجراء لهما أي للنون والواو مجرى همزة الوصل الساقطة في اتباع الثالث، وليس هذا مغايراً للاتباع السابق بل تنوير له، فليس علة أخرى كما توهم. قوله:) 1 لا ناس قليل الخ) يعني أنه على قراءة الرفع لأنه غير موجب بدل من ضمير فعلوه المرفوع ودلالته على القصور لعدم بذل النفس والامتثال، والوهن بمعنى الضعف. قوله:(والضمير للمكتوب الخ)
إشارة إلى أنه راجع للمكتوب الشامل للقتل، والخروج لدلالة الفعل عليه
أو هو عائد على القتل والخروج، وللعطف بأو لزم توحيد الضمير لأنه عائد لأحد الأمرين ولذا اعترض! على الإمام الرازي في جعله الضمير عائداً إليهما معاً بالتأويل لنبوّ الصناعة عنه. قوله:(أو على إلا فعلا قلبلَا) قيل عليه الوجه الأوّل لتوافق القراءتين معنى، ولأنّ لفظ منهم صفة قليلاً فإن كان بمعنى ناساً قليلاً أفاد التوصيف وإن كان بمعنى فعلا قليلَا، كان زائدا لا حاجة إليه كقولك ما ضربوا زيداً إلا ضرباً قليلاً منهم. قوله:(نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة وضي الله عنه الخ) حاطب فاعل من الحطب بمهملتين صحابى بدري وبلتعة بفتح الباء الموحدة وسكون اللام والتاء المثناة الفوقية والعين المهملة، وهذا الحديث أخرجه الستة بلفظ خاصم الزبير رضي الله عنه رجلا من الأنصار ولم يسموه.
وقال الطيبي: تسمية حاطب بن أبي بلتعة خطأ، وهو صحابي بدريّ شهد له بالإيمان في سورة الممتحنة فهو أجل قدراً من أن يصدر عنه ما يغير خاطر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنّ الرجل المذكور من الأنصار، وحاطب بن راشد لخمي حليف قريش، ويقال إنه من مذحج وقيل من أهل اليمن وأكثر أنه حليف لبني أسد بن عبد العزى كما في الاستيعاب فليس أنصاريا، وقيل عليه إنّ تسمية حاطب بن أبي بلتعة أخرجها ابن أبي حاتم من مرسل سعيد بن المسيب بسند قوي، وتعقب بأنه من المهاجرين لا من الأنصار وقول القرطبي رحمه الله: إنه من الأنصار نسباً لا ديناً إن كان منافقا، ويحتمل أنه غير منافق وإنما صدر منه ذلك لبوادر الغضب خطا وليس بمعصوم ينافي ما نقل عن الاسنيعاب.
وقال ابن حجر حكى الواحدي بلا سند أنه ثعلبة بن حاطب الأنصاري، وحكى ابن بشكوال عن ابن مغيث أنه ثابت بن قيس بن شماس، ولم يأت بشاهد، والشراح بشين معجمة مكسورة وراء مهملة، وجيم بعد ألف جمع شرح، وهو مسيل الماء، والحرّة أرض ذات حجارة سود والجدر بفتح فسكون الدال المهملة الجدار الصغير، والمراد ما يحفظ المزرعة ويسميه أهل مكة الموز والمرز كأنه معرب لأنه بالفارسية بمعنى الحذ كمعز ولدّا لم يذكر في اللغة فاحفظه.
وقوله: (لأن كان (بفتح الهمزة أي ذلك الحكم والقضاء لأجل أنه ابن عمتك لأنّ أمه
صفية بنت عبد المطلب وأن مصدربة لا مخففة من الثقيلة، وكان حكمه عليه الصلاة والسلام أوّلاً بطريق اللطف به واعطائه فوق حقه فلما صدر منه ذلك أتم حق الزبير رضي الله عنه، وللقصة تتمة في الكشاف يعلم منها وجه مناسبة ذكرانا كتبنا الخ وتركها المصنف فكأنها لم تثبت عنده. قوله:(جواب لسؤال مقدّر الخ) اعلم أنّ النحاة قالوا إنها حرف جواب وجزاء، وهل هذان المعنيان لا زمان لها أو تكون جوابا فقط قولان الأوّل قول سيبويه رحمه الله، والثاني قول الفارسي فإذا قال قائل: أزورك غداً فقلت إذن أكرمك فهي جواب وجزاء، وإذا قلت إذن أظنك صادقا كانت جوابا فقط فقد التزموا فيها أن تكون جوابا، واستشكله ابن هشام بأنه إن أريد به جواب الشرط كما هو الظاهر من الجزاء، وقولهم: لا بد قبلها من شرط ملفوظ أو مقدر بطل استعمالها في نحو إذن أظنك صادقا بعد قول القائل أنا أحبك وهذا لا مجازاة فيه.
(قلت) وكذا يبطله اقترانها بالواو وأخواتها وتوسطها في الكلام، وان أريد به ما يراد بقولهم نعم حرف جواب فهم لم يعدوها منها ومقتضا. صحة الاقتصار عليها كنعم وأخواتها، وبالتفسير الأوّل يفصح كلام الفارسي، وبالثاني قول شارح الحماسة في قوله:
إذن لقام بنصري معشر خشن
قال سيبويه إذن حرف جواب وجزاء فيكون هذا القائل قدر أن سائلاً سأله فقال ماذا كانوا يصنعون فقال إذن لقام بنصري الخ. فهو جواب لهذا السائل، وجزاء للتهييج على فعله، ثم قال ويجوز أن يكون أجاب بجوابين مثل لو كنت حراً لاستقبحت ما يفعل العبيد لاستحسنت ما يفعل الأحرار، وابن جني رحمه الله يجعله بدلاً من الجواب، ويجوز أن تكون اللام جوابا لقسم مقدّر، وهو يقتضي أنّ الجواب بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي، وهو مخالف لكلامهم، وقد قيل عليه أنه تطويل بلا طائل، وليس المراد بالجواب أحد هذين المعنيين بل مرادهم أنّ إذن لا تكون في كلام مبتدأ بل في كلام مبني على شيء تقدمه ملفوظ أو مقدر سواء كان شرطا أو كلام سائل أو نحوه كما أنه ليس المراد بالجزاء المصطلح بل ما يكون مجازاة لفعل فاعل سواء السائل وغيره، وبه اندفعت الشبه بأسرها، وهذا
كلام حسن فعلى هذا هي جواب الشرط السابق مقرونا باللام، واذن مقحمة للدلالة على أنه مترتب على جوابه، وما فيه من التثبيت، وتقدير السؤال تحقيقا لذلك المعنى، وأيضا حاله كما حققه في الكشف، والا فلو كان جوابا بالسؤال مقدّر لم يكن لاقترانه بالواو وجه، واظهار لو ليس لأنها مقدرة بل لتحقيق أنها جواب للشرط لكن بعد اعتبار جوابه الأوّل، وهذا شرح لكلام العلامة، والمصنف بما لا غبار عليه فما قيل إنه يقدر سؤال إذن لآتيناهم الخ جواب له متضمن لما يكون هذا جزاء عليه، وهو الثبات على الإيمان، وليس المعنى أنها أبدا جزاء شرط لكن احتيج إليه فقدر لأجل اللام مع أن السؤال بعد التثبيت مستغنى عنه فالأوجه تقدير قسم كما قاله المرزوقي سابقا، يحتمل أن يكون
هذا عطفاً على لكان خيراً لكن التعليق بالتثبيت أنسب فلذا جعله جواب شرط محذوف على أن الواو للاستئناف أو لعطف هذه الجملة على الشرطية، وإلا فلما تعذد الجواب بدون عاطف كما مرّ فمعه أولى وجواب السؤال بالمعزى عن العاطف أحرى والقول بأنه مع كونه جواب سؤال مقدّر معنى عطف على لكان خيرا لهم لفظاً بعيد جداً كلام مشوش مخالف لما حققه النحاة، وما استبعده هو التحقيق الذي لا عدول عنه بعد تنقيح كلام النحاة في هذه المسألة، وللشراح هنا خلط وخبط كثير. قوله:(يصلون بسلوكه الخ) وفي نسخة يصل من غلط الكاتب يعني يتقرّبون به إلى الله، ويفتح عليهم به معرفة غوامض كثيرة من العلوم الإلهية.
والحديث المذكور أورده أبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله عنه، وحمل الصراط
على المراتب بعد الإيمان فلا حاجة لتأويله بالزيادة أو الثبات كما في الكشاف. قوله: (مزيد ترغيب في الطاعة الخ) مرافقة مفعول الوعد، ومن بيانية تبين الموصول أو العائد عليه قيل وعلى جعله حالاً من اللذين يؤوّل بمقارنين للذين ليجري على قاعدة الحال من المضاف إليه،
والحث على عدم التأخر لجعلهم ممدوحين بكونهم معهم، وهم راجع للأربعة أقسام والصديق مبالغة الصادق، ومراقي النظر تخييلية ومكنية، وكذا أوح العرفان، وأوج في كتب الحكمة أنها كلمة هندية معرب أود ومعناها العلو، وفسر الشهداء بمعناه المعروف وعلى ما بعده جعله من الشهادة أي المشاهدة، وحاصل الثاني أنّ العارف بالله إمّا أن تكون معرفته عن مشاهدة بالحقيقة مع قرب واتصال أو مع بعدما وانفصال أو للصور المنطبعة في مرآة العقل التي معه أو البعيدة عنه، وهذا مما لا شبهة فيه لمن ألقى السمع وهو شهيد اللهم أشرق علينا ذرّة من أنوار معرفتك تخلصنا من ظلمات الهيولى. قوله:(في معنى التعجب ورفيقاً نصب على التمييز أو الحال الخ) في الكشاف فيه معنى التعجب كأنه قيل وما أحسن أولئك رفيقا ولاستقلاله بمعنى التعجب قرئ حسن بسكون السين يقول المتعجب حسن الوجه وحسن الوجه وجهك بالفتح والضم مع التسكين يعني أنّ فعل المضموم العين كحسن، وقصر يراد به إنشاء المدح أو الذم، والتعجب فيعامل معاملة ذلك الباب كما هنا لكن قال أبو حيان رحمه الله إنّ ما ذكره الزمخشري تخليط بين مذهبين نإنه اختلف فيه هل هو لا مبالغة فيه في المدح، والذم فيجعل من باب نعم ويجري مجراها أو فيه تعجب فيجري عليه أحكام التعجب وهو لفق كلامه منهما، والمصنف رحمه الله تركه فلا يرد عليه شيء.
وسيأتي لهذا تفصيل في أوّل سورة الكهف، والنظم محتمل لأن يكون أولئك إشارة إلى
من يطع، والمعنى حسن رفيق أولئك المطيعين فالرفيق النبيون، ومن بعدهم والتمييز غير المميز، ومحتمل لأن يكون إشارة للنبيين وبقية الفرق الأربع ورفيقاً تمييز هو عين المميز، ويجوز فيه الحالية، ولم يجمع لأنّ فعيلاً يستوي فيه الواحد وغيره أو اكتفاء بالواحد عن الجمع لفهم المعنى وحسنه وقوعه في الفاصلة أو لأنه بتأويل حسن كل واحد منهم أو لأنه قصد بيان الجنس بقطع النظر عن الأنواع كما في الكشاف. قوله:(روي أنّ ثوبان الخ) روا. البيهقي في شعب الإيمان وغيره، وفي الاستيعاب هو أبو عبد الله ثوبان بن مجدّد من أهل السراة، والسراة موضع بين مكة، واليمن أصابه سبي فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ولم يزل معه إلى
أن توفي عليه الصلاة والسلام، وقوله:(فذاك) أي فذاك الذي أخاف حين لا أراك وروي فحين منصوباً. قوله: (إشارة إلى ما للمطيعين الخ (يعني أنه إشارة إلى جميع ما قبله أو إلى
ما يليه، وقوله: واستحقاق أهله أي بحسب الوعد كما مرّ تحقيقه فليس مبنيا على مذهب المعتزلة. قوله: (والحذر الخ) أي مصدر أن بمعنى، وهو الاحتراز عما يخاف، وأخذ حذره من الكناية، والتخييل بتشبيه الحذر بالسلاح وآلة الوقاية، وليس الأخذ مجازاً ليلزم الجمع بين الحقيقة، والمجاز في مثل فليأخذوا حذرهم وأسلحتهم إذ التجوّز في الإيقاع، والجمع فيه كما صرّج به في الكشف، وتبعه المحقق النحرير فإن كان الحذر كل ما يصونك معنى كالحزم أو آلة كالسلاج كما نقله الراغب فهو حقيقة. قوله:(فاخرجوا إلى الجهاد الخ) أصل معنى النفر الفزع كالنقرة ثم استعمل فيما ذكر وثبات منصوب على الحال لأنه بمعنى متفرّقين جماعة جماعة والثبة الجماعة جمع جمع المؤنث وأعرب إعرابه على اللغة الفصيحة، وفي لغة نصبه على الفتح ولامها محذوفة معوّض عنها التاء، وهل هي واو من ثبا يثبو أي اجتمع أو من ثبيت عليه بمعنى أثنيت عليه بذكر محاسنه وجمعها قولان وثبة الحوض وسطه واوية، وجمع جمع المذكر السالم أيضا، وان لم يكن مفرده سالما ولا مذكراً لأنه اطرد فيما حذف آخره ذلك جبرا له كما يجمع جمع مذكر سالم كثبين وقلين وعدين، وان لم يكن عاقلاً، وفي ثائه حينئذ لغتان الضم والكسر، وكوكبة واحدة جماعة واحدة كما في القاموس مجاز من قولهم كوكب الشيء لمعظمه، وقوله:(والآية وإن نزلت الخ) قيل عليه مع قوله حذركم، وتفسير النفر بالخروج للجهاد كيف تكون مطلقة فالظاهر أن يقال فيها إشارة لذلك.
قوله: (الخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) العسكر معلوم من مجموع ما قبله والتبطئة
إمّا لأنفسهم بالتخلف أو لغيرهم كما فعل أبيّ، وقوله: أو ثبطوا أي عوّقوا وفي نسخة يبطؤون غيرهم كما يبطئ وجعله منقولأ من بطأ المنقول من بطؤتطويل للمسافة فإنه يصبح أن يكون تثقيلاً لبطؤ أو بطأ ابتداء فإنه مسموع أيضا، وبعد التثقيل قيل إنه لازم، وقيل: إنه متعد بالتثقيل مفعوله محذوف لعدم الفائدة في ذكره واللام الأولى لام التأكيد التي تدخل على خبر إن أو اسمها إذا تأخر والثانية جواب قسم، وقيل زائدة وجملة القسم، وجوابه صلة الموصول وهما كشيء واحد فلا يرد أنه لا رابطة في جملة القسم كما لا يرد أنها إنشائية فلا تقع صلة، ولا صفة لأن المقصود الجواب، وهو خبرفي فيه عائد، وجوّزوا في من أن تكون موصوفة فصح استدلال بعض النحاة بهذه الآية على أنه يجوز وصل الموصول كما يصح الوصف بجملة القسم، وجوابه إذا عريت جملة القسم من عائد نحو جاء الذي أحلف بالثه لقد قام أبوه وان منعه بعضهم، وأمّا تقديره مشتملاً على عائد كحلف فلا حاجة إليه كما قيل، وقرئ ليبطئن بالتخفيف. توله:(كده تنبيهاً على فرط تحسره الخ (ولم يؤكد القول الأوّل وأتى به ماضيا إئا أنه لتحققه غير محتاج إلى التأكيد عنده أو لأن العدول عن المضارع للماضي تأكيد، ومراعاة المعنى بعد اللفظ وعكسه جائز كما سيأتي، وقوله: للتنبيه متعلق بقوله اعتراض وفسر الشيهيد بالشاهد إذ هم لا يعتقدون شهادة قتلاهم، ولو اعتقدوها لم يعذوا الخلاص منها نعمة والدال على التحسر تمني ما فات فإنه تحسر، وتأكيد قوله يدذ على فرطه، وقد خفي هذا على من قال أنه لا يظهر وجهه فكأنه لأنّ تحقق هذا القول منهم لا محالة لا يكون إلا للاضطراب، ولما خفي كون قولهم يا ليتني الخ سبب مشابهتهم بمن لم يكن له موذة حتى قيل إنها متصلة بالجملة الأولى بينه بقوله: وإنما يريد أن يكون معهم لمجرّد المال الذي هو مراده بالفوز. قوله:) أو داخل في المقول الخ (فيكون كل ما بعده مقولاً له، وقوله: تضريبا أي تحريكا لهم وتعريضا قال الراغب: التضريب التحريض كأنه حث على الضرب في الأرض، وفي نسخة تضريبا وتحسيراً واغراء. قوله: (وقيل إنه متصل بالجملة الأولى الخ) أي قال قد وفي الدر المصون أنه
قول الزجاج، وتبعه الماتريدي ورذه الراغب، والأصفهاني وتابعهم المصنف رحمه الله بأنه إذا كان متصلاً بالجملة الأولى فكيف يفصل به بين أبعاضى الجملة الثانية، ومثله مستقبح قال وهو تفسير معنى لا إعراب فإنهم ذكروا أيضا أنه من متعلقات هذه الجملة معترض فيها، ولم يزد عليه.
(قلت) الظاهر أنهم أرادوا أنها معترضة بين أجزاء هذه الجملة، ومعناها صريحا متعلق بالأولى وضمنا بهذه فإن لم يكن نفي للمودّة في الماضي فيحمل على زمان قولهم قد أنعم الله الخ. والمعنى أنه يقول
يا ليتني كنت معهم لأفوز بعدما كان يسره ما يسوءكم أو قد يسوءه ما يسركم، وشأن العدوّ أن يسره ما يسوء ويسوأه ما يسر والأوّل يفهم من تقدم إظهار عدم المودّة حال الحزن والثاني من الحسد والتحسر حال السرور فافهم. قوله:(وكأن الخ) هذا قول وقيل: إنها لا تعمل إذا خففت وأمّا عملها في غير ضمير الشأن فشاذ، وقراءة التأنيث ظاهرة، والتذكير للفصل ولأنها بمعنى الوذ ويا إذا دخلت على حرف أو فعل قيل إنها للتنبيه، وقيل للنداء والمنادى محذوف، وهو معروف في النحو. قوله:) وقرئ بالرفع على ثقدير فأنا أفوز (أي على الاستئناف كما في إعراب السمين وغيره والقطع عن العطف والجوابية أو على العطف على خبر ليت فيكون داخلاً في المتمني فما قيل إذا جعل أفوز خبر المبتدأ محذوف فالجملة الاسمية عطف على جملة التمني ولا إشعار بدخول الفوز تحت التمني بل المعنى على الأخبار بأنهم كانوا يفوزون على تقدير الكون معهم، ولا أرى لهذا المعنى احتياجا إلى تقدير المبتدأ بل يحصل بمجرّد عطف أفوز على جملة التمني، وليس مبنيا على تناسب المتعاطفين فإن التمني بالفعلية أشبه ولأنهم يفعلون ذلك إذا قصد الاستئناف غير متجه لما عرفت، وأمّا لزوم عطف الخبر على الإنشاء فجوابه مشهور، ثم إق قوله كان لم يكن الخ لتشبيه حالهم بحال عدم المودّة يشعر بثبوتها فيما بينهم فإمّا أن يكون بناء على الظاهر أو تهكماً بهم. قوله: (أي الذين يبيعونها الخ) شرى يكون بمعنى باع، واشترى من الأضداد فإن كان بمعنى يشترون فهم المنافقون الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة أمروا بترك النفاق، والمجاهدة مع المؤمنين، والفاء للتعقيب أي ينبغي بعدما صدر منهم من التثبيط، والنفاق تركه والجهاد، وان كان بمعنى يبيعون فالذين المؤمنون الذين تركوا الدنيا واختاروا الآخرة أمروا بالثبات على القتال، وعدم الالتفات إلى التثبيط والفاء جواب شرط مقدر أي إن صدهم المنافقون فليقاتلوا. قوله:(وعدله الأجر العظيم غلب أو غلب) الأوّل مجهول، والثاني معلوم على ترتيب النظم ولو عكس صح ووجه
التكذيب أنه عد عدم حضوره نعمة مع أنّ النعمة في خلافه. قوله: (وإنما قال فيقتل أو يغلب الخ) يعني لم يقل فيغلب أو يغلب لأنّ المغلوبية تصمدق بما إذأ فرّ وكرّ تنبيهاً على أنه ينبغي أن يكون همه أحد الأمرين إمّا إكرام نفسه بالقتل والشهادة أو إعزاز الدين واعلاء كلمة الله بالنصر، وقيل معناه أنه لم يلتفت إلى الثالث، وهو من لا يغلب، ولا يغلب بل يتفرقان متكافئين إشارة إلى أنه ينبغي الثبات إلى أحد الأمرين مع عدم المشاركة في الأجر على هذا التقدير وقوله، وأن لا يكون قصده الخ وجه التنبيه أنه سوى بين القتل والغلبة، وهو في أمر مشترك بينهما، وهو كونهما في سبيل الله وسبيل الله الطريق المستقيم، والدين القويم كما في البخارفي أنه سئل عن المقاتل في سبيل الله فقال:" من قاتل لتكون كلمة الثه هي العليا فهو في سبيل الله " وليس هذا وجهاً آخر كما توهم، ومن قال: إنه يفهم من سبب النزول، وأنهم كانوا يقصدون ذلك لم يصب. قوله:(حال والعامل فيها الخ) المقصود من الاستفهام الأمر والحث على الجهاد، ولا تقاتلون جملة حالية أي مالكم غير مقاتلين، وهذه الحال هي المقصودة بالإفادة ولذا قيل إنها لازمة، والعامل فيها الاستقرار المقدر أو الظرف لتضمنه معنى الفعل ونيابته. قوله:) عطف على اسم الله الخ) قيل إنه ضعيف، ولذا تركه الزمخشريّ لأن خلاص المستضعفين سبيل الله لا سبيلهم، وفيه نظر وإذا عطف على سبيل ففي الكلام مضاف مقدر أي خلاص، وإذا نصب فبتقدير أعني أو أخص، وقوله: أعظمها أي من أعظمها ولكن ترك من للحث، والمبالغة المستفادة من تخصيصه بالذكر والمستضعفون الذين طلب المشركون ضعفهم، وذلهم أو الضعفاء منهم والسين للمبالغة، وسيأتي من هم. قوله:(بيان للمستضعفين وهم الخ) المراد بالصد منعهم عن الخروج والهجرة، وقوله: وأن دعوتهم الخ أي أنهم كانوا يدعون معهم، ولذلك دخل في الإجابة لأنهم مبرؤون من الآثام مقبولون عند الله، وقوله: حتى يشاركوا
بصيغة المجهول أي وردت السنة باشتراكهم في الدعاء لاستنزال الرحمة على الاستسقاء واستدفاع البلاء كالوباء والقحط لأنه أمر باخراج الصبيان فيه قيل والآية تدلط على صحة إسلام الصبيّ إذ لولاه لما وجب تخليصهم، ودفع بأنّ التخليص لا يختص بالمسلمين بل
يشمل من يتبعهم، والولدان على الأوّل جمع وليد ووليدة بمعنى ولد، وقيل: إنه جمع ولد كورل وورلان وأمّا على كونه بمعنى العبيد، والإماء فجمع وليد ووليدة بمعنى عبد وجارية على التغليب لأنه ورد بهذا المعنى في اللغة وان كانت الوليدة غلبت على الجارية. فقوله: وهو جمع وليد كان الظاهر أن يقول ووليدة كما في الكشاف فكأنه اعتبر التغليب في المفرد فتأمّل. قوله: (فاستجاب الله دعاءهم الخ) إشارة إلى دفع ما يقال إنّ الدعاء إن كان بمجموع الأمرين لم يستجب وان كان بأحدهما لا على التعيين فالظاهر العطف بأو بأنه على التوزيع فلذا عطف بالواو أو هو لمجموعهما، والمقصود منه الخلاص وقد حصل وعتاب بالتشديد ابن أسيد بفتح الهمزة، وكسر السين وكان حين ولاه على مكة ابن ئماني عشرة سنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أسيداً في الجنة، وهو مات كافراً فانتبه وقال:" أوّلتة بابنه عتاب " فشهد له بالجنة وكأنّ الحكمة في ذلك مع وجود كبار الصحابة إظهار عزة الدين وغلبته حتى لا يخشى من أحد فيليها من المؤمنين الكبير والصغير، وفي الانتصاف في الآية نكتة حسنة، وهي أن كل قرية ذكرت في القرآن نسب إليها ما لأهلها مجازاً كقوله:{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ} [سورة النحل، الآية: 112] الآية وفي هذه عدل إلى الإسناد
الحقيقي لأهلها لأنّ المراد مكة فوقرت عن نسبة الظلم إليها تشريفا لها به شرّفها الله. قوله:) فيما يصلون به إلى الله (وفي ظرفية أو بمعنى اللام، وسبيل الطاغوت الكفر والمراد بأولياء الشيطان الكفرة المجاهرون، والمراد بالذين كفروا قبله هم المنافقون، وكذا الفريقين فيقوله مقصد الفريقين المؤمنون، والمنافقون كما قيل ولا يؤبه بالمجهول بمعنى لا يبالي به كيعبأ، وأضعف شيء هو الشيطان، والتفضيل في الضعف مأخوذ من كان المفيدة للاستمرار لأنّ استمرار الضعف لزيادته، ولو كان قليلاً لانقطع، وقيل: إنه من صيغة ضعيفاً، وفيه نظر لأنها لا تفيد المبالغة، والذين قيل لهم كفوا عن القتال مع الكفار هم المؤمنون الذين كانوا بمكة لأنهم أمروا به ما داموا بمكة، وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه فنزلت، ولذا فسر أبو منصور، والزمخشريّ الخشية بأنها ما ركز في طبع الإنسان من كراهة ما فيه خوف هلاكه لا أنها كراهة لأمر الله وحكمه اعتقاداً. قوله: (وإذا للمفاجأة الخ) وهي ظرف مكان كما تقرر في النحو وقيل ظرف زمان، وجوز فيها أن تكون خبراً لمبتدأ هنا فيخشون صفة أيضاً. قوله:(من إضافة المصدر إلى المفعول الخ) قال النحرير ليس المصدر من المبنيّ للمفعول بحيث تكون الإضافة إلى ما هو قائم مقام الفاعل كقوله تعالى: {وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} [سورة الروم، الآية: 3] أي مغلوبيتهم وذلك لأنه حينئذ لا يكون لإضافة الأهل إليهم كبير معنى بمنزلة قولك مثل أهل مخوفية الله بل المعنى مثل أهل الخائفية من الله وهم الخائفون فليتنبه للفرق بين المصدر المبنيّ للمفعول، والمضاف إلى المفعول وقوله وقع موقع المصدر أي خشية كخشية الله أو هو حال من فاعل يخشون ويقدر مضاف أي حال كونهم مثل أهل خشية الله أي مشبهين بأهل خشيته، وقيل إنها حال من ضمير مصدر محذوف أي يخشونها الناس كخشية الله وقوله منه أي من الله وإنما ذكر لأنه لو لم يذكر احتمل كونه بسبب معنى آخر فلا يقال لا حاجة له. توله:(وإن جعلته مصدرأ فلا الخ) أي التمييز في المعنى، والمجرور بمن التفضيلية يكون مانعا من الموصوف بأفعل التفضيل فالمعنى على تقدير الحالية أنهم أشد خشية من غيرهم بمعنى أنّ خشيتهم أشد من خشية غيرهيم، وهو مستقيم، وعلى تقدير المصدرية المعنى أن خشيتهم أشد خشية من خشية غيره بمعنى أن خشية خشيتهم أشذ ولا يستقيم إلا على طريقة جد جده على ما ذهب إليه أبو علي وابن جني ويكون كقولك زيد أجد جداً بخلاف ما إذا قلت أو أشذ خثية بالجر، فإنّ معناه تفضيل خشيتهم على سائر الخشيات إذا فصلت واحدة واحدة، وذكر ابن
الحاجب رحمه الله أنه يجوز أن يكون من عطف الجمل أي يخشون الناس كخشية الله أو يخشون الناس أشد خشية على أنّ الأوّل مصدر، والثاني حال وقيل عليه إن حذف المضاف أهون من حذف الجملة، وأو في بمقتضى المقابلة، وحسن المطابقة واعترض أيضا بأنّ التمييز بعد اسم التفضيل قد يكون نفس ما انتصب عنه لا متعلقا به كقوله:{فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا}
[سورة يوسف، الآية: 64] فهو والجر أي خير حافظ سواء، والله هو الحافظ في الوجهين، والخشية ههنا تكون نفس الموصوف، ولا يلزم أن يكون للخشية خشية بمنزلة أن يقال أشد خشية بالجر لكن جواز هذا فيما إذا كان التمييز نفس الموصوف بحسب المفهوم، واللفظ محل نظر
(قلت) هذا سؤال قوفي واتحاد اللفظ مع حذف الأوّل ليس فيه كبير محذور، وقد عضده
النقل عن سيبويه قال في الانتصاف: ذكر سيبويه رحمه الله جواز قولك زيد أشجع رجلاً وأشجع رجل مع أنّ رجلاً واقع على المبتدأ ولو جعل خشية المذكور منصوبا على المصدرية مفسراً للمصدر المقدر لا تمييزاً لم يكن منه مانع لكنهم لم يذكروه مع وضوحه، وقريب منه أن يكون خشية منصوبا على المصدر، وأشذ صفته قدمت عليه فانتصبت على الحالية، وفيما نقله عن الكتاب بحث يعلم من مراجعة عبارته، وعلى عطفه على اسم الله فهو مجرور بالفتحة لمغ صرفه فقوله: كخشية أشد خشية منه بالإضافة، وقوله: منه الضمير لله، ولا أشد خشية عند المؤمنين من الله فلذا جعله على الفرض! ، ومن جعل الضمير للفريق تعسف، وتكلف ما لا حاجة إليه بناء على ظنه أنه لغو، والمعنى كخشية من كانت خشيتهم منه أشد من خشية الله فافهم، وقد مرّ في البقرة في قوله:{فَاذْكُرُواْ اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [سورة البقرة، الآية: 250] كلام يتعلق به فراجعه، وقوله:(اللهم الخ) توجيه للعطف الممنوع وأشار به لضعفه، ولذا نادى الله مستغيثا به، واللهم يتجوّز به عما ذكر. قوله:(ولا أخرتنا إلى أجل قريب) كالبيان لما قبله ولذا لم يعطف، وتوصيفه بالقريب للاستعطاف أي أنه قليل لا يمنع من مثله، وهو سؤال عن الحكمة لا اعتراض! ، ولذا لم يوبخوا عليه، والفتيل مثل للتحقير، وقد مز تفسيره وفسر الظلم بمعناه اللغوي، وهو النقص، وقوله: متاع الدننا قليل جواب لهم ببيان الحكمة بأنه كتب عليهم ليعوضوا عن هذا البقاء القليل ببقاء أكثر من الكثير مع أنّ الأجل مقدّر لا يمنع منه عدم الخروج إلى القتال، وفيه رد على
المعتزلة. قوله: (قرئ بالرفع على حذف الفاء الخ الما كان الجواب إذا كان مضارعاً فحقه الجزم وجوبا إن كان الشرط مضارعاً وجوازاً إن كان ماضيا لأنه لما لم يظهر أثره في الشرط مع الفاء مطلقاً، وفصل سيبويه رحمه الله بين أن يكون ما قبله يطلبه كقوله:
يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك أن يصرع أخوك تصرع
فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير أي إنك تصرع أن يصرع أخوك، وبين أن لا
يكون كذلك فالأولى حذف الفاء، وجوز العكس في الصورتين، وفي شروح الكشاف نقل الإطلاق عنه في التقديم وهذا ما ذكر في مفصلات العربية، وقيل: إن كانت الأداة اسم شرط فعلى إضمار الفاء ومن يقوله: لا يسلم أنه ضرورة كما قاله الرضي والا فعلى التقديم والتأخير، وعلى تقدير الفاء لا حاجة إلى تقدير مبتدأ حتى تكون اسمية كما في البيت الآتي، وترك توجيه الكشاف بأنه على توهم الشرط ماضيا فيكون كعطف التوهم لما فيه من التعسف إذ شرط التوهم أن يكون ما يتوهم هو الأصل أو مما كثر في الاستعمال حتى صار كالأصل كما في الانتصاف، وما قيل: إنّ كون الشرط ماضياً، والجزاء مضارعا إنما يحسن في كلمة إن لقلبها الماضي إلى معنى الاستقبال فلا يحسن أينما كنتم يدرككم الموت إلا على حكاية الماضي، وقصد الاستحضار فيه نظر ظاهر. قوله:) من يفعل الحسناث الخ) هو من شعر لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت وقيل لكعب بن مالك الغنوي وهو:
من يفعل الحسنات الله يشكرها والشربالشرعند الله مثلان
ويروي سيان:
فإنما هذه الدنيا وزهرتها كالزاد لا بد يوما أنه فان
وفي شرح أبيات الكتاب للنحاس أنّ الأصمعيّ قال إنّ البيت غيره النحاة، والرواية من
يفعل الخير فالرحمن يشكره، وكفى بسيبويه سنداً للرواية الأولى. قوله:(أو على أنه كلام مبتدأ الخ) قيل عليه أنه ليس بمستقيم معنى، وصناعة أمّا الأوّل فلأنه لا يناسب اتصاله بما قبله لأن قوله:{وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} المراد به في الآخرة فلا
يناسبه التعميم، وأمّا الثاني فلأنه يلزم عليه عمل ما قبل اسم الشرط فيه، وهو غير صحيح لصدارته، والجاب أنه لا مانع من تعميم، ولا
تظلمون فتيلاً للدنيا، والآخرة أو يكون المعنى لا ينقصون شيئا من مدة الأجل المعلوم لا من الأجور به ينتظم الكلام كما قاله النحرير، ومرإده باتصاله بما قبله اتصاله به معنى لا عملا على أن يكون أينما تكونوا شرطا جوابه محذوف تقديره لا تظلموا، وما قبله دليل الجواب فهو مرتبط به معنى لا عملا وهو ظاهر وقوله:{يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ} جملة مستانفة والجمهور على قراءة مشيدة بفتح الياء اسم مفعول بمعنى مرفوعة أو مجصصة، وقرى بكسرها على التجوّز كعيشة راضية، والبروج الحصون من التبريج وهو الإظهار، وبروج النجوم منازلها مأخوذ منه، وتفسيره بها هنا تكلف لا داعي له، وهو منقول عن الإمام مالك فهو كقول زهير:
ولو نال أبواب السماء بسلم
قوله: (كما تقع الحسنة والسيئة الخ) يعني أنها تطلق على هذين المعنيين في القرآن، والكلام إمّا أن يكون مشتركا بينهما اشتراك المعنى أو اشتراك الرجل بين إفراده، ولما كان بين قوله كل من عند الله، وبين قوله من الله ومن نفسك بعده معارضة بحسب الظاهر حملها بعضهم في كل منهما على أحد المعنيين لئلا يقع التعارض بينهما والعلامة، والمصنف حملاهما على النعمة، والبلية فيهما بمقتضى سبب النزول، ومناسبة المقام لذكر الموت والسلامة قبله، ولأنّ لفظ الإصابة الأكثر استعماله فيه، وهما من هذا القبيل، ودفعا التعارض بما سيأتي، وقوله: وأرسلناك للناس من رسولاً يناسبه حمل الثاني بما يتعلق بالتكليف من الطاعة، وال! ية، ولذا غير أسلوبه إذ عبر فيه بالماضي، وسيأتي ما يدفعه، وقال الراغب: الفرق بين من عند الله، ومن الله أنّ من عند الله أعم منه إذ هو يقال فيما يرضاه مما أمر به، ونهى عنه، ويسخطه، ومن الله لا يقال إلا فيما يرضاه ويأمر به ولذا قال الراغب إن أصبت فمن الله وان أخطأت فمن الشيطان ثم بين تشاؤم اليهود على عادتهم كما تال تعالى:{يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} [سورة الأعراف، الآية: 131] . قوله: (أي يبسط ويقبض الخ) رد عليهم بأنه القابض الباسط فلا فاعل سواه ولا واسطة سوى أنفسكم دون النبيّ صلى الله عليه وسلم كما زعموا فتمام الرد عند قوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [سورة النساء، الآية: 79] فاندفع ما قيل إنهم لم يجعلوه فاعلاً بل تشاءموا به فلا يكون هدّا رداً عليهم. قوله: (يوعظون به وهو القرآن الخ) يفقون بمعنى يفهمون فالمراد بالحديث حديث مخصوص أو المطلق جعلوا بمنزلة البهائم الذين
لا يفهمون أو المراد كل ما حدث، وقرب عهده كالحادث كما فسره به الراغب فالمراد أنهم لا يعقلون صروف الدهر وتغيره حتى يعلموا أنّ له فاعلاً حقيقيا بيده جميع الأمور. قوله:(يا إنسان الخ) يعني أنّ الخطاب عام لكل من يقف عليه لا للنبيئ صلى الله عليه وسلم كقوله:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
ويدخل فيه المذكورون دخولاً أوليا وفسر من الله بالتفضل المذكور لما ذكره وقد مر ما
قاله الراغب فيه، والحديث المذكرر أخرجه الشيخان. قوله:(لأنها السبب الخ) فظهر اختلات جهتي نفي السيئة واثباتها من حيث الإيجاد والسبب والى الأوّل ينظر قوله: كل من عند الله أن يبسط ويقبض، والى الثاني قوله: لأنها السبب، وقوله الحسنة إحسان وامتنان، وهي أحسن، وفي نسخة امتحان أي امتحان بها لينظر هل يشكر أم يكفر ويبطر، ولا ينافي أن يكون في النقمة أيضا امتحان بأن يصبر أولاً لكن المنظور إليه المجازاة كما صرح به في الحديث، والمراد بالسبب ما يوجد الشيء عنده بإرادته، وخلقه فهو سبب عادي، والحسنة لما كانت تارة بسبب ما يصدر عنه من الجميل، وتارة بمحض التفضل لم تسند إلى سببها، والمراد بالمعاصي ما يشمل الهفوات. توله: (ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب الخ (الوصب المرض، والنصب المشقة والتعب أو الداء، والحديث المذكور أدخل فيه حديثاً آخر لما أخرجه الشيخان عن عائشة مرفوعا " ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها " وأخرج البخارقي عن أبي سعيد الخدرفي رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم قال:" ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه " وأخرج الترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: لا يصيب عبداً نكبة فما فوقها أو ما دونها إلا
بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر ويشاكها مجهول لكنه غير متعد لمفعولين
ولذا قيل إنّ الضمير للشوكة بمعنى المصدر فهو مفعول مطلق. قوله: (لا حجة فيهما لنا وللمعتزلة) أي لا حجة في أن الخير والشر من الأفعال بخلقه وإرادته، ولا في أن المعاصي ليست كذلك على ما علم من الخلاف بيننا وبين المعتزلة لأنّ إحدى الآيتين بظاهرها لنا، والأخرى لهم فلا بد من التأويل، وهو مشترك الإلزام ولأن المراد بالحسنة، والسيئة النعمة، والبلية لا الطاعة، والمعصية والخلاف في الثاني، وأما الإمام فاختار تفسيرهما بالمعنى الأعم كما فصله الطيبي، ومنهم من قال إنه استفهام تقديره أفمن نفسك هو مبتدأ. قوله:) حال قصد بها التثيد الخ) إذا تعلق برسولأ يكون تقديمه للاختصاص الناظر إلى قيد العموم أي مرسلا لكل الناس لا لبعضهم كما زعموا فهو رد عليهم في اختصاص رسالته بالعرب، ولذا رجح هذا الوجه في الكشاف لا بناء على أنّ الحال المؤكدة يجب حذف عاملها كما قيل لأنّ هذه مؤكدة لعاملها، والفرق بينهما مر في سورة آل عمران، وأمّا نصبه على أنه مفعول مطلق فإمّا لأنّ الرسول يكون مصدرا كما في قوله:
لقد كذب الواشون ما فهمت عندهم بشيء ولا أرسلتهم برسول
أي برسالة أو لأنّ الصفة قد تستعمل بمعنى المصدر مفعولاً مطلقا كما استعمل الشارع خارجاً بمعنى خروجا. قوله: (ولا خارجاً الخ) الشعر للفرزدق قاله، وقد حلف عند الكعبة لا يقول شعراً فيه هجاء ونحوه فترك الشعر وأقبل على قراءة القرآن ومنه:
ألم ترني عاهدت ربي وأنني لبين رتاج قائما ومقام
على حلفة لا أشتم الدهرمسلما ولا خارجا من فيّ زوركلام
أضمر الفعل قبل خارجا كأنه قال: ولا يخرج خارجا موضع خروج وعطف الفعل المقدر
وهو لا يخرج على قوله لا أشم الذي هو جواب القسم، والرتاج باب الكعبة، وعلى هذا خرجه سيبويه رحمه الله، وان احتمل تقدير ولا أكون ونحوه وقوله والتعميم أي لا التأكيد كما في الأوّل فإنّ التعميم مستفاد من الناس إذ التعريف فيه الاستغراق كما صرح به في قوله: إلا كافة للناس، وهو متعلق بالفعل لا الحال فلا دخل للحال في العموم بخلافه على الثاني فلا يرد
عليه أنّ التعميم مقصود على كل حال، وقوله: بنصب المعجزات إشارة إلى أنّ في الشهادة استعارة هنا ومنهم من عممه أي شهيداً على كل ما مرّ مما صدر منهم، وأمّا جعل الشهادة من قوله، وأرسلناك للناس رسولاً ففيه تأمّل. قوله:(لأنه عليه الصلاة والسلام في الحقيقة مبلغ الخ) يعني أنّ طاعة المبلغ لطاعة الإمام، وليست له بالذات حثى يتوجه ما توهموه ويدل عليه التعبير بالرسول ووضعه موضع الضمير للإشعار بعليته، وقارف أي تعاطي يقال قارف كذا إذا تعاطى ما يعاب به ولم يقل ومن تولى فقد عصاه للمبالغة كما سيأتي، وما ذكره من الحديث قال العراقي رحمه الله لم أقف عليه. قوله:(تحفظ عليهم أعمالهم الخ) كونه عليه البلاغ لا محاسبتهم بمعنى فأعرض عنهم كما يدل عليه ما بعده فهذا سبب للجزاء قائما مقامه كما في الكشاف، وليس وجهاً آخر لأن الحفظ إنما يكون عما يضر فهو بمعنى لا يدفع ضررهم، وهو جزاء من غير تأويل لأنه خلاف الظاهر، والظاهر أنّ المراد بالرسول هنا نبينا صلى الله عليه وسلم بدليل الخطاب لا العموم، والخطاب لغيره معين فلا التفات فيه، وقال حفيظاً بصيغة المبالغة لأنه حافظ بالتبليغ، وقيل هو مفعول ثان لتضمين أرسلنا معنى جعلنا، ولا حاجة إليه. قوله:) وأصله النصب على المصدر) يعني أنه مبتدأ أو خبر وكان أصله النصب كما يقول المحب سمعا وطاعة لكته يجوز في مثله الرفع كما صرح به سيبويه ونقله في الكشاف للدلالة على أنه ثابت لهم قبل الجواب. قوله: (أي زورت خلاف الخ) بتقديم الزاي المعجمة على الراء المهملة، وهو الظاهر من التزوير وهو ترويج المراد وابرازه في صورة الحق وجوّز فيه تقديم المهملة على المعجمة كما في الفائق في هذه اللفظ لما وقعت في كلام عمر رضي الله عنه وهو بمعناه أيضاً، وجوّز في فاعل تقول أي يكون ضمير المؤنث الغائب للطائفة وأن يكون ضمير المذكر المخاطب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والعدول إلى المضارع للاسنمرار وعائد الموصول محذوف عليهما. قوله:(والتبييت الخ) التبييت قصد العدوّ وليلاً وفي غفلته، وتدبير الفعل بالليل والعزم
عليه ومنه تبييت نية
الصيام، والإدغام هنا على خلاف الأصل، والقياس قال الداني: لم تدغم تاء متحركة غير هذه حتى قيل إنها ساكنة من بياء وتبياه إذا تعمده قال:
باتت تبي حوضها عكوفا مثل الصفوف لاقت الصفوفا
وقوله: بعده يبيتون يأباه ولهذا لم يلتفتوا له مع أنه غريب، وهذا يردّ ما قيل إنه لم يسمع
إلا في تولهم حياك وبياك أي اعتمدك بالتحية مع أنه قيل أصله بوأك بالهمز أي أنزلك، وأمّا جعله من بيت الشعر فبعيد لكن لا لقول النحرير إنه اصطلاح محدث لأنّ الراغب أثبته لغة. قوله:(يثبتة في صحائفهم الخ) والقصد لتهديدهم على الأوّل وتحذيرهم من النفاق لأنّ الله يظهره على الثاني. قوله: (قلل المبالاة الخ) يعني أنه كناية عن قلة المبالاة بهم لأنه يعرض! عما لا يبالي به، وهذا بناء على أنه مأمور بالقتال، والثاني يكون قبل الأمر به فتكون منسوخة، وقوله: سيما محذوف لا جوّزه الرضي، وقال أبو حيان: إنه لا يوجد في كلام فصيح يحتج به، ولا مانع منه للقرينة الدالة على حذفها إذ المعروف في استعمالها ذلك، وقوله: يكفيك مضرتهم وقع في نسخة معرتهم بالعين والصحيح الأولى. قوله: (يتأملون في معانيه الخ (يعني أصله التأمّل في إدبار الأمور وعوقبها ثم استعمل في كل تأمّل سواء كان نظراً في حقيقة الشيء وأجزائه أو سوابقه، وأسبابه أو لواحقه وأعقابه، وان دل الاشتقاق على أنه النظر في العواقب والأدبار خاصة وعن الزمخشرفي أنّ في الآية فوائد كوجوب النظر في الأدلة وترك التقليد والدلالة على صحة القياس إلى آخر ما ذكره، وقيل في ارتباط هذه الآية أنه لما جعل الله شهيداً كأنه قال شهادة الله لا شبهة فيها ولكن من أين يعلم إن ما ذكرته شهادة الله محكية عنه. فقال أفلا يتدبرون الخ وحمل من عند الله على أنه كلامه الموحى لا على أنه مخلوقه كما فعله الزمخشرفي في حواشيه. قوله: (من تناقض المعنى وتفاوت النظم الخ) في الكشاف لكان الكثير منه مختلفاً متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته، ومعانيه فكان بعضه بالغأ حد الإعجاز، وبعضه قاصراً عنه يمكن معارضته، وبعضه إخباراً بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخباراً مخالفأ للمخبر عته، وبعضه دالاً على معنى صحيح عند علماء المعاني، وبعضه دالاً على معنى فاسد
غير ملتئم فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائتة لقوي البلغاء، وتناصر صحة معان، وصدق أخبار علم أنه ليس إلا من عند قادر على ما لا يقدر عليه غيره عالم بما لا يعلمه أحد سواه.
قال بعض المدققين حد الإعجاز مرتبته لا نهايته كما في عبارة المفتاح إذ لو كان بمعنى
نهايته لم يصح قوله يمكن معارضته، وأورد عليه أنّ قوله فكان بعضه بالغاً حذ الإعجاز يفيد ئبوت قدرة غيره تعالى على الكلام المعجز، وأجيب بأنه جعل اللازم على كونه من عند غير الله قصور البعض عن حذ الإعجاز على سبيل التنزل وارخاء العنان، وهو من الطريق المنصف كما في الكشف، ويحتمل أنه من التعليق بالمحال للإلزام، وبهذا يندفع أن الكثرة في النظم صفة الاختلاف
والاختلاف صفة الكل، وقد جعل الكثرة صفة المختلف، والاختلاف صفة الكثير، وذلك لأنه جعل اللازم كون الكثير مختلفا على سبيل التنزل، لمارخاء العنان، وحمل نسبة الكثرة إلى الكل في ظاهر النظم على معنى اختلاف كثير، ونفي كلام المصنف ما يخالفه في ذلك كما قيل، وسيأتي تحقيقه، وبهذا اندفع قول النحرير ظاهر النظم أنّ الكثرة صفة الاختلاف، وقد جعلها صفة للمختلف من غير ضرورة فإن كون البعض مخالفاً للبعض صفة الكل، ولا معنى لتخصيصه بالكثير منه، وانّ قوله فكان بالغا الخ على تقدير كون القرآن من عند غير الله مشكل يفضي إلى جواز ظهور المعجزة على يد الكاذب بل ربما يقدح في إعجاز القرآن حيث جاز للغير، ولو بحسب الاتفاق الإتيان بما هو في مرتبته من البلاغة، وهو طرفها الأعلى، وما يقرب منه على ما هو حذ الإعجاز، ولا محيص سوى أن يحمل على الفرض! ، والتقدير أي لو كان فيه مرتبة الإعجاز ففي البعض خاصة على أن يكون ذلك القدر مأخوذاً من كلام الله كما في الاقتباس ونحوه، ولا يخفى بعده، وقوله: بعض أخباره المستقبلة خص المستقبلة لأنّ المعجز الأخبار عن المغيبات فلا يرد ما قيل الأولى ترك التقييد.
(وأنا أقول الما كان محصل كلام العلامة أنّ المراد بالاختلاف الاختلاف
في الإعجاز وعدمه، وهو اختلاف في أمرين لم يكن الاختلاف كثيراً بل المختلف فلذا أوّل به، والمصنف رحمه الله أشار إلى أنّ الاختلاف بالتناقض، وتفاوت النظم والفصاحة، وعدمها، وسهولة المعارضة وصعوبتها، والمطابقة للخارج وعدمها، والموافقة للعقل، وعدمها فعذد أنواعا منه إشارة إلى أنّ الكثرة في الاختلاف نفسه لا في المختلف لأنه لا داعي إليه كما مرّ لكن عدم الاختلاف فيما ذكره لا يدل على كونه من عند الله لجواز صدور كلام غير معجز ليى فيه شيء من هذا الاختلاف عن البشر كالأحاديث النبوية فلا يتضح الاستدلال الواقع في النظم، ولهذا حصره الزمخشرفي فيما مرّ ليكون دليلاً واضحا وقد شعر بهذا، وحاول دفعه بأنه وان جاز مثله لكن الاستقراء دل على خلافه، وفيه نظر والاستقراء غير تام. قوله:(للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الأحكام الخ) جواب عن توهم أنّ النسخ فيه اختلاف مثل قوله: قبيل هذا كفوا أيديكم
مع كتب علينا القتال، وكل من عند الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك فلا يرد أنه إن أراد ما سبق من القرآن فغير ظاهر لأنه لم يسبق قريباً أحكام متناقضة وان أراد بما سبق ما كان قبل نزول هذه الآية مطلقا فلا وجه لإلرادها هنا. قوله:(مما بوجب الآمن أو الخوف الخ) وجه التأويل ظاهر لأن الأمن والخوف نفسهما ما لم يجيا بل ما يقتضيهما، وقوله: لعدم حزمهم بحاء مهملة وزاي معجمة أي لا لفساد ونفاق وغيره، والتخويف في إذاعته مفسدة ظاهرة وكذا الظفر لأنّ العدوّ يستعد له فيقوّي شوكته. قوله:(والباء مزيدة) في الكشاف يقال أذاع السرّ وأذاع به، ويجوز أن يكون المعنى فعلوا به الإذاعة، وهو أبلغ يعني أنه إذا جعل لازما يكون بمعنى فعلوا به الإذاعة، وهو أبلغ لأنه يقتضي تأثيره في المذاع، وكونه ثبت، وقرّ فيه سواء كانت الباء للتعدية أوبمعنى في على حد قوله:
تجرج في عراقيبها نصلي
وأمّا أن يكون مضمنا معنى التحدث فإن قيل أنه يكون لازماً، ومتعدياً فأظهر. قوله:
(ولو رذوا ذلك الخبر الخ) مرجع الضمير الخبر المفهوم من الكلام ولو أرجعه إلى الأمر لكان أظهر، وضمير رأيه للرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر في تفسير الاية ثلاثة أوجه مبني الأوّل على أنّ مجيء الأمر وصول خبر السرايا إليهم، ورذه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأولى الأمر إلقاؤه إليهم وإخبارهم به من غير إذاعة، والعلم معرفة تدبيرة، والمصلحة فيه، ومبني الثاني على أن مجيء الأمر اطلاعهم على ما بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأولي الأمر من الأمن أو الخوف من قبل الأعداء، وردّه إليهم ترك التعرّض له أو جعله بمنزلة غير المسموع، والعلم معرفة كيفية التدبير، ومبني الثالث على أنّ مجيء الأمر سماع خبر السرايا من أفواه المنافقين، وردّه إليهم تركه موقوفاً إلى السماع منهم، والذين يستنبطونه هم المذيعون، والعلم معرفتهم بما ينبغي في ذلك الأمر من الإذاعة، وعدمها واستنباطهم إياه من الرسول صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر تلقيهم ذلك من قبلهم فمن على هذا
ابتدائية والظرف لغو متعلق بيستنبطون، وعلى الأوّلين تبعيضية أو بيانية تجريدية، والظرف حال، وإطلاق أولي الأمر على كبار الصحابة لكونهم المرجع فيه أو المظهر له، والاستنباط أصله استخراح الشيء من مأخذه كالماء من البئر والجوهر من المعدن، والمستخرج نيط بالتحريك فتجوّز به عن كل أخذ وتلق. قوله:(بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) خصه لأنه هو المانع عن الضلال ولأجل صحة الاستثناء لأنه اختلف في قوله إلا قليلا فقيل مستثنى من قوله: أذاعوه أو لعلمه واستدلّ به على أنّ الاستثناء لا يتعين صرفه لما تبله لأنه لو كان مستثنى من جملة اتبعتم فسد المعنى لأنه يصير عدم اتباع القليل للشيطان ليس بفضل الله، وهو لا يستقيم، ومن صرفه إليه كما هو المتبادر خص الفضل لأنّ عدم الاتباع إذا لم يكن بهذا الفضل المخصوص لا ينافي أن يكون بفضل آخر، ثم اختلفوا فمنهم من فسره بما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والمعنى لولا بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وانزال القرآن العظيم لاتبعتم الشيطان فكفرتم إلا القليل منكم فإنهم ما اتبعوا الشيطان، وما كفروا ولا أنكروا بعثه، ولا قرآنه كمن اهتدى إلى الحق في زمن الفترة كقس بن ساعدة وأضرابه، وقيل المراد به النصرة، والمعونة أي لولا تتابع النصرة
والظفر لاتبعتم الشيطان، وتوليتم إلا القليل منكم من المؤمنين من أهل البصيرة الذين يعلمون أنه ليس مداراً لحقية على النصر في كل حين قال الإمام رحمه الله تعالى، وهذا أحسن الوجوه لارتباطه بما بعده وحذف المصنف رحمه الله تعالى قول العلامة التوفيق من قوله إرسال الرسول عليه الصلاة والسلام وانزال الكتاب، والتوفيق لأنه أشكل على بعض شراحه وإن أجيب بأنّ المراد به توفيق خاص نشأ مما قبله، وأما الإطلاق ودفع الشبهة بأنّ عدم الفضل والرحمة على الجميع لا يلزم منه العدم عن البعض فتكلف، وفي الآية وجوه أخر نحو عشرة فصلها في الدرّ المصون، وفي قوله:(تفضل) إشارة إلى ثبوته بفضل آخر غير المنفي، وبه تمام الدفع، ونفيل بالتصغير، وزيد هذا ممن تعبد في الجاهلية بالدين الحق، وكذا ورقة لكن اختلف في إسلامه كما في أوّل شرح البخاري، ومنكم ضميره عام فتأقل. قوله:(أو إلا اتباعاً قليلَا الخ) فهو على هذا استثناء مفرّغ من المصدر، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق، والمعنى مستقيم عليه أي اتبعتموه كل اتباع إلا اتباعا قليلاً بأن يبقى على إجراء الكفر وآثاره والا البقاء القليل النادر بالنسبة إلى البعض حتى ربما أن يكون ذلك بدون التوفيق، وقصد الإطاعة بل بمجرّد الطبع، والعادة كذا قرّره النحرير. قوله: (أن تثبطوا وتزكوك وحدك (يثير إلى أنّ الفاء في جواب شرط
مقدّر، وقوله: إلا فعل نفسك لأنّ التكليف يكون بالأفعال لا بالذوات، وقوله: لا يضرّك الخ. إشارة إلى أنه مجاز أو كناية عن عدم ضرر ذلك فلا يرد أنه مأمور بتكليف الناس فكيف هذا، وقيل: إنه كان مأموراً بأن يقاتل وحده أولاً، ولهذا قال الصديق رضي الله تعالى عنه في أهل الردّة أقاتلهم وحدي، ولو خالفتني يميني لقاتلتها بشمالي وليس كذلك، وبدر الصغرى كانت غزاة بعد أحد خرجوا لمواعدة أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، ولم يكن فيها قتال والقصة مروية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولم يلو على أحد لم ينظره كما في الأساس، وقرإءة الجزم قيل فيها إنه مجزوم في جواب الأمر، وهو بعيد، والظاهر أنّ لا للنهي جازمة أي لا تكلف أحد الخروج إلا نفسك، وعلى قراءة النون المعنى ما ذكره. قوله:(فخرج عليه السلام وما معه إلا سبعون الخ) قال البقاعي الذي في السير أنهم كانوا ألفاً وخمسمائة، وما ذكر. المصنف غلط تبع فيه الزمخشري، ولم ينبه عليه أحد من أصحاب الحواشي اللهم إلا أن يقال إنه أراد الركبان منهم، وهو محتاج إلى النقل أيضاً. قوله:(لا أنا لا نكلف أحدا إلا نفسك) يعني أنّ نفسك مفعول ثاني بتقدير مضاف لا في موقع المفعول الأوّل أي لا نكلف أحداً إلا نفسك، ولا مانع منه أيضاً أي لا نكلف أحدا هذا التكليف إلا نفسك، والمراد من التكليف مقاتلته وحده، ولذا وقع في نسخة أو لا يضرّك مخالفتهم لأنا لا نكلف الخ. والتحريض الحث من الحرض، وهو ما لا تعبد به، والتفعيل فيه للسلب، والإزالة كقذيته وتفسير الذين كفروا بقريش لأنه المروفي، والمراد العموم، وعسى من الله تحقيق، وقد فعل، والبأس النكاية كالبؤص، والتنكيل التعذيب، وأصله التعذيب بالنكل، وهو القيد فعمّ، والمقصود التهديد أو التشجيع. قوله:(راص بها حق مسلم الخ) فسر كون الشفاعة حسنة بما ذكره وأدرج فيها الدعاء لأنه شفاعة معنى عند الله، وخص كونها بالغيب لأنه ادعى للإخلاص، وظهر مقحم للتأكيد والحديث المذكور رواه مسلم وغيره. قوله:(وهو ثواب الشفاعة الخ)
التسبب بالجرّ معطوف على الشفاعة وقوله: (مساو لها في القدر) إشارة إلى وجه اختيار النصيب في الحسنة، والكفل في السيئة، ونكنة ذلك أنّ النصيب يشمل الزيادة لأنّ جزاء الحسنات يضاعف، وأما الكفل فأصله المركب الصعب فاستعير للمثل المساوي فلذا اختير إشارة إلى لطفه بعباده إذ لم يضاعف السيئات كالحسنات، وقيل إنه، وان كان معناه المثل لكنه غلب في الشر وندر في غيره كقوله تعالى:{يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [سورة الحديد، الآية: 28، فلذا خص به السيئة تطرية، وهربا من التكرار، ومن بيانية أو ابتدائية.
وقال الراغب المعنى من يعن غيره في فعلة حسنة يكن له منها نصيب ومن يعنه في سيئة
ينله منها شدة. قوله: (مقتدرا) اختلف في تفسيره فقيل مقتدراً، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والبيت المذكور لأحيحة الأنصاري، وقيل للزبير بن عبد المطلب
والضغن الحقد يقول رب ذي حقد عليّ كففت السوء عنه مع القدرة عليه، وإذا كان بمعنى شهيداً وحافظا من القوت الحاضر الذي به حفظ البدن فأصله مقوت فأعل كمقيم، وهذا على التفسير الثاني وقيل عليهما. قوله:(الجمهور على أنه في السلام) ، ويدل على وجوب الجواب لصيغة الأمر، وقال الجمهور لما سيأتي أنه في الهبة، ووجوب الجواب للمسلم هو الصحيح لكن على الكفاية، وقوله: فإن قاله أي ورحمة الله زاد أي المجيب، وبركاته، ولا زيادة على ذلك كما ورد في الحديث، وقوله: إمّا الخ إشارة إلى أنه واجب مخير إذ بالزيادة المسنونة يقع ذلك الواجب. قوله: (لما روي أنّ رجلَا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه أحمد والطبراني عن سلمان الفارسي، وهذا تعليل الجمهور على أنه في السلام لقوله فأين ما قال الله الخ لا
للوجوب إذ لا دلالة في الحديث عليه، وتوله: فرددت عليك مثله إنما كان مثله مع أنه لم يقل إلا وعليك لأنّ عطفه على كلامه يقتضي اشتراكهما فيما ذكر فكأنه قال: وعليك ذلك. قوله: (وهذا الوجوب على الكفاية الخ) نقل السيوطي أنّ الأصح من مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وجوب الردّ حال الخطبة، وقيل: إنه مستحب، وقيل مباج، وأما القارئ ففي روضة النووي أنّ الأولى ترك السلام عليه فإن سلم عليه كفاه الردّ بالإف ر! والأظهر أنه يرذ باللفظ وقوله، ونحوها كالأكل والصلاة، وحال الآذان، والإقامة، والجماع. قوله:) ومنه قيل أو للترديد الخ) ضمير منه للحديث أو لجميع ما مرّ، ومن تعليلية أو ابتدائية لأنه نشأ منه كما يقولون، ومن ههنا يقال كذا يعني قيل إنّ الأمر بالأحسمن فيما إذأ أتى المسلم ببعض التحية، والأمر بالرد فيما إذا أتى بتمامها إذ لا أحسن منها حتى يؤتى به، ولما كان عينه جعل كأنه رذ إليه ما أخذ منه، وقوله: وذلك إشارة إلى أنه أي السلام عليك، ورحمة الله وبركاته تمام التحية لأنّ السلام دعاء بالسلامة عن أقسام المضار وحصول المنافع من الرحمة أي الأنعام وثباتها أي المنافع، وقيل: إنه راجع لها، وللسلامة والثبات من قوله وبركاته لأنّ البركة كما حققه الراغب رحمه الله تعالى ثبوت الخير الإلهي في الشيء لأن مأخذ اشتقاقه يدل على اللزوم كالبرك لصدر البعير، ومنه بركة الماء لغير الجاري منه. قوله:(والتحية في الآصل مصدر الخ! يعني أصل معنى حياك الله جعلك حياً ثم استعمل لما ذكره من الدعاء بالحياة كقولهم عمرك الله وقوله: فغلب بالتخفيف، والتشديد، وقيل: معناه البقاء، والملك، ومنه التحيات لله. قوله:) وقيل المراد بالتحية العطية (أي الهبة، ولذا قال على المتهب لأنّ التحية تطلق على الهدية، وهي هبة، والثواب عوضر الهبة، والشافعي رحمه الله تعالى له في أكثر المسائل قولان فما تاله ببغداد قوله القديم وما قاله بمصر. قوله: الجديد يعني أن قوله القديم، وهو ضعيف عندهم أنه لا بد في الهبة من العوض أو الرذ على مالكها، قوله: الجديد كمذهبنا، وأعلم أنهم قالوا لو قال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال: عليك السلام فقط أجزأه لكنه خلاف الأولى، وظاهر الآية، وكلام المصنف رحمه الله تعالى خلافه، وفي الكشاف من قال لآخر أقرئ فلاناً السلام وجب عليه أن يفعل، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يسلم على لاعب الشطرنج، والنرد والمغني، والقاعد لحاجته ومطير الحمام، والعاري من غير عذر في حمام أو غيره، وذكر الطحاوي أن المستحب رذ السلام على الطهارة، ويتيمم لرذه ويسلم الرجل على امرأته لا الأجنبية، ويسلم الماشي على القاعد، والراكب على الماشي، وراكب الفرس على راكب الحمار، والصغير على الكبير،
والأقل على أكثر، وعنه صلى الله عليه وسلم:" إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم) أفي وعليكم ما قلتم، ولا يبدأ ذميّ بسلام فإن بدأ فقل وعليك ورخص! بعضهم في بدئهم بالسلام إذا دعت إليه داعية، ولا يسلم عليهم في كتاب، ولا غيره فإن فعل قال: السلام على من اتبع الهدى، وجوابه بقوله، وعليك روي بالواو و " ركها كما فصله الطيبي، وقوله: وقيل المراد بالتحية العطية هو قول لأبي حنيفة رحمه الله تعالى قيل لأنّ السلام قد وقع فلا يردّ بعينه فلذا حمل على الهدية وأجيب بأنه مجاز كقول المتنبي:
قفي تغرم الأولى من اللحظ مقلتي بثانية والمتلف الشيء غارمه
وقوله: (على التحية) إشارة إلى دخول ما قبله فيه دخولاً أوّليا.
قوله: (مبتدأ وخبر) إشارة إلى أنّ اللام قسمية لأنّ لام التأكيد لا تدخل خبر المبتدأ، والخبر وان كان مو القسم، وجوابه لكنه في الحقيقة الجواب فلا يرد وقوع الإنشاء خبراً، ولا أنّ جواب القسم من الجمل التي لا محل لها من الإعراب فكيف يكون خبرا مع أنه لا امتناع من اعتبار المحل، وعدمه باعتبار جهين. قوله:(ليحشرنكم الخ الما كان الجمع لا يتعدى بإلى أشار إلى توجيهه بأنه بمعنى الحشر، وهو يتعدى بها قال تعالى: {لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} ومن لم يتنبه له اعترض عليه بأنّ معنى الجمع في ليجمعنكم أظهر منه في ليحشرنكم فيكون تفسيره به تفسيرا بالأخفى مع أنّ الحشر للجمع في القيامة أخص، وأعرف في لسان الشرع فلا يتوجه كونه أخفى أيضا، وقوله: أو مفضين إليه جواب آخر أي عدى بإلى لتضمين معنى الإفضاء المتعدي بها أو إلى بمعنى في كما أثبته أهل العربية. قوله: (فهو حال الخ) يعني الجملة إما حال من اليوم، وضمير فيه راجع إليه أو صفة مصدر محذوف أي جمعا لا ريب فيه، والضمير للجمع. قوله:(إنكار أن يكون أحد الخ) يعني الاستفهام إنكارفي، والتفضيل باعتبار الكمية في أخباره الصادقة لا الكيفية فإنها لا يتصوّر فيها تفاوت إذ صدقه مطابقته، وهي لا تزيد فلا يقال في حديث معين أنه أصدق من آخر إلا بتأويل، وتجوّز ونفي الأصدقية وانكارها يفيد نفي المساواة أيضا كما في قولهم: ليس في البلد أعلم من زيد، وهي قاعدة مرّ
تحقيقها، ولا حاجة إلى تأويل أصدق بأظهر صدقاً كما توهم، وامتناع الكذب، وكونه في حقه محالاً ثابت شرعا، وعقلاً لأنه إما لحاجة أو لغيرها، وهو الغنيّ المطلق، والغير إما عدم العلم، وهو العليم الذي لا يعزب عن علمه مقدار ذرّة، واما قصداً، وهو سفه لا يليق بجناب عزته ثقدس، وتعالى فإن قيل هذا إنما يتم في الكلام النفسي فلم لا يجوز في اللفظي بأن يخلق الأصوات، والحروف الدالة على معنى غير مطابق لا من حيث إنه كلام للغير، ويتعلق بقدرته، وارادته على ما هو المذهب من أنه خالق لكلام العباد صدقها، وكذبها فإنه لا يوجب كونه متكلماً وكاذبا بل من حيث إنه يكون كلاما له ومنسوباً إليه لا إلى الغير كاللفظي من القرآن أجيب بأنه أيضاً نقص لكونه تجهيلاً وإن لم يكن جهلا، ولو سلم ففي الامتناع الشرعي كفاية ولا يخفى أنّ الجواب هو الثاني، وأما الأوّل فليس بشيء. قوله:(فما لكم تفرّقتم في أمر المنافقين الخ) يعني أنّ المقصود إنكار عدم اتفاقهم على كفرهم ثم ذكر سبب النزول، وفيه خمسة أقوال أصحها ما روي عن زيد فالأوّل هو ما رواه الشيخان عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، والاجتواء بالجيم من قولهم اجتويت البلد إذا كرهت الإتامة فيها وان كنت في نعمة وأصل معناه كراهيتها لو خامتها المقتضية للجوى وهو المرض دأء الجوف إذا تطاول، والبدو بمعنى البادية خلاف الحضر والحاضرة، وكونها نزلت في المتحلفين عن غزوة أحد فيه نظر. قوله:(أو في قوم هاجروا ثم رجعوا الخ) في الكشاف، وقيل:؟ ، نوا قوما هاجروا من مكة ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا على دينك، وما- خرجنا إلا لاحتواء المدينة، والاشتياق إلى بلدنا فهم من مشركي مكة، والذي في الحديث الأوّل من غيرهم فلا وجه لما قيل إنه القول الأوّل فلا معنى لإعادته، وقوله: معتلين أي مظهرين لعلة ذلك ووجهه، والحديث الآخر أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. قوله:) وفئتين حال عاملها الخ) في الدرّ المصون فيه وجهان أحدهما أنه حال من ضمير لكم المجرور، والعامل فيه الاستقرار أو الظرف لنيابته عنه، وهذا القول الأوّل الذي ذكره المصنف
رحمه الله تعالى، وهدّه الحال لازمة لا يتم الكلام بدونها، وهذا مذهب البصريين في هذا التركيب وما شابهه، والثاني وهو مذهب الكوفيين أنه خبر كان مقدرة أي ما لكم في شأنهم إذ كنتم فئتين ورذ بالتزام تنكيره في كلامهم نحو ما لهم عن التذكرة معرضين، وكون العامل الجملة بتمامها لكونها فعلا تأويلاً أي افترقتم لا يخفى أنه مخالف للبصريين والكوفيين، وعمل الجملة مما لا نظير له، ولا داير إليه، وأمّا ما قيل على الأوّل أنّ كون ذي الحال بعضا من عامله غريب لا يكاد يصح عند الأكثرين فلا يكون معمولاً له، ولا يجوز اختلاف العامل في الحال
وصاحبها فمن فلسفة النحو. قوله: (حال من فئتين (أي كان صفة له لتأويله بما ذكره فلما قدّم انتصب حالاً أو هو حال من الضمير، والعامل فيه يعلم مما تقدّم، وفيه وجوه أخر في الإعراب. قوله: (ردّهم إلى حكم الكفرة الخ) ما موصولة أو مصدرية، والباء سببية، واختلف في معنى الركس لغة فقيل الرذ كما قال أمية بن أبي الصلت:
فاركسوا في جحيم النار أنهم كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا
أي ردّوا فالمعنى حينئذ رذهم إلى الكفر بعد الإسلام بكسبهم، وهو الوجه الأوّل، وقيل الركس قريب من النكس، وحاصله أنه رميهم منكسين فهو أبلغ من التنكيس لأنّ من يرمي منكسا في هوّة قلما يخلص منها، فالمعنى أنهم بكسبهم الكفر قلب الله حالهم، ورماهم في حفر النيران، وهذا هو الثاني، وقيل: الرك! الرجيع، وفي الحديث:" أنه صلى الله عليه وسلم أتى بروثة فقال أنها ركس " وقيل الأركاس الأضلال، ومنه:
وأركستني عن طريق الهدى وصيرتني مثلا للعدا
قوله: (أن تجعلوه من المهتدين (لأنّ الهداية المتعدية إيصاله، وجعله مهديا، وما قيل:
إنّ المصنف رحمه الله تعالى جعل أن تهدوا بمعنى جعلهم من المهتدين أي وصفهم بالاهتداء، ولم نجده في اللغة بهذا المعنى فلا وجه له. قوله:(ولو نصب على جواب التمني الخ) كذا في الكشاف، وقيل عليه المنقول أن التمني إذا كان بالحرف كليت ينصب جوابه، وأمّا إذا كان
بالفعل كوذ فلم يسمع من العرب، ولم يذكره النحاة وردّ بأنهم لم يريدوا التمني المفهوم من وذ بل المفهوم من لو بناء على أنها للتمني، وفيه نظر، ولا يرد أنه إخبار عن التمني فكيف ينصب في جوابه لأنه لا يمكن أن يكون حكاية لتمنيهم مع جوابه، والأصل لو تكفرون كما كفرنا فنكون نحن وهم سواء، وتكفرون حكاية بالمعنى، وتكونون غلب فيه الخطاب على الغيبة. قوله:(فلا توالوهم الخ) أي لا تتخذوهم أولياء كما في سائر المسلمين، وقوله: حتى يؤمنوا إشارة إلى أنّ الهجرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم مستلزمة للإيمان، ولا يعتدّ بها بدونه، وكانت الهجرة فرضا في صدر الإسلام كما في التيسير، وسبيل الله الطريق الموصلة إليه وهي امتثال أوامره وترك نواهيه، وقوله الظاهر بالهجرة، وفي نسخة المظاهر أي المقوّي، وقوله: أو عن إظهار الإيمان إن أراد إظهار الإيمان بالهجرة فالتفسيران واحد، دمان أراد الإطلاق فهو مخالف لما عليه المفسرون لكن قد يقال إنه علم من قوله حتى يهاجروا قبله فلا حاجة لتكريره، وقوله: رأسا أي بالكلية دائماً، وهذا إمّا من المضارع الدال على الاستمرار أو من التكرار المفيد للتأكيد، وحيث وجدتموهم يعني في الحل والحرم، والأمر بالأخذ لتقدّمه على القتل عادة، والمراد قتلهم ولو بدون أخذ. قوله:) استثناء من قوله فخذوهم الخ) قال الطيبي: أي من الضمير في فخذوهم لا من الضمير في ولا تتخذوا وان كان أقرب لأنّ اتخاذ الوليّ منهم حرام مطلقا، وقوله: والقوم هم خزاعة أي الذين كان بينهم، وبين النبيّ عقي! شنآن كما عرف في السير، والمراد بالاتصاف الانضمام والالتجاء إليهم لا اتصالهم به نسبا على الصحيح، وزيد مناة علم، ومناة اسم صنم أضيف إليه كعبد مناة، وقوله واح بمعنى صالح وصفة قوم بينكم وبينهم ميثاق قيل: وفي قوله عطف على الصلة لطف إيهام فإنّ الصلة يصلون فهي صلة لفظا ومعنى، والظاهر أن المصنف رحمه الله لم يقصده وإنما هو اتفاقي. قوله: (والأول أظهر لقوله
الخ الا شبهة في أنّ عطفه على الصلة أرجح رواية، ودراية لأنه لو عطف على الصفة لكان لمنع القتال سببان الاتصال بالمعاهدين، والاتصال بالكافين، ولو عطف على الصلة كان السببان الاتصال بالمعاهدين، والكف عن القتال لكن قوله: فإن اعتزلوكم يقرّران أحد السببين هو الكف عن القتال لأنّ الجزاء مسبب عن الشرط فيكون مقتضياً للعطف على الصلة فإنه لو عطف على الصفة كان أحد السببين الاتصال بالكافين لا الكف عن القتال فإن قلت لو عطف على الصفة تحققت المناسبة أيضاً لأنّ سبب منع التعرض حينئذ الاتصال بالمعاهدين، والاتصال بالكافين، والاتصال سبب للدخول في حكمهم وقوله:(فإن اعتزلوكم) يبين حكم الكافين لسبق حكم المتصلين بهم.
(قلت) في شرح الكشاف أنه جائز لكن الأوّل
أظهر وأجرى على أسلوب كلام العرب لأنهم إذا استثنوا بينوا حكم المستثنى تقريراً، وتوكيداً فيقولون ضرب القوم إلا زيدا فإنه لم يضرب فلو عطف على الصفة كان مثل ضرب القوم إلا جار زيد فإن زيدا لم يضرب حتى يعلم منه أنّ جاره لم يضرب مع ما فيه من فك الضمائر، وقال الإمام جعل الكف عن القتال سببا لترك التعرض أولى من جعل الاتصال بمن يكف عن القتال سبباً لأنه سبب بعيد على أن المتصلين بالمعاهدين ليسوا معاهين لكن لهم حكمهم بخلاف المتصلين بالكافين فإنهم إن كفوا فهم هم والا فلا أثر له. قوله:(وقرئ بنير العاطف على أنه صفة بعد صفة الخ) يرد عليه أنه إذا كان قوله فإن اعتزلوكم يأبى عن عطفه على الصفة، ويجعله مرجوحا، فبطريق الأولى كونه صفة فلم قدّمه هنا، وقد أخره في الكشاف، ويدفع بأن له مرجحا هنا، وهو وقوع الجملة بعد النكرة بدون عاطف فإنه في مثله المعهود إنه صفة فقد عضده معنى آخر فتأمّله وعلى الاستئناف يكون جواباً لسؤال أي كيف وصلوا إلى المعاهدين كذا قيل، والصواب أن يقدر كيف كان الميثاق بينكم، وبينهم كما يؤخذ من الدرّ المصون، وقيل إنّ الأولى تخريج هذه القراءة على حذف العاطف لأنه على الوصفية يقتضي أنه لا بد من اجتماع الوصفين في عدم التعرض لهم، وليس بشيء كما يؤخذ مما مرّ في تقدير السؤال. قوله:(أو بيان ليصلون الخ) قيل عليه البيان لا يكون في الأفعال، وفي الكشاف أو بدلاً وأورد عليه أنه ليس إياه، ولا بعضه، ولا مشتملا عليه وجوابه أنّ الانتهاء إلى المعاهدين، والاتصال بهم حاصله الكف عن القتال فصح جعل مجيئهم إلى المسلمين هكذا بيانا أو بدلاً، وكونه لا يجري في الأفعال لا يقول به أهل المعاني، وهكذا يعلم حال كون حصرت بيانا لجاؤوكم. قوله:(حال بإضمار قد الخ) ويؤيده قراءة الحسن حصرة، وقيل: إنها جملة دعائية ورد بأنه لا معنى للدعاء على الكفار بأن لا يقاتلوأ قومهم بل بأن يقع بينهم اختلاف وقتل، وإذا كان صفة للحال لا حاجة إلى تقدير قد، وما قيل إنّ المقصود بالحالية هو الوصف لأنها حال موطئة فلا بد من قد سيما عند حذف
الموصوف فما ذكر التزام لزيادة الإضمار من غير ضرورة غير مسلم. قوله: (وحصرات) فيه نظر فإنه يجوز أن يكون صفة لقوم سببية لاستواء نصبه وجره، وقد يجاب عنه بأنّ الوصف الرافع لظاهر يوحد أو يجمع جمع تكسير، وجمعه جمع تصحيح قليل فهذا يؤيد الحالية، وفيه نظر وبنو مدلج قوم معروفون من العرب بالقيافة، والحصر بفتحتين ضيق الصدر من الجبن. قوله:(أي عن الخ (أي هو على تقدير الجارّ أو مفعول له مقدر له مضاف، وقوله: بأنه قوّى قلوبهم يعني أنّ التسليط عليهم معناه ما ذكر، والمقصود الامتنان على المؤمنين بأنّ تركهم القتال بسبب أن الله لم يسلطهم، وقذف في قلوبهم الرعب. قوله: (فلقاتلوكم) اللام جوابية لعطفه على الجواب ولا حاجة لتقدير لو وسماها مكيّ، وأبو البقاء لام المجازاة والازدواح، وهي تسمية غريبة وفي الإعادة إشارة إلى أنها جواب آخر مستقل، والسلم بفتحتين الانقياد، وقركما بسكون اللام مع فتح السين، وكسرها، وكأنّ إلقاء السلم استعارة لأنّ من سلم شيئاً ألقاه، وطرحه عند المسلم له وعدم جعل السبيل مبالغة في عدم التعرّض لهم لأنّ من لا يمرّ بشيء كيف يتعرّض له. قوله:(هم أسد الخ) هاتان قبيلتان، وقيل الآية في حق المنافقين، ومرّ تفسير أركسوا وتحقيقه، وقوله: وينبذوا إليكم العهد فسر السلم هنا بالعهد، وهو قريب من الأوّل لما سيأتي، وثقف بمعنى وجد والتمكن من الشيء في قوّة وجدانه، وقوله: مجرّد الكف يعني بدون المعاهدة التي يكون له بها ذمة، وجوز في السلطان أن يكون بمعنى الحجة ومصدراً بمعنى التسلط. قوله:(وما صح له وليس من شأنه) ما كان وما ينبغي يستعملان بمعنى لا يليق، ولا يصح والمراد بنفي الصحة نفي الإمكان دون الصحة الشرعية، والمقصود منه المبالغة، والا فالقتك لا يخرج عن الإمكان، وقيد القتل بغير
حق لأنه هو المنفيئ. قوله: (فإنه على عرضته ونصبه على الحال الخ) معنى كونه على عرضته بضم فسكون وضاد معجمة أي لا يزالون يقعون فيه اضطراراً لأنهم يحاربون، ولا يخلو المقاتل من خطا فلذا ترك القصاص فيه دفعا للحرج وفي نصبه وجوه، وذكر المصنف منها ما ذكر، وتقديره الحال بقوله: في شيء من الأحوال لأنّ الحال في معنى الظرف، وقريب منها كما صرّحوا به فلا يقال إنه يقتضي أنه ظرف لا حال ألا ترى أنّ معنى
جئت، والشمس طالعة ووقت طلوع الشمس واحد، وكونه نفيا في معنى النهي ظاهر لأن الشارع إذا قال لا ينبغي كذا فقد نهى عنه. قوله:(والاستثناء منقطع الخ) قال النحرير توهم بعضهم أنه استثناء منقطع لأن المتصل يدل على جواز القتل خطأ وأنّ للمؤمنين ذلك فاختار الزمخشرفي أنه على أصل الاستثناء المتصل، وهو مفرّغ مفعول أو حال أو صفة مصدر مقدر، ولا يلزم جواز القتل خطأ شرعا لأن معناه أن من شأن المؤمن أن لا يقتل إلا خطأ.
(أقول) إن الداعي إلى جعله منقطعا إن ما كان بمعنى لا يصح شرعا، وهذا غير صحيح شرعاً أيضاً، وحينئذ فلا يصح جعله توهما لأنه دائر مع المراد من ما صح نعم كون الاستثناء المفرغ يكون متصلا ومنفصلا لم يذكروه، والظاهره كونه متصلا دائماً فتأمله، وقوله: لا يضامه القصد أي لا يقارنه وقوله، والاستثناء منقطع أبتداء كلام، وليس متعلقا بقيل كما قيل إنه لو جعل متصلا فسد المعنى لأنه لا يطلب من المؤمن ترك القتل في كل حال إلا في حال الخطأ فيلزم أن يكون القتل حال الخطأ مطلوبا، وليس كذلك وما عرّف به الخطأ هو الخطأ الشرعي مما هو حقيقيّ أو في حكمه، وقصة عياش رواها ابن جرير ولها تفصيل في الكشاف، وقوله: ولم يشعر به أي بإسلامه، وقوله: حارث بن زيد وقع في العنكبوت الحرث بن هشام. قوله: (فعليه أو فواجبه الخ) الفاء إمّا جوابية أو زائدة على وجهين، وتحرير إمّا فاعل أي يجب عليه أو مبتدأ خبره محذوف أي فالواجب تحرير الرقبة، والتحرير الاعتاق وأصل معناه جعله حراً أي
كريما لأنه يقال لكل مكرم حز ومنه حر الوجه للخد واحرار الطير، وكذا تحرير الكتاب من هذا أيضا، والرقبة من التعبير بالجزء عن الكل، والنسمة بفتحتين للإنسان، وقيل ة إنها تكون بمعنى الرقيق، وهو المراد هنا قال الراغب أنها في المتعارف اسم للمماليك كما يعبر بالرأس، والظهر عن المركوب فيقال فلان يربط كذا رأسا وكذا ظهرا. توله:(ضحاك بن سفيان الخ) أشيم بشين معجمة وياء تحتية مثناة، والضبابي بضاد معجمة وباء موحدة، وهذا الحديث رواه أصحاب السنن، وهو كما ذكر ووقع في بعض النسخ تحريف من الناسخ والضحاك قال هذا لعمر رضي الله عنه حين قال إنما الدية للعصبة. قوله:(سمي العفو عنها صدقة حثا عليه الخ (لا بدع فيه فإنه لما لزمه وصار في ذمّته صار العفو كهبة الدين لمن هو عليه خصوصا وكل معروت سماه الشارع صدقة كما في حديث الصحيحين الذي ذكره المصنف رحمه الله. قوله:) وهو متعلق بعليه) أي المقدر في قوله فعليه تحرير رقبة أي فعليه تحرير رقبة وتسليم دية إلى أهله في جميع الأحيان إلا حين أن يتصدق أهله بالدية فحينئذ تسقط الدية، ولا يلزم تسليمها وليس فيه دلالة على سقوط النحرير حتى يلزم تقدير عليه آخر قبل قوله ودية مسلمة كذا قال النحرير. قوله:(فهو في محل النصب على الحال الخ) تبع فيه الزمخشري، وقد أورد عليه أنه مخالف لكلام النحاة لأنّ أن والفعل لا يقع حالاً كما صرح به سيبويه رحمه الله لأنّ أن للاستقبال، وهي تنافي الحال، ولو مقدرة، ولا يصح نصب أن والفعل على الظرفية لأنه مخصوص بما المصدرية، والمصدر الصريح فالصواب أنه في محل نصب على الاستثناء المنقطع، وفي وقوع هذا المصدر ظرفا خلاف للنحاة، وقد جوّزه بعضهم كما ذكره ابن مالك، وقوله:) ولم يعلم إيمانه) قيل إنه مذهب الشافعي رحمه الله لا مذهبنا فانظره، وقوله: ولأنهم محاربون معناه أنّ
بينهما اختلاف الدار لأنّ المؤمن منا ولو تركه لكان أولى. قوله:) ولعله فيما إذا كان المقتول الخ) يعني لا يلزم دية بقتل شخص من قوم ومعاهدين إذ يجوز أن يكون غير معاهد، ولا مؤمّن إلا إذا كان معاهد فيلزم الدية للعهد أو سملما، وله وارث مسلم فالظاهر أن يقول أو كان مسلماً، وله وارث مسلم إذ المسلم لا يرث من الكافر ففي عبارته تقصير، وقوله: فعليه الخ إشارة إلى ما مرّ من وجوه الإعراب. قوله: (توبة نصب على المفعول له أي شرع الخ) إنما قدر شرع مجهولاً أو معلوما ليتحد فاعل المعلل، والمعلل ولولاه لجعل العامل الصيام
والحالية من الضمير المجرور. قوله: (لما فيه من التهديد العظيم) أي لما في النظم أو الوعيد، وأهل السنة في هذه الآية على أنّ المقصود التغليظ في الزجر فلا حاجة إلى تأوبلها أو تؤول بالحمل على المستحل أو الخلود المكث الطويل، وخلاف المعتزلة في ذلك معروف، ومقيس كمنبر علم. قوله:(سافرتم الخ) ضرب في الأرض بمعنى سافر، وخصه المصنف رحمه الله بالسفر للغزو
لدلالة السياق، والسباق عليه، وقوله: فاطلبوا الخ إشارة إلى أنّ صيغة التفعيل هنا بمعنى الاستفعال كما صرّج به الزمخشريّ، وأهل العربية، وقوله: وثباته إشارة إلى القراءة الآتية وأنهما بمعنى أي لا تعجلوا وتحرّوا وتأملوا، وتحية الإسلام السلام، وكان للجاهلية تحية أخرى كانعم صباحا والقاؤها التلفظ بها، والقاء السلم أي الانقياد إظهاره استعارة كما مرّ، وقوله: متعوّذاً أي ملتجئا إلى إظهار ذلك خوف القتل، وقراءة الكسر قراءة الجمهور والأخرى مروية عن عليّ رضي الله عنه، وقوله: سريع النفاد مأخوذ من تسميته عرضا. قوله: (أي أؤل ما دخلتم الخ) حصن الدماء عدم سفكها، والمواطأة الموافقة، وقوله: فإنّ بقاء ألف كافر لأنه قد لا يأثم به بخلاف القتل، وجعل الأمر مكرّرا لكنه متغاير باعتبار ترتبه على ما ذكر من حالهم المقتضية له فهو آكد، وقيل: إنه غير مكرّر لتقدير الأوّل تبينوا أمر من تقتلونه، والثاني تبينوا نعمة الله عليكم. قوله:(فلا تتهافتوا الخ) التفاوت الوقوع والتساقط، وفي الدرّة أنه لا يستعمل إلا في الشرّ، وفدك بفتح الدالط قرية بخيبر، وألجأ غنمه إلى عاقول أي ساقها، والعاقول الغار وأسامة بن زيد وغنيمة تصغير غنم للتقليل وقوله، وقال ودّ لو فرّ أي ليس إتيانه بكلمة التوحيد إلا لينجو بها حتى يفرّ بأهله وماله منا. قوله:(وفيه دليل على صحة للمان المكره الخ) وجه الدلالة أنه مع ظنهم أن إسلامه لخوف القتل، وهو إكراه أنكر عليهم قتله فلولا صحة إسلامه لم ينكر ووجه الدلالة على خطا المجتهد أمره بالتثبت المشعر بأن العجلة خطأ ووجه العفو عنه مأخوذ من السياق، وعدم الوعيد على ترك التثبت، ومن المؤمنين حال كما ذكره،
ومن فيه إمّا بيانية أو تبعيضية. قوله: (بالرفع صفة للقاعدين الخ) قرئ غير بوجوه ثلاثة فالرفع على أنه صفة القاعدون، وهو وان كان معرفة، وغير لا تتعرف في مثل هذا الموضع لكنه غير مقصود به قاعدون بعينهم بل الجنس فأشبه النكرة فصح وصفه بها قيل والأحسن أن يعرب بدلاً منه لأنّ أل موصولة، والمعروف إجراؤه في المعرف بالألف، واللام، وبينهما فرق وجوّز الزجاج في الرفع الاستثناء فتأمّل، وقيل غير معرفة هنا لأن المعرفة لا توصف بالنكرة وان أريد بها الجنس، وإنما توصف بجملة فعلية مضارعية، والنصب على الحالية، وهو نكرة لا معرفة كما قيل، وأما أنّ النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة فأكثري لا كليّ أو غير للاستثناء ظهر إعراب ما بعدها عليها وابن أتم مكتوم صحابي أعمى مشهور رضي ألله تعالى عنه، وقوله: فغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ. أي عرض له ونزل عليه، وكان في بعض أحيانه لا يتمثل له الملك وإنما يصيبه برحاؤه حتى كان مغشى عليه وكان يثقل بدنه فيه، وترضها بمعنى تكسرها، وسرّى مجهول مشدد الراء بمعنى انكشف عنه ذلك الحال وقوله: (وعن زيد (رواه البخاري وأصحاب السنن، ومثل الضرر أو هو داخل فيه عدم الاستطاعة المالية ونفي الاستواء، وان كان معلوماً للحث على الجهاد ليأنفوا عن تركه كقوله:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر، الآية: 9] كما ذكره الزمخشري، ويعلم من نفي المساواة بين المجاهد بالمال، والنفس نفيها بين المجاهد بأحدهما ونفي المساواة يستلزم التفضيل لكن لم يكتف بما فهم ضمناً فصرّح به بعده اعتناء به، وليتمكن أشد تمكن ولذا لم يعطف جملتها لأنها مبنية موضحة له كما سيأتي في الكشاف أن يكون جواب سؤال
أي ما بالهم لا يستوون، والأنفة بفتحتين الترفع وعدم الرضا به. قوله:) على
التقييد السابق الخ (لأنه مبين له والمبين عين المبين فيقيد بما قيد به من الإيمان، وعدم الضرر لكنه ترك للعلم به مما مرّ قيل ولأنه أعيد معرفة، وإنه إشارة إلى ردّ ما سيأتي من تغاير القاعدين فيهما وفيه نظر، وتضمن الدرجة التفضيل لأنها المنزلة والمرتبة، وهي تكون في الترقي والفضل فوقعت موقع المصدر كضربته سوطاً أي بسوط.
قوله: (المثوية الحسنى) المثوبة الثواب، وقدرها للتأنيث في الحسنى وقوله:(وإنما التفاوت الخ) قيل هذا يقتضي تفضيل المجاهدين على أولي الضرر باعتبار العمل، ولا محذور فيه مع أنّ قوله لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر يقتضي تساوي أولي الضرر والمجاهدين إلا أن يقال التساوي لا يلزم أن يكون من كل الوجوه فالتساوي في النية، والعزم على بذل المال، والنفس لو قدر يكفي فيه كما في الحديث أنه لما رجع من تبوك قالءكييه:" لقد تركنا بالمدينة أقواماً ما قطعنا وادياً ولا وطئنا موطئاً إلا شركونا في دّلك " ولذا قال النيسابوري أنهما متساويان فتأمّل. قوله: (نصب على المصدر الخ (فضل بمعنى أعطي الفضلى، وهو أعمّ من الأجر لأنّ الأجر يكون في مقابلة أمر فأريد به الأخص لأنه في مقابلة الجهاد فلذا جعلهما بمعنى أو هو أعم لكن نصب المفعول لتضمنه معنى الإعطاء، ويكون ذلك الإعطاء فضلا أي زيادة على أجر غيرهم لبقاء معناه الأصلي فلذا قال، وأعطاهم زيادة، وفيه وجه آخر ذكره بعيدة، وهو أنه صفة درجات النكرة قدمت عليها فانتصبت على الحال، وأورد عليه أنه كيف يكون صفة لدرجات، وهو لا يطابقه لأفراده وأجيب بأنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد، وغيره فيجوز نعت الجمع به. قوله: (كل واحد منها بدل الخ (تسمح فيه بجعل المعطوف على البدل بدلاً، والمراد أنّ كلا منها يصلح لأن يكون أجرا، ونصبه على المصدر لتأويله، ولذا مثل له بأسواطا وعلى هذا الوجه جعل ما بعده منصوبا بفعل مقدر أي غفر لهم مغفرة، ورحمهم رحمة لأنه وان صح عطفه على أجراً من جهة المعنى لكن فيه تخلل ذي الحال بين الأحوال المتعاطفة.
تنبيه: إن قلت لم نصبه السبعة هنا إذا لم يرفعه إلا الحسن في تراءة شاذة وقرأ ابن عامر
في الحديد وكل وعد الله بالرفع مع أنّ حذف العائد في نحو زيد ضرب مخصوص بالشعر عند ابن الشجري.
قلت: أجابوا عنه بأنّ قبله فعلية هنا وهي قوله فضل الله الخ. بخلاف ما في الحديد فلذا
رفعه ابن عامر ونصب هنا كما في أمالي ابن الشجري إلا أنّ قوله حدّف العائد مخصوص بالشعر غير صحيح مع منافاته لما قرّره. قوله: (كرر تفضيل المجاهدين الخ (في الكشاف فضل الله المجاهدين جملة موضحة لما نفى من استواء القاعدين، والمجاهدين كأنه قيل ما لهم لا يستوون فأجيب بذلك والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر لكون الجملة الأولى بيانا للجملة المتضمنة لهذا الوصف، ثم قال أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء، وأمّا المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم لأنّ الغزو فرض! كفاية.
(أقول) هذا من مشكل هذا الكتاب لتناقضه فإنه قال فيما سبق أن المفضلين درجة الذين ذكرهم الله هم المفضلون على القاعدين غير أولي الضرر وقال ثانياً إنّ معناه على القاعدين الإضراء، وهذا هو الذي نقله المصنف رحمه الله رابعاً بصيغة التمريض، وأيضا مفهوم الصفة أو الاستثناء في غير أولي الضرر يدلان على التساوي بين المجاهدين، والإضراء، كذا سبب النزول صريح في أنّ المقصود استثناء قوم لم يقدروا على الجهاد، وإثبات المساواة لهم فكيف يفضلوا عليهم درجة، وأيضاً لأوجه لو عد غير الإضراء بالجنة إذ لا عمل لهم ولا نية، والجواب عما عدا التناتض بأنّ المساواة في النية، وما عدا العمل أو أنهم لما فهموا من نفي الاستواء البون البعيد قيد بغير أولي الضرر يعني أنّ البون البعيد بينهم، وبين غير أولي الضرر، وأما هما فبينهما فرق يسير ودرجة واحدة، ولذا تممه بقوله وكلا الخ إشارة إلى تساويهما في غير تلك الدرجة، وبأنّ وعد غير الإضراء لكون تخلفهم بالإذن، وفيه نظم أحوال عيال المجاهدين، وحفظ المدينة، وأما التناقض فقد دفع بوجوه متكلفة لا يمكن تطبيقها على كلامه إلا بارتكاب أمور يمجها السمع
وقد فصلها النحرير في شرحه وأشار إلى أنه لم يرض بشيء منها، وعندي أنّ أقرب ما يقال في التوفيق أنّ ضرر أولي الضرر قسمان قسم مانع لتكليف الجهاد بالذات كالعمى، والزمانة ونحوه من العاهات، ومنه أخذ الضرير لفاقد البصر، وهو كناية كما ذكره الراغب، وجمعه أضرّاء، وقسم عارض يعسر معه الغزو كمرض أهل، وما شاكله فالمراد بغير أولي الضرر القسم الثاني لأنه المتبادر من الضرر ويعلم منه القسم الأوّل بالطريق الأولى، وهو المراد بالمصرّج به في النظم فينطبق على سبب النزول، وإذا نفى قد يقصد نفيه بهذا المعنى فقط فيصح حينئذ أن يكون الإضراء، وما في حكمهم غير ذوي الضرر لأن ضررهم ليس بعرضيئ وبصح أن يقال المراد بالقاعدين من غير أولي الضرر الإضراء بقرينة تسويتهم في وعد المثوبة، وجعل التفاوت بينهم درجة واحدة، وأمراً يسيراً، وقد يقصد بنفيهم نفي ما يلزمه، ويعلم حكمه منه بالطريق الأولى بقرينة جعل التفاوت بينهم بدرجات كثيرة، وتخصيص! غيرهم بالرحمة، والغفران، وهذا أقرب من جعل أوّل كلامه مبنيا على وجه، وآخره
على آخر، وهو أن يكون قوله تعالى:{فَضْلُ اللَّهِ} الخ. جملة استئنافية فإنه لما حكم بالتفاوت بين المجاهدين، والقاعدين غير الإضراء كان سائلَا يقول فما حال المجاهدين بالنسبة إلى الإضراء، وغيرهم فذكر فضل، وفضل لتفصيل تفضيلهم، وأنه فضلهم على الإضراء درجة، وعلى غير الإضراء درجات لأنه ليس في كلامه ما يدل عليه، والمصنف رحمه الله لما رأى ما فيه تركه، واختار أنّ القاعدين مقيد في الجميع بقيد واحد وأنه كرّر فيه التفضيل للتأكيد، وذكره مرة مجملاً لإيهام الحسنى فيه ووحد الدرجة في الإجمال وجمعها في التفصيل مع زيادة الرحمة، والمغفرة والأجر العظيم، ومن الإجمال والتفصيل أنه نفى عنهم المساواة فاقتضى ذلك التفضيل، ثم صرّح به. قوله:(وقيل الأوّل ما خوّلهم الخ) يعني بعض المفسرين لم يجعل التفضيل مكرّرا وغاير بينهما بأن جعل الأوّل مالهم من الفضل الدنيوي والثاني الأخروي، ولذا وحد الأوّل وجمع الثاني لأنّ الأجر الدنيوي قليل في جنب الأخروي وخوّلهم بخاء معجمة وواو مثذدة، ولام بمعنى أعطاهم، وأصله إعطاء الخول والعبيد وقوله:(وقيل المراد بالدرجة الخ) يعني المراد بالتفضيل الأوّلط رضوان الله ونعيمه الروحاني، والثاني نعيم الجنة المحسوس. قوله:) وقيل القاعدون الخ) هذا ما ذكره الزمخشريّ، وقد مرّ ما فيه، وقوله: اكتفاء بغيرهم لأنه فرض كفاية كما مرّ وارادة جهاد النفس يأباه السياق، وسبب النزول، ولذا أخره، وقال المحدثون هذا لا أصل له، وقوله: يفرط منهم أي يصدر عنهم، وأصل معناه السبق فتجوز به لمطلق الصدور. قوله: (يحتمل الماضي الخ (وعلى الأوّل ترك التأنيث لأنّ فاعله غير مؤنث حقيقي، وعلى الثاني هو لحكاية الحال الماضية، وبهذا الاعتبار كان
ظالمي أنفسهم بمعنى الحال، وإضافته لفظية فوقع حالاً وأصله تتوفاهم فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً، وفسر توفي المجهول بتمكن من الاستيفاء أي القبض، والأخذ وقوله في حال ظلمهم إشارة إلى أنه حال كما مرّ، وكانت الهجرة واجبة في صدر الإسلام ثم نسخت بعد الفتح، وفي الحديث لا هجرة بعد الفتح أي فتح مكة، وقيل إنها تجب الآن من بلد لم يقم فيه شعائر الدين كما في الكشاف، وهو مذهب سيدنا مالك وسيأتي، وفي كتاب الناسخ والمنسوخ أنها كانت فرضا في صدر الإسلام فنسخت وبقي ندبها وبه يجمع بين الأحاديث كالحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله، وقوله: نزلت في ناس الغ رواه الطبري. قوله: (توبيخاً لهم (إشارة إلى جواب ما قيل السؤال لا يطابق الجواب لأن الظاهر كنا في كذا أو لم نكن في شيء فأشار إلى أن محصل السؤال توبيخهم على ترك الهجرة، والجواب اعتذار عنه بعجزهم. قوله: (تكذيباً لهم الخ (فإنهم كانوا قادرين على الهجرة فكذبوهم أو قصدوا توبيخهم، وهما متقاربان وقطر بمعنى جانب، والهجرة إلى الحبشة هي الهجرة الأولى للصحابة، وهي معروفة في السير والحبشة كالحبش بفتحتين جنس من السودان أطلقت على محلهم مجازاً كما هنا. قوله: (لتركهم الواجب) يعني الهجرة، ومساعدة الكفار بالإقامة معهم، وفي خبر أن هنا أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل: هو محذوف تقديره هلكوا ونحوه، والمراد بقالوا أي الأول لأن ما بعده جواب، ومراجعة لا يصح
معنى كونه خبراً فمن قال لو جعل الخبر قالوا الثاني لم يحتج إلى تقدير عائد فقد وهم، وقوله: مستنتجة أي واقعة موقع النتيجة التي تعطف بالفاء. وتهاجروا منصوب في جواب الاستفهام. قوله: (مصيرهم الخ (يعني أنّ ساء من باب نعم كما مرّ والمخصوص بالمدح مقدر كما ذكره، وقد مرّ مثله والحديث المذكور أخرجه الثعلبي عن الحسن مرسلالم 2 (، واستوجبت معناه وجبت، وحقيقته طلبت له الوجوب، وروي معلوماً
ومجهولاً ووجه دلالة الآية ظاهر، ولذا قيل حكم الندب باق فيها، وقوله: رفيق أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بناء على أنّ الخطاب للعرب، وأكثرهم ولد إسماعيل لمج! ، وأمّا جعل ضمير أبيه للنبيّ صلى الله عليه وسلم فليس بشيء وخصا بالذكر لأنّ كلا منهما له هجرة قال تعالى حكاية عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم إني مهاجر إلى رني وهو أوّل من هاجر، والهجرة من بلاد الكفار، وبلاد لا يقام بها شعائر الإسلام واجبة كما نقله ابن العربي المالكي رحمه الله قال وكذا البلاد الوبية. قوله:(استثناء منقطع الخ) في هذا الاستثناء قولان أحدهما أنه متصل، والمستثنى منه أولئك مأواهم جهنم إلا المستضعفين، والثاني أنه منقطع لأنّ الموصول، وضمائره والإشارة إليه بأولئك لمن توفتة الملائكة ظالما لنفسه من العصاة بالتخلف كما قاله المفسرون، وهم القادرون على الهجرة فلم يندرج فيهم المستضعفين فكان منقطعاً، ومن الرجال الخ حال من ألمستضعفين أو من الضمير المستتر فيه. قوله:(وذكر الولدان الخ) قد تدمنا معنى الولدان، وهذا دفع لسؤال يتوهم، وهو أن الولدان بمعنى الصغار غير المكلفين فما فائدة إخراجهم من الوعيد والتهديد فإن كانوا بمعنى العبيد والإماء فلا إشكال، والا فالقصد إلى المبالغة في وجوب الهجرة والأمر بها حتى كأنها مما كلف به الصبيان أو المراد بهم من قرب عهده بالصغر مجازاً كما مرّ في اليتامى. أو أن تكليفهم عبارة عن تكليف أوليائهم بإخراجهم من ديار الكفر أو المراد التسوية بين هؤلاء في عدم الإثم، والتكليف أو أنّ العجز ينبغي أن يكون كعجز الولدان. قوله:(صفة للمستضعفين الخ) المراد بالتوقيت التعيين بأن يكون للعهد لأنّ المراد به الجنس وهو في المعنى كالنكرة توصف بما توصف به، وفي الكشاف أنّ أل هذه حرف تعريف للجنس، وهو بناء على أنّ الداخلة على اسم الفاعل الذي لم يقصد به الحدوث ليست موصولة، وقيل الأولى أن تجعل بيانا للمستضعفين وكلمة الأطماع عسى ويترصد ليس من مدخول النفي، وتعليق قلبه
لأنه من شأن المترجي. قوله: (متحوّلأ من الرغام الخ) أي هو اسم مكان يتحوّل إليه أو يسلكه. قوله: (وقرئ يدركه بالرفع) وخرجه ابن جني كما نقله السمين على إضمار هو أي ثم هو يدركه فالاسمية معطوفة على الفعلية الشرطية قال: وعلى ذلك حمل يون! رحمه الله قول الأعشى:
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فإنا معشر نزل
أي أو أنتم تنزلون.
) قلت) فالاسمية في محل جزم وان لم يصح وقوعها شرطا لأنهم يتسمحون في التابع
وانما قدروا المبتدأ ليصح رفعه مع عطفه على الشرط المضارع، وجعل الفعل خبرا تسمح شائع لأن الخبر الجملة، وما قيل على تقدير المبتدأ يجب جعل من موصولة لأنّ الشرط لا يكون جملة اسمية إذ لو جعلت شرطية لم يحتج إلى تقدبر، والأولى أن يرفع على توهم الموصولية خبط، وغفلة عن كلامهم وخرجها الزمخشرفي على وجه آخر، وهو أنه نوى الوقف فنقل حركة الهاء إلى ما قبلها كقولهن:
من عنزيّ سبني لم أضربه
ثم أجرى الوقف مجرى الوصل فضم الهاء اتباعاً، وحركها، وتركه المصنف رحمه الله
لأنه مما بابه الشعر. قوله: (وبالنصب على إضمار أن الخ) هي قراءة شاذة عن الحسن البصري رحمه الله، والنصب بعد الواو يكون في جواب الأمور الثمانية كما فصل في النحو، وما عداها قالوا إنه ضرورة والنصب في الآية جوّزه الكوفيون لأمور أخر، وهو أن الفعل الواقع بين الشرط، والجزاء يجوز فيه الرفع والنصب، والجزم إذا وقع بعد الواو والفاء كقوله:
ومن لايقدم رجله مطمئنة فيثبتهافي مستوى القاع يزلق
وقاسوا عليهما ثم فليس ما ذكر في البيت نظيرا للآية. قوله: (وألحق الخ) هو من شعر
سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا
وفي الكشف وجهه أنه مستقبل مطلوب فجرى مجرى الأمر، ونحوه وكذلك المقصود
من الآية الحث على الخروج، وهو في الآية أقوى لأنّ الشرط شديد الشبه بغير الموجب، وقيل: إنه من عطف المصدر على المصدر المتوهم مثل أكرمني، وأكرمك أي ليكن منك إكرام ومني، وهذا الشعر للمغيرة الحنظلي وروي لأستريحا فلا شاهد فيه، ومعنى الآية أنّ من هاجر لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت في طريقه فأجره على الله، وكذا كل من سار لأمر فيه ثواب. قوله:(الوقوع والوجوب الخ) يعني أصل معناهما السقوط قال تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [سورة الحج، الآية: 36] ثم استعملا بمعنى وهو اللزوم، والثبوت، ومنهم من لم يفهم هذا وظنه مشكلاً قال الراغب الوقوع هنا تأكيد للوجوب فأعرفه والوجوب على الله بمقتضى وعده وتفضله مذهبنا لا الوجوب العقلي الذي ذهبت إليه المعتزلة. قوله:(والآية الكريمة نزلت الخ) أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه، واختلف في اسمه فقيل ضمرة بن جندب، وقيل جندب بن ضمرة وصحح هذا في ألاستيعاب، وفي الإصاية وفي اسمه عشرة أقوال منها ضمرة ابن القيس صحابيّ كان أعمى وله مال وسعة، وهذه نزلت فيه خاصة كما رواه ابن حجر في الإصابة، وقيل: نزلت في أكثم بن صيفي لما أسلم، ومات، وهو مهاجر قاله ابن الجوزي رحمه الله، وكان بلغه هذا النهي وهو بمكة لما بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الآية إلى مسلمي مكة فقال لبنيه احملوني فإني لست من المستضعفين، واني لأهتدي الطريق واني لا أبيت الليلة بمكة فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة، وكان شيخاً كبيراً فمات بالتنعيم، ولما أدركه الموت أخذ يصفق الخ، والتنعيم اسم موضع قريب من مكة، وقوله: هذه لك إشارة إلى اليمين وهذه إلى الشمال لا على قصد اعتقاد الجارحة لله بل على سبيل التصوير، وتمثيل مبايعة الله على الإيمان، والطاعة بمبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، وقيل: إشارة إلى البيعة والصفقة، والمعنى أنّ بيعته كبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كبيعة الناس، ولما بلغ خبر موته الصحابة رضي الله عنهم قالوا: ليته مات بالمدينة فنزلت هذه الآية. قوله: (ونفي الحرج فيه الخ (هذا مما اختلفوا فيه هل القصر عزيمة فلا يجوز الإتمام أم رخصة فيجوز ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى الأوّل مستدلاً بأنّ الرباعية فرضت أوّلاً ركعتين ركعتين، ثم زيد عليها في الحضر، وأقرّت في السفر كما رواه
الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، وذهب الشافعي رحمه الله إلى الثاني وأنه رخصة فيجوز الإتمام والإتيان بالعزيمة، وظاهر قوله فليس عليكم جناح معه، وأجابوا عن الحديث بأنه لو كان على ظاهره لما جاز لعائشة رضي الله عنها إتمامها مع أنه روي عنها مع أنه خبر واحد لا يعارض القرآن الصريح في أنها كانت زائدة عليه إذ القصر معناه التنقيص، والحديث مخصوص بغير المغرب، والصبح وحجية العامّ المخصوص مختلف فيها وقد خالفت عائشة رضي الله عنها روايتها، وإذا خالف الراوي روايته في أمر لا يعمل بروايته فيه، وقيل قولها فرضت الصلاة ركعتين الفرض هنا بمعنى البيان، وقد ورد بهذا المعنى {فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [سورة التحريم، الآية: 2] وقال الطبري معناه فرضت لمن اختار ذلك من المسافرين فإن قيل هل يوجد فرض بهذه الصفة قلنا: نعم كالحاج فإنه مخير في النفر في اليوم الثاني، والثالث وأيا فعل فقد قام بالفرض، وكان صواباً، وقال النووي رحمه الله المعنى فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما فزيد في الحضر ركعتان على سبيل التحتم، وأقرت صلاة السفر على جواز الإتمام، وثبت دلائل الإتمام فوجب المصير إليه جمعا بين الأدلة، وحديث عائشة رضي الله عنها أخرجه النسائي، والدارقطني وحسنه والبيهقي، وصححه والتمسك بظاهر الآية يقتضي أنّ الإتمام أفضل عنده، وحديث عمر رضي الله عنه أخرجه النسائي، وابن ماجه. قوله:) ولقول عائشة رضي الله عنها الخ) أخرجه الشيخان، وقد مرّ ما فيه وا! النظم ولفظ القصر، وعمل الراوي يخالفه، والعبرة به عند الحنفية فقد تعارض رأيها وروايتها فلا يعمل بها، وقد قيل إنها أوّلت ما روت فلا تعارض بينهما قال
ابن حجر رحمه الله، والذي يظهر لي في جمع الأدلة أنّ الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زبدت عقب الهجرة إلا الصبح كما رواه ابن خزيمة وابن حبان، والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها وفيه وتركت الفجر لطول القراءة، والمغرب لأنها أوتر النهار، ثم بعدما استقرّ فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية، ويؤيده قول ابن الأثير رحمه الله أنّ القصر كان في السنة الرابعة من الهجرة، وهو مأخوذ من قول غيره أنّ نزول آية الخوف كان فيها، وقيل القصر كان في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي، وقال السهيلي: أنه بعد الهجرة بعام أو نحوه، وقيل: بعد الهجرة بأربعين يوماً فعلى هذا قول عائشة رضي الله عنها: " فأقرت صلاة السفر " أي باعتبار ما آل
إليه الأمر من التخفيف لا أنها استمرّت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أنّ القصر عزيمة انتهى، ويدل على أنه رخصة حديث صدقة تصدّق الله بها عليكم الآتي وأما أنّ حديث عائشة رضي الله عنها غير مرفوع لأنها لم تشهد فرض الصلاة فغير مسلم لجواز أنها سمعته من النبيئ مج! يوو، ويرد على ما جمع به ابن حجر رحمه الله أنها لو كانت قبل الهجرة ركعتيى لاشتهر ذلك، وعلى كل حال فهو أمر صعب. قوله:(فإن صحا الخ الا يخفى أنهما صحيحان مخرّجان في السنن فلا يليق التردّد فيه كما مرّ، والمراد بالآوّل حديث عمر رضي الله عنه فقوله تامّ أي مجزئ إجزاء التام الغير المقصود والثاني حديث عائثة رضي الله عنها يعني أنّ ذكرها الركعتين لا ينفي الزيادة بناء على أنّ العدد لا مفهوم له ولا يخفى بعده، ثم أشار إلى جواب أبي حنيفة رضي الله عما في النظم مما يدل على خلاف مذهبه. قوله: (أربعة برد عندقا الخ) برد بضمتين جمع بريد، وهو اثنا عشر ميلاً كل ميل اثنا عشر ألف قدم، والفرسخ ثلامة أميال وكانوا يبنون ربطاً في الطريق يسمونها السكك بين كل سكتين اثنا عشر ميلا، وثمة بغافى معلمة بخلاف الأذناب، ويسمون كل واحد منها بريداً وهي كلمة فارسية أصلها بريده دم أي محذوف الذنب، ثم سمي الراكب به، والمسافة، وزيادة من في الإثبات مذهب الأخفش، وغيره يأباه، ومن عنده تبعيضية لأنّ المقصور بعض الصلاة، وهي الرباعية. قوله:(شريطة باعتبار النالب الخ الما كان ظاهره أن القصر إنما يكون في حال خوف العدوّ أشار إلى أنه شرط جرى على الغالب فلا مفهوم له كما في الآية المذكورة أو أنّ ثبوته في الأمن ثابت بالسنة وقوله: (كراهة الخ) يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف وهو ضمير الفتنة، وذكر باعتبار الخبر أو لأنه مصدر. قوله:(لا يعتبر مفهومها الخ) قال المحقق الفناري في فصول البدائع فيه بحث لأنه ورد في الحديث أنّ عمر
رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقصر ونحن آمنون فقال له صلى الله عليه وسلم: " صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " فإن كان له مفهوم، ولذا أشكل على عمر رضي الله عنه فكيف يقال لا مفهوم له، وان لم يكن له مفهوم فكيف أشكل على عمر رضي الله عنه، وهو من أهل اللسان، وأجاب بما محصله أنّ له مفهوما، ولكن لما كان الغالب في السفر هو الخوف جعل النادر كالمعدوم كما يدل عليه جوابه صلى الله عليه وسلم، ولذا قال المصنف لم يعتبر مفهومها ولم يقل لا مفهوم لها فاعرفه فإنه من دقائق هذا الكتاب. قوله:(ثعلق بمفهومه الخ التقييده بكونه فيهم، وبين أظهرهم، وهي على خلاف القياس فيقتصر فيها على مورد النص، والجمهور على خلافه لما ذكر. المصنف رحمه الله، وممن خصها بحضرته أبو يوسف رحمه الله كما نقله الجصاص في كتاب الأحكام والنوويّ في شرح المهذب فقول النحرير أنه لم يوجد في كتب الفقه، والخلافيات قصور في التتبع، وحضرة الرسولءجير إمّا بمعنى حضوره في عهده أو هو مقحم للتعظيم، وتجاه العدوّ بالضم بمعنى في مقابلته. قوله: (أي المصلون حزما الخ) الحزم بالمهملة الاحتياط فعلى هذا الضمير للمصلين، والمراد بالأسلحة ما لا يشغل عن الصسلاة كالخنجر والسيف فإن كان الضمير للطائفة الأخرى فلا تقييد، وهو خلاف الظاهر، ولذا أخره. قوله: (أي غير المصلين الامتناع أن يكون الحارسون حال سجود المصلين هم المصلين أنفسهم وفيه نظر إذ لا دلالة على أنّ ذلك حال السجدة بل بعد الفراغ منها على ما قيل إنّ مراده بغير المصلين الفارغون من السجود والذاهبون إلى العدوّ، والحق أنّ الإظهار في طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك دليل على
أنّ الطائفة الأولى قد فعلوا، والثانية يصلون معه لا منفردين كذا قال النحرير، وقيل عليه أن ظرفية إذا تدل على أن الحراسة وقت السجود إلا أن يقال وقت السجود ممتدّ وقوله: (فغلب المخاطب (أي النبيّ عتمرو على الغائب، وهو من معه، وأصله من ورائك وورائهم.
قوله: (ظاهره يدل على أنّ الإمام يصلي الخ) في كيفية صلاة الخوف روايات، وطرق
مفصلة في الفقه، والحديث أشار إليها المصنف رحمه الله وصلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل، وهو اسم مكان رواها الشيخان. قوله:(جعل الحذر) وهو التحرّز الخ يعني اق الحذر أمر معنوفي لا يتصف بالأخذ إلا إذا جعل استعارة بالكتاب إذ شبه بما يتحصن به من الآلات، وأثبت الأخذ له تخييلا، ولا يضر عطف الأسلحة عليه للجمع بين الحقيقة، والمجاز لأنّ التجوّز في التخييل في الإثبات، والنسبة لا في الطرف على الصحيح، ومثله لا بأس فيه بالجمع كما في قوله تعالى:{تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} حيث جعل الإيمان لتمكنهم فيه بمنزلة المقرّ، والمسكن لكنه قدم فيه الحقيقي بخلاف ما نحن فيه وفيه بحث لأنه يلزم فيه التصريح بطرفي المكنية لأن الحذر منزل منزلة السلاح، ولذا قيل إنه وأمثاله من المشاكلة، وليس استعارة، ويدفع بأنه لم يشبه بالسلاح بل بما يتحصن به، وهو أعم فتأمّل، وقد تقدم أن للحذر معنى آخر، وهو ما يدفع به فلا تجوّز فيه فتذكره. قوله:(تمنوا أن ينالوا منكم غرّة الخ) الغرّة بالكسر الغفلة عن العدوّ، والشدّة والجملة بمعنى، وهو الوثوب للقتال دفعة واحدة، وقوله، وهذا مما يؤيد الخ لأنه لم يرخص فيه إلا بعذر وأمرهم بالحذر بعد إلقاء السلاح، ولذا لم يضمه إليه كما في الذي قبله لأنه محل الخوف. قوله: (وعد للمؤمنين بالنصر الخ الما كان الغالب من حال أن الواقعة بعد
الأمر، والنهي أن تكون للتعليل وتغني غنى الفاء، وهو لا يظهر هنا أشار إلى توجيهه بأنه لدفع الوهم الناشئ من الأمر قبله لتقوي قلوبهم ويعلموا أن التحرز في نفسه عبادة كما أن النهي عن إلقاء النفس في التهلكة لذلك لا للمنع عن الإقدام على الحرب، ولدّا فسر العذاب بمغلوبية العدوّ، وقتلهم ليتم به الالتئام، وقوله: فيتوكلوا إشارة إلى أن ما ذكر لا ينافي التوكل كما في الحديث أعقلها وتوكل. قوله: (أديتم وفرغتم منها) هذا التفسير على مذهب أبي حنيفة رحمه الله من أنه لا يصلي حال المحاربة فالقضاء بمعنى الأداء قال الأزهريّ: القضاء على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء، وتمامه فكل ما أحكم عمله، وأتم وختم أو أدى أو أوجب أو أعلم أو أنفذ أو أمضى فقد قضى فهو مشترك بين هذه المفهومات، وقوله:(او إذا أردتم (الخ تفسير له على مذهبه من الصلاة حال المحاربة، والمسايفة بالفاء مفاعلة من السيف أي المقاتلة به، والمقارعة المقاتلة بالرماح والمراماة بالسهام، ومثخنين بمعنى مجروحين مثقلين بالجراح من أثخنه المرض أثقله وأوهنه. قوله: (فعدّلوا واحفظوا الخ أليس المراد بإقامة الصلاة إعادتها كما هو أحد قولي الشافعيّ، وعلى القول الآخر فسرت الإقامة بالإعادة. قوله: (فرضاً محدودا لأوقات الخ (يعني كتابا بمعنى مكتوبا مفروضاً وموقوتا محدوداً ووجه الدلالة على أن المراد بالذكر الصلاة لا ظاهره كما هو تفسير أبي حنيفة رحمه الله أنه تعليل للأمر بالذكر فلو لم يكن بمعنى الصلاة لم يلتئم، وكونها واجبة يؤخذ من كتابتها فإنها بمعنى الفريضة، وهي والواجب بمعنى عند.. قوله: (إلزام لهم وتقريع الخ) وهو من بليغ النظام، وقد وقع مثله في كلامهم،
وبدر الصغرى من غزواته ع! ي! معروفة في السير. قوله: (نزلت في طعمة بن أبيرق
الخ (طعمة بفتح الطاء المهملة، وكسرها رواية وسكون العين المهملة، وفي القاموس أنه بضم الطاء، وفي كتب الحديث أنه مثلث الطاء، والكسر أشهر وأبيرق تصغير أبرق والحديث رواه الحاكم والترمذقي عن قتادة وبنو ظفر بفتح الظاء المعجمة، والفاء حيئ من الأنصار، وقوله: وخبأها أي الدرع لأنها مؤنشة سماعية وقوله فسألوه، الفاء فصيحة أي فانطلقوا وأتوه فسألوه أن يجادل عن المسلم لأنّ الحال شاهدة له إذ السرقة في يد اليهودي، واليهود متهمون بالزور وعداوة الأنصار، وقوله: فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي هم بأن يحكم بظاهر الحال اعتماداً على صدقهم لا أنه علم براءة اليهودي، وهم بخلافه فإن مقامه صلى الله عليه وسلم أجل وأعلى من ذلك، وفي إمضاء شهادة اليهود على طعمة، وهو مسلم ما يحتاج إلى التأويل. قوله: (بما عرّفك الله الخ) يعني أراك متعد هنا لاثنين أحدهما العائد المحذوف، والثاني الكاف أي بما أراكه الله، وهي من رأى بمعنى عرف المتعدي لواحد فعدى بالهمزة لاثنين، وقيل إنها من الرأي من قولهم رأي الشافعيّ كذا، وجعلها علمية يقتضي التعدي إلى ثلاثة مفاعيل، وحذف اثنين منها أي بما أراكه الله حقاً، وهو بعيد، وأمّا جعله من رأي البصرية مجازاً فلا حاجة إليه. قوله:(أي لأجلهم الخ (يعني أنّ اللام ليست صلة خصيما بل تعليلية ولا تكن عطف على أنزلنا بتقدير قلنا وجوّز! فه على الكتاب لكونه منزلاً وهو خلاف الظاهر. قوله: (للبراء) البراء إمّا مفرد بمعنى 1 بريء أو جمع بريء وباؤه مثلثة قال السهيلي في الروض الأنف براء بضم الباء جمع برئ ايه! م جمع على فعال أو جمع، وأصله برآه ككرماء فحذفت إحدى الهمزتين للتخفيف ووزنه فهاء، وانصرف لأنه أشبه فعالاً، وزعم بعضهم أنه من باب فرير وفرار، وليس بشيء وقال ابر النحاس البصريون لا يعرفون ضم الباء فيه، وأنما هي مكسورة ككرام، وأمّا براء بالفتح كسلام فمصدر اص.
فما قيل البراء بالضم كالهراء لأنّ المراد به اليهودي لكن الأصح الفتح على أنّ المراد به
الجمع تقول تبرّأت منه، وأنا براء لا يثنى، ولا يجمع لكونه في الأصل مصدرا مثل سماع، وذلك لتقابل الجانبين، ويجوز في العبارة برآء على صيغة الجمع ككرماء لا يخفى ما فيه من القصور. قوله:(مما هممت به الخ) أي في أمر طعمة وبراءته لظاهر الحال، والهتم بالشيء خصوصاً إذ يظن أنه الحق ليس بذنب حتى يستغفر منه لكن لعظم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعصمة الله له وتنزيهه عن توهم النقائص أمره بالاستغفار لزيادة الثواب، وارشاده إلى التثبت وأنّ ما ليس بذنب إذا خطر بباله بالنسبة لعظمه كالذنب فلا يرد على المصنف رحمه الله شيء كما توهم، وقال النيسابوريّ: قال الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لولا أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يخاصم لأجل ذلك الخائن لما ورد النهي عنه ولما أمر بالاستغفار، وأجيب بأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي حصول المنهي عنه بل ثبت رواية أنّ قوم طعمة التمسوا منه صلى الله عليه وسلم أن يدرأ عن طعمة، ويلحق السرقة باليهودي فتوقف وانتظر الوحي ولعل القوم شهدوا بسرقة اليهودي، وبراءة طعمة، ولم يظهر للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما يقدح في شهادتهم بالقضاء على اليهودي فأطلعه الله على حقيقة الحال أو لعل المراد، واستغفر لأولئك الذين برّؤوا طعمة. قوله:(يخونونها فإن وبال خيأنتهم يعود عليها الخ) يعني أنّ خيانة الغير جعلت خيانة لأنفسهم لأنّ وبالها وضررها عائد عليهم فهو مجاز عن ذلك، وقوله: أو جعل المعصية خيانة ظاهرة أنّ معنى يختانون يعصون وبكسبون الإثم فأنفسهم مفعول له لأنه بمعنى يظلمون أنفسهم، وظلم النفس معروف في عمل المعاصي، وقيل الخيانة مجاز عن المضرة ولا بعد فيه. قوله:(مبألنة في الخيانة الخ) يعني المراد بالمبالغة الإصرار لأنه كتكرّر الفعل، وقوله: روي الخ رواه الطبراني في معحمه من حديث قتادة رضي الله عنه، وقوله: ليسرق أهله كقوله:
يا سارق الليلة أهل الدار
والمراد متاعهم. قوله: (يستترون منهم حياء (فسر الاسنخفاء من الناس بالاسنتار لأجل الحياء، والخوف، وفسر الاسنخفاء من الله بالاسنحياء لأنّ الاستخفاء منه تعالى محال فلا فائدة في نفيه ولا معنى للذم في عدمه بخلاف الاسنخفاء من الناس كما قالوا في أنّ الله لا يستحيي أنه مجاز مع أنّ سلب الاستحياء ليس بمحال، ويصح أن يكون مشاكلة. قوله: (لا يخفى عليه سرهم الخ)
يعني المراد بالمعية هنا التهديد بأنه يعاقبهم فليحذروه، وقوله: يدبرون لما كان أكثر
التدبير مما يبيت عبر به عنه، ومعنى يزوّرون يزينون، ويجوز تقديم الراء المهملة فيه كما مرّ، ومعنى لا يفوت عنه شيء كمال قدرته فالإحاطة هنا استعارة. قوله:(جملة مبينة الخ الما كان الأخبار عن الضمير باسم الإشارة نحو أنت هذا بحسب الظاهر لا فائدة فيه جعلت الإشارة إلى موصوف بصفة يبينه ما يقع بعده فأولاء بمعنى المجادلين وبه تتم الفائدة وقد مرّ الكلام فيه، وكونه صلة مذهب لبعض النحاة في كل اسم إشارة يجوز أن يكون موصولاً والجمهور على أنه مخصوص بماذا، وعليه فالحمل ظاهر. فوله: (محامياً الخ) أصل معنى الوكيل الموكل الذي الأمور موكولة له، ولما كان من هو كذلك يحفظ ما وكل إليه ويحميه استعمل في لازم معناه فلذا فسره بما ذكر وأم هذه، ونظائرها مما وتع بعده اسم استفهام منقطعة، وقيل عاطفة كما نقله في الدر المصون، وكأنه مراد من قال إنها لا متصلة ولا منقطعة. قوله:(ثبيحاً يسوء به غيره) أخذه من مقابلته لظلم النفس الغير المتعدي، وتفسيره بما دون الشرك لأنّ السوء يستعمل فيه وقد قوبل بالظلم المستعمل في القرآن بمعنى الشرك كقوله تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سررة لقمان، الآية: 131] وجعله بمعنى الصغيرة لأن الإساءة تستعمل ثعناه، وبمعنى الذلة، وكون الاستغفار بمعنى التوبة ظاهر، وقوله: وفيه حث في نسخة.، وهو بمعناه وتفسيره الخطيئة، والإثم بما ذكر مأخوذ من المقابلة، والتغاير بينهما ولأنّ اآثم كما ذكره الزمخشريّ في سورة الحجرات الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب، وهمزته بد من الواو من، وثم يثم أي كسر كأنه يكسرها بإحباطه، وقد يستعمل في مطلق الذنب كقوله:{كَبَائِرَ الْإِثْمِ} [سورة الشورى، الآية: 37] كما في الكشف. قوله: (ووحد الضمير الخ) اختلف النحاة في هذا الضمير فقيل يعود على إثما، والمتعاطفان بأو يجوز عود الضمير فيما بعدهما على المعطوف عليه نحو:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا} وعلى المعطوف نحو:
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا} وقيل يعود إلى الكسب على حد اعدلوا هو، وبعضهم أوجب إفراده لأنه يعود على أحد الأمرين لا على التعيين كأنه قيل ثم يرم بأحد الأمرين، وقيل في الكلام حذف أي يرم بها وبه، والثالث هو المشهور، ولذا اختاره المصنف رحمه الله. قوله:(بسبب رمي البريء الخ (في الكشاف لأنه يكسب الإثم آثم وبرمي البريء باهت فهو جامع بين الأمرين فقيل في معناه أنه إشارة إلى أنّ في التنزيل لفاً ونشراً غير مرتب لأنه أتى في التفسير بالترتيب، والأسلوب من باب تكرير الشرط، والجزاء نحو من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى فينبغي أن يحمل تنكير بهتانا واثما على التفخيم، والتهويل، وفي ثم دلالة على بعد مرتبة البهتان من ارتكاب الإثم نفسه، وقيل: إنّ في ترتب الجزاء على الإثم، ثم الرمي به أو بهما إشكالأ، وكذا في مغايرة احتمال الإثم، والبهتان أعني الاتصاف بهما لكسب الإثم، والرمي به ووجه التقصي عن الأوّل أنّ المراد بالإثم في جانب الجزأء ما يعم الخطيئة أيضا تغليبا أو نظراً إلى أنّ الرمي بالخطيئة إعظام لها وادراج في حكم الآثام أو إلى أنه يطلق على مطلق الذنب كما مرّ، وعن الثاني بأنّ تغاير المفهوم يجب له تغاير المعنى أو أن التفخيم الحاصل من التنكير يعطي التغاير أو أنه على أسلوب من أدرك الصمان ولا إشعار في كلام المصنف رحمه الله بهذا، وفيه بحث ومعنى كلام المصنف رحمه الله أنه لا تجاد سببهما الواقع في الجزاء سوّى بينهما في ترتب ذلك على أحدهما لا على التعيين، والعطف بأو المفيدة لذلك وان كان أحدهما وهو الكبيرة أو العمد أعظم من الآخر، وهو الصغيرة أو ما لا عمد فيه فتأمّل. قوله: (بإعلام ما هم) وفي نسخة هموا وقوله: (وجمعه للتعظيم (كذا وقع في نسخ، وهو سهو لأنه إنما يتوجه لو كان النظم عليكم، وليس كذلك، ولذا وقع في بعضها إسقاطه برمته، وأمّا الجواب بأن المراد جمعه في مثله مما وقع فيه مجموعا كقوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} [سورة النساء، الآية: 83] فتكلف لا دلالة في كلامه عليه. قوله: (أي من بني ظفر) هذا بالنظر إلى المعنى والمآل، وإلا فلا ذكر في الكلام لبني ظفر، ولا دلالة عليهم يخصوصهم حتى يرجع إليهم الضمير فهو راجع للذين يختانون على أن المراد بهم بنو ظفر لمشاركتهم طعمة في الإثم لنصرته، وأما كون نزول الآية فيهم دليلاً على ذكرهم فبعيد، وضمير يضلوك للطائفة. قوله: (وليس
القصد الخ (قال! الراغب إن قيل قد كانوا هموا بذلك فكيف هذا، ولولا تقتضي امتناع الجواب أجيب بوجهين أحدهما أن القوم كانوا مسلمين لم يهموا بإضلاله، وإنما كان ذلك عندهم صواباً، والثاني أنه نزل الهتم لانتفاء أثره منزلة العدم فجعل كأنه منفي كقولك فلان شتمك، وأهانك لولا أني تداركت ذلك تنبيها على أنّ أثر فعله لم يظهر، وقيل: إن الجواب محذوف أي لأضلوك إذ هموا بذلك وقوله: (مع علمهم بالحال) أي أو بالخائن سواء كان
بعضهم أوكلهم لأنهم لو لم يعلموا لم يتحقق الإضلال، وقوله: لأنه أي همهم يعني أنه لعدم أثره وعوده بالوبال عليهم كانوا أضلوا أنفسهم، وقوله: في موضع النصب على المصدر أي أن من زائدة وشيء كان منصوبا على المصدرية، وأمّا قوله شيئاً من الضرر فماً خوذ من شيء، وتنكيره لا أنّ من تبعيضية وقوله:(وعلمك ما لم تكن تعلم الخ) قيل هذه الآية أبلغ من قوله في سورة أخرى ما لم يعلم لأنّ معناها ما لم يكن فيك قابلية لعلمه، ولذا فسره بما ذكر، وقد مرّ تحقيقه. قوله: " ذ لا قضل أعظم من النبوّة (قيل: إنه مبنيّ على أن النبوّة أعظم من الرسالة أو على ترادفهما فتأئل. قوله: (من متناجيهم الخ) النجوى تكون مصدراً بمعنى التناجي، والحديث الذي يتناجى به، ويسر، وتطلق على القوم المتناجيق كما في قوله:{وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} إمّا مجازا كرجل عدل أو حقيقة على أنه جمع نجيّ كما نقله الكرماني، وعلى هذين المعنيين يترتب اتصال الاستثناء واحتياجه إلى التقدير، وعدمه ا 1 فعلى الأوّل في كلام المصنف هو متصل، وعلى الثاني كذلك بتقدير مضاف أو منقطع، وياللم حال إعرابه من ذلك ويكفي في الاتصال صحة الدخول وان لم يجزم به فلا يرد عليه ما توهم أنه مثل جاءني كثير من الرجال إلا زيداً، ولا يصح فيه الاتصال لعدم الجزم بدخوله في الكثير ولا الانقطاع لعدم الجزم بخروجه، ولا حاجة إلى التكلف في دفعه، وأتا جعله متعلقاً بما أضيف إليه النجوى بالاستثناء أو البدل فخلاف الظاهر، وقال النحرير أنه لا معنى له، وفيه تأمّل. قوله:) والمعروف الخ (قيل لو اقتصر على ما استحسنه الشرع لكان أولى إذ كل ما يستحسنه الشرع لا ينكره العقل. قوله: (بني الكلام على الأمر الخ الما كان، ومن يفعل تذييلا لقوله: (إلا من أمر بصدقة) الخ
فينبغي أن يكون مطابقا للمذيل، ولا مطابقة بين آمر الفعل، وفاعله ظاهراً فلذلك أوّلوه بجعل القرينة الأولى كناية عن الفاعل ليحصل التطابق بالطريق الأولى أو تجعل الثانية كناية عن الأمر لشموله، وتناوله إياه وبيانه أنه لما وصف الأمر بالخيرية علم أنّ فاعله كذلك بالطريق الأولى فلذا قال فيه فسوف نؤتيه أجراً عظيما لأن فاعله أولى بمضاعفة أجره، وتعظيم ثوابه أو أنه عبر عن الأمر بالفعل إذ هو يكنى به عن جميع الأشياء كما إذا قيل حلفت على زيد، وأكرمته، وكذا وكذا فتقول نعم ما فعلت إلا أنه يحتاج إلى نكتة العدول عن يأمر، وهو أخصر لما ذكر فتأمّل، ويجوز جعل ذلك إشارة إلى الأمر بصدقة أو معروف أو إصلاح فيكون معنى من أمر، ومن يفعل الأمر واحداً والمصنف رحمه الله اختار الشق الأوّل لظهوره ولك أن تقول إنه لا حاجة إلى جعله تذييلا بل لما ذكر الآمر استطرد ذكر تمثيل أمره، وهذا لا تكلف فيه. قوله:(وقيد الفعل بأن يكون الخ) المرضاة الرضا، وظاهر كلامه أن الرياء محبط لثواب الأعمال، وبه صرح ابن عبد السلام، والنوويّ.
وقال الغزاليئ: إذا غلب الإخلاص فهو مثاب، والا فلا، وفي دلالة الآية على ما ذكره المصنف رحمه الله نظر لأنه أثبت للمخلص أجرا عظيما، وهو لا ينافي أن يكون لغيره ما دونه، ولذلك دفعه المصنف رحمه الله بأنّ عظمته بالنسبة إلى أمور الدنيا أو لأجر آخر وقوله:(يخالفه الخ) تفسير للمشاقة بأنها بمعنى المخالفة، وقوله: من الشق يجوز فيه الفتح والكسر. قوله: (ظهر له الحق الخ) قيل الأنسب تفسيره بظهور الحق فيما حكم به النبيّ صلى الله عليه وسلم وقوله: (غير ما هم عليه) إشارة إلى أنّ السبيل كناية أو مجاز عما ذكره. قوله: (نجعله والياً الخ) أي نصله، ونجعله متوليا أي مباشراً لما هو فيه من الضلال قيل ولو اقتصر عليه لكان أولى لأنّ تأويل أمثاله بالتخلية مبنيّ على الاعتزال وعدم خلق الضلال أو كان عليه عطفه بأو إشارة إلى مذهبهم، وجعل نصله مجازاً عن الإدخال لما مرّ، وقوله:{جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} إشارة إلى تقدير المخصوص بالذم، ولو قدر التولية لصح. قوله: (والآية تدل على حرمة مخالفة
الإجماع
الخ) فتكون حجة لأنّ الشافعيّ رحمه الله استدل بها على حجيته قال المزنيّ رحمه الله: كنت عند الشافمي يوما فجاءه شيخ عليه لباس صوف وبيده عصا فلما رآه ذا مهابة استوى جالساً، وكان مستندا لأسطوانة فاستوى، وسوى ثيابه فقال له: ما الحجة ف! ب دين الله قال كتابه قال، وماذا قال سنة نبيه قال، وماذا قال اتفاق الأمّة قال: من أين هذا الأخير أهو في كتاب الله فتدبر ساعة ساكتاً فقال له الشيخ أجلتك ثلاثة أيام بلياليهن فإن جئت بآية والا فاعتزل الناس فمكث ثلاثة أيام لا يخرج وخرج في اليوم الثالث بين الظهر والعصر وقد تغير لونه فجاءه الشيخ وسلم عليه، وجلس، وقال: حاجتي فقال: نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الخ الآية لم يصله جهنم على خلاف المؤمنين إلا واتباعهم فرض قال صدقت، وقام وذهب.
وروي عنه أنه قال: قرأت القرآن في كل يوم، وفي كل ليلة ثلاث مرات حتى ظفرت
بها، وأورد الراغب عليه أنه لا حجة فيها على ما ذكره بأن كل موصوف علق به حكم فالأمر باتجاعه جمون في مأخذ ذلك الوصف فإذا قيل اقتد بالمصلي فالمراد في صلاته فكذا سبيل المؤمنين يعني به سبيلهم في الإيمان لا غير فلا دلالة في الآية على اتباعهم في غيره ورد بأنه تخصيص بما يأباه الشرط الأوّل ثم إنه إذا كان مألوف الصائمين الاعتكاف تناول الأمر باتباعهم ذلك أيضاً فكذلك يتناول ما هو مقتضى الإيمان فيما نحن فيه فسبيل المؤمنين، وان فسر بما هم عليه من الدين يعم الأصول، والفروع الكل، والبعض على أنّ الجزاء مرتب على كل من الأمرين المذكورين في الشرط لا على المجموع للقطع بأنّ مجرد مثاقة الرسول كافية في استحقاق الوعيد معنى على أنّ ترك اتباع سبيل المؤمنين اتباع لغير سبيل المؤمنين لأنّ المكلف لا يخلو من اتباع سبيل البتة، وعلى أنه ليس المراد بالمؤمنين آحاد الأمّة، ولا المجتهدين إلى انقراض الدنيا بل المجتهدون في عصر إلى غير ذلك من القيود كما بين في الأصول، وبهذا علم مراد المصنف رحمه الله، وما أشار إليه فتدبر.
تنبيه: قرّر الفخر هذا الدليل بأنه عطف اتباع سبيل غير المؤمنين على مثاقة الرسول،
وهي حرام فتلزم حرمته لأنه لا يصح أن يقال من زنى، وأكل الحلوى فارجموه.
وقال ابن الحاجب اتباع سبيل المؤمنين يحتمل مناصرتهم والاقتداء بهم في الإيمان والعمل، والعمل بظاهر الآيات إنما ثبت بالإجماع فيلزمه الدور بخلاف القياس وقريب منه قول الأصفهانيّ اتباع سبيلهم لما احتمل ما ذكر، وغيره صار عاما، ودلالته على فرد من أفراده غير قطعيّ لاحتمال تخصيصه بما يخرجه مع ما فيه من الدور كما مرّ، وأجاب عن الدور بأنه إنما يلزم لو لم يقم عليه دليل آخر، وعليه دليل آخر، وهو أنه مظنون يلزم العمل به لأنا إن لم نعمل به وحده إمّا نعمل به، وبمقابله أو لا بهما أو بمقابله، وعلى الأوّل يلزم الجمع بين
النقيضين، وعلى الثاني ارتفاعهما، وعلى الثالث العمل بالمرجوج مع وجود الراجح، والكل باطل فيلزم العمل به قطعا، وبقي عليه إيرادات ذكرها ابن التلمسانيّ مع أجوبتها ونطاق الكلام يضيق عنه المقام فانظره إن أردت. قوله:(كرره للتثيد الخ) يعني ما ذكره سابقا في أوائل هذه السورة كرره إما تأكيداً أو لتكميل قصة طعمة بالوعد بعد الوعيد أو أنّ لها سبباً آخر في النزول، وهي قصة الشيخ المذكور التي رواها الثعلبيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قيل، وهذا هو الظاهر لأن التأكيد مع بعد عهده لا يقتضي تخصيص هذا الموضع فلا بد له من مخصص، وهربا حال واني لنادم بالكسر جملة حالية أو معطوفة على أني شيخ الخ، ويجوز فتحها عطفا على أني لم أشرك إلا أنه لا يحسن لإيهامه العطف على أني أعجز. قوله:(فإنّ الشرك أعظم الخ) وفي معناه نفي الصانع، وفيه إشارة إلى أن المراد استعظامه، وقوله: دعوى التبني بتقديم الباء الموحدة أي بقولهم نحن أبناء الله، وأحباؤه لا بجعلهم الملائكة بنات الله كما قيل لأنها في حق اليهود كما مرّ. قوله:(كان لكل حئ صنم الخ) تسميتهم الأصنام إناثاً لأنهم كانوا يجعلون عليها الحلي، وأسماؤها مؤنثة، وقد ردّ بأن منها ما اسمه مذكر كهب! ، وود وسواع، وذي الخلصة، وقيل إنه باعتبار الغالب، وفيه نظر ثم استشهد على تسمية ما اسمه مؤنث أنثى بقوله: في لغز مشهور في القراد:
وما ذكر فإن يكبر فأنثى شديداً الأزم ليسى له ضروس
وروي فإن يسمن بدل فإن يكبر المشهور في الرواية، ووجه تسميته أنثى أنه يقال له حلمة بالحاء المهملة، واللام وزن تمرة، وهي ما عظم من القراد كما في الجوهري والأزهري، وتفرد الزمخشريّ في المستقصى بتفسيره بالصغير منه، ويرده هذا البيت، والأزم بمعنى العض بالفم وضروس جمع ضرس، وفي قوله: يعبدونه إشارة إلى أنّ الدعاء هنا بمعنى العبادة لأنّ
من عبد شيئا دعاه في حوائجه، ويصح أن يكون المراد ظاهره وتأنيث العزى ومناة ظاهر واللات لأنها فعلة من لوي كما سيأتي في سورة النجم فإن كانت تاؤه أصلية فهو مؤنث سمافي وقوله:(والجمادات تؤنث) فيه نظر لأنّ التذكير فيها كثير، ومراده أنها تشبه المؤنث، ولعله تعالى ذكرها بهذا الاسم يعني إناثا وقوله:(جمع أنثى كرباب وربى) كحبلى الشاة إذا ولدت أو مات ولدها، وفي التمثيل به نظر لأنهم قالوا إن جمعه رباب بالضم، وأنه أحد ما جاء من الجموع على فعال بالضم لكنه مثل به في الدر المصون أيضاً فلعل فيه لغة أخرى بالكسر، وقراءة أنثا بضمتين جمع أنيث، وقيل: إنه مفرد لأن من الصفات ما جاء على فعل بضمتين، وقوله:(وثنايا بالتثقيل) أي بضمتين، والتخفيف أي تسكين الثاني وأثنا بهما أي بالتخفيف والتثقيل، وقلب الواو المضمومة همزة كوجوه، وأجوه فإنه قياسيّ 0 قوله:(لأنه الذي أمرهم بعبادتها الخ) فيعبدون بمعنى يطيعون أو الكلام على المجاز، وأصل مادة م رد للملاسة، والتجرد فالمريد إمّا لتجرّده للشر أو لتشبيهه بالأملس الذي لا يعلق به شيء، ولا يعلق بخير أي لا يحصل له، ولاتباعه، ولعته الله بمعنى طرده وأبعده عن رحمته، وقيل: المراد باللعنة قعاى ما يستحقها به من الاستكبار عن السجود، ونحوه كقولهم أبيت المثعن أي ما فعلت ما تستحقه به. قوله:(جامعاً بين لعنة الله الخ) لأنّ الواو ال! -----: -الصفات تفيد مجرد الجمعية دون المغايرة، ويجوز أن يكون لعنه الله مستأنفا للدعاء، وقال: لأتخذنّ جمله مستطردة، ولعنه الله معترضة ودلالة هذا القول على فرط عداوته ليقيده بإضلالهم المهلك لهم. قوله:) وقد ير! ن سبحانه الخ) أي أقام البرهان على رسوخه في الضلال المعلوم من قوله: (بعيدا بقوأء: أن
يدعون الخ) لأنّ هذه الجملة مبنية لوجه ما قبلها، ولذا لم يعطف عليه، واستدل على جهلهم بعبادة المنفعل الذي لا يقتضي العقل عبادته بأنه إنما هو عبادة للشيطان لأنه الأمر بها، وموالاة المنهمك في الضلال الملعون الذي هو شديد العداوة لكم فضلا عن عبادته أتبح من كل قبيح، وأصل معنى الفرض القطع، ولذا أطلق على القدر المعين لاقتطاعه عما سواه، والأماني مخفف ومشدد جمع أمنية، وهي ما يتمنى. قوله:(ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) مفعول آمرنهم محذوف أي آمرنهم بالضلال، وقوله: فليبتكن الخ. تفصيل له، وتفسير والبتك القطع، والشق، والبتكة القطعة من الشيء، وهو إشارة إلى ما كانت الجاهلية تفعله من شق أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن، وهي البحيرة من البحر، وهو شق الأذن ثم تسيب فلا تركب، ولا يحمل عليها، وكذا السائبة هي التي تسيب فلا تستعمل، ولا ترد عن حوض وعلف، وتنفصل في محلة، وتحريم ما أحل الله بجعل استعمالها ممنوعاً منه، واعتقاد عدم حله، وشق الأذن فيها مذكور في مفردات الراغب، وغيره فلا يرد ما قيل إنه غير مذكور في القاموس، والصحاح فإنه من القصور. قوله:(وإشارة إلى ثحريم كل ما أحل الخ) يعني ليس المراد بمقول الشيطان خصوص ما ذكر بل هو عبارة عن كل ما يشاؤونه من أفعال الجاهلية وإشارة إلى تحريمهم ما أحله لأنه بشق أذنها يحرم استعمالها، وهو حلال، وتنقيص ما أوجده الله كاملاً بالفعل كفقء العين وشق الأذن أو بالقوة كتغيير الفطرة التي كانت بالقوة فيهم إلى خلافها. قوله:(ويندرج فيه الخ) الحامي بالمهملة فحل الإبل الذي يحميها إذا طال مكثه حتى بلغ نتاج نتاجه فيحمي ظهره ولا يركب، ولا يجز وبره، ولا يمنع من مرعى، والوشم بالمعجمة غرز الجلد بإبرة ثم حشوه بكحل أو نحوه، وهو معروف، والوشر بالراء المهملة أن تحد المرأة أسنانها، وترققها
تشبيهاً بالشواب، واللواط مصدر كاللواطة ومي معروفة، والسحق مساحقة النساء، وعد عبادة النيرين منه لأنهما لم يخلقا لذلك. قوله:(وعموم اللفظ يمنع الخصاء الخ) قال النوويّ: لا يجوز خصاء حيوان لا يؤكل في صغره، ولا في كبره، ويجوز خصاء المأكول
في صغره لأن فيه غرضا، وهو طيب لحمه، ولا يجوز في كبره، وخص من تغيير خلق الله الختان، والوشم لحاجة ونحوهما، والجمل الأربع من قوله: قال إلى هنا حكاية ما قاله بأيّ لغة كان مما لا يعلمه إلا الله أو أنه قدر قوله لذلك، ولا قول، وإنما هو ذ! ؤ لما وقع منه. قوله:(بإيثاره ما يدعوه إليه الخ) يعني أنّ المراد بولايته اتباعه، وقيد من دون الله ليس احترازياً كما توهم بل بيان لأنّ اتباعه ينافي متابعة أمر الله فافهم وقوله: ضيع 1 رأس ماله لأنه أعظم الخسران، وأهونه عدم الفائدة مع بقاء رأس المال، وأولياء الشيطان أهل الضلال أو جنده. قوله:(معدلاً ومهرباً الخ) يعني المحيص اسم مكان أو مصدر ميميّ من حاص يحيص إذا عدل وولى، ويقال محيص ومحاص، وأصل معناه كما قيل الروغان، ومنه وقعوا في حيص بيص وحاص باص أي في أمر يعسر التخلص منه، ويقال حاص يحوص أيضاً حى وصاً وحياصا، وعنها لا يتعلق بيجدون لأنه لا يتعدى بعن فهو ظرف مستقر كان صفة لمحيصا فلما قدم عليه انتصب على الحال، ولا يتعلق بمحيصا لأنه إن كان اسم مكان فهو لا يعمل لأنه ملحق بالجوامد، وان كان مصدراً فمعمول المصدر لا يتقدم عليه، ومن جوّز تقدمه إذا كان ظرفا أو جاراً ومجروراً جوّزه هنا. قوله: (فالأوّل مؤكد لنفسه الخ (التأكيد بالمصدران كان لمضمون جملة لا يحتمل غيره يسمى تأكيداً لنفسه نحو له عليّ ألف عرفاً إذ معنى الجملة التي قبله لا تحتمل غير الاعتراف، وكذا قوله سندخلهم جنات هو الوعد إذ ليس الوعد إلا الأخبار عن إيصال المنافع قبل وقوعه فيكون وعد الله تكيداً لنفسه فإن احتملت غيره فهو تأكيد لغيره لأنّ مضمون الجملة مغاير له، ولو احتمالاً كقولك زيد قائم حقاً فإن الجملة الخبرية تحتمل الصدق، والكذب، والحق والباطل، وكذا حقاً هنا بالنسبة لما قبله من الخبر بقطع النظر عن قائله، وعاملهما محذوف أي
وعدهم الله وعداً وأحقه حقاً، وليس حقا تأكيداً للوعد حتى يقال إنه خبر حقيقة أو متضمن للخبر. قوله:(ويجوز أن ينصب الموصول الخ (يعني أنه مرفوع مبتدأ وخبر، ويجوز في محله النصب على الاشتغال جوازا مرجوحا لأنّ المعطوف عليه اسمية ولأنّ التقدير خلاف الأصل وقوله ووعد الله الخ أي يجوز أن ينتصب وعد الله بقوله: سندخلهم على أنه مصدر له من غير لفظه لأن معناه ما ذكر وحقا حال منه. توله:) جملة مؤكدة بليغة الخ) يعني أنه توكيد ثالث لقوله ة سندخلهم لأنّ الجملة تذييل للكلام السابق، والتذييل مؤكد للمذيل والمبالغة، والبلاغة من الاستفهام، وتخصيص اسم الذات الجامع، وبناء أفعل وايقاع القول تمييزاً، وكل ذلك إعلام منه بأنّ حديثه صدق محض، وانكار إن قول الصدق يتعلق بقائل آخر أحق منه فالواو اعتراضية، وجعلها عاطفة مع ما في عطف الإنشاء على الخبر لا حاجة إلى ما فيه من التكلفات فلا يقال كيف تكون مؤكدة، وهي معطوفة. قوله:(والمقصود من الآية الخ) المواعيد الشيطانية في قوله: يعدهم الخ ووعيده الكاذب الذي غرّهم حتى استحقوا الوعيد مقابل بوعد الله الصادق الذي أوصلهم إلى السعادة العظمى، ولذا بالغ فيه، وأكده حثا على تحصيله. قوله:(أي ليس ما وعد الله من الثواب الخ) في ليس ضمير مستتر اختلف في مرجعه فقيل يعود على الوعد بالمعنى المصمدي أو بمعنى الموعود فهو استخدام، وهذا مختار المصنف رحمه الله، وقيل: إنه الإيمان المفهوم من الذين آمنوا، وقيل يعود على ما تحاوروا فيه بقرينة سبب النزول، وأتانيئ مشذد وقرئ بالتخفيف، وقوله: أيها المسلمون إشارة إلى أن الخطاب على هذا للمسلمين لا للمشركين كما سيأتي، وفي قوله ليس الإيمان بالتمني إيجاز بديع لأنه يحتمل أنه إشارة إلى تفسير آخر، وهو أنّ الضمير راجع للإيمان المفهوم مما قبله كما ذكره غيره، ويحتمل أن يكون 5! اده أنه قيل في الأثر هذا، وهو تأييد لما قبله، وهذا أقرب، وفي الكشاف وعن الحسن ليس إلإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقه العمل أن قوما ألهتهم أمانيّ المغفرة حتى خرجوا من الدنيا، ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظن بالله، وكذبوا لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل له، وهذا أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على الحسن، وأخرجه البخاري في تاريخه عن أنس رضي الله عنه مرفوعا:" ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب " فأمّا علم القلب فالعلم النافع، وعلم اللسان
حجة الله على بني آدم، ووقر بمعنى أثر
أو بمعنى ثبت من الوقار، وباء بأمانيكم كباء زيد بالباب ليست زائدة والزيادة محتملة وان نفاها النحرير. قوله:(روي أنّ المسلمين الخ) أخرجه ابلأ جرير عن مسروق مرسلا وقوله: يقضي على الكتب المتقدمة أي يثبت حقيبتها ويبين ما لا 1يعمل به فيها مما نسخ فكأنه قضى عليها. قوله: (ويدل عليه تقدّم ذكرهم) يعني قوله: أن يد! عون من دونه إلا إناثا، وما بعده، وما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أخرجه أحمد وابن حبان، والحاكم، واللأواء الشدّة كالقحط، وليس المراد بعمل السوء ما يصيبه من المصائب، وأن المراد بجزائه ثوابه عليه لأنّ ما بعده غير مناسب له بل المراد أنّ الصدّيق رضمي الله عنه فهم من الجزاء عذاب القيامة فبين له النبيّ! يئ أنه ليس المراد به ذلك بل الجزاء يكون بكل ما يضرّ المرء في الدنيا أيضاً من المصائب فهو أعم من الدنيوي، والأخروي، ولذا قال المصنف رحمه الله عاجلا أو آجلا، وذاك إشارة إلى الجزاء المفهوم من الكلام. قوله:(بعضها أو شيئاً منها الخ) يعني أنّ من تبعيضية لأنّ أحداً لا يمكنه عمل كل الصالحات، وقيل هي زائدة، وهو ضعيف، ومن الثانية بيانية، وهي مع متعلقها حال من ضمير يعمل، ويصح أن تكون حالاً من الصالحات أي صالحات كائنة،
وصادرة عمن ذكر فمن ابتدائية، وقيل عليه أنه ليس بسديد من جهة المعنى، وقيل: الظاهر تقدير كائنا لا كائنة لأنه حال من متعلقها، وفيه نظر إذ المعنى الصالحات الصادرة من الذكر، والأنثى، ولا شك في صحته إلا أنه ركيك كما لا يخفى فلا وجه للتخطئة فيه. قوله:(حال شرط الخ) شرط بصيغة المجهول، وضمير بها للحال لأنها مؤنثة سماعية، واستدعاء بمعنى طلب، والثواب ما تضمنه فأولئك يدخلون الجنة، والضمير في لا اعتداد به للعمل، وضمير دونه للإيمان، وضمير فيه لاستدعاء الثواب أو للثواب نفسه. قوله:) بنقص شيء من الثواب الخ) النقير نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة بضرب بها المثل في الشيء القليل والحري بفتح الحاء والقصر كالحريّ الخليق والحقيق، ومنه بأخرى أن يكون ذاك، وأنه لحري بكذا والحري أيضا الساحة، وفي الكلم النوابغ حري غير مطور حري أن يكون ممطور، مطور بمعنى يزار ويقصد، وقوله: لأنّ المجازي أرحم الراحمين ردّ على الم! ضزلة بأنّ ذلك بفضله، ورحمته لا واجب عليه كما زعموا وأمّا تسمية عدمه ظلماً فلأنه كالواجب بسبب الوعد ففي تخلفه خلف في الوعد فأطلق الظلم، وأريد خلف الوعد، وعليه ينزل ما ورد من أمثاله، وهذا إشارة إلى وجه تخصيص عدم تنقيص الثواب بالذكر دون ذكر عدم زيادة العقاب لأنه يعلم بالطريق الأولى لأنّ الأذى في زيادة العقاب أشد منه في تنقيص الثواب فإذا لم يرض بالأول، وهو أرحم الراحمين فكيف يرضى بالثاني مع أنّ المقام مقام ترغيب في العمل الصالح فلا يناسبه إلا هذا واليه أشار بقوله عقيب الثواب. قوله:(أخلص! نفسه لثه الخ (إشارة إلى معنى أسلم وأن وجهه مجاز عن ذات نفسه، ويصح أن يكون الوجه بمعنى التوجه، وقوله: لا يعرف الخ جملة حالية أي في حال توحده وقوله: (وقيل بذل الخ) يعني الإسلام بمعنى الانقياد، والتذلل بالسجود، ووجه كون الاستفهام يدل على ما ذكره لأنه غير حقيقي، والمراد منه النفي، وصرف نفسه بكليتها الطاعة الله أعلى المراتب فلا يرد عليه أن مآله للتوحيد، وهو مشترك بين المؤمنين كما توهم وقوله:(الموافقة الخ) تقييد أو تبيين. توله: (اصطفاه وخصصه بكرامة الخ) يعني أنه استعارة تمثيلية لتنزهه تعالى
عن صاحب، وخليل، وأما الخليل وحده فاسنعارة تصريحية ثم صار علماً عليه-لجيرو، ولم يقل اتخذه الله لما ذكر. قوله:(والخلة من الخلال الخ) هذا بيان لتسمية الصديق خليلا بوجوه الأوّل أنه من خلال الشيء بالكسر وأثنائه فإنه أي الخلة وذكره باعتبار الخبر، وهو ودّ أي مودّة تتخلل النفس، وتخالطها مخالطة معنوية لا حسية كما قال:
قد تخللت مسلك الروح مني
ولذا سمي الخليل خليلا. 1!
أو من الخلل لأنّ كلا يصلح خلل الآخر، وش!! خلله. أو من الخل بالفتح لأنهما على طريقة، ويترافقان في نسخة يتوافقان أو من الخلة با.، وهي الخصلة، والخلق فسمي خليل الله لتخلقه بأخلاق الله فقد علمت أنّ في وجه التسمية وجوهاً بعضها عام، وبعضها خاص، وبقي وجه آخر يؤخذ من قوله من عند خليلي
الله الآتي، وهو المشاكلة. قوله:) والجملة استئناف الخ الم يرتض ما في الكشاف من أنها اعتراضية لأنّ الاعتراض يكون في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين، وهذا ليس كذلك، ولذا قال شرّاحه أنه بمعنى التذييل في كلامه، وجعلها حالية خلاف الظاهر، والعطف على ما قبلها لا يصح إلا بتكلف كما لا يخفى وقوله:(والإيذان) بأنه أي الأعلام، والبيان لأنّ اتباع ملته في غاية الحسن لأنّ الملل وضعإلهي فمن جاءت على يده إذا كان خليلا للواضع فما بالك بما شرعه على يده. قوله: (روي أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعث الخ الم يصحح الحفاظ هذه الرواية، وقالوا: والمرويّ ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم أنّ أوّل جبار في الأرض كان نمروذ وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام فخرج إبراهيم عليه الصلاة والسلام يمتار معهم فلما مرّ بهم نمروذ جعل يسألهم من ربكم فيقولون أنت حتى أتى إبراهيم عليه الصلاة والسلام فسأله فقال: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [سورة البقرة، الآية: 258] على ما قص الله فرده بغير ميرة فرجع إلى أهله ومرّ بكثيب
من رمل فقال: ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي حتى يطمئنوا فأتى به ووضعه ثم نام فقامت امرأته، وفتحته فإذا هو أجود طعام فصنعت له نه، وقرّبته له فقال عليه الصلاة والسلام من أين هذا فقالت: من الطعام الذي جئت به فعرف أنه من الله، وأخرج نحوه ابن أبي شيبة وليس فيه شيء من ذكر الخليل، وأزمة بفتح فسكون بمعنى شدة، والمراد بها هنا القحط، ويمتار بمعنى يطلب الميرة، وهي الطعام، ولينة بكسر فسكون، وفي نسخة بفتح اللام، وتشديد الياء قال النحرير هي اسم موضع بقرب الطائف، وقيل ماء بطريق مكة، ولا! وجه له، والظاهر من كون خليله بمصر أن يكون قريباً منها بالأرض المقدّسة فالظاهر أنها لينة بالتشديد بمعنى ذات رمل، ونحو. لا حجارة بدليل ما في الرواية الأخرى أنه مرّ بكثيب من رمل، والغرائر جمع غرارة بالكسر، وهي وعاء معروف، وحوّارى بضم الحاء وتشديد الواو وألف بعدها راء مفتوحة ثم ألف مقصورة دقيق شديد البياض جود نخله من قولهم حور الطعام بمعنى بيض، والبطحاء أرض يجري فيها السيل منبطحة، واختبزت بمعنى اتخذت الخبز، وغلبته عيناه مجاز بمعنى غشيه النوم بغتة وساؤة زوجته عليه الصلاة والسلام. قوله:(خلقاً وملكاً الخ) يعني أنّ اللام للاختصاص، والاختصاص مراد به ذلك هنا، وأشار بقوله: يختار الخ إلى أنه متصل بقوله، واقخذ الله إبراهيم خليلاً لأنه بمعنى اختاره، واصطفاه كما مرّ أي هو مالك لجميع خلقه فيختار من يريده منهم كإبراهيم عليه الصلاة والسلام وأشار بما بعده إلى ما اختاره الزمخشريّ من أنه متصل بقوله ومن يعمل من الصالحات، وأنه كالتعليل لوجوب العمل، وما بينهما من قوله:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا} اعتراض. قوله: " حاطة علم وقدرة الخ) يعني أنّ حقيقة الإحاطة في الأجسام فإذا وصف بها سبحانه وتعالى، فالمراد بها مجازا شمول علمه وقدرته، والمقصود من ذكره التخويف بأنه يجازيهم على أعمالهم لأنّ الحاكم العدل القادر إذا علم شيئا أعطاه حكمه، وقد مرّ أنه حيث استعمل في القران فهذا هو المراد منه كما نبهوا عليه. قوله:(في ميراثهق الخ) بيان للمعنى أو تقدير للمضاف، والداعي أنّ الفتوى، والاستفتاء ليس في ذواتهن بل في الأحوال فحمل على ما ذكر للقرينة الدالة عليه. قوله:(إذ سبب نزولها لخ) قالوا هذا شيء لم يوجد في شيء من كتب الحديث، وردل! ي في الصحيحين، وغيرهما عن عائثة رضي الله عنها قالت: كان الرجل يكون عنده اليحيفة، وهو وليها ووارثها قد شركته في ماله حتى العذق
فيرغب أن ينكحها، ويكره أن يزوّجها رجلاً فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها فنزلت هذ " الآية لكنه وقع في مستدرك الحاكم وغيره ما يقرب منه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الجاهلية لا يورّثون المولود حتى يكبر ولا يورثون المرأة فلما كان الإسلام قال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء} الخ وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ لا يرث الصغير، ولا المرأة شيئا فلما نزلت المواريث في سورة النساء شق ذلك على الناس، وقالوا: أيرث الصغير والمرأة كما يرث الرجل فسألوه صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ} الآية وعيينة تصغير عين من المؤلفة قلوبهم، وحصين تصغير حصن علمان منقولان، وتصغير
الثاني تحريف من النساخ، والمعروف فيه التكبير لا غير. قوله:(يبين لكم الخ) يعني أنّ الفتوى مجاز مرسل عما ذكروا المبهم الذي لا يعلم حاله. قوله: (عطف على اسم الله الخ) يعني أنه مرفوع معطوف على الجلالة أو ضميرها المستتر،، ومثله لا يعطف عليه لكونه كالمعدوم إلا بفاصل من تأكيد، ونحوه ليكون معطوفا عليه صورة، وقد وجد هنا، وأورد على الأوّل أنه إما من عطف مفرد على مفرد أو جملة فإن كان الأوّل لزم تثنية الضمير مع تقدم الخبر بأن يقال يفتيانكم، ومثله يحتاج إلى سماع من العرب كنحو زيد قائمان وعمرو وان كان من عطف الجمل فهو وجه آخر سيذكر.
(كلت الما كان الأوّل توطئة، وهما في حكم شيء واحد لا مانع من أفراد الضمير فتأمل، وقوله: من قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ} ونحوه إشارة إلى أنّ ما يتلى المقصود به آية المواريث. قوله: (والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين الخ) يعني أنّ الفعل الواحد إذا نسب إلى فاعلين مختلفين باعتبار واحد كالقيام به، والصدور منه، والتسبب، وغير ذلك فالأمر ظاهر نحو جاءني فلد وعمرو وأما باعتبارين مختلفين بأن يكون أحدهما فاعلاً حقيقياً للفع! ل كالله هنا، والآخر سببياً ككلامه المتلو الذي هو فاعل مجازي فيجوز، والجمع بين الحقيقة، والمجاز في المجاز العقلي سائغ شائع كما مرّ. قوله:(ونظيره أغناني زيد وعطاؤه) قيل المعنى أنه أسند إلى شيئين، والمقصود إسناده إلى الثاني وإنما ذكر الأوّل للتوطئة نحو أعجبني زيد وكرمه.
وقيل إن المسند إليه بالحقيقة شيء واحد هو المعطوف عليه باعتبار المعطوف لا أنّ المسند إليه هو المعطوف، وأنما ذكر المعطوف عليه لمجرّد التوطئة، وفيه بحث لأنّ مآل ما رده وما ارتضاه واحد في التحقيق.
وأما ما قيل: إنه تجريد فلا وجه له إلا أن يقال كان الظاهر أن يقال أعجبني زيد كرمه
على أنه بدل اشتمال وبه يتم المقصود فلما عدل عنه إلى العطف بين الصفة والموصوف والقصد إلى تفسير الإسناد إلى الأوّل كان كالتجريد لكن إذا أسند شيء إلى الذات نفياً أو إثباتاً وهو يتعلق بأحوالها إيراد إسناده أما إلى جميعها أو إلى ماله شدة اختصاص بها فهنا لما أسند الإعجاب إلى ذاته كأنه ادعى أنّ جميع صفاته تعجبه، ومنها الكرم فيكون ذكره بعده كادعاء مغايرة الكرم لها بل لنفسه فيكون تجريدا، ويكون أبلغ من البدلية والأوّل لم يقصد به التوطئة بل ذكر لهذه النكتة. قوله:(أو استئناف معترض لتعظيم المتلوّ الخ) يجوز أن يكون لتعظيم المتلوّ نفسه أو لتأكيد أمر اليتامى لأنّ ما هذا شأنه يحافظ عليه لفظاً، ومعنى لكن في بعض النسخ المتلوّ عليهم فكأنه فهم من كون الله أفتاهم بذلك الاعتناء بشأنهم فهذا أنسب بالمقام، ووقع في بعض الحواشي لتعظيم المتلوّ بدون عليهم، وهو ظاهر ويحتمل إرجاع هذه النسخة إليها بجعل عليهم متعلقا بتعظيم أي لجعله عظيما عليهم، والمراد بالاستئناف ليس المعنى المصطلح عليه فلا ينافي الاعتراض، وعلى عطفه على الضمير المستتر لا يحتاج إلى تقدير عاند أي عنده كما توهم وإنما حمل الكتاب على هذا المعنى لأنه لو أريد معناه المتبادر لم يكن فيه فائدة إلا أن يتكلف له، ومنهم من جعل خبره محذوفا كيفتيكم ويبين لكم. قوله:) ويجوز أن يتتصب الخ) تقديره، ويبين بالواو إشارة إلى أنه معطوف على جملة يفتيكم أو معترضة ولذا ذكروا قسم فلا يرد أنّ الظاهر أقسم بدون واو. قوله:(ولا يجورّ عطفه على المجرور الخ) هذا وجه منقول عن محمد بن أبي موسى قال: أفتاهم الله فيما سألوا، وفيما لم يسألوا وارتضاه في البحر، ودفع الفساد المذكور بأنّ العطف على المجرور من غير إعادة الجارّ جائز عند الكوفيين كقوله:{وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} كما مرّ بأنّ المراد بما يتلى، والمتلوّ المتلوّ حكمه، وأمره فيهن أو الأعم كما مرّ قال النحرير: الاختلال من حيث اللفظ حيث عطف على الضمير المجرور، ومن حيث المعنى حيث صار المعنى يفتيكم في حق ما يتلى عليكم من الكتاب مع أنه غير داخل في الاستفتاء.
فان قيل: لم لا يجوز أن يكون فيهن بمعنى الصلة أي في حقهن، ومعناهن، وفيما يتلى بمعنى الظرف قلنا كفى بهذا اختلالاً مع أنّ المناسب حينئذ فيما يتلى عليكم من الكتاب لا في الكتاب، وقيل: إنّ الواو بمعنى مع. قوله: (صلة يتلى إن عطف الخ) يجوز على هذا الوجه أن يكون بدلاً من فيهن أيضا كما في الكشاف إلا أنّ المصنف رحمه الله تركه لما فيه من الفصل
بين البدل، والمبدل منه، وقوله:(وإلا) أي وان لم
يعطف فبدل لا غير كما في الكشاف، وقيل عليه أنه يجوز تعلقه على تقدير يبين أيضا، وعلى جعله قسما.
(أقول) أما على جعل ما يتلى مبتدأ، وفي الكتاب خبر فلا يتعلق به لما يلزم من الفصل بالخبر بين أجزاء الصلة إلا أن يجعل بدلاً من في الكتاب كما في البحر، وأمّا على القسمية فلأنه لا معنى لتقييد القسم بالمتلوّ بذلك ظاهرا وأمّا على تقدير نصبه يبين فالظاهر جواز تعلقه به إلا أنه تركه في الكشاف، وتبعه المصنف رحمه الله فالعهدة على المتبوع لكنه لا يظهر لتركه وجه. قوله:(أو صلة أخرى ليفتيكم الخ الما ورد على هذا أنه لا يتعلق بشيء واحد حرفا جرّ بمعنى بدون اتباع جعل في الثانية سببية كما في قوله صلى الله عليه وسلم إنّ امرأة دخلت النار في هرّة كما تقول كلمتك اليوم في زيد أي بسببه، وكان الظاهر أن يمثل بجئتك في يوم الجمعة في أمر زيد لكنه أشار إلى أنه لا فرق بين الحرف الملفوظ، والمقدر ومنهم من غفل عنه فجعله منالاً لمجرّد كون في سببية، ويرد على المصنف رحمه الله أنه على الوجه الأوّل أيضا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى به وهو في الكتاب، وفي يتامى النساء إلا أن يؤول بما مرّ. قوله: (وهذه الإضاقة بمعنى من الخ) جعلها أبو حيان على معنى الأم.
وقيل عليه أنّ النحاة ذكرول! ضابط الإضافة البيانية أن تكون إضافة جزء إلى كل بشرط صدق اسم الكل على الجزء، ولا شك في أن يتامى النساء كذلك، واحترز بالقيد الأخير عن مثل يدزيد.
قال السفاقسي ليس كلهم متفقين على هذا فقد قال السيرافي وابن كيسان: أن كل بعض أضيف إلى كل هو بمعنى من وزاد غيرهما قيد صحة الإخبار عن الأوّل بالثاني فيد زيد بمعنى من عندهما.
(قلت) من عندهما تبعيضية كما صرّج به في شرح التسهيل، وأشار إليه في سورة لقمان، وبعض الناس لم يعرفه فتعسف فيه كما مرّ في إضافة سورة الفاتحة، ومنشأ الخلاف أنّ من لامقدرة لا تكون إلا بيانية أو تبعيضية. قوله:(وقر! ييامي بياءين الخ) أي جمع أيم وسيأتي تفسيره في أيامى النساء، والعرب تبدل الهمزة ياء كثيراً. قوله:) في ان تنكحوهن أو عن أن تنكحوهن) أورد عليه أنّ أهل العربية ذكروا أنّ حرف الجرّ يجوز حذفه باطراد مع أن، وأن بشرط أمن الليس بأن يكون متعيناً نحو عجبت أن تقوم أي من أن تقوم بخلاف قلت أن تقوم لا
يجوز فيه الحذف لاحتمال إلى أن تقوم أو عن أن تقوم، والآية من هذا القبيل وأجيب بأنّ المعنيين هنا صالحان لما ذكر في سبب النزول فصار كل من الحرفهبن مراداً على سبيل البدل ومثله لا يعد لبساً ثل إجمالاً كما ذكره بعض " المحققين، وجوز فيه تقدير في. قوله:(والواو تحتمل الحال والعطف) أي واو وترغبون، وإذا كانت حالية تقدر مبتدأ أي، وأنتم- ترغبون لأن الجملة المضارعية الحالية لا تقترن بالواو فإن قلنا بجوازه كما مز فلا تقدير، والعطف يصح أن يكون على النفي، والفعل الذي هو صلة اللاتي أو على المنفي وحده والمعنى صحيح فيهما. قوله:(وليس فيه دليل على جواز تزويج اليتيمة) أي ليس في نظم الآية ما يدلّ عليه كما هو مذهب أبي حنيفة، والمراد لغير الأب، والجد فإنّ الشافعي يقول به أيضاً، ووجه الدلالة أنه ذكر نكاح اليتيمة فاقتضى جوازه، وهو يقول إنما ذكر ما كانت تفعله الجاهلية على طريق الذمّ والنهي فلا دلالة فيه عليه مع أنه لا يلزم من الرغبة في نكاحها فعله في حال الصغر، وقوله: والعرب الخ. أي كانوا يورّثون كبار الرجال دون غيرهم كما مرّ، ويجوز فيه حينئذ الجز، وهو الظاهر، وجوّز النصب عطفاً على محل الجارّ والمجرور. قوله:(أي ويفتيكم أو ما يتلى عليكم) هذا مبني على الإعرابين السابقين، وقوله: هذا إذا جعلت في يتامى صلة لأحدهما أي أحد الفعلين يفتيكم، ويتلى فإن كان بدلاً وعطف على المتبوع فهو في محل نصب، ولا مانع من تقدير الجرّ أيضاً حينئذ، وقوله: على موضع فيهن بناء على أنّ المحل لمجموع الجارّ وا لمجر ور.
وقد قيل التحقيق أنه للمجرور وحده، وقوله: نصبهما أي نصب المستضعفين، وأن تقوموا وإنما منع العطف على البدل لأنّ المراد بالمستضعفين الصغار مطلقأ الذين منعوهم عن الميراث، ولو ذكوراً فلو عطف على البدل لكان بدلاً، ولا يصح فيه غير بدل الغلط، وهو لا يقع في فصيح الكلام فتدبر وللنحرير هنا كلام لا يخلو من إشكال. قوله:(وهو خطاب للائمة الخ) أي تقوموا خطاب للحكام أو للقوّام بالتشديد جمع قائم أي الأولياء والأوصياء أو الخطاب من قوله: يفتيكم إلى هنا، والنصفة بفتحتين الأنصاف
وجوز في أن تقوموا أن يكون مبتدأ خبره مقدر أي خبر ونحوه، وجعله على تقدير يأمركم منصوبا مع ا! أمر يتعذى بالباء، وفي محل أن، والفعل بعد حذف حرف الجرّ للنحاة مذهبان قيل إنه مجرور، وقيل: إنه منصحوب بناء على
أنه شاع تعدية أمر بنفسه كقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
قوله: (وعد لمن آثر الخير) بالمد أي اختاره واشارة إلى الاحتراز من الرياء. قوله:
(توقعت) قال النحرير الخوف وقع في كلام العرب بمعنى التوقع، ولا مانع من حمله على الحقيقة، وان امرأة خافت اشتغال على حد قوله وان أحد من المشركين استجارك، وتقريره في النحو، وقدر بعضهم هنا كانت لاطراد حذفها بعد أن، ولم يجعله من الاشتغال، وهو مخالف للمشهور بين الجمهور، والمخايل بالخاء المعجمة جمع مخيلة، وهي العلامة، والإمارة وقوله: تجافياً مرّ تحقيقه، والنشوز يطلق على كل من صفة أحد الزوجين. قوله:(أن يتصالحا بأن تحط الخ) إنما صدر بقوله: لا جناح لنفي ما يتوهم من أن ما يؤخذ كالرشوة لا يحل، وفي الآية قراآت ذكر المصنف رحمه الله بعضها، وعلى أنها من الإصلاج جوّز في صلحا وجوه مفعول به على جعله بمعنى يوقعا الهلحا أو بواسطة حرف أي بصلح، والصلح بمعنى ما يصلح به، وبينهما ظرف ذكر تنبيهاً على أنه ينبغي أن لا يتطلع الناس على ما بينهما فليسترا، ويكون ذلك فيما بينهما أو كائناً بينهما على أنه حال، وعلى المصدرية فهو مصدر محذوف الزوائد أو من قبيل أنبتها الله نباتا، وجعل بينهما مفعولاً على أنه اسم بمعنى التباين، والتخالف أو على التوسع في الظرف لا على تقدير ما بينهما كما قيل. قوله:(وقرئ يصلحا (أي بالفتح، والتشديد، وهي قراءة لليثي والجحدري شاذة، وأصله يصطلحا فخفف بإبدال الطاء المبدلة من تاء الافتعال صادا، وأدغمت الأولى فيها لا أنه أبدلت التاء ابتداء صاداً وأدغم لأن تاء الافتعال يحب قلبها طاء بعد الأحرف الأربعة. قوله: (من الفرقة وسوء العشرة الخ) والمفضل عليه جعل له خيرية على سبيل الفرض! ، والتقدير أي إن يكن فيه خير فهذا أخير منه، وإلا فلا خيرية فيما ذكر.
قال الرضي إذا قلت أنت أعلم من الجماد فكأنك قلت: إن أمكن أن يكون للجماد علم
فأنت أعلم أو أنه اسم إما مصدر أو صفة، ولذا سمع جمعه على خيور إذ اسم التفضيل لا يجمع كذا، ونقل عن الزمخشري أنه ورد خيور في كلام فصيح فاقتديت به فهو قياس واستعمال أي ما ذكرت في جمعه موافق للقياس، والاستعمال من العرب، وهو بمعنى الخيرات، وقيل: أشار بالقياس إلى مقابله، وهو الشرور وقوله:(وهو اعتراضر الخ) أي جملة معترضة بين ما قبلها، وما بعدها من قوله وان تحسنوا الخ. قوله:) وأحضرت الأنفس الشح) حضر متعد لواحد وأحضر متعد لاثنين والأوّل هو الأنفس القائم مقام الفاعل، والثاني الشح لأنّ الأولى في باب أعطى إقامة الأوّل مقام الفاعل وان جاز إقامة الثاني أيضا فأصله حضرت الأنفس الشح، ثم أحضر الله الأنفس الشح، ويحتمل أن أصله حضر الشح الأنفس، والقائم هو الثاني، وقول المصنف رحمه الله تعالى جعلها حاضرة صريح في الأوّل، وقول الزمخشري، ومعنى إحضار الأنفس الشح أن الشح جعل حاضراً لها صريح في الثاني، وجعله من باب القلب خلاف الظاهر والمعنى عليهما واحد أي أنها لكونها مطبوعة عليه كأنه حاضر عندها لا يفارقها. قوله:(ولذلك اغتفر عدم تجانسهما) أي أنّ كلاً من الجملتين اعتراضية، والواو واو الاعتراضى لأنه يجوزم تعذد الاعتراض على الأصح فلا يرد أنه لا مناسبة بين خيرية الصملح، والمطبوعية على الشح مع التخالف بالاسمية والفعلية. قوله:(والأوّل للترغيب الخ) المماكسة بتقديم الكاف على السين معناها المشاحة كما في القاموس، ووقع في نسخة المماسكة من الإمساك، وهو البخل، والصحيح الأوّل. قوله:(أقام كونه عالماً الخ الم يقل مجازاتهم لأنّ علم الله، وقدرته يستعملان في القرآن كناية عن المجازاة لأنّ الإحسان والاتقاء يقتضي الإثابة فلذا اقتصر عليها فلا يقال الأولى أن يقول مقام مجازاتهم. قوله: (وهو متعذر) أي محال عادة واليه أشار بقوله أي لا يقع ميل البتة لأنّ المحال العادي هو ما لا يقع، وقوله: (كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم الخ) حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن عن عائشة رضي الله تعالى عنها وصححوه، وقوله: هذا قسمي بفتح القاف وسكون السين، وهذه قسمتي في نسخة، والصحيح الأولى رواية
في الحديث والمراد بما تملك هو المحبة وميل القلب الغير الاختياري، وحديث من كانت له امرأتان صحيح أخرجه أصحاب السنن، وجزاؤه من جنس عمله. قوله:(ما لا يدرك كله الخ) أقول هذا من قواعد فقهاء الشافعية كقولهم: الميسور لا يسقط بالمعسور أي هل يجب البعض المقدور عليه أم لا فيه خلاف عندهم كمن حفظ بعضى الفاتحة، وكما لو كان في بدنه نجاسة، وعنده ماء يكفي غسل بعضها وقال الإمام الرازي الضابط أن كل أصل له بدل فالقدرة على بعضه لا حكم لها فهو كالعاجز، وما لا بدل له يأتي ببعضه وتفصيله أنه إما وسائل أو مقاصد والأوّل مغتفر، والثاني إن كان له بدل كالقنوت، والوضوء عدل إلى بدله، ومحل الخلاف عندهم غيره، وفيه كلام في فقههم، ولم يحضرني الآن كلام فقهائنا. قوله:(ببدل أو سلوا الخ) البدل أن يجد كل منهما زوجا، والسلو أن ينسى كل ما كان بينهما، وهذا إشارة إلى أنه ليس المراد بالغنى الغنى المالي، وهكذا قوله غناه، والآية معناها من ترك شيئا لله عوّضه الله خيراً منه. قوله: (والكتاب للجن! ل الخ الم يحمله على التوراة لأنّ التعميم أكثر فائدة وان صح الأوّل أيضا لأنهم أشد الخصوم، ممؤكيد الأمر بالإخلاص لعله لأنّ معنى قوله:{وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ} أصلحوا واتقوا الله في السرّ، والعلانية، وقيل: إنه ما في قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} فإنه يتضمن الإخلاص ولا يخفى بعده، وقيل: زيادة أن لعموم الوصية أبلغ
في الأمر بالإخلاص، وقد قيل الأمر المراد قوله: اتقوا واياكم عطف على مفعول وصينا، وفصل لما بينه، وبين العامل من الفاصل، ولم يقدم ليتصل لمراعاة الترتيب الوجودي. قوله:(بأن اتقوا الله ويجورّ أن تكون أن مفسرة (يعني أن مصدرية بتقدير الجار، ومحلها نصب أو جرّ على المذهبين أو تفسيرية مفسرة للوصية بأنها قوله اتقوا الله، وشرطها ما فيه معنى القول دون حروفه كوصينا هنا. قوله: (وقلنا لهم ولكم الخ (يعني أنه معطوف على وصينا بتقدير قلنا، ولم يذكر قول الزمخشري أنه معطوف على اتقوا لأنه لا وجه له، وان أوّلوه قال السعد هذا بحسب ظاهر المعنى، وبحسب تحقيق الإعراب الشرطية تتعلق بفعل محذوف على ما تعلق به إن اتقوا لأنّ الشرطية لا تقع بعد أن المصدرية أو المفسرة فلا يصح عطفها على الواقع بعدها سواء أكان إنشاء أم إخباراً، والفعل وصينا أو أمرنا أو غيره فظهر أن سبب العدول عن العطف على اتقوا كونه إنشاء والشرطية خبر، وكون الوصية، والأمر لا يتعلق به الشرطية اهـ وقوله: (لهم ولكم) إشارة إلى أن في الكلام تغليبا. قوله: (لا يتضرّر بكفركم ومعاصيكم الخ) ظاهر قوله: كما لا ينتفع بشكركم أن الكفر بمعنى كفران النعمة كما يشير إليه قوله حميداً فينبغي أن يكون مراده الكفر الذي هو ضد الإسلام ولكنه أيضا فيه كفران نعمة الخالق الموجد له. قوله: (راجع إلى لهوله يغن الله كلاً من سعته) فإنه إذا وكلت، وفوّضت إليه فهو المغني لأنّ من توكل على الله كفاه، ولما كان ما بينهما تقريرا له لم يعذ فاصلا وقيل: إنه لا حاجة إلى هذا فإنه إذا كان مالك الملك كفت وكالته عمن سواه ممن لا يقدر على شيء إلا بإقداره وقوله: (يفنكم) لأنّ إذهابه يكون بمعنى إفنائه، وبمعنى جعله ذاهبا من مكان لآخر، والمراد الأوّل، وهو الأشهر، وقوله: (دل عليه الجواب (أي يراد ذهابكم. قوله: (أو خلقاً آخرين مكان الآنس (يعني أن الكلام يحتمل أنّ المعنى جميع بني آدم فالآخرين الذين هم بدل عنهم جنس آخر غير الناس، ويحتمل أن يكون نوعا منهم كالعرب فيكون آخرين نوعا آخر من بني آدم، وأورد على الأوّل أن آخر
وأخرى وتثنيتهما، وجمعهما كغير إلا أنه خاص بجنس ما تقدمه فإذا قلت اشتريت فرساً، وآخر لم يكن إلا من جنس ما تقدم أي وفرسا آخر فلو عنيت حماراً آخر لم يجز بخلاف غير فإنها أعم لما هو من جنسه، وغيره وقل من يعرف هذا الفرق قيل، ولم يستند فيما ذكره إلى نقل، ويرد عليه إشكال آخر، وهو أنّ آخرين صفة موصوف محذوف، والصفة لا تقوم مقام موصوفها إلا إذا كانت خاصة به نحو مررت بكتاب أو يدل عليه دليل، وهنا ليست بخاصة فلا بد أن يكون من جن! الأوّل لتحصل الدلالة على الموصوف المحذوف.
(قلت) ما ذكره غريب فإنه نقله الحريري في درته عن النحاة، ولم يخص ذلك بحذف
بل، ولو ذكر موصوفه
لا بد أن يكون من جن! ما قبله حتى نقل ابن هشام في تذكرته عن ابن جني أنه لا بدّ من اتحادهما في التذكير، والتأنيث لكن المبرد لا يشترطه إلا أنّ ابن هشام نازع في اشتراطه واستدل بقوله:
وكنت أمشي على ثنتين معتدلأ فصرت أمشي على أخرى من الشجر
وأنها قد تذكر من غير تقدم شيء آخر يقابلها، وتحقيقه ما في المسائل الصغرى للأخفش
في باب عقده له قالط فيه أعلم أنّ آخر إنما يكون من جنس ما قبله تقول أتاني رجل، وأتاك آخر أو وأتاك رجل آخر أو أتاني رجل وأتاك إنسان آخر، ولو قلت: أتاني رجل وامرأة أخرى لم يكن كلاما، ولو قلت: أتاني صديق لك وعدو لك آخر لم يحسن، وربما جيء بآخر توكيدا، ولو لم تقل آخر استغنيت عنه فإن قلت: فهل لا يجوز جاءني صديق لك وعدو لك آخر بحمله على الإنسان قلت: هذا قبيح أن تحملهما جميعاً على المعنى إنما تحمل الأوّل على المعنى إذا كان الكلام قد مضى، ولو قلت: هذا الرجل، ورجل آخر لو لم تقل فيه آخر استغنيت من أجل العطف لأنه لا يظن أنّ الثاني هو الأوّل كما في غير العطف، ولو قلت: جاءني زيد وعمرو آخر لم يجز، وقد يجوز ما امتنع بتأويل كرأيت فرسا وحمارا آخر نظر الدابة قال امرؤ القيس: إذا قلت هذا صاحب ورضيته وقرّت به العينان بذلت آخرا
اص وحاصله أنه لا يوصف به إلا ما كان من جنس ما قبله لتتبين مغايرته في محل يتوهم
فيه اتحاده، ولو تأويلا، ومثله قوله عز وجل:{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} وهذا ما عليه استعمال العرب ومن لم يقف على هذا خبط فيه خبط عشواء. قوله: (بليغ القدرة الخ) أخذه من صيغة فعيل فإنها للمبالغة، وقوله: هو خطاب لمن عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الأوّل كان عامّاً وقوله:(لما روي) أنه لما نزلت يعني قوله: د إن تتلوا لا قوله {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ}
فإنّ المنقول في الأثر الأوّل حتى نسب من ذهب إلى الثاني إلى السهو كما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير، وقوله: قوم هذا يعني فارس. قوله: (كالمجاهد يجاهد للفنيمة) هذا على التمثيل لا الحصر، وإنما مثلوا به لأنّ ثواب الدنيا، والآخرة معا قلما يجتمع في غير الجهاد والجزاء ليس هذا المذكور لأنه غير مسبب عما قبله فالجواب مقدر أقيمت علته مقامه أي فليطلبه، فإنّ عنده ثواب الدارين أو أنه مؤوّل بما يجعله مترتباً عليه، لأنّ مآله إلى أنه ملوم موبخ لتركه الأهم الأعلى الجامع لما أراده مع زيادة لكن من يشترط العائد في الجواب يقدره، ولذا قال الزمخشرفي المعنى فعند الله ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده حتى يتعلق الجزاء بالشرط فلا بد من تقدير الجزاء أي فقد خسر فعند الله ثواب الدنيا، الاخرة وطالبهما رابح، وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنّ طلب الغنيمة مع نية الجهاد في سبيل الله لا يضرّ وإنما الضار طلب الغنيمة فقط، ولا بعد فيه وقيل إنه لا أجر له، والتفسير الثاني يناسبه لأنه يقتضي عدم اجتماعهما، وقيل: يعتبر الغالب والأسبق. قوله: (عارقاً بالأغراض الخ) إنما فسره بهذا لأنه تذييل لقوله: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا} وليس فيها مسموع، ولا مبصر فلذا جعل الصفتين عبارة عن اطلاعه على غرض المريد للدنيا أو الآخرة، والاطلاع عبارة عن الجزاء، وليس مراده إرجاع صفة السمع والبصر إلى العلم حتى يخالف المقرّر في الكلام، ولذا قيل إرادة الثواب إما بالدعاء أو السعي والأوّل مسموع، والثاني: مبصحر فلذا ذيلها بقوله: سميعاً بصيراً، ولا يخفى أنّ ما فعله المصنف رحمه الله تعالى أبلغ لأنّ الاطلاع على نفس الإرادة، والغرض! اطلاعا كالمحسوس أقوى من الاطلاع على آثاره إلا أن في إطلاق العارف على الله شيء لأنهم صرحوا بأنه تعالى يقال له عالم، ولا يقال له عارف لكنه في نهج البلاغة أطلقه عليه تعالى، وقد ورد في غيره أيضا، ولعل النوبة تفضي إلى تحقيقه. قوله:(مواظبين) إشارة إلى أنّ القيام المواظبة كما في قوله تعالى: {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} (أي يديمونها خصوصاً، وقد ذكر بصيغة المبالغة، وجعلهم شهداء دلّه تعظيما لمراعاة العدالة، وأنهم بالحفظ لها يصيرون من شهداء الله. قوله: @@@
(بأن تفرّوا عليها الخ) يعني الشهادة مجاز عن الإقرار لأنّ شهادة المرء على نفسه لم تعهد، ولذا فسرها ببيان الحق ليشمل الإقرار، ولك أن تقول أنّ المقصود به المبالغة لا حقيقتها، والظرف أعني على أنفسكم كما يجوز
أن يجعل مستقرّاً واقعا خبر كان المقدرة يجوز تعلقه بمحذوف هو الخبر أي وإن كنتم شهداء على أنفسكم أي ولو كانت الشهادة وبالأعلى أنفسكم، وكان في الأصل صلة الشهادة، ومتعلق المصدر قد يجعل خبراً عنه فيصير مستقرّاً مثل الحمد لله ولا يجوز في اسم الفاعل ونحوه، ولو على أصلها أو بمعنى إن، وهي وصلية وقيل جوابها مقدر أي لوجب عليكم أن تشهدوا عليها، ولما كانت الشهادة إما على النفس، واما على الأقربين عطف الأوّل بأو، والثاني بالواو لأنهما قسم واحد، وأما ما قيل إنّ المحذوف في أمثاله لا يكون الأعين الملفوظ ليدل عليه فيقدر في نحوكن محسنا، ولو لمن أساء إ أليك، ولو كنت محسنا لمن أساء إليك ولو قدر ولو كان الإحسان فليس بجيد فمما لا وجه له وقوله:(بيان الحق) إشارة إلى أنّ الشهادة مجاز عما ذكر فتشمل الإقرار كما مرّ، وليس فيه جمع بين الحقيقة، والمجاز. قوله:(أي المشهود عليه الخ) يعني أنّ الضمير راجع لما فهم من السياق أي لا تتركوا الشهادة جور الغنى المشهود عليه أو قرابته، ولا تتركوها ترحما لفقره أو المراد ما يعم المشهود له، وعليه وقوله:(فلا تمتنعوا الخ) إشارة إلى أن الجزاء محذوف، وقوله: فالته أولى بهما واقع موقعه أي إن يكن أحد هذين لم تمتنع الشهادة لأنّ الله أولى بالجنسين، وأنظر لهما من غيره وسيشير إليه بقوله وهو علة الجواب أقيم مقامه. قوله: (والضمير في بهما راجع الخ الما كان الحكم في الضمير العائد على المعطوف بأو الإفراد لأنه لأحد الشيئين أو الأشياء فلا تجوز فيه المطابقة تقول زيد أو عمرو أكرمته، ولو قلت: أكرمتهما لم يجز فلذا قيل كيف ثني الضمير في الآية فأج! بوا بأن ضمير بهما ليس عائداً على الغنيّ، والفقير المذكورين بل على جنسهما المدلول عليه بالم! كورين، والتقدير أن يكن المشهود عليه غنيا أو فقيراً فليشهد عليه فالله أولى بجنسي الغنيّ والفمير، وهذا الضمير ليس عائداً من الجواب إذ الجواب محذوف، ويشهد له قراءة أبيّ رضي الله تعالى عنه أولى بهم كذا قرّره المعربون وظاهره أنّ أفراد الضمير في مثله لازم، ولو كان جائزا لم يحتج إلى التوجيه، وأما احتمال أنه بيان لوجه العدول عن الظاهر، وأن كان كل منهما جائزاً كما صرّج به الرضي فلا يتم إلا بأنه للقصد إلى أولويته بالتعميم وأن لا يتوهم أنه بالنسبة إلى واحد فقط، ووجه شهادة قراءة الجمع أنها تعين أنّ المراد
الجنس لا كل واحد ولاهما، وفي الآية أقوال ذكرها المعربون. قوله:(لآن تعدلوا الخ الما كان المصدر مفعولأ له، وعلة لاتباع الهوى المنهي عنه فإما أن يكون بمعنى العدول عن الحق فيكون علة من غير تقدير، وان كان بمعنى العدل فيقدر مضاف، وهو كراهة العدل، ولو جعل علة للنهي نفسه قدر المضاف إذا كان من العدول ولم يقدر إذا كان من العدل على العكس أي أنهاكم كراهة العدول، أو للعدل قيل، وهو أولى. قوله: (وإن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق الخ) الظاهر أنّ المراد من الليّ أداء الشهادة على غير وجهها الذي تستحقه، والإعراض تركها ثم أشار إلى أنه يصح أن يكون في حق الشهود، والحكام، وليهم حيئدّ الحكم بالباطل. قوله:(وقرأ حمزة وابن عامر وإن تلوا) يعني بواو مفردة ما قبلها مضموم، وقوله:(وإن وليتم) بصيغة الماضي ليس لأنّ المضارع بمعناه بل لتحقيق لفظه، وأنه من اللفيف المفروق من الولاية بمعنى مباشرة الشهادة، وقيل: إنّ أصلها تلووا بواوين ايضاً نقلت ضمة الواو بعد قلبها همزة أو ابتداء إلى ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين فهي بمعنى الأولى. قوله: (خطاب للمسلمين الخ) يعني أمر المؤمنين بالإيمان تحصل للحاصل فيؤوّل آمنوا باثبتوا ودوموا وإن أريد بالذين آمنوا المنافقون لأيمانهم ظاهرا فآمنوا بمعنى أخلصوا الإيمان، وأشار إليه بقوله: بقلوبكم وان أريد مؤمنو أهل الكتاب فالمراد آمنوا إيمانا عامّا، وقراءة نزل لأنه نزل منجما في ثلاث وعشرين سنة بخلاف غيره من الكتب، والكتاب الأوّل القرآن، والثاني الجنس الشامل لما سواه لا التوراة. قوله:(أي ومن يكفر بشيء من ذلك) قيل في توجيهه لأنّ الحكم المتعلق بالأمور المتعاطفة قد يرجع إلى كل واحد، وقد يرجع إلى المجموع، والتعويل على القرائن، وهنا قد دلت القرينة على الأوّل لأنّ الإيمان بالكل واجب، والكل ينتفي بانتفاء البعض
ليس من جعل الواو بمعنى أو في شيء فليتأمّل، ولا
يحتاج إلى ما ذكر من أنّ الكفر ببعضه كفر بكله وان كان له وجه بل يكفي أنّ الكفر ببعضه ترك للإيمان بكله، وقرق بين الكفر بكل واحد، وعدم الإيمان بكل واحد، ولا يرد عليه أنه خلاف الظاهر لأنه كقولك ما جاءني زيد وعمرو وبكر يقصد أن الجائي أحدهم لأنه فرق بينهما كما أشار إليه بالأمر بالتأمّل لأنه لا تلازم فيما ذكره بخلاف ما نجن فيه فإن قلت: لم ذكر في الإيمان ثلاثة أمور الإيمان بالله والرسل والكتب، وفي الكفر خمسة الكفر بالله، والملائكة والكتب والرسل، واليوم الآخر، وقدم في الإيمان الرسول على الكتاب وعكس في الكفر.
قلت: أجاب الإمام عنه بأنّ الإيمان بالله، والرسل والكتب متى حصل الإيمان بالملائكة، واليوم الآخر، وأما الغمر فربما يزعم الإنسان أنه! ؤمن بالله والرسل، والكتب وينكر الملائكة، واليوم الآخر ويؤوّل ما ورد فيه، وان في مرتبة النزول عن الخالق إلى الخلق كان الكتاب مقدما على الرسول، وفي مرتبة الخروج من الخلق إلى الخالق يكون الرسول مقدما على الكتاب قيل، وهذا ليس بشيء لأن ما ذكره في الكفر مناقض لما ذكره في الإيمان ففي الكفر أثبت الإيمان- بالله، والرسل، والكتاب مع إنكار الملائكة، والقيامة وذلك يأبى قوله: إنه متى حصل الإيمان بها الخ. والسؤال في الترتيب باق لأنه لم اعتبر الصعود في أحد الجانبين فالحق في الجواب أن كل ما اعتبر في الكفر بحسب النفي اعتبر في الإيمان بحسب الإثبات والإيماق بالرسل، والكتب يستلزم الإيمان بالملائكة، والقيامة بخلاف الكفر، وليس النظر في الترتيب إلا إلى التفنن في الأساليب، وفيه بحث لأن مآل ما ذكره راجع إلى ما قاله الإمام عند التحقيق. قوله:(بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه) كما هو شأن الضالّ البعيد المسافة عن مقصده، ولم يقل بحيث لا يعود لأنّ من الكفرة من يسلم كثيراً، ومنهم من غفل عنه فقال: ما قال، وليس بعد الحق إلا الضلال. قوله: (يعني اليهود آمنوا بموسى الخ (قدم في الكشاف التفسير الثاني، ورجحه ثم قال، وقيل هم اليهود آمنوا بالتوراة وبموسىءشبر ثم كفروا بالإنجيل، وعيسى صلى الله عليه وسلم، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فقيل إنّ المصنف استدرك عليه بما ذكره فإنه لا يظهر فيما ذكر. تكرار الإيمان والكفر، ثم أورد عليه إن الذين ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ليسوا بمؤمنين بموسى صلى الله عليه وسلم ثم كافرين بعبادة العجل ثم مؤمنين بالعود، ثم كافرين بعيسى تخير مثلا بل هم إما مؤمنون بموسى صلى الله عليه وسلم، وغيره أو كفار لكفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، والإنجيل فالصحيح هو التوجيه الثاني، وكان عليه أن يقدمه كما في الكشاف.
أقلت) أما ترجيح الثاني فلا كلام فيه، وأما عدم صحة الأوّل فغير مسلم لأنه إن أريد بالذين قوم بأعيانهم تعين الثاني، وان أريد جنس ونوع باعتبار عد ما صدر من بعضهم كأنه
صدر من كلهم صح الأوّل، والمقصود استبعاد إيمانهم لما استقرّ منهم ومن أسلافهم فافهم. قوله:(إذ يستبعد الخ) يعني المراد في النظم أنّ من هذا حاله لا يرجع عن الكفر، ويثبت على الإيمان فلذلك لا يغفر له لا أنّ الله لا يغفر له على كل حال، وقوله: ضربت معتل من باب علم بمعنى اعتادته ولهجت به، وهو يتعدى بالباء، وقد يتعدى بعلى باعتبار أنه تمرس عليه، وأصله في تعويد الكلاب على الصيد. قوله:(وخبر كان في أمثال ذلك محذوف الخ) المراد بأمثاله ما يسميه النحاة لام الجحود، وهي الداخلة لفظا على فعلى مسبوق بكان الناقصة منفية بلم أو لتأكيد النفي، وهي زائدة عند الكوفيين وعند البصريين أنها غير زائدة متعلقة بخبر محذوف تقديره مريداً أو قاصداً ونفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه، وهي اللام الواقعة بعد كون منفيّ ماض معنى لا لفظا، وبعدها أن مضمرة وجوباً، وهو ظاهر كلام المصنف، وزعم ابن خروف أنه لا يلزم كونه كونا كقوله ما يريد الله ليجعل وخالفه النحاة، وقيل: إنها تقع في الإيجاب، والذي ذهب إليه ابن مالك الأوّل قال في الألفية:
وبعد نفي كان حتماً أضمرا
أن أي. قوله: (يدل على أنّ الآية في المنافقين الخ) يريد بالآية قوله: {إن الذين آمنوا ثم كفروا} فيكون هذا تفسيراً آخر، وتكرر الإيمان ظاهراً، والكفر باطنا، وكون بشر
استعارة تهكمية هو المشهور، وفيه احتمالات أخر مر تحقيقها، وقوله: مكان أنذر أحسن من قول الزمخشريّ مكان أخبر لأنّ التهكمية تكون في استعارة الضد لضده، والأخبار ليس ضدا له لأنه أعم، ولك أن تقول إنه مجاز مرسل فهو وجه آخر في التهكم. قوله:(على الذم الخ) متعلق بهما بدليل ما بعده ولم يجعله منصوبا على اتباع المنافقين لوجود الفاصل فلا يرتكب بغير ضرورة، وجوزه المعرب فيحتمل أنه سكت عنه لظهوره، وقوله: لا يتعزز الخ. يعني ليس
المراد أن العزة ثابتة لله بل أنها مختصة به يعطيها من يشاء لأنه المناسب لما قبله، ويعلم منه ثبوتها له بالطريق الأولى، ولا يؤبه بمعنى لا يعبأ، ويعتد بها وان ظن في الدنيا أنّ لهم عزة فهو دفع لما يتوهم، وقرأ عاصم نزل يعني معلوماً، والاستفهام للإنكار أو التعجب، وجوز كون عليكم نائب الفاعل، وأن تفسيرية، وهو خلاف الظاهر. قوله:(والمعنى أنه الخ (أي اسمها ضمير شأن مقدر لا أنكم كما قيل لأن أن المخففة لا تعمل في غير ضمير الشأن إلا لضرورة عند أبي حيان، وعند ابن عصمفور وابن مالك جائز وهو الصحيح، والجملة الشرطية خبر، وهي تقع خبراً في كلام العرب. قوله: (لتقييد النهي الخ) لأنّ الشرط قيد للجواب، وهذا قيد له، وقيد القيد قيد، والمعنى لا تقعدوا معهم وقت كفرهم واستهزائهم بالآيات، وضمير غيره راجع لحديثهم بالكفر والاستهزاء، وقيل للكفر والاستهزاء لأنهما في حكم شيء واحد. قوله:) هازئاً معانداً غير مرجوّ) أي غير مرجوّ إسلامه وعناده يعلم من كفره بالآيات المعجزة عند سماعها واستهزائه بها، ومن هذا حاله لا يرجى فلاحه فلا يقال إنه لا دلالة في الآية عليه، وقوله:(ويؤيده الناية) أي تؤيد كونه قيداً للنهي لأنّ مفهومها يقتضي أنهم لم ينهوا عن مجالستهم إذا خاضوا في غيره. قوله: (أو الكفر الخ) لأنّ الرضا بالكفر كفر وفي الكشف قال مشايخ ما وراء النهر الرضا بالكفر مع استقباحه ليس بكفر وإنما يكون كفراً مع استحسانه قالى تعالى حكاية عن موسى ولمجت: {واشدد عل قلوبهم فلا يؤمنوا} [سورة يونس، الآية: 88] قصد الزيادة عذابهم وعلى تقدير كونهم منافقين فهم كفرة مثلهم في الحقيقة فلا يحتاج إلى تأويل، ويؤيده قوله بعده أنّ الله جامع المنافقين الخ، وسيأتي تفصيله في سورة يونس، ولذا لم يعطف لأنه مبين لما قبله. قوله:(وإذن ملناة الخ) لأنّ شرط عملها النصب في الفعل أن تكون في صدر الكلام فلذا لم يجىء بعدها فعل، ومثل خبر عن ضمير الجمع مع إفراده لأنه في الأصل مصدر فيستوي فيه الواحد المذكر وغيره، ولما لم يتعين عند المصنف مصدريته قال كالمصدر أي في الوفوع على القليل، والكثير أو لأنه مضاف لجمع فيعم، وقد يطابق ما قبله كقوله
تعالى: {ثم لا يكونوا أمثالكم} والجمهور على رفعه، وقرئ بالنصب فقيل إنه منصوب على الظرفية لأنّ معنى قولك زيد مثل عمرو أنه في حال مثله، وقيل إنه إذا أضيف إلى مبنيّ اكتسب البناء، ولا يختص بما المصدرية الزمانية كما توهم بل يكون فيها نحو مثل ما أنكم تنطقون، وفي غيرها كقول الفرزدق:
إذ هم قريش واذ ما مثلهم بشر
ولما شرط ابن مالك رحمه الله في التسهيل في، اكتساب المضاف البناء أن لا يقبل التثنية، والجمع كدون وغير وبين قال إنّ مثل لا يصح فيه ذلك، وأعرب حالاً من الضمير المستتر في حق في قوله إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون، ومن النحويين من خالفه في هذا الشرط. قوله:(ينتظرون الخ (التربص معناه الانتظار للشيء، وظاهره أنّ مفعوله مقدر والجار والمجرور متعلق به وكلام الراغب يقتضي أنه يتعدى بالباء لأنه من انتظر بالسلعة ذلإء السعر ورخصه، وجعله مبتدأ خبره الجملة الشرطية لا يخلو من تكلف، ولذا أخره المصنف رحمه الله تعالى ومظاهرين من المظاهرة، وهي المعاونة وأسهموا بمعنى اجعلوا لنا سهما وعطاء، والحرب سجال مثل بمعنى يغلب ويغلب صاحبها تارة له، وتارة عليه، وأصله في السقي من البئر يجعل لكل طالب للماء نوبة في إدلاء دلوه. قوله: (والاستحواذ الاستيلاء الخ) كان القياس فيه استحاذ استحاذة بالقلب لكنه صحت فيه الواو، وكثر ذلك فيه، وفي نظائر له حتى ألحق بالمقيس وعد فصيحا، وقال أبو زيد أنه قياسي فعلى كل حال لا يرد على فصاحة القرآن كما حقق في المعاني. قوله:(وإنما سمي ظفر الس! لمين فتحاً الخ) في الكشاف لأنّ ظفر المسلمين أمر عظيم تفتح لهم أبواب السماء
حتى ينزل على أوليائه، وأما ظفر الكافرين فما هو إلا حظ دنيء، وقوله: تفتح لهم أبواب السماء تفسير لقوله من الله بأمر يخصه، والا فكل فتح من الله ومنه يعلم حال ما قيل من أنه تمثيل، وتخييل لعظيم قدره والا فالطفر ليس مما ينزل من السماء، ويحتاج إلى فتح أبوابها واشعار النصيب هنا بالخسة لأنه لم يجعله فتحاً، ونصرة تامة بل قسما منها كما كان
كذلك، وقوله: سريع الزوال أي في نفسه لا باعتبار أنه دنيوي فإنه لا يخصه أو المراد ذلك فإنّ أمرهم في النصر إنما هو في هذه الدار، ونصر المؤمنين في الدنيا، والآخرة كما ذكر بعده، وقوله: حينئذ أي في الآخرة، وحين الحكم، ويكون التعبير بالمستقبل على حقيقته وعلى الثاني فهو لتحققه، ولو أبقى على إطلاقه ليشمل الدنيا، والآخرة لكان أولى، وتسمية الحجة سبيلا لأنها موصلة للغلبة. قوله:(واحتج به أصحابنا على فساد شراء الكافر المسلم الخ) يعني أنّ الشافعية استدلوا بالآية على أنه لا يصح العقد فيه لأنه لو صح لكان له عليه يد وسبيل بتملكه، ونحن نقول يصح ولكن يمنع من استخدامه، ويؤمر بإزالة يده، وبيعه قال الجصاص في الأحكام يحتج بظاهره في وقوع الفرقة بين الزوجين بردّة الزوج لأنّ عقد النكاح ي! ثبت للزوج سبيلا في إمساكها في بيته، وتأويتها، ومنعها من الخروج وعليها طاعته فيما يقتضيه عقد النكاج، والمؤمنين والكانرين شامل للإناث، وكذا الكافر إذا أسلمت امرأته واحتج به أصحاب الشافعيّ رحمه الله تعالى في إبطال شراء الذميّ للعبد المسلم لأنه بالملك يستحق ال! سبيل عل! يه، وليس كما قالوا لأنّ الشراء ليس هو الملك، والملك يتعقبه وهو السبيل فلا يستحق بصحة الشراء السبيل عليه لأنه ممنوع من استخدامه، والتصرف فيه! إلا بالبيع، والإخراج عن ملكه، فلم يحصل له سبيل عليه. قوله:(وهو ضعيف لأنه لا ينفي أن يكون الخ) أي لا ينفي أن يكون السبيل إذا عاد إلى الإيمان قبل مضيّ العدة، وفيه أنه حين الكفر لا سبيل له، ونفي السبيل بوقوع الفرقة، وبعد وقوع الفرقة لا بد لحدوث الوصلة من عوجب، وهو غير ظاهر فإن كان العود يكون الارتداد كالطلاق الرجعي والعود كالرجعة فلا ضعف فيه على أنه إذا كان السبيل في الاخرة أو بمعنى الحجة لا متمسك به لأصحابنا ولا للشافعية كما ذكره بعض المتأخرين، وقوله:(سبق الكلام) فعل معلوم من السبق بالباء الموحدة وجوز فيه أن يكون مجهولاً من السياق بالياء المثناة التحتية، والكسل الفتور والتثاقل، وبجوز في جمعه الضم، والفتح وقرئ كسلى بالإفراد. قوله:(والمراآة مفاعلة الخ) يعني أنّ المراآة مفاعلة من الرؤية إما بمعنى التفعل لأنّ فاعل بمعنى فعل وارد في كلامهم كنعمه وناعمه، وقد قرئ يرأون، وهو يدل عليه أو أنهم لفعلهم في مشاهد الناس يرون الناس، والناس يرونهم، وهم يقصدون إن ترى أعمالهم، والناس يستحسنوها فالمفاعلة في الرؤية متحدة وإنما الاختلاف في متعلق الإراءة فلا يرد أنّ اممرلمفاعلة لا بد في حقيقتها من اتحاد الفعل، ومتعلقه. قوله: (إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة
من ييرائيه الخ) بين وجهه بناء على أن الذكر بمعناه المتبادر منه، وأخر كونه بمعنى الصلاة إشارة إلى أنّ الأول الأولى، والزمخشريّ عكس لأنّ الكلام كان في الصلاة، وترك كون المراد بالقلة العدم كما في الكشاف لأنه يأباه الاسنثناء كما في الدر المصون واليه أشار النحرير فإنه مشكلى وردّ بأنّ معناه، ولا يذكرون الله إلا ذكراً ملحقاً بالعدم لأنه لا ينفعهم، ولا يخفى ما فيه فإنّ القلة بمعنى العدم مجاز، وجعل العدم بمعنى ما لا نفع فيه مجاز آخر، ومع ما فيه من التكلف ليس في الكلام ما يدل عليه وقوله:(وقيل الذكر فيها) أي المراد بالذكر الذكر الواقع في الصلاة. قوله:) حال من واو يراؤون كقوله ولا يذكرون) أي هي حال كما أنها جملة حالية أيضا وقيل عليه أنه ضعف لأنّ المضارع المنفي بلا كالمثبت في أنه لا يقترن بالواو أو في فصيح الكلام فهي عاطفة لا حالية، وفيه نظر وقوله:(أو واو يذكرون) بالجر عطف على واو يراؤون، ونصبه على الذم بفعل مقدر على أنه كالنعت للمنافقين إذا قطع. قوله:(والمعنى مرددين الخ) من الذبذبة، وأصلها كما قال الراغب صوت الحركة للشيء المعلق ثم استعير لكل اضطراب، وحركة أو تردّد بين شيئين، وعلى قراءة الكسر مفعوله محذوف كما ذكره أو فعلل بمعنى تفعلل لازم، وعلى الإهمال معناه ما ذكر أيضاً، وهو مأخوذ من الدية
بالضم، وتشديد الباء بمعنى الطريق يقال هو على دبتي أي طريقتي وسمتي قال الشاعر:
طهاهذربان قل تغميض عينه على دية مثل الخنيف المرعبل
وفي الحديث " اتبعوا دية قريش " والمعنى أنهم يأخذون تارة طريقاً، وتارة أخرى لتحيرهم، وفي هذه الصيغة وأمثالها نحو كبكب كلام في التصريف ليس هذا محله، وذلك إشارة إلى الإيمان، والكفر المدلول عليه بذكر الكافرين، والمؤمنين كما أشار إليه المصنف، ولذا أضيف بين إليه، ويصح أن يكون إشارة إلى المؤمنين، والكافرين فيكون ما بعده تفسيراً له على حد قوله:
إلالمعيّ الذي يظن بك الظن كان قد رأى وأن سمعا
قوله: (لا منسوبين إلى المؤمنين الخ) يشير إلى أنه حال من المستتر في مدّبذبين، وأنّ
هؤلاء الأوّل إشارة إلى المؤمنين، والثاني إلى الكافرين وأنّ إلى متعلقة بما يتعدى بها كمنسوبين أو واصلين أو صائرين لأنه أيضاً يتعدى بها يقال صار إلى كذا كما مرّ. قوله:(ونظيره الخ) أي أنّ المراد بالضلال عدم الهداية، وبالسبيل الوصول إلى الحق كما أنّ المراد في الآية من لم يهده الله فلا هداية له ودينهم بمعنى عادتهم، ودأبهم وأراد به بيان ارتباطه بما قبله قيل، ويجوز أن يريد بالذين آمنوا المنافقين وفسر السلطان بالحجة التي هي إحدى معنييه، وبمعناه المعروف، ولذا جاز تذكيره وتأنيثه. قوله:) وهو الطبقة التي في قعر جهنم الخ) ضمير هو راجع للدرك الأسفل لا للدرك وحده لأنه شامل لما فوقه، والدرك كالدرج إلا أنه يقال باعتبار الهبوط، والدرح باعتبار الصعود، ولذا قيل لو قال في تفسيره بعضها تحت بعض لكان أنسب. قوله: (ثلاث من كن فيه فهو منافق الخ (هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وثلاث مبتدأ ومن كن فيه صفته، ومن إذا الخ خبره بتقدير مضاف أي خصال من والأحسن أن تجعل ثلاث خبراً مقدما، وهذا مبتدأ مؤخراً أو مبتدأ محذوف الخبر وخصال من إذا مفسر له كذا قيل، وعندي أنّ المعنى ليس على ما ذكر، وليس إعرابه كذلك بل ثلاث مبتدأ ومن كن فيه بدل اشتمال منه، وقوله: فهو منافق خبر لأنّ الخبر يكون عن البدل لأنه المقصود بالنسبة تقول زبد عينه حسنة على الصحيح الفصيح كما حقق في العربية، والمعنى من كان فيه هذه الخصال الثلاثة فهو منافق، وقوله من إذا الخ خبر مبتدأ محذوف، والجملة مفسرة لما قبلها كأنه قيل من هو فقال هو الذي إذا الخ، وهذا الحديث روي من طرق، وعلى وجوه ففي الصحيحين: " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة
من النفاق حتى يدعها إذا أوتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد غدر وإذا خاصم فجر " وقال المحدثون فيه أنه مخصوص بزمانه ع! ي! لاطلاعه بنور الوحي على بواطن المتصفين بهذه الخصال فأعلم أصحابه بإماراتهم ليحترزوا عنهم، ولم يعينهم حذراً عن الفتنة، وارتدادهم ولحوقهم بالمحاربين، وقيل ليس بمخصوص، ولكنه مؤوّل بمن استحل ذلك، أو المراد أن من اتصف بهذه فهو شبيه بالمنافقين الخاص، وأطلق ذلك عليه تغليظا، وتهديداً له، وهذا في حق من اعتاد ذلك لا من ندر منه أو هو منافق في أمور الدين عرفاً، والمنافق في العرف يطلق على كل من أبطن خلاف ما يظهر مما يتضرر به وان لم يكن إيمانا وكفرا، وليس المراد الحصر بل هذا صدر منه صلى الله عليه وسلم باقتضاء المقام، ولذا ورد في بعض ثلاث وفي بعض أربع. قوله:(والتحريك أوجه الخ) يعني أنّ الفتح أكثر، وأفصح لأنه ورد جمعه على أفعال وأفعال في فعل المحرك كثير مقيس ووروده في الساكن نادو كفرخ، وأفراخ وزند وأزناد، وكونه استغنى بجمع أحدهما عن الآخر جائز لكنه خلاف الظاهر فلا يندفع به الترجيح وقوله: يخرجهم منه أي من الدرك فسره به لأنّ نصرة من دخلها يكون بذلك، وقوله: لا يريدون بطاعتهم إلا وجهه أي لا رياء الناس، ودفع الضرر كما في النفاق، وفسر المعية بعدهم من جملتهم في الدنيا، والآخرة وقوله: فيساهمونهم فيه أي يقاسمونهم، ولولا تفسيره بهذا لم يكن له في ذكر أحوال من تاب عن النفاق معنى ظاهراً. قوله:(أيتشفى به غيظاً أو يدفع به ضرا) التشفي إزالة ما في النفس من ألم الغيظ وغيظا تمييز، وقوله: بكفره متعلق بيعاقب لا بالمصر لأنه يتعدى بعلى. قوله: (لأن إصراره الخ) هذا
تمثيل بأن الإصرار كمرض! مهلك فإن عالجه المريض، وامتثل أمر الطبيب فاحتمى عن النفاق والآثام ونقى نفسه بشرية الإيمان، والشكر في الدنيا بريء، والا هلك هلاكا لا محيص عنه بالخلود في النار ولبعض الناس هنا كلام يتعجب منه. قوله:(وإنما قدم الشكر لأنّ الناظر الخ) يعني كان الظاهر تأخير الشكر لأنه لا يعتد به إلا بعد الإيمان، والواو وان لم
تفد الترتيب لكن تقديم ما ليس مقدماً لا يليق بالكلام الفصيح فضلا عن المعجز، ولدّا تراهم يذكرون لما يخالفه وجها، ونكتة، وهي هنا ما ذكره المصنف رحمه الله كغيره، وتوضحيحه أنّ العارف بالله أبا إسماعيل الأنصاري قال الشكر في الأصل اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم، وله ثلاث درجات لأنه إذا نظر إلى النعمة كالخلق والرزق ينبعث منه شوق إلى معرفة المنعم، وهذه الحركة تسمى باليقظة، والشكر القلبي، والشكر المبهم لأن منعمه لم يتضح له تعييبه، وإنما عرف منعماً ما فهو مبهم عليه فإذا تيقظ لهذا وفق لنعمة أرفع منها، وهي المعرفة بأنّ المنعم عليه هو الصمد الواسع الرحمة المثيب المعاقب فتتحرك جوارحه لتعظيمه، ويضيف إلى شكر الجنان شكر الأركان، ثم ينادي على ذلك الجميل باللسان فالمذكور في الآية هو الشكر المبهم، وهو مقدم على الإيمان. قوله:(مثبباً يقبل اليسير الخ) قال الإمام الشاكر في وصفه تعالى بمعنى كونه مثيبا على الشكر، وقوله: عليماً أي هو عالم بجميع الجزئيات، والكليات فلا يعزب عن علمه شيء فيوصل الثواب كاملا إلى الشاكر. قوله: الا يحب الله الجهر بالسوء) قال الطيبي لما فرغ من إيراد بيان رحمته وتقرير إظهار رأفته جاء بقوله: لا يحب الله الجهر بالسوء تتميما لذلك، وتعليما للعباد التخلق بأخلاق الله.
(قلت) الظاهر أنه لما ذكر الشكر على وجه علم منه رضاه به، ومحبة إظهاره تممه بذكر
ضده فكأنه قال إنه يحب الشكر واعلانه، ويكره السوء، وما ذكره لا محصل له، ولا تتم به المناسبة، وفيه احتباك بديع. قوله:(1 لآجهر من ظلا بالدعاء الخ) اختلف في هذا الاستثناء على وجوه منها ما ذكر هنا أنه متصل بتقدير مضاف مستثنى من الجهر، ومما لا حاجة إليه ما قيل إنه تعالى لا يحب الدعاء الخفيّ أيضاً على غير الظالم فتخصيص الجهر لا داعي له إلا سبب النزول المذكور لأنّ الدعاء الخفيّ على غير ظالم لا يصدر من عاقل إذ الدعاء إمّا للتشهي أو لرجاء القبول، وكلاهما غير متصوّر فيه وإنما ذكرنا هذا لتقيس عليه أخواته مما تركناه، وقوله: ضاف بمعنى نزل عليهم ضيفاً، ومصدره الضيافة، أمّا ما يفعله رب المنزل فهو الإضافة مصدر أضاف، ولذا قيل إنّ استعمال الضيافة بمعنى الإضافة غلط وقوله:(وروي الخ) هذا حديث أخرجه عبد الرزاق، وابن جرير عن مجاهد مرسلا. قوله:(وقرئ من ظلم على البناء للفاعل الخ) على هذه القراء الاستثناء منقطع، والمعنى لكن الظالم يحبه، وقدّره المصنف رحمه الله يفعل ما لا يحبه الله، وهو بيان لمحصل المعنى، ومراده أنّ الظالم يحبه فيفعله، وله تقديرات أخر، وهو منصوب، وترك ما ذكره الزمخشرفي من أنه منقطع مرفوع بالإبدال من فاعل
يحب حيث قال: ويجوز أن يكون من ظلم مرفوعا كأنه قيل لا يحب الله الجهر بالسوء إلا الظالم على لغة من يقول ما جاءني زيداً لا عمرو، بمعنى ما جاءني إلا عمرو، ومنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله لأنّ منهم من ردّه، ومنهم من قال لا يظهر له معنى قيل إنه غير صحيح لأنّ المنقطع قسمان قسم يتوجه إليه العامل نحو ما فيها أحد إلا حمار، وفيه لغتان النصب، والبدل وقسم لا يتوجه إليه العامل، والآية من هذا القسم إذ لا يصح أن يكون غير الظالم بدلاً من الله لأنّ البدل في هذا الباب بدل بعض حقيقة أو مجازاً، ولا يصح واحد منهما هنا، وكذا ما ذكره من المثال والآية، ولا نعلم هذا لغة، ولم يذكره غير سيبور رحمه الله فإنه أنثد أبياتاً في الاستثناء المنقطع منها:
عشية لاتغني الرماح مكانها ولا النبل إلا المشرفيّ المصمم
ثم قال، وهذا يقوّي ما أتاني زيداً لا عمرو وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها، ولا منها انتهى بحروفه قال أبو حيان: وليس البيت كالمثال لأنه قد يتخيل فيه عموم على معنى السلاح، وأمّا زيد فلا يتوهم فيه عموم، ولا يمكن تصحيحه الأعلى أنّ أصله ما أتاني زيد، ولا غيره فحذف
المعطوف لدلالة الاستثناء عليه، وكذا الآية الأخرى، ورد بأنه لو كان التقدير ما ذكره في المثال لكان الاستثناء متصلاً، وأنّ المراد جعل المبدل منه بمنزلة غير المذكور حتى كان الاستثناء مفرع، والنفي عام إلا أنه صرح بنفي بعض أفراد العام لزيادة اهتمام بالنفي عنه أو بكونه مظنة توهم الإثبات فيقولون ما جاءني زيد إلا عمرو، والمعنى ما جاءني إلا عمرو، فكذا ههنا المعنى لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم وذكر لزيادة تحقيق نفي هذه القضية عنه فإن قيل ما بعد إلا حينئذ لا يكون فاعلا، وهو ظاهر فتعين البدل وهو غلط قلنا بل إنما يكون غلطا لو لم يكن هذا الخاص في موقع العام، ولم يكن المعنى ما جاءني أحد إلا عمرو فإن قيل فيكون لفظ الله مجازاً عن أحد، ولا سبيل إليه قلنا لا يحب الله مؤول بلا يحب أحد وواقع موقعه من غير تجوّز في لفظ الله، ولهذا لم يجز الإبدال فيما إذا تعذر التأويل مثل لا عاصم اليوم إلا المرحوم، ويتعين الانقطاع كذا قيل، وفيه أنّ المستثنى منه إذا كان عاماً فإمّا بتقدير لفظ كما ذكره أبو حيان، وامّا بالتجوّز في لفظ العلم، وكلاهما مرّ ما فيه، ولا طريق آخر للعموم فما ذكره المجيب لا بد من بيان طريقه اللهم إلا أن يقال إنّ الاستثناء من العلم يشترط فيه أن يكون صاحبه أحق بالحكم بحيث إذا نفى عنه يعلم نفيه عن غيره بالطريق الأولى من غير تقدير، ولا تجوز فيقال هنا مثلا إذا لم يحب الله الجهر به، وهو الغنيّ عن جميع الأشياء فغيره لا يحبه بطريق من الطرق فتأمّله أو يقال يقدّر في الكلام ما ذكر لكنه عذ منقطعاً بحسب المتبادر، والنظر إلى الظاهر، وأمّا أنه ليس بلغة فكفى بثقل سيبويه سنداً له، ولا مانع من جعله على قراءة المعلوم متعلقا بالسوء أي الأسوء من ظلم فيحب الجهر به، ويقبله، وفي الإعراب له تفصيل فانظره.
قوله: (سميعاً لكلام المظلوم) الظاهر تعميم السمع، والعلم لكنه فسره بما ذكره لأنه
تذييل لما قبله فيقتضي تخصيصه به، وقوله، وهو المقصود إنما كان مقصوداً لأنّ ما قبله في ذكر السوء، والجهر به فمقتضى السياق لا يحب ألله الجهر بالسوء إلا من ظلم فإن عفا المظلوم عنه، ولم ياع على ظالمه فإنّ الله عفو قدير لكنه ذكر قبله إبداء الخير، واخفاء. توطئة للعفو عن السوء لأنه يعلم من مدح حالي الخبر السر، والعلانية أنّ السوء ليس كذلك جهراً واخفاء فينبغي العفو عنه، وتركه قال النحرير بعد الأعلام بأنه لا يحب الجهر بالسوء إلا جهر المظلوم حث على العفو بقوله: أو تعفوا عن سوء بعدما جوّز الجهر بالسوء، وأذن فيه وجعله محبوبا حيث استثناء من لا يدبئ، وإنما حث عليه لأجل الحث على الأحب الأفضل، وذكر إبداء الخير، واخفاءه بقوله: إن تبدوا خيرا أو تخفوه تشبيباً أي توطثة، وتمهيدا للعفو من شبب بثين معجمة، وباءين موحدتين في قصيدته إذا قدم على الغرض من المدح الغزل، ووصف الحسن، والجمال وإنما عطفه باو مع دخوله في الخير بقسميه للاعتداد به، والتنبيه على منزلته، وكونه من الخير بمكان مرتفع، وكانّ المراد بكون الجهر محبوبا أنه غير مكروه فيتناول المباح، والا فترك المندوب لا يكون أحب، وأفضل، وليس المراد أنه حينئذ هو المقصود، وأنه من قبيل، وملائكته، وجبريل لأنّ مثله يعطف بالواو لا بأو، ولذا حمل المصنف رحمه الله الخير على الطاعة، والبرّ مما هو عبادة، وقربة فعلية لتغاير العفو فالمراد بالتوطئة أنه ذكر ما هو مناسب له، وقدّم عليه وإنما المقصود بالسياق العفو. قوله:(ولذلك رنب عليه الخ) أي لو لم يكن الغرض هو العفو فقط، وكان إبداء الخير، وإخفاؤه أيضا مقصوداً بالشرط لم يحسن الاقتصار في الجزاء على كون الله عفوا قديرا. قوله:(فأنتم أولى بذلك) لأنّ القادر إذا عفا فغير القادر أولى إذ قد بضطرّ إلى العفو والاقتداء بسنة الله أولى بكم فلا يقال إنه تعالى لا يتضرر بالعصيان، ونحن نتأذى بالظلم فكيف يكون عفو المتأذى أولى وقوله:(وبعدما رخص) إشارة إلى أنّ الانتقام رخصة غير محبوبة، إلا فلا يكون العفو أحب لأنّ ترك المندوب لا يكون أحب إذ استثناء الجهر أفاد به أنه غير مكروه لا أنه محبوب كما مرّ فتأمّل. قوله:(بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله) يعني أنّ التفريق في اعتقاد الحقية لأحدهما دون الآخر لا يصح مع أنّ حقية أحدهما تستلزم حقية الآخر فالذين يكفرون بالله، ورسله هم الذين خلص كفرهم الصرف بالجميع، والذين يفرقون بينه وبين رسله هم الذين آمنوا بالله، وكفروا برسله لا عكسه، وإن قيل إنه
يتصوّر في النصارى لإيمانهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، وكفرهم بالله لجعلهم له شريكاً ولذا فإنّ
الكفر بالله شامل للشرك، والإنكار ولا يخفى بعده، والذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض هم الذين آمنوا ببعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكفروا ببعضهم كاليهود فهذه أقسام متقابلة كان الظاهر عطفها بأو، ولذا قيل إنها بمعنى أو أو الموصول مقدر بناء على جواز حذفه مع بقاء صلته. قوله:(طريقاً وسطا بين الإيمان والكفر الخ) الوسطية مستفادة من بين والإيمان، والكفر تفسير لذلك لأنه يشار به لمتعدد كما مرّ، ولذا أضيف إليه بين قيل، وهذا رأجع إلى يريدون الأوّل، وما بعده إذ الذين كفروا الأؤل من كفر بهما ليجمع جميع الأقسام، ولو فسر بالأعم، وجعل ما بعده مفسراً له صح، وقو! له: كالكافر بالكل قال النحرير لما سبق من أنّ طريق الإيمان هو المعجزة فالكفر بالبعض اإنكار لها، وتكذيب، وهو يستلزم الكفر بالجميع وقوله: فماذا بعد الحق إلا الضلال إشارة إلى أنه لا واسطة بينهما. قوله: (هم الكاملون في الكفر الخ) اعتبر الكمال ليكون الخبر مفيداً، وليصح الحصر، وقد يقال هو مستفاد من توسيط الفصل، وتعريف الجنس. قوله:(مصدر مؤكد لغيره) قد قدمنا الفرق بين المؤكد لغيره والمؤكد لنفسه، وعامله محذوف على هذا ومذكور على ما بعده، وقوله: يقينا محققاً دفع لما قيل عليه أنه كيف يكون الكفر الباطل حقاً بأن حقاً ليس هو مقابل الباطل بل المراد به ما لا شك فيه، وأنه مقطوع به، وأشار بقوله محققا إلى أنه بمعنى اسم المفعول، ولذا وقع صفة. قوله:(أضدادهم ومقابلوهم الخ) يعني أنّ المؤمنين المذكورين مقابل وصف الذين كفروا بالله ورسوله بأقسامهم، وهو بيان للمعنى واشارة إلى ما فيه من الطباق، وقيل: إنه بيان لأنه هو الخبر المقدّر، والظاهر أنّ الخبر قوله: أولئك الخ وقوله: وإنما دخل بين الخ. مرّ تفصيله في قوله لا نفرق بين أحد من رسله. قوله: (الموعودة) إشارة إلى أنّ الإضافة للعهد، وقوله:(وتصديره بسوف لتثيد الوعد الخ) أي الموعود والذي هو الإيتاء لا الأخبار بأنه متأخر إلى حين بناء على أنّ المضارع موضوع للاستقبال فدخول حرف الاستقبال عليه لا يكون إلا لتأكيد إثباته كما أن لا يفعل لما
كان لنفي الاستقبال كأن لن يفعل لتأكيد ذلك، وهذا معنى قول سيبويه بل يفعل نفي سوت يفعل وان كان ظاهر عبارته أنه لنفي التأكيد، وقوله: لا محالة بيان للتأكيد، وتلوين الخطاب المراد به الالتفات من التكلم للغيبة، والتلوين جعله لوناً بعا- دون للتطرية، وهو كالتفنن أعئم من الالتفات، وقوله: بتضعيف حسناتهم إشارة إلى تعلقه بقوله سوف نؤتيهم أجورهم، وأنهم يزادون على ما وعد والسعة رحمته. قوله:(قالوا إن كنت صادقاً الخ (لما كان أتى بكتاب، وهو القرآن، ومنهم من يعلمه، ومنهم من يسمع به فلا بد أن يكون ما سألوه تعنتا مخالفاً له إمّا بكونه جملة، وهو منجم أو بكونه بخط سماويّ أو معاينة نزوله أو ذكرهم بأعيانهم فما فسره به مدلول عليه بقرينة الحال فلا يقال إنه من أين أخذ هذا التقييد، ولا قرينة عليه، وأفا كون تنزل دالاً على التدريج كما مرّ فكيف يكون ما سألوه جملة فليس مطلقا أو مطرداً كما مر، وقوله: إن كنت صادقا رواه الطبري بمعناه. قوله: (جواب شرط مقدّر الخ (يعني أنّ الفاء في جواب شرط مقدر والجواب مؤوّل كما أشار إليه، والتقدير إن استكبرت هذا، وعرفت ما كانوا عليه تبين لك رسوخ عرقهم في الكفر فلا يرد عليه أنّ سؤال ا! بر فيما مضى لا يترتب على استكباره صلى الله عليه وسلم، وقيل إنها سببية والتقدير لا تبال ولا تستكبر فإنهم قد سألوا موسى-تجيح! أكبر! ت ذلك، وقرأ الحسن رحمه الله أكثر بالمثلثة. قوله:) وإن كان من آبائهم الخ (الهدى بالسكون السيرة، والطريقة واسناد ما للأصل إلى الفرع من قبيل إسناد ما للسبب للمسبب فسقط ما قيل أنّ الآخذ بمذهب الفاعل الحقيقيّ لم يعد من ملابساته في كتب المعاني لكن صاحب الكشاف اعتبره في هذا المقام أيضاً، وقد يجعل من إسناد فعل البعض إلى الكل بناء محلى كى (أالاتحاد نحو قومي هم قتلوا أمما أخر فيكون المراد بضمير سألوا جميع أهل الكتاب لصدور أنسؤال عن بعضهم، واقترحوه بمعنى ابتدعوه واخترعوه. قوله:) أي أرناه نره جهرة الما كانت ا! جهرة صفة الرؤية كما في كتب اللغة لا الإراءة اقتضى ذلك تقف ير ما ذكره، وأشار إلى أنه صفة مصدر رأى رؤية
لا قولاً جهرة، وسؤالاً جهرة كما قيل، ويحكح أن يكون حالاً من مفعول أرنا الأؤل أي مجاهرين، ومعاينين ولا وجه لما قيل إنّ تقديره بعيد عن الفهم، والظاهر أنه مصدر الإراءة في الحقيقة إمّا من لفظه بتقدير إراءة عيان أو من غير لفظه أي رؤية عيان، ويحتمل الحائية من المفعول الثاني أي معايناً على صيغة المغعول، ولا لبس فيه لاستلزام كل منهما الآخرفلا يربتا اط
إنه يتعين أنه حال من الثاني لقربه منه. قوله: (نار جاءت من قبل السماء فأهلكتهم) أشار بهم إلى أنّ أخذتهم مجاز عما ذكر، وقوله وذلك لا يقتضي الخ ردّ على الزمخشرفي لأنه ينكر الرؤية لأن إنكار طلب الكفار لها في الدنيا تعنتاً لا يقتضي امتناعها مطلقا وهو ظاهر. قوله:(والبينات الخ) أي لا يصح إرادة التوراة لأنها نزلت بعد ذلك كما سيأتي فالمراد المعجزات أو الحجج الواضحة، وقوله:(تسلطا) إشارة إلى أنه مصدر، وأنّ مبيناً من أبان بمعنى ظهر وقوله:(مل) بضم الميم، وبكسر الطاء المهملة، وتشديد اللام بمعنى مثرف قيل إن السلطان المبين كان قبل العفو لأنّ قبول القتل كان توبة لهم، ولا محذور فيه لأنّ الواو لا تقتضي الترتيب، ولو فسر التسلط بما بعد العفو من قهرهم حتى انقادوا له، ولم يتمكنوا من مخالفته لم يرد عليه شيء. قوله:(وقرأ ورش عن نافع لا تعدّوا الخ) يعني بفتح العين وتشديد الدال وروي عن قالون تارة سكون العين سكوناً محضاً، وتارة إخفاء لفتحة العين فأمّا الأولى فأصلها تعتدوا لقوله:{اعتدوا منكم في السبت} [سورة البقرة، الآية: 65] فإنه يدل على أنه من الاعتداء وهو افتعال من العدوان فأريد إدغام تائه في الدال فنقلت حركتها إلى العين وقلبت دالاً وأدغمت، وهذا واضح، وأمّا السكون فشيء لا يراه النحويون للجمع بين ساكنين على غير حدهما والإخفاء، والاختلاس أخف منه وقرأ الأعمش تعتدوا على الأصل. قوله:) على ذلك وهو قولهم سمعنا وأطعنا) في الكشاف، وقد أخذ منهم الميثاق على ذلك، وقولهم: سمعنا وأطعنا، ومعاهدتهم على أن يتموا عليه ثم نقضوه بعد قيل، وقولهم معطوف على الميثاق فيتحد كلامه، وكلام المصنف، ولذا صرح به ومآل كلام المصنف يخالفه لأنه جعل الميثاق الغليظ معاهدتهم معاهدة مؤكدة على السمع والطاعة، والمصنف رحمه الله جعله نفس قولهم سمعنا وأطعنا لأنه ميثاق ووجه كونه غليظاً قيل يؤخذ من تعبيره بالماضي، وفيه تأمّل. قوله: (فخالفوا ونقضوا
الخ) يشير إلى أنّ في الكلام مقدراً وأنّ الجار والمجرور متعلق بمقدر، وهو ما ذكر وفي الكشاف وما مزيدة للتأكيد فإن قلت بما تعلقت الباء، وما معنى التأكيد قلت إمّا أن تتعلق بمحذوف كأنه قيل فبما نقضهم ميثاقهم فعلنا بهم ما فعلنا، وإمّا أن تتعلق بقوله حرّمنا عليهم على أنّ قولهم فبظلم من الذين هادوا بدل من قوله فبما نقضهم ميثاقهم، وأمّا التوكيد فمعناه تحقيق أنّ العقاب أو تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد، وما عطف عليه، وظاهره أنّ زيادة ما للتأكيد، وأنّ معنى التأكيد الحصر، وهو مشكل لأنّ الحصر إنما يفيده التقديم على العامل الملفوظ أو المقدّر، وكذا قيل في تأويله كما مرّ في نظيره إنّ في كلامه تقديراً يعني، وأمّا التوكيد، والتقديم على العامل، ولا يخفى أنّ عبارته هنا منادية على خلافه، والحق عندي إبقاؤه على ظاهره، وأنّ مراده أنّ ما مزيدة لتأكيد السببية، وأنه سبب قويّ، وقوته تفيد الحصر لأنه لا يخلو إما أن لا يكون له سبب آخر أو يكون، وعلى الأوّل يتمّ المقصود، وعلى الثاني فلا يخلو إما أن يكون داخلَا فيه فكذلك أو خارجاً عنه منضماً إليه فإمّا أن يكون له مدخل في السببية أولا فعلى الثاني لا حاجة للضم، وعلى الأوّل لا يكون قويا لاحتياجه إلى ما ضم إليه أو مستقلاً فيكون مثله في الاستقلال بالسببية وحينئذ لا يكون لجعل هذا سببا قويا وجه بحسب الظاهر، ولا بدع في إفادة التوكيد للحصر بمعونة المقام فافهم فإنه مما غفلوا عنه. قوله:(ويجوز أن تتعلق بحرمنا الخ) ترك قول الزمخشري أنه على هذا يكون قوله فبظلم بدلاً لما قيل عليه إنه جعله بدلاً، ولم يجعله معطوفاً على السبب الأوّل كما جنح إليه المصنف رحمه الله لظهور أنه متعلق بقوله حرمنا على معنى السببية، ولا يتأتى ذلك بعد جعل المتعلق، والسبب هو قوله فيما نقضهم إلا بأن يكون هو بدلاً كما في قولك بزيد بحسنه فتنت، ومبناه على أنّ الفاء في فبظلم تكرار للفاء في فيما نقضهم عطفا على أخذناش! م ميثاقا غليظاً أو جزاء لشرط مقدر أما لو جعلت للعطف على بما نقضهم كقولك
بزيد وبحسنه فتنبت أو ثم بحسنه لم يحتج إلى جعله بدلاً ولا يخفى أنّ هذا الإبدال بعيد لفظا لطول اأغصل، ولكونه من إبدال الجار والمجرور مع حرف العطف أو الجزاء مع القطع بأنّ المعمول هو الجار والمجرور فقط، ومعنى لدلالته على أنّ تحريم بعض الطيبات مسبب عن مثل هذه الجرائم العظيمة، ومترتب عليها، وأيضا قيل عليه أنّ المعطوف على السبب سبب فيلزم تأخر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم عن التحريم فلا يكون سببا، ولا جزء سبب إلا بتأويل بعيد لأنّ قولهم على مريم بهتانا! ظيما، وقولهم إنا قتلنا المسيح متأخر زمانا عن تحريم الطيبات فالأولى أن يقدر لعناهم كما ورد مصرحا به، وأمّا الجواب بأنّ الفاء تقارن البدل إذا طال الفصل كما ذكره الزجاج، وغيره وأنّ دوام التحريم في كل زمان كابتدائه فتكلف لا داعي إليه. قوله:(فيكون التحريم بسبب التقض الخ) عدل عن قول الزمخشريّ فلا يكون التحريم إلا بسبب النقض لما قيل عليه أنّ إفادة هذا التركيب الحصر مشكل لأنّ التركيب حينئذ من قبيل مررت بزيد وبعمرو، وقد اتفقوا
على أنه لا يجوز في مثله قصد التخصيص، وفيه بحث لأنه إنما يتجه لو كان الحصر مأخوذاً من التقديم أما لو كان من التأكيد كما سمعت فلا لأنه مثل إنما بزيد مررت وبعمرو. قوله:(لا بما دل عليه قوله بل طبع الله الخ) حاصله كما في الكشاف أن الجار لا يتعلق بطبع، ولا بلا يؤمنون مقدراً هو نفسه أو ما يدل عليه بقرينة قوله:{بل طغ الله عليها بكفردم فلا يؤمنون} [سورة النساء، الآية: 1155 وقوله: {مثل لا يؤمنون} أي كما أنه لا يصح تعلقه بما دل عليه طبع لا يصح تعلقه بما دل عليه لا يؤمنون، وهذا رد لأبي البقاء، وغيره ممن جوّز هذا، ووجهه أنه ردّ لقولهم قلوبنا غلف واضراب عنه فيكون متصلاً به معنى، ومتعلقاً به، وما هو متعلق بالمجرور. ولا يصح عمله في الجار لفظآ، ومعنى وما لا يعمل لا يفسر عاملا لأنّ المفسر قائم مقام المفسير فلا يجوز مثل بزيد المار على أنّ المار عامل في بزيد أو مفسر لعامله، وهذأ معنى قوله من صلة وقوله: (صلة) مضاف إلى وقولهم إذ المراد به لفظه، وإنما قرنه بالواو لدفع اللبس لأنه لو قال من صلة قولهم لتوهم أنه صلة ما قالوه كما هو المتبادر لا هذا اللفظ فلا غبار فيه، ولا يرد عليه أنّ قوله، وقولهم مضاف إليه صلة فكان الأولى من صلة قولهم بدون واو، وأنه يقتضي أنّ الجار معمول فالأولى فلا يتعلق به جاره وضمير جاره للمجرور وهو قولهم قال النحرير هذا التقدير لا يصح لتوقفه على أن يكون بل طبع الله متعلقا بذلك المحذوف عطفا عليه بمعنى بل طبع الله عليها بنفس كفرهم فكيف إذا انضم إليه النقض، والقتل ليكون قرينة على ذلك المحذوف لكن ليس الأمر كذلك لأنه متعلق بقولهم قلوبنا غلف رذاً له، وانكاراً كما يفصح عنه قوله تعالى: {وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم} [صورة البقرة، الآية: 88] فلا يكون متعلقا بذلك المحذوف ولا دليل عليه بل استطراد ناظر إلى قولهم قلوبنا غلف عطفا على مقدر أي لم يخلق قلوبهم غلفا بل طبع الله عليها، ولأبي حيان هنا كلام مختل في بيان هذا الوجه تركناه خوف الإطالة بغير طائل. قوله:(أو بما جاء في كتابهم) لتحريفه، وانكاره، وعدم العمل به. قوله:(أوعية للعلوم أو في كنة الخ) أي هو إما جمع غلاف بمعنى الظرف، وأصله غلف بضمتين فخفف اي هو أوعية للعلم في غنية بما فيها عن غيره أو جمع أغلف كقولهم: سيف أغلف أي في غلاف فيكون كقوله: {وقالوا قلوبنا في كنة مما تدعونا إليه} [سورة فصدت، الآية: 5] لا تعيه، ولا تسمعه للحجاب المانع من وصوله إليها خلقة. قوله:(فجعلها محجوية عن العلم أو خذلها الخ) الوجه الأوّل ناظر إلى تفسير الغلف الأوّل أي قالوا قلوبنا مملوءة بالعلم فأبطله بأنها مطبوع عليها أي محجوبة عن العلم لم يصل
إليها شيء منه كالبيت المقفل المختوم عليه، والثاني إلى الثاني لأنهم قالوأ إنها في كنة، وحجب خلقية فلا جرم لنا في عدم قبول الحق فأضرب عنه بأنه ليس أمراً خلقيا بل كسبي لأنهم بسبب كفرهم خذلهم الله، ومنعهم مما ذكر فلا يتدبرون، وقتلهم الأنبياء بغير حق مرّ تحقيقه. قوله: " لا قليلَا منهم الخ) قيل في ردّ هذا الوجه قليلاً صفة مصدر أو زمان محذوف أي إلا إيماناً أو زمانا قليلاً، ولا يجوز نصبه على الاسنثناء من فاعل يؤمنون أي إلا قليلَا منهم فإنهم يؤمنون لأنّ ضمير لا يؤمنون عائد على المطبوع على قلوبهم، ومن طبع على قلبه بالكفر لا يقع منه إيمان، والجواب
أنّ المراد بما مز الإسناد إلى الكل ما هو للبعض باعتبار الأكثر فتأمّل أو المراد بالإيمان القليل التصديق ببعضه كنبوّة موسى صلى الله عليه وسلم، وهو لا يفيد لأنّ الكفر بالبعض كفر بالكل كما مرّ. قوله:) وهو معطوف على بكفرهم لأنه من أصباب الطبع) دفع لما يتوهم من أنه من عطف الشيء على نفسه، ولا فائدة فيه بوجوه منها أنه إن عطف على بكفرهم الذي قبله، وهو مطلق، وهذا كفر بعيسى فهو إشارة إلى أنّ الكفر المطلق سبب للطبع كالمخصوص فلذا عطف للإيذان بصلاحية كل منهما للسببية، وان عطف على فبما نقضهم فظاهر، وان عطف مجموع هذا، وما بعده على مجموع ما قبله لا يلزم المحذور أيضا لمغايرة المجموع للمجموع، وإن لم يغاير بعض أجزأئه بعضاً لأنّ النظر إلى المجموع كقوله: هو الأوّل والآخر والظاهر، والباطن أو يعتبر التغاير بين ما كفروا به في المواضع الثلاثة، ويصح أيقحاً عطف هذا المجموع على قوله: بكفرهم ذكره الإمام، وجميع المحققين. قوله:(أي بزصمهم الخ الما كان القائلون اليهود، وهم لا يقرّون برسالة عيسى صلى الله عليه وسلم أوّل بأنّ تسميته رسولاً بناء على قوله، وإن لم يعتقدوه أو هو استهزاء وتهكم، ومثل له بإطلاق الرسول، وكونه أرسل في الآية الأخرى أو أنهم لم يصفوه بذلك بل بغيره من صفات الذم فغير في الحكاية فيكون من الحكاية لا من المحكي أو هو كلام مستأنف معترض في البين لمدحه أي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (روي أنّ رهطاً من اليهود الخ) أخرجه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما، والقاء
الشبه أن يجعله الله في صورته متمثلا كتمثل جبريل عليه الصلاة والسلام بصورة دحية رضي الله عنه وقوله: (فقام رجل منهم) أي من أصحابه، وقبل ذلك وقوله:(وقيل كان رجلَا) أي كان الملقى عليه الشبه أو المقتول رجلاً ينافق عيسى صلى الله عليه وسلم، ووقع في بعض نسخ الكشاف كان رجل بالرفع وهي أظهر من الأولى لاحتياجها للتأوبل، وأمثال ذلك مبتدأ من الخوارق خبره. قوله:(طيطانوس) اسم عبراني بطاءين مفتوحتين مهملتين بينهما مثناة تحتية ساكنة ثم ألف، ونون مضمومة تليها وسين مهملة، وفي نسخة ططيانوس بطاءين، ومثناة تحتية. قوله:(وإنما ذمهم الله الخ) أي أنه إذا ألقى عليه الشبه كان عندهم، وفي مبلغ علمهم عيسى عليه الصلاة والسلام فما ذكروه ليس كذبا يذم به لأنه على مبلغ علمهم فذمهم ليس بذلك بل بما تضمنه مما ذكره قوله:(وشبه مسند إلى الجار والمجرور الخ) إن أسند الفعل للجار والمجرور فالمراد وقع لهم تشبيه بين عيسى صلى الله عليه وسلم، ومن صلب أو هو مسند لضمير المقتول الذي دل عليه إنا قتلنا أي شبه لهم من قتلوه بعيسى أو الضمير للأمر، وشبه من الشبهة أي التبس عليهم الأمر ومن فسره بهذا بناه على أنه لم يقع ولا صلب أصلاً وإنما وقع إرجاف وأكاذيب، وليس المسند إليه ضمير المسيح صلى الله عليه وسلم لأنه مشبه به لا مشبه، والإرجاف أصل معناه الاضطراب ثم شاع فيما شاع من الكذب، وثم بالفتح اسم إشارة، وترسم بالها. قوله:(في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام الخ) بيان للمعنى لأنّ الاختلاف ليس في ذاته بل في أمره، وقوله: فقتلناه حقا لا ينافي ما سيأتي من الشك لأنه بمعنى التردّد الواقع فيما بينهم لا أنّ كل أحد منهم شاك، وكذا قول من
سمع منه أنه يرفع والظاهر أنّ هؤلاء ليسوا من اليهود. قوله: (صلب الناسوت وصعد اللاهوت) هؤلاء الحلولية منهم القائلون بأن الله حل فيه وحين صلب انفصل عنه، وبقي جسمة قال الواحدي في شرح ديوان المتنبي يقولون لله لاهوت، وللإنسان ناسوت، وهي لغة عبرانية تكلمت بها العرب قديماً انتهى. قوله:(والشك كما يطلق الخ) أصل الشك أن يستعمل في تساوي الطرفين، وقد يستعمل في لازم معناه، وهو التردّد مطلقاً وان ترجح أحد طرفيه، وهو المراد هنا ولذا أكده بنفي العلم الشامل لذلك أيضاً بقوله: ما لهم به من علم الخ. قوله:) استثناء منقطع الخ) لأنّ الظن المتبع ليس من العلم في شيء فإن فسر العلم بما ذكره كان متصلا لكنه خلاف المشهور، ولذا أخره وممن ذهب إلى اتصاله ابن عطية رحمه الله، وأمّا ما قيل إنّ اتباع الظن ليس من العلم قطعاً فلا يتصوّر اتصاله. فعلم مما مرّ دفعه لأن من قال به جعله بمعنى الظن المتبع وفي ضمير قتلوه وجوه فالظاهر أنه لعيسى عليه الصلاة والسلام، والمعنى ما قتلوه قتلاً يقينا فيقينا صفة
مصدر محذوف أو حال بتأويله بمستيقنين، ولا يرد عليه أنّ نفي القتل المتيقن يقتضي ثبوت القتل المشكوك لأنه لنفي القيد، والمقيد أو لنفي القيد، ولا مانع من أنه قتل في ظنهم فإنه يقتضي أنه ليس في نفس الأمر كذلك، وقيل هو راجع إلى العلم لمواليه ذهب الفراء، وابن قتيبة أي، وما قتلوا العلم يقيناً من قولهم قتلت العلم، والرأي، وقتلت كم اعلماً، وهو مجاز كما في الأساس، ويقال نحره علماً أيضاً ومنه نحرير للحاذق، وقال الأصمعي: نحرير كلمة مولدة وردّه الجواليقي وقال ورد في الشعر القديم كقوله:
يوم لا ينفع الرواغ ولا يف ط م إلا المشبع النحرير
وهي مشتقة من النحر كأنه نحر الأمور باتقانه كما يقال قتله خبراً قال:
قتلتني الأيام حين قتلتها خبراً فأبصرقاتلامقتولا
لأنّ من قتل فقد استعلى وغلب وتصرّف، وقيل: العلاقة التطهير بنفي الدماء،
والرطوبات، وهو بعيد، وقال الرضي في بحث المركبات النحر يكون بمعنى الإظهار لأنّ النحر يتضمنه ومنه قتلته خبراً، وقولهم للعالم نحرير لأن القتل، والنحر يتضمن إظهار ما في باطن الحيوان، وقيل الضمير للظن أي، وما قطعوا الظن يقيناً وهذا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، والسدي، وقيل: إنه متعلق بما بعده أي بل رفعه الله رفعاً يقينا ورد بأنّ ما بعد بل لا يتقدم عليها والبيت المذكور لم أر من عزاه وبقنا بفتحتين بمعنى يقيناً. قوله: (أي وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به الخ) إن هنا نافية بمعنى ما وفي الجار والمجرور وجهان أحدهما أنه صفة لمبتدأ محذوف، والقسم مع جوابه خبر، ولا يرد عليه أنّ القسم إنشاء لأن المقصود بالخبر جوابه وهو خبر مؤكد بالقسم، ولا ينافيه كون جواب القسم لا محل له لأنه لا محل له من حيث كونه جواباً فلا يمتنع كونه له محل باعتبار آخر لو سلم أنّ الخبر ليس هو المجموع، والتقدير، وما أحد من أهل الكتاب إلا والله ليؤمنن به فهو كقوله:{وما معنا إلا له مقام معلوم} [صورة الصافات، الآية: 164] ورجح هذا الوجه والثاني واليه ذهب الزمخشري وأبو البقاء، والمصنف رحمه الله أنّ جملة القسم صفة موصوف محذوف تقديره وأن من أهل الكتاب أحدا لا ليؤمنن به، وقيل عليه إنّ الصواب هو الوجه الأوّل لأنه لا ينتظم من أحد والجار، والمجرور إسناد لأنه لا يفيد، وكونه لا فائدة فيه ليس بشيء إذ معناه كل رجل يؤمن به قبل موته من أهل الكتاب نعم معناه على الوجه الآخر كل رجل من أهل الكتاب يؤمن به قبل موته، والظاهر أنه هو المقصود، وأنه أتم فائدة، والاستثناء مفرغ من أعمّ الأوصاف. قوله:(ويعود إليه الضمير الثاني الخ) أي إلى أحد، وتزهق روحه بمعنى تخرج، وقال الراغب زهوق الروج خروجها أسفاً على شيء ويؤيد كون الضمير لأحد الذي يكون للجمع، وغيره كما مرّ أنه قرئ ليؤمنن بضم النون، وأصله يؤمنونن، وضمير الجمع لا يعود لعيسى عليه الصلاة والسلام ظاهرا ومعاجلة الإيمان مبادرته، وهو الصحيح، وفي نسخة معالجة الإيمان أي جبر نفسهم عليه، وتمرينها على الحق، والمراد بالاضطرار إيمان الناس، والإلجاء، وهو لا يفيد لأنه ملحق بالبرزح فينكشف لكل الحق، ويظهر له حتى يؤمن به كما هو حقه، وقصة الحجاج، واستشكاله هذه الآية بمن شاهد! ن! هم يقتل، ويحرق ونحوه، ولا يقز بذلك مفصلة في الكشاف، وقدّر أحد على قراءة الجمع، ولم يقدر جمعا صريحاً لشيوعه في الاستثناء ملفوظا
مراداً به الجمع فحمل المقدر عليه فتأمّل، ومعنى الوعيد أنّ ذلك الأمر الذي يتحرّزون عنه كائن لا محالة، وقراءة الجمع لا تعين ذلك الاحتمال في القراءة الأخرى إن قلنا بجواز تخالف القراءتين معنى، والا ففيه نظر ورجوع الضمير إلى عدم قتله خلاف الظاهر وان قيل به. قوله:(روي أنه عليه الصلاة والسلام ينزل الخ) هذا الحديث رواه أبو داود وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه دون قوله: فلا يبقى أحد من أهل الكتاب الخ. وروى هذه الزيادة ابن جرير، وصححه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوقا، وكونه يمكث أربعين سنة استشكله الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه الله بأنه ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه يمكث في الأرض سبع سنين، وجمع بين الروايتين بأن رواية مسلم لبيان مذة مكثه بعد نزوله من السماء، والرواية الأخرى لبيان مجموع إقامته قبل الرفع وبعده فإنه رفع، وهو ابن ثلاث، وثلاثين سنة فإذا نزل مكث سبع سنين فيكون مدة لبثه في الدنيا أربعين
سنة، ولفظ مسلم يبعث الله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فيطلبه فيهلك أي الدجال ثم يلبث الناس بعد. سبع سنين ليس بين اثنين عداوة قال البيهقي ويحتمل أيضاً قوله ثم يلبث الناس بعد. أي بعد موته فلا تكون هذه الرواية مخالفة للرواية الأولى، ورجح هذا الجمع على الأوّل بأنّ الرواية ليست نصاً في لبث عيسى صلى الله عليه وسلم وتلك نص فيها، وقوله بعده وثم صريح فيه والرواية الأولى مشهورة مروبة من طرق كثيرة، ولم يخالفها غير رواية مسلم فينبغي تأويلها، ثم اختلف في محل دفنه عليه الصلاة والسلام، فقيل: يدفن في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وان محله فيها معدله، ورد فيه أثر وقيل في بيت المقدس، وقوله: ويوم القيامة الخ يدل على جواز تقدم خبر كان مطلقا أو إذا كان ظرفا لأن المعمول إنما يتقدم حيث يصح تقديم عامله، والضمير في يهون لعيسى عليه الصلاة والسلام، وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو خلاف الظاهر، ولذا لم يذكره المصنف رحمه الله. قوله:(فبأيّ ظلم الخ) أخذ التعميم من التنوين، وليس مراده أنّ له صفة محذوفة كما قيل، وترك ذكر الحصر لما مرّ، وقوله وعلى الذين هادوا الخ المحرّم هو ما سيأتي في الأنعام مفصلاً فإن قيل التحريم كان في التوراة، ولم يكن حينئذ كفر بعيسى، ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وصد عن سبيل الله.
قيل المراد استمرار التحريم، وجعل الزمخشري الصد وا! ل ونحوهما بياناً للظلم قال
النحرير: رحمه الله هو لدفع ما يقال إنّ العطف على المعمول المتقدم ينافي الحصر مثل مررت بزيد وبعمرو، ومن جعل الظلم بمعناه كما في قوله تعالى:{ذلك جزيناهم ببنيهم} وجعل بصدهم متعلقاً بمحذوف فلا إشكال عليه.
(قلت) ومنه يعلم تخصيص ما ذكره أهل المعاني من أنه مناف للحر بالاتفاق إذ المراد إذا
لم يكن الحصر مستفاداً من غير التقديم، ولم يكن الثاني بياناً للأوّل كما إذا قلت بذنب ضربت زيداً، وبسوء أدبه أي لا بغير ذنب فافهمه فإنه من النفائس. قوله:(ناساً كثيرا (أي هو صفة مفعول صدّ مقدراً أو صفة مفعول مطلق فينتصب على المصدرية، وقيل إنه منصوب على الظرفية أي زماناً كثيراً، وإنما لم تعد الباء في أخذهم، ونحوه، وأعيدت في غيره لأنه فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما ليس معمولاً للمعطوف عليه، وحيث فصل بمعموله لم تعد، وجملة، وقد نهوا حالية ووجه الدلالة على أن النهي للتحريم أنه تعالى توعد على مخالفته، وهو ظاهر. قوله: (نصب على الماخ إن جعل يؤمنون الخبر) كما مرّ، وقد جؤز فيها أن تكون جملة حالية أيضاً، وليست مؤكدة لتقييدها بقيد ليس في الأوّل، ولعدم دلالتها على الرسوخ في العلم، وإليه أشار بقوله أن جعل الخ. وقد أشكل هذا على من قال: لا وجه لتقييد النصب بذلك الجعل فإنه منصوب على المدح مطلقا وخبط بعضهم في توجيهه، وما ذكره المصنف رحمه الله بعينه كلام الكسائي قال مكي من جعل نصب المقيمين على المدح جعل خبر الراسخين يؤمنون فإن جعل الخبر أولئك سنؤتيهم لم يجز نصب المقيمين على المدح لأنه لا يكون إلا بعد تمام الكلام لكن قال النيسابوري رحمه الله طعن الكسائي في القول بالنصب على المدح بأنه يكون بعد تمام الكلام، وهنا ليس كذلك لأنّ الخبر أولئك، والجواب أنّ الخبر يؤمنون ولو سلم فما الدليل على أنه لا يجوز الاعتراض بين المبتدأ وخبره، ولما رأى الزمخشرفي ما فيه لم يصرّح بما ذكره المصنف رحمه الله، وكان وجه ما ذكروه أنّ القطع في العطف في قوّة الاتباع لأنه الأصل فيه ومقتضى العطف على المبتدأ أن يكون الخبر المذكور بعده للمبتدأ، وما عطف عليه، وكذا الضمير العائد فيه، وبعد الأخبار عنه لا يصح قطعه لكن حكى ابن عطية رحمه الله عن قوم منع نصبه على القطع من أجل حرف العطف، والقطع لا يكون في العطف إنما ذلك في النعوت، ولما استدل النحاة رحمهم الله بقوله:
لايبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر
على جواز القطع فرق هذا القائل بأن البيت لا عطف فيه لأنه قطع فيه النازلين فنصب، والطيبون
فرفع على قوله قومي، ولا وجه للفرق مع ما أنثده سيبويه للقطع مع حرف العطف من قوله:
ويأوي إلى نسوة عطل وشعثامراضيع مثل السعالى
فنصب شعثا، وهو معطوف، وقد تقدم لنا كلام في هذا في سورة البقرة، ولعل القطع
ليس مثل الاعتراض من كل الوجوه لما فيه من ملاحظة التبعية فلا يرد ما ذكره النيسابوري رحمه الله، وبعد كل كلام فما ذكره المصنف رحمه الله قاله السلف فالعهدة فيه عليهم فليحرر. قوله:(أو عطف على ما أنزل إليك الخ) هذا وجه آخر في إعرابه، وهو أنه مجرور معطوف على ما أنزل، والمعنى يؤمنون بالمقيمين، والمراد بالمقيمين حينئذ الأنبياء، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم قيل، وليس المراد بإقامة الصلاة على هذا أداؤها بل إظهارها بين الناس، وتشريعها، وقيل المراد بالمقيمين الملائكة لقوله يسبحون الليل، والنهار لا يفترون وقيل المسلمون بتقدير مضاف أي وبدين المقيمين، وفيه أقوال أخر فقيل معطوف على ضمير منهم، وقيل ضمير إليك أو ضمير قبك، وهذا أبعدها، وفي الكشاف، ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب، ولم يعرف مذاهب العرب فيما لهم من النصب على الاختصاص من الافتنان وغبى عليه أنّ السابقين الأوّلين الذين مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كانوا أنفذ همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم وخرقا يرفوه من يلحق بهم اص.
وقيل عليه لا كلام في نقل النظم تواتر فلا يجوز اللحن فيه أصلاً وهل يمكن أن يقع في الخط لحن بأن يكتب المقيمون بصورة المقيمين بناء على عدم تواتر صورة الكتابة وما روي عن عثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهما أنهما قالا إنّ في المصحف لحناً، وستقيمه العرب بألسنها على تقدير صحة الرواية يحمل على اللحن فى الخط لكن الحق رد هذه الرواية وإليه أشار بقوله:(إن السابقين الأولين الخ)
أقول: هذا إشارة إلى ما نقله الشاطبى رحمه الله فى الرائية وبينه شراحه وعلماء الرسم (العثماني بسند متصل إلى عثمان رضي الله تعالى عنه أنه لما فرغ من المصحف أتى به إليه فقال قد أحسنتم، وأجملتم أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، ولو كان المملي من هذيل، والكاتب من قريش لم يوجد فيه هذا.
قال السخاوي، وهو ضعيف، والإسناد فيه اضطراب، وانقطاع لأنّ عثمان رضي الله تعالى عنه جعل للناس إماما يقتدون به فكيف يرى فيه لحناً، ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها، وقد كتب مصاحف سبعة وليس فيها اختلاف قط إلا فيما هو من وجوه القراآت، وإذا لم يقمه هو، ومن باشر الجمع كيف يقيمه غيرهم وتأوّل قوم اللحن في كلامه على تقدير صحته عنه بأن المراد الرمز والإيماء كما في قوله:
منطق رائع وتلحن أحيانا وخير الكلام ماكان لحنا
أي المراد به الرمز بحذف بعض الحروف خطاً كألف الصابرين مما يعرفه القراء إذا رأوه،
وكذا زيادة بعض الحروف، والوجوه المذكورة في الرفع، وما عطف عليه ظاهرة، وعلى عطفه على ضمير يؤمنون تقديره المؤمنون يؤمنون هم والمقيمون الصلاة لا يؤمنون المقيمون حتى لا يصح الأخبار كما توهم إلا أنه لا يخفى أنّ غيره أولى منه وأقعد.
تنبيه: قد نخلنا النقول، وتتبعنا كلامهم ما بين معسول ومغسول فآل ذلك إلى أنّ قول عثمان فيه مذهبان أحدهما أن المراد باللحن ما خالف الظاهر وهو موافق له حقيقة ليشمل الوجوه تقديرا، واحتمالاً، وهذا ما ذهب إليه الداني، وتابعه كثيرون والرواية فيه صحيحة، والثاني ما ذهب إليه ابن الأنباري من أنّ اللحن على ظاهره، وأنّ الرواية غير صحيحة. قوله:(قدم عليها الإيمان بالأنبياء والكتب الخ) الإيمان بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام معلوم من الإيمان بما أنزل إليهم والإيمان بالكتب مصرح به، وما يصذقه إقامة الصلاة وايتاء الزكاة، وقوله: لأنه المقصود أي لأنّ الإيمان بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما معهم هو المقصود في هذا المقام لأنه لبيان حال أهل الكتاب، وإرشادهم، وهم كانوا يؤمنون ببعض ذلك، ويتركون بعضه فبين لهم ما يلزمهم، ويجب عليهم، وأما الإيمان بالله، واليوم الآخر فهم قائلون به ظاهراً كما مرّ
تحقيقه في أوّل البقرة، وقيل إنه تصريح بما علم ضمنا للتأكيد، وقيل تعميم بعد التخصيص لأنّ الإيمان بالله واليوم الآخر عبارة عن جميع ما يجب الإيمان به، وجمعهم بين الإيمان الصحيح، والعمل الصالح مأخوذ مما تقدّمه، وفي هذا كلام تقدم في سورة البقرة فانظره. قوله:(جواب لأهل الكتاب الخ) تد مرّ تفصيله فلا خفاء في كلامه كما توهم، ومن قال إنه تعليل لقوله:{الراسخون في العلم} [سورة النساء، الآية: 162] فقد أبعد المرمى ولم يدر أن هذا التفسير هو المأثور، وبدأ بنوج تهديداً لهم لأنه أوّل نبي عوقب قومه لا أنه أوّل شرع كما توهم وظاهره يدل على أنّ من قبل نوح لم يكن يوحي له كما أوحى لنبينا صلى الله عليه وسلم
لا أنه غير موحى إليه أصلا كما قيل. قوله: (خصهم بالذكر الخ) إن أراد بالتخصيص! ذكرهم لم يرد عليه شيء والا ورد عليه إنّ الأسباط ليسوا كذلك لكن الأمر فيه سهل. قوله: (وقرأ حمزة بورا بالضم الخ) والجمهور على فتحها والضم على أنه جمع زبر بكسر فسكون صفة بمعنى مزبور أي مكتوب أو زبر بالفتح، والسكون كفلس وفلوس كما في الدرّ المصون، وعبارة المصنف تحتملهما، وقيل إنه مفرد كقعود، وقيل إنه جمع زبور على حذف الزوأئد. قوله:(نصب بمضمر) أي أرسلنا رسلا، وكذا رسلاً الآني، والقرينة عليه قوله أوحينا لاستلزامه الإرسال أو قصصنا إلا أنه منصوب بقصصنا بحذف مضاف أي قصصنا أخبار رسل، وفيه وجوه أخر، وقوله من قبل هذه السورة إشارة إلى المضاف المنوي، وهو ظاهر. قوله:) وهو منتهى مراتب الوحي الخ) أي الكلام بالذات أشرف أنواعه، وأعلاها وقد وقع للنبيّءشفه في الإسراء مع زيادة رفعة، وما من معجزة لنبيّ من الأنبياء إلا ولنبينا صلى الله عليه وسلم مثلها كما تصذى لبيانه بعض أهل الأثر مع زيادة له شرّفه الله تعالى، وتكليماً مصدر مؤكد قالوا إنه رافع للمجاز وفيه نظر لأته مؤكد للفعل فيرفع المجاز عنه، وأما رفعه المجاز عن الإسناد بأن يكون المكلم رسله من الملائكة كما يقال قال الخليفة: كذا إذا قاله وزيره، فلا مع أنه أكد الفعل والمراد به معنى مجازي كقول هند بنت النعمان في زوجها روح بن زنباع وزير عبد الملك بن مروان:
بكى الخز من روح وأنكر جلده وعجت عجيجا من جذام المطارف
أي بكى الخز من لبسه له لأنه ليس من أهله ولذلك صرخت المطارف من ليس جذام
لها، وهي قبيلة داوح فأكدت عج بعجيجا مع أنه مجاز لأنّ الثياب لا تعج، والقراءة المشهورة رفع الجلالة الشب! يفة وقرئ بنصبها في الشواذ، وهي واضحة أيضاً. قوله: (نصب على المدح (أي بتقدير أمدلأ أو أعني وقدمه لرجحانه عنده، والحال الموطئة هي التي يكون المقصود بالحالية وصفها كما هنا وعليه فهي حال من رسلاً الذي قبله أو ضميره قيل، ولا وجه للفصل حينئذ بينثفا بقوله، وكلم الله موسى، وجوّز فيه الزمخشري البدلية وتركه المصنف وحمه الله تعالى لأنّ اتحاد البدل، والمبدل منه لفظا بعيد وان كان المعتمد بالبدلية الوصف. قوله: (وفيه
تنبيه على أنّ يعثة الآنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ) يشير إلى رد ما في الكشاف وأن العقل لا يكفي في ذلك حتى يكون إرسال الرسل للتنبيه عن سنة الغفلة فإنّ العقل قاصر عنه فلا بد من الشرع، وإرسال الرسل ومحل بسطه كتب الكلام، وقوله: بأرسلنا أي المقدر كما مر أو بقوله مبشرين ومنذرين يعني على التنازع، وقوله: ولا يجوز تعلقه بحجة لأنه مصدر يعني، ومعموله لا يجوز تقدّمه عليه ومن جوّزه في الظرف جوّزه هنا. قوله: (وخص كل نبي بنوع من الوحي والإعجازا لأنّ كل نبي غلب في زمنه شيء جعلت معجزته من جنسه كما غلب في زمن موسى عليه الصلاة والسلام السحر فجاء بالعصا، ونحوها مما يضاهيه، وفي زمن عيسى صلى الله عليه وسلم الطب فأبرأ اكمه والأبرص، وفي زمن نبينا عليه الصلاة والسلام البلاغة فجاء القرآن، واعترض على المصنف رحمه الله تعالى بأن هذا ينافي قوله: قبيل هذا إنه أعطى محمداً صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى كل واحد منهم فلا يختص أحد منهم بنوع بالنسبة إليه، ويجاب بأن اختصاص كل منهم بالنسبة إلى من قبله لا بالنسبة إلى من بعده فالاختصاص نسبي لا مطلق، وهو ظاهر أو أنّ المراد غير من ألقى إليه هذا. قوله: (استدراك عن مفهوم
ما قبله فكأنه الخ (يعني أنّ أهل الكتاب لما سألوه صلى الله عليه وسلم إنزال كتاب من السماء كما أرادوا بعثنا ليقروا بحقية ما جاء به ورد قولهم بقوله: {أنا أوحينا} الخ. استدراك على ذلك فقال إن لم تلزمهم الحجة، ويشهدوا لك فالله يشهد وكفى به شهيداً، وشهادة الله إثباته لصحته بإظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات، وإذا ثبتت شهادته ثبتت شهادة الملائكة عليهم الصلاة والسلام لأنّ شهادتهم تبع لشهادته، وقوله: يبينه وقع في نسخة يثبته بالمثلثة، وهما بمعنى وقوله: (روي الخ) هو مروقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. قوله: (إنزله ملتبساً بعلمه الخاص به الخ) فالباء للملابسة، والإضافة تفيد اختصاصا خاصا به لا يليق بالبشر بل بخالق القوى والقدر. وذكر في تفسيره في الكشاف أربعة أوجه فقال معناه أنزله ملتبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره، وهو تأليفه على نظم،
وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة لأة " بيان للشهادة وأنّ شهادته بصحته أنه أنزله بالنظم المعجز الفائت القدرة، وقيل أنزله، وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه، وقيل: أنزله بما علم من مصالح العبادة مشتملا عليه، ويحتمل أنه أنزله، وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشياطين برصد من الملائكة، والملائكة يشهدون بذلك كما قال تعالى: في آخر سورة الجن فقيل عليه أنه جعل العلم بمعنى المعلوم، والمراد بالمعلوم التأليف والنظم المخصوص، وليس هذا من جعل العلم مجازاً عن النظم، والتأليف ولو جعل العلم بمعناه المصدري، ويكون تأليفه بياناً لتلبسه لا للعلم نفسه صح لكن فيه تجوز من جهة أنّ التأليف ليس نفس التلبس بل أثره، والباء على هذا تحتمل الآلية كما يقال فعله بعلمه إذا كان متقناً وعلى ما ينبغي فيكون وصفاً للقرآن بكمال الحسن، والبلاغة وأما في الوجه الثاني، والثالث فالعلم بمعناه والظرف حال من الفاعل أو المفعول، ومتعلق العلم مختلف، وهو كونك أهلاً أو مصالح العباد، وظاهر كلامه أنه على الثاني حال من الفاعل، وعلى الثالث من المفعول، ومبني قوله بما علم من المصالح على أنّ التلبس بالعلم تلبس بالمعلوم أو على أنّ العلم بمعنى المعلوم، وموتع الجملة على الوجهين تقرير للصلة، وبيانها أعني أنزل إليك، وأما على الرابع فحال من الفاعل، ومعنى العلم أنه رقيب عليه حافظ له، والملائكة رصد عليه تحفظه من الشياطين كقوله تعالى:{فإنه يسلك من بين يدبه ومن خلفه رصدا} ويشهدون على هذا من الشهود للحفظ اهـ محصله، وهو ردج على الطيبي إذ جعل العلم مجازاً عن التأليف المخصوص والعلاقة بين الفاعل، والفعل لأنّ الفاعل المتقن الحكييم لا يصدر عنه إلا الفعل المحكم البديع، والمصنف رحمه الله تعالى ترك الوجه الرابع، وهو أن تلبسه بعلمه حفظ له لأنه لا مساس له بهذا المقام. قوله:(فالجار والمجرور على الأوّلين حال الخ) ويحتمل أنه مفعولط مطلق على الوجوه أي إنزالاً ملتبسا بعلمه، وضمير بعلمه لله، وعلى الثالث للقرآن فلذا جعله فيه حالاً من المفعول، وجعل الجملة تفسيراً لما قبلها، وهي قوله أنزل إليك لأنها بيان لإنزاله على وجه مخصوص، والزمخشري جعله بيانا للشهادة، وكلام المصنف يحتمله أيضاً إلا أنه يخالفه في إطلاق التفسير فيها فتدبر. قوله:(أيضاً بنبؤتك الخ) كلام اصخ! ، وشروحه ظاهر في أنّ قوله بما أنزل متعلق بيشهد على أنّ الباء صلة والمشهود به هو 1 ما أنزله وهو الظاهر والمصنف رحمه الله تعالى حيث قال إنهم أنكروه، ولكن الله يبيته، ويقياره بما أنزل إليك من القرآن المعجز الدال على نبوّتك، وقال هنا والملائكة يشهدون أيضا بنجوّتك، ثم قال لعرفوا نبوّتك وشهدوا بها كما عرفت الملائكة، وشهدوا أشار إلى أنّ المشهود به هو النبوّة وأن تعلق بما أنزل تعلق الآلية أي يشهد بنبوّتك بسبب ما أنزل إليك لدلالته بإعجازه على صدقك ونبوّتك كذا قيل، وقيل: إنه بيان لمآل المعنى ومؤذاه فإن شهادته
بصحة ما أنزله من القرآن لإظهار المعجزات المقصود منه إثبات نبوّته فتأمّل. قوله: (وفيه تنبيه على أنهم يودّون أن يعلموا صحة دعوى النبوّة الخ (أي يعلم من سياق النظم أنّ أهل الكتاب في تعنتهم، وسؤالهم كانوا يودّون أي يحبون ويريدون أن يظهر لهم جلية الأمر عياناً ليؤمنوا وهم مخطؤون لأن هذا ليس طريقا للبشر في معرفة الحق والنبوّة بل مخصوص بالملائكة لأنهم يشاهدون ذلك فلذلك أثبتها الله لهم بالإعجاز المحتاج إلى التفكر، والتدبر، وفى كون الجاحدين المعاندين من أهل الكتاب
يوذون ذلك نظر لا يخفى، وقوله:(جمعوا بين اتضلال والإضلال) من الصد عن سبيل الله، وأعرق من العرق بعين وراء مهملتين، وقاف بمعنى أقوى وأ د خل.
قوله: (وعليه يدل على أنّ الكفار الخ) أي على هذا الوجه النظم أو الآية تدلّ على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أما على ما قبله فلا دلالة لها لأنهم مخاطبون بالأصول، ومكلفون بترك الكفر، والظلم إذا كان بمعنى إنكار النبوّة أو صد الناس عن الدخول في الدين فهو كفر وهم مخاطبون بتركه بالاتفاق، وأمّا إذا كان أعم شاملاً لظلم أنفسهم بالمعاصي، وذكر أنه لا يغفر لهم ذلك دلت الآية على أنهم مؤاخذون به ومكلفون، ومخاطبون بوجوبه عليهم، ومنهم من أرجعه إلى الوجهين الأخيرين، وله وجه وإذا كان في تفسير الظلم وجوه كما ذكر. لم يتم الاستدلال، والمسألة مبسوطة في أصول الفقه، وفي الكشاف هنا كلام تركه المصنف رحمه الله تعالى لأنه مبني على الاعتزال الصرف، وقوله: لجري حكمه الخ. أي لا بالوجوب
كما يقوله المعتزلة والمحتوم بالحاء المهملة المقضي المقطوع به على مقتضى الحكمة، وقوله: حال مقدّرة أي منتظرة مستقبلة غير مقارنة لأنّ الخلود يكون بعد إيصالهم إلى جهنم، ولو قدر يقيمون خالدين لم يلتئم تقديره، والتعبير عنه بالهداية تهكم إن لم يرد بالهداية مطلق الدلالة وقوله:(ولما الخ) بيان لارتباط هذا بما قبله، ومناسبته له. قوله:(أي إيماناً خيرا لكم الخ) في نصب خيرا وجوه للنحاة فمذهب الخليل وسيبويه أنه منصوب بفعل محذوف وجوبا تقديره، وافعلوا أو وأتوا خيراً لكم، ومذهب الفراء أنه نعت مصدر محذوف كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وأورد عليه أنه يقتضي أنّ الإيمان ينقسم إلى خير وغيره، ودفع بأنه صفة مؤكدة، وأن مفهوم الصفة قد لا يعتبر، ومذهب الكساتي، وأبي عبيد أنه خبر كان مضمرة والتقدير يكن الإيمان خيراً ورد بأن كان لا تحذف، واسمها دون خبرها إلا في مواضع اقتضته وأنّ المقدر جواب شرط محذوف فيلزم حذف الشرط، وجوابه إذ التقدير أن تؤمنوا يكن الإيمان خيرا، وهذا مبني على أنّ الجزم بشرط مقدر فإن قلنا بأنه بنفس الأمر، واخواته كما هو مذهب لبعض النحاة لم يرد، وكذا حذف كان، واسمها تخصيصه بمواضع لا يسلمه هذا القائل وقيل إنه منصوب على الحال نقله مكي عن بعض الكوفيين وأبو البقاء، وهو بعيد فما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لا غبار عليه فإنه حكاية ما قاله النحاة في هذا التركيب فالاعتراض عليه بأنه مخالف لكلام ابن الحاجب ونحوه ساقط. قوله:(وإن تكفروا فهو غنئ عنكم الخ الما كان ملكه السموات والأرض، وما فيهما أمراً مقرّراً قبل كفرهم أشار إلى أن الجواب مقدر، وهذا دليله أقيم مقامه، وهو ظاهر إلا أنّ قوله المراد بما فيهما ما يشملهما لأن الكل مشتمل على إجزائه، وهي مظروفة فيه أيضاً، ومجموع الأجزاء هو عين الكل قيل عليه إن ظرفيتهما لما فيهما حقيقية، وظرفية الكل لأجزائه مجازية فيلزم الجمع بين الحقيقة، والمجاز وفيه نظر سيأتي. قوله: (الخطاب للفريقين الخ) الرشدة بالكسر وجوّز فيه في القاموس الفتح يقال في الولد هو لرشدة إذا كان حاصلا من نكاح لا زنا وسفاح، وضده هو لزنية، والتزنية هو أن ينسبه إلى أنه لزينة، ثون تخصيصه بالنصارى أوفق بما بعده لأنهم افتروا عليه الصاحبة، والولد
والتصريح بأمر عيسى صلى الله عليه وسلم يؤيده، وإن كان قوله:{ولا تقولوا على الله إلا الحق} قد يدخل فيه اليهود لافترائهم بتزنية عيسى عل! الصلاة والسلام، وما قالوه في عزير لكن ما بعده لا يساعده، والغلوّ مجاوزة الحد، ومنه غلوة السهم، وغلوّ السعر. قوله: " لا الحق يعني تنزيهه عن الصاحبة والولد) قيل الانقطاع في هذا الاستثناء أشبه لأنّ التزنية لا تكون مقولاً عليه بل له وفيه لأن معنى قال عليه افترى، وفيه نظر لأنّ الاستثناء مفرغ، وقد مرّ أنّ الانقطاع فيه غير معروف لكن المعنى يقتضي ما ذكره النحرير، وقيل الظاهر أنّ المراد بقوله، {ولا تقولوا على الله إلا الحق} إنه تنزبه عن كل ما لا يليق كالشريك، وقوله: إنما المسيح تنزيه عن الصاحبة، والولد فليتأمّل. قوله:(أوصلها إليها وحصلها) جملة ألقاها حال بتقدير قد، والإلقاء الطرح، وهوهنا مجاز عن الإيصال، وقوله:(ذو روح) إشارة إلى أنه على حذف مضاف أو استعمل الروح في معنى ذي الروح، واضافته إلى الله للتشريف أو لأنه بمحض قدرته
من غير توسط المادة، وعلى القول الآخر هو استعارة تشبيهاً للمحى بالروح التي بها الحياة، وحاج بعض النصارى الواقدي بهذه الآية فقال إنها تدل على أن عيسى عليه الصلاة والسلام جزء من الله فعارضه بقوله تعالى:{وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه} [سورة الجاثية، الآية: 13] فلو كان كذلك لاقتضى إنّ جميع الموجودات جزء منه فحجه، ومعنى كونه كلمة أنه حصل بكلمة كن من غير مادّة، وقال الغزالي رحمه الله تعالى لكل شيء سبب قريب، وبعيد فالأوّل المني والثاني قول كن، ولما دل الدليل على عدم القريب في حق عيسى صلى الله عليه وسلم إضافة إلى البعيد، وهو كلمة كن إشارة إلى انتفاء القريب، وأوضحه بقوله ألقاها بجعله كالمني الذي يلقى في الرحم فهو استعارة كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله:(أي الآلهة ثلاثة الخ) يعني أن الظاهر أنهم يقولون بآلهة ثلاثة الله، وعيسى عليه الصلاة والسلام ومريم كما صرّح به في الآيات الأخر، وان نقل عنهم القول بالأقانيم فحكاية الله عنهم أوثق لكن قال الطيبي رحمه الله تعالى أن الحكيم الفاضل يحيى بن عيسى صاحب المنهاج في الطب كان نصرانياً فلما أسلم
وحسن إسلامه صنف رسالة في الردّ على النصارى قال فيها زعموا أنه تعالى جوهر واحد ثلاثة أتانيم أقنوم الأب، وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس فهو واحد بالجوهر مختلف بالأقانيم، وقال بعضهم أنها أشخاص وذوات وقال بعضهم أنها خواص، وصفات فأقنوم الأب الذات، وأقنوم الابن الكلمة، وهي العلم وأنها لم تزل مولدة من الأب لا على سبيل التناسل بل كتوليد ضياء الشمس، وأقنوم روح القدس هو الحياة، وأنها لم تزل فائضة من الأب والابن، واختلفوا في الاتحاد فقالت اليعقوبية أنها بمعنى الممازجة كممازجة النار للفحم فالجمرة ليست ناراً خالصة، ولا فحمة، وهذا موافق لقولهم أنّ الله نزل من السماء ماء وتجسد من روح القدس، وصار إنساناً، ولذلك قالوا المسيح جوهر من جوهرين، وأقنوم من أقنومين وهذا هو القول باللاهوت، والناسوت، وظاهر قول نسطوراً أنّ الاتحاد على معنى الحلول، وأنّ الكلمة جعلته محلَا، ولذا قالوا جوهران، وأقنومان إلى غير ذلك، وإذا تقرّر اختلافهم كذلك صح حينثذ أن يراد من قوله، ولا تقولوا ثلاثة، ولا تقولوا هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم، وأن يحمل بقية الآيات على ما قالوه قال، وقولهم ثلاثة أي مستوون في الألوهية كما يقال في العرف عند إلحاق اثنين بواحد في وصف هم ثلاثة أي أنهما شبيهان به، والأقنوم بضم الهمزة بمعنى الأصل، وهي لغة يونانية، وجمعها أقانيم، وقوله: الهين من دون الله أي الهين غير الله فيكونون معه ثلاثة. فلا يقال إنه لا دليل فيها على التثليث المدعي. قوله: (لا تعدد فيه بوجه ما) ذاتا وغيره كالقول بالأقانيم وقوله: (تسبيحاً) إشارة إلى أنه منصوب على المصدر كما مر تحقيقه وقوله: (من أن يكون) إشارة إلى أنّ في الكلام حرف جر مقدر، وهو من أوعن كأنه قيل نزهوه من أن يكون أوعن أن يكون له ولد، وفي محل أن، والفعل حينئذ وجهان النصب، والجر يعني أنّ الولد يشابه الأب، ويكون مثله، والله منزه عن النظير والمثيل، وأيضا الولد إنما يطلب يكون قائما بعده مقامه إذا عدم، ولذا كان التناسل، والله تعالى باق لا يطرق ساحته الفناء فلا يحتاج إلى ولد وقوله:{له ما في السموات} الخ دليل آخر على نفي الولد لأنه مالك لجميع الموجودات، ولو كان له ولد لكان مثله في المالكية فلا يكون مالكا لجميعها، وكذا كفايته في الحفظ لأنّ الوكيل بمعنى الحافظ لأنّ من وكل إليه شيء يحفظه كما مرّ فإذا استقل في ذلك لم يحتج إلى الولد فإنّ الولد يعين أباه في حياته، ويقوم مقامه بعد وفاته، والله تعالى منزه عن كل هذا فلا يتصور له ولد عقلا، ويكون افتراؤه جهلاً وحمقا. قوله:(لن يأنف من نكفت الدمع الخ) الأنفة الترفع والتكبر والاستنكاف استفعال من النكف، وأصله كما قال
الراغب: من نكفت الشيء نحيته وأصله تنحية الدمع عن الخد بالأصبع، وبحر لا ينكف لا ينزح انتهى، ومنه قوله فلم ينكف لعينيك مد مع وقيل النكف قول السوء يقال ما عليه في هذا الأمر نكف، ولا وكف واستفعل فيه للسلب قاله المبرد: وفي الأساس استنكف منه، ونكف امتغ، وانقبض أنفاً وحمية، وقال الزجاج: الاستنكاف تكبر في تركه أنفة، وليس في الاستكبار ذلك. قوله:(من أن يكون الخ) إشارة إلى تقدير الجار لأنه يقال استنكف
منه وعنه والعبودية لله شرف وأيّ شرف كما قال الشاعر:
ومما زادني شرفا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك ياعبادي وجعلك خيرخلقك لي نبيا
قوله: (وروي أنّ وفد نجران الخ) هذا نقله الواحديّ رحمه الله تعالى في أسباب النزول عن الكلبيّ رحمه الله تعالى. قوله: (عطف على المسيح) هذا هو الظاهر، وفيه وجوه أخر، وهو أن يكون عطفاً على الضمير المستتر في يكون أو عبداً لأنه صفة، ولذا يقال هو عبد أبوه، ويكون وصفهم بكونهم عبداً لأنّ المراد، ولا كل واحد منهم أن يكون عبدا لفه لا هو له وصف مقدر بقرينة الملفوظ أي، ولا الملائكة أن يكونوا عبيداً لذ أو هو من عطف جملة على جملة، وعلى الوجوه السابقة من عطف مفرد على مفرد فهو فاعل فعل مقدر هو ومعموله كما صرح به، وقول المصنف رحمه الله تعالى أي ولا يستنكف الخ تقرير لمحصل المعنى، واشارة إلى تقدير متعلق الفعل معه نلا يرد عليه أنه يقتضي تقدير الفعل ومتعلقه فلا يكون معطوفا على المسيح بل من عطف الجمل كما مرّ وترك المصنف رحمه الله تعالى هذه الاحتمالات لأنّ المعنى على عطفه على المسيح بل إعادة لا تعين عطفه، ولذا قال صاحب التقريب أن غيره ليس بصحيح فتدبر. قوله:(واحتج به من زعم فضل الملافكة الخ) هذه المسألة مفصلة في الكلام، ووجه الاستدلال ظاهر لأنّ الذي تقتضيه قواعد المعاني وكلام
العرب الترقي من الفاضل إلى الأفضل فيكون المعنى لا يستنكف المسيح، ولا من هو فوقه كما يقال لن يستنكف من هذا الأمر الوزير، ولا السلطان دون العكس لكته قيل إنه لا يفيد إلا الفوقية في المعنى الذي هو مظنة الاستنكاف، والترفع عن العبودية، وهو هنا بزعم النصارى الروحانية التي فيه من جهة أنه لا أب له، وكمال القدرة، والتأييد الذي به يحيي الموتى، ونحوه، وهذا في الملائكة أقوى لأنهم لا أب لهم، ولا أمّ ولهم بإذن الله من قوة قلع الجبال، ومزاولة مضاعف الأعمال، والتصرف في الأهوال، والأحوال ما يقل في جنبه الأحياء، والإبراء وهم مع ذلك لا يستنكفون عن العبودية فكيف بعيسى صلى الله عليه وسلم ولا دلالة لهذا على الأفضلية المختلف فيها كما يشهد به الذوق إذ هي كثرة الثواب كما قرروه، وقد وجهوا كل ما ورد فيه ما يقتضي الأفضلية بنحوه، وأجروه على هذا النمط. قوله:(وجوابه أن الآية للرد على عبدة المسيح والملافكة الخ) يعني سوق الآية، وان كان للرد على النصارى لكنه أدمج فيه الرد على عبدة الملائكة المشاركين في رفع بعض المخلوقين عن مرتبة العبودية إلى درجة المعبودية، وادعاء انتسابهم إلى الله بما هو من شوائب الألوهية، وخص المقربون لأنهم كانوا يعبدونهم دون غيرهم وردّ هذا الجواب بأنّ هذا لا ينفي فوقية الثاني كما هو مقتضى علم المعاني، ولا ورود له لأنه يعلم من التقرير دفعه لأن المقصود بالذات أمر المسيح فلذا قدم، ولو سلم أنه لا ينفي الفوقية فهو لا يثبتها كما إذا قلت ما فعل هذا زيد ولا عمرو وهو يكفي لدفع حجة الخصم، وأما كون السياق، والسباق يخالفه فليس بشيء لأنّ المجيب قال إنه إدماج واستطراد. قوله:(وإن سلم اختصاصها بالنصارى فلعله أراد الخ) يعني أنّ مجموع الملائكة أفضل من عيسى، واخوانه من الأنبياء، والمرسلين، والكلام إنما هو في تفضيل الآحاد على الآحاد، وفي الانتصاف فيه نظر لأنّ مورده إذا بني على أنّ المسيح أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة فقد يقال يلزمه القول بأنه أفضل من الكل كما أنّ نبينا محمداًءلمجحر لما كان أفضل من كل واحد من آحاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان أفضل من كلهم كما مر، ولم يفرق بين التفضيل على التفصيلى، والتفضيل على الجملة أحد ممن صنف في هذا المعنى، وقد كان طار عن بعض المعاصرين فضله بين التفضيلين، ودعوى أنه لا يلزم منه على التفصيل تفضيل على الجملة، ولم يثبت عنه هذا القول، ولو قاله أحد فهو مردود بوجه لطيف، وهو أنّ التفضيل المراد جل أماراته رفع درجة الأفضل في الجنة، والأحاديث متظافرة بذلك وحينئذ لا يخلو إمّا أن ترتفع درجة واحد من المفضولين على من اتفق أنه أفضل من كل واحد منهم أولاً ترفع درجة أحد منهم عليه لا سبيل إلى الأول لأنه يلزم منه رفع المفضول على الأفضل فيتعين الثاني، وهو
ارتفاع درجة الأفضل على درجات المجموع
ضرورة فيلزم ثبوت أفضليته على المجموع من ثبوت أفضليته على كل واحد منهم قطعاً انتهى فقد علمت الفرق بين هذا، وبين ما مثل به، وكذا ما قيل في الجواب الآخر ونحوه من أنّ هذه الدلالة إنما تكون بعد سبق العلم بالأفضلية كما في حديث السلطان، والوزير دون مجرد النظر في التركيب كما في لا يفعله زبد ولا عمرو، وفي إثبات الأفضلية بهذا شبه دور، ولو سلم نفي أفضلية المجموع دون كل واحد من المقربين لا جنس الملك على جن! البشر المتنازع فيه، ورد بأنّ المدعي أنّ في مثل هذا الكلام مقتضى قواعد المعاني الترقي من الأدنى إلى الأعلى دون العكس أو التسوية، وقد عرفت أن الحكم في الجمع المعرف باللام على الآحاد سيما قبل الحكم بعدم الاستنكاف ومدعاه ليس إلا دلالة الكلام على أنّ الملك المقرب أفضل من عيسى صلى الله عليه وسلم، وهذا كاف في إبطال القول بأنّ خواص البشر أفضل من خواص الملك فالجواب الحق ما سبقت الإشارة إليه في صدر الكلام فاحفظه. قوله:(وهم الكروبيون الخ) في " كتاب الحبائك " قيل: ملائكة الحرمة هم الروحانيون بفتح الراء من الروح، وقيل الروحانيون بالضم والفتح مطلق الملائكة، والكروبيون ملائكة العذاب من الكرب قاله البيهقيّ وغيره وفي الفائق الكروبيون سادة الملائكة منهم جبرائيل، وميكائيل، واسرافيل، وهم المقربون من كرب إذا قرب وهو المراد هنا، وفي تذكرة التاج ابن مكتوم سئل أبو الخطاب بن دحية عن الكروبيين هل يعرف في اللغة أم لا فقال الكروبيون بفتح الكاف، وتخفيف الراء سادة الملائكة، وهم المقربون من كرب إذا قرب، وأنشد أبو عليّ البغدادي:
كروبية منهم ركوع وسجد
وقال الطيبي رحمه الله تعالى: فيه ثلاث مبالغات إحداها أنّ كرب أبلغ من قرب الثانية أنه
على وزن فعول من صيغ المبالغة الثالثة زيادة الياء فيه للمبالغة كأحمريّ، وقوله: باعتبار التكثير دون التكبير الأوّل بالمثلثة، والثاني بالموحدة، ومعناهما ظاهر وقوله، والنزاع فيه المشهور أنّ خواص البشر أفضل من خواص الملك فتأمل. قوله:(والاستكبار الخ) قد مر الفرق بينهما المنقول عن الراغب، ولكون التكبر يكون بالاستحقاق وصف الله عز وجل به. قوله:(فيجازيهم الخ) إشارة إلى أنّ المقصود من الحشر المجازاة، ولذا قال في تفصيله أنه تفصيل
للمجازاة العامة وهذا دفع لما يتوهم من عدم مطابقة المفصل للمجمل إذ المجمل لم يذكر فيه إلا المستنكفون فأشار إلى الجواب بوجهين الأول أنه تفصيل لما علم صريحاً وضمناً لأن المقصود سيحشرهم وجميع العباد فيكون لفاً ونشرا تقديريا، والثاني أنه تفصيل للجزاء، وأنه بتعديهم، وتحسرهم بما يشاهدونه من نعيم غيرهم.
وفي الكشاف فإن قلت التفصيل غير مطابق للمفصل لأنه اشتمل على الفريقين، والمفصل على فريق واحد قلت: هو مثل قولك جمع الإمام الخوارج فمن لم يخرج عليه كسا.، وحمله ومن خرج عليه نكل به، وصحة ذلك لوجهين أحدهما أن يحذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه ولأنّ ذكر أحدهما يدل على ذكر الثاني كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله عقيب هذا فأمّا الذين آمنوا بالله واعتصموا به، والثاني، وهو أنّ الإحسان إليهم مما يغمهم فكان داخلاً في جملة التنكيل بهم فكأنه قيل، ومن يستنكف عن عبادته، ويستكبر فسيعذب بالحسرة إذا رأى أجور العاملين وبما يصيبه من عذاب الله، وقال النحرير الجواب هو الأوّل، والثاني غير مستقيم لأنّ دخول أما على الفريقين لا على قسمي الجزاء. قوله:(عني بالبرهان المعجزات الخ) لأنّ البرهان الحجة، وهي حجة قاطعة، والقرآن مبين طرق الهداية فهو نور على الاستعارة، ودلائل العقل الخ لف، ونشر مرتب. قوله:) ثواب قدّره الخ) إنما فسره بالثواب المقدر لعطف فضل عليه، والرحمة حقيقة والتجوّز في كلمة في لتشبيه عموم الثواب وشموله بعموم الظرف، ولو فسر بالجنة كما فسر. به بعضهم كان التجوّز في المجرور دون الجار، وأشار إلى أنّ تسمية الثواب رحمة لأنه بمقتضى الإحسان لا الوجوب عليه كما هو مذهبنا. قوله:(ويهديهم إليه الخ) هذا الضمير إمّا عائد على الله، ومعنى الهداية إليه الهداية إلى عبادته أو على جميع ما قبله باعتبار أنه موعود أو على الفضل، وصراطا مستقيما مفعول ثان بناء على تعدي هدى إلى
مفعولين حقيقة أو بتضمين بعرفهم أو مفعول فعل مقدّر أو منصوب على الحال واليه متعلق بمقدر أي مقرّبين إلنه أو مقرّبا إياهم إليه على أنه حال من الفاعل أو المفعول، وقيل هو حال من صراطا، وليس لقولنا يهديهم إلى طريق الإسلام إلى
عبادتا. كبير معنى فالأوجه أن يجعل صراطا بدلاً من إليه، وقيل عليه أنّ قولنا يهديهم طريق الإسلام موصلا إلى عبادته معناه واضح، ولا وجه لكونه بدلاً من الجار والمجرور فتأمل. قوله:(حذف لدلالة الجواب الخ) وجهه ظاهر، وهو من التنازع، وأعمل الثاني، وفيه نظر وما روا 5 مروقي في السنة وقوله: وهي آخر ما نزل في الأحكام أي هذه الآية آخر آية نزلت متعلقة بالأحكام كما أنّ آخر ما نزل سورة براءة كما ذكره المحذثون. قوله: (وليس له ولد صفة له أو حال الخ) منع الزمخشريّ الحالية مطلقاً ولم يبين وجهه، ووجهه أنه إمّا حال من امرؤ، وهو نكرة مجيء الحال منها خلاف الظاهر إذ المتبادر في الجمل الواقعة بعد النكرات أنها صفات، وأمّا جملة هلك فمفسره لا محل لها من الإعراب على ما اشتهر في النحو وان جوّز بعضهم فيها أن تكون صفة والزمخشريّ لم يلتفت إليه لما بين جعله صفة، ومفسراً من التنافي لأنّ المفسر غير مقصود من الكلام، والصفة، وقيود المسند إليه محط الفائدة مع أن المفسر إذا كان مضارعاً ورد جزمه، وهو يعين كونه غير صفة، وأما جعله حالاً من الضمير المستتر كما قاله المصنف: وسبقه إليه أبو البقاء فقيل عليه أنّ المفسر غير مقصود حتى ادعى بعضهم أنه لا ضمير فيه لأنه تفسير لمجرد الفعل بلا ضمير وان ردّ بقوله تعالى: {قل لو أنتم تملكون} [سورة الإسراء، الآية: 05 ا] وفي البحر أنه ممتنع لأنّ المسند إليه في الحقيقة الاسم الظاهر الذي هو فاعل الفعل المحذوف فالذي ينبغي أن يكون التقييد له وإذا دار الاتباع والتقييد بين مؤكد، ومؤكد فالوجه أنه للمؤكد بالفتح إذ هو معتمد الإسناد، وقال السفاقسي أنّ هذا مرجح لا موجب، وأما إذا كان ليس له ولد صفة فلا يضر الفصل بينها وبين موصوفها بالمفسر لأنها تأكيد له، والفاء في فلها واقعة في جواب الشرط، وقوله: وابن الأمّ لا يكون عصبة لأنّ ذكورهم، واناثهم في القسمة، والاستحقاق سواء لإدلائهم بالام كما تقرّر في الفرائض وعلم بدليل آخر. قوله:(والولد على ظاهره) أي مخصوص بالذكر لا ما يشملهما فانه مشترك بينهما اشتراكا معنويا، وقد وقع في سياق النفي لأنّ الذكر هو المتبادر منه، وقد عضده الدليل، وفيه
نظر لما قيل إنه تخصيص من غير مخصص والتعليل بأنّ الابن يسقط الأخت دون البنت ليس بسديد لأنّ الحكم تعيين النصف، وهذا ثابت عند عدم الابن والبنت غير ثابت عند وجود أحدهما أما الابن فلأنه يسقط، وأما البنت فلأنها حينئذ تصير عصبة لا يتعين لها فرض نعم يكون نصيبها مع بنت واحدة النصف بحكم العصوبة لا الفرضية فلا حاجة إلى تفسير الولد بالابن لا منطوقا، ولا مفهوما، وأيضاً الكلام في الكلالة، وهو من لا يكون له ولد أصلاً ولا والد والولد مشترك معنويّ في سياق النفي فيعم فلا بد للتخصيص من مخصص، وكذا فيما بعده فتأمّل فالولد عند ابن عباس رضي الله عنهما عامّ لهما إذ لا ترث البنت مع الأخت عنده، وعند الجمهور ترث لكن ذلك بالعصوية بالغير، وقوله:(لا ترث النصف) أي بطريق الفرضية لا بد من هذا القيد، وهو مراد. إذ قد ترث البنت النصف كما إذا ترك بنتاً وأختاً كما نبه عليه بعض أهل الفرائض، وقوله: إن كان الأمر بالعكس أي إن ماتت وتركته. قوله: (ذكرا كان أو أنثى الخ) فإن قيل هما شرطان ذكر كل واحد منهما في حادثة فإن قام الدليل على أنّ المراد باحدهما الذكر لم يتبين أنّ المراد بالثاني الذكر قيل لش كذلك بل الكل شرط واحد لأنه ذكر أوّلاً إذا كان الأخ هو الميت فجعل للأخت النصف ثم قلب المسألة فجعل الأخت ميتاً والأخ هو الوارث فجعل له جميع المال فهذا يبين أنّ الشرط واحد وهو عدم الولد ثم المراد في أحد الموضعين الذكر دون الأنثى فكذلك في الاخر وفيه نظر. قوله: (والآية كما لم تدل على سقوط الأخوة بغير الولد الخ) عدم دلالتها على السقوط بغير الولد ظاهر للسكوت عنه، وكذا دلالتها على عدم السقوط به أي بغير الولد كالأب فإنّ الكلالة فسرت بمن لا ولد له ولا والد كما مرّ، وأمّا ما قيل إنه فيه بحث ظاهر لأنّ الإطلاق في جعله وارثا على تقدير عدم الولد دليلى ظاهر على عدم السقوط بالغير فمدفوع بأنه مسكوت