الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه والسنة دلت على خلافه فقوله: وقد دلت السنة الخ جملة حالية مبينة لدفع هذا التوهم. قوله: (وكذا مفهوم قوله الله يفتيكم في الكلالة إن فسرت بالميث) إشارة إلى ما مرّ من الاختلاف في تفسيرها إذ حينئذ تكون الكلالة من لم يخلف ولداً ولا والداً، وأورد عليه أنّ التعرض لعدم الولد مع اشتمال مفهوم الكلالة على الوالد أيضاً يشير إلى أنّ المانع عن الإرث الولد لا الوالد، والا فتخصيصه بالنفي ليس بظاهر، وجوابه يعلم من الفرائض فإنه وقع الاتفاق عليه لكنه لا بد من نكتة لتخصيص! الولد بالنفي وما قيل إنه ذكر أحد الجزأين لينتقل الذهن منه إلى الجزء الآخر غير ظاهر فانظره. قوله:(الضمير لمن يرث بالأخوّة الخ) جواب سؤال مشهور، وهو أنّ الخبر لا بد أن يفيد غير ما يفيده المبتدأ، ولهذا لا يصح
سيد الجارية مالكها، وضمير التثنية دال على الاثنينية فلا فائدة في الأخبار باثنتين، وقد دفع بوجوه منها ما ذكره الأخفش من أنّ الأثنينية تدل على مجرّد التعدد من غير تقييد بكبر وصغر أو غير ذلك من الأوصاف فكأنه قيل إنهما يستحقان ما ذكر بمجرّد التعدد من غير اعتبار أمر آخر وهذا مفيد وردّ بأنّ ضمير التثنية يدل على ذلك أيضا فعاد السؤال.
وروى مكيّ عنه أيضا، وهو الذي ارتضاه الزمخشريّ، وتبعه المصنف رحمه الله بأنه
حمل على معنى من يرث وأنّ أصله، وتقديره إن كان من يرث بالأخوّة اثنتين، وان كان من يرث ذكوراً واناثا، وإنما قيل كانتا وكانوا المطابقة الخبر كما قيل من كانت أمك فأنت ضمير من لتأنيث الخبر كما ثني وجمع هنا وردّ بأنه غير صحيح، وليس نظير من كانت أمك لأنه صرح فيه بمن، وله لفظ، ومعنى فمن أنت راعي المعنى لأنه أم ومدلول الخبر فيه مخالف لمدلول الاسم بخلاف ما نحن فيه فإنّ مدلوليهما واحد ولم يؤنث في من كانت أمك لمرعاة الخبر إنما أنث لمعنى من إذ أريد بها مؤنث كما تقول من قامت، ولا خبر فيه، ولا يخفى وروده، وان قيل إنه تحامل عليه كما هو عادته، وقيل إنّ الخبر له صفة مقدرة بها تتم الفائدة أي فإن كانتا اثنتين من الأخوات ومثل ذلك جائز، وقيل اثنتين حال مؤكدة، والخبر محذوف أي له بدلالة قوله وله أخت عليه. قوله:(فنلب المذكر) بقرينة قوله رجالاً ونساء، وقيل هو اكتفاء. قوله:( {يبين الله لكم ضلالكم} الخ) هذه الوجوه الثلاثة ذكرها قدماء المفسرين، وهي إبقاؤه على ظاهره، وتبيين الضلال والشر إرشاد إلى الهدى، والخير أو حذف مضاف أي كراهة أن تضلوا أو حذف الجارّ، ولا النافية ورجح الأوّل بأنه من حسن الختام، والالتفات إلى أوّل السورة وهو {يا أيها الناس اثقوا ربكم} فإنه أمرهم بالتقوى، وبين لهم ما كانوا عليه في الجاهلية، ولما تم تفصيله قال لهم إني بينت لكم ضلالكم فاتقوني كما أمرتكم فإنّ الشر إذا عرف اجتنب، والخير إذا عرف ارتكب، وقوله:(فهو عالم بمصالح العباد في المحيا والممات) إشارة إلى أنه عائد على ما مرّ من أمر الميراث، وما يتعلق بالأحياء، والأموات. قوله:(من قرأ سورة النساء الخ) هذا حديث موضوع مفترى على أني بن كعب رضي الله عنه كما ذكره
المحدثون ووجه تصدقه على كل وارث لأنه تلي ما يبنن الانصباء فكان له أجر ذلك وقوله: (وأعطى من الأجر كمن اشترى محرّرا) أي كأجر من اشترى عبداً ليحرّره فسماه محرّراً باعتبار المآل، وقوله: وبرئ من الشرك ليس معطوفاً على مدخول كإنما بل على مفهوم ما قبله أو على مقدر أي أعطاه الله هذا الثواب، وجعله بريئأ من الشرك، وآمناً من سوء الخاتمة وقوله:(وكان في مشيئة الله الخ) أي في تقديره وارادته معفوّا عنه مغفوراً له اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة، والعفو والمغفرة، وأن توفقنا لفهم كلامك، وتشرح صدورنا بعوائد إحسانك وانعامك.
سورة
المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
السورة مدنية إلا قوله: {كملت لكم دينكم} الخ فإنها نزلت في مكة، وفي عددها اختلاف فقيل مائة واثنان، وقيل ثلاث وعشرون. قوله:(الوفاء هو القيام بالعهد الخ) أي حفظ ما يقتضيه العهد، وهو يستعمل ثلاثياً، ومضاعفا، ومزيدا يقال وفى ووفي وأوفى بمعنى لكن في المزيد مبالغة ليست
في المجرد وإليه أشار المصنف رحمه الله، وأصل معنى العقد الربط محكماً ثم تجوّز به عن العهود، وعقود المعاملات، وقوله: الموثق بالتشديد، والتخفيف. قوله:(قال الحطيئة الخ) هو شاعر معروف، والبيت من قصيدة له في مدح بني أنف الناقة قوم من العرب كانوا يعيرون بهذا اللقب فلما قال فيها:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوّي بأنف الناقة الذنبا
صاروا يفتخرون به قال شراح الكشاف وفي البيت إشارة إلى كون العقد بمعنى العهد مستعاراً من عقد الحبل على الدلو حيث رشح بذكر الحبل والدلو، وما يتعلق بهما، والعناج بوزن كرام حبل يشدّ في أسفل الدلو ثم يمتد إلى العراقي بفتح العين، والراء والقاف ليكون عونا لها وللوذم فإذا انقطعت الأوذام أمسكها العناج، والعرقوتان خشبتان معترضتان على الدلو الجمع عراقي، والأوذام السيور التي بين أذناب الدلو وأطراف العراقي، والكرب بفتحتين الحبل الذي يثد في وسط العراقي، ثم يثنى ويثلث ليكون هو الذي يلي الماء فلا يعفن الحبل الكبير، ويقال لمن يحكم أمراً وببالغ فيه يملأ الدلو إلى عقد الكرب وخص العقد بالجار لأنه هو المعروف بينهم في العقد لمن نزل بجوارهم وبه يتمذحون، والقصيدة كان سببها ذلك فلا وجه لما قيل لو قال لغيرهم لكان أبلغ، والمستعار في البيت عقد الحبل على الدلو، والمستعار له العهد والميثاق، وما بعده ترشيح، وإنما جعلوا المستعار ذلك، وان كان العقد فيه مطلقا لتبادره ولأنه لولا ذلك لم يترتب جواب إذا على الشرط، ومن غفل عنه قال لا وجه لتقييده بما ذكر. قوله:(وأصله الجمع بين الشيئين الخ) قال الراغب: العقد الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء. قوله:(ولعل المراد بالعقود الخ) أي
المراد بها ما يلزم الوفاء به أو يستحب مما عقده الله أو العباد كالمعاملات، والنذور لأنه جمع محلى باللام فيعم، والأمر في قوله أوفوا لمطلق الطلب ندبا أو وجوبا ويدخل فيه اجتناب المحرمات، والمكروهات، واختاره لأنه أوفق بعموم اللفظ، وأوفى بعموم الفائدة وقيل الحمل على تحليل الحلال أي اعتقاد حله، والعمل على وفقه وتحريم الحرام كذلك أظهر نظرا إلى ما يشعر به سوق الكلام من الإجمال، والتفصيل لا يقال السورة مشتملة على أمّهات التكاليف في الأصول، والفروع لا تختص بالتحليل، والتحريم، وكفى بقوله:{وتعاونوا على البر والتقوى واعدلوا هو أقرب للتقوى} فلا يلزم حصر المجمل على التحليل، والتحريم، ولو سلم فليكن من التفريع على الأصل لا التفصيل للمجمل كما تقول امتثلوا أوامر الله أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان لأنا نقول ما وقع في معرض! التفصيل هو التحليل، والتحريم وظاهر أن ليس جميع السورة كذلك، وأنّ المذكور بالتفصيل أوقع منه بالتفريع. قوله:(تفصيل للعقود الخ الما مرّ من عمومه، وشموله لها وإنه المتبادر لا التفريع والبهيمة من ذوات الأرواح ما لا عقل له مطلقاً أو ذوات الأربع، وقال الراغب أنه خص في المتعارف بما عدا السباع، والطير وفي العقود خمسة أقوال للمفسرين فقيل العهود، وقيل: حلف الجاهلية، وقيل ما عقد. الله وبعضهم مع بعض، وقيل النكاح، والشركة واليمين والعهد، والحلف والبغ، وقيل الفرائض، وقيل جميع ما ذكر ورجحه بعضهم واليه ذهب المصنف رحمه الله. قوله: (وإضافتها إلى الأنعام للبيان الخ) قيل البهيمة اسم جنس والأنعام نوع منه فإضافتها إليه كإضافة حيوان إنسان، وهي مستقبحة، وأجيب بوجهين أنّ المراد من البهيمة، والأنعام شيء واحد، وإضافتها إليها على معنى من البيانية أي البهيمة التي هي الأنعام كقوله:{فاجتنبوا الرجس من الأوثان} [سورة الحجر، الآية: 30، أي الرجس الذي هو الأوثان، ولا استدراك في ذكر عامّ وتخصيصه أو المراد بالبهيمة الظباء وبقر الوحش، ونحوهما، واضافتها إلى الأنعام لملابسة المشابهة بينهما، وجوّز النحرير في إضافة المشبه للمشبه به كونها بمعنى اللام على جعل ملابسة الشبه اختصاصاً بينهما أو بمعنى من البيانية على جعل المشبه نفس المشبه به، وفيه بحث لأنّ ذكر النوع أو الفرد بعد الجنس لا فائدة فيه، واضافته إليه لغو ومستهجنه كحيوان إنسان أو إنسان زيد، وقوله المراد من البهيمة والأنعام شيء واحد إن أراد قبل الإضافة فليس كذلك، وإن أراد بعدها فكذا إنسان زيد مع أنه بالآخرة يكون
من إضافة الشيء لنفسه فالحق في الجواب أن يقال إضافة العام للخاص إذا صدرت من بليغ، وقصد بذكره فائدة فحسنة كمدينة بغداد فإنّ لفظ بغداد لما كان غير عربي
لم يعهد معناه أضيف إليه مدينة لبيان مسماه وتوضيحه، وكشجر الأراك لما كان الأراك يطلق على قضبانه أضيف لبيان المراد، وهكذا وإلا فلغو زائد مستهجن ولذا ترى النحرير يستحسنها تارة فيمثلها بشجر الأراك ويستقبحها أخرى فيمثلها بإنسان زيد وهنا لما كان الأنعام قد يختص بالإبل إذ هو أصل معناه، ولذا لا يقال النعم إلا لها أضميف إليه بهيمة إشارة إلى ما قصد به من العموم، وللنحاة في مثل هذه الإضافة اختلاف فمن اشترط العموم، والخصوص من وجه في الإضافة البيانية قال إنها لامية، ومن لم يشترطه قال إنها بيانية كما ذكره في شرح الهادي فلا يرد ما قيل اشترط في الإضافة بمعنى من كون المضاف إليه جن! المضاف كالفضة للخاتم، وههنا الأمر بالعكس، ومن في البهيمة من الأنعام لا تكون إلا بيانية، وفي خاتم من فضة بيانية أو تبعيضية أو ابتدائية وإذا كان من إضافة المشبه للمشبه به فالأمر ظاهر، وبهذا اندفع قول الإمام رحمه الله أنه لو قال أحلت لكن الأنعام لكان الكلام تاماً بدليل وروده في آية أخرى فأيّ فائدة في زبادة لفظ البهيمة، وكذا قوله إن لفظ البهيمة مفرد، والأنعام جمع فما الفائدة في ذكره لأنه قصد به بيان الجنس فلذا أفرد، وجمع الأنعام ليشمل أنواعها، وللعلامة جواب عنه تركناه لما فيه، وقوله: كل حيّ لا يميز أي ليس من شانه التمييز فلا يرد الصبيّ كما توهم، والاجترار افتعال من الجرّة بالكسرة، وهي ما يخرجه البعير من كرشه، وبعض الحيوانات من جوفه يتعلل به إلى وقت العلف وقوله:(وعدم الآنياب) جمع ناب، وهو سن يختص بسباع الحيوان ولذا يكنى عنها بماله ظفر وناب، وأخر قوله ونحوهما عن قوله المراد كما في الكشاف لأنه المحتاج للبيان فتأمّل. قوله ة) 1 لا محرم ما يتلى لخ) اختلف في هذا الاستثناء فقيل منقطع لأنّ المتلوّ لفظ، والمستثنى منه ليس من جنسه، والمصنف رحمه الله تبعاً للعلامة على أنه متصل مستثنى من بهيمة الأنعام بتقدير مضاف محذوف من ما يتلى عليكم، وهو محرم ليكون عبارة عن البهائم المحرّمة بقوله:{حرمت عليكم الميتة} الخ ونحوه أو من فاعل يتلى أي يتلي آية تحريمه لتكون ما عبارة عن البهيمة المحرّمة لا اللفظ المتلو قال النحرير، ولا يبعد اعتبار التجوّز في الإسناد من غير تقدير، وأمّا جعله مفرّغا من الموجب في موقع الحال أي إلا كائنة على الحالات المتلوّة فبعيد جداً، والمستثنى منصوب، ويجوز رفعه كما تقرّر في النحو. قوله:(حال من الضمير في لكم الخ) في الكشاف نصب على الحال من الضمير في لكم أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد وعن الأخفش أن انتصابه عن قوله أوفوا بالعقود وقوله: {وأنتم حرم حال عن محلى الصيد} كأنه قيل أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم حرم لئلا نخرّج عليكم، والوجه هو الأؤل وإليه ذهب الجمهور، ولا يرد عليه ما قيل إنه يلزم تقييد إحلال بهيمة الأنعام بحال انتفاء حل الصيد، وهم حرم، وهي قد أحلت لهم
مطلقا، ولا يظهر له فائدة إلا إذا عنى بها الظباء وحمر الوحش، وبقره لأنه مع عدم اطراد اعتبار المفهوم يعلم منه غيره بالطريق الأولى لأنها إذا أحلت في عدم الإحلال لغيرها، وهم محرمون لدفع الحرج عنهم فكيف في غير هذه الحال فيكون بيانا لأنعام الله عليهم بما رخص لهم من ذلك، وبياناً لأنهم في غنية عن الصيد، وانتهاك حرمة الحرم، والعجب أنّ عبارة الكشاف صريحة فيه، ولم يعرّح عليه أحد من شراحه، وقد تنبه له في الكشف لكنه لم ينقحه. قوله:(وقيل من واو أوفوا) هذا قول الأخفش إنه حال من فاعل أوفوا، ولا يخفى ضعفه لما فيه من الفصل بين الحال وصاحبها بجملة ليست اعتراضية إذ هي مبينة، وتخلل بعض أجزاء المبين بين أجزاء المبين، ولا وجه للتقييد به مع أنهم مأمورون بالوفاء مطلقا، والتوجيه السابق لا يجري فيه كما لا يخفى ان قيل إنه أقرب معنى، وان كان أبعد لفظاً لأنّ جعله حالاً من ضمير لكم إنما يصح إذا أريد ببهيمة الأنعام الظباء، وأما إذا أريد الأنعام المستثنى منها البعض على ما صرح به ففيه تقييد الإحلال بهذه الحال وليس كذلك لما علمت من أنه على طرف الثمام، ثم تكلف له ما عبارته منادية على خلافه فقال: ويمكن دفعه
بأن المراد بالأنعام أعم من الإنسي، والوحشيّ مجازاً أو تغليبا أو دلالة أو كيف شئت واحلالها على عمومها مختص بحال كونكم غير محلين للصيد في الإحرام إذ معه يحرم البعض، وهو الوحشيّ، وأما جعله حالاً من فاعل أحللنا المدلول عليه بقوله أحلت لكم، وششلزم جعل، وأنتم حرم أيضا حالاً من مقدر أي حال كونكم غير محلين الصيد في حال إحرامكم فليس ببعيد إلا من جهة انتصاب حالين متداخلين من غير ظهور ذي الحال في اللفظ، وترجيحه بأنّ التحليل، والتحريم شأن الثارع دون المكلفين ليس بشيء لأنّ معناه تقرير الحل، والحرمة عملاً، واعتقاداً، وهو سائغ في الكتاب، والسنة.
(أقول الا يخفى ما في هذا الوجه الذي رجحه من الضعف من جهة العربية فمانّ الفاعل
الذي ناب عنه مفعوله ترك نسيا منسياً، وقد نص النحاة على أنك لو قلت أنزل الغيث مجيباً لدعائهم على أنه حال من فاعل الفعل المجهول المتروك إذ تقديره أنزل الله الغيث حال إجابته لدعائهم لم يجز لا سيما على مذهب القائلين بأنّ المبنيّ للمفعول صيغة أصلية ليست محوّلة عن المعلوم، وأيضا لا وجه للتقييد كما أورده على الوجه الذي قبله مع أنّ محلى صيغة جمع كما هو في الرسم العثماني بالياء فكيف يكون حالاً من الله فكأنّ قائلة زعم أنه محل من غيرياء أو أنه رسم بالياء على خلاف القياس كما في البحر ولا يخفى حاله، ولأبي حيان هنا كلام طويل الذيل فيه تكلف وتعسف تركه خير منه. قوله: (وقيل استثناء وفيه تعسف أليس وجه التعسف فيه أن استعمال غير في الاستثناء غير ظاهر، ولا من تكرير ألاشثناء سواء ترادف أو
تداخل بل لفساد المعنى فيه إلا أن يتكلف له ما لا يليق بالنظم القرآني لأنّ المحلين لا يستثنون من البهيمة إن رجع الاستثناء من الأول بل من لكم فيصير المعنى أحلت البهيمة إلا المحلين وهو غير صحيح، وكذا استثناؤه مما قبله فتدبر. قوله:(يعني مناسك الحج جمع شعيرة وهو اسم ما أشعر الخ) قيل أقحم اسم لئلا يتوهم أنه وصف لاشتقاقه، وكونه على وزن الصفات لأنه لم يجر على موصوف، والشعار الإمارة، والعلامة، والأعلام جمع علم بمعناه، وقوله:(التي حدها) إشارة إلى أن تسميتها شعائر كتسميتها حدودا لأنّ الحدود تسمى شعائر أيضاً لما لها من العلامات، وقوله: ولا الشهر الحرام المراد به جنسه، وفسره الزمخشريّ بأشهر الحج لأنه المناسب للمقام، وّجذية بجيم مفتوحة، ودال مهملة ساكنة جمعه تجذيات بالتحريك وتجلإئة بوزن رمية، وجمنة تجدّايا ما يحشى تحت السرح، والرحل وخص الهدي بالذكر، وان كان داخلا في الشعائر لأنّ فيه نفعاً للناس، ولأنه مالي قد يتساهل فيه، وتعظيما له لأنه من أعظمها. قوله:(أي ذوات القلاند) وهي الإبل التي كان يجعل لها شعارا، وهي بعض الهدي خصت بالذكر تشريفا لها أو لا تقدير فيه، والنهي عن التعرض لها مبالغة في النهي عن التعرض له كما في قوله تعالى:{ولا يبدين زينتهن} فإنهن إذا نهين عن إظهار الزينة كالخلخال، والسوار علم النهي عن إبداء محلها بالطريق الأولى، ومن الغريب ما روي عن السدي في شرح أبي داود من أنّ المراد بالقلائد أصحاب الهدي قال: كان العرب يقلدون من لحاء شجر مكة فيقيم الرجل بمكة حتى إذا انقضت الأشهر الحرم، وأراد أن يرجع إلى أهله قلد نفسه، وناقته من لحاء الشجر فيأمن حتى يأتي أهله انتهى، ولحاء ككساء بلام وحاء مهملة قشر الشجر كلحيته. قوله:(ولا 7مين البيت الحرام قاصدين الخ) أي، ولا تحلوا أقواما آمّين، وبجوز أن يكون على حذف مضاف أي نعال قوم آمّين أو أذى قوم آمّين، وقرىء شاذاً، ولا آمّي البيت بالإضافة والبيت مفعول به لا ظرف، وأي يثيبهم تفسير لفضلاً ويرضى تفسير ورضواناً، وهو بناء على ظنهم إن كان في حق المشركين كما سيأتي. قوله: (والجملة في موضع الحال من
المستكن الخ (هذا رد على الزمخشرفي في جعله جملة يبتغون صفة لآمّين حيث قال في تفسيره أي لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم تعظيماً لهم، واستنكاراً لأن يتعرض لمثلهم، وتبعه أبو البقاء إذ اختار أنّ اسم الفاعل الموصوف لا يعمل لضعف شبهه بالفعل الذي عمل بالحمل عليه لا! الموصوفية تبعد الشبه لأنها من خواص الأسماء، وقد رد بوجهين الأول أنّ الوصف إنما منع من العمل إذا تقدم المعمول كقولك زيدا ضارب قومي فلو تأخر لم يمنع لمجيئه بعد الفراغ من مقتضاه كما صرح به صاحب اللب، وغيره. الثاني: أنّ الزمخشري لم يرد ما فهمه المعترض من
أنّ جملة يبتغون صفة آمّين حتى يرد عليه ما ذكر إذ مراده أنّ آفين، ويبتغون صفتان لموصوف مقدر، وهو قوم دفعا لما يرد عليه من أنّ آمّين إذا كان مفعول لا تحلوا عمل غير معتمد إلا أنه يرد عليه أنه إذا جاز الاعتماد على الموصوف المقدر كان اشتراط الاعتماد لغواً فلا يمتنع العمل في شيء من الصور لأنه ما من اسم فاعل إلا ويصح أن يقدر له موصوف كما قيل.
(أقول) هذا زبدة ما هنا من القيل والقال، وليس بمتجه من وجوه الأوّل إن ما ادعاه الفاضل المحقق غير متعين لجواز أن يريد بيان حاصل معنى النظم، وأن لا تحلوا مؤوّل بلا تتعرضوا لأن الحل والحرمة لا تتعلق بالذوات، ولذا قدر في نحو أحل لكم النساء نكاح النساء ويجوز أن يريد ما فهمه المعرب بناء على أن الوصف المتأخر لا يمنع كما مر، وإن كان مثله يمنع مطلقاً كما توهمه صاحب الدرّ المصون حتى ذهب إلى عدم منعه قياساً على المصدر إلا أنه لا وجه له فقد قال في كتاب المواطن لا خلاف في جواز عمله إذا تأخر ولذا جزم به بعضهم هنا فهذا خطأ من المعترض، وغفلة ممن قبله وحاول دفعه بدليل آخر وأما اعتراضه على الزمخشريّ فيما نسبه إليه من الاعتماد على المقدّر بحديث اللغوية الذي سمعته فليس بشيء لأنّ النحاة صرحوا به كما قال في الألفية:
وقد يكون نعت محذوف عرف فيستحق العمل الذي وصف
وهو، وان توهمه وارداً غير مندفع ليس بشيء لأنه ليس كل اسم فاعل يصح أن يقدر له موصوف إذ يمنع منه موانع معنوية كعدم القرائن، وصناعية كما في نحو قولك ما ذاهب أخو! لأنه لا يصح أن يقدر له موصوف كرجل وشخص لعدم الرابط، وقد صرّحوا في باب النعت بأنّ الموصوف لا يحذف في كل موضع، وأنّ له مواطن يطرد فيها كان يكون الموصوف بعض اسم مجرور بمن أوفى قبله ولذا مثلوا له هنا بقوله تعالى:{ومن الناس والدواب الأنعام مختلف ألوانه} [سورة فاطر، الآية: 28] أي صنف مختلف ألوانه الخ. وإذا كانت الصفة جملة أو ظرفا لا يصح في غير هذا إلا ندوراً أو شذوذاً، وأما قول السهيلي رحمه الله تعالى طريقة حذفه هنا أن يكون الموصوف مندرجا في معنى اسم قبله نحو كم ضارب زيداً لدخوله في معنى كم، وفي غيره لا يجوز فقد قال أبو حيان رحمه الله تعالى: إنه مردود فقوله: إنّ جملة
- اه: 811ـ ءا. / -- / - لم،،
يبتغون صفة لمقدر فرار من السحاب للوقوف تحت الميزاب فإن قلت: كيف قال: إنه لو لم يقدر الموصوف كان عاملَا بلا اعتماد مع دخول النفي عليه، وهو لا يختص بما كما صرحوا به قلت هو بناء على ما فهمه من أنّ معنى الاعتماد على النفي أن يسلط عليه، وينفي معناه لا أن يلي لفظه نحو ما قائم أبوك، وهذا ليس كذلك لأنّ تقديره لا تحلوا أمّين البيت فالمنفي الإحلال نعم هذا لا اعتماد عليه فإنه يكفي وقوعه في حيز النفي خصوصاً، والنفي منصب على القيد، وقد صرّحوا بأنّ اعتماده على معنى النفي مطلقاً صريحا كان أو مؤوّلاً، ولم يتعرّضوا هنا للاعتماد لظهوره، وهذا مما يتعجب منه فلا تكن من الغافلين. قوله:(وفائدته استنكار تعرّض من هذا شأنه) أي مطلقاً أو من المسلمين، والمانع له أنه طالب فضل الله، ورضوانه، وقوله: وقيل الخ. فيكون على هذا مخصوصا بالكفرة فالفضل التجارة، والرضوان بزعمهم ولو أبقى الفضل على ظاهره لأنه بزعمهم ضح لكنه لما أمكن حمله على ما هو في نفس الأمر كان حمله عليه أولى، وأورد على هذا التوجيه السابق أنه إذا كان آمّين البيت الحرام المسلمين فالتعرّض لهم حرام مطلقاً سواء كانوا آمّين أو لا فلا وجه لتخصيصهم بالنهي عن الإحلال، وفي المصباح ما تعرّضت له بسوء، وعرضت له بمعنى، وقيل ما صرت له عرضة بالوقيعة فيه، ولا تعرض له بسوء أي لا تعترض له فتمنعه باعتراضك أن يبلغ مراده بمعنى التعرّض للشيء أعم من أخذه، وقتله، وطرده فالإحلال بمعنى جعله حلالاً أو اعتقاد حله كناية أو مجاز عن التعرّض! له لأنّ المؤمن لا يتعرّض لما لا يحل له فلذا فسروه به هنا، وقول الزمخشري السباق قوم هذه صفتهم إشارة إلى أنّ التعليق بالمشتق يفيد علية مبدأ الاشتقاق فالظاهر أنّ العلامة، ومن تبعه أشاروا لهذا لا كما فهمه الفاضل المحقق فافهم. قوله:(إذ روي الخ) حطيم بن ضبيعة أتى من اليمامة إلى المدينة، ولم يسلم بعد عرض الإسلام عليه فلما خرح مرّ بسرح المدينة أي الإبل المسرحة للرعي فاستاقها، وتبعوه فلم يدركوه فلما
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام قضاء العمرة التي أحصر عنها سمع تلبية حجاح اليمامة فقال هذا الحطيم، وأصحابه فدونكموه، وكان قد قلد ما نهب من السرح، وجعله هديا فلما توجهوا لذلك نزلت هذه الآية وهذا الحديث أخرجه ابن جرير عن عكرمة وسمي الرجل الحطيم بن هند البكري فليحرّر.
قوله: (وعلى هذا فالآية منسوخة الخ) إن كان هذا مخصوصاً بالمشركين والمنع عن قتالهم، ودخولهم المسجد الحرام فإنهما نسخا فماذا كان للمسلمين، والمشركين، وخصوص
السبب لا يمنع عموم اللفظ فالنسخ في حق المشركين خاصة، وهو في الحقيقة تخصيص لكن لما كان المخصص متراخياً لا مقارنا سمي ناسخاً كما هو مذهب الحنفية فينبغي أن يحمل كلام المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل لأنه شافعي لا يسمى مثله نسخاً فتدبر. قوله:(وقرئ تبتغون على خطاب المؤمنين) هذه قراءة حميد بن قيس الأعرج في الشواذ قيل، وهي قلقة لقوله من ربهم، ولو أريد خطاب المؤمنين لكان المناسب من ربكم، وربهم وقيل ترك التعبير بما ذكر للتخويف بأنه ربهم يحميهم، ولا يرضى بما فعلتموه، وفيه بلاغة لا تخفى، واشارة إلى ما مرّ من أنه الله رب العالمين لا المسلمين فقط فافهم. قوله:(إذن في الاصطياد بعد زوال الإحرام ولا يلزم من إرادة الإباحة الخ) قال الزجاح، ومثله لا تدخلن هذه الدار حتى تؤذي ثمنها فإذا أذيت ثمنها فأدخلها أي إذا أذيت أبيح لك دخولها، وهذه مسألة أصولية فقيل الأمر بعد الحظر يقتضي الإباحة واستدلّ بهذه الآية والمصنف رحمه الله تعالى لا يراه فلذا قال إنّ الأمر هنا للتوسعة، ورفع المنع، والصيد ليس مأموراً به فلا وجه للإيجاب فيه، ولا تكون الآية دليلاً على ما ذكر فإن كان ما يقتضي الإيجاب أو الاستحباب عمل به، ومن قال حقيقته الإيجاب قال إنه مبالغة في صحة المباح حتى كأنه واجب، وقيل إنّ الأمر في مثله لوجوب اعتقاد الحل، وفيه نظر، وتحقيقه في أصول الفقه. قوله:(وقدئ بكسر الفاء الخ) هذه قراءة شاذة منسوبة للحسن، وضعيفة من جهة العربية لأنّ النقل إلى المتحرّك مخالف للقياس وقيل إنه لم يقرأ بكسرة محضة بل أمال لإمالة الطاء، وأن كانت من اهـ عستعلية، وقرئ أحللتم بالهمزة لأنه يقال حل من إحرامه، وأحل بمعنى فقوله: وأحللتم معطوف على بكسر الفاء أي، وقرئ أحللتم. قوله:(لا يحملنكم أو لا يكسبنكم (يعني أن معنى جرم حمل كما نقل عن ثعلب، والكسائي يقال جرمه على كذا أي حمله عليه فعلى هذا يتعذى لواحد بنفسه، وهو الضمير هنا، إلى الآخر بعلى، وهو أن تعتدوا فتقديره على أن تعتدوا، ومحله بعد حذف الجار إما جر أو نصف على المذهبين أي لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء عليهم، وقال أبو عبيد والفراء: معناه كسب يقال جرم وأجرم بمعنى كسب، ومنه الجريمة وكسب يتعدى لواحد أيضاً، وقد يتعدّى لاثنين فكذا جرم يقال ك! سب ذنبا، وأكسبه ذنباً فعلى هذا أن تعتدوا مفعول ثان له، وأصل مادّته موضوعة لمعنى القطع لأنّ الكاسب ينقطع لكسبه، ومنه لا جرم وسيأتي تحقيقه. قوله: (شدّة بغضهم وعداوتهم الخ) الشنآن البغض أو شدته، وسمع في نونه الفتح والتسكين،
وفيهما احتمالان أن يكونا مصدرين شذوذا لأن فعلانا بالفتح مصدر ما يدل على الحركة كجولان، ولا يكون لفعل متعذ كما قاله سيبويه: وهذا متعد لأنه يقال شنأته، ولا دلالة له على الحركة، وقيل: إنّ في الغضب غليان القلب، واضطرابه فلذا ورد مصدره كذلك، وفعلان بالسكون في المصادر تليل نحو لويته ليانا بمعنى مطلته أو صفة لأنّ فعلان بالسكون في الصفات كثير كسكران، وبالفتح ورد فيها قليلَا كحمار قطوان وتي! عدوان فإن كان مصدراً فإضافته إما على الفاعل أو المفعول أي أن يبغضكم قوم أو تبغضوهم، وجوّز المصنف رحمه الله تعالى الوصفية في السكران دون الفتح لندوره فيه كما أشار إليه وإذا كان وصفا فهو بمعنى بغيض أي مبغض بالكسر اسم فاعل كقدير بمعنى قادر واضافته بيانية أي البغيض من بينهم، وليس مضافا إلى فاعله أو مفعوله كالمصدر. قوله:(لأن صدوركم الخ) هذا على قراءة الفتح بتقدير اللام على أنه علة للشنان، وعلى قراءة الكسر إن شرطية، وما قبله دليل الجواب أو الجواب أو الجواب على القول بجواز تقدمه، والصحيح الأوّل، وأورد على قراءة الكسر أنه إن كان الصد المذكور
ما وقع عام الحديبية فهو محقق متقدّم فكيف يقال إن صدّوكم، وهو يقتضي استقباله، وعدم تحققه وإن أريد ما بعد الفتح فلم يقع صد بعده فذهب قوم إلى أنّ الآية لم تنزل بعد الحديبية فإنه غير متفق عليه ولئن سلم فهو للتوبيخ على الصذ الواقع يوم الحديبية، والدلالة على أنه كان ينبغي أن لا يكون وقوعه إلا على سبيل الفرض، والتقدير لقو! هـ تعالى:{إن كنتأ قوماً مسرفين} وجوّز أن يكون بتقديران كانوا قد صدوكم وقوله، ومن قرأ يجرمنكم الخ. وقع في نسخة مقدماً والصحيح هذه، وما ذكره نظرأ إلى أنّ الأصل أن تكون الهمزة للتعدية، والا فيجوز أن يكون من جرمته ذنبا للمبالغة، ولم يجعل جرمت، وأجرمت من المتعدي إلى واحد، وأن تعتدوا على حذف الجار لأنه الواقع موقع المفعول الذي يكون بلا واسطة البتة. قوله: (على العفو والإغضاء الخ (الإغضاء عدم النظر إلى ما يكره، وفسر البرّ، والتقوى بهذا ليقابله بقوله، ولا تعاونوا الخ فإنه يدل على ذلك أو هو عام فالمراد بالبر متابعة الأمر مطلقا، وبالتقوى اجتناب الهوى، ولو عطف الثاني بأو لكان أظهر قال الطيبي، والثاني أظهر، وأولى لتصير الآية من جوامع الكلم، ويكون تذييلاً للكلام فيدخل في البر، والتقوى جميع مناسك الحج قال تعالى:{فإنها من تقوى القلوب} ، والعفو والإغضاء أيضا، وفي
النهي عن الإثم والعدوان عدم التعرّض لقاصدي البيت الحرام دخولاً أوّلياً وعلى الوجه الأوّل يكون عطفا على، ولا يجرمنكم من حيث المعنى لأنه من باب لا أرينك ههنا كأنه قيل لا تعتدوا على قاصدي المسجد الحرام لأجل أن صدكم قريش عن البيت الحرام، وتعاونوا على العفو والإغضاء، ومن ثمّ قيل الوقف على أن تعتدوا لازم لأن الاعتداء منهيّ عنه، والتعاون على البرّ، والتقوى مأمور به، والتشفي طلب شفاء الصدر بالانتقام. قوله:(ما فارقه الروح من غير تذكية الخ) والمراد حتف أنفه من غير سبب خارج عنه، والدم المسفوح الذي أسالوه، وأخرجوه بآلة والأمعاء جمع معى، وهي المصارين والإهلال رفع الصوت، والمراد به هنا ذكر ما يدّبح له، وقوله:{من وقذته} إذا ضربته أصله أن تضربه حتى يسترخي، ومنه وقذه النعاس أي غلب عليه، وإنما قال في تاء النطيحة أنها للنقل لأنها المنطوح مطلقا مذكراً كان أو مؤنثا ولأن فعيلاً بمعنى مفعول لا تدخله التاء، وفسر ما أكل السبع بما أكل منه أي أكل بعضه لأن ما أكل كله لا يتعلق به حكم، ولا يصح أن يستثنى منه ما أدركه وذكى. قوله:(وهو يدل على أن جوارح الصيد الخ) جوارج الصيد أعم من كلابه، وطيوره كالبازي، وهي في حكم السباع والحياة المستقرّة هي التي لا تكون على شرف الزوال قيل، وعلامتها أن تضطرب بعد الذبح لا وقت الذبح فإنه لا يحسب، وقوله:(من ذلك) أي ما ذكر قبله من المنخنقة إلى هنا إذ لا يحتمل رجوعه إلى ما قبله، وعلى هذا لا تقيد المذكورات بقوله فماتت، والا لم يصح الاستثناء منها، وقوله:(في الشرع لقطع الحلقوم) أي موضوعة له، وفي نسخة بقطع الحلقوم بالباء متعلق بالذكاة، والمريء مجرى الطعام، وتفصيل التذكية في الفقه. قوله:(النصب واحد الأنصاب) معطوف على الميتة، واختلف فيها فقيل هي حجارة كانوا يذبحون عليها فعلى على أصلها، ولعل ذبحهم عليها كان علامة على كونها لغير إدلّه، وقيل هي الأصنام لأنها نصبت لتعبد. وعلى على أصلها أو بمعنى اللام، والنصب بضمتين جمع نصاب، وقيل هو مفرد
وقرئ بضم النون وتسكين الصاد تخفيفأ، وقرى بفتحتين وفتح فسكون. قوله:(الاستقسام بالأزلام الخ) جمع زلم وهو القدح المضروب به لطلب ما قدر وقسم له، ولذلك سمي استقساماً، وقد بينه المصنف والغفل بضم الغين المعجمة، وسكون الفاء الذي لا سمت عليه لأنه أغفلت علامته، والمراد هنا أنه لم يكتب عليه قيل هذا من جملة الفأل، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحب الفأل فلم صار فسقا، وحراما وأجيب بأنه كان استشارة مع الأصنام واستعانة منهم فلهذا صار حراما وأما أنه دخول في علم الغيب فلا نسلم أنّ الدخول في علم الغيب حرام، ومعنى استئثار الله بعلم الغيب أنه لا يعلم إلا منه، ولهذا صار استعلام الخير، والشرّ من المنجمين، والكهنة ممنوعا حراما بخلاف الاستخارة من القرآن فإنه استعلام من الله تعالى، ومن ينظر في ترتيب المقدمات أو يرتاض فهو لا يطلب إلا علم الغيب منه فلو كان طلب علم الغيب
حراما لا نسد طريق الفكر والرياضة ولا قائل به، وقال الإمام رحمه الله تعالى لو لم يجز طلب علم الغيب لزم أن يكون علم التعبير كفراً لأنه طلب للغيب، وأن يكون أصحاب الكرامات المدعون للإلهامات كفاراً، ومعلوم أنّ كل ذلك باطل، وفيه أنّ ما ذكره من الاستخارة بالقرآن، وتبعه النحرير فقال إنهم أطبقوا عليه محل نظر فإنه لم ينقل فعله عن السلف، وقد قيل إن الإمام مالكا كرهه، ولم أر فيه نقلاً إلا أنه قال في فتاوى الصوفية نقلاً عن الزندوستي أنه لا بأس به، وأنه فعله معاذ، وعليّ رضي الله تعالى عنهما وروي عن عليّ كرم الله وجهه أنه قال: من أراد أن يتفاءل بكتاب الله فليقرأ قل هو الله أحد سبع مرّات وليقل ثلاث مرّات اللهم بكتابك تفاءلت، وعليك توكلت اللهم أرني في كتابك ما هو المكتوم من سرّك المكنون في غيبك ثم يتفاءل بأوّل الصحيفة اهـ، وفي النفس منه شيء.
وفي كتاب الأحكام للجصاص أنّ الآية تدلّ على بطلان القرعة في عتق العبيد لأنها في
معنى ذلك بعينه إذ كان فيه إثبات ما أخرجته القرعة من غير استحقاق لأن من أعتق أحد عبيده عند موته، ولم يخرجوا من الثلث، وقد علمنا أنهم متساوون في استحقاق الحرّية ففي استعمال القرعة إثبات حرّية غير مستحقة، وحرمانها من هو مساو له فيها كما يفعله صاحب الأزلام فإن قيل قد جاءت القرعة في قسمة الغنائم، وغيرها وفي إخراج النساء قيل له إنما القرعة فيها التطييب نفوسهم، والبراءة من التهمة في إيثار البعض، ولو اصطلحوا على ذلك جاز من غير قرعة وأما الحرّية الواقعة على واحد منهم فغير جائز نقلها عنه إلى غيره، وفي استعمال القرعة نقل للحرّية عمن وقعت عليه، واخراجه منها مع مساواة غيره فيها اهـ.
(أقول) هذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه، والشافعيّ خالفهم فيه وروي فيه
أحاديث صحيحة، وله فيه تصنيف مستقل قرأناه رواية عن مثايخنا، ويؤيده وقوعها في القرآن من غير دليل ناسخ وأما القرعة في غير العتق فمتفق عليها. قوله:(وقيل هو استقسام الجزور الخ) هذا هو الميسر، وسيأتي بيانه، ورجح هذا بعض المفسرين، ولأنه يناسب ذكره مع محرمات الطعام فمعناه طلب قسم من الجزور أو ما قسمه الله له، وقوله: لأنه دخول في علم الغيب مرّ ما فيه، وقوله: أو إلى تناول ما حرّم أي إشارة إلى تناول المحرمات من المآكل المعلوم من سياق ما قبله فرجع إلى جميع ما قبله، وشمل الاستقسام. قوله:(أراد به الحاضر وما يتصل به من الآرّمنة الآتية) وأسقط قوله في الكشاف الماضية إذ لا معنى له هنا، وهو منصوب على الظرفية بيئس، وليست اللام فيه للعهد كما يقال: كنت بالأمس شابا، وأنت اليوم أشيب أو هي للعهد، المراد يوم نزول الآية الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى ورواه الشيخان عن عمر رضي الله تعالى عنه، واليأس عدم الرجاء، وأشار إلى تقدير مضاف فيه لأنّ اليأص ليس من نفس الدين بل من إبطاله أو غلبته بأن يغلبوكم عليه، وقوله: أن يظهروا عليكم راجع إلى الوجهين، وان كان على الثاني أظهر، وقوله: فلا تخشوهم متفرّع على اليأس، وإظهار الخشية فيه يفهم من نهيهم عن خثية غيره. قوله:(بالنصر والإطهار على الأديان كلها الخ (لأنهم بالنصر، والقوّة يجرون أحكام الدين من غير مانع، وبه تمامه أو المراد إتمام الدين في نفسه لبيان ما يلزم بيانه، ويستنبط منه غيره، وهذا رد على من قال إنّ الآية تبطل القياس، وإليه أشار بقوله، وقوانين الاجتهاد. قوله: (بالهداية والتوفيق الخ) أي بإتمام الهداية، والتوفيق بإتمام سببهما، والا فهما حاصلان قبل ذلك ومنار الجاهلية استعارة لأمورها من مناسكهم، وغيرها. قوله:(اخترته لكم الخ) يعني أنه نظر فيه إلى معنى الاختيار، ولذا عدى باللام، ومنهم من جعله صفة لدين قدم عليه فانتصب حالاً، والإسلام وديناً مفعولاً رضيت إن ضمن معنى صير أو دينا منصوب على الحالية من الإسلام أو تمييز من لكم فإن قيل ما وجه تقييد رضا الإسلام
بقوله اليوم لأنه معطوف على أكملت، وهو مرضيّ قبل ذلك وبعد. قيل المراد برضاه حكمه باختياره حكما أبديا لا ينسخ، وهو كان في ذلك اليوم وقوله:{وهو الدين عند الله لا غير} جملة حالية مقيدة للدلالة على ما ذكر فافهم. قوله: (متصل بذكر المحرّمات الخ) الاضطرار الوقوع في الضرورة، وقوله: وحرمتها من جملة الدين الخ إشارة إلى أنّ الاعتراض بذكر أمر الدين يؤكد
حرمتها لأنها من جملته، والمخمصة المجاعة أي الجوع سمي بها لأنه يخمص له البطون أي تضمر والجنف معناه الميل كما مرّ والمراد بميله للإثم تجاوز محل الضرورة، والرخصة بالزيادة أو قصد أمر غير دفعها، وظاهره أنّ معنى قوله غير باغ، ولا عاد ذلك، وقد فسر الباغي في سورة البقرة بالمستأثر على غيره فكأنه أشار هنا إلى تفسير آخر له وقوله:{لا يؤاخذ بكله} أوّله به ليصح جعله جوابا لمن الشرطية مترتبا عليه، واشارة إلى أنه أقيم فيه سبب الجزاء مقامه لا أنه مقدر في الكلام، وإن كان لا مانع منه. قوله:(لما تضمن السؤال معنى القول الخ) يعني أنّ السؤال ليس مما يعمل في الجمل، ويتعدى بحرف الجرّ يقال سأل عن كذا فقيل إنه بتقدير مضاف أي جواب ماذا، واختار المصنف رحمه الله أنه ضمن معنى القول فحكيت به الجملة كما يحكي بالقول، وهو معلق لأنه وان لم يكن من أفعال القلوب لكنه طريق العلم فعلق كما يعلق، وقال لهم دون لنا الذي وقع في سؤالهم فمقتضى الحكاية ذلك حكاية بالمعنى لمناسبة غيبة يسألونك كما تقول أقسم زيد ليضربن ولو قلت لأضربن جاز وقوله والمسؤول الخ أي ليس عن مطلق ما أحل بل عن المطاعم لأنّ الكلام فيها، وقوله: ساً لوا عما أحل لهم أي هل هو جميع ما عدا المذكور أم فيه تفصيل فأجيبوا بأن له تفصيلا. قوله: (ما لم تستخبثه الطباع السليمة الخ) فالمراد بالطيب ما لم يستخبث لقوله، وبحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، والمراد بمستخبثات العرب ما كانوا يأكلونه من الحشرات، وقوله: أو ما لا يدل الخ تفسير آخر للطيب، وهو بمعنى الحلال لأنّ الطيب يكون بمعنى الحلال، والحل إما بنص! أو قياس، ويدخل فيه الإجماع، ولا بد من استناده لنص، وإن لم
نقف عليه، وقال السليمة لأنّ الطباع جمع طبع، وهو ما طبع عليه الإنسان كما ذكره الأزهري فلا عبرة بمن أنكر كونه جمعا، وقال إنه واحد مذكر، ومن أنثه ذهب إلى الطبيعة، وقال ابن السيد: يجوز أن يكون جمع طبع ككلب وكلاب اهـ، وكأنه لم يقف على ما قاله الأزهري. قوله:(عطف على الطيبات إن جعل ما موصولة الخ) يصح على هذا أيضاً كونها مبتدأ، وجملة فكلوا خبره لكنه خلاف الظاهر. قوله:(وصيد ما علمتم الخ) أي مصيده لأنه الذي أحل فعطفه على الطيبات من عطف الخاص على العام وعلى تقدير الشرطية لا يكون عطفاً على الطيبات بل مبتدأ خبره الشرط، والجزاء على المختار، والجملة عطف على جملة أحل لكم، ولا يحتاج إلى تقدير مضاف، ونقل عن الزمخشري أنه قال بالتقدير فيه وقال تقدير. لا يبطل كون ما شرطية لأن المضاف إلى اسم الشرط في حكم المضاف إليه كما تقول غلام من يضرب أضمرب كما تقول من يضرب أضرب كذا قال النحرير، والظاهر أنه لا حاجة إلى جعل الصيد بمعنى المصيد لاًن الحل والحرمة يتعلقان بالفعل، وأنه لا حاجة إلى تقدير المضاف على جعلها شرطية كما أشار إليه المصنف رحمه الله بترك التقدير فيه لأنه على ذلك التقدير يصير الخبر خاليا عن ضمير المبتدأ إلا أن يتكلف بجعل ما أمسكن من وضع الظاهر موضع المضمر فليتأمل وقوله:(والجوارح كواسب الخ) من قولهم جرح فلان أهله خيرا إذا أكسبهم، وفلان جارحة أهله أي كاسبهم. قوله:(معلمين! ياة الصيد الخ) مؤدب الجوارج شامل للكلاب، وخص به الاشتقاق لأنه أكثر فيه، وقوله: ومضريها أصل معنى التضرية الإغراء، والحث وقد ضري بالصيد وأضراه عليه مرنه عليه ثم قيل لكل من اعتاد شيئا وقوله لأن كل سبع يسمى كلبا في شموله للطير نظر، ولا دلالة في تسميته الأسد كلباً عليه، وقوله من الكلب بسكون اللام أصالة أو مخففة كلب بفتحتين، وفيه على هذا استخدام في قوله فيه. قوله:(لقوله عليه الصلاة والسلام: " اللهتم سلط عليه كلبا من كلابك ") قال في الكشاف فأكله الأسد وسيأتي هذا في سورة النجم قاله صلى الله عليه وسلم في حق عتبة بن أبي لهب أو لهب بن أبي لهب وقد أذاه وسبه قال الطيبي رحمه الله: هذا حديث موضوع، وليس كما قال بل هو حديث صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث أبي نوفل [بن أبي عقرب عن أبيه] قال كان لهب بن أبي لهب يسب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم اللهمّ سلط عليه كلبأ من كلابك أو كلبك فخرج في قافلة يريد الشام فنزلوا
منزلاً فيه سباع فقال إني أخاف دعوة محمد صلى الله عليه وسلم فجعلوا متاعه حوله
وقعدوا يحرسونه فجاء أسد فانتزعه وذهب به قال الحاكم، وهو صحيح الإسناد، وقوله: وانتصابه أي مكلبين، وقوله: وفائدتها المبالغة الخ. إشارة إلى أنها حال مؤكدة لعاملها، وهو علمتم. قوله:(حال ثانية (مؤكدة أيضاً أو استئنافية إن لم تكن ما شرطية والا فهي معترضة. توله:) من الحيل وطرق التأديب الخ) أي المراد بما علمهم الله ما ذكر وهو أعمّ من الوجه الثاني ولذا قدّمه لأنه أعمّ فائدة إذ التأديب شامل لما في إرساله وما معه، وقيل الأوّل يتعلق بكيفية التعليم، والحيل، وهي من الله أي بإلهام منه أو بالعقل الذي خلقه فيهم، والثاني بما في الاصطياد من الجزئيات التي يحل بها الصيد، وذلك بالشرع الذي علمه الله فعلى الأوّل الحال الثاني أعني تعلمونهن بمنزلة التفسير، والتفصيل للحال الأولى أي مكلبين وعلى الثاني قيد زائد، وقوله: بدعائه أي بنداء الصائد للكلب ونحوه. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام الخ) رواه أصحاب السنن، وأوّله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد الكلب المعلم فقال إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك فإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه قال أبو حنيفة، وأصحابه إذا أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم لا يؤكل صيده، ويؤكل صيد البازي ونحوه، وان أكل وعليه إمام الحرمين من الشافعية، وقال مالك والليث يؤكل، وان أكل الكلب منه، وقال الشافعي رحمه الله: لا يؤكل إذا أكلا منه، والى المذاهب أشار المصنف رحمه الله، وقوله في الحديث:(إنما أمسك الخ) علة للنهي، وقوله:(والضمير لما علمتم الخ) هذا هو الأصح كما صرح به الحديث السابق، وقيل هو للأكل، وهو بعيد، وقوله:
فيؤاخذكم الخ إشارة إلى أنّ سرعة الحساب مجاز عن المؤاخذة على جميع الأفعال حقيرها، وجليلها لأنّ من سرع عليه الحساب، وسهل يحاسب على كل شيء ومن صعب عليه قد يحاسب على ما يهمه، ويترك غيره. قوله:(يتناول الذبائح وغيرها ويعم الخ) في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ المراد بها الذبائح لأنّ غيرها لم يختلف في حله، وقوله والنصارى قيل فيه شيء فإنّ النصارى مثلثة، وأخرج عبد الرزاق عن النخعي عن عليّ كرم الله وجهه ورضي عنه أنه كان يكره ذبائح بني تغلب ونسائهم، وبقول هم من العرب، ورواه الشافعي عنه بإسناد صحيح، ولم يلحق بهم المجوس لأنهم ليسوا بأهل كتاب. قوله:(سنوا بهم سنة أهل الكتاب الخ) قال ابن حجر رحمه الله لم أجده بهذا اللفظ، وقد رواه مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال ما أدري ما أصنع في أمر المجوس فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أشهد لسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" سنوا بهم سنة أهل الكتاب " قال مالك رحمه الله يعني في الجزية، وعلم من تخصيص مالك الجزية أنه لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم ورواه البيهقي عن الحسن بمعنى ما ذكره المصنف، وعبد الرزاق، وقال إجماع أكثر المسلمين عليه يؤكده فلا وجه لما قاله ابن حجر واعادة أحل لكم الطيبات للتأكيد، والتوطئة لما بعده وذكر اليوم لما مرّ. قوله:( {وطعامكم حل لهم} الخ) فلا عليكم أصله لا بأس عليكم فحذف اسم لا، وهو مسموع من العرب كما ذكره النحاة، وفي الانتصاف لما كان الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة أولوا الآية بصرف الخطاب إلى المؤمنين أي لا جناج عليكم أيها المسلمون أن تطعموا أهل الكتاب وفي أمالي الإمام السهيلي رحمه الله تعالى قيل ما الحكمة في هذه الجملة، وهم كفار لا يحتاجون إلى بياننا فعنه جوابان أحدهما أنّ المعنى انظروا إلى ما أحل لكم في شريعتكم فإن أطعموكموه فكلوه، ولا تنظروا إلى ما كان محرّماً عليهم فإنّ لحوم الإبل، ونحوها كانت محرّمة عليهم ثم نسخ ذلك في شرعنا، والآية بيان لنا لا لهم أي اعلموا أنّ ما كان محرّما عليهم مما هو حلال لكم قد أحل لهم أيضا، ولذلك لو
أي أطعمونا خنزيراً أو نحوه وقالوا هو حلال في شريعتنا، وقد أباح الله لكم طعامنا كذبناهم، وقلنا إنّ الطعام الذي يحل لكم هو الذي يحل لنا لا غيره فالمعنى طعامهم حل لكم إذا كان الطعام الذي أحللته لكم، وهذا التفسير معنى قول السدي وغيره الثاني للنحاس، والزجاج والنقاش، وكثير من المتأخرين أنّ المعنى جائز لكم أن تطعموهم من طعامكم لا أن يبين لهم ما يحل لهم في دينهم لأنّ دينهم باطل لأنه لم يقل، واطعامكم بل طعامكم
والطعام المأكول، وأمّا الفعل فهو الإطعام فإن زعموا أنّ الطعام يقوم مقام الإطعام توسعاً قلنا بقي اعتراض آخر، وهو الفصل بين المصدر وصلتة بخبر المبتدأ، وهو ممتنع بالإجماع لا يجيزون إطعام زيد حسن للمساكين، ولا ضربك شديد زيداً فكيف جاز وطعامكم حل لهم اهـ، وقوله وتبيعوه منهم يفيد أنه يجوز البيع لهم مطلقا، ولو كانوا من دار الحرب، وبه صرح الفقهاء لكن قالوا الأولى أن لا يباع لهم بخلاف السلاح، وما يعين على الحرب، وبعضهم يخطئ في الأوّل فاعرفه.
قوله: ( {والمحصنات} الخ) جعله بعثا على جواز الأولى بناء على نكاح الأمة الكافرة،
وأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب ففسره ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بمن أسلم منهن، وقالوا إنه يأباه النظم ولم يرضوه، وهو بظاهره يتناول الحربيات وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا يجوز نكاج الحربيات، وخص الآية بالذميات، واحتج له بقوله:{لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يواذون ما حاذ الله ورسوله} [سورة المجادلة، الآية: 22] والنكاج مقتض للمودة لقوله تعالى: {خليئ لكم من أنفسكم أرّواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة} [سورة الروم، الآية: 21] قال الجصاص، وهذا عندنا إنما يدلّ على الكراهة، وأصحابنا يكرهون مناكحة أهل الحرب. قوله:(وتقييد الحل بإيتائها) أي الأجور، والمهور لا يجب تعجيلها فهذا القيد لا مفهوم له لأنه لتأكيد الوجوب لا للاحتراز أو المراد بالإيتاء التعهد والالتزام مجازاً، وهذا أقرب وإن كان المآل واحداً، وحمل المسافحة على إظهار الزنا لظهور مقابله في الإسرار لتبادره من الخدن وهو الصديى، وقيل الأوّل نهى عن الزنا، والثاني نهى عن مخالطتهن. قوله:(يريد بالإيمان شرائع الإسلام) على أنه مصدر أربد به المؤمن به كدرهم ضرب الأمير لأنّ الإيمان نفسه لا يكفر به، والكفر الإباء عنه، وجحوده والآية تذييل لقوله:
{اليوم أحل لكم الطيبات} تعظيما لشأن ما أحله الله وما حرّمه، وتغليظا على من خالف ذلك فيقتضي أن يراد بالإيمان أمور الدين. قوله:(أي إذا أردتم القيام الخ الما كان النظم إذا حمل على ظاهره يقتضي تأخير الوضوء عن الصلاة أو كونها قبلها أو متصلا بها بعد القيام، وكله غير مراد أوّلوه بتأويلين أن يكون القيام إلى الصلاة بمعنى إرادته فعبر عن السبب بالمسبب أو قصدها فعبر عن أحد لازمي الشيء يلازمه الآخر لا أنه من إطلاق اسم الملزوم على لازمه، والمسبب على سببه بناء على أن إرادة الشيء لازم، وسبب على أنه لو سلم فيكفي في تغاير الوجهين اعتبار العلاقتين، واختار الأوّل لما في الثاني من التكلف كذا قيل، وهو رذ لكلام العلامة حيث قال المراد بالقيام إلى الصلاة قصدها وعلى الأوّل قصد القيام إلى الصلاة والمصنف رحمه الله تعالى جعل الأوّل من باب إطلاق المسبب على السبب، والثاني من إطلاق الملزوم على اللازم، وقصد الشيء كما أنه لازم للقيام إليه سبب له فلا فرق في ذلك بينهما، وهذا إشارة إلى سؤال على الزمخشري، وهو وارد على المصنف أيضا، وهو أنه لا فرق بين الوجهين معنى إذ القصد، والإرادة متقاربان، والعلاقة وإن اعتبر فيها التغاير كما ذكروا يجوز فيها الاتحاد فترجيح أحد الوجهين، وجعله غير الآخر ليس تحته كبير معنى والنحرير حاول الجواب عنه، ولا طائل تحته، وقيل في الفرق بينهما أن الأوّل هو القصد إلى الانتصاب إلى الصلاة والثاني القصد إلى الصلاة ولا نظر إلى الانتصاب وبعد كل كلام لم يتضح كل الاتضاح. قوله: (والتنبيه على أن من أراد العبادة الخ) وجهه يؤخذ من التعليق على الإرادة فإن جوابها مقارن أو متصل، وما ذكره في الوجه الثاني من أن التوجه الخ. قيل عليه أنه يكفي في التعبير عن القصد بالقيام أنّ القيام يستلزم القصد، ولا دخل لكون التوجه مستلزماً له في التعبير بالقيام عن القصد إلا أن يقال أراد تأكيد استلزام القيام للقصد بأنّ القيام لا ينفك عن التوجه المستلزم للقصد وفيه تأقل. قوله: (وظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم الخ (نظرا إلى عموم الذين آمنوا من غير اختصاص بالمحدثين، وان لم يكن في الكلام دلالة على تكرار الفعل لأنها لا تقتضيه على الصحيح، وإنما ذلك من خارج لكن الإجماع صرفها عن ظاهرها فإما أن تكون مقيدة أي، وأنتم محدثون بقرينة دلالة الحال، ولأنه اشترط الحدث في البدل، وهو
التيمم فلو لم يكن له مدخل في الوضوء مع المدخلية
في التيمم لم يكن البدل بدلاً، وقوله فلم تجدوا ماء صريح في البدلية، وأما ما قيل إنه اشترط الحدث في البدل فيدل على هذا فغير ظاهر فإنه للضرورة، ولا ضرورة بدون الحدث وفقد الماء، وقيل إنه لا دلالة في الكلام على عموم الأحوال فيخص بالبعض أو أنه لا دلالة له على تخصيص الأفراد، ويجب على كل مؤمن الوضوء عند القيام، ولو مرّة وأوود عليه أنه لولا دلالة العبارة على عموم الأحوال لم يرد الإشكال، وفيه نظر وقيل الأمر للندب، ويعلم الوجوب للمحدث من السنة، وهو بعيد لإجماعهم على أنّ وجوب الوضوء مستفاد من هذ 0 الآية مع الاحتياج إلى التخصيص بغير المحدثين من غير دليل مع أنه لا ندب بالنسبة إلى المحدثين وأبعد منه أنه ندب بالنسبة إلى البعض ووجوب بالنسبة لآخرين وكون النبي غترو الخمس بوضوء وأحد أخرجه مسلم وغيره، وقوله عمدا فعلته أي بياناً للجواز، ويعلم منه أن تجديد الوضوء سنة، وقيل في الكلام شرط مقدر أي إذا قمتم إلى الصلاة الخ. إن كنتم محدثين وان كنتم جنبا، وهو قريب جدّاً. قوله:(وقيل كان ذلك أوّل الآمر ثم نسخ الخ) فيه أنّ أحمد وأبا داود وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم، والبيهقي رووا عن عبد الذ بن الغسيل أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر فلما شق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث وحديث المائدة لا يعارضه لأنّ العراقي قال لم أجده مرفوعاً، وقد مرّ أنّ آخر ما نزل براءة. قوله:(ولا حاجة إلى الدلك الخ) الدلك عند الحنفية من الآداب، والواجب عند مالك رحمه الله تعالى لدّاته، وقيل لتحقق وصول الماء فلو تحقق لم يجب كما قاله ابن الحاج في شرح المنية. قوله:(الجمهور على دخول المرفقين الخ) وخالف في ذلك بعضهم كزفر، وأما أنها إذا كانت بمعنى مع أو متعلقة بمحذوف لم يبق معنى التحديد، ولم يبق لذكره مزيد فائدة لاشتمال اليد عليها فذكرها زائد ففيه نظر لأنه يدل على دخول المرافق صريحأ لأنّ اليد وان كانت إلى المنكب فليس ذلك مرادا هنا بل المراد بعضها لخروج ما فوق المرفق، وادخاله، ويعلم منه التحديد أيضاً، وما جنح إليه المصنف رحمه
الله تعالى أنّ التنصيص على الشيء لا يقتضي عدم غيره فتأمل. قوله: (وقيل إلى تفيد الغاية مطلقا الخ) اختلف أهل النحو والأصول في هذه المسائل فمن قائل بالدخول مطلقا، ومن قائل بالخروج مطلقاً، ومفصل بين أنّ صدر الكلام إن لم يتناول الغاية فذكرها لمد الحكم إليها فلا يدخل مثل أتموا الصيام إلى الليل، وان تناولها كما هنا فذكرها لإسقاط ما وراءها فيبقى داخلا تحت الحكم، وهذأ أيضاً ليس على إطلاقه إذ يدخل في مثل قرأت القرآن الخ بخلاف قرأته إلى سورة كذأ، والغاية ما ينتهي به الشيء فتطلق على الجزء الأخير وما يلاتيه، والمرفق بفتح الميم وكسر الفاء على الأفصح معروف. قوله:(الباء مزيدة وقيل للتبيعض الخ الما كان المسح متعدّيا بنفسه جعلها زائدة، ولظهوره قدمه أو هي دخلت في المفعول لتضمين معنى الإلصاق وهو شامل لمسح البعض والكل، ولا دلالة على أحدهما فحمل على التبعيض لتيقنه، وقيل إنّ الباء تفيد التبعيض سواء دخلت في الآلة نحو مسحت بالمنديل أو المحل نحو مسحت برأس اليتيم، ونقل عن أبي عليئ، وبه أخذ أبو حنيفة لكن ذهب إلى أنّ الأقل ليس بمراد لحصوله في ضمن غسل الوجه مع عدم تأدي الفرض به بالاتفاق فصار مجملاً بين بمسح النبي صلى الله عليه وسلم على الناصية فقدر بمقدارها، وهو الربع ومبناه على اشتراط الترتيب، والا فيجوز أن يكون عدم الاعتداد به لذلك. قوله: (نصبه نافع وابن عامر الخ) قرئ أرجلكم بالنصب والجرّ والرفع فالأوّل إما بالعطف على وجوهكم، وقيل على أيديكم بناء على أنّ العطف على الأوّل أو الثاني إذا تعدد المعطوف عليه لكته أورد عليه أنّ فيه الفصل بين المعطوف، والمعطوف عليه بجملة ليست اعتراضية، وقد التزمه أبو البقاء رحمه
الله تعالى، وقال إنه لا بأس به، وأما احتمال العطف على محل الجار، والمجرور فبعيد لفظا ومعنى. قوله:(وجرّه الباقون على الجوار الخ) حمل قراءة الجرّ على الجرّ الجواري، وأشار إلى الرذ على من تال إنه شاذ بابه الشعر مع أنه إنما ورد كثيراً في النعت وقليلا في التأكيد لا في العطف، وحرف العطف مانع من الجوار بأنه كثير في كلام
العرب نظما ونثرا، ولا يختص بالنعت، والتأكيد إذ قد ورد في العطف كما أثبته النحاة حتى عقدوا له بابا على حدته لكثرته ولما فيه من المشاكلة، وقد كثر حتى تعدّوا عن اعتباره في الإعراب إلى التثنية والتأنيث، وغير ذلك لكن شرط حسنه عدم الإلباس مع تضمن نكتة، وهو هنا ليس كذلك لأن الغاية دلت على أنه ليس بممسوح إذ المسح لا يغني، والنكتة فيه الإشارة إلى تخفيفه حتى كأنه مسح، ومنهم من حمل النصب على حالة ظهور الرجل، والجرّ على حال استتارها بالخف حملا للقراءتين على الحالتين قيل وفيه نظر لأنّ الماسح على الخف ليس ماسحا على الرجل حقيقة، ولا حكما لأن الخف اعتبر مانعاً سراية الحدث إلى القدم فهي ظاهرة، وما حل بالخف أزيل بالمسح فهو على الخف حقيقة، وحكماً، ولأنّ المسح على الخف لا يجب إلى الكعبين اتفاقا كذا قيل-
(وفيه بحث الأنه يجوز أن يكون لبيان المحل الذي يجزي عليه المسح لأنه لا يجزي
على ساقه ثم إنه نقل هذا عن الكشاف وقد قال النحرير أنه لا دلالة في كلامه عليه. قوله: (وفائدته التنبيه الخ) في نسخة يقصد، وفي أخرى يقتصد، وهما بمعنى أي يخفف، وهذا يستفاد من صورة العطف لا من جعله معطوفا على الممسوح ليفيد ما ذكره كما قيل فإن قيل العطف على الممسوح لا للمسح يكون جمعا بين الحقيقة، والمجاز حيث أريد بالمسح بالنسبة إلى المعطوف عليه حقيقته وبالنسبة إلى المعطوف الغسل الشبيه بالمسح في قلة استعمال الماء قيل إنه إشكال قوي لا محيص عنه سوى الحمل على تقدير إعادة العامل في المعطوف مراداً به المعنى المجازي فتكون الأرجل معطوفة على الرأس في الظاهر، وهو من عطف الجمل في التحقيق أي {وامسحوا بأرجلكم} ولا يخفى أنه لا دلالة في الكلام على التجوّز في المحذوف مع ما في إضمار الجار من الضعف، وقيل إنه من قبيل علفتها تبناً وماء بارداً، وهو من المشاكلة ومن أهل البدع من جوّز المسح على الرجل بدون الخف مستدلاً بظاهر الآية، وللشريف المرتضى كلام في تأييده تركناه لإجماع أهل السنة على خلافه، وتمثيله بعذاب يوم أليم بجر أليم، وهو صفة العذاب لا اليوم، وحور عين في قراءة الجرّ معطوف على ولدان لا
على ما قبله مما طافوا به، وتغ في التمثيل بهاتين الآيتين أبا البقاء، وغيره وسيأتي فيهما كلام آخر. قوله:(وفي الفصل الخ (هذا مذهبه، وضمن الإيماء معنى التنبيه، والدلالة فلذا عداه بعلى، والقائل بعدمه لا يسلمه، ويقول بل هو لبيان الأولى، ويكفي مثله نكتة وقراءة الرفع على أنه مبتداً خبره محذوف كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: فاغتسدوا أخذه من التطهر الدال على المبالغة في الطهارة. قوله: اليتصل الكلام الخ (قيل، ولئلا يتوهم نسخه لأن هذه السورة من آخر ما نزل. قوله:) أي ما يريد الأمر بالطهارة الخ (يريد أن! فعوله محذوف، واللام للتعليل لا زائدة لأنّ أن المصدرية لا تضمر بعد اللام الزائدة، وقوله: تضييقا مفعول له مبين للمعنى، والحرج الضيق. قوله: (لينظفكم الخ) يعني الطهارة هنا لغوية بمعنى التنظف أو معنوية بمعنى تكفير الذنوب لا بمعنى إزالة النجاسة فإنّ الحدث ليس بنجاسة، وهذا رذ على الحنفية على ما قيل فإنهم يقولون إنّ الحدث نجاسة وليس كذلك لأنه عندهم نجاسة حكمية بمعنى كونه مانعاً من الصلاة لا بمعنى كونه بحيث يتنجس الطعام أو الثوب الرطب بملاقاته أو تفسد الصلاة بحمل محدث أو جنب غسل موضع خروج النجاسة منه، وأثا تنجس الماء عند أبي حنيفة فلانتقال المانعية، والآثام إليه، وقيل معناه تطهير القلب عن دن! التمرد عن طاعة الله تعالى. قوله:(أو ليطهركم بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء الخ) يقال أعوزني كذا بمعنى أعجزني والعوز بالفتح العدم، والمراد بالتطهير رفع الحدث، والمانع الحكمي، وأمّا ما نقل عن بعض الشافعية كإمام الحرمين من أنّ القول بأنّ التراب مطهر قول ركيك فمراده به منع الطهارة الحسية فلا يرد عليه أنه مخالف للحديث الصحيح:" جعلت لي الأرض! مسجداً وطهورا ". قوله: (لأنّ أن لا تقدر بعد المزبدة) هذا مخالف لكلام النحاة قال الرضي الظاهر أن تقدر أن بعد اللام الزائدة التي بعد فعل الأمر، والإرادة، وكذا في المغني، وغيره فلا سلف له في هذا القول، ووقوع هذه اللام بعد الإرادة، والأمر في القرآن، وكلام العرب شائع مقيس، وهو من مسائل الكتاب تال فيه سألته أي الخليل عن معنى أربد لأن يفعل فقال إنما
تريد
أن تقول إرادتي لهذا كما قال تعالى: {وأمرت لأن كون أوّل المسلمين} [سورة الزمر، الآية: 2 ا] اهـ، واختلف فيه النحاة فقال السيرافي رحمه الله فيه وجهان أحدهما ما اختاره البصريون أنّ مفعوله مقدر أي أريد ما أريد لأن تفعل فاللام تعليلية غير زائدة الثاني أنها زائدة لتأكيد المفعول اهـ، وقال أبو عليّ في التعليقة عن المبرد أنّ الفعل دال على المصدر فهو مقدر أي أردت، وارادتي لكذا فحذف إرادتي، واللام زائدة اهـ وهو تكلف بعيد ففيه ثلاثة مذاهب أقربها الأوّل، وأسهلها الثاني، وهو من بليغ الكلام القديم كقوله:
أريد لأنسى ذكره كل ساعة
ووجه البلاغة فيه أن الجارّ دال على تعميم المراد، والمأمور به وأن لا يتخلف مراده، وامتثال أمره، وهذا مما يعرفه الذوق السليم، ولك أن تقول إن مراده أنها لا تزاد في غير الأمر، والإرادة. قوله: اليتم بشرعه الخ) يعني أن المراد بالنعمة نعمة الطهارة بقرينة المقام ومطهرة ومكفرة الظاهر فيه الفتح كقولهم الولد مجبنة ومبخلة أي سبب للبخل والجبن ويصح أن يكون على وزن اسم الفاعل مشدداً، والعزائم جمع العزيمة، وهي ضد الرخصة أي المعنى جعل الله نعمة الرخصة تتميماً لنعمة العزيمة. قوله:(والآية مشتملة على سبعة أمور الخ) والأصل الماء، والبدل التراب، والمستوعب الغسل، وغيره الوضوء، والمحدود بقوله: إلى المرافق والى الكعبين، وغيره ما سواه، وهذا ظاهر وقوله: بالإسلام يحتمل التعميم وهذا أولى. قوله: (يعني الميثاق الذي أخذه الخ) هو بهذا اللفظ أخرجه البخاري ومسلم في النهاية المنشط بالفتح مفعل من النشاط وهو ضد الكسل والمكره ما يكره فلا ينشط لعمله، وهذه المبايعة كانت بالعقبة الثانية سنة ثلاث عشرة من النبوة، والأولى في سنة إحدى عشرة
فقوله أو ميثاق ليلة العقبة أي الأولى، وقصتها معروفة، وبيعة الرضوان بالحديبية سميت بها لقوله تعالى:{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [سورة الفتح، الآية: 18] وقوله: في إنساء نعمه بمعنى نسيانها، وهو مصدر أنسى المزيد فكأنّ من نسي أنسى نفسه، وذات الصدور أصل معناه صاحبه الصدور فتجوّز به عما فيها كما في قوله: ذا إنائك وأشار إلى أنّ المراد بعلمه مجازاته على ما علمه، وفضلا لا يكون في مثل هذا الموقع فيؤول هنا أو يدرج في مسامحات المصنفين لأنّ لها استعمالاً خاصاً بعد النفي ويمكن تأويل كلامه بما يوافقه، وهو واضح. قوله:(عداه بعلى الخ) قد سبق ما نقلنا من أنّ جرم يكون بمعنى حمل فيتعدّى للمفعول الأوّل بنفسه وللثاني بعلى أو بمعنى كسب فيتعدى لواحد ولاثنين وفسره المصنف رحمه الله بهما هناك، وهنا لما صرح بعلى تعين الأوّل فإن كان معنى حقيقياً فلا كلام، والا نعتبر التضمين والمصنف أشار إلى أنّ المختار عنده أنه غير حقيقي فتقديمه هناك لموافقته لما صرح به في النظم فما قيل جرم يجيء متعدياً إلى مفعول مثل جرم ذنباً، وليس هذا منه لأنّ مفعوله لا يكون إلا مكسوبا كالذنب لا الشخص، والى مفعولين، وظاهر أنّ هذا ليس منه لوجود حرف الجر فيما هو في موقع المفعول الثاني فاعتبر تضمين معنى الحمل ليصح كون معنى الأوّل هو الشخص، والثاني مع حرف الاستعلاء لا يخفى ما فيه من القصور بل الخلل كما يعلم مما مر ولما فتحت مكة أمر الله المسلمين أن لا يكافئوا كفار مكة بما سلف منهم وأن يعدلوا في القول، والفعل والحكم، وهو مراد المصنف بما ذكره. قوله:(أي العدل الخ) يعني أنّ الضمير راجع إلى المصدر الذي تضمنه الفعل، وهو إمّا مطلق العدل فيندرج فيه العدل مع الكفار، وهو المقصود بالآية لما مر في سبب النزول وان كان للعدل مع الكفار فظاهر وعلى الوجهين يتمّ قوله وإذا كان هذا العدل الخ فلا يرد قول النحير أنّ مبناه على أنّ ضمبر هو أقرب لخصوص مصدر اعدلوا المراد به العدل مع المشركين، وترك الاعتداء عليهم، وأمّا إذا كان لمطلقه فلا. قوله:(صرح لهم بالأمر بالعدل الخ) في الكشاف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيداً، وتشديداً ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل، وهو قوله:{هو أترب للتقوى} أي العدل أقرب إلى التقوى، وأدخل في مناسبتها أو أقرب إلى التقوى لكونه لطفاً فيها يعني أنّ أقربيته إلى للتقوى مناسبة الطاعة للطاعة فالتقوى نهاية الطاعة، وهو أنسب بها من غيره منها أو مناسبة إفضاء السبب إلى المسبب فهو بمنزلة الجزء الأخير من العلة فليس المراد أنه
أقرب من غير العدل حتى يكون من قبيل الخل أحلى من العسل كما قاله الراغب: فتدبر. قوله:
(فيجارّيكم الخ) يعني كون خبير كناية عن المجازاة كما مر.
وقوله: (وتكرير هذا الحكم الخ) يعني قوله: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط}
إلى هاهنا مع تقدمه في سورة النساء بعينه لما ذكره أي لاختلاف المحكوم عليه بقرينة سبب النزول، والسياق والسباق كذا في حواشي القطب، وليس المراد بالحكم النهي عن الجور والأسر بالعدل وءافراد ا! كم لأنهما كحكم واحد كما قيل وثائرة فاعلة من ثارت ثائرة أي هاجت هائجة. قوله:(إنما حذف ثاني مفعولي وعد الخ الما كان الظاهر نصب مغفرة، وأجراً على أنه مفعول وعد كما وقع في سورة الفتح أشاروا إلى نكتة العدول عن الظاهر بأنّ مفعوله محذوف يفسره ما بعده أو متروك، ومعناه قدم لهم وعدا وهو ما بين بالجملة المذكورة بعده، وهي جواب سؤال مقدر أي أفي شيء وعده لهم أو القول مقدر أي وعدهم قائلا لهم مغفرة أو هو مفعول وعد باعتبار كونه بمعنى قال أو المراد حكايته لأنه يحكي بما هو في معنى القول عند الكوفيين، وفائدة الوعد بهذا القول إنه وعد من لا يخلف الميعاد بمضمونه فلا خلف فيه البتة فقد قال ذلك لهم، وفي حقهم فكان إخباراً بثبوته لهم، وهو أبلغ وقيل إنّ هذا القول يقال لهم عند الموت تيسير الهم وتهوينا لسكرات الموت عليهم. قوله:) هذا من عادته تعالى الخ (أن يتبع بدل من هذا وتطييب قلوبهم لجعل أصحاب النار هم الكفرة لا هؤلاء. قوله:) روي أنّ المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه، وغيره من طرف أخر وعسفان كعثمان اسم مكان معروف على مرحلتين من مكة، وكان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة وقد التقى المسلمون، والكفار، وافترقوا من غير حرب، ورأى هنا بصرية، وقاموا في موضع الحال بتقدير قد أو بدل من النبيّ، وأصحابه بتأويله بالمصدر مثل سمعته قال كذا،
وقوله: ألا كانوا بفتح الهمزة وتشديد اللام وهي كلمة تنديم كهلاً وما قيل معناه على أن لا كانوا ليس بسديد لأنّ لا لا تدخل على الماضحي من غير تكرير وهذا كان في غزوة ذات الرقاع وذي أنمار، ومعنى أكبوا عليهم هجموا عليهم، وهم في الصلاة بدون سلاح. قوله:(وقيل إشارة إلى ما روي الخ) هذا أخرجه أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن إسحق والبيهقيّ لكن الذي في روايتهم أنّ القتيلين كانوا معاهدين لا مسلمين، وا! الخروج إلى بني النضير لا إلى قريظة والضمري بفتح فسكون نسبة إلى بني ضمرة حيّ من العرب وجحاس بكسر الجيم علم يهوديّ. قوله:(وقيل نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (هذا الحديث أخرجه الشيخان من حديث جابر ولا ينافي كون هذا سبب النزول مع أنّ سبب النزول يجوز تعدده قوله قوم فإنّ الجمع قد يطلق على الواحد كما في قوله: {الذين قال لهم الناس} [سورة آل عمران، الآية: 173] ولا حاجة إلى تكلف تقدير بعض أو أنه همّ بأمرهم فكأنهم هموا. قوله (بالقتل والإهلاك الخ) الإهلاك أعم من المباشرة التي بالقتل، والبسط مطلق المد فبسط اليد للبطش، وبسط اللسان للشتم فإذا استعمل فيهما فهو كناية عنهما فلا يكون يبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم جمعاً بين معنيين مختلفين للفظ واحد، وقوله: إن تمد إشارة إلى المعنى الذي به
قابل البسط، وقوله: فإنه الكافي إشارة إلى وجه انتظامه مع ما بعده. قوله: (شاهدا من كل سبط الخ) تقدم أنّ السبط في بني إسرائيل كالقبيلة في العرب والنقيب، والعريف الذي يجعل رأسا لقوم من الجيش لاً نه ينقب عن أحوالهم، ويفتشها ويعرفها من النقب في الحائط ونحوه أو هو بمعنى الكفيل لوفائهم بما أمروا به وأريحاء بالمد كرليخاء وكربلاء بلدة بالشأم، والكنعانيون أولاد كنعان بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام وهم أمة من الجبابرة ولغتهم تقرب من العربية وكالب بفتح اللام، ويوفنا بفتح الفاء وتشديد النون ويهوذا بذال معجمة بعدها ألف كلها أعلام غير عربية، وحمل المعية على النصرة بقرينة المقام
وقيل الظاهر تفسيره بأنى أوفقكم للخير. قوله: (اي نصرثموهم وقويتموهم الخ (أصل معنى التعزير المنع والذب بالذال المعجمة بمعناه أيضا، وقيل أصله التقوية من العزر وهو والأرز من واد واحد وفي التقوية منع لمن قويته على غيره فهما متقاربان، ثم تجوز به عن النصرة لما فيها من ذلك وعن التأديب، وهو في الشرع ما كان دون الحد لأنه راح ومانع عن ارتكاب القبيح، ولذا سمي في الحديث نصرة في قوله صلى الله عليه وسلم انصر أخاك ظالما أو مظلوما، ونصرة الظالم تأديبه كما بيته النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد سئل عنه قال الطيبي رحمه الله تعالى: فإن قلت الإيمان بالرسل مقدم على إقامة الصلاة وايتاء الزكاة فلم أخر ذكره في قوله: {لئن أقمتم الصلاة} الآية قلت هذه الجملة أعني قوله: {وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسنا} كناية إيمائية عن المجاهدة ونصرة دين الله ورسله والإنفاق في سبيله كأنه قيل لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وجاهدتم في سبيلي يدل عليه قوله تعالى: {ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} [سورة المائدة، الآية: 21] قال: أي لا ترتدوا على أدباركم في دينكم لمخالفتكم أمرر بكم، وعصيانكم نبيكم صلى الله عليه وسلم وإنما وقع الاهتمام بثأن هذه القرينة دون الأولين وأبرزت في معرض الكناية لأنّ القوم كانوا يتقاعدون عن القتال، ويقولون لموسىءلجز:{اذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} [سورة المائدة، الآية: 24]
وقيل إنما قدمت لأنها هي الظاهر من أحواله الدالة على إيمانه، وفسر القرض بالإنفاق في سبيل الخير فهو استعارة لأنه لما وعد بجزائه والثواب عليه شبه بالقرض الذي يقضي بمثله، وفي كلام العرب قديماً الصالحات قروض. قوله:(ساذ مسد جواب الشرط) كذا في الكشاف أيضا، وقيل عليه إذا اجتمع شرط وقسم أجيب السابق منهما إلا أن يتقدمه وخبر فهو جواب القسم فقط وجواب الشرط محذوف واللام الأولى موطئه، والثانية جوابية وليس بشيء لأنّ مراده أنّ جواب الشرط محذوف، وهذا دال عليه فهو ساد مسده معنى لا أنه جواب له ويجوز أن يكون! فرنّ جوابا لما تضمنه قوله:{ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل} [سورة المائدة، الآية: 12] من القسم وقيل إنّ جوابه لئن أقمتم فلا تكون اللام موطئة أو تكون ذات وجهين، وهو غريب وجملة القسم المشروط وجوابه مفسرة لذلك الميثاق المتقدم. قوله: (بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم (أي الشرط المؤكد بالقسم الذي علق به ما وقع في جوابه من الوعد العظيم، وهو قوله:{كفرق} الخ وعظمه ظاهر، وعدل عن قول الزمخشري بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم لأنه أورد عليه أنّ الوعد بتكفير السيئات وادخال الجنات جزاء للشرط والجزاء هو المعلق بالشرط لا الشرط بالجزاء فعبارة الكتاب على القلب، ولذا غيرها المصنف إشارة إلى أنها مقلوبة، وأجيب بأنه لم يرد بالتعليق المصطلح أي جعل أمر على خطر الوجود مرتبا ومقيدا حصوله بحصول شرط ومسببا عنه بل معناه اللغوي، وهو الارتباط به وقد جعل الشرط مرتبطا لوعد حيث أخبر بحصول الموعود بعد حصول مضمون الشرط، وقد وقع التعليق بهذا المعنى في كلام السيرافي وغيره، أو أنّ التعليق في الحقيقة من الجانبين لأنّ كلا منهما سبب للآخر من وجه فالشرط من جهة الوجود العيني، والجزاء من جهة الوجود العقلي أو بأن الوعد العظيم، وهو قوله إني معكم بالإعانة والنصرة والشرط متعلق به من حيث المعنى نحو أنا معتن بشأنك إن خدمتني رفعت محلك، وهو يرجع إلى جعل التعليق لغويا أيضا فلا حاجة إلى العدول عن الظاهر لهذا، وقيل ليس معنى كلامه ما فهموه من الشرط النحوي لظهور أن ليس المعنى من فكر بعد إقامة الصلاة وايتاء الزكاة والإيمان بالرسل بل بعدما شرطت هذا الشرط ووعدت هذا الوعد وأنعمت هذا الإنعام ولإخفاء في أنّ الضلال بعد هذا أقبح، وأظهر ولا حاجة إلى حمل الكفر على الارتداد خاصة بل يتناول البقاء على الكفر بعد هذا الإخبار والإعلام بمضمون الشرطية، ويدل على هذا أنه وصف الشرط بالمؤكد ومعلوم أنّ القسم ليس لتأكيد مضمون الشرط بل مضمون الجملة بل التحقيق أنه مؤكد للإخبار الذي تضمنه الجزاء كما صرح به السيرافي وهذا مع بعده، وتكلفه محصله أنّ المراد بالشرط الجملة
الشرطية أو جزاؤها ومعنى المعلق بالوعد المعلق مع الوعد، وفيه نظر آخر، وأما ما قيل إنّ
المراد بتأكيد الشرط التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي، وتعليق الوعد العظيم به وأنه خفي على النحرير فليس بشيء لأنّ كل ماض يقلبه الشرط مستقبلا ومثله لم يعدوه تأكيدا فتدبر. قوله:(ضلالاً لا شبهة فيه ولا عذر معه الخ) كونه لا شبهة فيه مأخوذ من سواء السبيل أي وسط الطريق وحاقه وهو ما يظهر غاية الظهور، وما كان كذلك لا عذر معه لا من قد والتعبير بالماضي كما قيل، وهذا جواب عما يقال إن الكفر قبل ذلك وبعده ضلال فما وجه التقييد، ومعذرة مصدر ميمي بمعنى عذر. قوله:(طردناهم) حقيقة اللعن في اللغة الطرد والإبعاد فاستعماله بالمعنيين الآخرين مجاز باستعماله في لازم معناه، وهو الحقارة بما ذكر لكنه لا قرينة في الكلام عليه. قوله:(لا تنفعل عن الآيات والنذر) النذر جمع نذير وتنفعل بمعنى تتأثر، وكون قسية مبالغة لكونه على وزن فعيل، وقوله: إنّ الدرهم القسي بمعنى الرديء من القسوة هو الظاهر، وقيل: إنه غير عربيّ بل معرّب وقوله: نصيبا وافيا يؤخذ من التنوين فإنه يفيد التكثير والتعظيم. قوله: (اس! شاف لبيان قسوة قلوبهم الخ) والحالية إما من مفعول لعناهم أو من المضاف إليه قلوبهم، وأما جعله حالاً من القلوب أو من ضميرها في قاسية كما قاله أبو البقاء فلا يصح لعدم العائد منه وجعل القلوب بمعنى أصحابها مما لا يلتفت إليه، والتعبير بالمضارع فيه للحكاية واستحضار الصورة، وقوله: وتركوا إشارة إلى أنّ النسيان بمعنى الترك وهو يستعمل بهذا المعنى كثيرا وقوله فزلت أي سقطت وضمير شؤمه للتحريف، وفي معنى ما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قول الإمام الشافعيّ رضي الله عنه ورحمه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصى
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصتي
وهذا رواه أحمد رحمه الله في مسنده. قوله: (خيانة الخ) يعني خائنة إما مصدر على
وزن فاعلة كالكاذبة أو اسم فاعل موصوفه المقدر فرقة فلذا أنث أو المراد به خائن والتاء للمبالغة وان كانت في فاعل قليلة ولذا أخره، وكون الخيانة دأب أسلافهم يعلم من وصفهم بالتحريف وما معه ودأبهم لأنه لا يزال يشاهده منهم فلا يرد ما قيل إنه لا دلالة في النظم على إسلافهم وقيل إنه مستفاد من جعل ضمير منهم لهم ولإسلافهم وجعل الاطلاع أعم من الاطلاع بالمشاهدة والأخبار وهو تكلف لا حاً جة إليه وكذا ما قيل إن ما يشاهد منهم علم أنهم ورثوه من أسلافهم، وقوله نسخ بآية السيف بناء على في أن هذه السورة منسوخاً وأنها نزلت قبل براءة وهو قول مشهور، وقوله فصلا عن العفو عن غيره مر الكلام في لفظه ومعناه فتذكره. قوله:(أي وأخذنا من النصارى ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم الخ) في هذا التركيب وجوه ذكرها المعربون فقيل من متعلقة بأخذنا وتقديره، وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم فيقدر مقدما ليعود الضمير إليه فهو راجع إلى الموصول أو هو عائد على بني إسرائيل الذين عادت إليهم الضمائر السابقة كقولك أخذت من زيد ميثاق عمرو أي مثل ميثاقه، وبهذا الوجه بدأ الزمخشريّ وعبارة المصنف رحمه الله ظاهرة في الأوّل وتحتمل الثاني، أو الضمير عائد على مبتدأ محذوف أخذنا صفته ومن الذين خبره أي من الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا منهم ميثاقهم، أو المبتدأ من مقدرة موصولة أو موصوفة أي من أخذنا ميثاقهم بناء على جواز حذف الموصول وإبقاء صلته وهو مذهب الكوفيين، وتقدير قوم هو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وقيل الخ وما قيل إنّ قرينة هذا التقدير قوله تعالى:{ميثاقهم} إذ! ولاه لقيل الميثاق ووجهه على عدم التقدير تأكيد نسبة الميثاق إليهم من عدم الوقوف على المراد. قوله:) وإنما قال قالوا إنا نصارى الخ) أي كان الظاهر أن يقال ومن النصارى بدون إطناب، ولم يرد هذا التعبير عنهم به في غير هذا الموضع، وفي الكشاف إنما سموا أنفسهم بذلك اذعاء لنصرة الله وهم الذين قالوا لعيسى {نحن أنصار الله} ثم اختلفوا بعد نسطورية ويعقوبية وملكانية أنصارأ للشيطان لكن الذي في اللغة والتواريخ أن عيسى صلى الله عليه وسلم، ولد في سنة أربع وثلثمائة لغلبة
الإسكندر في بيت لحم من القدس، ثم سارت به أمه إلى مصر ولما بلغ ثنتي عشرة سنة عادت
به إلى الثأم فأقام ببلدة تسمى الناصرة أو نصورية، وبها سميت النصارى ونسبوا إليها وقيل إنهم جمع نصران كندامي وندمان أو جمع نصريّ كمهريّ ومهاري والنصرانية والنصرانة واحدة النصارى، والنصرانية أيضا دينهم، ويقال لهم نصارى وأنصار، وتنصر دخل في دينهم وهذا وجه آخر في تسميتهم نصارى بدليل أنه يقال لهم أنصار أيضاً فلم يسمهم الله نصارى بل ذكر أنهم لقبوا بذلك أنفسهم وأفعالهم تقتضي نصرة الشيطان لا نصرة الله فعدل عن الظاهر ليصوّر تلك الحال في ذهن السامع ويقرّر عندهم أنهم ادّعوا نصرة دين الله نحو قوله تعالى {وراودته التي هو في بيتها} عدل عن اسمها لزيادة المراودة، وفي الانتصاف لما كان المقصود من هذه الآية ذمهم بنقض الميثاق المأخوذ عليهم بنصرة الله، وبما يدل على أنهم لم يوفوا بما عاهدوا عليه من النصرة عدل عن قوله النصارى إلى هذا فحاصل ما صدر عنهم قول بلا فعل.
(وعندي) أنه لو قيل في وجهه إنهم على دين النصرانية، وليسوا عليها لعدم علمهم بموجبها ومخالفتهم لما في الإنجيل من التثير بنبينا صلى الله عليه وسلم لكان أقرب من بيان وجه التسمية الذي ذكره. قوله:(فألزمنا الخ (أي أصل معنى الإغراء الإلصاق، ومنه الغراء المعروف فاستعمل في لازم معناه وهو الإلزام للعداوة بأن صاروا فرقا يكفر بعضهم بعضاً، والتسطورية هم الذين قالوا بأن أقنوم العلم اتحد بجسد المسيح صلى الله عليه وسلم بطريق الإشراق كاشراق الشمس من كوّة على بلور واليعقوبية قالوا: إنّ هذا الأقنوم اتحد بجسد المسيح صلى الله عليه وسلم وصار لحماً ودما، والملكانية قالوا انتقل أقنوم العلم إلى جسد المسيح صلى الله عليه وسلم وامتزج امتزاج الخمر بالماء وتفصيل هذا في الملل والنحل، وقوله: بالجزاء والعقاب إشارة إلى أنّ الأنباء مجاز عن وقوع ذلك وانكشافه لهم لا أنّ ثمة إخباراً حقيقة. قوله:) ووحد الكتاب لأنه للجنس) فيطلق على الوأحد والاثنين وما فوقهما وجملة يبين لكم حالية من رسولنا، وقوله: في التوراة متعلق بنعت محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم وهذا معنى اسم الجنس، وهو اسم جامد يطلق على الواحد وما فوقه كالماء والتراب. قوله:(أو عن كثير منكم فلا يؤاخذه الخ) هذا مرويّ عن الحسن لكن قال النحرير: إنه مخالف
للظاهر لفظا ومعنى ووجهه أنّ الظاهر أنه كالكثير السابق، وفيه نظر لأنّ النكرة إذا أعيدت نكرة فهي متغايرة. قوله:(يعني القرآن الخ) فعلى هذا النور والكتاب واحد وتسميته نور الكشفة وإظهاره طرق الهدى واليقين، وقوله الواضح الإعجاز إشارة إلى أنّ المبين من أبان اللازم بمعنى ظهر وترك تفسيره بالمتعدي وابانته لما خفي لأنه يتكرّر حينئذ مع النور، وقد أشار إليه في الكشاف، وعلى تفسير النور بالنبيّ-ش! ر لظهوره بالمعجزات واظهاره للحق فالمبين حينئذ يحتمل وجهين الظاهر والمظهر ولا تكرار فيه وقوله: لأنّ المراد بهما واحد على التفسير الأوّل للنور وكونهما كالواحد لاتحاد ما بيناه على التفسير الثاني فهو لف ونشر مرتب. قوله:) طرق السلامة الخ) يعني أنّ السلام مصدر بمعنى السلامة أو اسمه تعالى وضع موضع المضمر ردا على اليهود والنصارى الواصفين له تعالى بالنقائص واستعارة الظلمة للكفر والنور للإسلام ظاهرة، وقوله: أنواع الكفر إشارة إلى وجه جمع الظلمات وتوحيد النور والمراد بالإذن الإرادة أو التوفيق كما مرّ وجهه. قوله: (طريق هو أقرب الطرق إلى الله الخ (كونه كذلك ظاهر وفيه نكتة وهو أنه إذا كان لمقصد طريقان أحدهما مستقيم والآخر غير مستقيم فلا بد أن يكون المستقيم أقرب واعتبر ذلك بالقوس والوتر وهذا يسمى بالشكل الحماري في الهندسة والمستقيم يتصل به، وغيره قد لا يتصل به فإنه قد يعوج تقعيراً وتحديباً وهو وجه دلالة الاستقامة على القرب. قوله: (هم الذين قالوا بالاتحاد منهم الخ) قال الزمخشرقي: معناه بت القول على أنّ حقيقة الله هو المسيح لا غير قيل كان في النصارى قوم يقولون ذلك وقيل ما صرحوا به، ولكن مذهبهم يؤدّي إليه حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر أمر العالم اهـ يعني لما حمل الشخصي على الشخصي مع ضمير الفصل والتأكيد اقتضى الاتحاد والفصل هنا لمجرّد التأكيد لحصول! القصر، بدونه ولأنّ القصر هنا
للمسند إليه على المسند أي لا غير المسيح كقولهم الكرم هو التقوى، وأنّ الله هو الدهر أي الجالب للحوادث لا غير الجالب بخلاف زيد هو المنطلق فإنّ معناه لا غير زيد وقال الراغب: إن قيل إنّ أحدا منهم لم يقل الله هو المسيح وإن قالوا المسيح هو الله، وذلك أنّ عندهم أنّ المسيح من لاهوت وناسوت فيصح أن يقال المسيح هو اللاهوت، وهو ناسوت كما صح أن يقال الإنسان هو حيوان مع تركبه من العناصر ولا يصح أن يقال اللاهوت هو المسيح كما لا يصح أن يقال الحيوان هو الإنسان قيل إنهم قالوا هو المسيح على وجه آخر غير ما ذكرت، وهو ما روي أنه لما رفع عيسى صلى الله عليه وسلم اجتمع
علماء بني إسرائيل فقالوا: ما تقولون في عيسى صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم أو تعلمون أحداً يحعي الموتى إلا الله قالوا: لا قال: أتعلمون أنّ أحداً يعلم الغيب إلا الله، قالوا: لا قال: أتعلمون أنّ أحداً يبرئ الأبرص والأكمه إلا الله قالوا: لا قال: فما الله إلا من هذه صفته أي حقيقة الإلهية فيه، وهذا كقولك الكريم زيد أي حقيقة الكرم في زيد وعلى هذا قولهم إنّ الله هو المسيح ابن مريم والمصنف رحمه الله تعالى أشار إلى أنّ القائلين بالاتحاد يقولون بانحصار المعبود في المسيح كما هو ظاهر النظم فلا يرد عليه شيء وتقريره ما سبق. قوله:) وقيل لم يصرح به أحد الخ) يعني أنهم كما زعموا أنّ فيه لاهوتا مع التصريح بالوحدة لزمهم أنّ الله هو المسيح والا فمجرد اتصافه بصفات الله إنما يناسب الحكم بأن المسيح هو الله أو إله وقرّر بعضهم كلام المصنف هنا بما لا مساس له به، وقوله وتفضيحاً لمعتقدهم أي لهم في معتقدهم ونسبة التفضيح إلى الاعتقاد فيه مبالغة حسنة. قوله:(قل فمن يملك من الله الخ) هذه الفاء عاطفة على مقدر أو جواب شرط مقدر أي ليس الأمر كذلك، أو إن كان كذلك (فمن يملك) الخ وقوله:(فمن يمنع الخ) إشارة إلى أن يملك مجاز عن يمنع أو يضمن معناه، ومن الله متعلق به على حذف مضاف لكن ذكر في الأحقاف في قوله:{فلا تملكون من الله شيئاً} [سورة الأحقاف، الآية: 8] أنّ معناه لا تقدرون على كفه من معاجلتي وتطيقون دفع شيء من عقابه وحقيقته من يستطيع إمساك شيء من قدرة الله تعالى إن أراد تعالى أن يهلكه فإذا لم يستطع إمساكه، ودفعه عنهم فلا يمكن منعهم منه فلذا فسر بالمنع أخذا بالحاصل وحقيقة الملك الضبط والحفظ ولذا يقال في تول الشاعر:
أصبحت لا أحمل السلاج ولا أملك رأس البعير أن يفرا
إن معناه لا أستطيع فهو بمعنى المنع أو القدرة مجازاً. قوله: (احتج بذلك على فساد قولهم وتقريره الخ (أي تقرير الدليل أن المسيح مقدور أي حادث تعلقت به القدرة بلا شبهة لأنه تولد من أم ولذا ذكرع الأمّ للتنبيه على هذا، وهو على فرض حياتها فلا يرد عليه أنها هلكت، ومقهور بالفناء من هذه صفته كيف يكون الها. قوله: (إزاحة لما عرض لهم من الشبهة
الخ) وهي أنه لا أب له وابراء ا! مه والأبرص وإحياء الموتى فالظاهر أن يقول، كما قال الزمخشري يخلق ما يشاء، أي يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى من غير ذكر كما خلق عيسى ويخلق من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم أو يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى صلى الله عليه وسلم معجزة له وكإحياء الموتى وإبراء اكمه والأبرص وغير ذلك، فيجب أن ينسب إليه ولا ينسب إلى البشر المجرى على يده. قوله:) أشياع ابنيه الخ) يعني أنهم لم يدعوا أنهم أبناء ألله، وإنما قالوا عزير والمسيح ابنا الله فالمراد أشياع الابن وأتباعه أطلق عليهم أبناء تجوّزا إما تغليباً أو تشبيها لهم بالإبناء في قرب المنزلة كما يقول أتباع الملك نحن الملوك، وكما أطلق على أشياع أبي خبيب رضي الله عنه الخبيبون في قوله:
قدني من نصر الخبيبين قدي
على من رواه بالجمع قال ابن السكيت يريد أبا خبيب ومن كان على رأيه وهو لقب عبد
الذ بن الزبير رضي الله عنهما تصغير خب أي خداع أو خبب نوع من المشي وروي مثنى فقيل عبد الفه وابنه، وقيل وأخوه مصعب وبالجملة فالتمثيل لأنه لما جاز جمع خبيب وأشياع أبيه فأولى أن يجوز جمع ابن الله للابن وأشياع الابن بزعم الفريقين فاندفع أنهم لا يقولون ببنوة أنفسهم، ولم تحمل على التوزيع بمعنى أنفسنا الأحباء وأبناؤنا الأبناء بجمع الابنين لمشاكلة الأحباء لأن خطاب بل أنتم بشر يأباه ويدلّ على ادعائهم البنوة بأقي معنى كان والتمثيل بالخبيبين
على المشهور، وقيل أصله الخبيبيون بالنسبة فخفف كما قيل الأعجمون في جمع أعجمي، فلا يكون شاهداً لما نحن فيه وعلى القول الثاني المراد بالأبناء المقربون فعطف الأحباء عليه كالتفسير. قوله:(فإن صح ما زعمتم الخ) يعني أنّ الفاء جواب شرط مقدر ويصح أن تكون عاطفة على مقدر كما مر، وقوله: بهذا المنصب أي المرتبة واستعمال القرب للمنصب بهذا المعنى وبمعنى الأصل لا بالمعنى المتعارف الآن فإنه مولد، وقوله: لا يفعل ما يوجب تعذيبه يعني الذنوب المصرج بها في النظم، وجعل في جملة عذاب الدنيا المسخ الوافع في أسلافهم واقتصر عليه الزمخشرقي، وقيل إنه الأولى إذ المسخ تعذيب البتة بخلاف البلايا والمحن فإنها
كثرت في الصلحاء كما قال المعرّي:
ولكنهم أهل الحفائظ والعلا فهم لملمات الزمان خصوم
وجعل عذاب الآخرة مس النار أياما معدودة تطهيرا لذنوبهم كما ادعوه ليتم الإلزام فلا
يقال إنه كان يكفي أن يقال إن كنتم أبناء الله وأحباءه فلم يعذبكم فإنهم معترفون بهذا العذاب بخلاف العذاب المخلد الذي أخبر به النيّ صلى الله عليه وسلم وشهد به الكتاب والحاصل أنه إذا قيل لو كنتم أبناءه وأحباءه لما عذبكم لكن اللازم منتف فربما منعوا انتفاء اللازم، وطالبوا بالحجة، وإذا قيل لم عذبكم في الدنيا بالمسخ وفي الآخرة بما تزعمون تم الإلزام على النهج المعتاد المشهور قال النحرير رحمه الله بقي هنا إشكال قويّ وهو أنه. إذا كان بمعنى نحن أبناء الله أشياع ابنيه فغاية الأمر أن يكونوا على طريقة الابن تحقيقاً للتبعية لكن من أين يلزم أن يكونوا من جنس الأب في انتفاء فعل القبائح، وانتفاء البشرية، والمخلوقية ليحسن الرد عليهم بأنهم بشر من جملة من خلق نعم ما ذكر من استلزام المحبة عدم العصيان، والعقاب ربما يتمشى لأنّ من شأن المحب أن لا يعصي الحبيب، ولا يستحق منه المعاقبة، وفيه مناقشة لأنه شأن المحبين والأحباء هم المحبوبون، وسيأتي الجواب عنها، وأجاب عن إشكال إثبات البشرية بأنه ليس إثباتا لمطلق البشرية ليجب أن يكون رد الدعوى بانتفائه بل هو إثبات أنهم بشر مثل سائر البشر، ومن جنس سائر المخلوقين منهم العاصي والمطيع، والمستحق للمغفرة، والعذاب لا كما ادعوا من أنهم الأشياع المخصوصون بمزيد قرب، واختصاص لا يوجد في سائر البشر، ولذا وصف بشر بقوله: ممن خلق حتى لا يبعد أن يكون يغفر لمن يشاء أيضاً في موقع الصفة على حذف العائد أي لمن يشاء منهم، وأما إشكال الجنسية فقيل في جوابه المراد أنكم لو كنتم أشياع ابني الله لكنتم على صفة ابنيه في ترك القبائح، وعدم استحقاق العذاب لأنّ من شأن الأشياع، والاتباع أن يكونوا على صفة المتبوعين الذين هم الأبناء، ومن شأن الأبناء أن يكونوا على صفة الأب فمن شأن الأشياع أن يكونوا على صفة الأب بالواسطة، وقيل هو على حذف مضاف أي لو كنتم أشياع ابن الله لكنتم من جنس أشياع الأب أعني أهل الله الذين لا يفعلون القبائح ولا يستوجبون العقاب، وقيل إنّ قولهم نحن أبناء الله يتضمن دعوتين إثبات الابن، وكونهم أشياعه وأحباء أبيه فرد عليهم الأمر أن جميعا بأنّ من ادعيتم بنوته لو كان ابناً لما جاز عليه القبيح، ولا صدر منه ولو على سبيل الزلة، ولم يؤاخذ، ولو بالمعاتبة، والأنبياء ليسوا كذلك، وما ادعيتم من كونكم الأشياع والأحباء لو صح لما عذبتم بل إذا بطلت البنوّة بطل كونكم أشياع الابن، وأحباء الأب بواسطة ذلك، وأنت خبير بأن قوله فلم تذنبون وتعذبون بالمسخ، وم! النار بيان لانتفاء اللازم مقدم على الشرطية فلا معنى لاختصاص جزاء البنوة بالمتبوعين الذين لا قطع بذنبهم، وعقابهم بل يقطت بخلافه، وكيف يصح هذا مع عموم خطاب الشرط، وارتكاب الجمع بين الحقيقة، والمجاز، وقيل المراد إبطال أن يكونوا أبناء حقيقة كما يفهم من ظاهر
اللفظ أو مجازاً كما فسره فيكون أوكد في إفادة المطلوب، وهذا مع بعده إنما يصح لو كان مع التعرض لإبطال ما ادعوا من كونهم أشياعاً، وبعد كل كلام فالمقام محتاج إلى تحرير، وتهذيب، والذي يظهر أنّ هذا كله تكلف، وضيق عطن، وأنّ اللائق أن يقال إنّ مرادهم بكونهم أبناء الله أنه لما أرسل إليهم الابن على زعمهم، وأرسل لغيرهم رسلا من عباده دل ذلك على امتيازهم عن سائر الخلق، وأنّ لهم مع الله
مناسبة تامة، وزلفى تقتضي كرامة لا كرامة فوقها كما أنّ الملك إذا أرسل لدعوة قوم أحد جنده، ولآخرين ابنه علموا أنه مريد لتقريبهم، وأنهم آمنون من كل سوء يطرق غيرهم، ووجه الرد أنكم لا فرق بينكم، وبين غيركم عند الله فإنه لو كان كما زعمتم لما عدّبكم، وجعل المسخ فيكم، وكدّا على كونهم بمعنى المقربين المراد قرب خاص فيطابقه الرد، ويتعانق الجوابان فافهمه، وقول المصنف رحمه الله لنحو ذلك لأنّ ما سبق ليس هذا الكلام بعينه، وقيل على قوله فإن من كان بهذا المنصب الخ. وفي نسخة بهذه الصفة أن الأحباء هنا بمعنى المحبوبين فالأنسب أن يقال إنّ المحب لا يعذب المحبوب بهذه الأنواع المذكورة، وهذا مأخوذ من كلام النحرير، وقد يقال في دفعه إنّ من أحب الله محبة صادقة أحبه الله كما قيل ما جزاء من يحب إلا أن يحب.
قوله: (ممن خلقه الله تعالى) إشارة إلى تقدير العائد، وقوله، وهم من آمن الخ لأنهم
كفرة لا يغفر لهم بدون الإيمان كما علم من قوله: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به} إن قلنا بعمومه كما هو المعروف الىخهور ومن الغريب ما في شرح مسلم للنووي أنه يحتمل أنه مخصوص بهذه الأمة، وفيه نظر، وقوله: لا مزية لكم إشارة إلى أنه رد لما إدعوه. قوله: (كلها سواء في كونها خلقاً وملكاً له (فلا يتميز بعضهم بالبنوّة وغيرها وهذا بيان لأنه من تتمة الرد عليهم، وفسر الرجوع إليه بالمجازاة لما مر. قوله: (أي الدين وحذف لظهوره الخ) أي قدر مفعوله هذا لظهوره لأنه من المعلوم أن ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الشريعة أو مفعوله ما كتمتم بقرينة قوله قبل هذا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون أو هو منزل منزلة اللازم أي يفعل البيان، ويبذله، ويعلم من عدم ذكر متعلقه عمومه لكل ما يلزم بيانه. قوله:(متعلق بجاءكم الخ) أشار
بذكر حين إلى أنه ظرف أي بعد فترة أو في حين فترة، والمراد بتعلقه يبين التعلق المعنوي لأنه حال فمتعلقه مقدر، والوجه هو الأوّل، وجوز أن يكون حالاً من ضمير لكم ومن الرسل صفة فترة، ومن ابتدائية أي فترة صادرة من إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأن تقولوا مفعول لأجله بتقدير كراهة أن تقولوا، ونحوه وقيل إنه بتقدير اللام لعدم اتحاد الفاعل فيهما، والجواب أن المراد بجاءكم رسول علمتم ببعثة الرسل وفيه نظر، وقوله: تترى أي متتابعة متواترة. قوله:) متعلق بمحذوف أي لا تعتذروا بما جاءنا فقد جاءكم الخ (هذا المحذوف قال النحرير: إنه تفصح عنه الفاء وتفيد بيان سببه كالتي تذكر بعد الأوامر، والنواهي بياناً لسبب الطلب لكن كمال حسنها، وفصاحتها أن تكون مبنية على مقدر منبئة عنه بخلاف قولك اعبد ربك فالعبادة حق له، ومبني الفصيحة على الحذف اللازم بحيث لو ذكر لم يكن بذاك، وتختلف عبارة المقدر فتارة يكون أمرأ أو نهيأ كما في هذه، وتارة شرطا كما في قوله:{فهذا يوم البعث} وقوله:
فقد جئنا خراسانا
وتارة معطوفا عليه كما في قوله فانفجرت، وقد يصار إلى تقدير القول كما في الفرقان
في قوله تعالى {فقد كذبوكم بما تقولون} قال فيها الزمخشري: هذه المفاجأة بالاحتجاج، والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات، وحذف القول، وجعل هذه الآية، والبيت من هذا القبيل يعني التقدير فقلنا إن صح ما ذكرتم فقد جئنا خراساناً، وكذا ما نحن فيه أي فقلنا لا تعتذروا فقد جاءكم قال في الكشف ثم إنه في المعنى جواب شرط مقدر سواء صرح بتقديره أولاً كما في لا تعتذروا الخ لا! الكلام إذا اشتمل على مرتبين ترتب أحدهما على الآخر ترتب العلية كان في معنى الشرط، والجزاء فلا تنافي بين التقادير المختلفة هذا، ولو سلم أنهما مختلفان فهما وجهان يجريان في الموضعين ذكر أحدهما هنا، والآخر هناك وكم من ذلك في هذا الكتاب، وهذا تحقيق بديع فاحفظه. قوله:) كان بينهما ستمائة الخ (وقيل أربعمائة، وبضع وستون سنة عن الضحاك، وقيل غير ذلك، والثلاثة من بني إسرائيل هم المذكورون في قوله تعالى:{فعززنا بئالث} كما سيأتي، وأما خالد بن سنان العبسي بالباء الموحدة فقد تردد فيه الراغب في محاضراته، وبعضهم لم يثبته وبعضهم قال إنه كان قبل عيسى ءش! هـ لأنه ورد في حديث: " لا نبي بيني وبين عيسىءشييهإ لكن في الكامل تاريخ ابن الأثير،
وغيره أن خالد بن سنان العبسي كان ثيباً من معجزاته أن ناراً ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها، وكادوا يتمجسون فأخذ خالد عصاه، ودخلها حتى توسطها
وفرق! فطفئت وهو في وسطها، وقيل إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: اذاك نبتي ضيعه قومه " لا! (وأتت ابنته النبيّ ك! هه، وآمت به وله قصة مفصلة في كتب الآثار، والصحيح أنه من الأنبياء، وأنه قبل عيسى تيخحيه. قوله:) حين انطمست آثار الوحي الخ (أحوج ما يكون إليه أي في حين هو أحوج أوقات كينونتهم إلى الرسول على طريقة أخطب ما يكون الأمير قائما. قوله: (ولم يبعث في أقة الخ (إشارة إلى الكثرة التي يفيدها جمع الكثرة المنكر، وليس هذا هو كلام موسى صلى الله عليه وسلم، ولذا غير أسلوب الخطاب إلى الغيبة. قوله:) وجعلكم ملوكاً (غير الأسلوب فيه لأنهم لكثرة الملوك فيهم، ومنهم صاروا كلهم كأنهم ملوك لسلوكهم مسلك الملوك في السعة والترفه فلذا تجؤز في إسناد الملك إلى الجميع بخلاف النبؤة فإنها، وان كثرت لا يسلك أحد مسلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنها أمر إلهي يختص الله به من يشاء فلذا لم يتجوّز في إسنادها، وهذا هو الوجه اللائق ببلاغة الكتاب العزيز فقول المصنف منكم أو فيكم بيان لحاصل المعنى لا أنه مقدر فيه ذلك وعلى الوجه الثاني جعل إنقاذهم من القبطة، وتملكهم عليهم ملكأ فالتجؤز في لفظ الملوك، وعلى الأوّل في الإثبات للكل ما هو للبعض. قوله: (وقد تكاثر فيهم الملوك الخ (هذا أيضأ من كلام المصنف بيانأ للواقع لا من كلام موسى صلى الله عليه وسلم أو ما أدرج فيه لأنه لا يناسب ذكر عيسى لمجبم والمعنى أن موسى بم! ذكر لهم إنعام الله عليهم بجعلهم ملوكاً وأن تلك النعمة التي ذكرها استمزت فيهم زمانا طويلأ، وقوله:) حتى فعلوا الخ (إشارة إلى أنهم لكثرة اأسملوذ فيهم طغوا، وتجبروا حتى فعلوا مثل ذلك، وقيل معناه أنه تكاثر الملوك فيهم بعد قت!! يخحيى
كما تكاثر الأنبياء بعد فرعون، وحين قتلوا يحى انقطعت كثرة الأنبياء بشؤم فعلهم، وفي أكثر النسخ حتى قتلوا، وعلئ هذا فيكون المعنى تكاثرت الأنبياء، والملوك فيهم قبل قتل يحيى فلما قتلوا يحيى انقطع عنهم كثرة ما ذكر انتهى. قوله:) من فلق البحر الخ (هذا دفع لما يتوهم من تفض جلهم على أمّة محمد بأنّ اصمراد بما آتاهم أمر مخصوص بهم كفلق البحر، وتظليل الغمام لهم في التيه أو كثرة الأنبياء، والملوك، وهذا لم يؤته أحد غيرهم، ولا يلزم من تفضيلهم بوجه تفضيلهم من جميع الوجوه فإنه قد يكون للمفضول ما ليس للفاضل أو الألف، واللام في العالمين للعهد فالمراد عالمو زمانهم فلا يلزم المحذور أيضاً، وايتاء ما لم يؤت أحد وان لم يلزم منه التفضيل لكن المتبادر من استعماله ذلك فلذا أوّلوه بما ذكر قوله: (كأرض بيت المقدس الخ (في معناه أربعة أقوال كما ذكره المصنف، وسميت مقدسة أي مطهرة لتطهيرها من الشرك فإنها مقر الأنبياء، ومهبط الوحي والأردن بضم الهمزة وسكون الراء المهملة، وضم الدال المهملة، وتشديد النون، وما وقع في القاموس من أنها بتشديد الدال سهو منه، وهي كورة بالشأم. قوله: (قسمها لكم أو كتب في اللوح الخ (القسمة بمعنى التقدير فمعنى كتبها قدرها مجازاً أو المراد الكتابة في اللوج فهي حقيقة روي أن الله تعالى أمر الخليل عليه الصلاة والسلام أن يصعد جبل لبنان فما انتهى بصره إليه فهو له ولأولاده فكانت تلك الأرض مدى بصره، وقوله إن آمنتم الجمع بينه، وبين الآية الآتية بناء على أن التحريم فيها مؤبد، وهو أحد الوجهين كما سيأتي. قوله: (ولا ترجعوا مدبرين الخ (يعني أنّ على أدباركم حال من فاعل ترتذوا أي منقلبين ومدبرين، والأدبار جمع دبر، وهو ما خلفهم من الأماكن من مصر وغيرها، وقوله قيل الخ. إشارة إلى حمل الرجوع على الرجوع إلى مصر فالمراد بالارتداد الرجوع عن مقصدهم إلى غيره، وعلى القول الأخير المراد به صرف قلوبهم عما كانوا عليه من الاعتقاد صرفا غير محسوس وقوله ئواب الدارين إشارة إلى مفعوله
المقدر، وجوّز في فتنقلبوا الجزم بالعطف، وهو أظهر والنصب في جواب النهي على أنه من قبيل لا تكفر تدخل النار وهو ممتنع خلافا للكسائي. قوله:) متغلبين لا تتأتى مقاومتهم الخ (معنى تتأتى تمكن بسهولة تفعل من التأتي. قوله:) والجبار الخ (يعني أنه فعال صيغة مبالغة من جبر الثلاثي على القياس لا من أجبره على خلافه كالحساس من الإحساس، ومعناه القهر مع التعالي
ولذا يقال للنخلة جبارة وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله، وهو الذي يجبر الناس على ما يريده أي يكرههم عليه، وقوله كالب، ويوشع بناء على ما ارتضاه من أنهما من قوم موسى ىيخيه لا من الجبابرة، وقوله: يخافون الله سبحانه وتعالى بناء على هذا أيضا، ويؤيده قراءة ابن مسعود يخافون الله، وقد يخافون العدوّ أيضاً، وتجوله: إذ لا طاقة لنا بهم تعليل لتعليق الدخول بخروجهم فإنه يقتضي أنهم لا يدخلونها ما داموا فيها فلا يرد عليه ما قيل إنه ليس علة للشرطية بل لعدم الدخول حتى يخرجوا منها فينبغي تعليقه عليه. قوله: (وقيل كانا رجلين من الجبابرة الخ (فعلى هذا الذين عبارة عز! الجبابرة، والواو ضمير بني إسرائيل وعائد الموصول محذوف أي يخافونهم، وعلى الأؤر كان الضمير، وهو الواو لبني إسرائيل أيضا إلا لأنه لا يحتاج إلى تقدير عائد لأنه هو العائد، ولذا قدروا المفعول فيه اسما ظاهرآ فالفارق بين الوجهين إنما هو قوله: (والراجع الخ لا وبحتمل على الأوّل إنّ الذين يخافون الله المؤمنون مطلقا فلا يكون الضمير لبني إسرائيل، وعلى هذا جؤز أيضا أن يكون التقدير من الذين يخافون الله أو يخافون العدوّ كما في الدر المصون. قوله: (ويشهد له أنه قر! الذين يخافون بالضم الخ (أيد الزمخشري هذا التأويل بقراءة يخافون مجهولأ وبقوله: أنعم الله عليهما كأنه قيل من المخوّفين، وهذه القراءة مروية عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مجاهد، وفي هذه القراءة احتمال آخر وهو أن يكون من الإخافة ومعناه من الذين يخوّفون من الله بالتذكرة والموعظة أو يخوّفهم، وعيد الله بالعقاب، ويحتمل وجهأ آخر، وهو أن يكون معنى يخافون أي يهابون، ويوقرون، ويرجع إليهم لفضلهم، وخيرهم ومع هذين الاحتمالين لا ترجيح في هذه القراءة لكونهما من الجبارين وأمّا قوله:{أنعم الله تعالى} الخ فكونه مرجحاً غير ظاهر لأنها صفة مشتركة بين يوشع وكالب، وغيرهما، ولذا تركه المصنف
مشتركة بين يوشع وكالب، وغيرهما، ولذا تركه المصنف رحمه الله. قوله:) بالإيمان والتثبيت الخ (المراد بالتثبيت التثبيت على الإيمان، وإنما زاده ليشمل كون الرجلين من بني إسرائيل، وقد جوّز في هذه الحالية أيضا بتقدير قد، وباغته بمعنى فاجأه والأصحار بالصاد، والحاء المهملتين البروز إلى الصحراء. قوله: (لتعسر الكر الخ (الكر التوجه إلى العدوّ في المقاتلة، ويقابله الفر كما قال امرؤ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معا
وقوله: أجسام لا قلوب فيها أي ليس لهم قلوب قوية وشجاعة بتنزيل قلب من لا يكون كذلك منزلة العدم، وقوله: من صنعه وفي نسخة صنيعه بمعنى إحسانه وإنعامه، وقوله: مؤمنين به، ومصذقين بوعده يعني المراد بالإيمان التصديق بالله، وما يتبعه من التصديق بما وعده، وإلا فإيمانهم محقق، ويصح أن يكون المراد به التهييج، والإلهاب. قوله:) نفوا دخولهم على التاكيد والتأبيد (التأبيد مستفاد من أبدا والتأكيد منه، ومن لن فإنها تفيد تأكيد النفي لكونها في مقابلة سوف يفعل كما مرّ مراراً، وقوله: بدل البعض لأن الأبد يعم الزمان المستقبل كله ودوام الجبابرة فيها بعضه، وقول الزمخشرقي ما داموا بيان للأبد يحتمل بدل الكل، وعطف البيان لوقوعه بين النكرتين وهذا بناء على تفسير الأبد بالظاهر منه أو بالزمن المتطاول. قوله:) قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله (يعني ليس المراد أنه يذهب مع الله حقيقة كما ذكره الزمخشري، واستظهره بمقابلته بأنا هاهنا قاعدون فإن التقييد بهاهنا يقتضي أن المراد حقيقته فكذا ما يقابله، وقوله، وقيل الخ أي هو مبتدأ خبره محذوف، وهو خلاف الظاهر، ولذا مرضه، وقيل إنه يحتمل أن يكون من قبيل كل رجل، وضيعته. قوله:) قاله شكوى بثه وحزنه (أي مقال شكوى أو لأجل الشكوى فليس القصد إلى الأخبار، وكذا كل خبر يخاطب به علام الغيوب يقصد به معنى مناسب سوى إفادة الحكم أو لازمه فليس رذاً لما أمره الله به ولا اعتذاراً عن عدم
الدخول. قوله: (والرجلان المذكوران الخ) جواب عن هذا القصر مع أنهما معه أيضاً، وقوله: لم يثق عليهما ضممنه معنى يعتمد فلذا عداه بعلى، وتلون القوم مجاز عن تقلب آرائهم، وكون المراد بالأخ ما يشملهما بعيد لفظاً، ومعنى لأنّ إفراده محتاج إلى التأويل بكل مؤاخ لي في الدين أو بجنس الأخ، وأجيب بأنه ليس القصد بل بيان قلة من يوافقه تشبيهاً لحاله بحال من لا يملك إلا نفسه، وأخاه. قوله:(ويحتمل نصبه عطفاً على نفسي الخ) ذكروا في إعرابه وجوها شتى منها ما ذكره المصنف رحمه
الله فنصبه إما عطف على اسم أن أو نفسي أو مرفوع بالعطف على فاعل أملك أو مبتدأ خبره محذوف أو مجرور بالعطف على الضمير المجرور المضاف إليه نفس، وكلها ظاهرة حتى العطف على الضمير المرفوع المتصل بلا تأكيد لوجود الفصل بالمفعول، ثم هذا لا يوجب الاتحاد في المفعول بل يقدر للمعطوف مفعول آخر أي وأخي إلا نفسه كما تقول ضربت زيداً وعمرا فلا يرد ما قيل إنه يلزم من ذلك أنّ موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام لا يملكان إلا نفس موسى صلى الله عليه وسلم فقط، وليس المعنى على ذلك بل على أنّ موسى عليه الصلاة والسلام يملك أمر نفسه، وأمر أخيه، وليس من عطف الجمل بتقدير، ولا يملك أخي إلا نفسه كما توهم، وتحقيقه أنّ العطف على معمول الفعل لا يقتضي إلا المشاركة في مدلول ذلك ومفهومه الكلي لا الشخص! المعين بمتعلقاته المخصوصة فإنّ ذلك إلى القرائن، وكذا إذا عطف على اسم أنّ معناه أنّ أخي لا يملك إلا نفسه، وكذا العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، وقد تقدم الكلام فيه، وهو ضعيف على قواعد البصريين، وأجازه الكوفيون كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله:(بأن تحكم لنا بما نستحقه الخ) هذا مبني على الاختلاف في أنّ موسى صلى الله عليه وسلم هل كان معهم في التيه ولكن ما كان ينالهم من
المشقة لا يناله كما كانت النار على إبراهيم برداً وسلاما أو لم يكن معهم، وهو مجاب الدعوة كسائر الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهذه الجملة دعائية فعلى الأوّل المراد التفريق والتبعيد بينهما فهو بمعناه الحقيقي. قوله:(عامل الظرف إمّا محرّمة الخ) الظرف هنا أربعين سنة فعلى تعلقه بمحرّمة التحريم مؤقت فلا ينافي أنها كتبت لهم، وقوله: احتضر أي حضره الموت، وهو مجهول. قوله:) وإمّا يتيهون الخ) أفي عامله يتيهون وتاه يتيه ويتوه، وهو أتوه وأتيه مما تداخل فيه الواو، والياء من التيه ومعناه الحيرة، ولذا أطلق على المفازة تيه، وتيهاء لأنه متحير فيها فمعناه يسيرون متحيرين، وحيرتهم عدم اهتدائهم للطريق، وكون التحريم مطلقا أي يحتمل التأبيد وعدمه، وتوله، وقد قيل الخ بناء على أن المراد منه التأبيد، وقوله: فإذا هم للمفاجأة أي يسيرون، وبعد سيرهم يرون أنفسهم في المحل الذي ارتحلوا عنه كسير السواني لا ينقطع، وتظليل الغمام لهم مع عصيانهم، ومعاقبتهم بالحيرة من كرمه تعالى، واشارة إلى أنّ تهذيبهم إنما هو للتأديب كما يضرب الرجل ولده مع محبته له، ولا يقطع عنه معروفه، ولذا أنزل عليهم المن، والسلوى لئلا يهلكوا جوعا، وجعل حجر موسى صلى الله عليه وسلم معهم يتفجر منه الماء كما مرّ دفعاً لعطشهم، وجعل معهم عمود نور ولباسهم من شيء كالظفر لا يبلي وشعورهم لا تزيد إلى غير ذلك من الأنعام، وروحا بفتح الراء أي كان التيه وأموره راحة لهما، وعلى هذا فإظلال الغمام وما معه لأجلهما وقوله فيه أي في التيه وتأس مجزوم بلا الناهية بمعنى لا تحزن لموتهم أو لما أصابهم فيه من الأسى، وهو الحزن. قوله:(أوحى الله الخ) كان في شريعته تزوّج الأخ بالأخت التي لم تولد معه في بطن واحد جعل افتراق البطون بمنزلة افتراق النسب للضرورة، ولذا حرّم بعده إذ زال المقتضي، وكثر الناس، وإذا كان ذلك غير جائز فإنما أمره بتقريب قربان لعلمه أنه لا يقبل لا أنه لو قبل جاز والتوأمان الولدان في بطن واحد الذكر توأم، والأنثى توأمة، والمصنف رحمه الله استعمل توأم للتوأمة بتأويل الشخص، وتوأمة قابيل إقليماً وتوأمة هابيل كبودا قال والد شيخي، واعلم أنّ التوم بلا همز اسم لمجموع الولدين فأكثر في بطن واحد من جميع الحيوان وبهمز كرجل توأم، وامرأة توأمة مفرد تثنيته توأمان فالاعتراض! بأنه لا تثنية له، وهم لما علصت من الفرق بين التوم بلا همز، والتوأم بالهمز وأنّ التثنية إنما هي
للمهموز لا غير، وظاهر القاموس بل صريحه أنه اسم لمجموعهما، وأنّ التثنية إنما هي لتوأم، وتوأمة لا لتوم، وعبارته التوأم من جميع الحيوان المولود مع غيره في بطن من الاثنين فصاعداً ذكرا أو أنثى أو ذكرا وأنثى جمعه توائيم، وتؤام كرخال، وقوله بأن نزلت نار الخ. هذا كان علامة القبول، وكان أكل القربان غير جائز في الشرع القديم، وقوله، وفعل ما فعل هو قصته الآتية. قوله:(وقيل الخ) زيف هذا بقوله فبعث الله غرابا الخ. إذ كان الدفن معلوما إذ ذاك فتأمل. قوله: (ولذلك قال كتبنا الخ) وتوجيهه على الأخر أي من أجل أنّ الحسد صار سببا لهذا الفساد، وهو غالب على
بني إسرائيل، وعن بعض المفسرين، إنما ذكر بني إسرائل دون الناس لأنّ التوراة أوّل كتاب نزل فيه تعظيم القتل، ومع ذلك كانوا أشد طغيانا، وتماديا فيه حتى قتلوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمعنى بسبب هذه الفعلة كتبنا في التوراة تعظيم القتل وشددنا عليهم وهم بعد ذلك لا يبالون وسيذكر هذا المصنف رحمه الله تعالى بعد قوله، ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض! لمسرفون فلا حاجة إلى التبرّع به هاهنا. قوله:(اي ثلاوة ملتبسة بالحق الخ (ذكر في إعرابه ثلاثة أوجه أنه صفة مصدر اتل أو حال من المفعول، وهو نبأ ابني آدم وقدره الزمخشري نبأ ملتبسا بالحق ليتعين ذو الحال أو حال من فاعل اتل المستتر، وهو ضمير المخاطب، ثم الحق يطلق على معان أحدها المثبت الصحيح، وثانيها المطابق للواقع بمعنى الصادق، وثالثها المتضمن للغرص الصحيح لقوله تعالى في الأحقاف: {ما خلقنا السموات والآرض! وما بينهما إلا بالحق} [سورة الحجر، الآية: 85] أي خلقا ملتبسا بالغرض الصحيح، والحكمة وضده الباطل بمعنى العبث كما في قوله: {ما خلقت هذا باطلا،، ويكون صفة لما اشتمل على هذه المعاني، ومصدراً بمعنى الثبوت، والمطابقة وصحة الغرض، وهو هنا بالمعنى المصدري أو الوصفي، والباء فيه للملابسة كما أشار إليه بقوله ملتبسا، وعمل نبأ في الظرف لأنه مصدر في الأصل، والظرف يكفي فيه رائحة الفعل. قوله:) أو حال منه) فيتعلق بمحذوف سبقه إليه أبو البقاء ورده في الدرّ المصون بأنه يكون قيدا في عامله، وهو اتل المستقبل واذ لما مضى، ولذا لم يتعلق به مع ظهوره، وفيه تأمّل. قوله:(أو بدل على حذف مضاف) قال النحرير: ليصح كونه متلواً والا فمجرّد الظرف كاف في الإبدال لحصول الملابسة، وقيل عليه إنه غير صحيح لأنّ إذ لا يضاف إليها إلا الزمان نحو يومئذ ونبأ ليس بزمان، وهو بدل بعض من كل أو كل من كل، وما ذكرء المصنف من الكشاف إلا أنه ترك قوله يقال قرّب صدقة، وتقرّب بها لأنّ تقرّب مطاوع قرب قال الأصمعي تقربوا قرف القمع فيعتدي بالباء حتى يكون بمعنى قرب انتهى.
قال السمين قال الشيخ كذا قرّره الزمخشري وفيه نظر لأنّ إذ لا يضاف إليها إلا الزمان
قال الأصمعي: الخ. أي يكون قربا يطلب مطاوعا التقدير إذ قرباه فتقربا به وفيه بعد قال وليس
تقرب فيه مطاوع قرب لتفرّقه ولاتحاد فاعل الفعلين والمطاوعة مختلف فيها الفاعل يكون من أحدهما فعل ومن الآخر انفعال نحو كرته فانكسر فليس قرب وتقرب من هذا الباب فهو غلط فاحش ولا نسلم ما ذكره من القاعدة انتهى.
(أقول) فيما قاله أمور الأوّلأنّ قوله إذ لا يضاف إليها إلا اسم زمان غير مسلم ألا ترى
قول العلامة نبأ ذلك الوقت فإنه بمعنى نبأ إذ، ولا شبهة في صحته معنى، واعراباً، ولا فرق بينهما فإن منعه سماعاً فدونه خرط القتاد، ودعوى لزوم اختلاف فاعلهما غير مسلمة فإن حجتهم أنّ أحدهما فاعل، والآخر قابل، وهو مبني على قاعدة أصولية، وهو أنّ القابل لا يكون فاعلاً، وقد ردّها بعض الفضلاء ألا ترى أنّ الإنسان قد يقتل نفسه فيتحد القابل، والفاعل، ويؤيده قوله تعالى فيقتلون، ويقتلون فان كان الأصمعي أراد هذا لم يرد عليه ما قاله الشيخ، وقد يقال مراده بيان معناه لغة فاعرفه. قوله:(والقربان اسم ما يتقرّب به الخ) الحلوان بالضم أجرة الدلال، والكاهن، ومهر المرأة وما يعطي من رشوة، ونحو ذلك من الحلاوة لأنه يؤخذ بسهولة، وأراد " فعل تفضيل من الرداءة ضد الجودة وصاحب ضرع أي ماشية، والضرع يطلق عليها مجازاً من إطلاق الجزء على الكل. قوله:(لأنه سخط حكم الله الخ (حكم الله هو عدم جواز نكاح التوأمة، وقوله: لفرط الحسد أي على قبول القربان، وقوله قال: {إنما يتقبل الله من المتقين} يدل على أنه المراد لا أنه حسده على إرادة أخذ أخته الحسناء. قوله: (أتيت) إتيانه من قبله عبارة عن إصابة ما أصابه، وازالة حظه أي نصيب المحسود، ونعمته لأنّ شأن الحاسد ذلك وقوله فإنّ ذلك أي اجتهاده فيما ذكرء قوله: (وأنّ الطاعة لا تقبل إلا من مؤمن متق (في الكشاف قال له: إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا من قبلي فلم تقتلني، ومالك لا تعاتب نفسك، ولا تحملها على تقوى الله التي هي إلسبب في القبول فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لم! ن، وفيه دليل على أنّ الله تعالى لا يقبل الطاعة إلا من
. ة من متق الخ يريد أن هذا الجواب وارد على الأسلوب
الحكيم لأنه تلقاه بغير ما يتطلب، وبما 5، اهمّ منه من القتل، والإشارة بقوله، ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول) اكا أنه ينبغي للحاسد أن يرى ذلك، ويعتقده فيقول فيما لم يتقبل منه أنّ سبب عدم قبوله من، صور فاعل ذلك الفعل فيه لكونه غير واقع على نهج التقوى الصادرة من المؤمنين كعدم نيته! ا، لك، وقصده وجه الله بل حظ نفسه فالمراد بكون متقيا أنه متق في تلك الطاعة فلا يرد عليه ءا قيل كل متق أو عاص إذا فعل طاعة، وأخلص النية فيها قبلت منه كما قال الإمام القرطبي ط: أصحابنا المخلطون يعملون الحسنات، والسيئات إذا ثقلت حسناتهم دخلوا الجنة، ولا، صح الجواب بأن المراد من التقوى التقوى من الشرك التي هي أوّل المراتب، وقابيل آل أمره إ) ما الشرك إذ روي أنه هرب إلى عدن بعد قتل أخيه فأتاه إبليس لعنه الله، وقال له إنما أكلت 11-، ر قربان هابيل لأنه خدمها وعبدها فبنى له بيت نار وهو أوّل من عبد النار. قوله:(قيل كان هابيل أقوى منه ولكن تحرج عن قتله) أي تجنب الحرج والإثم فالتفعل للسلب هنا، االاستسلام الانقياد، والمراد به هنا عدم الممانعة والمدافعة وقوله:(لآنّ الدفع الخ) يعني أنّ ااقتل للانتصار، والمدافعة لم يكن مباحا في ذلك الوقت، وفي تلك الشريعة كما روي عن. حاهد رحمه الله تعالى، وإنّ الله أمر بالصبر عليه ليكون هو المتولي للانتصاف وقوله:(أو تحريا لما هو الآفضل الخ) الأفضل أكثر ثوابا وهو كونه مقتولاً لا قاتلا بالدفع عن نفسه بناء لحلى جوازه إذ ذاك، وهذا الحديث أخرجه ابن سعد في طبقاته.
واعلم أنه اختلف في هذا على ما بسطه الإمام الجصاص فالصحيح من المذهب أنه يلزم
ددع الفساد عن نفسه، وغيره وان أدى إلى القتل، ولذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ معنى ما أنا بباسط الخ. إن بدأتني بقتل فأنا لم أبدأك فالمعنى لم يثبت لي بسط اليد ووجه المعبير بالاسمية ظاهر حيحئذ وأما على قول مجاهد رحمه الله تعالى إنه لم يبح لهم الدفع فالآية. صسوخة، وهل نسخت قبل شرعنا أم لا فيه كلام، والدليل عليه قوله:{فقاتلوا التي تبغي} اصورة الحجرات، الآية: 91] وغيره من الآيات والأحاديث وقيل إنه لا يلزم ذلك بل يجوز،، استدل بهذا الحديث، ونحوه وأوّلوه بترك القتال في الفتنة، واجتنابها وأوّل الحديث يدل
عليه، وأما من مغ ذلك الآن مستدلاً بحديث:" إذا التقى المسلمان بسفيهما فالقاتل والمقتول في النار " فقد ردّ بأنّ المراد به أن يكون كل منهما عزم على قتل أخيه، وان لم يقاتله ويتقابلا بهذا القصد. قوله:(وإنما قال ما أنا بباسط يدي الخ) يعني أن هذه جواب القسم الموطأ له باللام لأنّ الجواب للسابق من القسم، والشرط كما مرّ لكنها لدلالتها على جواب الشرط كانت في المعنى جوابا له، ولو كانت جواب الشرط حقيقة لزمتها الفاء، وقد عدل فيها عن الفعلية إلى الاسمية وعبارة المصنف أحسن من قول الكشاف فإن قلت لم جاء الشرط بلفظ الفعل، والجزاء بلفظ اسم الفاعل، وهو قوله: لئن بسطت ما أنا بباسط قلت ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع، ولذلك أكده بالباء لما فيه من المسامحة أو جعله جواب الشرط بخلاف قول المصنف رحمه الله تعالى جواب لئن فإنه صادق بجواب القسم، ثم بين أنّ العدول إلى الاسمية للمبالغة في أنه ليس من شأنه ذلك، ولا ممن يتصف به، ولم يقل وما أنا بقاتل بل بباسط للتبرّي عن مقدمات القتل فضلا عنه، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى رأسا أي تبريا عنه من أصله، وفي الانتصاف إنما امتاز اسم الفاعل عن الفعل بهذه الخصوصية من حيث إنّ صيغة الفعل لا تعطي سوى حدوث معناه من الفاعل لا غير، وأما اتصاف الذات به فذاك أمر يعطيه أسم الفاعل، ومن ثمة يقولون قام زيد فهو قائم فيجعلون اتصافه بالقيام ناشئا عن صدوره مته، ولهذا المعنى قيل لأجعلنك من المسجونين لتكونن من المرجومين عدولاً عن الفعل الذي هو لأسجننك لأرجمنك إلى الاسم تغليظاً يعنون أنهم يجعلون هذه لوقوعها، وثبوتها كالسمة، والعلامة الثابتة، ولا يقتصرون على مجرّد اتصافه بها، ولا فرق بين النفي، والإثبات لأنه لتأكيد النفي لا لمنفي تحى يرد أن نفي الحدوث أبلغ من نفي الثبوت كما قيل. قوله: (تعليل ثان للامتناع عن المعارضة والمقاومة الخ (المقاومة مفاعلة من القيام كني بها عن المدافعة لأنّ المتدافعين يقوم كل واحد منهما مقابلة الآخر، ولما كان كل
منهما علة مستقلة لم يعطف أحدهما على الآخر إيذانا بالاستقلال، ودفعا لتوهم أن يكون جزء علة لا علة تائة، وقد أورد عليه بعض فضلاء العصر أنّ ذلك يقتضي بسط يده، والمذكور بقوله أني أريد تعليل لعدم البسط فكيف يشبه أمر المستبين فإنه يصدر من كل منهما هناك سب فتكون تبعة السبين على البادي وقد يقال أن قوله:{ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} النفي فيه للقيد يعني إن بسطتها فللدفع لا للقتل دمان احتمل ترتبه عليه وعلى هذا يكون له أثمان إثم قتله، واثم ما صدر من الدافع لتسببه له، وكونه إثماً على حرمة الدفع عندهم ظاهر، وعلى غيره فلأنه فعل ما يأثم فاعله لو لم يكن دافعاً، وهذا أمر تقديري لقوله إن بسطت، وكذا في الحديث لأنّ ما شرطية أو موصولة فيها معنى الشرط، والى هذا أشار صاحب الكشف بقوله ليس هذا من قبيل ما ورد في الحديث لأنه لم يصدر الفعل إلا من طرف واحد فمن أين وجوب تحمل الظالم إثم فعله، ومثل إثم
صاحبه على فرض المقابلة بالإثم وليس بشيء لأنه لم يدّع وجوب التحمل ولا أنّ الحديث دال على هذا القسم بل إنما أراده هابيل وكأنه قال إني أريد أن يضاعف عذابك والإرادة لا تستدعي وجوب الوقوع انتهى ولما لم يفهمه بعضهم قال إنه ناشئ من عدم فهم المراد فتدبر. توله: (إرادة أن تحمل اثمي لو بسطت الخ) الداعي إلى هذا التأويل أنه يرجع القاتل بإثمه، وأما رجوعه بإثم المقتول إن أريد به إثم قتله فلا إثم له فيه، وان أريد إثمه مطلقا فقد علم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وقد مرّ أنّ في الآية تأويلين للسلف فعلى ما تدمه المصنف رحمه الله تعالى يكون الدفع بالقتل، وغيره إثما ومعنى الآية إني لا أدفع لخوف ربي، ولو دفعت لكان إثمي، واثمك عليك أما إثمك فظاهر، وأما إثمي فلأنك كنت السبب له، وأنت الذي علمتني الضرب، والقتل لأنه أوّل فاعل له، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة، وهذا على فرض وقوعه وتنزيله منزلة الواقع فيصح تنظيره بالحديث. قوله:(المستبان ما قالا فعلى البادئ) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه والمستبان مبتدأ وما في ما قالا شرطية، والشرط، وجوابه خبر المبتدأ، وبجوز أن تكون موصوفة بدلاً من المستبان بدل اشتمال أو مبتدأ، وعلى البادي خبره أو خبر مبتدأ محذوف أي فهو على البادي، وما في ما لم يعتد مصدرية فيها معنى المدة، وهي ظرف لمتعلق على، والمعنى المستبان الذي قالاه من السب استقرّ ضرره على الذي بدأ بالسب مدة عدم اعتداء المظلوم ما لم يجاوز المظلوم حد ما سبه البادئ فإذا جاوزه استقرّ ضرر ما قال كل عليه لأن البادي كان سببا في سب صاحبه، وسب المجيب فيه إثم إلا أنه محطوط عنه ما لم يزب في المكافأة كذا قال الزمخشري: وقال النحرير: فإن قيل أيّ حاجة إلى هذا التكلف، وقد دل الحديث على اختصاص الجميع بالبادي عند عدم الاعتداء فلا يكون للمجيب شيء منه قلنا قد حمل الجميع على إثم البادي، ومثل إثم الصاحب فلا يدل على أنّ إثم الصاحب لا يقع عليه.
(بقي هاهنا بحث) ، وهو أن تقدير المثل محتمل في الآية كما ذكروا ما في الحديث فقد
ذكر الجميع بلفظ واحد، وهو ما قالا أي إثم ما قالا فلا مجال لحمله على ما تال البادي، ومثل إثم ما قال الآخر إلا بالتزام الجمع بين الحقيقة، والمجاز فالأقرب أن يحمل على ظاهره، ويجعل إثم غير البادي ذا جهتين جهة نفس السب، وهو من هذه الجهة ساقط عنه بالدليل وجهة الحمل عليه، وهو على البادئ لكون هذه الجهة من قبله على طريقة من سن سنة سيئة الخ. فلا يكون من حمل وزر نفس على أخرى، وأما أنّ غير البادي ليس له المعارضة بالمثل بل الرفع إلى الحاكم ليجري على البادي ما هو الحكم من الحد أو التعزير فذلك بحث آخر انته، وهذا ردّ على صاحب الكشف إذ قال حط الإثم عن المظلوم لأنه مكافئ غير صحيح لأنه إذا سب شخص لم يستوف الجزاء إلا الحاكم.
والجواب أنّ صريح الحديث يدل على ما ذكره جار الله، والجمع بين الحكم الفقهي، والحديث أنّ السب إما أن يكون بلفظ يترتب عليه الحد شرعا فذلك سبيله الرفع إلى الحاكم أو بغير ذلك، وحينئذ لا يخلو إما أن يكون بما يتضمن إسناداً أو تفاخراً بنسب، ونحوه مما يتضمن إزراء بصاحبه دون شتم كنحو الرمي بالكفر، والفسق فله أن يعارضه بالمثل، ويدل عليه حديث زينب، وعائشة رضي الله تعالى عنهما، وقوله
صلى الله عليه وسلم: " دونك فانتصري " أو يتضمن شتما وذلك أيضاً يرفع إلى الحاكم ليعزر والحديث محمول على القسم الذي يجري فيه الانتصار وقوله: ما لم يعتد المظلوم يدلّ عليه لأنّ اشتغاله بما حقه الرفع إلى الحاكم اعتداء وهذا تفصيل حسن وقول النحرير: إنه بحث آخر لا وجه له لأنه أيّ بحث آخر في الحديث سوى أخذ الأحكام الشرعية منه. قوله: (وقيل معنى بإثمي بإثم قتلي الخ) وهذا ظاهر فإضافة الإثم إلى المتكلم لأنه نشأ من قبله أو هو على تقدير مضاف ولا حاجة إلى تقدير مثل ونحوه، واثم القاتل الذي لم يتقبل له قربانه عدم رضاه بحكم الله كما مرّ، ولا خفاء أنه لا يحسن المقابلة بين التكلم، والخطاب على هذا لأنّ كليهما اسم المخاطب، وقوله: وكلاهما في موضع الحال أي مجموعهما! ل واحد، وفيه تسمح. قوله:(بل قصده بهذا الكلام الخ الما كان إرادة الإثم من آخر غير جائزة كأن يريد زناه، ونحوه أوله بأنّ المراد أن لا يكون له نفسه إثم وهو لازم لإثم أخيه فأريد لازمه أو المراد بالإثم ما يلزمه، ويترتب عليه من العقوبة، ولا يخفى أنه لا يتضح حينئذ تفريع قوله فتكون الخ. قوله: (فسهلته الخ) قال الراغب معناه فسمحت له فزينته، وانقادت وسوّلت، وطوعت أبلع من أطاعت، وهو في مقابلة فأبت نفسه، وفسره المصنف رحمه الله تبعاً للزمخشريّ بسهلته، وذكر أنّ معناه التوسعة فتجوز به عما ذكر، وقراءة المفاعلة فيها وجهان أن يكون فاعل بمعنى فعل كما ذكره سيبويه رحمه الله، وهو أوفق
بالقراءة المتواترة أو أنّ المفاعلة مجازية بجعل القتل يدعو إلى نفسه لأجل الحسد الذي لحق قابيل وجعلت النفس تأباه فكل من القتل، والنفس كأنه يريد من صاحبه أن يطيعه إلى أن غلب القتل النفس فطاوعته. قوله:(وله لزيادة الربط الخ) أي كان يكفي طوعت نفسه قتل أخيه، وحفظت مال زيد ولكنها زيدت للتاً كيد، والتبيين كما في {ألم نشرح لك صدرك} ، وقيل إنه للاحتراز عن أن يكون طوعه لغيره ليقتله له أو حفظ المال لنفسه، وفيه نظر، وحراء بكسر الحاء، والمد يصرف، ولا يصرف جبل معروف، وقوله: ديناً ودنيا أخذ العموم من حذف المفعول. قوله: (حال من الضمير في يواري الخ) ، وقدم عليه لأنّ له الصدر وجملة كيف يواري في محل نصب مفعول ثان ليرى البصرية المتعدية بالهمزة لاثنين، وهي معلقة عن الثاني وقيل إنها علمية أي ليعلمه، ولو كان بمعنى ليبصره لم يكن لقوله كيف يواري موقع حسن، وأما على تقدير ليعلمه فهو في موقع المفعول أي فإنه يجاب عن السؤال بكيف يواري، وفيه نظر، والسوأة ما يسوءك نظر، ولذا يطلق على العورة، ويبحث بمعنى يحفر وأصل معناه يفتش، وليريه إمّا متعلق ببعث أو يبحث، والغرابان هما طائران معروفان، وقيل إنهما ملكان بصورة غرابين، ودفن المسلم، والكافر المعصوم فرض! كفاية وقوله: (ويستقبح الخ (بيان لوجه كونها سوأة، وفسر السوأة بجسد الميت وهو المراد، والزمخشرقي فسرها بالعورة، وما فعله المصنف رحمه الله أولى، وسميت سوأة لأنها تسوء ناظرها.
واعلم أنه قال في كتاب الأحكام إنّ في العورة أقوالاً فقيل هي الجسد كله وقيل ما بين
السرة والركبة وقيل إنها مثقلة، وهما القبل والدبر، ومخففة، وهي ما بين السرة، والركبة فلعل العلامة فسرها بالعورة حتى تشمل الأقوال نعم ما فعله المصنف أظهر. قوله:(كلمة جزع وتحسر) أصل النداء لمن يطلب إقباله من العقلاء وهو مجاز هنا عن الجزع، والتحسر كأنه ينادي موته، ويطلب حضوره بعد تنزيله منزلة من ينادي، ولا يطلب الموت إلا من كان في حال أشد من الموت فكني به ذلك وقوله:(والمعنى الخ) بيان لأصله والهلكة بفتحتين الهلاك، والاستفهام في أعجزت للتعجب، وأن أكون بتقدير عن أن أكون، وتعجبه عن عجزه عن كونه مثله لأنه لم يهتد إلى ما اهتدى إليه. قوله:(وليس جواب الاستفهام الخ) هذا ردّ على الزمخشريّ حيث جعله منصوبا في جواب الاستفهام، وقد سبقه إليه كثير من المعرين، وقالوا
إنه خطأ لأنّ شرطه أن ينعقد من الجملة الاسمية، والجواب جملة شرطية نحو أتزورني فأكرمك تقديره إن تزرني أكرمك، ولو قيل هنا إن أعجز عن أن أكون مثل الراغب أوار سوأة أخي لم يصح المعنى لأنّ المواراة تترتب على عدم العجز لا عليه، وقيل في توجيهه أنّ الاستفهام للإنكار بمعنى النفي، وهو سبب أي إن لم
أعجز واريت، وقيل هو من قبيل أتعصي ربك فيعفو عنك بالنصب لينسحب الإنكار التوبيخي على الأمرين، ويشعر بأنه في العصيان، وتوقع العفو مرتكب لما يحالف العقل حيث جعل سبب العقوبة سبب العفو، ويكون التوبيخ على هذا الجعل فكذا هنا نزل نفسه منزلة من جعل العجز سبب المواراة دلالة على التعكيس المؤكد للعجز عما اهتدى إليه غراب، ومن يكن الغراب له دليلا كفى به خائبا خاسراً، والثاني مسلك المدقق في الكشف وزاد فيه فإن قلت الإنكار التوبيخي إنما يكون على واقع أو متوقع فالتوبيخ على العصيان، والعجز له وجه إما على العفو، والمواراة فلا قلت التوبيخ على جعل كل واحد سبباً أو تنزيله منزلة من جعله سبباً لا على العفو، والمواراة فافهم، وقد أشار إليه في سورة الزمر، و! ل عليه أنّ الثاني في نجاية البعد والأوّل غير صحيح لأنه لا يكفي في النصب سببية النفي بل لا بد من سببية المنفي ألا ترى أنّ ما تأتينا فتحدثنا مفسر عندهم بأنه لا يكون منك إتيان فتحدث لا بأن لم تأتنا فتحدثنا، والجواب عنه أنه فرق بين ما نصب في جواب النفي، وما نصب في جواب الاستفهام، والكلام في الثاني فكيف يرد الأوّل نقضاً، ولو جعل في جواب النفي لم يرد ما ذكره أيضا لأنه لا حاجة إلى أخذ النفي من الاستفهام الإنكاري مع وضوح تأويل عجزت بلم أهتد، وقد قال في التسهيل أنه ينتصب في جواب النفي الصريح، والمؤوّل، وما نحن فيه من الثاني فتأمّل، وقال ابن عرفة في تفسيره ما في سياق شيء له حكمه وتقدير شرط مأخوذ منه فالتقدير إن كنت مثل هذا الغراب أوار الخ، وهو كلام دقيق. قوله:(وقرئ بالسكون على فأنا أواري الخ (أي أنه مستأنف، وهم يقدرون المبتدا لإيضاح القطع عن العطف وأمّا تسكين المنصوب فكثير، ولا عبرة بقول أبي حيان أنه ضرورة. قوله: (نأصبح من النادمين على قتله الخ) أصبح هنا بمعنى صار، وكابد بمعنى قاسى، ولقي ما يؤلم كبده، وقوله: ما كنت عليه وكيلا أي أنا لم أكن مأموراً بحفظه، وقد مز أنّ الوكيل بمعنى الحافظ، وقوله: ومكث سني آدم عليه الصلاة والسلام، وعدم الظفر الخ بالجرّ عطف على ما كابد وهو تزوجه بتوأمته.
تنبيه: في الكشاف بعد هذا وروي أنه رثاه بشعر، وهو كذب بحت، وما الشعر إلا
منحول ملحون، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم معصومون من الشعر، والشعر المذكور هو قوله:
تغيرت البلادومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وشكل وقل بشاشة الوجه المليح
وقال الشراح المليح إن رفع فخطأ لأنه صفة الوجه المجرور، وان خفض فأقواء، وهو
عيب قبيح، وان كثر وقول من قال الوجه فاعل قل، وبشاشة منصوب على التمييز بحذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف ألحن، وقيل إنّ آدم عليه الصلاة والسلام رثاه بكلام منثور بالسرياني فلم يزل ينقل إلى أن وصل إلى يعرب بن قحطان، وهو أوّل من خط بالعربية فنظر فيه فقدم، وأخر وجعله شعرا عربيا.
(قلت الا شك أن لوائح الوضع عليه لائحة لركاكته لكن ما استصعبوه من الأقواء، وترك التنوين ليس بصعب لما في أشعار الجاهلية، والشعراء من أمثاله مع أنه قد يخرج بأنه نعت جرى على المحل لأنّ الوجه فاعل المصدر، وهو بشاشة، وقيل إنه مرفوع، وقد سمع كالجر. قوله: (بسببه قضينا عليهم) سبب هو معنى أجل كما سيذكره والضمير راجع للقتل أو لما ذكر من القصة، وقضينا تفسير لكتبا ومن ابتدائية متعلقة بكتبنا، وقيل بالنادمين، وكتبنا استئناف، واستبعده أبو البقاء، والأجل بفتح الهمزة، وقد تكسر أصل معناه الجناية ولذا يقال بمعناه من جراك أي من جريرتك فلا يخفى حسن موقعه هنا، ثم اتسع فيه فاستعمل لكل سبب هكذا حققه أكثر اللغويين وجراً يمد وقصر وراؤه مشددة، وقد تخفف، وضمير أنه للشأن، ومن شرطية والباء في بغير للمقابلة متعلقة بقتل أو حال بمعنى متعدياً ظالما، وفساد بالجر معطوف على المضاف المحذوف أو على المذكور إن لم يقدر 0 قوله: (من حيث إنه هتك حرمة الدماء
الخ (يعني أنّ جميع الناس مشتركون في الكرامة على الله، والاحترام عند الله فمن قتل واحداً منهم فقد نفى كراهة الله وهتك حرمته
وكذلك من قتل الجميع فيكون قتل واحد كقتل الجميع، وكذا إحياؤها بترك القتل كإحياء الجميع لإبقاء كرامة الله، وتوفير حرمته، والفائدة في هذأ التشبيه الترهيب، والرح عن قتل نفس واحدة لتصويره بصورة قتل جميع الناس، والترغيب، والتحضيض على إحيائها لتصويره بصورة إحياء جميع الناس ولأنه جرأ الناس فكان فعلهم متسببآ على فعله فكأنه صدر منه لما سنه من السنة السيئة، ولأنه يشبهه في استجلاب أصل غضب الله، وأدخل بعضهم في هذا التزوج لأنه يشبه الأحياء بالتناسب قال، وبه تتصل هذه الآية بقصة ابني آدم وهو تكلف من غير داع. قوله:(بعدما كتبنا عليهم هذا الشديد الخ (التشديد العظيم يؤخذ من قتل جميع الناس، وقوله: وبهذا اتصلت الآية، وفي أكثر النسخ القصة أي قصة ابني آدم بما قبلها من قصص بني إسرائيل، وعلى النسخة الأخرى المراد بالآية قوله: (من أجل ذلك الخ) اتصل بقصة ابني آدم، ويحتمل أن يريد بالآية قصة ابني آدم لأنها في حكم آية واحدة وفسر الإسراف بما ذكره ليشمل الفعل، ويعم ما لا يتعلق بالمال كما هو المتبادل منه. قوله:(أي يحاربون أولياءهما الخ) يدخل في أولياء الله، والمسلمين الرسول دخولاً أولياً، ولا ينافيه جعل محاربتهم بمنزلة محاربتهما لأنّ منهم من حارب الرسول حقيقة فلا حاجة إلى التنزيل في شأنه لأنه إشارة إلى تقدير مضاف أو إن ذكر الله للتمهيد، وجعل محاربة المسلمين حكم محاربة الرسول للتنبيه على أن ما ذكر في الآية في حكم قطاع الطريق شامل للقطاع على المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو بإعصار لأنهم يحاربون الرسول حيث يحاربون من هو على طريقته، وأهل شريعته فلا يتوهم أنّ الحكم فيهم بطريق الدلالة أو القياس، وما يقال إنه إشارة إلى أنّ ذكر الرسول تمهيد على تمهيد كلام خال عن التحصيل كيف ولا ذكر للمسلمين بعده، وأيضا قطاع الطريق لو قتلوا، وفعلوا بأهل الذمة فحكمهم حكم غيرهم، وكان مرادهم أن ذكر الله تمهيد لذكر رسوله، وذكر الرسول تمهيد لقوله يسعون في الأرض فساداً لأنه هو المقصود، ولو اقتصر عليه لكفى وبهذا التقرير علم سقوط ما قيل على المصنف رحمه الله تعالى أنه خرج من كرمه الرسول نفسه فيقتضي أنّ بيان شأنه بطريق المفهوم، وليس كذلك، وقال الجصاص: يريد الذين يحاربون أولياء الله، ورسوله كقوله تعالى:{إن الذين يؤذون الله ورسوله} ويدلّ على ذلك أنهم لو حاربوا رسول الله لكانوا
مرتدين باظهار محاربة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومخالفته انتهى، وعليه فلا حاجة إلى التأويل، ولا يرد عليه شيء، وهو ظاهر، وأصلى معنى الحرب لغة السلب أي الأخذ، وقد يستعمل بمعناه يقال حربه إذا سلبه كما قاله الراغب: والمكابرة الهجوم جهرة واللصوصية بضم اللام مصدر بمعنى السرقة والمكابرة بهذا المعنى استعملها الفقهاء، وذكرها الجاحظ في كتاب اللصوص، وأهملها كثير من أهل اللغة فكأنها مولدة لم تثبت عندهم إلا أنّ الجاحظ ثقة، ولم يقل أنها مولدة. قوله: (اي مفسدين الخ (يعني أنه حال بتأويل المصدر باسم الفاعل أو مفعول له أو مصدر لسعي من معناه كقعدت جلوساً وفساد اسم مصدر بمعنى الإفساد حينئذ، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إليه.
تنبيه: في الكشاف في قوله ليريه كيف يواري سوأة أخيه ليعلمه لأنه لما كان سبب تعلمه
فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز قيل فهو استعارة تبعية في اللام حيث شبه ترتب التعلم على بحثه، وتسببه عنه بترتب ما يقصد بالفعل عليه، وكلامه صريح فيه، وان توهم أنّ مراده أنّ إسناد التعليم إلى الغراب مجازي لكونه سبباً، ولو أراد هدّا قال فكأنه علمه ثم بعد التجوّز في اللام هل الإسناد مجازي فيه تأمّل انتهى.
(أقول) يعني على استعارة اللام معناه أنه ببحثه تبين له مواراة أخيه حقيقة، وهذا في التأويل ظاهر أما إسناده إلى الغراب فلا يمكن أن يكون على الحقيقة، ثم إنه على إرجاع الضمير لله، وتعلقه ببعث لا بد فيه من التجوز في اللام لأنها للعاقبة، وكلامه مشعر بخلافه فتأمّل. قوله:(أن يقتلوا الخ) الإتيان بالتفعيل لما فيه من الزيادة على القصاص من أنه لا يسقط بعفو الولي، وكذا التصليب لما فيه من القتل، وإنما ضم إليه القتل لأنه لا يكون جزاء القتل وأخذ المال أقل من القتل وحده، وقوله: حتى يموت تنازع فيه يترك ويطعن، وقوله: تقطع الخ. هذا في أول
مرّة فان عاد قطع الأخريان. قوله: (ينفوا من بلد الخ) اختلف في النفي فقال الحجازيون ينفي من موضحع إلى موضع.
وقال العراقيون: يسجن، ويحبس، والعرب تستعمل النفي بمعنى السجن لأنه يفارق بيته وأهله، وقال ابن عربي: فيه أقوال فقيل: ينفي لبلاد، وقيل: لبلد أبعد، وقيل: يطالبونه بالحد، والى الأول ذهب صاحب المحرر من الثافعية أيضاً كما قال الشاعر:
- اه- 511
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأموات فيها ولا الإحيا
إذا جاءنا ال! سجان يوماً لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا
واستدل له بأنّ المراد زجره، ودفع شره فإذا نفي إلى بلد آخر لم يؤمن ذلك منه، واخراجه من الدنيا غير ممكن ومن دار الإسلام غير جائز فإن حبس في آخر فلا فائدة فيه إذ بحبسه في بلده يحصل المقصود، وهو أشد عليه، وقوله: بحيث لا يمكنون من القرار في موضع المراد أنهم يشردون، ويفرقون بحيث لا يجتمعون في مكان كسرا لشوكتهم بالتفريق. قوله:(وأو في الآية الخ) أي هي للتقسيم، واللف والنشر المقدر على الصحيح، ومن قال بتخيير الإمام جعلها تخييرية، والأوّل علم بالوحي والا فليس في اللفظ ما يدلّ عليه دون التخيير ولأنّ فيها أجزية مختلفة غلظاً وخفة فيجب أن تقع في مقابلة جنايات مختلفة ليكون جزاء كل سيئة سيئة مثلها، ولأنه ليس للتخيير بين الأغلظ، والأهون في جناية واحدة كبير معنى، والظاهر أنه أوحى إليه هذا التنويع والتفصيل، وما قيل إنّ التخيير بالنسبة إلى الإمام، والحاكم فإنه يفعل ما يريد منها مع ملاحظة الجنايات، واستحقاقها صلح من غير تراض للخصمين مع بعده. قوله:(لهم خزي في الدنيا الخ) قال النووفي رحمه الله تعالى إذا اقتص منه، وعوقب كيف يكون مستحقا لذلك وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:" من ارتكب شيئاً فعوقب به كان كفارة له " فيقتضي سقوط الإثم عنه، وأن لا يعاقب في الآخرة، وأجاب بأنه يكفر عنه حق الله، وأما حقوق العباد فلا، وهنا حقان لله والعباد، وفيه نظر، وقوله: مخصوص الخ لأنّ القصاص لا يسقط بالتوبة، ثم إنهم لهم في الدنيا عذاب وخزي، وكذا في الآخرة فاقتصر في الدنيا على الخزي لأنه أعظم من عذابها، واقتصر في الآخرة على عذابها لأنه أشدّ من الخزي، وقوله:{لعظم ذنوبهم} راجع إلى عذاب الدنيا، والآخرة ووجه دلالة أنّ الله غفور رحيم عليه أنه لا يعفو عن حقوق العباد بل عن حقوقه، وقوله: يسقط بالنوبة الخ إشارة إلى مخالفته لغيره من القصاص.
تنبيه: قال شيخ والدي ابن حجر الهيثمي قول المصنف رحمه الله تعالى يسقط بالتوبة الخ
كلام ظاهر الفساد لأنّ التوبة لا دخل لها في القصاص أصلاً إذ لا يتصور له بقيد كونه قصاصاً
حالتا وجوب، وجوإز لأنا إن نظرنا إلى الولي فطلبه جائز لا واجب مطلقاً أو للإمام فان طلبه منه الولي وجب والا لم يجز من حيث كونه قصاصا والا جاز أو وجب من حيث كونه حدا، وأوله بعضهم بما لا يوافق المذهب فتأمّل.
وقال شيخنا ابن قاسم ادعاؤه الفساد ظاهر الفساد فإنه لم يدع ما ذكر، وإنما ادعى أنّ
لها دخلا في صفة القتل قصاصا وهي وجوبه، وقوله:(إذ لا يتصور الخ) قلنا لم ياع أنّ له حالتي وجوب وجواز بهذا القيد بل ادعى أن له حالتين في نفسه، وهو صحيح على أنه يمكن أنّ له حالتين بدّلك القيد لكن باعتبارين اعتبار الولي، واعتبار الإمام إذا طلب منه، وقوله:(إن نظرنا الخ) كلام ساقط ولا شك أنّ النظر إليهما يقتضي ثبوت الحالتين قصاصا، وقوله: فتأمّل تامّلنا فوجدنا كلامه نشأ من قلة التأمّ أنتهى. قوله: (وإنّ الآية في قطاع المسلمين الخ) قيل عليه المراد بالتوبة عن قطع الطريق، ولا تأثير لها في سقوط الحد بعد القدرة سواء كانت من الكافر أو المسلم، وأما إن توبة الكافر مسقطة لجميع ما كان قبل التوبة فمعلوم من غير هذا الموضع.
واعلم أن مراد المصنف رحمه الله تعالى ما فصله في كتاب الأحكام أنّ محاربة الله ذهب
قوم من السلف إلى أنها إنما تستعمل في الكفار فمن قال به حمل هذه الآية على أهل الردة ورده بأنه ورد في الأحاديث إطلاقها على أهل المعاصي أيضا وأنه لا خلاف بين السلف، والخلف في أن هذا الحكم غير مخصوص بأهل الردة، وإنه فيمن قطع
الطريق، وان كان من أهل الملة وحكي عن بعض المتأخرين، ومن لا يعتد به أنّ ذلك مخصوص بالمرتدين وهو قول ساقط مردود مخالف للأمة، واجماع السلف، والخلف ويدل على أنّ المراد به قطاع الطريق من أهل الملة قوله تعالى:{إلا الذين تابوا} الخ ومعلوم أنّ المرتدين لا يختلف حكمهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة كما يسقطها عنهم قبل القدرة، وقد فرق الله بين توبتهم قبل القدرة، وبعدها، وأيضا فإن الإسلام لا يسقط الحد عمن وجب عليه، وأيضا ليست عقوبة المرتدين كذلك، والآية وان نزلت في الكفار من العرينين أو غيرهم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومراد المصنف رحمه الله تعالى رد هذا القول الذي ذهب إليه بعض
المفسرين لكن في عبارته إجمال، ومسامحة فلا يرد عليه ما أورده هذا المعترض. قوله:(أي ما تتوسلون به إلى ثوابه الخ) يشير إلى أن إلى متعلقة بالوسيلة، وهي صفة لا مصدر حتى يمنع تقدم معموله عليه وقيل إنه متعلق بالفعل، وقوله:(وفي الحديث الخ) إن أراد به أنه هنا بهذا المعنى فغير ظاهر لتعلق الجارية ولأنه ورد في الحديث كما رواه مسلم وغيره: " منزلة في الجنة جعلها الله لعبد من عباده وأرجو أن كون أنا فأسألوا لي الوسيلة " فهو يقتضي أنها غير المذكورة هنا لاختصاصها بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والجواب أنه بيان لبعض أفرادها بطريق التنظير لا التمثيل والأعداء الظاهرة ظاهرة، وأما الباطنة فالقوى الشهوية ونحوها. قوله:(واللام متعلقة بمحذوف الخ) أي لام ليفتدوا لا لهم لأنه خبر أن، وفي أنّ بعدلو مذهبان أحدهما ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى أنها فاعل فعل مقدر، وضمير به لما في الأرض! ، ومثله وحد لما ذكره، واجراء الضمير مجرى اسم الإشارة مرّ تحقيقه في سورة البقرة. قوله:(أو لأن الواو في مثله بمعنى مع) فيتوحد حينئذ مرجع الضمير وهو ما في الأرض! المصاحب لمثله كما تقول جاء زيد، وهنداً ضاحكا ومعه يكون تأكيدا وهو حال كذا في الكشاف وجعل الناصب له ثبت المقدر بعد لو وهكذا حكم الضمير بعد المفعول معه إلا فراد وأجاز الأخفش أن يعطي حكم المتعاطفين فيثني ضميره، وقال بعض النحاة الصحيح جوازه على قلة ورد بأنه لا فائدة في قوله معه حينئذ إن كان الضمير لما، وان كان لمثل بأن يكون له مثلان فيفيد، وأما كون العامل فيه ثبت فليس بصحيح لأنّ العامل في المفعول معه وهو العامل في المصاحب له كما صرحوا به، وهو ما أو ضميرها وشيء منهما ليس عاملا فيه ثبت المقدر، وأما صحته على تقدير جعله لهم أو متعلقه على ما قيل وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل له، ولذا أسقط ذكر العامل المذكور في الكشاف فممنوع أيضاً كما نقل عن سيبويه رحمه الله أنه قال، وأما هذا لك، وأباك فقبيح لأنه لم يذكر فعل، ولا حرف فيه معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل فصرح بأنّ اسم الإشارة، وحرف الجر والظرف لا يعمل في المفعول معه ومن العجائب ما قيل
إن المصنف رحمه الله تعالى أعرض عن كونه مفعولأ معه، وقال إنّ الواو بمعنى مع يريد أنه من قبيل كل رجل وضيعته ردّاً على ما قاله الزمخشريّ، وهو فاسد من وجوه لأنّ مثله يلزم فيه المطابقة، ولا يذكر الخبر ولم يقل، ولو افتدوا مع أنه أخصر لأنّ هذا أبلغ إذ معناه لو أنهم حصلوا ما في الأرض، وملكوه بقصد الفدية لم يقبل منهم ذلك فتأمل. قوله:(تمثيل للزوم العذاب الخ) قال القطب أي كناية عن لزوم العذاب فإن لزوم العذاب من لوازمه أن ما في الأرض! جميعاً، ومثله معه لو افتدوا به منه لم يتقبل منهم فلما كانت هذه الجملة بل هذه الملازمة لازمة للزوم العذاب عبر عنها بها فيكون كناية ولعل التمثيل يطلق على الكناية إذا كانت بالتمثيل، وقال النحرير لا يريد به الاستعارة التمثيلية بل إيراد مثال وحكم يفهم منه لزوم العذاب لهم أي لم يقصد بهذا الكلام إثبات هذه الشرطية بل انتقال الذهن منه إلى هذا المعنى، وبهذا الاعتبار يقال له كناية، ويمكن تنزيله على التمثيل الاصطلاحي بأن يقال حالهم في حال التقصي عن العذاب بمنزلة حال من يكون له أمثال ما في الأرض! ، ويحاول بها التخلص من العذاب فلا يتقبل منه، ولا يتخلص فقد علصت أن التمثيل هنا محتمل ثلاثة معان. قوله: (وقرئ يخرجوا (يعني مجهولاً ووجه المبالغة إفادة الاسمية الثبوت مع زيادة الباء للتأكيد، وقد مر له
زيادة توضيح في ما أنا بباسط يدي إليك. قوله:) جملتان عند سيبوبه الخ) في الكشاف رفعهما على الابتداء والخبر محذوف عند سيبويه رحمه الله تعالى كأنه قيل، وفيما فرض عليكم السارق، والسارقة أي حكمهما ووجه آخر، وهو أن يرتفعا بالابتداء والخبر فاقطعوا أيديهما، ودخول الفاء لتضمنهما معنى الشرط لأنّ المعنى والذي سرق، والتي سرقت فاقطعوا أيدهما والاسم الموصول يضمن معنى الشرط، وقرأ عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر لأن زبداً فاضربه أحسن من زيد فاضربه وهذا مما وقع فيه خبط في الكشاف هنا وفي سورة النور، وفي التفسير الكبير فيه كلام لا مساس له بهذا المقام مع طوله، والذي يبين لك مغزاه وان لم يفهموا كلام سيبويه رحمه الله ما في الانتصاف قال رحمه الله المستقري من وجوه القراآت أنّ العامّة لا تتفق فيها أبداً عن العدول عن الأفصح وجدير بالقرآن أن يحرز أفصح الوجوه وأن لا يخلو من الأفصح، ويشتمل عليه كلام العرب الذي لم يصل أحد منهم إلى ذروة فصاحته، ولم يتعلق بإهدابها، وسيبويه رحمه الله تحاشى عن اعتقاد عرائه عن الأفصح، واشتمال الشاذ الذي لا يعد من القرآن عليه، ونحن نورد كلام سيبويه لتتضح براءة سيبويه رحمه الله تعالى من عهدته قال بعد أن ذكر المواضع التي يختار فيها النصب أنه متى بني الاسم على فعل الأمر فذلك موضع اختيار النصب، ثم قال موضحا لامتياز هذه الآية عما اختار
فيه النصب، وأما قوله تعالى:{والسارق والسارفة} الآية {والزانية والزاني} [سورة النور، الآية: 2] الخ فإنّ هذا لم يبن على الفعل، ولكنه جاء على مثال قوله تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون} ، ثم قال فيها أنهار منها كذا يريد سيبويه رحمه الله تعالى تمييز هذه الآي عن المواضع التي بين اختيار النصب فيها، ووجه التمييز أنّ الكلام حيث يختار النصب يكون الاسم فيه مبنياً على الفعل وأما في هذه الآي فليس بمبني عليه فلا يلزم فيه اختيار النصب، ثم قال، وإنما وضمع المثل للحديث الذي ذكر بعده فذكر إخباراً، وفصصا فكأنه قال! ، ومن القصص مثل الجنة فهو محمول على هذا الإضمار، والله أعلم فكذلك الزانية، والزاني لما قال جل ثناؤه سورة أنزلناها وفرضناها قال في جملة الفرائض الزانية والزاني، ثم جاء فاجلدوا بعد مضيئ الرفع فيهما يريد لم يكن الاسم مبنياً على الفعل المذكور بعد بل بني على محذوف متقدم وجاء الفعل طارئا، ثم قال كما جاء:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر وكذلك: {والسارق والسارقة} أي، وفيما فرض! عليكم السارق، والسارقة، وإنما دخلت هذه الأسماء بعد قصص وأحاديث، وقد قرأ ناس والسارق والسارقة بالنصب، وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوّة، ولكن أبت العامة إلا الرفع يريد أنّ قراءة النصب جاء الاسم فيها مبنياً على الفعل غير معتمد على ما قبله فكان النصب قويا بالنسبة إلى الرفع حيث يبنى الاسم على الفعل لا على متقدم، وليس يعني أنه قوي بالنسبة إلى الرفع حيث يعتمد الاسم على المحذوف المتقدم فإنه قد بين أنه يخرجه عن الباب الذي يختار فيه النصب فكيف يفهم منه ترجيحه عليه، والباب مع القراءتين مختلف، وإنما يقع الترجيح بعد التساوي في الباب، والنصب أرجح من الرفع حيث يبنى الاسم على الفعل، والرفع متعين لا أقول أرجح حيث يبنى الاسم على كلام متقدم، وإنما التب! على الزمخشري كلام سيبويه من حيث اعتقد أنه باب واحد عنده ألا ترى إلى قوله لأنّ زيداً فاضربه أحسن من زيد فاضربه حيث رجح النصب على الرفع حيث يبنى الكلام في الوجهين على الفعل، وقد صرح سيبويه بأن الكلام في الآية مع الرفع مبني على كلام متقدم، ثم حقق سيبويه هذا المقدر بأنّ الكلام واقع بعد قصص، واخبار، ولو كان كما ظنه الزمخشري لم يحتج إلى تقدير بل كان يرفعه على الابتداء، ويجعل الأمر خبره كما أعربه الزمخشري فالنصب على وجه واحد وهو بناء الاسم على فعل الأمر، والرفع على وجهين أحدهما ضعيف، وهو الابتداء، وبناء الكلام على الفعل، والآخر قوي بالغ كوجه النصب، وقد رفعه على خبر ابتداء محذوف دل عليه السياق وإذا تعارض! وجهان في الرفع أحدهما قوي، والآخر ضعيف تعين القراءة على القوي كما أعربه سيبويه رحمه الله ورضي عنه، وإنما نقلت كلامه برمتة لأنه كله كما قيل:
وما محاسن شيءكله حسن
ولا عطر بعد عروس، وناهيك بمقام لم بفهمه مثل الزمخشري، والإمام ولنا فيه زيادة تحقيق في سورة النور. قوله:(وجملة عند المبرد الخ) هذا كلام ابن الحاجب بعينه، وكونه جملتين عند سيبويه لأنّ تقديره مما يتلى عليكم حكم السارق، والسارقة، وهذه جملة اسمية، وقوله: فاقطعوا جملة فعلية مفسرة لذلك الحكم، وأما المبرد فذهب إلى أنّ الفاء ليست هي التي يعمل ما بعدها فيما قبلها كما في وربك فكبر ليصح النصب بالتسليط لما بعدها، وإنما هي الفاء الجزائية الداخلة على الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط بناء على أن اللام موصولة لا حرف تعريف كما في المؤمن، والكافر مما لم يقصد به معنى الحدوث، والمعنى الذي سرق، والتي سرقت فاقطعوا الخ. ومثل هذه الفاء يمنع العمل بالاتفاق، والأمر في هذا الموقع يقع خبراً للمبتدأ بلا تأويل، وليس من قبيل زيد فاضربه لكونه في الحقيقة شرطاً، وجزاء مثل أن سرط فاقطعوه كذا قال النحرير: نقلا عن المبرد وفيه نظر لأنّ هذه الفاء زائدة، وكونها تمنع العمل بالاتفاق لا يظهر وجهه، وأيضاً أنّ أل الموصولة قال الحلبي لا تقع في خبرها الفاء فليحرر هذا النقل فإنّ في النفس منه شيئاً وقوله لتضمنهما أي السارق والسارقة، وفي نسخة لتضمنها أي الجملة، والأولى أولى. قوله:(وقرئ بالنصب وهو المختار الخ) فيه بحث لأنه إن أراد أنه مختار عند القراء فليس كذلك لأنّ القراءة المتواترة على خلافه، وان أراد عند النحاة فقد عرفت أن سيبويه يقول إنّ الرفع أقوى، وإنه عنده ليس من باب الاشتغال، وان أراد عند المبرد فمذهب المبرد أن المبتدأ المتضمن معنى الشرط لا يحتاج خبره الأمرفي إلى تأويل، ولم يدخل السارقة في السارق تغليباً كما هو المعروف في أمثاله لأنه لبيان الحد الذي يحافظ فيه على ترك ما يدرأ الشبهة، وما ذكره في السرقة، وشروطها مما تكفلت به الفروع، وقوله) صلى الله عليه وسلم القطع الخ (أخرجه الشيخان عن عائشة ولفظه:" تقطع اليد قي ربع دينار فصاعداً ". قوله: (والمراد بالأيدي الإيمان، ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه الخ) وضع الجمع موضع المثنى إشارة إلى قاعدة ذكرها النحاة، وهي أنّ كل جزأين أضيفا إلى الكل لفظاً أو تقديرا، وكانا مفردين من صاحبهما
جاز فيهما ثلاثة وجوه الجمع، وهو الأفصح ثم الإفراد، ثم التثنية، واختلفوا أقي إلا آخرين أفصح فقيل الأوّل، وقيل الثاني، واحترزوا بالجزأين عما ليس بجزء نحو داريهما فإنه لا بد من تثنيته لا من اللبس، وكذا إن أفردا عن الإضافة كاليدين لذلك واحترزوا بالمفردين من نحو فقأت عينيهما فإنه لا بد من التثنية لإلباسه في الإفراد، وما نحن فيه من هذا القبيل فكان اللازم تثنيته على الأفصح فأشار إلى جوابه بأنّ اليد هنا بمعنى اليمين كما قرئ به فهي مفردة فلذا جمعت كالقلوب مع أنه لا لبس به فيجوز الجمع والإفراد كما ذكرنا، وما قيل إنّ اليمين من كل شخص! واحدة بخلاف اليد غير وارد لأنّ الدليل دل على أنّ المراد من اليد يد مخصوصة، وهي اليمين، وقد دل الشرع على ذلك أيضاً، والرسغ بضمتين وضم فسكون المفصل الذي بين الكف والساعد، والحديث دليل على معنى اليد، وانها اليد اليمين أيضا. قوله:(منصوبان على المفعول له) قال النحرير: وترك العطف إشعاراً بأنّ القطع للجزاء والجزاء للنكال والمنع عن المعاودة اهـ، وإنما ذكر هذا بناء على أنه لا يجوز تعدد المفعول له بدون عطف، واتباع لأنه على معنى اللام فيكون كتعلق حر في جر بمعنى بعامل واحد، وهو ممنوع، وقد صرّح به أبو حيان، واعترض على هذا الإعراب به فأشار المحقق إلى دفعه وقد سبقه إليه الحلبي ونقل عن بعض النحاة أنه أجاز تعدد المفعول له فلا يرد السؤال رأساً، وقد دفع أيضاً بأنّ النكال نوع من الجزاء فهو بدل منه، وعلى ما ذكره النحرير يكون مفعولاً له متداخلاً كالحال المتداخلة وهو حسن وإذا نصبا على المصدرية فهما إمّا مصدران لأقطعوا من معناه أو لفعل مقدر من لفظه، وقد جوّز فيه الحالية أيضاً. قوله:(من السراق) بتشديد الراء جمع سارق، ومن الغريب أنه نقل عن أبيّ رضي الله عنه أنه قرأ والسرق والسرقة بترك الألف وتشديد الراء فقال ابن عطية رحمه الله تعالى أنّ هذه القراءة تصحيف لأنّ السارق والسارقة كتبا بدون ألف في المصحف، وقيل في توجيهها إنهما جمع سارق، وسارقة لكن فاعلة لم ينقل فيه في جمع المؤنث السالم
فعلة، ولم يسمع فعلة في الجمع أصلاً فلو قيل إنها صيغة مبالغة لكان أقرب فانظره، وقوله: إمّا القطع فلا يسقط بها ضمير بها للآخرة أي إذا لم يقطع في الدنيا لا يسقط حق العبد في الآخرة، وأن جاز سقوط حق الله، والتبعات حقوق العباد والمظالم، وقوله والعزم إشارة إلى أنّ الإصلاح هنا إصلاح النفس بالتوبة، وهي الندم، والعزم على عدم العود كما مر وأنه إذا تاب تاب الله عليه أي قبل توبته، وعموم
الخطاب لكل واقف عليه مرّ تحقيقه، وفي الأحكام لابن العربي أنه في شرع من قبلنا كان جزاء السارق استرقاقه وقيل كان ذلك إلى زمن موسى صلى الله عليه وسلم فعلى الأوّل شرعنا ناسخ لما قبله وعلى الثاني مؤكد للنسخ كما سيأتي في سورة يوسف. قوله:(قدم التعذيب على المغفرة الخ) يعني كان الظاهر عكسه لأنّ الرحمة سابقة على الغضب كما في حديث " سبقت رحمتي غضبي " وهنا عكس لأنّ التعذيب للمصرّ على السرقة، والمغفرة للتائب منها، وقد قدمت السرقة في الآية أولاً ثم ذكرت التوبة بعدها فجاء هذا اللاحق على ترتيب السابق أو المراد بالتعذيب القطع، وبالمغفرة التجاوز عن حق الله، والأوّل في الدنيا، والثاني في الآخرة فجيء به على ترتيب الوجود أو لأنّ المقام مقام الوعيد قالوا، وهذا أقرب. قوله:(أي صنع الذين يقعون الخ الما كانت ذواتهم لا تحزنه، وأنما يحزنه فعلهم أوّله بما ذكر، وهو إما بتقدير مضاف أو على أنّ الإسناد مجازي، وأنه أسند ما للفاعل إلى سببه أو أنه لا فاعل له حقيقي. قوله: (أكلط في إظهاره إذا وجدوا الخ) إنما قال ذلك لأنّ المنافقين كفرة، وذلك الإظهار بالأخبار والا كانوا مجاهرين لا تبال بهم كما فسره الزمخشرقي، وحزنه ليس لخوفهم بل شفقة عليهم حيث لم يهوفقوا للهداية. قوله:(خبر محذوف الخ (رجح عطف، ومن الذين هادوا على من الذين قالوا لأنه قرئ سماعين على الذم فهذا بيدل على أنها ليست بخير فسماعون حينئذ خبر مبتدأ محذوف، ولام للكذب للتقوية كما في قوله تعالى: {فعال لما يريد} [سورة البروج، الآية: 16، وأما تضمينه معنى القبول ففيه نظر فإنه يقتضي أنه إنما فسر بالقبول لتعديه باللام، وقد قال الزجاج يقال لا تسمع من فلان أي لا تقبل، ومنه سمع الله لمن حمده أي تقبل منه حمده، وكلام الجوهرقي يخالفه أيضا، ويقتضي أنه ليس مبنيا على التضمين، وعلى الوجه الأخير مفعوله محذوف، واللام للتعليل وضميرهم المقدر جوز فيه المصنف رحمه الله تعالى وجهين، وهما بمعنى لأن الذين يسارعون الفريقان وفي الكشاف أو للذين هادوا، وأورد على التضمين أيضا أن القبول متعد بنفسه كما في كتب اللغة يقال قبله كعلمه وتقبله، واللام بعد السماع بمعنى القبول بمعنى من كما في سمع الله لمن حمده، وتدخل على المسموع منه لا اأصمسموع. قوله:) والمعنى على الوجهين (
أي الوجهين السابقين في سماعون للكذب من كون اللام متعلقة به لتضمنه القبول دىاليه أشار بقوله مصغون لهم قابلون كلامهم، وكونها للتعليل، ومفعوله محذوف واليه أشار بما بعده، وزاد وجهاً آخر، وهو كون سماعون الثاني تأكيداً للأول، واللام متعلقة بالكذب ولا مغايرة بين الوجه الثاني هنا، وهناك كما توهم لأنّ المراد سماعون منك الكلام الصادر منك. قوله:(من بعد مواضعه الخ) في الكشاف يحرّفون الكلم يميلونه، ويزيلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا مواضع فقيل معناه ما تال في سورة النساء، وأما من بعد مواضعه، ومقاره يعني أنه تنبيه على الفرق بين عن مواضعه، ومن بعد مواضعه فمانّ معنى الأول مجرّد الإمالة، والثاني الإزالة عن مواضعه، وهذا مراد المصنف رحمه الله تعالى بقوله أي يميلونه الخ فنزله عليه، ووجوه إعراب الجملة غنية عن البيان. قوله:(روي أن شريفاً من خيبر الخ) سماه شريفاً على زعمهم، وهدّا الحديث أخرجه البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه، وليس فيه أنهما من خيبر، وزاد فيه في الكشاف أنّ ابن صوريا أسلم في هذه القصة، وتركه المصنف رحمه الله تعالى لأنه لم يصح إسلامه بل خلافه، والتحميم تسويد الوجه من الحممة،
وهي الفحمة، ويقال له تسخيم أيضاً، وقوله إن أوتيتم هذا المحرف أي المزال عن موضعه قال
الطيبي رحمه الله تعالى إنه ليس بمقول لهم بل وضع موضع مقولهم كما مرّ في قوله: {إنا تقلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله} هو ظاهر، ولا وجه لما قيل ما المانع من أن يكون مقولهم فإنهم كانوا عالمين بالتحريف ومعترفين به فتأمّل، وقوله أنشدك الله قسم، وأقسم عليه بما هو من حال بني إسرائيل، وموسى صلى الله عليه وسلم مما يعرفه تأكيداً، وتحريضاً على عدم مخالفته، وقوله على من أحصن أي تزوّج لأنّ في جريان الإحصان الشرعي في الكافر ما هو مذكور في الفروع، وهو حجة على أبي حنيفة في اشتراط الإسلام إلا أن يقال كان ذلك قبل نزول الجزية أو كان على اعتبار شريعة موسى صلى الله عليه وسلم.
قوله: (من الله (أي شيثا آخر يخالفه من الله أو من بدلية، وقوله، وهو كما ترى نص
على فساد قول المعتزلة يعني في أنّ أفعال العباد خيرها، وشرها بإرادة الله، وهو رد على الزمخشريّ حيث وأى الآية صريحة في خلاف مذهبه فقال معنى من يرد الله فتنته من يرد تركه مفتونا، وخذلانه فلن تملك له من الله شيئا فلن تستطيع له من لطف الله، وتوفيقه شيئاً، ومعنى لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لم يرد أن يمنحهم من ألطافه ما يطهر به قلوبهم لأنهم ليسوا من أهلها لعلمه أنها لا تنفع فيهم، ولا تنجع، ولا يخفى تعسفه فيه كما قال: في الانتصاف كم يتلجج، والحق أبلج هذه الآية كما تراها منطبقة على عقيدة أهل السنة في أنه تعالى أراد الفتنة من المفتونين، ولم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الفتنة ووضر الكفر لا كما تزعم المعتزلة من أنه تعالى ما أراد الفتنة من أحد، وأراد من كل الإيمان، وطهارة القلب، وأنّ الواقع من الفتن على خلاف إرادته، وأنّ غير الواقع من طهارة قلوب الكفار مراد أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها إلى آخر ما شنع به. قوله:(والضمير للذين هادوا الخ) قيل: الأوجه أن يجعل الضمير لأولئك على التقديرين وسماعون للكذب تأكيد لما مر قيل إق الظاهر أنه تعليل لقوله لهم في الدنيا خزى الخ. أو توطئة لما بعده أو المراد بالكذب هنا الدعوى الباطلة، وفيما مز ما يفتربه الأحبار، ويؤيده الفصل بينهما، وأصل معنى السحت المحو، والمحق أطلق على الحرام لأنه ممحوق البركة يقال! سحته وأسحته أي أهلكه وأذهبه والسحت بضمتين وضم فسكون
تخفيفاً وفتحتين اسم منه وأما بفتح فسكون فمصدر أريد به المسحوت كالصيد بمعنى المصيد. قوله: (لو تحاكم كتابيان إلى القاضي الخ) تحقيق المقام كما في كتاب الأحكام للجصاص رحمه الله تعالى أنّ هذه الآية ظاهرها التخيير، وهي معارضة لقوله تعالى:{وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [سورة المائدة، الآية: 49] فذهب قوم إلى أنّ التخيير منسوخ بالآية الأخرى وأنه كان أوّلاً مخيراً ثم أمر بإجراء الأحكام عليهم، واليه ذهب كثير من السلف، ومثله لا يقال من قبل الرأي وقيل إنّ هذه الآية فيمن لم يعقد له ذمة، والأخرى في أهل الذمة فلا نسخ إلا أن يراد به التخصيص فتأمل لأنّ من أخذت منه الجزية تجري عليه أحكام الإسلام، وقد روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أصحابنا أهل الذمة محمولون على أحكام الإسلام في البيوع والمواريث، وسائر العقود إلا في بيع الخمر والخنزير فإنهم يقرون عليه، ويمنعون من الزنا كالمسلمين فإنهم نهوا عنه، ولا يرجمون لأنهم غير محصنين واختلف في مناكحاتهم فقال أبو حنيفة يقرّون عليها، وخالفه في بعض ذلك محمد وزفر وليس لنا اعتراض! عليهم قبل التراضي بأحكامنا فمتى تراضوا بها، وترافعوا إلينا وجب إجراء الأحكام عليهم، واعتبر أبو حنيفة تراضيهما بأحكامنا فلم يجز الحكم عليهما بمجيء الآخر، وخالفه محمد رحمه الله تعالى في هذا فلو أسلم أحدهما لزم الآخر حكم الإسلام، وهذا مما تحقيقه في الفروع فإن أردت تفضيله فراجع كتاب الأحكام للجصاص، والذب بالذال المعجمة الدفع. قوله:(بأن يعادوك لأعراضك عنهم الخ) يعني أنّ تعليق عدم الضرر بالأعراض باعتبار ما يترتب على عدم الحكم بما يوافق هواهم من العداوة المقتضية للتصدي لضرره فيصير مآل المعنى أن تعرض عنهم فعادوك، وقصدوا ضررك فالله يعصمك منهم، وقيل عليه إنّ المصنف رحمه الله فسر العصمة في قوله تعالى:{والله يعصمك من الناس} [سورة المائدة، الآية: 67] بعصمة الروج، وهي لا تنافي المضرة، وأجيب بأن مراده هنا بإيراد هذه العبارة عدم الضرّ مطلقاً، ولم يقصد حكاية ما في الآية، وقوله فيحفظهم، ويعظم شأنهم إشارة إلى أن المراد بالمحبة ما يلزمها من حفظه هنا، وتعظيمه كما هو شأن المحبوب، وبه يرتبط بما
قبله وينتظم معه أتم انتظام إذ هي ميل القلب، وهو في حقه تعالى غير متصوّر. قوله: (تعجيب من يحميكم من لا يؤمنون به الخ (قيل الأولى أنه تعجيب من تحكيمهم، والتولي فإن شأن التحكيم الرضا بحكم الحكم كما تثير إليه كلمة ثم الاستبعاد به، وليس هذا بخارج عن كلام المصنف رحمه الله تعالى لقوله فيما بعد أنه داخل في
حكم التعجيب لكن سوقه ليس على ما ينبغي. قوله: (وإن جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن فيه) أي في الظرف، وهو عندهم لأنّ الحال من المبتدأ لا يصح عند سيبويه، وقيل رفعها بالظرف ضعيف لعدم اعتماده وهو سهو لأنها اعتمدت على ذي الحال كما في الدرّ المصون لكن قال النحرير جعل التوراة مرفوعا بالظرف المصدر بالواو محل نظر ووجه النظر أنها تجعله جملة مستقلة غير معتمدة أو أنه لا يقرن بالواو، ولم يلتفت إلى هذا النظر المعرب، وإنما أوّل تأنيث التوراة لأنه اسم أعجمي وتاء التأنيث إنما يعتبر تأنيثها في العربي فأشار إلى أنها بعد التعريب عوملت معاملة الأسماء العربية الموازنة لها والموماة المغارة والدوداة مهملا الأرجوحة للصبيان أو صوت حركتها، وتكون بمعنى الجلبة وقد ذكره الأزهريّ فقول الطيبي لم أجده في كتب اللغة لا وجه له. قوله:(وهو عطف على يحكمونك داخل في حكم التعجيب (لأنّ التحكيم مع وجود ما فيه الحق المغني عن التحكيم، وان كان محلاً للتعجب، والاستبعاد لكن مع الإعراض عن ذلك أعجب وضمير به للكتاب وقوله: لأعراضهم إشارة إلى أن عدم الرضا بحكم الله كفر وعلى الوجه الثاني فالكفر ظاهر، وقوله: يهدي إلى الحق إشارة إلى تفسيره، وبيان متعلقه واستعارة النور للمبين ظاهرة، ويصح في يهدي، ويكشف الياء، والتاء على أنّ الضمير للتوراة قال النحرير: وهو أولى والجملة بيان للجملة أعني فيها هدي. قوله: (يعني أنبياء بني إسرائيل الخ) يعني إن خص فهو ظاهر وان عم فالمراد ما لم ينسخ منها على القول بأنّ شريعة من قبلنا شريعة لنا، وأورد عليه أنّ قوله للذين هادوا صريح في تخصيصحها ببني إسرائيل، وكذا قوله الذين أسلموا فإنّ المراد الذين انقادوا لها ولم ينسخوا أحكامها، وفيه نظر لأنه غفلة عن كونه متعلقاً بانزل فإنّ تخصيص الإنزال بهم لا يقتضي تخصيص العمل والصفة مادحة لا مقيدة كما سيأتي نعم ما ذكره جواب عن الاستدلال بهذه الآية لا مانع من حملها على وجه آخر. قوله:(صفة اجريت على النبيين الخ) تبع في هذا الزمخشريّ بناء على ظاهر كلامه وقد قيل عليه أنّ المدح إنما يكون بالصفات الخاصة التي يتميز بها الممدوح عمن دونه والإسلام لأمم الأنبياء فلا يحسن مدح النبيّ به فالوجه أنّ الصفة قد تذكر لمدحها وتعظيمها في نفسها،
والتنويه بها كما قد يراد تعظيم الموصوف، وعلى هذا الأسلوب وصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالصلاح، والملائكة بالإيمان بعثاً على الاتصاف بهذه الصفة ليثبت لهم حق أخوّة المشاركة فيها، ولذا قيل أوصاف الإشراف أشراف الأوصاف وقال حسان رضي الله تعالى عنه: ما إن مدحت محمداً بمقالتي لكن مدحت مقالتي بمحمد
فلو لم نذهب إلى هذا لخرجنا عن قانون البلاغة في ذكر الإسلام بعد النبوّة، ولذا عيب
على أبي الطيب قوله:
شمس ضحاهاهلال ليلتها درّ تقاصيرها زبرجدها
فنزل عن الشمس إلى الهلال وعن الدرّ إلى الزبرجد فمضغت الألسن عرض بلاغته، ومزقت أديم صنعته اهـ وفي المفتاح إشارة إلى هذا في قوله تعالى {الذين يحملون العرش} إلى قوله {ويؤمنون} الآية قال ووجه حسن ذكره إظهار شرف الإيمان وفضله، والترغيب فيه، وذكره في التلخيص أيضاً وأورد عليه الطيبي رحمه الله تعالى كلاما واهياً ولذا تركناه، وكان القائل بأنها مادحة لا يسلم ما ذكر واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله مدحا لهم، وأنه لا يلزم ما أورده المعترض إذ قد قصد مع المدح فوائد أخر كالتنويه بعلو مرتبة المسلمين، والتعريض بغيرهم، وكلام المصنف رحمه الله تعالى مخالف لما ذكر، وقول الزمخشري على سبيل المدح قيل المراد به مدح الصفة نفسها، وقيل المراد أنها صفة أجريت عليهم على طريق المدح دون التخصيص أو التوضيح لكن لا بقصد المدح ليلزم ما ذكرتم بل يقصد التعريض، والهدى
بفتح فسكون الطريقة. قوله: (متعلق بأنزل) المذكور في قوله أنزلنا سابقاً، ولا يضرّ تقدّم المفعول، وصفته لأنه ليس بأجنبي فلا يحتاج إلى القول بأنه أنزل آخر مقدراً كما قيل، وأما تعلقه بهدى ونور فيلزم عليه الفصل بين المصدر ومعموله، وقوله: وهو يدل أي تعلقه بيحكم لا بأنزلنا لأنه لا يلزم من إنزالها لهم اختصاصها بهم كما مرّ، وهو جواب عما مرّ، وأنبياء الذين هادوا لا ينافي كونهم أنبياء بني إسرائيل كما مرّ لأنه على تعلقه بيحكم لا بأنزلنا أو أنّ هذا وجه آخر يدل عليه متعلق اللام فتأمّل، والربانيون المنسوبون إلى الرب هم الزهاد وقد تقدّم تحقيقه. قوله:(بسبب أمر الله) الأمر يستفاد من السين الدالة على الطلب، وقوله: بأن يحفظوا بيان لحاصل المعنى، وان أوهم أنّ ما مصدرية كما جوّزه بعضهم وقال إنه أولى لعدم احتياجه إلى تقدير العائد لأنّ التبيين بمن يعين موصوليتها عنده فقوله من كتاب الله يقتضيه
وقوله بسبب أمر الله يقتضي أنّ ضمير استحفظوا راجع للنبيين والربانيين والأحبار وجوّز رجوعه للربانيين، والأحبار فإن كان المستحفظ النبيين تعين الثاني. قوله:(رقباء لا يتركون أن ينيروا الخ) شهداء جمع شهيد بمعنى مشاهد وعدّى بعلى لضمته معنى المراقبة، وجعل الزمخشري كانوا معطوفا على استحفظوا أي بسبب كونهم أي الربانيين والأحبار على كتاب الله شهداء، والعائد ضمير عليه، والغرض من بيان السببية أنّ الباء ليست مثلها في بها ليلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى واحد بفعل واحد بل الأولى صلة كما في حكمت بكذا، وهذه سببية، وان دخلتا على شيء واحد بالذات، وهو كتاب الله، وقوله: يبينون يشير إلى أنّ الشهادة هنا مستعارة للبيان لأن الشاهد يبين ما يشهد عليه. قوله: (نهي للحكام أن يخشوا غير الله الخ) المراد بالحكام الحكام بأحكام الدين مطلقا أو باحكام التوراة فيكون حكاية عما قيل لهم ومعنى يداهنوا يحكموا بما يطلبون لأجلهم من المداهنة، وهي المصانعة والملاينة، وهو معنى مجازي كما في الأساس لأنّ السير ونحوه إذا دهن لأن، وقوله: تستبدلوا إشارة إلى أنه مجاز عما ذكر، ولولاه لدخلت الباء على الثمن، وقد مرّ تحقيقه، وقوله: (مستهيناً به الخ الا يقال كان الظاهر أن يقال أو طلبا لنفع ليوافق ما قبله قيل هذا لأنّ تقديم النفع على حكم الله إهانة له فلذا أدرجه فيه لأنه إنما خصه به ليظهر ترتب الكفر عليه لأنّ مجرد الحكم بخلافه لا يقتضي الكفر. قوله: (ولذلك وصفهم بقوله الخ الما وصف في هذه الآيات من لم يحكم بالكافرين، ثم بالظالمين، والفاسقين اختلفوا فيه فعند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها في أهل الكتاب، وأنّ قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله مخصوص بهم، وأنّ الخطاب في قوله فلا تخشوا لهم، وعن الشعبي أنّ الآية التي فيها الكافرون في المسلمين، والخطاب في فلا تخشوا لهم، ويلزمه أن يكون المسلمون أسوأ حالاً من اليهود والنصارى إلا أنه قيل إنّ الكفر إذا نسب إليهم حمل على التشديد والتغليظ، والكافر إذا وصف بالظلم والفسق أشعر بعتوّه، وتمرّده فيه فمراد المصنف رحمه الله تعالى أنه لحكمهم بغيره وصفوا بهذه الأوصاف الثلاثة، وأن كان الموصوف واحداً
باعتبارات مختلفة فلإنكارهم حكمه وصفوا بالكافرين، ولوضعهم الحكم في غير موضعه وصفوا بالظالمين، ولخروجهم عن الحق وصفوا بالفاسقين أو أنهم وصفوا بها باعتبار أطوارهم، وأحوالهم المنضمة إلى الحكم فتارة كانوا على حال تقتضي الكفر، وتارة على أخرى تقتضي الظلم أو الفسق، وقوله: أو لطائفة معطوف على باعتبار أي أو كل واحدة من الصفات لطائفة مخصوصة فيكون قوله فأولئك هم الكافرون للمسلمين إما تغليظاً أو إذا استحلوا ذلك. قوله: (وفرضتا على ثيهود الخ) أي فكتبنا مجاز بمعنى قدرنا وفرضنا، وكان القصاص في شريعتهم متعيناً عليهم كما صرّح به شرح المواقف فقوله، ومن تصدق به فهو كفارة له مما زيد في شريعتنا بالنسبة إلينا فلا منافاة بينهما وفيها متعلق بكتبنا أو حال أو صفة مصدر ومحذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف عامّ أو خاص أي مأخوذة أو مقتولة أو مقتصة وفي كل يقدر ما يتاسبه، وقرأ الكسائيّ العين وما عطف عليه بالرفع وحمزة وعاصم بنصب الجميع وأبو عمرو، وابن كثير وابن عامر بالنصب فيما عدا الجروح فرفعوها. قوله:(جمل معطوفة على أنّ وما في حيزها الخ) في توجيه الرفع اختلاف منه
ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري قال أبو علي الفارسي: الواو عاطفة جملة اسمية على جملة أنّ النفس بالنفس لكن من حيث المعنى لا من حيث اللفظ فإنّ معنى كتبنا عليهم أنّ النفس بالنفس قلنا لهم النفس بالنفس فالجملة مندرجة تحت ما كتب على بني إسرائيل، وجعله ابن عطية على هذا القول من العطف على التوهم، وهو غير مقيس، وقال الزمخشري الرفع للعطف على محل أن النفس لأنّ المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا، واما لأنّ معنى الجملة التي هي النفس بالنفس مما يقع عليه الكتب كما تقع عليه القراءة تقول كتبت الحمد لله، وقرأت سورة أنزلناها فقال أبو حيان هذا ثاني توجيهي أبي علي رحمه الله تعالى، إلا أنه جعله من العطف على المحل، وليس منه لأنّ العطف على المحل في مواضع ليس هذا منها لأنا لا نقول أنّ النفس بالنفس في محل رفع لأن طالبه مفقود بل أنّ وما في حيزها بتأويل مصدر منصوب ورذ بأنّ الزمخشري لم يعن أنّ أنّ، وما في حيزها في محل عطف عليه المرفوع حتى يرد عليه ما ذكر إنما عني إنّ محله الرفع قبل دخولها فروعي العطف عليه كما روعي في اسم أنّ المكسورة وقد سبقه إلى هذا الردّ أو البقاء، وجواز العطف على محل اسم أن المفتوحة كالمكسورة ذكره ابن الحاجب، وغيره من النحاة وهو الصحيح، وقد ردّ على ابن الحاجب قوله: إنه لم ينبه عليه بأنهم صرحوا به، وقالوا إنه أكثر ما يكون بعد علم أو ما في معناه كقوله:
والا فاعلموا أنا وأنتم بغاة مابقينافي شقاق
وبهذا علم أنّ قول النحرير: ولما كان العطف على المحل إنما يجوز في أن المكسورة
دون المفتوحة نزل المفتوحة هنا مع الاسم، والخبر منزلة جملة من المبتدأ، والخبر ليتبين كون أنّ مع الاسم في محل الرفع مبتدأ، وذلك إما بإجراء كتبنا مجرى قلنا أو بتجويز إيقاع الكتبة على الجملة حكاية مختل من وجوه.
أحدها: أن إنّ المفتوحة يعطف على محل اسمها كالمكسورة سواء في الجواز، والاختلاف، وزعم أنه لا يجوز.
والثاني: أنه لا فرق بين إجراء كتب مجرى قال، والحكاية بها فإنها لا تكون إلا بإجرائها مجرى القول.
الثالث: أنه لو كان مراده العطف على المحل لم يحتج إلى إجراء كتب مجرى القول،
ولا مساس له ولو أجرى مجرى القول للزم حكاية المفرد به، وفتح أن بعده، وكلاهما مخالف لمقتضى هذا الإجراء فتوجيهه بما ذكر بما مرّتعسف.
وقوله: على محل أنّ النفس يأباه لأنه حيمثذ على محل اسيم أن.
(وعندي) أن معنى كلامهم هنا ليس ما ذكروه بل مرادهم أن كتب ينصب مفعولاً، وليس
مما يعمل في الجمل فكيف صح أن يعطف على مفعوله جملة على قراءة الرفع، ولا بد من ملاحظة العطف عليه لأنه من جملة المكتوب عنده كما هو المتبادر من السياق، وكما دلت عليه قراءة النصب فوجهه بأنه أعمل في الجملة إما لتضمينه القول أو لأنه اعتبر فيه الحكاية لكونه بمعناه، ومما يحكى به، وهذا مبنيّ على الخلاف بين البصريين والكوفيين هل الحكاية تختص بالقول أو تجري في كل ما يفيد معناه فقول المصنف رحمه الله تعالى باعتبار المعنى يعني باعتبار معنى كتبنا، وما تضمنت من القول الذي يصحح وقوع الجمل بعدها حتى لو قيل كتبنا عليهم النفس بالنفس أو إنّ النفس بالكسر صح ذلك فلوحظ هذا، وبملاحظته يصير المعطوف عليه في معنى الجملة أيضا، ولما كان الوجهان المذكورأن في الكشاف متقاربين جعلهما المصنف قولاً واحدا فافهمه فانه مما تفرّد به كتابنا، وأظنك لا تراه في غيره فإنهم خبطوا فيه خبط عشواء. قوله:(أو مستأنفة) يعني أنّ هذه جمل اسمية معطوفة على الجملة الفعلية فالعين مبتدأ، أو بالعين خبره، وكذا ما بعده فيكون هذا ابتداء تشريع وبيان حكم جديد غير مندرج فيما كتب في التوراة، وقيل: إنه مندرج فيه أيضاً على هذا والتقدير وكذلك العيق بالعين الخ لتتوافق القراءتان.
قال الحلبي وهذا مراد الزمخشري بالاستئناف ومنهم من حمل الاستئناف على المتبادر
منه، وقال إنه جواب سؤال كأنه قيل ما حال غير النفس فقال العين بالعين الخ. قوله:) العين حاضية الثهاب / ج 3 لم م ا 3
مفقوءة بالعين الخ) أي يقدر كون خاص مناسب لما وقع خبرا عنه فإنّ الفقء بفاء وقاف، وهمزة إعماء العين، واخراجها لغة والجذع بجيم، وذال معجمة، وعين مهملة قطع الأنف
وقد يستعمل لغيره والصلم بالصاد المهملة، واللام والميم قطع الإذن والقلع معروف في السن، ومنهم من قدر الكون المطلق، وقال إنه مرادهم، وكأنّ هذا بيان لمآل المعنى. قوله:(أو على أنّ المرفوع منها الخ) يعني أنّ العبن عطف على الضمير المرفوع المستتر في الجارّ والمجرور الواقع خبرا، والجار والمجرور بعدها حال، وضعف هذا الوجه بأنه يلزمه العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير فصحل، ولا تأكيد، وهو لا يجوز عند البصريين إلا ضرورة، وأما قوله تعالى:{ما أشركنا ولا آباؤنا} [سورة الأنعام، الآية: 48 ا] فقال سيبويه رحمه الله تعالى أنه جاز للفصل بلا لإقامته مقام التوكيد، واعترض عليه أبو علي بأنّ هذا إنما يستقيم لو كان الفاصل قبل حرف العطف أما إذا وقع بعده فلا، وتنظير سيبوبه له بحضر القاضي امرأة غير متجه وردّه ابن عطية بأنّ الفصل معتبر بين المعطوف والمعطوف عليه وقد حصل هنا، وأجاب عنه المصنف رحمه الله تعالى بأنه مفصول تقديرا، إذ أصله النفس مأخوذة أو مقتصة هي بالنفس إذ الضمير مستتر في المتعلق المقدم على الجار والمجرور بحسب الأصل، وإنما تأخر بعد الحذف وانتقاله إلى الظرف، وهو يقتضي أنّ الفصل المقدر يكفي للعطف وفيه نظر وعلى هذا يقدر المتعلق عاما ليصح العطف إذ لو قدر النفص مقتولة بالنفس والعين لم يستقم المعنى وإنما جعلها حالاً مبينة، ولازمة لأنه لا معنى لقولنا العين مأخوذة حتى يقال بالعين وهو ظاهر وقيل على هذا أنه بعيد من جهة المعنى لأنه يكون المعنى أنّ النفس هي، والعين مأخوذة بالنفس حال كونها قصاصاً في العين اهـ، وهو مدفوع بأدنى تأمل. قوله: (أي دّات قصاص الخ الأنه مصدر كالقتال، وليس عين المخبر عنه فيؤوّل بأحد التأويلات المعروفة في أمثاله، وقوله: وقرأه الكسائي أيضاً أي كما رفع ما قبله، وأما غيره من القراء المذكورين فرفعه وحده، وقوله: على أنه إجمال للحكم أي لحكم الجروح بعد ما فصل حكم غيرها من الأعضاء لا أنه إجمال لما قبله كما يتوهم، وقيل عليه إنه لا اختصاص لكونه إجمالاً للحكم بقراءة الرفع، وقد يقال مراده تنبيها على أنه إجمال، وما قبله تفصيل فلذا ترك العطف عليه وأما ما قيل إنه إذا نصب كان الظاهر أنه لا يشمل ما قبله لتغاير المعطوف والمعطوف عليه بخلاف ما إذا رفع ففاسد معنى، ووجه القراآت ظاهر أما نصب الجميع فواضح، وأما رفع ما بعد لنفس فلأنها قسم آخر مقابل له لأنّ المتلف إما نفس أو غيرها، وأما رفع الجروح فلأنّ فيما قبل إزالة لنفس أو عضو
وهذا ليس كذلك.
تنبيه: قال ابن حنبل رحمه الله تعالى: لا تقتل الجماعة بالواحد لأنه تعالى قال: {النفس بالنفس} وأجيب بأنه تخصصه حكمته، وهي صون الدماء لأنه لو كان كذلك قتلوا مجتمعين حتى يسقط عنهم القصاص قال ابن العربي: وهو جيد إلا أنّ كون الحكمة مخصصة غريب. قوله: (من المستحقين الخ) أي من المستحقين للقصاص بدليل ما بعده. قوله: (وقيل للجاتي الخ) قال النحرير وهذا يدل على أنّ خبر المبتدأ مجموع الشرط، والجزاء حيث لم يكن العائد إلا في الشرط، وقيل: إنّ في الجزاء عائداً أيضا باعتبار أنّ هو بمعنى تصدّقه فيشتمل بحسب المعنى على ضمير المبتدأ فاستدلاله غير متين وليس بذاك لأنه مبنيّ على مذهب الأخفش الذي قررّناه في قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم} [سورة البقرة، الآية: 234] الآية في سورة البقرة، وقوله يسقط عنه ما لزمه تفسير للكفارة على هذا الوجه. قوله:(وقرئ فهو كفارته له أي فالمتمدّق الخ) يعني أن ضمير على هذه القراءة للمتصدق لا للتصدق.
وقوله: (التي يستحقها) أخذه من الإضافة المفيدة للاختصاص، واللام المؤكدة لذلك، وكونها لا ينقص منها شيء لأن بعض الشيء لا يكون ذلك الشيء وهو تعظيم لما فعل حيث جعله مقتضياً للاسنحقاق اللائق من غير نقصان ثم لا خفاء في أن هذا يكون ترغيبا في العفو ونظره الزمخشري بقوله تعالى:{فأجره على الله} [سورة الشورى، الآية: 40] في الدلالة على تعظيم الفعل الذي استحق الأجر، وقيل الضمير يعود على المتححدق، ولكن المراد به الجاني نفسه، ومعنى كونه متصدّقاً إنه إذا جنى جناية لا يشعر بها أو لا تثبت فإذا اعترف كان اعترافه بمنزلة التصدق، وهذا منقول عن مجاهد رحمه الله تعالى، ومن الناس من لم يقف على هذا فتصلف بإيراده من عند نفسه. قوله:(وأتبعناهم على آثارهم الخ) قفينا من قفا يقفوا أي تغ، وتعلق الجاز به قالوا لتضمينه معنى جئنا به على آثارهم قافيا لهم فهو متعد
لواحد بالباء، والتضعيف ليس للتعدية لتعديه لواحد قبل التضعيف قال تعالى:{ولا تقف ما ليس لك به علم} يقال قفا فلان أثر فلان إذا تبعه قال الزمخشريّ: إنه متعد لمفعولين أحدهما بنفسه، والآخر بالباء، والمفعول الأوّل محذوف، وعلى آثارهم كالسادّ مسذه لأنه إذا قفا به على أثره فقد قفاه به فنحا به إلى أنّ التضعيف عداه إلى الثاني بالباء، وتبعه المصنف رحمه الله كذا قيل وفيه نظر.
قوله: (مفعول ثان عدى إليه الفعل بالباء (قيل عليه هذا، وإن كان صحيحا من حيث إن فعل
تد جاء بمعنى فعل المجرّد كقدر، وقد إلا أن بعضهم قال إن تعدية المتعدي إلى واحد لثان بالباء لا تجوز سواء أكان بالهمزة أو بالتضعيف ورد بأنّ الصواب أنه جائز لكنه قليل، وقد جاء منه ألفاظ قالوا صك الحجر الحجر وصككت الحجر بالحجر، ودفع زيد عمراً ودفعت زيداً بعمرو أي جعلته دافعا له، وقد مرّ أنه لا حاجة إلى هذا ومصدقا حال من عيسى مؤكدة فإنه من لازم الرسول صلى الله عليه وسلم هـ قوله:(وقرئ بفتح الهمزة (قيل وجه صحته أنه اسم أعجمي فليس بأس بأن يكون على ما ليس من أوزان العرب وهو أفعيل أو فعليل بالفتح، وأمّا افعيل بالكسر فله نظائر كإبزيم وإحليل وغيره، وقوله: في موضع النصب لأنه جملة، وقوله عطف عليه أي على قوله فيه هدى، ونور وعطف الحال المفردة على الجملة الحالية، وعكسه جائز لتأوليها بمفرد ولو اتترنت بالواو كما تقدم. قوله: (ويجوز نصبهما على المفعول له الخ) أي كما يجوز فيه الحالية وعطفه على الحال، وجعله بمعنى هاديا يجوز أن يكون مفعولاً لأجله معطوفا على مفعول له آخر مقدراً نحو إثباتا لنبوّته، وارشاد ونحوه أو هو معلل لفعل محذوف عامل فيه أي وهدى، وموعظة للمتقين آتيناه ذلك، وعادة الزمخشرقي في أمثاله تقديره مؤخراً لأن حدّفه وابقاء معموله يقتضي الاهتمام بالمعمول، وقوله: وليحكم عطف عليه، وأظهرت اللام فيه لاختلاف فاعليهما لأنّ فاعل المقدر ضمير الله وفاعل هذا أهل الكتاب، وتدر عليه ليصح كونه علة لإيتاء عيسى صلى الله عليه وسلم ما ذكر. قوله:(وعلى الأوّل) أي كونه حالاً إذا لا تعطف العلة على الحال، وأمّا تجويز عطفه عليه لأنه في معنى العلة فضعيف وقراءة حمزة بلام الجرّ ونصب الفعل، وغيره قرأ بلام الأمر، وجزمه مع كسر اللام وتسكينها. قوله: (وقرئ وان ليحكم الخ (جوّزوا في موصولة الرفع، والنصب على أنه حال، والخبر كقوله كذا صححه شراح الكشاف، وهي موصول حرفيّ لأن حروف المصدر تسميها النحاة بذلك لأنها تتم بما بعدها، ووصلها بالأمر مذهب سيبويه رحمه الله، وأورد عليه أنه إن قدر هنا، وآتينا. الحكم زال الطلب بالكلية وان قدر وآتيناه الأمر بالحكم فليس للأمر لفظ، وماذة مذكورة يسبك منها، ويكون معنى أمرته بأن قم بالأمر بالقيام وأجيب بأنّ الزمخشرفي حققه في سورة نوج في قوله:{أن أنذر قومك} [سورة نوح، الآية: ا] إذ قال أن الناصبة للمضارع، والمعنى إنا أرسلناه بأن أنذر أي بأن قلنا له أنذر أي بالأمر بالإنذأر يعني أنه إذا سبقه لفظ الأمر، وما في معناه نحو رسصت لا يحتاج إلى تقدير القول لأنّ مال العبارات أعني أمرته بالقيام وأمرته بأن قم أو أن قم بدون الباء وأحد، وان لم يسبقه فلا بد من تقديره لئلا يبطل الطلب ففي ما نحن فيه يقدر وأمر نافلاً يحتاج إلى إضمار القول، ونيما تلاه يكون التقدير، وأنزلنا إليك قول احكم أي الأمر بالحكم
لأنّ المنزل الأمر بالحكم لا الحكم، ولو قيل: إنّ التقدير وأنزلنا إليك الأمر بالحكم، وأرسلناه بالأمر بالإنذار من دون إضمار القول، وليس من مدلول جوهر الكلمة بل من الأداة فيقدر المصدر تبعا وفي أمر المخاطب تحقيقا لكان حسنا، وهذا كما قدر في أن لا تزني خير عدم الزنا فيقدر مصدر من النفي وأمّا إذا صرّج بالأمر فلا يحتاج إلى تقدير مصدر الطلب أيضاً هذا، ولو قدر أمرته بالأمر بالقيام أي بأن يأمر نفسه مبالغة في الطلب لم يبعد عن الصواب، ولما فهم منه ما فهم من الأوّل، وأبلغ استعمل استعماله من غير ملاحظة الأصل، وهذا تدتيق بديع من إحسان صاحب الكشف، وبه اندفع كثير من الأسئلة على أن المصدرية، والتفسيرية كما في المغني، وشروحه، وهذا المصدر معطوف على الإنجيل أي آتيناه الإنجيل، والحكم به. قو! هـ:(عن حكمه أو عن الإيمان الخ) علق به عن لأن الفسق معناه الخروج كما مرّ، والخروج عن الإيمان
إنما يكون بما يوجب الكفر، وهو الاستهانة بحكم الله فقوله إن كان تيد للتقدير الثاني. قوله:(والآية تدل على أنّ الإنجيل الخ (لأنه تعالى أوجب العمل بما في الإنجيل، وهذا مما اختلف فيه هل شريعة عيسى صلى الله عليه وسلم ناسخة لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام، والإنجيل مشتمل على أحكام أم لا وهو مأمور بالعمل بالتوراة، وشريعة موسى-لمجب! المعروف الأوّل، ويشهد له هذه الآية وغيرها، وحديث البخاري: " أعطى أهل التوراة التوراة فعملوا بها وأهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به "، وفي الملل، والنحل للشهرستاني جميع بني إسرائيل كانوا متعبدين بشريعة موسى صلى الله عليه وسلم مكلفين التزام أحكام التوراة، والإنجيل النازل على المسيح لا يختص! أحكاما، ولا يستنبطن حلالاً، وحراما ولكنه رموز وأمثال، ومواعظ، وما سواها من الشرائع، والأحكام فمحال على التوراة، وكانت اليهود لهذه القصة لم ينقاد والعيسى غ! رو اهـ وقوله:) وحملها الخ (أي تأويل هذه الآية بما ذكر، وقيل عليه إنه لا يقتضي نسخ اليهودية إلا إذا كان أهل الإنجيل جميع بني إسرائيل، وليس في الآية تصريح به فتأمّل. قوله: (فاللام الأولى للعهد والثانية للجنس (كون اللام الأولى للعهد ظاهر إذ المراد فرد معين من الكتب وأما كون الثانية للجنس فبادعاء أن ما عدا الكتب السماوية ليست كتبا بالنسبة إليها ويجوز أن يكون للعهد نظراً إلى أنه لم يقصد إلى جنس مدلول لفظ الكتاب بل إلى نوع مخصوص منه هو بالنظر إلى مطلق الكتاب معهود بالنظر إلى وصف كونه سماويا غايته أن عهديته ليست إلى حذ الخصوصية الفردية بل إلى خصوصية نوعية أخص من مطلق الكتاب، وهو ظاهر، ومن الكتاب السماوي حيث خص بما عدا القرآن، وذكر مثله في لفظ الكلمة. قوله: (ورقيباً على سائر الكتب بحفظه الخ) المهيمن في اللغة الرقيب قال:
إنّ الكتاب مهيمن لنبينا والحق بعرفه ذوو الألباب
والحافظ قال:
مليك على عرس السماءمهيمن لعزته تعنوالوجوه وتسجد
والشاهد أيضاً وهاؤه أصلية وفعله هيمن وله نظائر ببطر وحيمر وسيطر، وزاد الزجاجي
بيقر، ولا سادس لها، وقيل إنها مبدلة من الهمزة، ومادّته من الأمن كهراق، وقال المبرد وابن قتيبة أنّ المهيمن أصله مؤمن، وهو من أسمائه تعالى فصغر، وأبدلت همزته هاء، وخطئ فيه حتى نسب إلى الكفر لأنّ أسماء إلله تعالى لا تصغر، وكذا كل اسم معظم شرعا. قوله:(وقرئ على بنية المفعول) أي بفتح الميم وهي شاذة رويت عن مجاهد وابن محيصن، وعلى هذه القراءة لا يكون فيه ضمير، وضمير عليه يعود إلى الكتاب الأوّل، وعلى قراءة كسر الميم فيه ضمير يعود إلى الكتاب الثاني، ومحافظة الحفاظ بتوفيق الله لهم فهي محافظة من الله أيضا، وقوله: بحفظه عن التغيير أي بسبب أن القرآن محفوظ عن التغيير، وهو شاهد على صحة غيره من الكتب السماوية فكان رقيباً عليها دالاً على ما فيها من الأحكام والتوحيد، وليس المعنى أنه حفظ الكتب عن التغيير حتى يعترض بأنه وقع فيها ذلك كما نطق به القرآن فلا وجه لكونه حفظها منه كما توهم. قوله: (فعن صلة لا تتبع الخ الأن أهواءهم مائلة وزائغة عن السبياى المستقيم فاتباعها انحراف وميل أو هو حال متعلق بمائلاً أو عادلاً أو حال من أهواءهم أي منحرفة، وتقديره التضمين بما ذكر أحد الطرق فيه، وقد مرّ تفصيله في سورة البقرة فارجع إليه وقوله أيها الناس إشارة إلى عموم الخطاب الشامل لما مضى، ومن بعدهم. قوله: (وهي الطريق إلى الماء (وجه الشبه بينها وبين الدين ظاهر فهو استعارة تحقيقية، وقوله الأبدية إن كان من وجه الشبه يكون وجهه في المشبه أقوى، وقال الراغب سميت الشريعة تشبيها بشريعة الماء من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة والصدقة روي، وتطهر، وأعني بالريّ ما قال بعض الحكماء كنت أشرب فلا أروي فلما عرفت الله رويت بلا شرب، وبالتطهير ما قال تعالى:{ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب، الآية: 33] والمنهاج الطريق الواضح، والعطف باعتبار
جمع الأوصاف، وقيل المنهاج الدليل الموصل إلى معرفة الدين. قوله: (واستدلّ به الخ الأنه الظاهر
من جعله لكل شرعة لأنّ الخطاب يعم الأمم إذ المعنى لكل أمّة لا لكل واحد من أفراد الأمم فيكون لكل أمّة دين يخصه، ولو كان متعبداً بشريعة أخرى لم يكن ذلك الاختصاص قيل، والجواب بعد تسليم دلالة اللام على الاختصاص الحصري منع الملازمة لجواز أن نكون متعبدين بشريعة من قبلنا مع زيادة خصوصيات في ديننا بها يكون الاختصاص، وفيه أنه لا حاجة في إفادة الحصر لما ذكر مع تقدم المتعلق، وأيضا إنّ الخصوصيات المذكورة لا تنافي تعبدنا بشرع من تبلنا لأنّ القائلين به يدّعون أنه فيما لم يعلم نسخة، ومخالفة ديننا له لا مطلقاً إذ لم يقل به أحد على الإطلاق، ولذا جمع بين أضراب هذه الآية وبين ما يخالفها نحو اتبعوا ملة إبراهيم بأن الاتباع في أصول الدين، ونحوها. قوله:(جماعة متفقة على دين واحد الخ (قيده بذلك ليلا ثم ما قبله وجوز الزمخشريّ أن تكون الأمة بمعنى الملة بتقدير مضاف أي ذوي ملة وارتكبه وإن كان خلاف الظاهر لأنه أوفق بقوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [سورة العائدة، الآية: 48] والمعنى لو شاء أن يجعلكم أمة لجعلكم لكنه لم يشأ، وعبر عن ذلك بقوله ليبلوكم أي أراد ليبلوكم، وقدر أراد دون شاء ليصح تعلق اللام به، وتقدير مفعول شاء مأخوذاً من الجواب هو المطرد، وأمّا خلافه فقد ردّه بعضهم، وقد تقدّم بسط الكلام فيه، وأجبر بالهمز من الجبر والقهر أفصح من جبر. قوله: (من الشرائع المختلفة الخ) إشارة إلى أنّ اختلاف الشرائع ليس بداء بل لحكم الهية يقتضيها كل عصر، والزيغ العدول عن الحق، والتفريط في العمل إهماله والتقصير فيه، وحيازة فضل السبق لأنه يصير سالكا سنة يشرك من بعده في أجرها، والسابقون السابقون أولئك المقرّبون، وقوله انتهازاً للفرصة أي اغتنام ما يمكن قال:
انتهزالفرصة أنّ الفرصة تصميرأن لم تنتهزها غصه
وقوله: (تعليل الأمر الغ (قيل أي لطلبه لا للزومه لظهور أن ليس المعنى أنه يلزمكم الاستباق لأجل أنّ مرجعكم إلى الله بل إني آمركم به، أو أنه واجب عليكم لهذه العلة، وفيه نظر لأنه لا معنى للوجوب سوى اللزوم فما المانع من اعتباره. قوله: (استئناف فيه ثعليل الأمر بالاستباق) أي أنه جواب سؤال مقدر بعد ما قرّر أنّ اختلاف الشرائع لاختبار المطيع الناظر
للحكمة أو المعتقد أنّ لها حكمة، وغيره ممن يتبع هواه فعلة مبادرتهم إلى الطاعة أنّ مرجعهم إلى الآمر المثيب لمن أطاع المعاقب لمن عصى، وقيل إنها واقعة جواب سؤال مقدر أي كيف يعلم ما فيها من الحكم فأجاب بأنكم سترجعون إلى الله وتحشرون إلى دار الجزاء التي تنكشف فيها الحقائق، وتتضح الحكم فلهذا تضمن الوعد والوعيد وقوله للمبادرين والمقصريت لف، ونشر مرتب. قوله:(بالجزاء الفاصل) يعني أنّ الأنباء مجاز عن المجازاة لما فيها من تحقق ما ذكر. قوله: (عطف على الكتاب الخ) وقد مرّ تحقيق دخول المصدرية على الأمر ونون أن احكم فيها الضم والكسر، وأمرنا اسم مبتدأ وأن احكم خبره، ومن توهم أنه فعل وأن تفسيرية فقد أخطأ لأنه كما في الدر المصون لم يعهد حذف المفسر بأن قيل، ولو جعل معطوفا على فاحكم من حيث المعنى، والتكرير لإناطة قوله:{واحذرهم أن يفتنوك} كان أحسن، وهو تكلف لأن أن مانعة عن العطف كما في الكشف والحديث المذكور أخرجه ابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله:(يعني ذنب التولي الخ) يعني المراد ببعض الذنوب بعض مخصوص، والتعبير به يقتضي أنّ لهم ذنوباً كثيرة مذا بعضها، والتعبير بالبعض المبهم لتعظيمه كما أن التنوين يذكر للتعظيم لكونه دالاً على تبعيض مبهم فكما دل التنوين عليه دل لفظ بعض عليه كما في بيت لبيد، والتعظيم هنا بمعنى عده عظيما مهولاً ويذكر للتعظيم الذي هو ضد التحقير، ولقد تلطف الشاعر في قوله:
وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كل الناس
وهو استعارة تمليحية لا تهكمية، ومن لم يدقق النظر قال بعض بمعنى كل، وهو من الأضداد. قوله:(أو يرتبط) هو من معلقة لبيد المشهورة التي أوّلها:
عفت الديارمحلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها
وقبله:
أو لم تكن تدري نوار بأنني وصال عقد حبائل جذامها
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها أويرتبط بعض النفوس حمامها
وترّاك صيغة مبالغة خبر بعد خبر أو بدل، وجذأم بجيم وذال معجمة بمعنى قطاع.
قال ابن النحاس في شرحه المعنى أني أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما أكره إلا أن يدركني الموت فيرتبط نفسي، ويحبسها والحمام الموت وقيل القدر الذي قدر وجزم يرتبط عطفا على أرض وقيل إنه مرفوع أو منصوب على معنى إلا أن وسكن تخفيفا أو ضرورة، ولا داعي إليه وقصد ببعض النفوس نفسه إلا أنه عبر به لتعظيمه حتى كأنه لا يمكن تعيينه. قوله:(الذي هو الميل والمداهنة في الحكم) مز أن المداهنة الموافقة، والملاينة وال! راد بالجاهلية الملة الجاهلية قدره لأجل التأنيث والمراد متابعة الهوى لأن الملة تطلق على الحق، والباطل وقدر بعضهم في قوله طلبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب بعضهم، وهم قريظة، وقيل بنو النضير على ما ذكره شراح الكشاف حيث قالوا بنو النضير إخواننا فإن تتلوا منا قتيلاً أعطونا سبعين وسقا من تمر، وان قتلنا أخذوا منا مائة وأربعين وسقا وأروش جراً حتنا على النصف من أروشهم فاحكم لنا بمالهم يعني بالتفاضل فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:" القتلى بواءدا أي سواء، وقولى: دزالمجوا رسول الله " أي من رسوق الله جمؤ أو ضمن معنى سألوا. قوله: (وقرئ برفع الحكم على أنه مبتدأ ويبغون خبره والراجع محذوف (وقيل الخبر محذوف، وهو صفته أي حكم يبغون قال ابن جني ليست هذه القراءة ضعيفة لكن غيرها أقوى منها، وقد حذف العائد من الخبر كما حذف من الصفة والصلة كقوله: قدأصبحت أم الخيارتدعي عليئ ذنباكله لم أصنع
وقال أبو حيان حسنه هناك الفاصلة فصار كالمشاكلة فقد علمت أنّ فيه خلافا وبعضهم منعه وقال إن هذه القراءة خطأ وليس كما قال، وهذه قراءة ابن وثاب والأعرج وأبي عبد
الرحمن، وقوله:(وقرئ أفحكم الجاهلية) يعني بفتحتين، وقراءة الخطاب على الالتفات. قوله:(اي عندهم واللام الخ) عندهم تفسير لقوله: {لقوم يوقنون} أي عند المؤمنين لا أحد أحسن حكما من الله، وليس مراده أنّ اللام بمعنى عندكما في الدرّ المصون فإنه ضعيف بل هو بيان لمحصل المعنى بدليل ما بعده، وإذا كانت للبيان تعلت بمحذوف كما في سقيا لك، وهيت لك أي تبين لك، وظهر أي مضمون الاستفهام الإنكاري الذي بمعنى النفي يذكر لقوم يوقنون كما أشار إليه المصنف، وقيل إنها متعلقة بحكما، وإنما لم يجعل اللام صلة لأنّ حسن حكم الله لا يختص بقوم دون قوم، وقيل هي على أصلها، وانها صلة أي حكم الله للمؤمنين على الكافرين أحسن الأحكام وأعدلها نقله الطيبي، وهذه الجملة حالية مقرّرة لمعنى الإنكار السابق. قوله:" يماء إلى علة النهي الخ) يعني أنها جملة مستأنفة تعليلا للنهي قبلها، وقال الحوفي إنها صفة أولياء، والأوّل هو الظاهر، وضمير بعضهم يعود إلى اليهود، والنصارى على سبيل الإجمال، والمعنى دال على أن بعض النصارى أولياء لبعض منهم، وبعض اليهود أولياء لبعض منهم، ولا حاجة إلى تقدير لأنّ اليهود لا يوالون النصارى كالعكس ويشير إليه قول المصنف رحمه الله لاتحادهم في الدين. قوله:) وهذا للتشديد الخ الأنه لو كان منهم حقيقة لكان كافراً، وليس بمقصود، وقوله: " لا تتراءى ناراهما " حديث أخرجه أبو داود والنسائي عن جرير بن عبد الله وهو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل وقال " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " قالوا يا رسول الله، ولم قال " لا تراءى نارهما " وفي النهاية الترائي تفاعل من الرؤية يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضاً، واسناد الترائي إلى النار مجاز كقولهم داري تنظر إلى دار فلان أي تقابلها، ودور متناظرة يقول ناراهما مختلفان هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان فكيف يتفقان " وثراءى " بتاء واحدة رواية، وأصلها تتراءى بتاءين حذفث
إحداهما تخفيفا، والمعنى لا ينبغي لمسلم
أن ينزل بموضع إذا أوقدت فيه ناره تظهر لنار المشرك إذا أوقدها في منزله، ولكن ينزل مع المسلمين في دارهم وهذا المعنى الذي فسره به متعين وإلا لم يكن جوابا لسؤالهم، وفي الكشف إن ما وقع في الفائق من أنّ قوما من أهل مكة أسلموا، وكانوا مقيمين بها قبل الفتح فقال لمجرو:" أنا بريء من كل مسلم مع مشرك) فقيل لم يا رسول الله قال: " لا تراءى ناراهما " أي يجب أن يتباعد بحيث إذا أوقدت ناران لم تلح إحداهما للأخرى أظهر مما في النهاية، وقوله الموالي لهم أي جنس هؤلاء ولذا جمع ضميره. قوله:(أي الذين ظلموا أنفسهما لخ) هذا تعليل آخر يتضمن عدم نفع موالاتهم بل ترتب الضرر عليها، وقوله:(يعني ابن أبز الخ) هم المنافقون فالمرض بمعنى النفاق، وقوله:(يسارعون فيهم) عدي بفي، وأصل تعديته بعلى ولذلك فسره الزمخشرفي بينكمشون بمعنى يسرعون أيضا لأنه متعد بفي لكن تركه المصنف لكونه تفسيرا بالأخفى، وإنما عدل عنه إشارة إلى اختلاطهم بهم ودخولهم فيهم فعداه بها لتضمنه معنى الدخول والدائرة أصلها الخط المحيط بالسطح استعيرت لنوائب الزمان بملاحظة إحاطتها، واستعمالها في المكروه والدولة ضمذها، وقد ترد بمعنى الدائرة أيضا لكته قليل، وحديث عبادة أخرجه ابن جرير وابن إسحق وموالي بتشديد الياء جمع مولي مضاف لياء المتكلم. قوله:(يقطع شأفة اليهود الخ) أي يذهبهم بالكلية والشافة بشين معجمة، وهمزة، وقد تبدل ألفاً تخفيفا، وفاء كرأفة قال الفراء معناها الأصل، وبثرة في العقب تكوي فتذهب، وإذا تطعت مات صاحبها، وقال الأصمعيّ الشأفة النماء، والارتفاع، وفي المثل استأصل الله شأفته أي قطع أصله أو أذهب أثره كما تذهب تلك البثرة بالكي أو قطع
نماءه وارتفاعه، وقوله: يقطع مضارع بمثناة تحتية أو باء جارّة واسم. قوله: (أو الأمر بإظهار الخ) يعني أنّ الأمر إمّا بمعنى الشأن كما في التفسير الأوّل أو مصدر أمره بكذا إذا طلب منه، واستبطنوه بمعنى أخفوه، وقوله: أشعر على نفاقهم أي دل، ولذا عداه بعلى. قوله:(ويؤيده قراءة ابن كثير الخ الأنها ظاهرة في الاستئناف، وقوله: (على أنه الخ) بيان للاستئناف على الوجهين لكن في كون الاستئناف البياني يقترن بالواو نظر، ولذا جعله بعضهم متعلقا بالثاني فقط، ومعنى كون الأوّل مستأنفاً أنه معطوف على جملة الترجي، وليس مندرجا تحتها. قوله: (عطفاً على أن يأتي باعتبار المعنى الخ (لما كان العطف على خبر عسى أو مفعولها يقتضي أن يكون فيه ضمير الله ليصح الأخبار به أو ليجري على استعماله قدره بعضهم، ويقول الذين آمنوأ به أو هو من العطف على المعنى إذ معنى المعطوف عليه عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا فتكون عسى تامة لإسنادها إلى أن وما في حيزها فلا يحتاج حينئذ إلى رابط، وهذا قريب من عطف التوهم فكأنهم عبروا عنه بالعطف على المعنى تأذباً. قوله: (أو بجعله بدلاً الخ (يعني أن يأتي بدل من اسم الله وعسى تامة، وهي تامة إذا أسندت إلى أن، وما في حيزها فكذا إذا أبدلت منه كما قال الفارسي لأنه لو أخبر عنها حينئذ لكان الخبر للبدل كما مر، وأن وما معها بعد عسى لا يخبر عنها هذا تحقيق كلام الفارسي رحمه الله، وقد غفل عنه من اعترض عليه بأنها إنما تتم إذا أسندت إلى أن، وما في حيزها كما صرح به النحاة وقوله: مغنياً عن الخبر بما تضمنه من الحدث بيان لوجه أنها إذا أسندت لأن ومنصوبها لا يكون! ها خبر بأنها إنما احتاجت إليه لأنها تستدعي مسنداً ومسنداً إليه كسائر النواسخ، والجملة الواقعة بعد أن مشتملة عليه فلا تحتاج إلى الخبر، وتحقيقه في كتب النحو. قوله: (أو على الفتح الخ (فالمعنى حيسئذ فعسى الله أن يأتي بالفتح، وبقول المؤمنين فهو نظير.
للبس عباءة وتقرّ عيني
وهذا الوجه ذهب إليه ابن النحاس وأورد عليه أنه يلزم الفصل بين أجزاء الصلة بأجنبيّ
لأنّ الفتح حينئذ بمعنى أن يفتح وأن المعنى أن يأتي بقول المؤمنين، وهو ركيك، وأشار المصنف رحمه الله إلى دفع هذا بأنّ المراد عسى الله أن يأتي بما يوجب هذا القول من النصرة
المظهرة لحالهم، وقيل إنه عطف على يصبحوا على أنه منصوب في جواب الترجي إجراء له مجرى التمني قاله إبن الحاجب، وهذا إنما يجيزه الكوفيون، وهو قول مرجوج والأصح في نصب يصبحوا أنه بالعطف على يأتي، وسوّغه وجود الفاء السببية التي لا يحتاج معها إلى
رابط كما في الدر المصون، والظاهر أنه لا حاجة في عطفه على يصبحوا إلى جعله منصوبا في جواب عسى لأنّ الفاء كافية في المعطوف، والمعطوف عليه لأنهما كشيء واحد، ومن غفل عن هذا قال: كفى للعائد أقسموا بالله فإنه من وضع الظاهر موضع المضمر، ومثل هذا الإشكال وارد في عطف فيصبحوا إلا أن يكون من قبيل لعلي أحج فأزورك، وما اعترض به أبو حيان رده السفاقسي كما هو ظاهر فانظره إن أردته.
قوله: (يقوله المؤمنون بعضهم لبعض الخ) يعني أن الاستفهام للتعجب والتبجح بتقديم
الجيم أي الافتخار أو بقوله المسلمون لليهود تفضيحا لهم، وللمنافقين أي الذين عاهدوكم على النصرة ما بالهم خذلوكم. قوله:(وجهد الإيمان أغلظها الخ) في الكشاف في سورة النور جهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وذلك إذا بالغ في اليمين، وبلغ غاية أشدها وأوكدها وسيأتي تحقيقه هناك، وهو حال بتأويل مجتهدين فيه أو أصله يجتهدون جهد أيمانهم فالحال في الحقيقة الجملة، ولذا ساغ كونه حالاً كقولهم: افعل ذلك جهدك مع أن الحال حقها التنكير لأنه ليس حالاً بحسب الأصل أو هو متأوّل بنكرة أو هو منصوب على المصدرية لأنّ المعنى أقسموا أقساما مجتهداً فيه، وفي قوله لأنه بمعنى أقسموا تسمح أي لأنه بمعنى مصدر أقسموا. قوله:(وفيه معنى التعجب الخ) جعله الزمخشريّ تعجبا، وشهادة على كونه مقول القول فقط وقيل في توجيهه إنما خص به لأنه ليس للمؤمنين شهادة، وحكم بحبوط أعمالهم، والمصنف رحمه الله جعله على الوجهين لأنه لا بعد في التعجب على الوجهين، ولا في حكم المؤمنين باعتبار ما يظهر من حالهم في ارتكاب ما ارتكبوه واخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، وعلى الأوّل هي في محل نصب، وعلى الثاني لا محل لها وقيل إنها جملة دعائية، والتعجب من سياق الكلام لا من الصيغة أو منها، وقوله على الأصل أي يرتدد بفك الادغام لسكون الثاني
والأصل في المثلين إذا سكن ثانيهما الفك كما تقرّر في محله، والإمام اسم مصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه كما مر، وكتب على الأصل ليعلم منه حال القراءة الأخرى فهو لا يخالفه كما توهم، وهذا غير متفق عليه لأنه قال في الدر المصون أنه في بعض مصاحف الإمام يرتد بدال واحدة ومصاحفه متعددة فقيل سبعة وقيل ثمانية كما مر. قوله:(وهذا من الكائنات التي اخبر الله ثعالى عنها الخ) قيل من شرطية، والشرط لا يقتضي الوقوع إذ أصله أن يستعمل في الأمور المفروضة فكيف يكون هذا إخباراً عن المغيبات كما هو أحد وجوه إعجاز القرآن، وأمّا وقوعه في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فكان بعد نزول هذه الآية فلا يرد، والجواب أنّ الشرط قد يستعمل في الأمور المحققة تنبيهاً على أنها لا يليق وقوعها بل كان ينبغي أن تدرج في الفرضيات، وهو كثير، وقد علم من وقوع ذلك بعد هذه الآية أن المراد هذا، وذو الحمار بالحاء المهملة الأسود العنسي بالنون، وعنس قبيلة باليمن وعبس بالباء قبيلة غير هذه، وعنس جدهم نسبوا إليه، وقيل لهذا ذو الحمار لأنه كان له حمار يأمره بالسير والوقوف فيأتي ما يريد، وقيل إنه كان يقول له اسجد لربك فيسجد، وضبطه بعضهم بالخاء المعجمة كابن ماكولا، وغيره إما لأنه كان له طيلسان كالخمار أو لأنّ النساء كانت تجعل روث حماره في خمرهن ومسيلمة بكسر اللام تصغير مسلمة، ووقعة مسيلمة وتزوّجه بسجاج، وأكاذيبه الباردة مشهورة في التواريخ، وقاتله وحشيّ رضي الله عنه، وقيل هو وعبد الله بن زيد الأنصاري طعنه وحشي وضربه عبد الله بسيفه
وهو القائل:
يسائلني الناس عن قتله فقلت ضربت وهذاطعن
في أبيات وقوله فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالداً كذا في الكشاف، وهو خطأ وصوابه
بعث إليه أبا بكر رضي الله تعالى عنه، وفزارة وغطفان قبيلتان مشهورتان، وياليل بياءين، ولامين كهابيل صنم سمي هذا به وسجاح مبنيّ على الكسر كانت كاهنة ثم تنبأت ثم أسلصت وحسن إسلامها، وحطم كزفر وعلي يده أي يد أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وحربه مع الخوارج عظيم طويل الذيل وجبلة بن الأيهم تقدمت قصته في سورة البقرة، والجمهور على أنه مات على ردته، وقيل إنه أسلم وروى الواقدي أنّ عمر رضي الله
تعالى عنه كتب إلى أحبار الشام لما لحق بهم كتاباً فيه أنّ جبلة ورد إليّ في سراة قومه فأسلم فكرمته، ثم سار إلى مكة فطاف فوطىء إزاره رجل من بني فزارة فلطمه جبلة فهشم أنفه، وكسر ثناياه، وقيل قلع عينه ويدل له ما سيأتي فاستعدى الفزاريّ على جبلة إليّ فحكمت إمّا بالعفو وإمّا بالقصاص فقال أتقتص مني وأنا ملك وهو سوقة فقلت شملك، وإياه الإسلام فما تفضله إلا بالعافي فسأل جبلة التأخير إلى الغد فلما كان من الليل ركب مع بني عمه ولحق بالشام مرتداً وروي أنه ندم على ما فعل وأنشد:
تنصرت بعدالحق عاراللطمة ولم يك فيها لوصبرت لهاضرر
فأدركني فيهالجاج حمية فبعت لها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني صبرت على القول الذي قاله عمر
ووحشي معروف، وفي نسخة الوحشي، وهو خطأ من الكاتب. قوله:(قيل هم اليمن)
أي أهل اليمن لأنّ اليمن اسم بلادهم، وأبو موسى الأشعريّ رضي الله عنه من صميم اليمن، وهذا هو الصحيح كما أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده، والطبراني والحاكم من حديث عياض ابن عمر الأشعري، وأما كونهم الفرس فقال العراقيّ رحمه الله لم أقف عليه، وهو هنا وهم، وإنما ورد ذلك في قوله تعالى في آخر سورة القتال:{وإن " تتولوا يستبدل قوماً غيركم} [سورة محمد، الآية: 38] كما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه فمن ذكره هنا،
وهم أيضاً وقوله وذووه يدل على صحة إضافة ذو إلى الضمير في السعة فلا يلتفت إلى من أنكره، والقادسية موضمع بقرب الكوفة حارب فيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رستم الشقي صاحب جيش يزدجرد سمي بها لأنّ إبراهيم الخليل عشي! تقدس بها أي اغتسل، وتطهر، والنخع بفتحتين قبيلة، وكذا كندة وبجيلة. قوله:(من أفناء الناس (أي اخلاط قبائل شنى ليسوا قبيلة واحدة كمن قبلهم يقال هو من أفناء الناس إذا لم يعلم ممن هو الأزهري عن ابن الآعرابيّ أعفاء الناس وأفناؤهم أخلاطهم الواحد عفو وفنو، وعن أبي حاتم عن أمّ الهيثم هؤلاء من أفناء الناس، وتفسيره قوم نزاع من ههنا، ومن ههنا ولم تعرف أمّ الهيثم للافناء واحداً وهو بفاء ونون ممدود. قوله: (والراجع إلى من محذوف تقديره الخ (من الشرطية هنا مبتدأ واختلف النحاة في خبرها فقيل مجموع الشرط، والجزاء وقيل الجزاء فعلى الأوّل لا يحتاج الجزاء وحده إلى ضمير يربطه، وعلى الثاني يحتاج إليه فهو مقدر كما ذكره المصنف رحمه الله وقيل إنه مؤوّل بلا يضركم ارتداده أو الجزاء محذوف، وهذا مسبب عنه قائم مقامه أي فهو مبغوض مطرود، وسوف يأتي الله بمن هو خير منه، ولكل وجهة، وقدم محبة الله لأنّ محبة العبد بعد إرادة الله هدايته وتوفيقه لأنها ناشئة منها. قوله: (ومحبة الله للعباد الخ) تبع في هدّا الزمخشريّ إذ أنكر كون محب العباد دلّه حقيقية بل هي مجازية من باب إطلاق السبب على المسبب إذ لا تتصوّر المحبة الحقيقية هنا ورذ فيه على من اذعى ذلك من الصوفية في طرف العباد إذ الطرف الآخر لا نزاع فيه، وتد ردّه عليه، وأطنب فيه صاحب الانتصاف بما حاصله أنّ اللذة الباعثة على المحبة إما حسية، وهي ظاهرة أو عقلية كلذة الجاه، والرياسة ولذة العلوم، ولا علم ألذ وأكمل من معرفة الحق، والمحبة المنبعثة عنها محبة حقيقية متفاوتة بحسب تفاوت المعارف ألا ترى إلى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله عن الساعة " ما أعددت لها ". قال ما أعددت لها كبير عمل، ولكن حب الله، ورسوله فقال عليه الصلاة والسلام:" أنت مع من أحببت " كيف غاير بين ا! محبة، والعمل وقال الغزالي رحمه الله بعد ما قرر أمر المحبة المحبون لله يقولون لمن أنكر عليهم ذلك أن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون. قوله:(واستعماله مع على الخ) يعني كان الظاهر أن يقال للمؤمنين كما يقال تذلل له، ولا يقال عليه للمنافاة بين التذلل والعلو ولكنه عداه بعلى لتضمنه معنى العطف والحنوّ
المتعدي بها. قوله: (أو التنبيه على أنهم مع علو طبقتهم وفضلها على المؤمنين خاضعون لهم (لما كان في هدّا خفاء اختلف فيه شراح الكشاف فقيل المراد أنه ضمن معنى الفضل، والعلو يعني أنّ كونهم أذلة ليس لأجل كونهم إذلاء في أنفسهم بل لإرادة أن
يضموا إلى علو منصبهم، وشرفهم فضيلة التواضع، ولا يخفى أنّ مقابلته بالتضمين تقتضي أنه وجه آخر لا تضمين فيه، ولا يتأتى فيه التضمين لأنه لا تعانق بين المعنيين فلا وجه له، وقيل إنه استعار على لمعنى اللام ليؤذن بأنهم غلبوا غيرهم من المؤمنين في التواضع على علوهم بهذه الصفة مع شرفهم، وعلوّ طبقتهم، وقوله:{أعزة على الكافرين} تكميل لأنه لما وصفهم بالتذليل ربما توهم أنّ لهم في نفسهم حقارة فقال، ومع ذلك هم أعزة على الكافرين كقوله:
جلوس في مجالسهم رزان وإن ضيف ألمّ بهم خفوق
وهذا أقرب ما قيل لأنها مستعارة للام، ولكنه لوحظ معناها الأصلي كما يفهم من أبي
لهب أنه جهنمي وان قال النحرير أنه لا يعهد مثله، وأضعفها ما قيل إنه على هذا الجار، والمجرور وصف آخر لقوم وقوله:(مع علوّ الخ) تفسير لقوله على المؤمنين، وخاضعون تفسير لا ذلة، وفي نسخة خافضون. قوله:(أو للمقابلة الخ (أراد بالمقابلة المشاكلة لأنه اسمها أيضا يعني لما كانت العزة تتعدى بعلى وقد قارنتها عدت بعلى مثلها والمشاكلة يجوز فيها التقدم والتأخر كما بين في محله ويحتمل أن يريد أنّ الذلة لما كانت ضد العزة، وتقابلها عذيت تعديتها لأنّ النظير كما يحمل على النظيريحمل الضد على الضد كما عذوا أسز بالباء حملاً له على جهر وهذا مما صرح به ابن جني وغيره، وقيل إنه يحتمل أنّ الذلة معناها ع! م العزة فلذا عديت تعديتها كأنه قيل غير أعزة على المؤمنين، وهو قريب من الأوّل، وتد يقال إنه وجه للحمل، وجملة يجاهدون صفة أو حال من ضمير أو عزة أو مستأنفة. قوله: (أو حال بمعنى أنهم الخ) هذا مذهب الزمخشريّ في جواز اقتران المضارع المنفيئ بلا بالواو فإن النحاة جوّزوه في المنفي بلم، ولما، ولا فرق بينهما فلا يرد عليه ما قيل إنهم نصوا على أن المضارع المنفيّ بلا، وما كالمثبت في أنه لا يجوز أن تدخل عليه الواو لأنه بمعنى الاسم الصريح فجاء زيد لا يضحك بمعنى غير ضاحك كما أن معنى جاء زيد يقوم بمعنى قائما والفرق بين العطف والحالية أنه على الأوّل تتميم لمعنى يجاهدون مفيد للمبالغة والاستيعاب، وعلى الثاني تعريض بمن يجاهد، وليس كذلك، وفيه تأمل. قوله:) وحالهم خلاف حال المنافقين الخ) أورد عليه أن تعيير المنافقين يفيده العطف أيضا بلا فرق وأنّ خشية المنافقين لا تختص باليهود بل يخافون
- اه- 11، - 01. / - ط! / 3، 5
لوم المسلمين لو تخلفوا، أو على عدم اجتهادهم لو حضروا. قوله:(وفيها وفي تنكير لائم مبالغتان الأنه نفى عنهم مخافة اللوم من أيّ لائم كان، وبانتفاء الخوف من اللومة الواحدة ينتفي خوف جميع اللومات لأنّ النكرة في سياق النفي تعم فإذا انضم إليها تنكير فاعلها استوعب خوف جميع اللوّام فهذا تتميم كذا قيل إلا أنه قيل عليه كيف يكون لومة أبلغ من لوم مع ما فيها من الوحدة فلو قيل لوم لائم كان أبلغ، والجواب بأنها في الأصل للمرّة لكن المراد بها هنا الجنس، وأتي بالتاء للإشارة إلى أنّ جنس اللوم عندهم بمنزلة لومة واحدة ولذا فسروه بلا يخافون شيئاً من اللوم لا يدفع السؤال لأنه لا قرينة على هذا التجوّز مع بقاء الايهام فيه وقوله إشارة إلى ما تقدّم أي، وأفرده لما تقدم ومنهم من خصه ببعضها وهذا أولى، وقوله يمنحه ويوفق له إشارة إلى شموله للايتاء بالفعل، والقوّة، وقوله كثير الفضل يشير إلى أنّ معناه ذلك أو أنه في الأصل كان من الإسناد المجازي ثم غلب حتى صار حقيقية، وقوله بمن هو أهله أي أهل الفضل وخصه وان كان عليما بكل شيء لمناسبة المقام. قوله: (وإنما قال وليكم الله الخ) أي لما قال: {لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} [سورة المائدة، الآية: 51] الخ ذكر عقبه من هو حقيق بالموالاة، وأفرد الولي ليفيد أنّ الولاية لله بالأصال وللرسول، والمؤمنين بالتبع فيكون التقدير كما نبه عليه شراح الكشاف، وكذلك رسوله والذين آمنوا ليكون في الكلام أصل وتبع لا أنّ وليكم مفرد استعمل استعمال الجمع ليلزمه ما لزم لو كان النظم أولياؤكم، والحصر باعتبار أنه الولي أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنما هي بالاستناد إليه فلا يرد عليه أنه لو كان التقدير كذلك لتنافي حصر الولاية في الله ثم اثباتها للرسول تحر وللمؤمنين. قوله:(صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم الخ) أي اسم جار مجرى غير الصفات فلذا يوصف، ومجرى الصفات باعتبار صلته فلذا وصف به
والزمخشريّ لم يعربه صفة فقيل لأنّ الموصول، وصلة إلى وصف المعارف، والوصف لا يوصف إلا بالتأويل ولذا قيل إنه أجرى مجرى الأسماء كمؤمن، وكافر. قوله: (متخشعون في صلاتهم الخ الما كان الركوع غير مناسب للزكاة فسره بمعنى يشملهما وهو التذلل والتخشع كما في قوله:
لا تهين الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه
وعلى الوجه الثاني ابقاؤه على ظاهره، ويكون في معين وقصة عليّ كرم الله وجهه
ورضي الله عنه أخرجها الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد متصل قال أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنّ منازلنا بعيدة، وليس لنا مجلس ولا متحذث دون هذا المجلس! ، وانّ قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبئ صلى الله عليه وسلم: إنما وليكم الله ورسوله ثم إنّ النبئ صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال: (هل أعطاك أحد شيئاً فقل نعم خاتم من فضة فقال: " من أعطاكه " فقال ذاك القائم وأومأ بيده إلى علي رضي الثه عنه ققال النبئ صلى الله عليه وسلم على أيّ حال اعطاك فقال وهو راكع فكبر النبئ صلى الله عليه وسلم ثم تلا هذه الآية) فأنشأ حسان رضي الله عنه يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي وكل بطيء في الهدي ومسارع
أيذهب مدحيك المحبر ضائعا وما المدح في جنب الاله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا زكاة فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير ولاية وثبتها مثنى كتاب الشرائع
قوله: (واستدل به الشيعة على إمامته الخ) وجه الاستدلال أنه جعل الوليّ من يتصدق
وهو راكع، وذلك عليّ رضي الله عنه والوليّ الخليفة لأنه الذي يتولى أمور الناس فتكون الخلافة منحصرة فيه حقا له وليس بشيء لأنّ المراد بالوليّ ضد العدو، وهو الصديق ولو سلم
أنه ما ذكر فاللفظ عام، وسبب النزول لا يخصص وأرادة الجمع بالواحد خلاف الظاهر خصوصا وخلافة أبي بكر رضي الله عنه ثبتت بالأحاديث الصحيحة كما بين في محله. قوله:(فلعله جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس الخ) فإذا كان لترغيب لا يختص! به أيضاً وذكروا في التعبير عن الواحد بالجمع أنه يكون لفائدتين تعظيم الفاعل وأنّ من أتى بذلك الفعل عظيم الشأن بمنزل جماعة كقوله تعالى: {إنّ إبراهيم كان أمة} [سورة النحل، الآية: 120] ليرغب الناس في الإتيان بمثل فعل وتعظيم الفعل أيضاً، حتى أنّ فعله سجية لكل مؤمن وهذا نكتة سرية تعتبر في كل مكان ما يليق به ووجه الاستدلال المذكور ظاهر، وقيل إنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة فإنه كان جائزاً، ثم نسخ وبأنه أشار إليه فاً خذه من إصبعه بلا فعل! هـ. وقوله:) وضع الظاهر موضع المضمر الخ) هذا مبني على أنّ جواب الشرط الاسمي في نحوه لا بد من اشتماله على ضميره كما مرّ فوضع الاسم الظاهر موضع الضمير للدلالة على علة الغلبة، وهو أنهم حزب الله كقوله تعالى:{وإنّ جندنا لهم الغالبون} [سورة الصافات، الآية: 173] . وقوله: (ومن يتول هؤلاء الخ) بيان أنه على هذا الوجه ذكر الله للتوطئة والتمهيد وعلى ما بعده من التنويه، والتشريف لا يلزم فيه ملاحظة التوطئة ففرق بينهما ووجهه أنه جعلهم مشاهير بهذا وعلما فيه حتى لا يتبادر إلى الفهم غيرهم إذا ذكر حزب الله. قوله:(لآمر حزبهم) أي أهمهم، وقيل الحزب جماعة فيهم شدة فهو أخص من الجماعة، والقوم. قوله:(نزلت في رفاعة بن زيد الخ) وترتب النهي على اتخاذهم لتعليقه بما هو في حكم المشتق ومن جر الكفار أبو عمرو والكسائي ويعقوب وهو أظهر لقرب المعطوف عليه ولأن أبيا رضي الله عنه قرأ ومن الكفار والكفار على هذا مخصوص بالمشركين، وقد ورد بهذا المعنى في مواضع من القرآن، ووجه
التخصيص ما ذكره وعلى قراءة النصب لا يكون المشركون مصرحا باستهزائهم هنا وان أثبت لهم في آية: {إنا كفيناك المستهزئين} [سورة الحجر، الآية: 95] إذا المراد بهم مشركو العرب ولا يكون النهي عليها معللاً بالاستهزاء بل نهوا عن
موالاتهم ابتداء، وهذا معنى. قوله:) على أنّ النهي الخ (وقوله بترك المناهي خصه لوتوعه بعد النهي عن اتخاذهم أولياء فالمناسب تخصيص الإيمان بالوعيد، ومن عممه نظر إلى أنه تذييل، ومثله يورد بطريق العموم فافهم. قوله: (وفيه دليل على أنّ الآذان مشروع للصلاة) وفي الكشاف فيه دليل جملى ثبوت الأذان بنص الكتاب لأنه لما دلّ على أنّ اتخاذ المناداة هزؤوا من مكرات الشرع دل على أنّ المناداة من حقوقه المشروعة له، وان كان ابتداء مشروعيته بالسنة كما في قصة عبد الله بن زيد الأنصاري وما رأى في منامه، وهذا لا ينافي كون مشروعية الأذان أول ما قدموا المدينة، والمائدة متأخر نزولها، ولما كان ثبوته معروفاً جعله المصحنف رحمه أدلّه تعالى دليلاً على مشروعيته لا على ثبوته فلذا عدل عما في الكشاف، وان كان لا يمتنع اجتماع الأدلة الشرعية على حكم واحد لأنها أمارات لا مؤثرات وموجبات، وقوله فدخل خادمه في شروح الكشاف أنه جارية فإن الخادم يطلق على الذكر، والأنثى وترك قول الكشاف لا بالمنام، ونحوه من الاستشارة لأنه رد لما ورد من ذكر المنام، ونحوه لأنه إنما ثبت بوحي وافق ما ذكر كما بينه شراح الحديث، وسمي الأذان مناداة لقوله حيّ على الصلاة حيّ على الفلاج. قوله:(فإنّ السفه يؤدي إلى الجهل) المراد بالسفه خفة العقل، وعدمه وفسر تتقمون بتنكرون وتيبون إذ النقمة معناها الانكار باللسان أو بالعقوبة كما قاله الراغب لأنه لا يعاقب إلا على المنكر فيكون على حد قوله: ونشتم بالأفعال لا بالتكلم
فلذا حسن انتقم منه مطوعه بمعنى عاقبه، وجازاه، والا فكيف يخالف المطاوع أصله فافهم، ونقم ورد كعلم يعلم وورد بكسر القاف في الماضي، والمضارع، وهي الفصحى، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى، وهي لغة أي قليلة، وهي قراءة الحسن، ونقم بعدى بمن وعلى وقال أبو حيان أصله أن يتعدى بعلى ثم افتعل المبنى منه يعدى بمن لتضمنه معنى الإصابة بالمكروه، وهنا فعل بمعنى افتعل وجعل ما أنزل إلينا، وما أنزل من قبل أي قبلنا عبارة عن جميع الكتب السماوية، وهو ظاهر. قوله:(عطف على أن آمنا الخ) و! ما كان على هذا تقديره
هل تكرهون إلا إيماننا، وفسق أكثركم وهم لا يعترفون بأنّ أكثرهم فاسقون حتى ينكروه فلذا أولوه بأنه مستعمل في لازمه، وهو مخالفتهم فكأنه قيل هل تنكرون منا إلا أنا على حال تخالف حالكم حيث دخلنا في الإسلام، وخرجتم منه بالفسق بمعنى الخروج عن الإيمان أو أنه على تقدير مضاف أي اعتقاد أنكم فاسقون وهو ظاهر، وإنما قال أكثركم لأنّ منهم من أسلم كعبد الله بن سلام وأضرا به رضي الله عنهم، وقوله أي وما تنقمون منا كذا وقع في نسخ هذا الكتاب، والكشاف والا وجه ترك الواو وكذا وقع في نسخة، وكأن إشارة إلى أنهم نقموا عليه أمورأ أخر كما يفيده ما قبله من انكارهم الأذان، وغيره من أمور الدين فتأمل، وعلى هذا الوجه هو معطوت على المؤمن به بملاحظ معنى الاعتقاد أيضا فهو في المعنى كالوجه الذي قبله، والمراد بفسقهم كفرهم كما مر، وكما يلزمنا اعتقاد حقية ما نحن عليه يلزمنا اعتقاد بطلان ما يخالفه، والإيمان بأنه باطل، والوجه الرابع أنه مجرور بلام محذوفة ومعطوف على علة أخرى محذوفة، ومحله إما جر أو نصب أو هو منصوب بفعل مقدر منفي أو هو مبتدأ خبره محذوف، والجملة حال أي وفسقكم ثابت معلوم كذا قال في الكشاف فقدر الخبر مؤخراً، وقيل إنه لا بد من تقديره مقدماً لأنّ أن المفتوحة لا يقع ما معها مبتدأ إلا إذا تقدم الخبر ورد بأن كثيرا من النحاة خالف في هذا الشرط، وأنه يغتفر في الأمور التقديرية ما لا يغتفر في غيرها، وفي هذه الآية على احتمال الرفع والنصب، والجر وجوه كثيرة بلغت أحد عثر ترك المصنف رحمه الله تعالى منها وجوها كأنها لم يرض بها لما أوردوا عليها ككون الواو بمعنى مع لما قال النحرير: إنه لا يتم على ظاهر كلام النحاة من أنه لا بد في المفعول معه من المصاحبة في معمولية الفعل، وحينئذ يعود المحذور وهو أنهم نقموا كون أكثرهم فاسقين، وان قيل إنه على مذهب الأخفش الذي لا يئترط ذلك، وقيل عليه ما قيل وقيل إن آمنا بتقدير اللام وهذا معطوف عليه أي ما تنقمون علينا شيأ إلا لإيماننا وأنّ أكثركم فاسقون. قوله: (والآية خطاب ليهود الخ (أي لقوم من اليهود سألوه عما آمن به فتلا لهم {امنا بالئه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي
موسى وعيسى} (الآية وهذا رواه ابن جرير والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله:) أي من ذلك المتقوم الخ (اختلف المفسرون في المخاطب بأنبئكم فذهب الأكثر
إلى أنه أهل الكتاب المتقدم ذكرهم وقيل الكفار مطلقا وقيل المؤمنون وكذا اختلفوا في معنى اسم الإشارة فقيل إشارة إلى الأكثر الفاسقين ووحد اسم الإشارة إلى لأنه يشار به إلى الواحد وغيره، وليس كالضمير أو لتأويله بالمذكور ونحوه وفي الكلام مقدر أي بشر من حال هؤلاء وجعله الزمخشرقي إشارة إلى المتقوم ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل من تقديره دين من لعنه، وقيل إنه إشارة إلى الأشخاص المتقدمين الذي هم أهل الكتاب يعني أن السلف شز من الخلف وعليه فلا يحتاج إلى تقدير والمنقوم إنما هو إيمانهم المذكور والاحتياج إلى حذف المضاف ظاهر على كون من لعنه الله خبراً عن ضمير ذلك، وأما على كونه بدلاً فليخرج من بدل الغلط لأن مثل أعجبني الحسن زيد بدل غلط قطعأ إذ لا اشتمال قيل ذكر الزمخشري أن المعنى عقوبتهم شر من عقوبة المسلمين بزعمهم، وقد غفل عنه المصنف رحمه الله تعالى: فأهمله ولو جعل مثوبة مفعولأله لأنبئكم أي أنبئكم لطلب المئوبة عند الله بهذا الأنباء لاقتضاء حكم لخلص عن التكلف، وهذا له وجه لكنه خلاف الظاهر، وأما الأول فليس المصنف رحمه الله تعالى غافلا عنه كما زعم بل لما أول شراً الثاني اكتفى به عن تأويل الأول لجريانه فيه. قوله:) جزاء ثابتاً عند الله (قال الراغب: الثواب ما رجع إلى الإنسان من جزاء أعماله سمي به يتصوّر أن ما عمله يرجع إليه كقوله: {ومن يعمل مثقال ذرة خبرا يره} أسورة الزلزلة، الآية: 7، ولم يقل ير جزاءه والثواب يقال في الخير والشر لكن الأكثر المتعارف في الخير وكذا المثوبة، وهي مصدر ميمي بمعناه وعلى اختصاصها بالخير استعملت هنا في العقوبة على طريقة: تحية بينهم ضرب وجيع
في التهكم وان كان ما في الآية استعارة لطيئ ذكر المشبه، وما في البيت تشبيهأ انتزع
وجهه من التضاد على طريقة التهكم لذكر الطرفين بطريق حمل أحدهما على الآخر لكن على عكس قولك مزيد أسد، والتحية مشبه به والضرب مشبه كذا قيل: وقد أسلفنا في سورة البقرة
التحقيق في هذا، وأنه ليس من التشبيه، والاستعارة في شيء كما صرح به الشيخ في دلائل الإعجاز فإن أردت تحقيقه فراجعه فإنه مما تفرد به كتابنا هذا. قوله:) بدل من شر على حذف مضاف (فيقدر أهل قبل ذلك أو دين قبل من كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله أي بشر الخ وتقدم وجه الاحتياج إلى التقدير على البدلية، ولم ينبه عليه المصنف في الثاني حوالة على الأول لظهوره. قوله: (وهم اليهود الخ) أي من لعنه الله اليهود، وكذا الممسوخون منهم، والممسوخون خنازير من النصارى، وقيل المسخان وقعا في اليهود، ومشايخ قيل جمع شيخ على خلاف القياس، والتحقيق أنه جمع مشيخة، وهي جمع شيخ كمسيفة للسيوف ومعب! ة للعبيد، ومأسدة للأسود. قوله: (عطف على صلة من الخ (في هذه الآية أربع، وعشرون قرأءة ثنتان من السبعة وما عداهما شاذ فقرأ جمهورهم غير حمزة عبد فعل ماض معلوم، وفيه ضمير يعود لمن، وقرأ حمزة عبد الطاغوت بفتح العين، وضم الباء، وفتح الدال، وخفض الطاغوت على أنّ عبد واحد مراد به الجنس، وليس بجمع لأنه لم يسمع مثله في أبنية الجمع بل هو صيغة مبالغة، ولذا قال الزمخشري معناه الغلوّ في العبودية، وأنشد لطرفة شاهداً عليه:
أبتي لبيني أنّ أمكمو أمة وإن أباكمو عبد
أراد عبداً، وقد ذكر مثله الزجاج، وابن الأنباري قال ضمت الباء للمبالغة كقو! هم للفظن، والحذر فطن وحذر بضم العين فلا عبرة بمن طعن على هذه القراءة، ونسب قارئها إلى الوهم كالفرّاء، وأبي عبيدة وأما الشاذة فقراءة أبيّ رضي الله عنه عبدوا معلوما بضمير الجمع لمعنى من، وقرأ الحسن عباد جمع عبد وعبد بالإفراد بجر الطاغوت ونصبه إما على أنّ أصله عبد بفتح الباء فسكن أو عبدا بالتنوين فحذف كقوله.
ولا ذكر الله إلا قليلا
ونصبه عطفاً على القردة، وقرأ الأعمش والنخعي عبد مجهولاً مع رفع الطاغوت، وقرأ
عبد القه كذلك إلا أنه أنث فقرأ عبدت والطاغوت يذكر، ويؤنث كما مر، وهو معطوف
على صلة من والعائد محذوف أي فيهم أو بينهم، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه عبد بفتح العين، وضم الباء وفتح الدال، ورفع الطاغوت كشرف كان العبادة صارت سجية له أو أنه بمعنى صار معبودا كأمر أي صار أميراً، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما عبد بضم العين، والباء وفتح
الدال، وجر الطاغوت فعن الأخفش أنه جمع عبيد جمع عبد فهو جمع الجمع عابد كشارف، وشرف أو جمع عبد كسقف وسقف أو جمع عباد ككتاب وكتب فهو جمع الجمع أيضا، وقرأ الأعمش عبد بضم العين، وتشديد الباء المفتوحة، وفتح الدال، وجر الطاغوت جمع عابد، وعبد كحطم وزفر منصوبا مضافا للطاغوت مفردا للمبالغة وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه أيضا عبد بضم العين، وفتح الباء المشددة، وفتح الدال ونصب الطاغوت على حدّ ولا ذاكر الله، وقرأ بريدة، وعابد الشيطان بنصب عابد وجر الشيطان بدل الطاغوت، وقيل إنه تفسير وقرئ عباد كجهال، وعباد كرجال جمع عابد أو عبد وفيه إضافة العباد لغير الله، وقد منعها بعضهم، والأصح أنه أغلب، وقرئ عابد بالرفع على أنه خبر مبتدأ مقدر وجر الطاغوت وقرئ عابد وبالجمع والإضافة وقرئ عابد منصوبا وقرئ عبد الطاغوت بفتحات مضافا على أنّ أصله عبدة ككفرة فحذفت تاؤه للإضافة كقوله:
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
أي عدته كإقام الصلاة أو هو جمع أو اسم جمع كخادم وخدم بلا حذف ويشهد له قراءة
عبدة الطاغوت، وقرئ أعبد كأكلب، وعبيد جمع أو اسم جمع وعابدي جمع بالياء وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً، ومن عبدوا فهذه أربع وعشرون وقول المصنف رحمه الله (ومن قرأ الخ) أي مفردا منصوبا على وزن فاعل أو فعل كحذر أو جمعاً منصوباً والكل مضافة وقد سمعت أنّ منهم من نصب بعدها، ومر توجيهه فهو معطوف على القردة مفعول جعل أو على من لأنهم جوزوا فيها النصب بفعل مقدر أو بالبدلية من محل بشر، وقوله: وعبد صار معبودا أي بفتح العين وضم الباء فعل ماض ككرم ورفع الطاغوت وتقدم توجيهه. قوله:) ومن قرأ وعبد الطاغوت بالجر) أي على أنه مفرد أو جمع فهو معطوف على من المجرورة محلا على البدلية من شرّ وجعله عطفا على البدل لا على شر لأنه المقصود بالنسسبة، وقد مر تفسير الطاغوت بالشيطان، وأنه قرئ به، وقرأه حمزة بالنصب ومر توجيهها وقوله: والباقون يفتحها أي الباء على أنه ماض مبنيّ للفاعل كما مر، وقوله، وكل من أطاعوه الخ فالعبادة مجاز عن الطاعة. قوله:(جعل مكانهم شرا) أي أسند الشرارة إلى المكان وجعل شرا لأنّ التمييز في المعنى فاعل، واثبات الشرارة لمكان الشيء كناية عن إثباتها له كقولهم سلام على المجلس العالي، والمجد بين برديه كان شرهم أثر في مكانهم أو عظم حتى صار متجسما، ويجوز أن يكون الإسناد مجازيا
كجري النهر. قوله: (وقيل مكاناً منصرفاً) بصيغة المفعول كسائر أسماء الأمكنة، وهو ما ينصرفون إليه ليصيروا فيه فالكون بمعنى الصيرورة من المزيد يعني ليس المراد الكناية بل المكان محل الكون، والقرار الذي يؤول أمرهم إلى التمكن فيه كقوله شر منقلباً، وهو مصيرهم يعني جهنم، وبئس المصير والرارة بفتح الشين مصدر كالقباحة لفظاً ومعنى. قوله:(قصد الطريق الخ) قصد بفتح فسكون مجرور عطف بيان لسواء السبيل، وأصل معناه الوسط المستوي، وهو معنى القصد لأنه يستعمل في الاعتدال بين الإفراط والتفريط يعني أنهم أضل عن طريق الحق المعتدل لأنّ أهل الباطل بين مفرط كالنصارى إذ ادّعوا الألوهية لنبيهم جميرو ومفرط كاليهود إذا طعنوا في غير دينهم، والمراد به دين الإسلام والحنيفية. قوله:(والمراد من صينتي التفضيل) أي شر وأضل يعني أنّ التفضيل مقصود به الزيادة في نفسه من غير نظر إلى مشاركة غيرهم فيه وفيه وجوه فقيل إنه على زعمهم، وقيل إنه بالنسبة إلى غيرهم من الكفار.
وقال النحاس إن مكانهم في الآخرة شر من مكان المؤمنين في الدنيا لما لحقهم فيه من
مكاره الدهر وسماع الأذى، والهضم من جانبهم، واسنحسته بعضهم، ورجحوه على غيره من الوجوه. قوله:(أي يخرجون من عندك كما دخلوا الخ) التسوية بين دخولهم، وخروجهم لعدم انتفاعهم بحضورهم عنده صلى الله عليه وسلم وجعل الجملتين حاليتين لأنه يجوز تعددها جملة من غير عطف، ومن منعه يقول إنّ الواو عاطفة والمعطوف على الحال حال أيضاً، وباء بالكفر وبه باء الملابسة، والجار والمجرور حالان، ودخول
قد لتفريب الماضي من الحال قال النحرير: دخلت قد لتقرب الماضي إلى الحال فتكسر سورة استبعاد ما بين الماضي، والحال في الجملة وإلا فقد إنما تقرب إلى حال التكلم، وهذا إشارة إلى ما قيل إنّ الماضي إنما يدل على الانقضاء قبل زمان التكلم، والحال مبينة لهيئة صاحبها قيد لعاملها فهي في حال وقوعه سواء كان ماضياً أو حالاً أو مستقبلا فهذا غلط نشأ من اشتراك لفظ الحال، وأجيب بأنّ الفعل إذا وقع قيد الشيء يعتبر مضيه، وغيره بالنظر إلى المقيد فماذا قيل جاءني زيد ركب يفهم منه تقدم الركوب على المجيء فلا بد من قد حتى تقز به إلى زمان المجيء فيقارنه، وله زيادة تفصيل في حواشي المطوّل، والرضي فارجع إليه، وذكروا لها نكتة أخرى هنا، وهي إنها تفيد ا!
المخاطب كان متوقعا المضمون الخبر، وفي الكشاف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متوقعا لإظهار الله ما كتموه فدخل حرف التوقع وأورد عليه أن حرف التوقع إنما دخل على الدخول، والخروج بالكفر لا على إظهار نفاقهم، وأجيب بأنّ الأخبار بذلك إظهار له، والمناقشة باقية لأنها لتوقع المخبر به لا لتوقع الأخبار، وقيل: لا شك أنّ المتوتع ينبغي أن لا يكون حاصلا، وكونهم منافقين كان معلوما له صلى الله عليه وسلم فيجب المصير إلى المجاز، والقول بإظهار الله ما كتموه، ولم يقل، وقد خرجوا به لإفادة تأكيد الكفر حال الخروج لأنه خلاف الظاهر إذ كان الظاهر بعد رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسماع كلامه أن يرجعوا عما هم عليه، وأيضاً أنهم إذا سمعوا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأنكروه زاد كفرهم، وقوله والله أعلم إشارة إلى أن للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك علما أيضا لكنه كعلم الله المطلع على السرائر، وقيل: فحينئذ كان المناسب أن يقول المصنف رحمه الله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه فتأمّل، وقيل قوله ولذلك أي لظنه صلى الله عليه وسلم قال، والله أعلم لتضمته علم النبيّ صلى الله عليه وسلم أيضا لكن لا كعلمه تعالى لأنّ علمه ظني. قوله:(أي الحرام، وقيل الكذب لقوله عن قولهم الإثم) فإنه يدل على أنه متعلق بقولهم فلا يكون مطلق الإثم، ولا قرينة على خصوصية كلمة الشرك فتعين أن يكون المراد بقولهم آمناً من حيث كونه كذبا ليس عن صميم قلب أمّا إذا كان إخباراً فظاهر، وان كان إنشاء فلتضمنه الخبر بحصول صفة الإيمان لهم، وهذا هو الذي ارتضاه الزمخشري، والمصنف رحمه الله لما رأى تخصيصه هنا لا داعي إليه، وأنّ التخصيص فيما سيأتي لا يقتضيه بل ربما يقتضي خلافه لأنّ الأصل عدم التكرار لم يرتض ما جنحوا إليه، وإن كان لا تكرار فيه لأنه هنا بالنسبة إلى من فعلوه، وهناك بالنسبة إلى من لم ينه عنه نعى عليهم أوّلاً اتصافهم بسوء الاعتقاد، ثم عقبه بسوء الأعمال، وقال يسارعون في الإثم فعداه بفي، وهو يتعذى بإلى إشارة إلى تمكنهم فيه تمكن المظروف في ظرفه، واحاطته بأعمالهم. قوله:(لبئس شيئاً عملوه) إشارة إلى أن ما نكرة موصوفة وقعت تمييزاً للضمير المستتر في بئس الفاعل، والمخصوص محذوف أي بئس شيئاً عملوه هذه الأمور وجوّز جعلها موصولة فاعل بئس. قوله:(تحضيض لعلمائهم) بضادين معجمتين أي حث، وطلب وجعل الربانيين هنا علماء، وفيما مرّ زهاد المناسبة المقام، والزهاد في الأكثر علماء، والنهي إنما يكون منهم وكون لولا، وأخواتها مع المضارع للتحضيض، ومع الماضي للتوبيخ مما قرّره ابن الحاجب، وغيره. قوله: (أبلغ من قوله لبئسما كانوا يعملون الخ (أي لما تقرّر في اللغة، والاستعمال أنّ الفعل ما صدر عن
الحيوان مطلقا فإن كان عن قصد سمي عملا ثم إن حصل بمزاولة، وتكرّر حتى رسخ، وصار ملكة له سمي صنيعا، وصنعة وصناعة فلذا كان لصنيع أبلغ لاقتضائه الرسوخ، ولذا يقال للحاذق صانع، وللثوب الجيد النسج صنيع كما قاله الراغب: والتدرّب الاعتياد والتحرّي التوخي وقصد الأحرى، والأليق، والتروّي التفكر والتأمل من الروية، ووقع في نسخة تردّد يعني العود إليه مرّة بعد أخرى، وفي أخرى تروّد، وهي متقاربة معنى، والحسبة بكسر الحاء اسم بمعنى الاحتساب، وهو معروف وإنما كان ترك النهي أقبح من الارتكاب لأنّ المرتكب له في المعصية لذة، وقضاء وطر بخلاف المقرّ له، ولذا ورد أنّ جرم الديوث أعظم من الزانيين فإن قلت يلزم على هذا أن ترك النهي عن الزنا، والقتل أشد إثما منهما، وهو بعيد كما قيل قلت قيد
الأشذية يختلف بالاعتبار فكونه أشد باعتبار ارتكاب ما لا فائدة له فيه لا ينافي كون المباشرة أكثر إثما منه فتأمل. قوله:) أي هو ممسك الخ) أي بخيل يضيق الرزق، وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود يعني فيمن لا تصح منه الحقيقة أصلاً كما هنا بخلاف يد زيد مغلولة أو مبسوطة فإنه كناية عن ذلك وقد مرّ الكلام فيه، وأنه قد لا تراعى هذه التفرقة كما جعل {الرحمن على العرش استوى} أسورة طه، الآية: 5] كناية عن الملك وفي قو! هـ، ولذلك يستعمل الخ. يقتضي أنه حيث يتصوّر منه ذلك مجاز مع أنه كناية فيحمل على ما إذا كان ثمة قرينة مانعة. قوله:
(جاد الحمى بسط اليدين بوابل شكرت نداه ثلاعه ووهاده)
جاد من الجود يقال جاد المطر فهو جائد والجمع جود كصاحب وصحب، والوهاد
بكسر الواو جمع وهدة، وهي ما اطمأن وانخفض من الأرض، والتلعة ما ارتفع منها وقال أبو عمر والتلعة مجاري ما ارتفع من الأرض إلى بطون الأودية، والندي العطاء، ولو قرئ يديه تثنية يد لصح وبسط بضمتين جمع باسط، والمراد بها السحاب، والوابل المطر الكثير. قوله:) ونظيره من المجارّات المركبة شابت لمة الليل (الشيب معروف، واللمة بالكسر ذؤابة مخصوصة قيل فيه نظر لأنه من مجاز المفردات فالشيب مجاز عن وضح الصبح، واللمة عن سواده أي أبيض ما كان أسود منه، وليس هذا بمتعين لجواز أن يشبه طروّ الصمبح على الليل بعروض! الشيب في الشعر الأسود. قوله: (وقيل معناه أنه فقير الخ (أيده بهذه الآية لأنّ قبض
اليد يقتضي إمكان بسطها لا عدم قدرته عليه والا لقيل شلت يده، والأوّل يقتضي البلاغة، وحسن الاستعارة لكنه جوّزه فيما بعده من غير تمريض له فانظر الفرق بينهما. قوله:(دعاء عليهم بالبخل والنكد الخ) ويجوز أن يكون خبراً والنكد بفتحتين هنا العسر وقلة الخير من نكدت الركية إذا قل ماؤها، والمطابقة على تقدير الدعاء بالبخل أو الفقر ظاهرة لنسبتهم ذلك إليه تعالى بخلاف الدعاء بغل الأيدي فإنّ المناسبة من حيث اللفظ فقط فيكون تجنيسا قال الزمخشري: ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغل الأيدي حقيقة يغلون في الدنيا أسارى وفي الآخرة معذبين لإغلال جهنم، والطباق من حيث اللفظ، وملاحظة أصل المجاز كما تقول سبني سب الله دابره أي قطعه لأنّ السب أصله القطع قيل يعني تعتبر المطابقة في قوله تعالى:{يد الله منلولة} [سورة المائدة، الآية: 64] مع {غلت أيديهم} [سورة المائدة، الآية: 64، في إرادة الحقيقة في الثاني مع ملاحظة أصل المجاز، وهو غل اليد لا البخل الذي هو المراد منه لاستوائهما في التلفظ كما أن سب الله من حيث اللفظ مطابق لقولهم سبني الخ لأنّ المراد من سب الله قطع الدابر أي استأصله بقطع آخره وهذه مشاكلة لطيفة بخلاف قوله:
قالوا اقترح شيئانجدلك طبخه قلت اطبخوالي جبة وقميصا
ولا داعي إلى اعتبار المشاكلة هنا، وإنما هو تجنيس، ولذا تركها النحرير، وهو الظاهر وقوله:{مسخبين} الظاهر أنه بتشديد الحاء من سحبه إذا جرّه إذ لم يرد أسحبه، والمعروف فيه الثلاثي قال تعالى:{يسحبون في النار} [سورة القمر، الآية: 48، وهو معطوف على أسارى وهو حال. قوله: (ثني اليد مبالنة في الردّ الخ (لأنهم لما قالوا يده مغلولة ردّ عليهم بأن يديه مبسوطتان بالجود، والكريم إذا أعطى بيديه كان أكثر أو اليدان عبارة عن نعم الدنيا ونعم الاخرة أو عما ينعم به إكراما وما ينعم به استدراجا. قوله: (تكيد لذلك (أي لقوله يداه مبسوطتان الدال على نهاية الكرم، والجود ووجه التأكيد تعميم الأحوال المستفاد من كيف، ووجه الدلالة على الاختيار المشيئة، وأنه على مقتضى الحكمة التعليق بمشيئة الحكيم الذي لا يشاء إلا ما هو حكمة، ومصلحة وقوله: في ذات يد ذات معجمة أي في يد أو المراد به ما في اليد+ قوله:
(ولا يجوز جعله حالاً من الهاء الخ (تبع في هذا أبا البقاء رحمه الله، وقد ردّ بأنّ الممنوع مجيء الحال من المضاف إليه إذا لم يكن المضاف جزءاً أو كجزء أو عاملا، وهنا المضاف جزء من المضاف إليه فليس بممتنع، والفصل بالخبرين الحال، وصاحبها ليس بممتنع أيضا كما في قوله تعالى:{وهذا بعلي شيخا} [سررة هرد، الآية: 72] إذا قيل إنه حالط من اسم الإشارة، والعامل فيه التنبيه، وقوله إذ لا ضمير يعود من جملة ينفق كيف يشاء إلى ذي الحال، وهو اليد إن قيل إنه لا مانع من تقديره أي ينفق بهما نعم هو خلاف الأصل، والظاهر، وهو يقتضي المرجوحية لا الامتناع، والجملة على هذا مستأنفة
وجوّز فيها الحالية، والخبرية على التقدير السابق، وقوله: ولا من ضميرها أي المستتر في مبسوطتان. قوله: (في فنحاص بن عارّوراء (أخرجه ابن حبان، وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، وتقدّم ضبطه في آل عمران، وقوله وأشرك فيه الآخرون يعني أنه نسب القول إلى اليهود جملة، والقائل واحد لأنهم لما رضوا بقوله جعلوا قائلين كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا، والقاتل واحد منهم وقد مرّ تحقيقه. قوله: (أي هم طاغون الخ) لأنّ الزيادة تقتضي وجود المزيد عليه قبلها، ومثل له بما ذكره لأنه كان المتبادر أن يكون لأيمانهم، وازدياده لا لضده فلذا أوضحه بالمثال. قوله:) كلما أرادوا حرب الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) يعني أن إيقاد النار هنا كناية عن إرادة الحرب لأنه كان عادتهم ذلك، ونيران العرب مشهورة منها هذه وضمير علإ 4 للرسول عتي! ، واطفاء النار على الأوّل عبارة عن دفع شرّهم، وعلى الثاني غلبتهم، والحرب عليه مطلقة، وفطرس الرومي بضم الفاء، وسكون الطاء المهملة، وضم الراء المهملة، والسين المهملة كذا ضبطه الخيالي رحمه الله، وفي نسخة نسطوس، وللحرب صلة أوقدوا أي متعلقة به واللام للتعليل، وقوله للفساد أي هو مفعول
لأجله، وقيل إنه حال. قوله:(قلا يجارّيهم إلا شرا) يعني عدم المحبة كناية عنه كما أنّ محبته عبارة عن أنعامه، وثوابه كما مرّ، وقوله: ولم نؤاخذهم إشارة إلى أنه ليس المراد به الستر وقوله، ولجعلناهم إشارة إلى معنى التعدية بالهمزة، وعظم معاصيهم يستفاد من منع دخول الجنة وكثرتها من جمع السيئات، وقوله: يجب ما تبله بالجيم أي يقطعه، ويرفعه بحيث لا يؤاخذ بشيء قبله غير حقوق العباد، وقوله:(وإنّ الكتابي الخ) إشارة إلى دفع ما يوهمه قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الآية. قوله: (بإذاعة ما فيهما الخ) أصل الإتامة الثبات في المكان ثم استعير إقامة الشيء لتوفية حقه كما قاله الراغب، وتوفية حق الكتاب السماوي إظهار ما فيه، والعمل به فلذا فسره المصنف رحمه الله بما ذكر ثمّ أشار إلى أنّ إنزال الكتاب إلى قوم مجرّد وصوله إليهم أو إيجاب الإيمان، وان لم يكن الوحي نازلاً عليهم. قوله: الوسع عليهم أررّاقهم بأن يفيض الخ) المراد الانتفاع مطلقا، وخص اكل لكونه أعظمها ويستتبع سائرها كما مرّ في قوله:{يكلون أموال اليتامى} [سررة النساء، الآية: 10] وجعل من فوقهم، ومن تحت أرجلهم كناية عن أمور السماء والأرض! أو الأشجار العالية عليهم والزروع التي هي منخفضة أو الثمار على الأشجار والساقطة منها على الأرض! ، وجعله بمعنى الأمطار والأنهار التي تحصل بها أقواتهم بعيد من اكل. قوله:(عادلة غير غالية (معنى الاقتصاد الاعتدال، وغالية من الغلوّ، وهو الإفراط، وأمّا تفسير الاقتصاد بالتوسط في العداوة فغير مناسب لما بعد.، ولذا مر منه. توله: (أي بشى ما يعملونه الخ) في ساء مذاهب للنحاة فقيل إنها فعل تعجب كقضو زبد بالضم بمعنى ما أقضاه، وقيل إن النحاة لم يعدوا ساء من الأفعال التي استعملت للتعجب فقول
المصنف، والزمخشري إنّ فيه معنى التعجب أرادوا، وأنه مأخوذ من المقام بدليل تفسيرها ببئس فإنها تكون من باب المدح، والذم وتمييزها محذوف أي ساء عملا الذي كانوا يعملون أو ما نكرة تمييز، وقوله أو الإفراط في العداوة هو على التفسير الثاني للاقتصاد، والتعجب لما فعلوه، وقد عرفوا خلافه. قوله: (جميع ما أنزل إليك الخ الما كان معنى قوله فإن لم تفعل فإن لم تبلغ ما أنزل، وهو الرسالة صار ما-له إلى أن لم تبلغ فما بلغت، وهو لا فائدة فيه لاتحاد الشرط، والجزاء فلذا قيل المعنى فإن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك فإنك لم تبلغ شيئا من أصلا لأنّ تقصيره في بعض ما أمر به يحبط باقيه كما أنّ من ترك ركناً من أركان الصلاة بطلت صلاته، واستدل به على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكتم شيئاً من الوحي أصلا خلافا للشيعة إذ قالوا ترك بعضه تقية، وقال بعضهم أنّ هذا فيما يتعلق بالدين، ومصالح العباد، وأمر باطلاعهم عليه، وأما ما خص به صلى الله عليه وسلم من الأسرار كما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين أما أحدهما
فبئئته، وأما الآخر فلو بئئته قطع هذا البلعوم أي عنقه، وأصل معناه مجرى الطعام، واليه أشار الحسن رضي الله تعالى عنه بقوله:
يارب جوهرعلم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
وهو علم الحقيقة، والحكمة المسكوت عنها، وقد أشار إلى هذا المصنف رحمه الله تعالى، وهو يفهم من لفظ الرسالة فإنّ الرسالة ما يرسل إلى الغير، وهذا مذهب الصوفية رحمهم الله تعالى أو أنّ اتحاد الجزاء، والشرط المراد به المبالغة كما في شعري شعري، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله أي فقد ارتكب أمراً عظيما، وقوله أو فكأنك بلغت شيئا منها كقوله: فكأنما قتل الناس جميعا قيل، والوجه هذا لأنه ربما يناقش في الأوّل، ووجه المناقشة أنّ الصلاة اعتبرها الشارع أمراً واحداً بخلاف التبليغ وهي غير واردة لأنه إذا ألزمه بتبليغ الجميع فقد جعلها كالصلاة، والإيمان فإنّ من آمن ببعض ما يلزمه الإيمان به دون بعض لا يعد مؤمناً، وأجيب بوجوه أخر منها أنّ المراد الحكم بالتبليغ لا نفس التبليغ أي إن تركت تبليغ ما أنزل إليك حكم عليك بأنك لم تبلغ أصلاً، وقيل أقيم السبب مقام المسبب أي لا ثواب لك، وقيل المراد بما أنزل القرآن، وبما في الجواب بقية المعجزات. قوله:(عدة وضمان من الله تعالى الخ) وإنما قال بعصمة روحه من القتل لئلا يورد عليه أنه صلى الله عليه وسلم شج يوم أحد حتى قيل إنها نزلت بعد ذلك فهو باق على عمومه، واستشكل بأن اليهود سمو. صلى الله عليه وسلم،
وأجيب بأنه ضمن له العصمة بسبب تبليغ الوحي فلا يمنع عنه بقتل ونحوه، وأما ما فعل به كيم وبالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فللذب عن الأموال، والبلاد، والأنفس، ولا يخفى بعده قال الراغب رحمه الله تعالى: عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حفظهم بما خصوا به من صفاء الجواهر ثم بما أولاهم من الأخلاق والفضائل، ثم بالنصرة وتثبيت أقدامهم ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم، وبالتوفيق وقوله:(وعن أنس رضي الله تعالى عنه (قالوا هذا الحديث أخرجه الترمذي، والبيهقي وغيرها عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، ولم يسنده أحد عن أنس رضي الله تعالى عنه وأدم بهمزة ودال مهملة مفتوحتين بلا مذ وميم اسم جمع لا ديم، وهو الجلد المدبوغ وقوله: (ولعل المراد ال! أمر بيانه، وافشاؤه نشره، واظهاره. قوله: (حتى تقيموا التورية الخ (قد سمعت معنى الإقا! ة عن قريب، وقولى: نا! ط بوجوب الطاعة له أي إذا بعت إليهم وهذا يعلم من الطاعة فإف* تقتضي أمره لهم وهو لا يأمر من لم يبعث إليه فلا يقال إنّ النبيئ تكنن قد يبعث لقومه فقط كصا ورد في الحديث فكيف تجب على غيرهم طاعته، وفسر تأس بتحزن، وتتأسف، وأشار بقوله. (فإن ضرر الخ) إلى أنّ سبب الحزن خوف الضرر والمندوحة السعة، والمراد بها هنا الغني عنهم. قوله: (والصابؤون رقع على الابتداء وخبره محذوف الخ (يعني الخبر المذكور خبر إن، والصابئون مبتدأ خبره محذوف لدلالة الخبر الأول عليه فيكون حينئذ في نية التأخير، والتقدير
أن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن منهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابؤون كذلك بناء على أنّ المحذوف في أن زيدا وعمرو قائم خبر الثاني لا الأوّل كما هو مذهب بعض النحاة، والى هذا أشار المصحنف رحمه الله تعالى، وقوله: حكمهم كذا كناية عن قوله: (من آمن الخ) واستدل عليه بالبيتين فإنّ قوله لغريب خبر أنّ، ولذا دخلت عليه اللام لأنها تدخل على خبر إنّ لا على خبر المبتدأ إلا شذوذاً، وكذا بغاة ما بقينا الخ خبر أنا، ولو كان خبر أنتم لقال ما بقيتم هذا تقرير ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري، وقال النحرير: إنما اختار هذا دون العكس، وهو أن يكون المذكور خبراً عن الثاني، وقد حذف من الأوّل لأنه أقيس حيث جعل السابق قرينة اللاحق، وقدم للاهتمام بالمقدم، وأوفق بالاستعمال كما في الشعر المذكور، وعورض بأن ترك الفصل بين المبتدأ، والخبر أنسب، والإلحاق بالأقرب أقرب، وهو أيضاً موافق للاستعمال كما في قوله: نحن بما عندنا البيت وإنما اعتبر نية التأخير ليسلم عن الفصل بين اسم إن وخبره، وليعلم أنّ الخبر ماذا، ثم قال وقد يقال اختار هذا في الآية خاصة أي كون الخبر للأوّل، والحذف من الثاني مع نية التقديم لأن الكلام
مسوق لبيان حال أهل الكتاب فصرف الخبر المذكور إليهم أولى، والصابئون أشد الفرق ضلالاً كما ذكره العلامة فباعتبار ذكرهم متأخرا قدم لأنه لمزيد الاهتمام أولى، وبالدلالة على هذا الغرض أوفى، وأيضاً في صرف الخبر إلى الثاني فصل للنصارى عن اليهود وتفرقه بين أهل الكتابين لأنه حينئذ عطف على قوله، والصابؤون قطعاً نعم لو صح أنّ المنافقين، واليهود أو غل المعدودين في الضلال، والصابئين، والنصارى أسهل صح تعاطفهما وجعل المذكور خبراً عنهما، وترك كلمة التحقيق المذكورة في الأوّلين دليلاً على هذا المعنى. قوله:(فإتي وقيار الخ) هو لضابي بضاد معجمة، وباء موحدة بعدها همزة ابن الحرث البرجمي بالجيم قاله، وقد حبسه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في خلافته بالمدينة حين اسنعدى عليه والشعر هو هذا:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإنى وقيا ربها لغريب
وما عاجلات الطيريدنين للفتى رشاداً ولاعن ريثهن يخيب
ورب أمور لا تضيرك ضيرة وللقلب من مخاشتهن وجيب ولاخيرفيمن لايوطن نفسه على نائبات الدهرحين تنوب
وفي الشك تفريط وفي الجزم قوّة ويخطئ في الجدّ الفتى ويصيب
ولست بمستبق صديقاولا أخا إذالم يعد الشيء وهويريب
وقيار اسم فرسه أو جمله وكان وطئ غلاماً فقتله فحبس بسببه، وقوله: فمن يك روي
بالفاء، وتركها مجزوماً وقيل إن غريب فيه خبر عن الاسمين جميعا لأن فعيلاً يستوي فيه الواحد، وغيره نحو والملائكة بعد ذلك ظهير ورده الخلخالي رحمه الله تعالى بأنه لم يرد للاثنين وإن ورد للجمع كفعول، وأجاب عنه ابن هشام بأنهم قالوا في قوله:(عن اليمين وعن الشمال قعيد (إن المراد قعيدان وهذا يدل على إطلاقه على الاثنين أيضاً فالصواب منع هذأ الوجه بأنه يلزم عليه توارد عاملين على معمول واحد، وهو أنّ والابتداء أو المبتدأ على الخلاف في رافع الخبر، ومثله لا يصح على الأصح خلافا للكوفيين. قوله: (وإلا فاعلموا الخ) هو لبشر بن أبي خازم بخله وزاء معجمتين الأزدي من قصيدة أوردها في الفضليات وقبله:
إذا جزت نواصي آل بدر فأدّوها وأسرى في الوثاق
والا فاعلموا أنا وأنتم بغاة مابقينافي شقاق
وكان قوم من آل بدر، وهم قوم من فزارة جازوأ على بني لام، وهم من طيّ فجزوا نواصيهم، وحبسوهم، وقالوا مننا عليكم، ولم نقتلكم فقال بشر ذلك، ومعناه أدّوا غرامة ذلك، والا فاعلموا أنا نطلبكم أبدا كما طلبتمونا فبغاة جمع باغ بمعنى طالب، وقيل إنه جمع باغ من البغي، والتعدّي، وأنتم بغاة جملة معترضة لأنه لا يقول في قومه إنهم بغاة وما بقينا في شقاق خبر إنّ فلا شاهد لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لأنّ ضمير المتكلم مع الغير في محله. قوله:(وهو كاعترا ضدل به الخ (يعني الصابئون، رخبره المحذوف يجري مجرى الاعتراض لكونه جملة في أثناء الكلام لقصد التاكيد أمّا في الآية فظاهر، وأما في البيت فلأنّ إثبات البغي للمخاطبين مع كونهم بادين في الجناية، واغلي! في الشرّ لا يقين بأن يرجعوا، ويعتذروا يؤكد ثبوته لنا مع كوننا بصدد الانتقام، ودفع نقيضه الضيم، والعار، ولم يجعله اعتراضا حقيقة بل كالاعتراض لأنه معطوف على جملة {إنّ الذين آمنوا} وخبرها، ويرد عليه ما قاله ابن هشام من أن فيه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوف عليها، وإنما يتقدم المعطوف على المعطوف عليه في الشعر فكذا ينبغي أن يكون تقديمه على بعض المعطوف عليه بل هو أولى منه بالمنع، وأما ما أجاب به عنه بأن الواو واو الاستئناف التي تدخل على الجملة المعترضة كقوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن ثفعلوا فاتقوا النار} [سورة البقرة، الآية: 24] الخ، وهذه الجملة معترضة لا معطوفة فلا يتمشى هنا لأنه يفوّت نكتة التقديم من تأخير التي ذكروها لأنها إذا كانت معترضة لا تكون مقدمة من تأخير. قوله: (ويجوز أن يكون والنصارى معطوفا عليه) فيه تسمح، وهذا على القول
الآخر للنحاة ولا يرد عليه شيء
سوى أنّ الأكثر الحذف من الثاني لدلالة الأوّل، وعكسه قليل لكته جائز، ولم يتعرّض! لهذا الوجه في الكشاف لكنه يعارضه ما مرّ، وقيل هو عطف على الصلة بتقدير مبتدأ أي وهم الصابئون، ولا يخفى بعده وان عذه هو أحسن الوجوه. قوله:(نحن يما عندنا الخ) هذا من قصيدة لرجل من الأنصار، وقيل لقيس بن الخطيم بالخاء المعجمة ابن عديّ وهو شاعر جاهلي وقيل لعمرو بن امرئ القيس الأنصاري وأوّله:
أبلغ بني جحجبى وقومهم خطمة أنا وراءهم أنف
لماننادون ماتسومهم الأهـ رراء من ضيم خطة نكف
الحافظ وعورة العشيرة لا يأتيهم من ورائنا وكف
يا مال والسيد المعمم قد يطرأ في بعض رأيه السرف
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
جحجبى بفتح الجيمين بينهما حاء مهملة ساكنة، وآخره باء موحدة وألف مقصورة بطن
من الأنصار، وخطمة بفتح الخاء المعجمة، وسكون الطاء المهملة بطن من الأنصار أيضا، وأنف بضم الهمزة، والنون جمع آنف كضارب بمعنى محام مأخوذ من الأنفة، وهي الجمية وتسومهم بمعنى تكلفهم، والضيم الظلم، وخطة بمعنى شأن وأمر، ونكف بضم النون والكاف جمع ناكف بمعنى مستنكف، والوكف العيب أو الإثم أو الخوف أو المكروه أو النقص، والعورة ما لم يحم وكل مخوف، ومن ورائنا أي في غيبتنا، ومال مرخم مالك والمعمم ذو العمامة، وهو مما تتمدح به العرب، والشعر من المنسرج. قوله:(ولا يجوز عطفه على محل إنّ واسمها الخ) قال القطب: في شرح الكشاف لهم في العطف على المحل عبارتان فتارة يقولون العطف على محل إنّ واسمها، وتارة على محل اسم إن والمراد بالمحل ما كان قبل دخولها، وهو الرفع على الابتداء لأن اسمها لما لم يكن مرفوعا محلا إلا بسبب دخول أن جعلت مع اسمها شيئاً واحداً كما جعل لا التي لنفي الجنس مع اسمها أسماً واحداً، وجعلوا العطف على محلها مع اسمها، والتحقيق الأوّل لأنّ الاسم كان قبل مرفوعا بالابتداء فلما دخلت عليه لم تغير معناه بل أكدته، ولذا اختصت به هي، والمفتوحة على رأي دون أخواتها كليت، ولعل لتغييرها معناه، واختلفوا في غير العطف من التوابع فذهب الفراء ويونس إلى جوازه، وفيه مذاهب فأجازه بعضهم مطلقا، ومنعه بعضهم مطلقا، وفصل بعضهم فقال يمتنع قبل مضيّ الخبر، وبعده يجوز، وذهب الفراء إلى أنه إن خفي إعراب الاسم جاز لزوال الكراهة اللفظية نحو إنك وزيد ذاهبان، والا امتنع، والمانع ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً
للزمخشري من لزوم توارد عاملين، وهما إنّ والابتداء أو المبتدأ، على معمول واحد، وهو الخبر، وأورد عليه أنه إنما يلزم ذلك لو كان المذكور خبرا عنهما ليصير مثل إنّ زيدا وعمرو، قائمان وأما على نية التأخير، وامتناع مضي الخبر تقديراً يخكون المذكور معمول إن فقط، وخبر المعطوف محذوف كما في أنّ زيدا قائم، وعمرو عطفا على محل إن مع اسمها، وأجيب بان من آمن صالح الخبرية المجموع، والأصل عدم التقدير فلو ارتفع الصابئون بالعطف على المحل لزم المحذور فتعين الرفع على الابتداء، ولزم تقدير الخبر ونية التأخير، وهذا ليس بشيء لأنه لو قدر له خبر لكان جملة معطوفة على جملة، ولم يكن من العطف على المحل في شيء، ولا يلزم المحذور المذكور إلا إذا لم يقدر له خبر، ولا محيص إلا بالتزام صحة ذلك كما ذهب إليه الكوفيون أو القول بأنّ خبر إنّ مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخولها، والعجب أنه مع ظهور ضعفه كي أوردوه، وأطال فيه مثل هؤلاء الفحول. قوله:(ولا على الضمير في هاد والعدم التثيد والفصل الخ) أما الأوّل فظاهر لأنه لا يعطف على الضمير المرفوع المتصل بدون فصل، وكذا الثاني لأنه لو عطف على الفاعل لكان التقدير هاد الصابئون فيقتضي أنهم هود، وليس كذلك، وهذا القول منقول عن الكسائي، وقد خطأه فيه الفراء والزجاج بما ذكر، ولذا قيل إن الكسائي يرى صحة العطف من غير فاصل فلا يرد عليه الاعتراض الأوّل
وأما كون هاد بمعنى تاب كما في قوله تعالى: {إنا هدنا إليك} أسورة الأعراف، الآية: 56 ا] فلا يناسبه قوله من آمن منهم فتأمّل. قوله: (وقيل إنّ بمعنى نعم) التي هي حرف جواب، ولا عمل لها حينئذ فما بعدها مرفوع المحل على الابتداء والمرفوع معطوف عليه، وهذا مما أثبته بعض النحويين، وأهل اللغة، وخرجوا عليه قراءة أنّ هذان لساحران، ونحوه من الشواهد نعم إنه هنا لا يصح لأنها لم يتقدمها شيء تكون جوابا له، ونعم لا تقع في ابتداء الكلام على الصحيح، والجواب بأن ثمة سؤالاً مقدراً بعيد ركيك. قوله: (وقيل الصابئون منصوب بالفتحة الخ (قيل هذا القول فاسد فإنّ لغة بلحرث، وغيرهم الذين جعلوا المثنى دائما بالألف نحو رأيت الزيدان ومررت بالزيدان وأعربوه بحركات مقدرة إنما هي في المثنى وهذا القائل قاس الجمع عليه فألزمه الواو كما ألزم المثنى الألف فيعرب بحركات مقدرة، ومثله لا يجري فيه القياس، ولا ينبغي تخريج القرآن عليه ولكن المصنف رحمه الله تعالى تبع فيه أبا البقاء، ونقله مكي أيضاً، وقوله: وذلك أي تقدير الحركات على القول بأنه معرب بحركات مقدرة لا بالحروف كما يجوز فيه تقدير الفتحة على الياء يجوز تقديرها على الواو ولا يخفى ضعفه، وقوله، والجملة خبر أنّ على الوجه الأوّل أو خبر المبتدأ على الثاني، وعلى كل حال لا بد من تقدير العائد منها كما
ذكره، ومن هذه إمّا شرطية أو موصولة دخلت الفاء خبرها، ولو أخر حذف العائد عن البدلية أيضاً لكان أولى لأنه بدل بعض لا بد فيه من تقدير العائد كما تقرّر في العربية، وكان عليه أن يوجه أنّ من آمن منهم كيف يقع خبرا عن الذين آمنوا أو بدلاً لأنه يقتضي أنقسام المؤمنين إلى مؤمنين وغير مؤمنين فلذا أوّل في الكشاف وشروحه بأن المراد بالذين آمنوا الذين آمنوا باللسان فقط فيكون المعنى الذين آمنوا باللسان من أخلص منهم الإيمان فله كذا أو يؤوّل من آمن بمن ثبت على الأيمان فيصح في حق المؤمنين الخلص، وفي هذا شبه جمع بين الحقيقة، والمجاز، ودفع بأنّ الثبات على الإيمان ليس غير الإيمان بل هو وأحداثه فردان من مطلقه، والوجه الأول إذ في ضم المؤمنين إلى الكفرة إخلال بتكريمهم، وبما ذكر من النكتة في تقديم، والصابئون. قوله:(أو النصب على البدل من اسم إنّ وما عطف عليه) ذكروا في إعرابه ثلاثة وجوه الرفع على الابتداء، والنصب بدلاً من مجموع الذين آمنوا، وما بعده أو مما عطف فقط، والمصنف رحمه الله تعالى ترك هدّا، وكأنه لما قيل إنّ البدل من المعطوف يستلزم الإبدال من المعطوف عليه كما ذكره الزمخشري في قوله تعالى:{إذ أعجبتكم كثرتكم} [سورة التوبة، الآية: 25] وان قال النحرير أنه ممنوع قلو قال أو ما عطف عليه كان أشمل فإن قيل ما ذكر من الوجوه الثلاثة في محل من آمن هل يجري على تفسيري الدّين آمنوا أو لا قيل إن جعل أحداث الإيمان، والثبات عليه من إفراد الإيمان جاز إجراء الكل في كل من الوجهين، والأخص الرفع على الابتداء، والنصب على الإبدال في المجموع بما إذا أريد بالذين آمنوأ المنافقون، والنصب على الإبدال بما إذا أريد بهم خلص المؤمنين، واعلم أنه قال في الكشاف فإن قلت فأين الراجع إلى اسم إنّ قلت هو محذوف تقديره من آمن منهم كما جاء في موضع آخر فقيل هذا على تقدير البدل لا الخبر لوجود الراجع من قوله عليهم، وقيل في الردّ عليه المراد على تقدير ارتفاع من آمن على الابتداء إذ على تقدير كونه بدلاً فخبر أنّ هو قوله لا خوف عليهم وضمير عليهم عائد إلى اسم إق بلا حاجة إلى تقدير محذوف، والعجب ممن توهم العكس.
(قلت) مراد الطيبي رحمه الله أنه على تقدير البدل يحتاج إلى رابط لأنه بدل بعض، ولا
بد فيه من الضمير كما ذكره النحاة، والخبر عن بدل المبتدأ لا عن المبتدأ، ورابطه به موجود، وهو عليهم كما تقول زيد عينه حسنة فإنّ الخبر للبدل لا للمبتدأ على الأفصح الصحيح، وهو وهم لأنه يقتضي أنه إذا كان مبتدأ فالجملة لا تحتاج لرابط وليس كذلك لأن ضمير عليهم وهم لمن، وليس هو الموصول المبتدأ بل بعضه، وكذا الرادّ عليه، وأهم أيضا لأن قوله ضمير عليهم عائد على اسم إن خطأ لأنه على من سواء كان بدلاً أو مبتدا لأنّ من لا خوف عليهم ليس عين ما تقدم بل بعضه، وهذه غفلة عجيبة منهما. قوله:) وقرئ والصابئين وهو الظاهر) لعطفه على اسم إن من غير محذور، وقلبت الهمزة ياء على خلاف القياس، وقوله: بإبدال
الهمزة ألفا يعني من صبا فيصير كرمي
واسم الفاعل منه صاب كرام وجمعه صابون كرامون، وصبا معناه مال لميلهم عن مقتضى الشرع، والعقل. قوله:(جواب الشرط والجملة صفة رسلَا الخ) تسمية كلما كلمة شرط وقع من الفقهاء، وأهل المعقول وقال أبو حيان رحمه الله ليس كلمة شرط بل هو منصوب على الظرفية لإضافته إلى ما المصدرية الظرفية وقال السفاقسي رحمه الله، وغيره سموها شرطا لاقتضائها جواباً كالثرط الغير الجازم فهي مثل إذا ولا بعد فيه، وقيل على كونها صفة إنه لا يساعده المقام لأنّ الجمل الخبرية إذا جعلت صفة أو صلة يفسخ ما فيها من الحكم، ويجعل عنوانا للموصوف، وتتمة له، ولذا وجب أن تكون معلومة الانتساب له ومن هنا كانت قبل العلم بها أخباراً وبعده صفات، ولا ريب أن ما سيق له النظم إنما هو لبيان أنهم جعلوا كل من جاءهم من الرسل عرضة للقتل، والتكذيب حسبما يفيده جعلها استئنافا على أبلغ وجه وآكده لا بيان أنه أرسل إليهم رسلاً موصوفين بذلك، وهو تخيل لا طائل تحته فإنّ قوله، ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل، وأرسلنا إليهم رسلاً مسوق لبيان جناياتهم، والنعي عليهم بذلك كما اعترف به هذا القائل، وهو لا يفيده إلا بالنظر إلى الصفة التي هي المقصود بالإفادة كما في سائر القيود لأنها مرمى النظر وأمّا كونها معلومة فلا ضير فيه فإنك إذا وبخت شخصاً، وقلت له فعلت كيت، وكيت، وهو أعلم بما فعل لا يضرّ ذلك في تقريعه، وتعييره بل هو أقوى كما لا يخفى على الخبير بأساليب الكلام فلا تلتفت إلى مثل هذه الأوهام. قوله: (وقيل الجواب محذوف دلّ عليه ذلك وهو استئناف البيان الجواب المحذوف وتقديره ناصبوه وعادوه، ولم يقدر استكبروا الملفوظ به في الآية الأخرى لأنه أدخل في التوبيخ على ما قابلوا مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم الهادي لهم، وأنسب بما وقع في التفصيل مستقبحا غاية الاستقباح مذكورا بطريق الاستحضار، وهو قتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنّ الاستكبار إنما تقضي إليه بواسطة المناصبة، وأمّا في الآية الأخرى فقد قصد إلى استقباح الاستكبار نظراً إليه في نفسه لاقتضاء المقام، وقد خالف المصنف رحمه الله الزمخشري إذ جعل هذا متعينا لأنه تفصيل لحكم إفراد الجمع الواقع في قوله: {أرسلنا إليهم رسلا، أي كلما جاءهم رسول من الرسل، والمذكور بقوله فريقاً كذبوا الخ يقتضي أنّ الجائي في كل مرّة فريقان فبينهما تدافع، وعلى تقدير قطع النظر عن أفراد هذا المانع لا يحسن في مثل هذا المقام تقديم المفعول مثل إن أكرمت أخي أخاك أكرمت لأنه يشعر بالاختصاص وتقدير الفعل مع النزاع في المفعول، وتعليقه بالشرط يشعر بالشك في أصل الفعل، وقيل: إنه لا بد من الفاء لأنّ محل تأثير الشرط
هو الفعل وتقديم المفعول يبعده عن المؤثر فيحوجه إلى رابط، ولأنه بتقديم المفعول أشبه الجملة الاسمية المفتقرة إلى الفاء كذا قرّره النحرير، وقيل فيه مانع آخر لأن المعنى على أنهم كلما جاءمم رسول! وقع أحد الأمرين لا كلاهما فلو كان جوابا لكان الظاهر أو بدل الواو، والمصنف رحمه الله لم ينظر إلى هذه الموانع أمّا الأوّل فلأنه لقصد التغليظ جعل قتل واحد كقتل فريق، وقيل المراد بالرسول جنسه الصادق بالكثير، وبؤيده كلما الدالة على الكثرة، وأما الثاني فلأنه لا تقتضي قواعد العربية مثله، وما ذكر من الوجوه أوهام لا يلتفت إليها، ولا يوجد مثله في كتب النحو، ومنه علم دفع الأخير.
(أقول) هذا عجيب منه مع تبحره يغفل عن مثل هذا، وقد قال في متن التسهيل، ويجوؤ
أن ينطلق خيرا يصب خلافا للفراء فقال شراحه أجاز سيبويه، والكسائي رحمهما الله تعالى تقديم المنصوب بالجواب مع بقاء جزمه، وأنشد الكسائي رحمه الله تعالى:
وللخيرأيام فمن يصطبرلها ويعرف لها أيامها الخيريعقب
تقدير. يعقب الخير، ومنع ذلك الفراء رحمه الله مع بقاء الجزم، وقال بل يجب الرفع
على التقديم والتأخير أو على إضمار الفاء، وتأوّل البيت بأنّ الخير صفة للأيام كأئه قال أيامها الصالحة، واختار ابن مالك رحمه الله هذا المذهب في بعض كتبه، ولما رأى الزمخشري اشتراك المانع بين الشرط الجازم، وما في معناه مال إليه خصوصا، وقوّة المعنى تقتضيه فهو الحق والمصنف رحمه الله نظر إلى الظاهر، وأنه لا حاجة إلى التقدير
مع أن الآية الأخرى، وهي قوله تعالى:{أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون} [سورة الب! قرة، الآية: 187 تدلّ على التقدير دلالة ظاهرة.
قوله: (د إنما جيء بيقتلون موضع قتلوا الخ) يعني إن كذبوا على أصله، وعدل في يقتلون إلى المضارع لقصد الاستحضار، ولم يقصد الزمخشريّ وجه إلاستمرار الذي ذكره هناك، وهو أنهم بعد يحومون حول قتل محمد صلى الله عليه وسلم، لأنّ هذا خبر عن أسلافهم وإنما يستقيم ذلك في المخاطبين كما في تلك الآية، ولم يقصد ذلك في التكذيب لمزيد الاهتمام بالقتل، والمصنف رحمه الله تعالى ذكر الاستمرار، وأدخل المخاطبين فيه لأن ما صدر عن أسلافهم كأنه صدر منهم لارتضائهم واقتفائهم أثرهم، ولا منافاة بين استحضار الحال الماضية، والاستمرار لأنه لما قدر أنه شوهدت تلك الحال واستمرارها فيهم عبر عنها بالمضارع لذلك فلا يقال الظاهر أو تنبيهاً للمنافاة بينهما لكن الظاهر المغايرة بينهما لأنّ المراد إما حكاية الحال الماضية أو الاستمرار أي فريقاً تقتين حبعد لأنكم حول قتل محمد-لجببرو، واقتصر العلامة هنا على حكاية أسلافهم لقرينة ضطلؤا الغيبة، وترك تلك الآية على الاحتمالين لقرينة ضمائر
المخاطبين ليكون توبيخاً، وتعييراً للحاضرين بفعل آبائهم، ولذا عقبت هذه الآية بقصة عيسى عليه الصلاة والسلام فتأمل. قوله:(أن لا يصيبهم بلاء وعذاب الخ) يعني المراد بالفتنة هنا البلاء لا معناها المعروف وأن الخفيفة كما ذكر في النحو إن وقعت بعدما يفيد اليقين فهي مخففة من الثقيلة، وان وقعت بعدما لا يفيد يقيناً، ولا ظناً فهي مصدرية، وان وقعت بعدما يفيد الظن احتملت الوجهين لإجرائه مجرى العلم لقوّته، وتنزيله منزلة غيره لعدم إفادة اليقين، وحسب من هذا القبيل لأنها بمعنى قدر وظن، وهي تنصب مفعولين سدت إنّ وما بعدها مسدهما لاشتماله على مسند، ومسند إليه وقيل إن حسب بمعنى علم هنا، وانها لا تخفف إلا بعدما يفيد اليقين، واسمها ضمير شأن محذوف، وكان تامّة وقيل: إنّ المفعول الثاني محذوف هنا أي حسبوا عدم الفتنة كائنا، وهو منقول عن الأخفش رحمه الله تعالى ومذصب الجمهور ما ذكر، واعلم أنّ هذا كله إنما يتم إذا قلنا كلما شرطية وقد منعه أبو حيان، وقال إنها في معنا. فتعامل معاملته، وهو الحق. قوله:(ثم تابوا فتاب الله عليهم) أي قبل توبتهم، وأثابهم عليها وذلك إنما يكون بعد توبتهم فلذا قدره، وقوله: كرة أخرى عدل عن قول الزمخشريّ بطلبهم المحال، وهو الرؤبة لأنه مع ما فيه من الاعتزال تكلف لأنّ طلب الرؤية منهم لم يكن بعد عبادة العجل فإن طلبها كان من الذين كانوا مع موسى صلى الله عليه وسلم في الطور، وعبادة العجل كانت من المتخلفين عنه إذ ذاك، ولذا قيل إن ثم فيه حينئذ للتراخي الرتبي لا الزماني. قوله:(وقرئ بالضم فيهما على أنّ الله عماهم الخ) الظاهر أنّ عماهم في عبارة المصنف رحمه الله تعالى بالتشديد لأنه ثبت في اللغة عما يعميه أي صيره أعمى، والذي في عبارة الزمخشريّ مخفف فإنه قال على تقدير عماهم الله، وصمهم أي رماهم وضربهم بالعمى، والصمم كما يقال نزكته إذا ضربته بالنيزك، وهو رمح قصير معرب من مصغر نزه لكن قال أبو حيان إنه لم يسمع عماه وصمه، والزمخشريّ أعرف منه باللغة لكنه لغة قليلة كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والمعروف تعديته بالهمزة، وقد يعدي بالتضعيف فعموا بضم العين، والميم وصموا بضم الصاد والميم مبني للمفعول ويصح أن تقرأ عبارة المصنف رحمه الله تعالى عماهم، وصمهم فتكون مطابقة لعبارة الزمخشريّ. قوله:(بدل من الضمير أو فاعل الخ) على البدلية الضمير إما عائد على ما قبله أو غير عائد عليهم بل على الكثير مفسر به لأنه في هذه الصورة يجوز عود الضمير
على المتأخر كما مر أو هو فاعل، والواو علامة الجمع لا ضمير، وهذه لغة لبعض العرب يعبر عنها النحاة بأكلوني البراغيث أو هو خبر مبتدأ محذوف واختلف في تقديره فقدره بعضهم العمي، والصم كثير منهم، ومنهم من قدره العمي، والصمم كثير منهم أي صادر منهم والظاهر الأوّل، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله:(وقيل مبتدأ والجملة قبله خبره الخ) وضعفه المصنف رحمه الله تعالى بأنّ الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ لالتباسه بالفاعل فلا يقال في زيد قام قام زيد على أنه مبتدأ، وخبر ورد بأن منع التقديم مشروط بكون الفاعل ضميراً مستترا
فإنه لا يلتيس إذا كان بارزا فإن قيل إنه يلتبس بالفاعل في لغة أكلوني البراغيث أيضا قيل إنها لغة ضعيفة لا يلتفت إليها، وقد قالوا إنه لا يجوز تقديم الخبر فيما يصلح المبتدأ أن يكون تأكيدا للفاعل نحو أنا قمت فإن أنا لو أخر التيس بتأكيد الفاعل، وما نحن فيه مثله في الالتباس إلا أن الالتباس هنا بتابع آخر أعني البدل لكن النحاة صرحوا بجواز التقديم في مثل الزيد إن تاما، ولا التفات إلى اللغة الضعيفة لكن الجواز لا ينافي الضعف، وامتناع المثل يصلح وجها للضعف، ولذا قال المصنف رحمه الله لأنّ تقديم الخبر الخ، وقد أشار إليه الرضي فلا يرد ما ذكر. قوله:(والله بصير الخ) حمله على المجازاة لأنّ المطلع على من خالفه ينتقم منه، ويجازيه على ما فعل، ثم لا يخفى موقع بصير هنا مع قوله عموا، وقوله وفق أعمالهم منصوب على نزع الخافض أي على وفقها، ومقدارها. قوله:(أي إني عبد مربوب مثلكم الخ) أي مملوك مخلوق لأنّ الرب يكون بمعنى المالك والخالق، والمماثلة من العطف، وترتب العبادة على ذلك يؤخذ من التعليق بالرب، وقوله أو فيما يختصى به من الصفات رد على النصارى القائلين بحلول صفة العلم فيه، واعياء الموتى بالذات من عيسى صلى الله عليه وسلم. قوله:(يمنع من دخولها) يعني أنّ التحريم هنا مجاز مرسل أو استعارة تبعية للمنع إذ لا تكليف ثمة. قوله: (وما لهم أحد ينصرهم من النار) أي يمنعهم منها، وخصه ليناسب ما قبله، ولو أطلق لكان له وجه وجيه، وأشار بقوله أحد إلى أن القصد إلى التعميم ونفي الجنس لا نفي الجمع حتى يتوهم غيره، والظاهر أنه يلزم من نفي الجمع نفي الواحد لأنه إذا لم ينصرهم الجم الغفير
فكيف ينصرهم الواحد منهم، ونقل عن الزمخشرفي أنه بناء على زعمهم أنّ لهم أنصاراً كثيرة فنفي ذلك تهكما بهم، وقيل إنه من مقابلة الجمع بالجمع، وأذا كان من كلام عيسى صلى الله عليه وسلم وضع فيه الظاهر موضع ضمير الخطاب كما في الكشاف، وعليه أيضا فالمعنى لا ينصرهم بل يعاديهم فكيف غيره، وليس معناه كما قيل إنّ تعظيم عيسى صلى الله عليه وسلم صار سببا لكونهم ظالمين لا ناصر لهم فما حال من عظم مخلوقا نازل الدرجة. قوله:(وهو حكاية عما قاله النسطورية الخ) قد مر الكلام في معنى الأقانيم، وانّ منهم من قال بتجسمها، وهو الظاهر من كلام المصنف رحمه الله، وقوله ة وما سبق أي قوله إنّ الله هو المسيح. قوله:(وما في الموجودات واجب مستحق للعبادة الخ) أي ما من إله إلا وهو موصوف بالوحدة إذ التعدد يستلزم انتفاء الألوهية كما ثبت ببرهان التمانع فإذا نافى مطلق التعدد فما ظنك بالتثليث وقوله: (ومن حيث إنه مبدأ جميع الموجودات) تعليل لا تقييد لأنّ قيد الحيثية يستعمل للتعليل والتقييد والإطلاق كالإنسان من حيث هو إنسان قابل للعلم، وصنعة الكتابة فلا يرد عليه إنه تعالى مستحق للعبادة استحقاقا ذاتياً فالأولى ترك هذا القيد، وقوله متعال عن قبول الشركة إشارة إلى حصر الوحدة فيه على أبلغ وجه يفيد عدم قبوله للشركة فكما انتفى وجود الشركة انتفى إمكانها أيضا، وقوله ومن مزيدة للاستغراق قالوا في وجهه لأنها في الأصل من الابتدائية حذف مقابلها إشارة إلى عدم التناهي فاصل لا رجل لا من رجل إلى ما لا نهاية له، وبني اسمها لتضمن من لأنها الدالة على العموم كما ذهب إليه السكاكي قيل لو كان تقدير من يقتضي البناء بني المضاف وردّ بأنه فرق بين تقدير حرف، وتضمن معناه. قوله:(وإن لم ينتهوا عما يقولون ولم يوحدوا) ما قالوا هو التثليث، ونحوه من الكفر، والانتهاء له معنيان قبول النهي والفراغ، وبلوغ النهاية وعليهما فمعناه إن لم يرجعوا عما هم عليه إلى خلافه، وهو التوحيد والإيمان. قوله:(أي ليمسن الذين بقوا منهم على الكفر) يعني أنّ هذا إمّا من وضع الظاهر موضع المضمر فالمراد بالذين كفروا النصارى، ومن بيانية أو ليس منه، والذين كفروا بمعنى الثابتين على الكفر فمن تبعيضية فقوله وضعه موضع الخ مبني على الثاني، وقدم الأوّل لعدم مخالفته لمقتضى الظاهر. قوله: (تكريرا
للشهادة الخ) تعليل لوضع الظاهر موضع المضمر لما ذكر، وقوله: وتنبيهاً تعليل للوجه الآخر على اللف والنشر المشوس، ووجه التعقيب إذا فسر الذين كفروا بمن بقي على الكفر ظاهر، وكذا على الوجه
الآخر لأنّ المعنى أن الكفار مستحقون للعذاب فينبغي الرجوع، والتوبة عن الكفر ليسلموا منه، وتوبة الكفار هي الإسلام فلذا فسرها بقوله بالانتهاء الخ، وكذا طلب المغفرة للكفر إنما يكون بتنزيها لله عما اعتقدو.، وقوله بعد هدّا التقرير، والتهديد تصريح بوجه التعقيب على إطلاق الكفر فافهم. قوله:(يغفر لهم الخ) إشارة إلى ارتباطه بما قبله، وقوله: تعجب من إصرارهم هو على تفسير الذين كفروا بمن بقوا على الكفر، وصرّح به لأنّ عدم التوبة يقتضي الإصرار، وترك الأوّل لظهوره إذ المعنى لا يبادرون إلى التوبة كقوله تعالى:{ألم يأت للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم} . قوله: (ما هو إلا رسول كسائر الرسل قبله الخ) يعني ليس كما يزعم النصارى بل هو كغيره من رسل البشر لأنّ ما اشتبه عليهم وقع ما هو أعظم منه لغير. من الأنبياء فإنه أحيا من مات من الأجسام التي شأنها الحياة، وموسى صلى الله عليه وسلم أحيا الجماد، ونبينا صلى الله عليه وسلم فإنه أحيا من مات من الأجسام التي شأنها الحياة، وموسى صلى الله عليه وسلم أحيا الجماد، ونبينا صلى الله عليه وسلم نطق له الحجر والشجر، وعيسى صلى الله عليه وسلم خلق من غير أب، وآدم صلى الله عليه وسلم خلق من غير أب وأم، وهذا أغرب. قوله:(وأمّه صديقة الخ) يعني أنّ هذه صيغة مبالغة كشريب كما صرح به النحاة، ومن غفل عنه قال لم يعدّوا فعيلاً من صيغ المبالغة، وكونه من الصدق أرجح ولذا قدمه المصنف رحمه الله لأنّ صيغ المبالغة القياس فيها الأخذ من الثلاثيّ لكن قوله، وصدقت بكلمات ربها يؤيد أنه من المضاعف، وعدل عن قول الزمخشريّ، وما أمّه أيضا إلا صديقة كبعض النساء لأنه ليس في النظم ما يفيد الحصر، وقال النحرير الحصر مستفاد من المقام، والعطف والأوّل ظاهر، وأمّا الثاني فيقتضي أنّ ما زيد إلا كريم، وأبوه شريف يصح أن يقال! إنه يصح ادّعاء الحصر في المعطوف، ولا بعد فيه وقوله كسائر النساء رد على النصارى، وما نسبوه لمريم. قوله:(ويفترقان إليه افمكار الخ) يعني أنه بين أولاً أقصى مراتب كمالهما، وأنه لا يقتضي الألوهية، وقدمه لئلا يواجههما بذكر نقائص البشرية الموجبة لبطلان ما ادعوا فيهما على
حد قوله تعالى: {عفى الله عنك لم أذنت لهم} [سورة التوبة، الآية: 43] حيث قدم العفو على المعاتبة له صلى الله عليه وسلم وكونهما من عداد المركبات مأخوذ من التغذي الذي يتولد منه الأخلاط التي يتركب منها البدن ومنها قوامه، والكائنة بمعنى المحدثة، والفاسدة بمعنى الفانية لأن الفناء بفساد التركيب، ومنه قولهم عالم الكون والفساد، وقوله: ثم عجب أي بين ما يتعجب منه الناظر لحالهم، والواقف عليها فإن المراد من الأمر بالنظر التعجب كما تقول انظر إلى زيد يسير إليّ مع إحسانه. قوله:(كيف يصرفون عن استماع الحق الخ) يعني أني هنا بمعنى كيف، ويؤفكون بمعنى يصرفون. قوله:(وثم لتفاوت ما بين العجبين الخ) ويصح أن يكون لبيان استمرار زمان بيان الآيات وامتداده. قوله: (يعني عيسى عليه الصلاة والسلام وهو وإن ملك الخ) محصله أنّ معنى الآية أتعبدون شيئا لا يستطيع مثل ما يستطيعه الله أو شيئا لا استطاعة له أصلا لأن كل ما يستطيعه البشر بإيجاد الله، واقداره عليه، وهو جواب لما يقال كيف يكون المراد بما لا يملك عيسى صلى الله عليه وسلم، وهو ضارّ لهم نافع بإحياء الموتى، وغيره فأجاب بأن ضره، ونفعه كالإبراء، والأحياء بأمر الله، وتقديره على أنه ليس كضر الله، ونفعه فلا وجه للاستدلال به على مدعاهم ولا ينافي نفيه فإنّ الملك، والاستطاعة بالذات أو الفرد العظيم منهما المخصوص بالله فعلى الأوّل النفع والضرّ على عمومه والتأويل في نفيه، وعلى الثاني مخصوص، ولا تأويل في نفيه عنه. قوله:(نظرأ إلى ما هو عليه في ذاته الخ) يعني المراد بما عيسى، وأمه فكان الظاهر من فأشار إلى أنه في أوّل أمره كان نطفة، ومضغة لا يعقل، وهو بعد ذلك لا عقل له في ذاته لو لم يخلق الله فيه القوّة العاقلة، وعبر به لأنه نفي عنه بعدها القدرة على الضر، والنفع لأنّ معنى يملك يستطيع، ويقدر فذكرت ما توطئة له ومناسبة معه،
وقوله رأسا يعني بالكلية أعم من الضرّ، والنفع أو أنه من جنس ما لا يعقل لكونه حيوانا أو جسماً فعبر عنه بما ليعم جنسه، ومن كان بينه، وبين غيره مشاركة وجنسية كيف يكون إلها، وقيل إنّ المراد بها كل ما عبد كالأصنام، وغيرها فغلب ما لا يعقل تحقيراً، وقوله: فيجازي عليها فهو القادر على الضر والنفع لا غيره، ولو صرح به لكان أنسب. قوله:(أي غلوا باطلَا) يعني غير الحق صفة مصدر
أي غلوا غير حق، ولوصيفه به للتوكيد فإن الغلو لا يكون إلا غير حق، وقيل إنه للتقييد لأنه قد يكون غير حق، وقد يكون حقا كالتعمق في المباحث الكلامية، والخطاب لأهلى الكتاب مطلقاً كما أشار إلى النصارى بقوله: فترفعوا عيسى عليه الصلاة والسلام، وإلى اليهود بقوله:(أو تضعوه الخ) والقول الثاني يخصه بالنصارى، والإهواء جمع هوى، وهو الباطل الموافق للنفس. قوله:(شايعهم) ، وفي نسخة يشايعهم والمشايعة المتابعة، وفسر ضلوا في الموضعين بما يدفع التكرار، وقوله عن سواء السبيل الظاهر تعلقه بالأخير فيكون المراد به الإسلام، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله، وجعله النحرير متعلقا بالثلاثة فعليه يكون مراد المصنف رحمه الله بيان المراد به الأخير وأيلة بفتح الهمزة، وسكون الياء التحتية موضع قريب من بيت المقدص. قوله:(أي ذلك اللعن الشنيع الخ) ترك قول الزمخشريّ أي لم يكن ذلك اللعن الشنيع الذي كان سبب المسخ إلا لأجل المعصية، والاعتداء لأنه ليس في الكلام ما يفيد الحصر، وان قال النحرير: إنه استفيد الحصر من العدول عن جعله متعلقا بلعن إلى الجملة الاسنئنافية المقولة في جواب بأيّ سبب كان ذلك اللعن فوجب أن يكون ذلك هو السبب لا غير ليتم الجواب، وقيل الحصر من السببية لأنّ المراد منها السبب التام، وهو يفيد ذلك، وقد تقدم له ما يدل على ذلك في قوله فبما نقضهم ميثاقهم، وقوله: واعتدائهم ما حرم عليهم أي تجاوزهم إليه. قوله: (أي لا ينهي بعضهم بعضاً الخ الما
كان فعلوه يقتضي أنّ النهي عما وقع والنهي لا يتصوّر فيه، وإنما يكون عن الشيء قبل وقوعه أوّلوه بأنّ المراد النهي عن العود إليه، وهذا إما بتقدير مضاف قبل منكر أي معاودة منكر يفهم من السياق أو بأن المراد مثله أو فعلوه بمعنى أرادوا فعله كما في {فإذا قرأت القرآن فاستعد} [سورة النحل، الآية: 98] أو التناهي بمعنى الامتناع، والكف لأنّ أصل معناه بلوغ النهاية وبها الفراغ، وقيل إنما يتوجه هذا السؤال لو كان في الكلام دلالة على وقوع الفعل حال اعتبار تعلق الفعل به إذ لا خفاء في صحة قولنا كانوا لا ينهون يوم الخميس عن منكر فعلوه يوم الجمعة، وكذا الكلام فيما إذا أريد لا ينتهون، ولا يمتنعون فإن الانتهاء عما فعل لا يتصوّر فهو لا يصلح جواباً، وقيل الانتهاء عن الشيء عبارة عن أن لا يفعل مرة أخرى ولك أن تقدّر فعلوا مثله، ولو جعل المعنى في فعلوه بالنسبة إلى زمان الخطاب لم يحتج إلى تأويل ولسان داود وعيسى صلى الله عليه وسلم بمعنى لسانيهما كما مرّ، وأفرد لعدم اللبس إن أريد باللسان الجارحة وقيل المراد به الكلام، وما نزل عليهما. قوله:) تعجيب من سوء فعلهم الخ) يعني أنّ اللام هنا جواب فسم مقدر، وجعل التأكيد للتعجيب، وهو ظاهر لأنه يقتضي أنه تعجيب عظيم، ولا بأس به، وقيل الأولى أن يجعل التأكيد للفعل المتعجب منه. قوله:(لبئس شيئاً قدّموا الخ) قدموا إشارة إلى أنّ أنفسهم عبارة عن ذواتهم، وأعينهم، وتقديمهم له فعله في الدنيا قبل جزائه، وما نكرة تمييز، والمخصوص بالذم المصدر المؤوّل. قوله:(هو المخصوص بالذم والمعنى موجب سخط الله الخ الهم في إعرابها وجوه فقيل إن سخط الله مرفوع على البدل من المخصوص بالذم، وهو محذوف جملة قدّمت صفته، والتقدير بئس الشيء شيء قدّمته لهم أنفسهم، وهو سخط الله، ونقلوا هذا عن سيبويه رحمه الله، وقيل إن سخط هو المخصوص بالذم، واعرابه مذكور في النحو، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله تبعا للزمخشريّ، وقدر قبله مضافأ أي موجب سخطه لأنّ نفس سخط الباري باعتبار إضافته إليه ليس مذموما بل ما أوجبه من الأسباب، وهي ملاحظة حسنة، وهذا إنما يصح على جعل ما موصولة أو تمييزاً، وقيل هو في محل رفع بدل من ما إن قلنا إنها معرفة أو في محل نصب منها إن كانت تمييزاً ورد بأنه معرفة فكيف يبدل من التمييز أو من ضمير قدمته المحذوف وقيل إنه على تقدير الجار أي لأنّ سخط الله فالمخصوص محذوف، واليه أشار المصنف بقوله أو علة الذم الخ. قوله: (والخلود في العذاب) قيل عليه
إن تأويل الجملة بالمصدر يقتضي أنها مندرجة تحت حرف المصدر، وهو لا يوصل بالاسمية، ولا سبيل إليه، وكذا قوله لأن كسبهم السخط، والخلود إلا أن تجعل أن مخففة من الثقيلة، وبعدها ضمير شأن مقدّر أو معطوفة على ثاني مفعولي ترى وهي علمية فإنه جوّز فيها أن تكون علمية وبصرية بالنسبة إليهم، والى أسلافهم، ولا يخفى بعده، وأنه تعسف لا حاجة
إليه فإنّ قوله وفي العذاب هم خالدون جملة حالية مقدرة، ومثله يفسر معناه بتأويل المصدر فإذا قلت جاء زيد، والأمير راكب معناه وقت ركوب الأمير، ولا يحتاج إلى حرف مصدري فإنه توجيه للمعنى، وكسب متعد بمعنى أولاهم السخط، والخلود، والحال قيد تنشأ من عاملها وتتسبب عنه نحو طلعت الشمس، وهي منيرة فتدبر، وقوله إذ الإيمان يمنع ذلك أي يمنع موالاة المشركين، وفسر الفسق بالخروج لما مرّ. قوله:(لشذّة شكيمتهم وتضاعف كفرهم الخ) يقال فلان شديد الشكيمة إذا كان لا ينقاد لأحد، وأصل معنى الشكيمة الحديدة التي توضعفي فم الفرس فإنه إذا كان حروفاً جعلت غليظة شديدة لتضبطه فلذا استعير للحمية والأنفة قال:
أنا ابن سيارعلى شكيمه إنّ الشراك قدمن أديمه
قال في الأساس، وهذا من الإيماض في الاستعارة إلى أصلها حيث جعل المزاولين للعدّ ملجمين، وتضاعف الكفر زيادته، والركون الميل، والتمرّن الاعتياد. قوله:(الذين قالوا إنا نصارى للين جانيهم الخ) في الانتصاف لم يقل النصار! مع أنه أخصر تعريضا بصلابة اليهود في الكفر، والامتناع عن الانقياد لأنّ اليهود لما قيل لهم ادخلوا الأرض المقدّسة قالوا:{فاذهب أنت وربك فقاتلا} [سورة المائدة، الآية: 24]، والنصارى:{قالوا نحن أنصار الله} [سورة آل عمران، الآية: 52] فلذلك سموا نصارى فأستد إلى قولهم هنا تنبيهاً على انقيادهم، وهناك تنبيها على أنهم لم يثبتوا على الميثاق فهذا سره. قوله:(وإليه أشار بقوله ذلك بأنّ منهم قسيسين الخ) وجه الإشارة أن كون بعضهم له اهتمام بالعلم، والعمل وجملتهم لا يستكبرون عن الحق يقتضي كون جملتهم أقرب إلى الحق، وأهله وقيل إنّ مذهب اليهود أنه يجب إيصال
الثر إلى من خالف دينهم بأقي طريق كان من القتل، وغيره وهو عند النصارى حرام، ولذا ورد في الحديث:" ما خلا يهودي بمسلم إلا هتم بقتله ". قوله: (والفيض انصباب عن امتلاء الخ (يعني معناه تمتلئ من الدمع حتى تفيض لأنّ الفيض أن يمتلئ الإناء حتى يسيل ما فيه عن جوانبه فوضع الفيض موضع الامتلاء بإقامة السبب مقام المسبب أو قصد المبالغة فجعلت أعيهم بأنفسها تفيض من أجل البكاء، والدمع يكون مصدر دمعت العين واسما لما يسيل منها، وفي الانتصاف أنّ هنا ثلاث اعتبارات أبلغها هذه.
فالأولى: فاض دمع عينه، وهي الأصل.
والثانية: فاضت عينه دمعا حوّل الإسناد إلى العين مجازا، ومبالغة ثم نبه على الأصل، والحقيقة بنصب ما كان فاعلاً على التمييز، والثالثة فيها هذا التحويل، وابراز التمييز في صورة التعليل كما نحن فيه، وهو أبلغ لبعده عن الأصل، وعدم ذكر الفاعل فيه، ومن تعليلية، وقيل أراد أن الدمع على الأوّل هو الماء المخصوص، وعلى الثاني الحدث، وهو على الأول مبدأ مادي، وعلى الثاني سببيّ، وقد جوّز في سورة براءة في قوله تعالى:{تولوا أعينهم تفيض من الدمع حزنا} أن يكون من الدمع بيانا كقوله أفديك من رجل، وان كان الأكثر في هذا القسم من البيان أن يأتي منكرا ا!.
وما ذهب إليه ثمة من كون من بيانية، وأنها التي تدخل على التمييز مردود، وان كان الكوفيون ذهبوا إلى جواز تعريف التمييز، وأنه لا يشترط تنكيره كما هو مذهب الجمهور لأن التمييز المنقول عن الفاعل يمتنع دخول من عليه، وإن كانت مقدرة معه فلا يجوز تفقأ زيد من شحم فامتنع أن يكون تمييزا، وما ذهب إليه الزمخشري ثقة مخالف لكلامهم كما في الدر المصون فلا يصح قياسه على المثل الذي ذكره لأنه مفعول، وسيأتي بيانه في محله. توله:) من الأولى للابتداء والثانية لتبيين ما عرفوا الخ) أي من الأولى لابتداء الغاية، والثانية تحتمل البيانية، والتبعيضية كما قال الزمخشرفي: الأولى لابتداء الغاية على أنّ فيض الدمع ابتدأ ونشأ
من معرفة الحق، وكان من أجله، وبسببه، والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا، وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم، وبلغ منهم فكيف إذا عرفوه كله، ولم يتعرض لما يتعلق به الجاران لكن في كلامه إشارة إليه فمن الأولى متعلقة بمحذوف على أنه حال من الحق أي حال كونه ناشئا من الحق، واليه أشار بقوله على أنّ فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق، ولا يجوز تعلقه بتفيض لئلا يتعلق حرفا جر بمعنى بعامل واحد فمان من في من الدمع
ابتدائية إلا أن يقال إنها بيانية أو بمعنى الباء، وأما من الحق فعلى البيان متعلق بمحذوف، وعلى التبعيض بعرفوا، وهو معنى قوله عرفوا بعض الحق لا أنه إشارة إلى أنه مفعول به كما قيل، ويجوز أن تكون تعليلية أي فيض دمعهم بسبب عرفانهم، وفي كلامه إشارة إليه وقوله:(عرفوا كله) الأفصح عرفوه كله لأنّ كل المضافة للضمير لا تقع في فصيح الكلام إلا تأكيداً أو مبتدأ، ولا يعمل فيها ما قبلها.
قوله: (أو من أمته الذين هم شهداء) إشارة إلى قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] وقد مرّ تفسيره وقوله استفهام إنكار، واستبعاد تحقيقا لإيمانهم كأنهم قالوا آمنا، ولا شبهة في إيماننا لأن عدم الإيمان في كمال الاستبعاد مع قيام الداعي، وهو الطمع في الدخول في زمرتهم، والانتظام في سلكهم والانخراط مع الصالحين بمعنى الانضمام معهم، والعذ منهم يقال انخرط فلان على القوم إذا جاءهم، ودخل معهم. قوله:(أو جواب سائل قال لم آمنتم الخ) قيل عليه أنّ علماء النحو، والمعاني صرحوا بأن الجملة الاستئنافية الواقعة جواب سؤال مقدر لا تقترن بالواو ولا بد فيها من الفصل إذ الجواب لا يعطف على السؤال وما قيل في الجواب عنه أنّ الواو زائدة، وقد نقل عن الأخفش إنها تزاد في الجملة المستأنفة أو هو عطف على جملة محذوفة هي الجواب المستأنف تقديره ما لكم لا تؤمنون، وقد جاءكم الحق، والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهركم لا يتوجه إلا ب! ثبات اقتران مثلها بالواو، وقد وقع مثله في الكشاف في مواضع، وكونها معطوفة على مقدر ينافي كونها جوابا، وقيل الظاهر عطفه بالواو، لأنّ كونه جوابا لا ينافي الاستفهام الإنكاري فتأمل. قوله:(ولا نوّمن حال من الضمير الخ) ما استفهامية مبتدأ ولنا خبره، ولا نؤمن جملة حالية، وهي حال لازمة لا يتم المعنى بدونها نحو فما لهم عن التذكرة معرضحين ولذا لا يصح
اقترانها بالواو في مالنا، وما بالنا لا نفعل كذا لأنها خبر في المعنى، وهي المستفهم عنها، وقوله وذكره توطئة وتعظيما هذا على الوجه الثاني وهو أنّ المراد بكتابه ورسوله لأنه هو الذي جاءهم من الحق لكن لما كان المقصود من الإيمان بهما الإيمان بالله قدم ذكره عليهما، وهي حال عاملها معنوفي وهو الجار والمجرور أو متعلقه. قوله:(ونطمع عطف على نؤمن الخ) قدر المبتدأ على تقدير الحالية لأنّ المضارع المثبت لا يقترن بالواو، وعلى العطف فهو عطف على المنفي أو النفي فإذا عطف على المنفي فظاهر وان عطف على النفي فالطمع ليس بمنكر، ولذا جعلوا الإنكار، والاستبعاد للجمع ينهما أي كيف نطمع في ذلك، ونحن غير مؤمنين، وقيل يحتمل أن يكون معطوفا على لا نؤمن بأن يكون عطفاً على النفي أي نجمع بين عدم الإيمان، وبين الطمع أو على المنفي أي لسنا نجمع بين الإيمان، وبين الطمع، وذلك الجمع بالدخول في الإسلام لأنّ المسلم هو الذي ينبغي أن يطمع في صحبة الصالحين، وما ذكر صاحب التقريب من أنه على الأول ورد الجمع على النفي، وعلى الثاني ورد النفي على الجمع يوهم أن الأول لجمع منفيين، وليس كذلك بل هو جمع، ونفي إثبات انتهى، وفيه أمران الأول أنه على المنفيّ لا حاجة إلى اعتبار الجمع لأنه إنما اعتبر في العطف على النفي لأنّ الطمع في إدخال الله لهم في زمرة الصالحين ليس بمنكر فلذا صرف الإنكار فيه إلى الجمع ليصير المعنى كيف يطمع في إدخال الله لهم في زمرة الصالحين مع عدم الإيمان، وأما إذا عطف على المنفي فإنكار نفي الطمع في إدخالهم في زمرتهم مستقيم من غير نظر إلى معنى الجمع الثاني أن ما جعله، وهما ليس كما قال: فإنّ معناه أنّ الجمع المنكر فيه اعتبر بعد تقرر النفي، وإذا عطف عليه بعد ما نفى فقد ورد الجمع الذي أفاده العطف على النفي أي طرأ عليه وجاء بعده، وإذا عطف على المنفي فالنفي وراد عليهما، وعلى الجمع ولا وهم فيه، وقول المصنف رحمه الله تعالى عطف على نؤمن ظاهر في عطفه على المنفي، ويحتمل الوجه الآخر. قوله:(والعامل فيها عامل الأولى مقيدا بها أو نؤمن) أي الظرف أو متعلقه، وشمى عاملاً معنويا عندهم، ولما ورد على هذا كما في البحر أن العامل لا ينصب أكثر من حال! واحدة إذا كان صاحبها مفردا دون بدل أو عطف إلا أفعل التفضيل على الصححيح لأنه كتعلق حرفي جر لأنه بمعنى في حال كذا، ولذا قيل إنه مبيّ على رأي من إجاز تعددها مطلقا أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أن الحال الأولى منه
وهو مطلق، والثانية بعد اعتبار تقييده فعامله متعدد معنى كما في رزقوا منها من ثمرة، وأفعل التفضيل فكأنه قيل كيف عدم الإيمان في حال الطمع المذكور، وهذه حال مترادفة، ولزوم الأولى لا يخرجها عن الترادف، وإذا كانت من فاعل نؤمن فهي متداخلة، وقيل معنى كلام المصنف رحمه الله تعالى أنها لو جعلت حالاً مستقلة، ولم يعتبر التقييد كان المآل مآلنا، ونطمع، ولا إنكار، ولا استبعاد للطمع بدون عدم للإيمان، وعبارة المصنف رحمه الله
تعالى نائية عنه فانها توجيه للعمل لا لصحة المعنى، وما ذكره لازم أيضاً لأنه إنما ينكر الحال الثانية بعد إنكار الأولى لأنها لازمة بل هي معتبرة من إجزاء الجملة الأولى كما مر، وقيل إنّ في صحة قولنا ما لنا، ونحن نفعل كذا بالواو الحالية نظراً بالنظر إلى الاستعمال، وأنّ الحالين على الأوّل لا متداخلتين، ولا مترادفتين لعدم صحة ذكر الثانية بدون الأولى، وعدم كونها حالاً عما هي حال عنه، ولتسم هاتين حالين متلاصقتين فالحالان المتعاقبتان ثلاثة أقسام اهـ يعني أنّ الحال الواقعة بعد ما لنا، وما بالنا لا يصح اقترانها بالواو لأنها لازمة، والإنكار منصب عليها، وبها تمام الفائدة كما ذكره النحاة، وعليه قوله:
مابال عينك منها الماءينسكب
وقد ذكر مثل هذا في سورة آل عمران حيث اعترض على قول الكشاف ما باله وهو آمن،
وهذا من فوائده التي تفرّد بها لكنها كلمة حق أريد بها باطل لأنه مسلم في الحال الأولى المتوقف عليها تمام الكلام، وأما إذا جاء بعدها حال أخرى فضلة فالسماع فيها خلاف ما ذكره والدراية تقتضيه كقول جرير:
ما بال وجهك بعد الحلم والدين وقد علاك مثيب حين لا حين
وكقول الآخر وقد أنشده ابن الأعرابي:
وقائلة ما باله لا يزورها وقد كنت عن تلك الزيارة في شغل
وقد مر لنا كلام فيه في سورة آل عمران، وأما ما ذكره في تثليث الحال فقد علمت رده،
وكذا قوله ليست حالاً عما هي حال عنه لا وجه له. قوله: (اي عن اعتقاد من قولك الخ) في الكشاف بما تكلموا به عن اعتقاد، واخلاص من قولك هذا قول فلان أي اعتقاده، وما يذهب إليه، وقال النحرير: أوّل كلامه يشعر بأنّ القول حقيقة لكنه مقيد بأن يكون عن اعتقاد واخلاص، وآخره يشعر بأنه مجاز عن المذهب، والرأي والاعتقاد وبالجملة فالقصد إلى أنّ الإثابة ليست بمجرّد القول وأجيب بأن مراده أنه حقيقة لأنه الأصل وأنّ القول إذا لم يقيد بالخلو عن الاعتقاد يكون المراد به المقارن للاعتقاد كما إذا قيل هذا قول فلان لأنّ القول إنما يصدر عن صاحبه لإفادة الاعتقاد، وعبارته أحسن، ولذا عدل عنها. قوله:(أحسنوا النظر والعمل الخ) الأول مخصوص، والثاني عام أو الأول نظر إلى إفادة الحدوث، وتقدير معمول والثاني إلى إلحاقه بالأسماء، وعدم تقدير متعلق، والآيات الأربع هي من قوله، وإذا سمعوا إلى هنا، وقوله:(روي أنها نزلت الخ) هو حديث أخرجه ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، والواحدي من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث
ابن هثام، وعروة بن الزبير رضي الله عنه مرسلاً فلا وجه لقول العراقي في التخريج أنه لم يقف عليه، وانكاره له، وكذا ما بعده أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير. قوله:(عطف التكذيب بآيات الله الخ) المراد بالمصدقين من سبق ذكرهم لأنه تعالى أثابهم بما قالوه، وهو الصدق النافع فذكر هؤلاء بعدهم ليتم الوعد، والوعيد:
وبضدّها تتبين الأشياء
قوله: (أي ما طاب ولذ منه الخ الذا عطف تفسير لأنّ الطيب يستعمل في القرآن بمعنى الحلال، وبمعنى اللذيذ فأشار إلى أن المراد الثاني بقوله ما أحل الله، وتضمن ما قبله لما ذكر يفهم من مدحهم بأنهم رهبان، وجعل الحلال حراما لأنهم لا يقربون النساء، ولا يأكلون اللحوم، ويجعلونها محرمة عليهم ولا ينافيه أنه مدحهم بذلك لأنه كان في دينهم ممدوحا ورب ممدوح بالنسبة إلى قوم مذموم بالنسبة إلى آخرين فلا يرد عليه شيء كما توهم وجعل الاعتداء عبارة عن تحريم الحلال فيكون تأكيدا لقوله:{لا تحرموا} الخ، وفي التوجيه الثاني عن تحليل الحرام بعد النهي عن تحريم الحلال فهو تأسيس، وسيأتي جعله بمعنى النهي عن الإسراف في الحلال
وقال النحرير إنه أشار في الكشاف إلى أربعة معان للاعتداء تجاورّ حد الشرع أو حد الاعتدال في الإنفاق أو الظلم على الإطلاق أو مقيداً بتحريم الطيبات. قوله: (ويجوز أن يراد به ولا تعتدوا الخ) فالمعنى لا تتجاوزوا الحلال إلى الحرام، وتحرموا ما أحل من قوله لا تحرموا طيبات الخ. وتحليل ما حرم الخ مستفاد من لا تعتدوا على هذا التفسير،
والمراد بتحليله تعاطيه أو اعتقاد حله وفيه تأمل. قوله: (داعبة إلى القصد) أي الاعتدال، وعدم الإسراف إشارة إلى درج المعنى الآخر في النظم. قوله:(روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) هذا الحديث رواه ابن جرير والواحدي في أسباب النزول عن مجاهد وعكرمة والسدي، وله شاهد في الصحيحين من حديث وقع بمعناه ورقوا بمعنى رقت قلوبهم من خشية الله وهو ضد القسوة، وعثمان بن مظعون بظاء معجمة، وعين مهملة صحابيّ يكنى أبا السائب جمحيّ أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة، وقيل بعد اثنين، وعشرين شهراً منها، ودفن بالبقيع رضي الله عنه، وفي كلام بعضهم، والذي رواه المحدثون أنّ عثمان بن مظعون، وعليآ وأبا ذر رضي الله عنهم هموا بأن يختصوا ويقتتلوا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ونزل فيهم الآية الآتية:{ليس على الذين آمنوا} والذي ذكره منتزع من عدة أحاديث، وأصله في الصحيحين، والودك بفتح الواو، والدال المهملة، والكاف الشحم والمسوح جمع مسح، وهو اللباس أي الغليظ من الملابس، والسياحة في الأرض عدم التوطن، والقرار والمدّ أكبر جمع ذكر على خلاف القياس للفرق بينه، وبين جمع الذكر ضد الأنثى، وقيل لا واحد له كعباديد وتتمة الحديث بمعنى ما ورد فيه لا رهبانية في الدين. قوله:(كلوا ما حل لكم وطاب الخ) إشارة إلى أنه إذا كان مفعولآيكون صفة للمأكول كما هو الشائع فيه فهو بمعنى ما حل لا
بالمعنى المصدري وقوله تقدمت عليه لأنه نكرة إشارة إلى أنه كان صفة، وصفة النكرة، إذا تقدمت صارت حالاً فلا يرد عليه أنه نكرة موصوفة يصح مجيء الحال منها، ولا يلزم تقدمه كما قيل، وقوله، ويجوز أن تكون مفعولاً أي صفة مفعول قائمة مقامه أي شيئاً مما رزقكم، ويحتمل أنه نفسه مفعول بتأويل بعض، وهو تكلف أو صفة مصدر أي أكلاً، والآية دليل لنا في شمول الرزق للحلال، والحرام إذ جعله تأكيداً خلاف الظاهر، وهو رد على المعتزلة وقوله:(وعلى الوجوه الخ) رد لما يوهمه كلام الكشاف من اختصاصه ببعضها. قوله: (هو ما يبدو من المرء بلا قصد الخ) أي ما يسبق إليه لسانه من غير نية اليمين هذا عند الشافعيّ رضي الله عنه، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لغو اليمين أن يحلف على أمر مضى يظنه كذلك فإن علمه على خلافه فهي غموس والأدلة على المذهبين مبسوطة في الفروع والأصول، وقيل على تعلق في أيمانكم بيؤاخذكم ففي للسببية كقوله إنّ امرأة دخلت النار في هرة، وقوله: أو حال منه أي من اللغو معطوف على صلة. قوله: (بما وثقتم الإيمان عليه الخ) يقتضي أنّ ما موصولة لتقدير العائد، وجعلها في الكشاف مصدرية قيل وهو أحسن لوقوعها في مقابلة اللغو، ولعدم الاحتياج إلى التقدير. قوله:(والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم الخ) المراد بالمؤاخذة المؤاخذة في الدنيا، وهي الإثم، والكفارة لأنّ فيها عقوبة لا في الآخرة حتى يرد أنّ المؤاخذة ليست في وقت الحنث فالوجيه هو الثاني، وتعقيد الإيمان شامل للغموس عند الشافعية، وفيه كفارة عندهم، وأما عندنا فلا كفارة، ولا حنث فيقدر إذا حنثتم فكأنّ التقديرين إشارة إلى المذهبين، وقراءة التخفيف ظاهرة، وقراءة عاقد فاعل فيها لأصل الفعل وكذا قراءة التشديد لأنّ القراآت يفسر بعضها بعضا أو المبالغة فيها باعتبار أنها باللسان، والقلب لا أنه للتكرار- اللساني كما توهم. قوله:(فكفارة نكثه أي الفعلة التي تذهب إثمه الخ) منهم من جعل هذا الضمير عائداً على الحنث المفهوم من السياق، ومنهم من جعله عائداً على ما الموصولة بتقدير مضاف أي نكثه، ومنهم من جعله عائداً على العقد الذي في ضمن الفعل بتقدير مضاف، وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنه قصد الثاني، ويحتمل غيره أيضا، وأما عوده على الإيمان لأنه
مفرد كالأنعام
أو مؤول بمفرد فلا حاجة إليه، وما بني عليه سيأتي ما فيه، والفعلة بفتح الفاء المرة من الفعل، وفسره به توجيها للتأنيث، وإشارة إلى أنه بالمعنى المصدري لقوله إطعام، وتذهب من الإذهاب، وقوله وتستره إشارة إلى أنّ معنى التكفير لغة الستر، والمراد به المحو لأنّ الممحوّ لا يرى كالمستور. قوله:(واستدلّ بظاهوه على جواز التكفير بالمال الخ) قيده بالمال ليخرج التكفير بالصوم فإنه لا يكون إلا بعد الحنث عندهم لأنه عند العجز عن غيره، والعجز لا يتحقق بدون حنث، وقيد بعض الشافعية جواز تقديم المال بما إذا لم يكن الحنث معصية، وأطلقه بعضهم، وهو الصحيح، وعليه المصنف رحمه الله تعالى، وقاسوه على تقديم الزكاة على الحول ووجه الاستدلال بظاهر الآية أنه جعل الكفارة عقب اليمين من غير ذكر الحنث وقال:{ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [سورة المائدة، الآية: 89] ونحن نقول إنّ الآية تضمنت إيجاب الكفارة عند الحنث، وهي غير واجبة قبل الحنث فثبت أنّ المراد بما عقدتم الإيمان وحنثتم فيها، وقد اتفقوا على أن معنى قوله تعالى:{فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر} [سورة البقرة، الآية: 84 ا] فأفطر فعدة من أيام أخر فكذا هذا، وقوله على جواز التكفير إشارة إلى أنّ ما قدره أولاً من قوله إذا حنثتم قيد للوجوب، وكذا قوله كفارة نكثه فلا يقال إنه إذا كان التقدير ما ذكر كيف تكون الآية دليلا لهم فتأمّل. قوله. القوله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين الخ) هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وقيل عليه أن دلالة الفاء الجزائية على التعقيب من غير تراخ ممنوعة، وبعد التسليم الواقع في حيز الفاء مجموع التكفير والإتيان، ولا دلالة على الترتيب بينهما ألا ترى أن قوله:{إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [سورة الجمعة، الآية: 9] الاية لا يقتضي تقديم السعي على ترك البيع بالاتفاق، وأيضا فقد روي هذا الحديث فليكفر عن يمينه، ثم ليأت بالذي هو خير وروي رواية أخرى:" فليأت الذي هو خير ثم ليكفر " ورجحنا هذه بالشهرة، وجعلنا كلمة، ثم في الأخرى بمعنى الواو، وفيه بحث لأن إثبات الشهرة لا يسمع بغير نقل، وهم يجمعون بين الروايتين بأنّ إحداهما لبيان الوجوب، والأخرى لبيان الجواز، وأيضأ تقديمها تارة، وتأخيرها أخرى يدلّ على أنهما سيان. قوله:(من أقصده في النوع أو القدر الخ) اقصد أفعل تفضيل من القصد وهو الاعتدال، وقوله، ونصف صاع عند الحنفية أي
من البرّ وصاع من الشعير، وقوله ومحله النصب أي ومحل الجار والمجرور، وهو من أوسط، وإطعام مصدر ينصب مفعولين الأوّل منهما ما أضيف إليه وهو عشرة، والثاني محذوف أقيمت صفته مقامه أي طعاماً أو قوتا أو هو مرفوع على أنه بدل من إطعام أو خبر مبتدأ محذوف أي طعامهم من أوسط، وقيل على البدلية إنّ أقسام البدل لا تتصوّو هنا، وأجيب بأنه بدلط كل من كل بتقدير موصوف أي إطعام من أوسطه نحو أعجبني قرى الأضياف قراهم من أحسن ما وجد. قوله:(وأهلون كأرضون الخ) أرضون بسكون الراء هنا، ويجوز فتحها يعني جمع مذكر سالم على خلاف القياس لأن قياس مفرده أن يكون علما أو صفة وهذا اسم جامد كأرض! ، والذي سوّغه أنه استعمل كثيراً بمعنى مستحق فأشبه الصفة. قوله:(وقرئ أهاليكم الخ (هذه قراءة جعفر الصادق، وكان القياس فتح الياء لخفة الفتحة لكنه شبه الياء بالألف فقدر إعرابها، ولم يمثله كما في الكشاف بمعدي كرب لأنه نقل بالتركيب فخفف إلا أن يقال إن صيغته ثقيلة فأشبهت المركب، وهو إما جهح أهل على خلاف القياس كليال في جمع ليلة، وقال ابن جني واحدهما ليلاة وأهلاة قالوا، وهو يحتمل لئن يكون مراده أنّ له مفرداً مقدّرا هو هذا ويحتمل أنه سماع من العرب فيه، ومن قال إنه اسم جمع أراد به الجمع على خلاف القياس كما سيأتي. قوله: (عطف على إطعام أو من اوسط إن جعل بدلاً الغ) قيل وجهه أن يكون من أوسط بدلاً من الإطعام، والبدل هو المقصود، ولذلك كان المبدل منه في حكم المنحي فكأنه قيل فكفارته من أوسط ما تطعمون، وإعترض بأنّ العطف على البدل في موقع البدل ضرورة، وابدال كسوة منه لا يكون إلا غلطا، وهو لا يقع في التنزيل، وأجيب بالمنع بل قد ورد على ما سبق من أنه قد يعطف على البدل؟ ويكون المقصود الانتساب إلى ما انتسب إليه المبدل منه بجعله في حكم المنحي، وقد يجاب
بأنه على طريقة:
علفتها تينا وماء باردا
والتقدير إطعام من أوسط ما تطعمون أو إلباس من كسوتهم وردّ بأنه حيئذ يكون عطفا
على المبدل منه لا البدل مع ما فيه من تغيير الكلام، والجواب أنّ المراد أنه بالنظر إلى ظاهر اللفظ عطف على البدل فإن قيل هنا وجه آخر، وهو عطفه على إطعام وجعل من أوسط صفة إطعام على ما هو الظاهر أو صفة مصدر محذوف أي إطعاما من أوسط أو مفعولاً به أي طعاماً من أوسط فما الباعث على هذا الوجه المتعسف أجيب بأنه اختار ذلك لتكون الكفارة فيما
يتعلق بالمساكين متلائمة إذ الكسوة اسم للثوب فيناسب أن يعتبر في جانب الإطعام المطعوم بخلاف الإعتاق فإنه جن! واحد فليكن باسم المعنى، وهو التحرير، ومن حاول رد الكل إلى نهج واحد ذهب إلى أنّ التقدير إطعام أو إلباس كسوة.
(أقول) ما ذكره مناف لما قرّره الأئمة وسلموه، ومثله لا يسمع، ثم إنه كيف يكون بدل
غلط، وهو يتوقف على كون الأوّل غير مراد معناه قطعاً، وهذا لا يصملح هنا لأنّ كلاً منهما مقصود، وكيف يعطف بدل غلط على غيره، ثم إنه كيف يتأتى ما ذكره من التناسب، وهو على البدلية صفة إطعام مقدّر فلا يخفى ما في كلامه من الاختلال فلا يعطف عليه إلا إذا قطع عما قبله وكان خبر مبتدأ محذوف، والمناسبة المذكورة لا يتكلف لأجلها مثل هذه التكلفات فلا وجه للتقليد فتأمّل، وأما بدل الاشتمال الذي ادعاه بعضهم فمما لا شبهة في عدم صحته. قوله:(وهو ثوب ينطي العورة الخ) تفسير للكسوة تبع فيه الزمخشريّ، وأورد عليه أنه مخالف لمذهبه فانها عندهم ما يسمى كسوة قميص أو إزار أو منديل أو مقنعة، والقدوة بالضم، والكسر من يقتدى به، والاقتداء نفسه كالكسوة فمانها مصدر واسم المكسوّ أيضا فالمناسبة بينها، وبين الإطعام حاصلة من غير التكلف السابق، وقوله:(جامع قميص الخ) كلامه ظاهر في أنّ كل واحد منها كاف وهو يخالف قول الكشاف، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إزار أو قميص! أو رداء أو كساء، وعن مجاهد ثوب جامع، وهو ما يستر البدن على ما هو المتعارف، وجامع منون ما بعده بدل منه أو مضاف، والأوّل أولى. قوله:(أو كسوتهم) بكاف الجر الداخلة على أسوة بضم الهمزة وكرها أيضاً، وهي كما قال الراغب الحال التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنا، وان قيحاً، وهو من الأسى وهو الحزن، وهو الإزالة نحو كربت النخل أزلت كربه وهذا أسوة هذا أي مثله فالكاف على هذه القراءة زائدة، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى كمثل ما تطعمون، وهذه قراءة سعيد بن جبير، وابن السميفع وهي شاذة، وهمزته بدل من واو لأنه من المؤاساة واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى، وقوله والكاف في محل الرفع الخ ظاهر كلامه أنه خبر مبتدأ محذوف، ويحتمل أنه بيان للمعنى، ولذا قيل إنه ليس بمستقيم والأولى طعام كاسوتهم على الوصف فهو عطف أيضاً على من أوسط، وعلى هذه القراءة يكون التخيير بين الإطعام التحرير فقط وتكون الكسوة ثابتة بالسنة، وقيل إنها لنفي الكسوة، وفيه نظر، وقال السفاقسي قدر أبو البقاء أي مثل أسبوة أهليكم في الكسوة فلا تكون الآية عارية من الكسوة، وفيه نظر لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه، وجوّز فيها النصب أيضا
على أحد الوجوه في إعراب من أوسط وجعله معطوفاً عليه، وشرط الشافعيّ رضي الله تعالى عنه في المعتق الإيمان، ودليله، والجواب عنه مفصل في محله. قوله:(ومعنى أو إيجاب إحدى الخصال الثلاث الخ) اختيار للمذهب المختار في الواجب المخير، وهو أنّ الواجب أحد الأمور لا على التعيين لا ما نسب إلى بعض المعتزلة أنّ الواجب الجمع، ويسقط بواحد وبعضهم الواجب معين عند الله وهو ما يفعله المكلف فيختلف بالنسبة إلى المكلفين وبعضهم أن الواجب واحد معين لا يختلف لكن يسقط به، وبالآخر وتفاوتها فدراً وتوابأ لا ينافي التخيير المفوض! تفاوته إلى الهمم، وقصد زيادة الثواب فإنّ الكسوة أعظم من الإطعام، والتحرير أعظم منها.
(وهاهنا بحث) وهو أنّ أو لأحد الشيئين أو الأشياء، وإنما تفيد التخيير بعد الطلب فقوله: كفارته إطعام خبر لفظاً طلب معنى لأنّ المقصود منه إيجاب ذلك، وحينئذ كيف تكون الفاء لتعقيبه إذ لو كان كذلك لاقتضى وجوبه قبل الحنث، ولا قائل به فإن قيل يقدر له تيد كما مرّ، لم يبق له دلالة على ما ذكروه فتأمّل، وقوله: واحدا
منها لما مز من أنّ أو للتخيير. قوله: (والشواذ ليست بحجة عندنا الخ) تال في الأحكام قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومجاهد، وإبراهيم وتتادة هن متتابعات لا يجزي فيها التفريق فثبت التتابع بقول هؤلاء، ولم يثبت بالتلاوة لجواز أن تكون التلاوة منسوخة والحكم ثابتاً، وهو قول أصحابنا، وقالوا أيضا إنّ قراءته كروايته، وهي مشهورة فيزاد بها على القطعي فما ذكروه غير مسلم عندنا وقوله وحنثتم مرّ تفصيله. قوله:(بأن تضنوا بها ولا تبذلوها الخ) أصل معنى الضنة البخل، والمراد عدم البذل وللسلف في الحفظ هنا تفاسير فقال قوم معناه احفظوا أنفسكم عن الحنث فيها، وإن لم يكن الحنث معصية وقال آخرون معناه أقلوا من الإيمان لقوله تعالى، {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} ، وعليه قول الشاعر:
قليل الألاياحافظ ليمينه إذا بدرت منه الألية برّت
وقال توم راعوها لكي تودّوا الكفارة إذا حنثتم فيها لأنّ حفظ الشيء رعايته قالوا وهذا هو الصحيح أتا الأوّل فلا معنى له لأنه غير منهي عن الحنث إذا لم يكن الفعل معصية وقد قال صلى الله عليه وسلم: " فليأت الذي هو خير وليكفر " كما مرّ وقال تعالى: {قد فرض! الله لكم تحلة
أيمانكم} إسورة التحريم، الآية: 2] فثبت أنه غير منهيّ عن الحنث إذا لم يكن معصية فلا يجوز أن يكون احفظوا أيمانكم نهيا عن الحنث، وأما القول بأنه نهى عن الحلف فساقط واه لأنه كيف يكون الأمر بحفظ اليمين نهياً عن اليمين، وهل هو إلا كقولك احفظ المال بمعنى لا تكسبه، وأما البيت فلا شاهد فيه لأن معنى حافظ ليمينه إنه مراع لها بأداء الكفارة، ولو كان معناه ما ذكر لكان مكرّرا مع ما قبله، والى هذه الأقوال أشار المصنف رحمه الله تعالى، وفي الكشاف معنى آخر وهو أنّ المراد احفظوها، ولا تنسوا كيف حلفتم بها. قوله:(أي مثل ذلك البيان) يعني أنه إشارة إلى مصدر الفعل المذكور، وقد مرّ تحقيقه في البقرة في قوله:{وكلك جعلناكم أمّة وسطا} [سررة البقرة، الآية: 143] فتذكره، وقوله نعمة التعليم قدره مفعولاً بقرينة ما قبله، وقوله: أو نعمه جمع نعمة منصوب عطفا عليه فهو عام، والواجب شكرها مبينة لنعمه. قوله:(فإنّ مثل هذا التبيين يسهل لكم المخرج متة) في الكشاف لعلكم تشكرون نعمته فيما يعلمكم، ويسهل عليكم المخرج منه فقيل المجرور عائد على الحنث، وقيل المخرج منه فيما يعلمكم أي من التكليف، ولولا العائد لكان الأحسن أن تجعل ما مصدرية، وقيل إنه للشكر، وقوله: فإن الخ دليل على صحة إرادة نعمه الواجب شكرها يعني بمثل هذا التبيين يسهل الخروج من الشكر لأن شكر نعمة العمل مما يعرف من كلامه فتأمّل. قوله: (قدر تعاف عنه العقول الخ) قيل الرجز والرجس بمعنى، وهو الشيء القدر، وقيل ما تستقذره العقول، وقال الزجاج: إنه كل ما استقذر من عمل قبيح وأصل معناه الصوت الشديد، ولذا يقال للغمام رجاس لرعده، ولما كان فيه الإخبار عن متعدد بمفرد فإما أن يكون خبرآ عن الأوّل، وخبر الأخيرين مقدر أي رجس، وفسق وكفر، ونحوه أو في الكلام مضاف إلى هذه الأشياء والخبر له أي إنما شأن هذه الأشياء أو تعاطيها أو لا حاجة إلى تقدير لأنه يجوز الأخبار عن هذه الأشياء بأنها رجس كما قيل إنما المشركون نجس لأنه مصدر يستوي فيه القليل، والكثير، وهذا أحسن. قوله: الأنه مسبب عن تسوبله وتزيينه (يعني جعله عملا للشيطان مع أنها أعيان بعلاقة أن عمل الشيطان أي تزيينه سبب لها أو من للابتداء أي ناشئ من عمله، وإذا قدر التعاطي فقيل لا حاجة إلى التأويل، وفيه نظر. قوله.) الضمير للرج! أو لما ذكر الخ (رجوعه إلى الرج! لا يقتضي الأمر باجتناب الخمر فقط بل كان رجس، وعوده على جميع ما مرّ بتأويل ما ذكر أو
على التعاطي المقدر، وجوّز عوده إلى الشيطان، وهو قريب، وقوله: لكي تفلحوا مرّ تحقيقه في أوّل البقرة فتذكره. قوله: (كد تحريم الخمر والميسر الخ) وجه التأكيد المذكور ظاهر لأنهم كانوا متردّدين في التحريم بعد نزول آية البقرة ولذا قال عمر رضي الله تعالى عنه اللهم بين لنا فيها بيانا شافيا فلما نزلت هذه، وسمع فهل أنتم منتهون قال انتهينا يا رب وبحت بموحدة مفتوحة، وحاء مهملة ساكنة، وتاء مثناة بمعنى خالص! أي لا خير فيه أصلا أو الغالب عليه عدم الخير، والأمر بالاجتناب عن عينهما أي لا عن شربها، وفعله باعتبار الظاهر واحد
الوجوه، والا فإذا رجع الضمير إلى التعاطي لا يكون كذلك. قوله:(وجعله سبباً يرجى منه الفلاح) ضمير جعله للاجتناب والسببية من لعل لأنها بمعنى ير ووجه المبالغة فيه باعتبار ظاهر الترجي وافادته أنه ذنب عظيم بعد ارتكابه لا يقطع بالفلاح بمجرّد الإقلاع عنه بل يرجى له ذلك. قوله: (وإنما خصهما لإعادة الذكر) أي الخمر والميسر هما المقصودان لأنهما هما اللذان صدرا منهم كما قال تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر} [سورة البقرة، الآية: 219] الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم:" شارب الخمر كعابد الوثن " حديث رواه الترمذي بلفظ مد من الخمر وحمل على المستحل، ولا حاجة إليه، وهذا دليل على بعض المدعي أو جعل الأزلام بمنزلة الوثن، وهو بعيد وقيل إنهما لم يخصا بالذكر لأنّ معنى يصدكم عن ذكر الله بعبادة غيره، وهي الأنصاب وعن الصلاة بالاشتغال بالأزلام وهو تقدير من غير دليل، والشرارة بكسر الشين المعجمة الشر. قوله:(وخصر الصلاة من الذكر بالإفراد الخ (لأن ما يصد عن ذكره يصدّ عنها لأنّ الذكر من أركانها فأفردت بالذكر تعظيما لها كما في ذكر الخاص بعد العام. قوله: (والإشعار بأنّ الصادّ عنها كالصاذ عن الإيمان الخ) كأن وجهه أنّ الأوّل بيان لتعظيمها في ذاتها،
وهذا بيان لأنه غاية مراد الشيطان من شرب الخمر، ومنتهى آماله ذلك فيها، ولا أحب إلى الشيطان من إيقاعها في الكفر فلولا أن تركها يؤذي إليه لما كانت محط نظره، ولذلك سميت عماد الدين في الحديث لأن الخباء لا يقوم بلا عماد، والفارق بين الإيمان، والكفر الصلاة لأن التصديق القلبي لا يطلع عليه، وهذه أعظم شعائر المشاهدة في كل وقت ولذا طلبت فيها الجماعة ليشاهدوا الإيمان، ويشهدوا به فافهمه فإنه خفي على من قال إنه لا إشعار في النظم بما ذكر، وصدها عن الصلاة لأنها تشغلهم عنها، ولأنّ السكران لا يقرب الصلاة. قوله:(أعاد الحث على الانتهاء الخ الأنه فهم أولاً من قوله تعالى: {فاجتنبوه} مع ما معه من تأكيدات التحريم، وقوله: إيذانا بأن الأمر الخ. أي الشأن والحال أو الأمر الطلبي باجتنبوه بلغ غاية الظهور حتى لا حاجة إلى أمرهم به لظهور أدلته القاطعة للأعذار فلذا عبر بالاستفهام الإنكاري مع الجملة الاسمية، والفاء المعقبة الدالة على أنها قد ثبتت الصوارف عنها، وتبينت وجوه الفساد فيها حتى أن العاقل إذا خلي، ونفسه بعد ذلك لا ينبغي أن يتوقف في الانتهاء، وقوله: أو مخالفتهما أعم من التفسير الأوّل فيكون مؤكدأ لقوله: {أطيعوا الله} وعلى الأوّل مؤسس، ولذا قدمه وقوله وإنما ضررتم به أنفسكم إشارة إلى أنّ قوله: {فاعلموا} الخ جواب باعتبار لازمه المكنى به عنه. قوله:) إذا ما اتقوا الخ (تعليق نفي الجناح بهذه الأحوال ليس على سبيل اشتراطها فإن عدم الجناج في تناول المباح الذي لم يحرم لا يشترط بشرط بل على سبيل المدج، والثناء، والدلالة على أنهم بهذه الصفة، وسبب النزول ليس وجهاً آخر في معنى الآية، ودفع ما فيها من التكرار بل إشارة إلى أنّ الآية نزلت في المؤمنين عاقة، ويدخل فيهم هذه الطائفة أو في هذه الطائفة لكن الحكم عام، وقوله: اتقوا المحرم الخ إشارة إلى دفع التكرار في الآية، وسيأتي تفصيله. قوله: (روي أنه لما نزل الخ (أخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة
رضي الله تعالى عنه، وهو في الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه. قوله:) ويحتمل أن يكون هذا التكرير الخ (قال الطيبي رحمه الله تعالى: المعنى أنه ليس المطلوب من المؤمنين الزهادة عن المستلذات، وتحريم الطيبات، وإنما المطلوب منهم الترقي في مدارج التقوى والإيمان إلى مراتب الإخلاص واليقين، ومعارج القدس، والكمال، وذلك بأن يثبتوا على الاتقاء عن الشرك وعلى الإيمان بما يجب الإيمان به وعلى الأعمال الصالحة لتحصيل الاستقامة التامّة التي يتمكن بها إلى الترقي إلى مرتبة المشاهدة، ومعارج أن تعبد الله كأنك تراه، وهو المعنى بقوله تعالى:{وأحسنوا} الخ وبه ينتهي للزلفى عند الله، ومحبته والله يحب المحسنين، وفي هذا النظم نتيجة من قوله! ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهد أن تكون بما بيد الله أوثق منك بما في يديك، وهذا دفع للتكرير، وأنه ليس لمجرّد التأكيد لأنه يجوز فيه العطف بثم كما صرح به ابن مالك في قوله تعالى:
{كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} [سورة التكاثر، الآية: 3] بل به باعتبار تغاير ما علق به مرّة بعد أخرى، والمصنف رحمه الله
أشار أولاً إلى تغايرها بأنّ المراد بالأوّل اتقاء ما حرّم عليهم أولاً مع الثبات على الإيمان، والأعمال الصالحة إذ لا ينفع الاتقاء بدون ذلك، والثاني اتقاء ما حزم عليهم بعد ذلك من الخمر ونحوه، والإيمان التصديق بتحريم ذلك، والثالث الثبات على اتقاء جميع ذلك من السابق، والحادث مع تحري الأعمال الجميلة فالمراد بالأوتات الثلاثة زمان التحريم الأوّل الماضي، وزمان التحريم الثاني الذي هو بمنزلة الحال، وزمان الثبات على جميع ذلك في المستقبل. قوله:) أو باعتبار الحالات الئلاث) باًن يتقي الله، ويؤمن به في السرّ ويجتنب ما يضرّ نفسه من عمل، واعتقاد ويتقي الله ويؤمن به علانية، ويجتنب ما يضرّ الناس، ويتقي الله، ويؤمن به بينه وبين الله بحيث يرفع الوسايط، وينتهي إلى أقصى مراتب التقوى في الدرجة السالفة القابلة للقوى النفسانية ولما في هذه الحالة من الزلفى منه تعالى ذكر الإحسان فيها لأن الإحسان كما فسره النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري: االإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ". قوله:) أو باعتبار المراتب الثلاث (أي مراتب التقوى الثلاث التي مرّ تفصيلها، ومن قال المراد به مبدأ السلوك أو مبدأ العمر فقد غفل عن مراده أو تغاير التقوى
باعتبار تغاير المتقي منه، وهو العقاب، والوقوع في حمى المحرمات، والتدنس بدنس الطبيعة والهيولى، وقوله فلا يؤاخذهم بشيء لأنه لازم المحبة فهو كناية كما في قوله:{وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم} [سورة المائدة، الآية: 18] وكان الظاهر، والله يحب هؤلاء فوضع المحسنين موضعه إشارة إلى أنهم متصفون بذلك. قوله:(نزلت في عام الحديبية) مرّ أنّ الحديبية بالتخفيف، وأنّ منهم من شددها، وهي اسم مكان معروف، وهذا أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل. قوله: (والتحقير في بشيء للتنبيه الخ (تدحض من أدحض أي أزل، وهو كناية عن إزالة الثبات، والتصبر، والتحقير، والتقليل من شيء وتنكيره قيل عليه إن هذه الصيغة بعينها وردت في الأموال، والأنفس من الفتن العظام كقوله تعالى:{بشيء من الخوف والجوع ونقص من الآموال والأنفس والثمرات} [سورة البقرة، الآية: 155] وهو إشارة إلى ما يقع به الابتلاء من هذه الأمور فهو بعض من كل بالإضافة إلى مقدوره تعالى فإنه قادر على ابتلائهم بأعظم مما ذكر ليبعثهم بذلك على الصبر، ويدل على ذلك أنه سبق الوعد به قبل حلوله لتوطين النفوس فإنّ المفاجأة بالشدائد شديدة الألم، وإذا فكر العاقل وجد ما صرف عنه من البلايا أكثر مما وقع فيه بأضعاف لا تقف عنده غايته فسبحان اللطيف بعباده.
(أقول) ما ذكره العلامة بعينه أشار إليه الشيخ في دلائل الإعجاز لأن شيء إنما يذكر لقصد التعميم نحو وان من شيء إلا يسبح بحمده، أو الإبهام، وعدم التعيين أو التحقير لادعاء أنه لحقارته لا يعرف، ولذا عيب على المتنبي قوله:
لو الفلك الدوّارأبغضت سعيه هموّقه شيء عن ا! ل وران
مع استحسانها في قول أبي حية النمري:
إذاماتقاضى المرءيوم وليلة تقاضاه شيء لايمل التقاضيا
وهنا لو قيل ليبلونكم بصيد تتم المعنى فإقحامها لا بد له من نكتة وهي ما ذكر، وأما ما
أورده من الآية الأخرى فشاهد له لا عليه لأنه المقصود فيه أيضا التحقير بالنسبة إلى ما دفعه الله عنهم كما صرّح به المعترض مع أنه لا يتم الاعتراض به إلا إذا كان ونقص معطوف على مجرور من، ولو عطف على بشيء لكان مثل هذه الآية بلا فرق، والعجب أنه مع ظهوره أورده الطيبي رحمه الله ولم يتنبه له. قوله:(ليتميز الخائف من عقابه الخ) هذا بيان محصل المعنى، ووجه التجوّز فيه ما سياتي من أنّ العلم مستعمل في لازم معناه، وهو وقوع المعلوم، وظهوره لأنّ علمه تعالى لا يتخلف عنه أو أنّ المراد من العلم المتعلق بالمعلوم، وضمير هو للعقاب أي والعقاب لم يقع بل منتظر على صيغة المفعول إن وقع منه إثم، وقوله لضعف قلبه أراد به قلة يقيته وألا فضعف القلب بالمعنى المعروف لا يناسب عدم الخوف فقوله ة وقلة إيمانه تفسير له، ومن موصولة، ويجوز أن تكون استفهامية أي جواب من يخافه، وبهذا علم ضعف ما قيل لفظ الله فاعل يعلم فلا يصح أن يكون معنى ما ذكر والا لاختل نظام الكلام، إلا أن يكون المراد من مجموع يعلم الله الخ
ذلك، وقوله: بعد ذلك الابتلاء أي بعد إلابتلاء السابق، وما علم من حاله، وقيل المراد قدرة المحرم عليه فيما يستقبل فإن الابتلاء بغشيان الصيود قد مضى، وقوله: من لا يملك جأشه بالهمزة، وأصل معناه الصدر كما في الأساس ويطلق على القلب، وملك الجأس ضبطه بمعنى الصبر والتحمل، ويقال: ربط لذلك الأمر جأشا وهو رابط، وفي ضده واهي الجأس ومعناه ما ذكر وفسر العذاب الأليم بالوعيد لأنه ليس واقعاً البتة، ولا في حين الاعتداء والتقصير في أمر تسهل رعايته فوق التقصير فيما تصعب رعايته فلذا توعد عليه، وهذا يشبه حيتان أهل السبت، ولحوق الوعيد لا يحقق لحوق العذاب فما قيل إنه مناسب لمذهب المعتزلة باطل. قوله:(جمع حرام) بمعنى محرم، وان كان في الحل ومن كان في الحرم، وان كان حلالاً وهما سيان في النهي عن قتل الصيد، ورداح المرأة الئقيلة الردف والكثيبة العظيمة، وجمعه ردح بضمتين، وذكر القتل لما ذكر والذكاة بالذال المعجمة النحر والذبح. قوله:(وأراد بالصيد ما يؤكل لحمه الخ) هذا مذهب الشافعي رحمه الله من أنّ ما لا يؤكل من الصيد فلا جزاء على المحرم فيه، ومذهبنا كما في كتاب الأحكام إنه عام في جميع صيد البرّ إلا ما خصه الحديث الآتي ولا يقاس غير الخمس عليها، والمراد بها كل ما ابتدأ الإنسان بالأذى كالسبع والذئب بالإجملا فخص به ما خرج عنه فإن لم يبتدئه بالأذى فعليه
الجزاء، ولما لم يكن للخمس علة مذكورة لم يجز القياس عليها، وكونه غير ماكول اللحم لم تقم الدلالة عليه من فحوى الكلام، ولا ذكر لعلته فيه، ومن أصحابنا من يابى القياس في مثله لحصره بالعدد وكونه غير مأكول نفي، والنفي لا يكون علة. قوله:(خمس يقتلن الخ) رواه الشيخان ورواية " الحية " في مسلم وقوله: (مع ما فيه الخ) أي بالقياس عليه، وهو مذهبه، وقوله: هل يلغي أي يبطل حكمه، ولذا عبر بالقتل وهو الأصح من مذهب الثافعي أيضا. قوله:(ذاكرا لإحراد 4 عالماً بأنه حرام عليه الخ) وليس ذكر العمد للتقييد عند الجمهور بل إما لأنه المورد أو لأنه الأصل والخطأ ملحق به للتغليظ، والإشعار بأنه يستوي فيه العمد والخطأ، ووجه الدلالة أنه لا وبال ولا انتقام في الخطأ وهذا معنى قول المصنف رحمه أدلّه بل لقوله:(ومن عاد) الخ وقوله: (والخطأ ملحق به) فيه نظر فإنّ القياس لا يجري في الكفارات عندنا فالظاهر قول الزهري رحمه الله: نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ وذهب سعيد بن جبير إلى أنه لا شيء في الخطأ عملا بظاهر الآية. قوله: (فطعنه أبو اليسر رضي الله عنه الخ) قالوا إنما هو أبو قتادة رضي الله عنه كما في الصحيحين من روايته، وهو الذي فعل ذلك وقد تبع المصنف فيه الكشاف وقال الطيبي أنه ليس في شيء من الأصول يعني أصولي كتب الحديث وأورد على قوله:(إذ روي اليئ) أنه يدل على أنّ قتلهم كان عن قصد، ولا يدل على أنه عن علم بأنه حرام لأنّ الحديث دل على أنّ حرمة الصيد المحرم علم بعد نزول الآية فلا يدل على أنّ قتلهم عن تعمد بما فسره به، وفيه نظر لأنه صرّج في الكشاف بأنه كان محرّما في الجاهلية أيضاً نكان معلوما، والمعلوم من الآية كونه قد شرعنا به، واعلم أنه عدل عن قول الكشاف في التعريف أن يقتله، وهو ذاكر لإحرامه أو عالم أن ما يقتله مما يحرم عليه قتله لأنه
ليس بمانع لأنه إذا رمى غير صيد أصاب صيدا، وهو ذاكر لإحرامه ينبغي أن يكون عمداً وليس به، وقد تكلف له ودفع آخرا بأن أو بمعنى الواو فلذا غيره المصنف رحمه الله. نوله:(برفع الجزاء والمثل قراءة الكوفيين الخ) الفاء إما جزائية أو زائدة في خبر الموصول قرأ أهل الكوفة فجزاء مثل بتنوين جزاء، ورفعه وفع مثل وباقي السبعة برفعه مضافا إلى مثل، ومحمد بن مقاتل بتنوين جزاء ونصبه ونصب مثل والسلمي برفع جزاء منوّنا ونصب مثل وقرأ عبد الله فجزاؤه برفع جزاء مضافاً لضمير، ورفع مثل فأما قراءة الكوفيين فواضحة لأن جزاء مبتدأ ومثل صفته والخبر محذوف أي فعليه جزاء مماثل لما قتله، وجوّز أبو البقاء مثل البدلية، والزجاج أن يكون جزاء مبتدأ ومثل خبر. إذ التقدير جزاء ذلك الفعل، أو المقتول مماثل لما قتله. قوله:(وعليه لا يتعلق الجار بجزاء) وأيضاً المصدر يعمل بمشابهة الفعل وبوصفه بعد الشبه، وأما كون المصدر بمعنى المجزى به فهو في حكم الصفة، فرد بأنه تفسير معنى لا تأويل إعراب فإنه جعل عين الجزاء مبالغة، والمقصود أنه مجزى به وفيه نظر، وإذا لم يتعلق
به كان صفة له أخرى لوقوعه بعد النكرة، وأورد على ما ذكر أنه إنما يمتنع عمله في المفعول به، ويجوز في الجار والمجرور لأنه يكفيه رائحة الفعل كما صرّحوا به. قوله:(وقرأ الباقون على إضافة المصدر الخ) ولما قيل على هذه القراءة أنّ الجزاء للمقتول لا لمثله أوّلوها بوجهين أن يكون مثل مقحماً كما في قولهم مثلك لا يقول كذا على أنه كناية، أو المراد أن يجزي أي يعطي المثل جزاء له، وهذا أظهر وأقوى وفي كلام المصنف رحمه الله إنّ الإضافة إذا كانت للمفعول تعين المعنى الثاني فلا يلائمه الجواب الأوّل، وقيل إنه يفوت عليه أيضاً اشتراط المماثلة بين الجزاء، والمقتول فالأولى جعل الإضافة بيانية أي جزاء هو مثل ما قتلى فتتفق القراءتان معنى، وليس بوارد لأنّ جزاءه المحكوم به ما يقاومه ويعادله وهو يقتضي المماثلة خصوصاً على مذهب أبي حنيفة رحمه الله فتأمل. قوله:(وهذه المماثلة باعتبار الخلقة الخ) هذا هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ففي الظبية شاة وفي النعامة بعير، وهو قول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وما لا نظير له فيه القيمة كالعصفور، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف المثل
هو القيمة يشتري بها هديا إن شاء وان شاء اشترى طعاما وأعطى كل مسكين نصف صاع، وان شاء صام عن كل نصف صاع يوماً وأيدوه بأنه قد ثبت المثل بمعنى القيمة في قوله تعالى:{فمن اعتدى عليكا فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [سورة اد ب! قرة، الآية: 94 ا] فإنّ المراد قيمة المغصوب بالاتفاق فوجب الحمل عليه، وهو عامل لما لا نظير له وفيه القيمة عندهم فيلزم عليهم استعمال المثل في معنييه ولا حاجة إليه، فإن قيل المثل اسم للنظير، وليس باسم للقيمة وإنما أوجبوا القيمة فيما لا نظير له بالإجماع لا من الآية قيل إنّ الله تعالى قد سمى القيمة مثلَا في قوله:{فمن اعتدى عليكم} الخ، ويدل على أنها مراده أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم روي عنهم في الحمامة شاة ولا تشابه بين الحمامة، والشاة فعلمنا أنهم أوجبوها على وجه القيمة فإن قيل إنما يسوغ حمله على القيمة لو لم يفسر، وقد فسر بقوله: من النعم فلا مساغ للتأويل قيل: إنما يكون تفسراً لو اقتصر عليه وأما إذا وصف به ما لا يحتمل التفسير من الصيام والطعام فلا فهو تفصيل للحكم كقوله: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم} [سورة المائدة، الآية: 89، الآية، وقوله: يهدي أي يذبح الهدي وفي نسخة يفدي، وقوله: وان لم تبلغ يخير أي إن زاد على نصف الصاع ما لم يبلغه يتصدق به أو يصوم له يوما. قوله: (واللفظ للأوّل أوفق الأن الظاهر من مثل ما قتل من النعم المماثلة في الخلقة والهيئة وهديا بالغ الكعبة يستدعيه، وأجيب بأنّ قوله يحكم به ذوا عدل يدل على أنّ المعتبر القيمة، ورد بأنّ القيمة كما تحتاج إلى نظر واجتهاد كذا مماثلة الخلقة لكن التقويم أحوج إلى ذلك فيعلم بالطريق الأولى، وقد مرّ أن المثل معروف في القيمة، وانّ ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله أشمل وغير محتاج إلى التكلف كما أشار إليه الزمخشري. قوله: (صفة جزاء الخ) أو حال من الضمير المستتر في خبره المقدر وهو عليه وقوله: وكما أنّ التقويم الخ) إشارة إلى جواب ما قيل من طرف أبي حنيفة إنّ التحكيم إنما يحتاج إليه في بيان القيمة، وقد مرّ الكلام فيه. قوله:(وقرئ ذو عدل على إرادة الجنس الخ) في الكشاف وقرأ محمد بن جعفر ذو عدل منكم أراد يحكم به من يعدل منكم، ولم يرد الوحدة فقيل: يعني لم يقصد أن العدل الواحد يكفي في الحكم بل قصد جنس العدل فإن من يكفي للاثنين كما يكفي للواحد لكن لا دلالة على التعيين، وهذا بعينه كلام الزجاج كما نقله الطيبي رحمه الله ومراده أن ذو يستعمل استعمال من للتقليل، والتكثير وليس المراد بها الوحدة بل التعدّد وأقله اثنان فما قيل عليه ليس في الآية لفظة صالحة لقصد التعدد صلاحية من لذلك، لا شبهة في عدم وروده عليه ومن فسر. بالإمام
فتوحيده فيها على أصله من غير تأويل هو ما في الكشاف، وهو بعينه كلام ابن جني. قوله:
(هدياً حال من الهاء في به أو من جزاء الخ) كونه من جزاء لأنه خبر عنده أو قدروا جبة جزاء وأما الزمخشري فلما قدر فعليه جزاء، وجعله حالاً لزمه أم! الحال من المبتدأ واعمال الظرف من غير اعتماد وكلاهما خلاف المنصور عند النحاة، وقيل فيه نظر لجوأز أن يعتبر الظرف معتمداً على المبتدأ يعني من قتله على القول بأنه خبر للشرط أو للموصول فكأنهم بنوا ذلك على اًنّ الواقع موقع الجزاء لو كان ظرفا
والمرفوع فاعلَا لم تجز الفاء كما في المضارع المثبت أو الماضي بدون قد إلا بتقدير المبتدأ كما ذكر في قوله: {فينتقم الله منه} [سورة المائدة، الآية: 95] فيكون التقدير هاهنا فهو عليه جزاء فيكون الظرف معتمداً على المبتدأ المحذوف، وفيه نظر، وقيل إنه إذا كان حالاً من جزاء فهو فاعل لفعل تقديره فيجب جزاء الخ، وإذا كان حالاً من ضمير به فهي حال مقدرة كما قاله الفارسي، ثم إنه أورد على النحرير أنّ الاعتماد على المحذوف ممنوع ولذا لا يعمل اسم الفاعل بدون لى* عتماد مع أنه لا بد له من موصوف محذوف، وليس بشيء لأنه فرق بين المبتدأ المقدر والموصوف المفروض فإنّ الأوّل في حكم الموجود بخلاف الثاني.
قوله: (وإن نوّن لتخصيصه بالصفة الخ الأنه نكرة لا تجيء الحال منها إلا إذا تخصصت
أو تقدمت، وفي حال الإضافة حال ظاهرة واعتبار المحل لأنه مضاف إلى المفعول كما مرّ واضافة الصفة لفظية فلذا وصف به النكرة والخلاف في المسالة المذكورة مبسوط في الفروع. قوله:(عطف على جزاء إن رفعتة الخ) وعلى قراءة النصب كما تقدم فهو خبر مبتدأ محذوف أي الواجب عليه كفارة، ويجوز أن يقدر فعليه أن يجزي جزاء أو كفارة فيعطف كفارة على أن يجزي فهو مبتدأ تقدم عليه خبره، وأو فيه للتخيير قال الطيبي: وليس من باب جالس الحسن أو ابن سيرين بل من باب قولك جالس السلطان أو الوزير أو العامي، ونقل عن الشافعي رحمه الله قول ضعيف إنه على الترتيب، ومنه تعلم أن التخيير على قسمين ما يكون المخير متساويا وما يكون المخير فيه تفاوت وبون بعيد، وقوله: عطف بيان مبني على مذهب الفارسي من أنه لا يختص بالمعارف، ومن قال: باختصاصه جعله بدلاً أو خبر مبتدأ محذوف. قوله: (بالإضافة للتبيين الخ) فالكفارة بمعنى المكفر به، وهي عامة تشمل الطعام، وغيره وكذا الطعام يكون كفارة وغيرها فبينهما عموم، وخصوص من وجه كخاتم حديد وما قيل إنّ الطعام ليس جنسا للكفارة فالإضافة لأدنى ملابسة لا بيانية ليس بشيء يعتد به. قوله: (والمعنى عند الشافعي
رحمه الله تعالى أو أن يكفر بإطعام مساكين الخ) فعنده يقوّم الهدي لأنه الواجب أوّلاً وعندنا يقوّم الصيد، وظاهر كلامه أنّ الكفارة والطعام بالمعنى المصدري، ولو أبقى على ظاهره لصح وله أن يتصدّق بما يبلغ المدّ عند الثافعي أيضاً. قوله:(أو ما ساواه من الصوم الخ) قال الراغب: العدل والعدل متقاربان لكنه بالفتح فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام وبالكسر ما يدرك بالحواس، كالعديل فالعدل بالفتح هو التقسيط على سواء على هذا روي بالعدل قامت السموات تنبيهاً على أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائداً على الآخر أو ناقصاً عنه على خلاف مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظماً، وهذا معنى دقيق بالتأمل فيه حقيق. قوله:(متعلق بمحذوف أي فعليه الجزاء أو الطعام الخ) أي متعلق بالاستقرار الذي تعلق به عليه المقدر وعدل عن قول الزمخشري إنه متعلق بجزاء، وان كان بناء على إعرابه، وهو لم يذكره لأنه إنما يتأتى إذا أضيف إلى مثل لأنه عطف عليه كفارة، ولا يعطف على المصدر قبل تمامه، ولا إذا نون ووصف لأن المصدر الموصوف بصفة متقدّمة لا يعمل، وفيه وجو. أخر كتعلقه بطعام أو بفعل مقدّر وهو جوزي. قوله:(ثقل فعله وسوء عاقبتة الخ) يثير إلى أنّ أصل معنى الوبال النقل ومنه الوابل للمطر الكثير والوبيل للطعام الثقيل الذي لا يسرع هضمه والمرعى الوخيم وضمير أمره على الوجه الأوّل لمن قتل الصيد، وعلى الثاني لله ولذا وصفه بالثدّة لأنه مخالفة لأمر القويّ الشديد البطش وأشار إلى أنه في الوجه الثاني مضاف مقدّر رأي وبال مخالفة أمر الله لأنّ أمر الله لا وبال فيه وإنما الوبال في مخالفته. قوله:(من قتل الصيد محرماً في الجاهلية الخ) وهو ذنب عظيم لأنهم كانوا على شريعة إسماعيل صلى الله عليه وسلم، والصيد محرّم فيها أيضاً كما ذكره الزمخشريّ فلا يرد عليه أنه لا ذنب في الجاهلية، أو قبل التحريم لأنه لا ذنب بدون التحريم، ولا تحريم في الجاهلية فكيف يتحقق العفو، وقيل المراد بالعفو أن لا إثم فيه. قوله:(1 لى مثل ذلك الخ) إنما ذكر المثل لأن العود إلى ذلك الفعل بعينه وقد وقع، وانقضى لا يتصور، وأما تقدير الميتدأ في فهو ينتقم فليصح دخول الفاء لأنّ الجزاء إذا وقع مضارعاً مثبتاً لم تدخله ما لم يقدر المبتدأ وكذا المنفي بلا فما قيل إنّ المضارع يجوز بدون
الفاء فلا يكون للفاء فائدة فإذا جعلت اسمية ظهرت الفائدة مبني على القول بأنّ فيه وجهين، وهو أحد قول
النحويين في هذه المسألة لكن المشهور خلافه. قوله: (وليس فيه ما يمنع الكفارة عن العائد الخ) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسين وشريح أنه إن عاد عمدا لم يحكم عليه بكفارة حتى كانوا يسألون المستفتي هل أصبت شيئاً قبله قال نعم لم يحكم عليه، وإن قال لا حكم عليه والجمهور على خلافه وهو الصحيح لأنّ وعيد العائد لا ينافي وجوب الجزاء عليه، وإنما لم يصرح به لعلمه فيما مض مع أنّ الآية يحتمل أنّ معناها من عاد بعد التحريم إلى ما كإن قبله، والانتقام يحتمل أن يكون في الدنيا بالكفارة لكنه خلاف الظاهر، وكذا كون المراد ينتقم منه إذا لم يكفر. قوله:(ما صيد منه مما لا يعيش إلا في الماء الخ) يعني الصيد مصدر بمعنى المفعول، وطعامه ليس مصدرا بمعنى أكله وعطفه عليه من قبيل أعجبني زيد وكرمه بل هو بمعنى المطعوم، وضمير طعامه للصيد فمعنى إحلال الصيد الانتفاع به، وإحلال مطعومه إحلال أكله على حذف مضاف، وهو من عطف الخاص على العام عنده، وعند ابن أبي ليلى الصيد والطعام على معناهما، ولذا قدر المضاف في صيد البحر فقال صيد حيوان البحر بأن تطعموه، وضمير طعامه لحيوان البحر، وقوله: مما لا يعيش إلا في الماء مطلقا هو مذهب الشافعيّ رضي الله عنه، وخرح عنه الضفاع ونحوه. قوله:(لقوله عليه الصلاة والسلام في البحر الخ) أخرجه أصحاب السنن عن أبي هريرة رضمي الله عنه وصححوه " والحل ميتته " بكسر الحاء، وفتح الميم بلا واو عإطفة خبر بعد خبر، وما ذكر! من قولي أبي حنيفة رحمه الله مفصل في الفقه. قوله:(ما قذفه أو نضب عنه الخ) أي ما ألقاه البحر أو بقي بعد ذهاب الماء عنه والتقييد ماخوذ من مقابلته بالصيد لأنّ ما لم يصد منه يكون كذلك، ونضب بنون، وضاد معجمة، وباء موحدة من النضوب، وهو دهاب الماء فالطعام بمعنى المطعوم كما مر ومن فسره با! ل جعل الضمير للصيد بمعنى المصيد أو بمعنى المصدر والضمير راجع إليه بمعنى المصيد. قوله:(تمتيعاً لكم نصب على الغرض) بالغين والضاد المعجمتين أي هو مفعول لأجله، وفسره بتمتيعاً لا تمتيعا ليتحد فاعلاهما على ما عرف في النحو وفي الكشاف بعد ما ذكر هذا، وهو في المفعول له بمنزلة قوله تعالى:{ووهبنا له إسحق ويعقوب} نافلة في باب
الحال لأنّ قوله متاعا لكم مفعول له مختص بالطعام كما أنّ نافلة حال مختصة بيعقوب فخصص المفعول له يكون الفعل مسنداً لقوله طعامه، وليس علة لحل الصيد، دهانما هو علة لحل الطعام فقط، وإنما حمله عليه مذهبه، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى من أنّ صيد البحر ينقسم إلى ما يؤكل، والى ما لا يؤكل وإنّ طعامه هو المأكول منه كنافلة، وهي ولد الولد حال مختصة بيعقوب لأنّ إسحز ولده لصحلبه فكذا متاعا إلا أنه أورد عليه أنه يؤدي إلى أنّ الفعل الواحد المسند إلى فاعلين متعاطفين يكون المفعول له المذكور بعدهما لأحدهما دون الآخر كقام زبد، وعمرو إجلالاً لك على أنّ الإجلال مختص بقيام أحدهما وفيه البأس، وأما الحال في الآية المذكورة فليست نظيره لهذا لأن فيه قرينة عقلية ظاهرة، وعلى غير مذهبه فلا يختص المفعول له بأحدهما، وهو ظاهر جليّ فلذا تركه المصنف رحمه الله تعالى فما قيل إن المصنف رحمه الله أشار بإطلاق الغرض، وعدم تخصيصه بما في الكشاف إلى ما فيه صرف العبارة عن ظاهرها بلا ضرورة من عدم تدبر مراده، والسيارة مؤنث سيار باعتبار الجماعة يقال رجل سائر وسيار وسيارة باعتبار الجماعة قاله الراغب: والمراد المسافرون، وإنما جعله قديداً بناء على الأغلب. قوله:(ما صيد فيه أو الصيد فيه الخ) يعني الصيد بمعنى المصيد، والمعنى مصيد البر، وهو خلاف البحر محرّم على المحرم، وهو يقتضي حرمت عليه مطلقا سواء اصطاده هو أو غيره، والإضافة لامية أو هو بالمعنى المصمدري، والإضافة لامية أو بمعنى في فيقتضي تحريم صيد المحرم نفسه لا صيد الحلال له، والمراد صيده حقيقة أو حكماً بأن أمره به أو أعانه عليه أو دله عليه، وإليه أشار بقوله مدخل والجمهور على هذا، وهو مذهبنا للحديث الذي ذكره، وهو حديث أخرجه أحمد والحاكم، وصححوه عن جابر رضي الله عنه قيل ولا دلالة له على الأوّل على حرمة مصيد الحلال مطلقاً بل حرمة مصيده في أوقات المحرم إن كان قوله
ما دمتم قيد الصيد وعلى حرمة مصيده مطلقاً في أوقات كونه محرماً إن كان قيداً للتحريم، وأما قول الزمخشريّ لا دلالة له على تحريم صيدي الحلال لأنّ المفهوم المتبادر من حرم عليكم الصيد صيدكم فدفع بأنّ دلالة الآية عليه مدفوعة بأن السنة بينت المراد منه فلا عمل بدلالته، وفيه نظر لأنّ تحريم صيد البر للحلال معلوم أنه ليس عليه شيء فيه، وهذه قرينة ظاهرة على أنّ المراد ذلك فتدبر، وما دمتم قرئ بضم الدال من دام يدوم، وما
مصدرية ظرفية وقرى دمتم بكسرها كخفتم من دام يدام لغة فيها، وحرم بضمتين جمع حرام بمعنى محرم، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما حرم بفتحتين أي ذوي حرم بمعنى إحرام أو مبالغة فالحرم اسم المكان، والإحرام أيضاً. قوله:(سمي البيت كعبة لتكعبه) التكعب التربيع، ومنه تكعب الحسان، وقد يقال للارتفاع، ولهذا سميت الكعبة كعبة لكونها مربعة أو مرتفعة، ومنه كعب الرجل. قوله:(عطف بيان على جهة الماخ أو المفعول الثاني) أي أو هو المفعول الثاني لأنّ جعل بمعنى صيرينصب مفعولين لا بمعنى خلق أو حكم، وبين كما قيل لأنه خلاف الظاهر دمانما قال على جهة المدح لأنّ البيت الحرام عرف بالتعظيم عندهم فصار في معنى المعظم أو لأنه وصف بالحرام المشعر بحرمته وعظمته فذكر البيت كالتوطئة له، وهذا مع ظهوره خفي على من قال شرط عطف البيان الجمود، والجامد لا يشعر بمدح إنما يشعر به المشتق، وهو جمود منه. قوله:(انتعاشاً لهم الخ) أصل معنى الانتعاش الارتفاع والتحرك، ويقال نعشه إذا رفعه من عثار أو جبره في زلة، وأفتقار فمعنى سبب انتعاشهم أنه سبب إصلاح أمورهم، وجبرها ديناً ودنيا كما بينه المصنف رحمه الله تعالى لأنه كان مأمنا لهم، وملجأ ومجمعاً لتجارتهم، والعمار جمع عامر، وهو من يأتي بالعمرة ومنه تعلم أنّ التجارة في الحج ليست مكروهة. قوله:(وقرأ ابن عامر قيماً على انه مصدر الخ (يعني أنه مصدر كشبع، وكان القياس أن لا تقلب واوه ياء كعوض وعوج لكنها لما قلبت في فعله ألفا تبعه المصدر في إعلال عينه. قوله: (ونصبه على المصدر أو الحال) أي يقوم قيماً أو قائماً، وذلك على تقدير كون البيت الحرام مفعولاً ثانيا، ويحتمل البدلية. قوله:(الشهر الذي يؤدي فيه الحج الخ) فالتعريف للعهد بدليل قرنائه جمع قرين وهو ما قرن به من الهدي والقلائد وعلى الثاني المراد به الجنس الشامل لكل واحد منها لانتفاء دليل العهدية. قوله:) ذلك إشارة إلى الجعل أو إلى ما ذكر الخ) في إعراب ذلك وجوه.
أحدها: أنه خبر مبتدأ محذوف أي الحكم الذي قررناه ذلك أو مبتدأ خبره محذوف أي
ذلك الحكم هو الحق أو مفعول فعل مقدر أي شرع ذلك لتعلموا الخ فاللام متعلقة به، وهو أقربها وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إليه، والإشارة إلى الجعل المذكور أو إلى جميع ما ذكر. قوله:(فإنه شرع الأحكام لدفع المضار قبل وقوعها الخ) بيان لكيفية تعليل
قوله: (لتعلموا الخ القوله ذلك وأتى بالعام ليندرج تحته هذا العلم الخاص، ويمكن أن يكون المعنى إنما جعلنا الكعبة انتعاشا لهم في أمر دينهم ودنياهم أو ذكرنا حفظ حرمة الإحرام بمنع الصيد ليعلموا أنا نعلم مصالح دنياهم، ودينهم فيستدلوا بهذا العلم الخاص على أنه لا يعزب عن علمه تعالى مثقال ذرة في السموات والأرض، ويعلموا أنه تعالى عالم بما وراء ذلك كله. كذا في شرح الطيبي رحمه الله تعالى فما قيل لم نر ما يبين أنّ العلم بما ذكر دليل على أنه تعالى يعلم كل شيء وكلام المصنف رحمه الله تعالى لا يفي بالمقصود والذي سنح لي أنه تعالى لما كان مجردا بالذات، وبالفعل عن المادة، وعن التعلق بها كان النسبة إلى جميع الجزئيات بالنسبة إليه على السوية فإذا علم أنه تحقق عنده بعض الجزئيات كأحوال الكعبة علم أنه عالم بكلها إذ هي مستوية بالنسبة إليه تعالى، وكونه عالما ببعض دون آخر ترجيح بلا مرجح قصور وتكلف. قوله: (تعميم بعض تخصيص الخ) لأنّ الأوّل خاص بالموجودات غيره تعالى وهذا شامل له وللمعدومات، وقدم الخاص لأنه كالدليل على ما بعده، ووجه المبالغة من تعميم كل وصيغة عليم، وقوله: لمن هتك محارمه، وفي نسخة انتهك محارمه، وهتك المحارم رفع سترها، واتيانها، وانتهاك المحارم قريب منه، ولمن أقلع وفي نسخة انقلع بمعنى رجع، وقوله: تشديد في إيجاب القيام بما أمر أمر مبني
للفاعل أي شدد عليهم في إيجاب امتثال ما أمر به لأنّ معناه أن ما أمر به، وهو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يقصر به فما وجه تقصيركم، ولم يأل جهدا في تبليغكم فأقي عذر لكم في الترك. قوله:) حكم عام في نفي المساواة عند الله) فإنه في أكثر أحسن كل شيء أقله، وهو ظاهر:
والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عني
والخطاب عام لكل ناظر بعين الاعتبار فإنه الصالح للخطاب، وفيه إشارة إلى غلبة أهل الإسلام، وان قلوا كما أنّ التوبة الواحدة تمحوا الألوف من الذنوب، وآثروا بالمد من الإيثار
أي قدموه على غيره واجعلوا له أثرة على غيره، وقوله:(راجين الخ) تقدم الكلام فيه، وأنّ الرجاء بالنسبة إلى المخاطبين لا بالنسبة إليه تعالى وحجاج جمع حاج أو حجيج وقد تقدم الكلام على هذه القصة وأنّ المسلمين أرادوا أن يوقعوا بحجاج اليمامة وكان معهم تجارة عظيمة فنهى الله عن المشركين القاصدين لحرم الله، وسمي ما معهم خبيثا، واليمامة بلاد وهي في الأصل اسم امرأة سميت بها. قوله:(الشرطية وما عطف عليها الخ) يعني ليس السؤال عنه مطلقاً منهياً عنه بل منه ما هو لازم كالسؤال عما لا يعلم من أمر دينه: " وطلب العلم فريضة " كما في الحديث بل السؤال عما لا حاجة إليه مما بين إذ ربما تجر كثرة السؤال إلى ما يورث الغم فليس النهي عن السؤال مطلقا بل عن أشياء إن تبدلهم تسؤهم، وهي التكاليف الصعبة. قوله:(وهما كمقدمتين الخ) قال الطيبي بعدما ذكرء
قلت: هذا النوع عند علماء البيان يسمى بالكناية الإيمائية فيفيد القطع بامتناع السؤال
وليس يوجد في الآية، وتقرير الزمخشريّ أقرب لما يفهم من دليل الخطاب، والتقييد بالوصف أن هناك سؤالاً لا يعمهم وهو ما لا يتعلق بالتكاليف الشاقة، والأمور التي إن ظهرت أوقعتهم في الحرج، والضيق وهذا أحسن لولا أنّ قوله أن تبدلكم يقتضي أن يخص السؤال بما في إخفائه مصالح للعباد، وفي إبدائه فساد فإن مقابل الإبداء الإخفاء، ويعضده ما روى البخاري، ومسلم في سبب نزولها عن أنس رضي الله عنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قد فقال:" وتعلمون ما أعلم لضحكتم فليلَا، ولبكيتم كثيرا) وفيه فقال رجل: قن أبي فقال. " فلان " فنزلت وفيه تأمل، وقوله: في زمان نزول الوحي تفسير لقوله حين ينزل القرآن. قوله: (وأشياء اسم جمع كطرفاء غير أنه الخ) في أشياء مذاهب خمسة:
أولها: وهو مذهب الجمهور، وهو أقربها، واليه ذهب الخليل، وسيبويه والمازني،
وكثر البصريين أنها اسم جمع لا جمع كطرفاء، وأصلها شيآء بهمزتين بينهما ألف ووزنها فعلاء فقدمت الهمزة الأولى التي هي لام الكلمة على الفاء لاستثقال همزتين بينهما ألف قبلهما حرف علة وهي الياء فوزنها حينئذ لفعاء والقلب كثير في كلامهم فلا يضر الاعتراض بأنه خلاف الأصل لأنه أهون الشرين، وحسنه يعلم مما يخالفه، ومنع الصرف لألف التأنيث.
الثاني: مذهب الفراء أنها جمع شيء بياء مشددة، وهمزة بوزن هين، ولين خفف كما
قالوا في ميت ميت، وجمع بعد تخفيفه على أشيآء بهمزتين بينهما ألف بعد ياء بزنة أفعلاء فاجتمع همزتان إحداهما لام، والأخرى للتأنيث فخففوه بقلب الهمزة الأولى ياء ثم حذفوا الياء الأولى التي هي عين الكلمة فصار وزنه أفلاء، وقيل في تصمريف هذا المذهب أنّ أصله أشيآء فحذفت الهمزة التي هي لام الكلمة لأنّ الثقل حصل بها فوزنها أفعاء، وعليهما مغ الصرف لهمزة التأنيث.
الثالث: مذهب الأخفش أن أشياء جمع شيء بوزن فلس، وفعلا يجمع على أفعلاء فجمع على أشيآء بهمزتين بينهما ألف بعد ياء ثم عمل فيه ما مر، ومنهم من عزا هذا المذهب للأخفش، وهو أمر سهل. ورده الزجاج بأن فعلاً لا يجمع على أفعلاء، وناظر المازني الأخفش في هذه المسألة فقال كيف تصغر أشياء قال: أقول أشيآ فقال المازوني: لو كانت أفعلاء لردت في التصغير إلى واحدها فقيل ش! آت، وإجماع البصرين أنّ تصغير أصدقاء إن كان لمؤنث صديقات، وان كان لمذكر صديقون فانقطع الأخفش، وتحقيقه أنّ المكسر إذا أصغر فإمّا أن يكون جمع قلة فيصغر على لفظه، وان كان جمع كثرة لا يصغر على لفظه فإن ورد منه شيء كان شاذاً بل يردّ إلى واحده فإن كان من غير العقلاء صغر، وجمع بالألف، والتاء، وان كان من العقلاء جمع بالواو، والنون
فيقال في تصغير رجال رجيلون واسم الجمع يصغر على لفظه كقويم، ورهيط، وقال مكي رحمه الله تعالى يلزمهم أن يصغروا أشياء على شويآت أو على شييآت، ولم يقله أحد، وفي الدر المصون شويآت ليس بجيد فإنه ليس موضمع قلب ألياء واواً ألا ترى أنك تصغر بيتا على بييت لا بويت إلا أن الكوفيين يجيزون ذلك فيمكن أن يرى رأيهم قال أبو علي رحمه الله ولم يأت الأخفش عما مر بجوإب مقنع، والجواب عنه أن أفعلاء هنا جاز تصغيرها على لفظها، وان لم يجز في غيرها لأنها قد صارت بمنزلة أفعال فقامت مقامها بدلالة استجازتهم إضافة العدد إليها كما يضاف إلى أفعال وذكروا العدد المضاف إليها لذلك فقالوا ثلاثة أشياء فأقاموها مقام أفعال فلم يمنعوا تصغيرها على لفظها فلا تدافع بين التكثير والتقليل انتهى وهذا دليل من قال إنّ وزنها أفعال.
الرابع: قول الكسائيّ إنها جمع شيء على أفعال كضيف، وأضياف، وأورد عليه منع الصرف من غير علة، ويلزمه صرف أبناء، وأسماء، وقد استشعر الكسائيّ هذا الاعتراض وأشار
إلى دفعه بأنه على أفعال، ولكن كثرت في الكلام فأشبهت فعلاً فلم يصرف كما لم يصرف حمراء وقد جمعوها على أشاوى كما جمعوا عذراء على عذارى، وأشياوات كحمراء، وحمراوات فعاملوا أشياء وإن كانت على أفعال معاملة حمراء، وعذراء في جمعي التكسير والتصحيح ورد بأن الكثرة تقتضي تخفيفه وصرفه، وأيده بعضهم باًن العرب قد اعتبروا في باب ما لا ينصرف الشبه اللفظي كما مر في سراويل فيمن منعه مع أنه اسم أعجمي لشبه مصابيح وأجروا ألف الإلحاق مجرى ألف التاً نيث المقصورة، ولكن مع العلمية فاعتبروا مجرد الصورة، وله نظائر كثيرة.
الخامس: أنّ وزنها أفعلاء جمع شيء مزنة فعيل كنصيب، وانصباء وصديق، وأصدقاء حذفت الهمزة الأولى التي هي لام الكلمة، وفتحت الياء تسلم الألف فصارت أشياء بزنة أفعاء، وجعل مكي تصريفه كمذهب الأخفش إذ أبدل الهمزة ياء، ثم حذف إحدى الياءين، وحسن حذفها من الجمع حذفها من المفرد لكثرة الاستعمال، وعدم صرفه لهمزة التأنيث الممدودة، وهو حسن لولا أن التصغير يرد عليه كما ورد على الأخفش مع إيرادات أخر، وقيل في تصريفه حذفت الهمزة، وفعل به ما فعل ووزنه أفياء، وفي القول قبله أفلاء وقوله افياء غلط، والصواب أفعاء، وكأنها من الناسخ والحاصل أنها هل هي اسم جمع، وأصل وزنها فعلاء أو جمع على أفعلاء، ووزنه بعد الحذف أفعاء أو أفلاء أو أفياء أو أصلها! فعال قالوا، والأظهر مذهب سيبويه لقولهم في جمعها أشاوى فجمعوه على صحراء، وصحارى وكان القياس أشايا بالياء لظهورها في أشياء لكنهم أبدلوها واو شذوذاً كما قالوا جبيت الخراج جباوة فأشاوى عند سيبويه لفاعا، وعند أبي الحسن أفاعل لما جمع أفعلاء حذف الألف، والهمزة التي بعدها للتأنيث للتكسير كما حذفوهما من القاصعاء فقالوا قواصع فصار أشاوى، وقوله: كطرفاء هو اسم جمع لطرفة وهي شجر الأثل، وقد علمت من هذا التفصيل معنى كلام المصنف رحمه الله وماله وعليه، ولنا في ذلك قديماً:
أشياءلفعاءفي وزن وقدقلبوا لامالهاوهي قبل القلب شيآء
وقيل أفعال لم تصرف بلا سبب منهم وهذا الوجه الرذ إيماء
أوأشيآء وحذف اللام من ثقل وشيء أصل شيء وهي آراء
وأصل أسماء أسما وكمثل كسا فاصرفه حتما ولا تغررك أسماء
واحفظ وق!! للذي ينسى العلاسفها خفضت شياءوغابت عنك أشياء
قوله:) صفة أخرى (أي لأشياء والرابط ضمير عنها، والجملة خبرية، والمعنى لا تسألوا عن
أشياء لم يكلفكم الله بها كما في سبب النزول المذكور. قوله:) روي أنه لما نزلت الخ (بهذا يعلم
ارتبا! الآية بما قبلها، وهذا الحديث أخرجه ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه لكن فيه أن القائل عكاشة بن محصن رضي الله عنه، ولذا شك الراوي فيه كما أشار إليه في الكشاف، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا " فقال رجل: أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو قلت نعم لوجبت
ولما استطعتم " ثم قال: " ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء ناتوا منه أستطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " قال ابن الهمام رحمه الله: الرجل المبهم هو الأقرع ابن حابس كما في مسند أحمد، والدارقطني، ومستدرك الحاكم في حديث صحيح رووه على شرط الشيخين فقد علمت الأصح في اسمه، وكون الواقعة تعددت احتمال بعيد وقوله: لوجبت أي مسألتكم، وهي الحج في كل عام. قوله:(أو استئناف الخ) ، والضمير في عنها على هذا يعود إلى المسألة المدلول عليها بلا
تسألوا وإليه أشار المصنف، ويجوز أن تعود إلى أشياء أيضا كأنه قيل فما حالتنا في مساً لتنا هذه فقال عفا الله الخ. قوله:(وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخ) هذا الحديث بهذا اللفظ أخرجه الفريابي في تفسيره، وأخرج مسلم وغيره أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه في المسألة فصعد ذات يوم المنبر، وقال:" لا تسالوتي عن شيء إلا بينته لكم " فلما سمعوا ذلك أرموا ورهبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر قال أنس رضي الله عنه فجعلت أنظر يمينا وشمالاً فإذا كل رجل لات رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رج! ، كان إذا لاحى يدعي إلى غير أبيه فقال يا رسول الله من أبي قال:" أبوك حذافة " ثم أنشأ عمر رضي الله عنه فقال: رضينا بالثه ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا نعوذ بالله من الفتن، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما رأيت في الخير والث! ر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتها دون الحائط " وروى أحمد أن حذافة رضي الله تعالى عنه رجع إلى أف فقال ويحك ما الذي حملك على الذي صنعت قالت:
كنا أهل جاهلية وأهل أعمال قبيحة ويفرط بزنة يقعد بمعنى يسبق وما لا يعنيهم بفتح الياء بمعنى لا يهمهم وسؤال الرجال بقوله: أين أنا أي أين مآل أمري ومرجعي، وإلا فهو منافق متهكم، وقوله: يدعي بسكون الدال من الدعوة بالكسر. قوله: (الضمير للمسألة الخ) قال أبو حيان: لا يتجه هذا الأعلى حذف مضاف كما صرحوا به أي سأل أمثالها، وأمّا ما قيل إنه عائد على أشياء، وأنه غير متجه لفظا، ومعنى أمّا لفظاً فلأنه يتعدى بعن، وأمّا معنى فلان المسؤول عنه مختلف فإنّ سؤالهم غير سؤال من قبلهم. فغير وارد لأنه بتقدير مثل كما مر، وإذا رجع إلى المسألة يكون الضمير في موقع المصدر لا المفعول به بالواسطة حتى يلزم التعدية بعن فيحمل على الحذف، والإيصال، ولا بدون الواسطة كما في سألته درهما بمعنى طلبته منه لأنهم لم يسألوا تلك الأشياء بل سألوأ عنها، وعن حالها. قوله:(ولشر صفة لقوم فإنّ ظرف الزمان الخ) هذا هو المشهور بين النحاة، ولكن التحقيق إنه لا يكون خبراً عن اسم عين، ولا حالاً ولا صفة، ولا صلة إذا عدمت الفائدة فإن حصلت جاز كما إذا أشبهت العين المعنى في تجددها في كل وقت دون وقت نحو الليلة الهلال أو قدر قبله اسم معنى نحو اليوم خمر أي شرب خمر بخلاف زيد يوم السبت، ولذا قال في الألفية:
ولا يكون اسم زمان خبرا عن جثة وان يفد فأخبرا
وما نحن فيه مفيد لأن القوم لا يعلم هل هم ممن مضى أم لا وقد مرّ في قوله: {الذين
من قبلكم} أنه أعرب صلة والصلة كالصفة، وقال أبو حيان رحمه الله هذا المنع إنما هو في الزمان المجرّد عن الوصف أما إذا تضمن وصفا فيجوز كقبل وبعد فإنهما وصفان في الأصل فإذا قلت جاء زيد تبل عمرو فالمعنى جاء في زمان قبل زمان مجيئه أي متقدم عليه، ولذا وقع صلة للموصول، ولو لم يلحظ فيه الوصف، وكان ظرف زمان مجرّدا لم يجز أن يقع صلة ولا صفة قال تعالى:{والذين من قبلكم} ولا يجوز والذين اليوم وهذا تحقيق بديع غفلوا عنه، ومنه تعلم ما في كلام المصنف رحمه الله تعالى وأما كون الصفة الجار والمجرور الذي هو ظرف لا الظرف نفسه فوهم لأن دخول الجار عليه إذا كان من أوفى لا يخرجه عن كونه فيالحقيقة هو الخبر أو نحوه فتأمّله. قوله:(اي بسببها حيث لم يأتمروا الخ الما لم يكن كفرهم بنفس المسألة بل بالمسؤول عنه أجابوا بأنه على حذف مضاف أي بجواب المسألة أو الباء للسببية دون الصلة، وقوله: لم يأتمروا بما سالوا أي لم يمتثلوا ما أجيبوا به، ويفعلوه. قوله: (رد وإنكار لما ابتدعه أهل الجاهلية الخ) نتجت الناقة مبني للمجهول مسند إلى المفعول الأوّل أي وضعت حملها، ونتاجها
ومعنى البحيرة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من البحر، وهو
الشق لثق أذنها فهي نعيلة بمعنى مفعولة والتاء للنقل إلى الاسمية أو لحذف الموصوف، وما ذكر. المصنف رحمه الله تعالى هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا أنه ليس فيه قيد أن آخرها ذكر، وعن قتادة رضي الله عنه أنها إذا أنتجت خمسة أبطن نظر في الخامس فإن كان ذكراً ذبحوه وأكلوه، وان كان أنثى شقوا أذنها وتركوها ترعى ولا يستعملها أحد في حلب وركوب وغيره، وقيل البحيرة الأنثى التي تكون خامس بطن، وكانوا لا يحلون لحمها ولبنها للنساء فإن ماتت حلت لهن، وقيل البحيرة بنت السائبة وستأتي وكانت تهمل أيضاً وهذا قول مجاهد وجبير، وقيل: هي التي منع لبنها للطواغيت فلا تحلب وهو قول سعيد بن المسيب، وقيل: هي التي تترك في المرعى بلا راع وقيل التي ولدت خمس إناث فشقوا أذنها وتركوها هملاً، وقيل: هي التي ولدت خمساً أو سبعا وقيل عشرة أبطن فتترك هملا، وإذا ماتت حل لحمها للرجال دون النساء قاله الراغب وغيره وقيل هو السقب الذي إذا ولد شقوا أذنه وقالوا اللهم إن عاش فعبى وان مات فذكى فإذا مات أكلوه وجمع بين الأقوال بأن العرب كانت تختلف أفعالهم فيها. قوله:(وكان الرجل منهم يقول إذا شفيت الخ) هذا تفسير السائبة، وهي فاعلة من سيبته فهو سائب وهي سائبة أو بمعنى مفعول كعيشة راضية أي ذات رضا وكانوا إذا قدموا من سفر أو أصابتهم نعمة نذروا ذلك، وقيل: هي الناقة تنتج عشرة أبطن إناث فتهمل ولا يشرب لبنها إلا لضيف أو ولد وقيل ما ترك لآلهتهم، وقيل: ما ترك ليحج عليه وقيل هي العبد يعتق على أن لا يكون عليه ولاء ولا عقل ولا ميراث. قوله: (وإذا ولدت الشاة الخ (هذه هي الوصيلة وهي فعيلة بمعنى فاعلة لما سيأتي، واختلف فيها هل هي من جنس الغنم أو الإبل فقال الفرّاء: هي الثاة تنتج سبعة أبطن عناقين عناقين فإذا ولدت في آخرها عناقاً وجديا قيل: وصلت أخاها فجرت مجرى السابة، وقال الزجاج: هي الشاة إذا ولدت ذكراً كان لآلهتهم وان ولدت أنثى كانت لهم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها الشاة تنتج سبعة أبطن فإن كان السابع أنثى لم ينتفع النساء منها بشيء إلا أن تموت فتأكلها الرجال والنساء، وكذا إن كانت ذكراً وان كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فتترك معه ولا ينتفع بها إلا الرجال دون النساء فإن ماتت اشتركوا فيها، وقال ابن قتيبة رحمه الله: إن كان السابع ذكرأ ذبح وأكلوا منه دون النساء، وقالوا:{خالصة لذكورنا محرمة على أزواجنا} [سورة الأنعام، الآية: 139] وان كان أنثى تركت في الغنم وان كان ذكرا وأنثى فكقول ابن عباس رضي الله عنهما وقيل هي الشاة تنتج عشر أناث متواليات في خمسة أبطن فما ولدت بعده للذكور دون الإناث فإذا ولدت ذكرأ وأنثى معا قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها، وقيل: هي الشاة تنتج خمسة أبطن أو ثلاثة
فإن كان جديا ذبحوه وان كان أنثى أبقوها وان كان ذكراً وأنثى قالوا وصلت أخاها هذا عند من خصها بالغنم، ومن قال: إنها من الإبل قال: هي الناقة تبكر فتلد أنثى، ثم تثنى بولادة أنثى أخرى ليس بينهما ذكر فيتركونها لآلهتهم، ويقولون: قد وصلت أنثى بأنثى ليس بينهما ذكر. قوله: (وإذا نتجت الخ) هذا معنى الحامي، واختل فيه أيضاً فقيل هو الفحل يولد لولده فيقولون قد حمى ظهره فيهمل ولا يطرد عن ماء ومرعى وقيل: هو الفحل يولد من ظهره عشرة أبطن فيقولون حمى ظهر، ويهملونه كذلك وعن الشافعيّ رضي الله عنه أنه الفحل يضرب في مال صاحبه عشر سنين وقيل هو الفحل ينتج له سبع أناث متواليات فيحمي ظهره، وقد عرفت أنّ منشأ الاختلاف مذاهب العرب فيها. قوله:(ومعنى ما جعل ما شرع ووضع الخ) كونه بمعنى ما شرع ذكره الزمخشري، والراغب وابن عطية لأنها هنا ليست بمعنى خلق ولا صير، وقيل: إنّ أحداً من أهل اللغة لم يذكر من معانيها شرع، وجعلها هنا للتصير والمفعول الثاني محذوف أي جعل البحرة مشروعه، وليس كما قال فإن الراغب رحمه الله: نقله عن أهل اللغة كما علمت وهو ثقة. قوله: (وفيه أنّ منهم من يعرف الخ الأنه قال أكثرهم، وهو ظاهر وقوله أو الآمر بالمد أي لا يعرفون إنّ الله هو الآمر المحلل والمحرّم، ولكنهم يقلدون ويصح قصره فتأمل. قوله: (الواو للحال والهمزة الخ) قال أبو البقاء: وجواب لو محذوف أي أولوا كانوا لا يعلمون يتبعونهم وذهب
الراغب إلى أنّ الواو للعطف هنا، والهمزة للتعجيب من جهلهم أي يكفيهم ذلك، وان كان آباؤهم لا يعلمون فيفعلون ما يقتضيه علمهم، ولا يهتدون بمن له علم قيل: جعلوا الواو في مثله للحال وليس ما دخلته الواو حالاً من جهة المعنى بل ما دخلته لو أي، ولو كان الحال أنّ آباءهم لا يعلمون وفيه نظر ومن الغريب أنّ بعض المفسرين سمى هذه الهمزة همزة التوقف، وهي تسمية غريبة كما في الدار المصون وفي كون الجملة الاستفهامية الانشائية حالاً تأمل يحتاج إلى نظر دقنق، وقوله: فلا يكفي التقليد أي التقليد من غير أن يعلم
أنّ من قلده له حجة صحيحة على ما قلده فيه حتى قالوا إن للمقلد دليلاً اجماليا، وهو دليل من قلده وأوّل من فعل هذا عمرو بن لحيّ بن جمعة بن خندف. قوله:(أي احفظوها والزموا صلاحها الخ) يعني اسم فعل أمر نقل أمر نقل إلى ذلك مجموع الجار والمجرور لا الجار وحده كما قيل وهو متعد، وقد يكون لازما بمعنى تمسك كما في قوله صلى الله عليه وسلم:" عليك بذات الدين " وعلى قراءة الرفع فهو مبتدأ أو خبر أي لازمة عليكم أنفسكم، أو حفظ أنفسكم لازم عليكم بتقدير مضاف في المبتدأ، وهي قراءة شاذة لنافع وكون أسماء الأفعال موضوعة للألفاظ أو للمعاني محقق في النحو، وقول المصنف رحمه الله أسماً لالزموا ظاهر في الأوّل. قوله:(لا يضركم الضلال إذا كنتم مهتدين ومن الاهتداء الخ) أي ضلال غيركم لا يضركم إذا كنتم على الهدأية، ولما توهم من ظاهر الآية الرخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأذن في ذلك ينافي الأمر به أشاروا إلى الجواب عنه بوجوه.
الأوّل: أنه للمنع عن هلاك النفس حسرة وأسفا على ما فيه الكفرة والفسقة من الضلال. والثاني: أنه تسلية لمن يأمر وينهى ولا يقبل منه عند غلبة الفسق وبعد عهد الوحي.
والثالث: أنه للرخصة في تركهما إذا كان فيهما مفسدة فوقهما.
والرابع: أنه للأمر بالثبات على الإيمان من غير مبالاة بنسبة الآباء إلى السفه حيث كانوا
على الكفر والضلال وأبناؤهم على الإيمان والهدى، والخامس أن الاهتداء لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي المذكور لأنّ تركه مع القدرة عليه ضلال، وجميع الوجوه تؤخذ من كلام المصنف رحمه الله فالأوّل من قوله لما كان المؤمنون يتحسرون الخ، والثاني يؤخذ من قوله حسب طاقته لأنه يثير إلى أنّ ما لا يطاق معفو عنه ومن عدم الطاقة كثرة الفسقة، وكذا الثالث والرابع من قوله وقيل كان الرجل الخ والخامس: وهو مما زاده على الكشاف من قوله ومن الاهتداء الخ فلم يترك شيئا من الكشاف كما قيل. وقوله: (من رأى منكا) الحديث الخ أخرجه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه. قوله: (ولا يضركم يحتمل الرفع على أنه مستأنف الخ) أي هو إما مرفوع مستأنف لا تعلق به بالأمر، أو هو جواب للأمر والمعنى إن لزمتم أنفسكم لا
يضركم والضمة على الأول رفع وعلى هذا حرك لالتقاء الساكنين بالضم إتباعا لما قبله، وكذا على تقدير كونه نهيا وليس المراد في النهي نهي من ضل عن الضرر بل المعنى نهي المخاطبين عما يؤدي إلى الضرر من جهة من ضل كناية على طريقة قوله لا أرينك ههنا، وقراءة الفتح لتحريكه بالفتح تخفيفا لالتقاء الساكنين، وضاره يضيره ويضوره بمعنى ضره كذمّه وذامه. قوله:(وتنبيه على أنّ أحدا الخ الأنه يدل على أنباء كل شخص بعمله دون عمل غيره والمقصود من الأنباء المؤاخذة به. قوله: (أي فيما أمرتم شهادة بينكم) اعلم أنهم قالوا: ليس في القرآن آية أعظم إشكالاً حكما واعرابا وتفسيرا من هذه الآية والتي بعدها حتى صنفوا فيها تصانيف مفردة قالوا: ومع ذلك لم يخرح أحد من عهدتها، والشهادة لها معان منها الإحضار كقوله:{واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [سورة البقرة، الآية: 282] ومنها القضاء نحو شهد الله أي قضى، ومنها أقرّ ومنها حكم ومنها حلف ومنها علم ومنها وصى كما في هذه الآية، وفيها قراآت متعدّدة فقرأها الجمهور برفع شهادة على أنها مبتدأ واثنان خبرها وجعلوها على حذف مضاف من الأول أي ذوا شهادة بينكم اثنان من الناس أو شهادة بينكم شهادة اثنين ليتصادق المبتدأ والخبر، ومنهم من جعل الشهادة بمعنى الشهود كرجل عدل أو الخبر محذوف، واثنان مرفوع بالمصدر الذي هو شهادة والتقدير فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان، وهو قول الزجاج: وتبعه الزمخشريّ وإذا ظرف لشهادة أي ليشهد وقت حضور الموت أي أسبابه، وحين
الوصية إما بدل من إذا أو نفس الموت أي وقوع الموت أي أسبابه حين الوصية أو منصوب بحضر أو شهادة مبتدأ خبره إذا حضر أي وقوع الشهادة في وقت حضور الموت حين الوصية على الوجوه السابقة ولا يجوز فيه أن يكون ظرفا للشهادة لئلا يخبر عن الموصول قبل تمام صلته كما مر أو خبره حين الوصية وإذا منصوب بالشهادة، ولا يجوز نصبه بالوصية، وان كان المعنى عليه لأنّ معمول المصدر لا يتقدمه على الصحيح، وأيضا يلزم تقديم معمول المضاف إليه على المضاف، وهو لا يجوز غير غير كقوله:
على الثاني لعبدي غير مكفور
لأنها بمنزلة لا واثنان على هذين الوجهين الأخيرين إما فاعل يشهد مقدرا أو خبر الشاهدان مقدراً أو شهادة مبتدأ أو اثنان فاعله سد مسد الخبر، وهو مذهب الفراء إلا أنه جعل المصدر بمعنى الأمر أي ليشهد فجعله من نيابة المصدر عن فعل الطلب، وهو ضعيف عند غيره لأنّ الاكتفاء بالفاعل مخصوص بالوصف المعتمد، وإذا وحين عليه منصوبان على الظرفية كما مر فهذه خمسة أوجه، وأما قراءة من نصبها فذهب ابن جني إلى أنها منصوبة بفعل مضمر اثنان فاعله أي ليقم شهادة بينكم اثنان، وتبعه الزمخشريّ، وأورد عليه أنّ حذف الفعل، وابقاء فاعله لم تجزه النحاة إلا إذا تقدم ما هو من جنس لفظه كقوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة
أو وقع في الجواب، وهذا ليس كذلك، وما ذكره من الاشتراط غير مسلم بل هو مسلم
بل هو شرط أكثرية أو الشهادة مصدر ناب مناب فعله، وقدير ليشهد أمراً دون أشهد لرفعه الظاهر أو يقدر يشهد خبرا وبينكم في قراءة من نون شهادة منصوب على الظرفية ومن جره اتسع فيه لأنه متصرف، ولذا قرىء بقطع بينكم بالرفع، وقال الماتريدي والرازي إنّ الأصل ما بينكم، وهو كناية عن التنازع والتخاصم، وحذف ما جائز كقوله وإذا رأيت ثمّ أي ما ثم وأورد عليه أنّ ما الموصولة لا يجوز حذفها، ومنهم من جوّزه، وإنما بسطنا القول فيه لأنه من المهمات فقول المصنف رحمه الله أي فيما أمر تم إشارة إلى أنّ شهادة مبتدأ خبره هذا المقدر، وهو أحد الوجوه السابقة، وجعل المراد من الشهادة الاشهاد في الوصية لأنها اللازمة لمن حضره الموت لا الشهادة نفسها لأنها على من أشهده. وقوله:) وقرىء شهادة الخ) أي على أنها مفعول ليقم بلام الأمر من أقامها إذا أدّاها على وجهها وبينكم منصوب على الظرفية، وأوّل حضور الموت بمشارفته لأنه لا وصية إذا حضر بالفعل، وإنما هي قبل ذلك، وإذا متعلقة بالشهادة، وهو أحد الوجوه فيها، وحين بدل منه، وقوله مما ينبغي غير قول الزمخشريّ دليل على وجوب الوصية لأنهم قالوا المراد بالوجوب الندب المؤكد طلبه الشبيه بالواجب، وفي تقدير ليقم ما مرّ من حذف الفعل، وابقاء فاعله فتذكره. قوله:(اثنان فاعل شهادة ويجوز أن يكون خبرها على حذف المضاف) قيل عليه إنه صرح بأن الشهادة بمعنى الاشهاد الذي هو فعل الموصي المختصر فلا يصح أن يكون اثنان فاعلاً لها بل لا بد أن يكون مفعولاً منصوبأ، والزمخشريّ لم يجعل الشهادة بمعنى الاشهاد بل حملها على معناها المتبادر منها، واثنان فاعل أي فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان فلا يرد شيء (قلت) اضافته إلى الظرف ناطقة بأن الشهادة واقعة بينهم، وبمحضر منهم، وكذا تعلق حين الوصية بها فالمعنى شهادتهما بما أوصى به
بحضرتهما، وهي تستلزم الاشهاد، وإليه مآل المعنى كما إذا قلت شهد الزيدان بما أسمعهما عمرو من كلامه، وبهذا الاعتبار كان مأمورا لأنّ المخبر عنه في الحقيقة الوصية المشهد عليها، وهي فعله، ونظيره، وإن لم يكن مما نحن فيه {فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضا! إحداهما فتذكر احداهما الآخرى} [سورة البقرة، الآية: 282] لأنّ المعلل به التذكير، والمعنى أن تذكر احداهما الأخرى إذا ضلت كما نبه على سره في كتب التفسير والعربية فليست الشهادة بمعنى الاشهاد مجازا حتى يرد ما ذكره المعترض، وتبعه كثير منهم، ولذا قال المراد، ولم يقل ومعناها أو هي مجاز عنه ونحو ذلك، وقد أشار إلى ذلك الزمخشريّ حيث قال بعد قوله في تفسير {شهادة بينكم} [سورة المائدة، الآية: 06 ا] فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان يعني فاستشهدوا فلا فرق بين كلاميهما كما توهمه المعترض، وأما ما قيل إن الشهادة بمعنى الأشهاد الذي هو مصدر المجهول، واثنان قائم مقام فاعله، والنائب عن الفاعل يطلق عليه فاعل كثيرا عندهم فمع كون الكلام مناد على خلافه
يقتضي الإتيان لمصدر الفعل المجهول بنائب فاعل، وهو اسم ظاهر مرفوع، وهذا وأن جوّزه البصريون كما في شرح التسهيل للمرادي في باب المصدر فقد منعه الكوفيون، وقالوا إنه هو الصحيح لأنّ حذف فاعل المصدر سائغ شائع فلا يحتاج إلى ما يسد مسد فاعله كفاعل الفعل الصريح، وحذف المضاف إما من المبتدأ أو الخبر كما مرّ، ووقع في النسخ هنا اختلاف ففي نسخة الأشهاد في الوصية، وفي أخرى بالوصية، وفي أخرى أو الوصية فيكون المراد بالشهادة الوصية، وسيأتي ما يتعلق به، والأخيرة ليست معتمدة، ولا تناسب الكلام فتأمّل. قوله:(من أقاربكم أو من المسلمين وهما صفتان الخ) التفسيران مبنيان على ما سيأتي. قوله: (ومن فسر الغير بأهل الذفة) بناء على أنّ منكم معناه من المسلمين، وفي كونه منسوخا، واجماعاً نظر أما الأوّل فلأنه قد سبق من المصنف رحمه الله تعالى في آية الوضوء أن القول بالنسخ في هذه السورة ضعيف لقوله صلى الله عليه وسلم المائدة آخر القرآن نزولاً فأحلوا حلالها وحرّموا حرامها، وأما الثاني فلأنّ ابن حنبل رضي الله تعالى عنه أجاز شهادة الكافر على المسلم في الوصية، وأبو حنيفة رحمه الله تعالى أجازها في بعض الصور المذكورة في الفقه فتأمل. قوله:(أي سافرتم فيها) لأنّ ضرب في الأرض! معناه سافر كما بين في كتب اللغة، وقوله أي قاربتم الأجل إشارة إلى أنه من مجاز المشارفة لأنّ الوصية قبل إصابته. قوله:(تقفونهما الخ) وقف يكون لازما ومتعديا قال الراغب: يقال وقفت القوم أقفهم وقفا، ووقفواهم وقوفا، وتصبرونهما من الصبر بالصاد المهملة بمعنى الحبس قال في
النهاية في الحديث: " من حلف على يمين صبر " أي ألزم بها، وحبس عليها، وكانت لازمة له من جهة الحكم. قوله:(صفة لآخران الخ) على الوصفية جملة الشرط معترضة فلا يضر الفصل بها، واختلف في الشرط هل هو قيد في أصل الشهادة أو قيد في آخران من غيركم فقط بمعنى أنه لا يجوز العدول في الشهادة على الوصية إلى أهل الذمة إلا بشرط الضرب في الأرض، وهو السفر فإن قيل هو شرط في اصل الشهادة فتقدير الجواب إن ضربتم في الأرض! فليشهد اثنان منكم أو من غيركم وان كان شرطا في العدول إلى آخرين من غير الملة فالتقدير فأشهدوا آخرين من غيركم أو فالشاهدان آخران من غيركم فقد ظهر أن الدالّ على جواب الشرط أما مجموع قوله اثنان ذوا عدل الخ، وأما آخران من غيركم فقص، وجملة أصابتكم معطوفة على الشرط، والى الثاني ذهب المصنف لظهوره. قوله:(صلاة العصر الخ (فالتعريف للعهد أو للجنس، وتصادم ملائكة الليل الخ لأنه يوكل بالمرء من يحفظه، ويكتب أعماله في النهار، وآخروه في الليل، وملائكة النهار يصعدون بعد العصر، وملائكة الليل تهبط بعده أيضا فيتلاقون حي! سذ فالتصادم مجاز عن التلافي، وهذا ورد مصرّحاً به في الحديث، واجتماع طائفتي الملائكة فيه تكثير للشهود منهم على صدقه، وكذبه فيكون أقوى من غيره، وأخوف. قوله: (إن ارتاب الوارث منكم الخ) قدر المض، ف أي ارتاب وارثكم لأنّ المخاطب الموصون والمرتاب الموصى له وجعله وارثا لأنه الأغلب، والمذكور في سبب النزول، والا فقد يكون الموصى له غير الوارث، ولو قدّر الموصي كان أسلم، وليس المراد بالوصية هنا الوصية التي لا تكون للوارث، وهو ظاهر، وقيل نزل ارتياب الموصى له منزلة ارتياب الموصي. قوله:) وإن ارتبتم اعتراض الخ (في الكشاف إن ارتبتم في شأنهما، واتهمتموهما فحلفوهما فالشرط مع جوابه المحذوف معترض لا الشرط وحده قيل قدر جواب الشرط ليكون الاعتراض هو الجملة الشرطية، ولو كان هو الشرط فقد لكان الجزاء مضمون القسم فلم يحسن توسيطه بين القسم، والجواب بل التقديم عليه أو التأخير، والمصنف رحمه الله تعالى لا بد له من ذلك أيضاً لأنه لا يخلو أن يكون للشرط جواب أو لا فإن لم يكن له جواب تكون أن وصلية، وهي مع أنّ الواو
لازمة لها ليس المعنى عليها، ولو قدر فإمّا مقدماً أو مؤخراً، وكلاهما ينافيان الاعتراض إلا أن يريد أنها مستغنية عن الجواب لسد ما أكدته مسدّه، وفي قوله اختصاص القسم بحال الارتياب، وقوله بعد ذلك وجوابه أيضاً محذوف ما يشعر بموافقة الكشاف فتأمّل فما تيل إنه رأى اعتراض! الشرط، ومنع عدم
حسن التوسط المذكور وهم من قلة التدبر، وليس هذا من توالي القسم، والشرط المعهود لأنه إذا اتحد جوابهما، وهنا ليس كذلك، وقوله لا نحلف بالله كاذبا أي حلفاً كاذباً فلا ركاكة فيه، ثم إنهم قالوا لا نشتري لا يصلح جوابا للشرط، ولا دليلاً له، ولا مانع منه لأنه في معنى إن ارتبتم فلا ينبغي ذلك لأنا لسنا ممن يشتري ذلك بثمن قليل، وجوّز في ضمير به أن يرجع للقسم، وللشهادة لأنها قول أو لله قالوا، والتقدير بيمين الله، وأشار بقوله تستبدل إلى أن نشتري بمعنى نستبدل ليصح نصبه ثمنا، وقيل تقديره ذا ثمن، والأوّل أولى. قوله:(ولو كان المقسم له قريباً الخ) أشار إلى تقدير الجواب، والى أنها ليست وصلية
لأنّ المعنى ليس على ذلك، وهو ظاهر، وقوله: الشهادة التي أمرنا بإتامتها إشارة إلى أنّ الإضافة، والاختصاص فيها بالله لأنه أمر بها أو أنها لأدنى ملابسة. قوله:(وعن الشعبي أنه وقف على شهادة) أي بالهاء ثم ابتدا آلله بالمد، والجرّ وليس هذأ من حذف حرف الجرّ وابقاء عمله شذوذاً لأنه إذا كان بغير عوض، وفي الجلا أ، الكريمة ت حويض همزة الاستفهام عن واو القسم، وحينثذ إما أن تمد للفصل بين الهمزتين فيقال آالله أوف سهل الثانية، ويقال أيضاً ها الله وهل الجر بحرف القسم أو بالعوض قولان وإذا قيل الله بدود دلى كما رواه سيبويه أيضا فهل حذف من غير عوض فتكون على خلاف القياس أو الهمزة المذكورة همزة الاستفهام، وهي همزة قطع عوّضت عن حرفه، ولكنها لم تمد اختار الئاني في الدرّ المصون، وهو أولى من دعوى الشذوذ، وضمير بغيره في كلام المصنف رحمه الله تعالى إن كان للتعويض فهو القول الأوّل، وهو الظاهر، وان كان للمد احتمل الثاني، وقوله: إن كتمنا تفسير لإذا لا تقدير، وقراءة لملائمين بينها المصنف رحمه الله تعالى، وسيأتي تحقيقها في عاد الأولى. قوله: (فإن عثر فإن اطلع (لما كان كل عاثر ينظر إلى موضع عثاره فيعرف نعته ورد العثور بمعنى الاطلاع، والعرفان، وقال الغوري: عثرت إذا اطلعت على ما كان خفياً، وهو مجاز بحسب الأصل، وقال الليث إنّ مصدر هذا العثور ومصدر العثار العثرة وقال الراغب: مصدرهما واحد، وما قاله الراغب: هو الظاهر لأنّ اختلاف المصدر ينافي المجاز فتأمّل. قوله: (أي نعلَا ما أوجب
إثماً الخ) فعلا بضمير التثنية، وقوله: فآخران في إعرابه وجوه قيل إنه خبر مبتدأ محذوف أي فالشاهدان آخران، والفاء جزائية، وجملة يقومان صفة آخران، وهو مرفوع بفعل مقدر أي فليشهد آخران، ومرّ ما فيه أو هو خبر مقدم موصوف، والأوليان مبتدأ مؤخر، أو هو مبتدأ أخبره من الذين أو هو مبتدأ، وخبره يقومان، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى، والزمخشري، ولا يضرّ تنكيره وفيه أعاريب أخر هذه أحسنها، ومعنى كونهما شاهدين سيأتي في بيان معنى الآية. قوله:(من الذين جنى عليهم الخ) يشير إلى أن استحقاق الإثم عليهم كناية عن هذا المعنى، وذلك لأنّ معنى أ! تحق الشيء لاق به أن ينسب إليه فالجاني للإثم المرتكب له يليق أن ينسب إليه الإثم فاستحق الإثم بمعنى ارتكبه، وجناه فالذين استحق عليهم الإثم أي جنى عليهم، وارتكب الذنب بالقياس إليهم ففيه تضمين، وضمير استحق عائد إلى الإثم أو الإيصاء أو الوصية أو هو مسند للجارّ، والمجرور، وإنما استحق الإثم لأنّ أخذ ما يحصل بأخذه إثم يسمى إثما كما يسمى ما يؤخذ بغير حق مظلمة، ولذلك يسمى المأخوذ باسم المصدر، وعلى بمنزلتها في استحق على زيد مال بالسهمان أي وجب أو بمعنى في أو من أي استحق فيهم أو منهم قيل، والحق أنه مسند للإثم مشاكلة، والتضمين لقوله، ومعناه من الذين جنى عليهم، وذلك لابتناء قوله فإن عثر على قوله أنا إذا لمن الآثمين لأن المعنى إن كنا كثمنا الحق كنا من الجانين، ثم إن اطلع على أنهما خانا وجنيا على المشهود له واستحقا إثما بذلك فآخران يقومان مقامهما بالشهادة فكنى عن قوله خانا، وجنيا بقوله: استحقا إثما ليشاكل الكلام السابق، وهو إنا إذا لمن الآثمين، ولذا قال واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين، ثم عبر عن المشهود عليهم بقوله استحق عليهم الإثم ليشاكل التعبير عن الجانبين بأنهما استحقا الإثم، وفيه تأمل، وقوله: وهو أي الفاعل والأوليان أفعل تفضيل، ولذا فسره بالأحقان، وفي الكشاف معناه من الورثة الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجرّدهما للقيام بالشهادة، ويظهروا بهما كذب الكاذبين.
قوله: (وهو خبر محذوف الخ) أي على قراءة المجهول لأنّ الكلام فيها، والقراءة الأخرى وقعت فيما بين الكلام عليها، وتفصيل هذا لأنه من أهم المهمات، ومن تعلق هذه الآية أنه قرى اشحق مجهولاً، ومعلوما في السبعة، والأوّلين جمع أوّل جمع مذكر سالم، وقرأ الحسن الأوّلان تثنية أوّل، وابن سيرين الأوليين بياءين تثنية أولى منصوبا وقرئ الأولين بسكون الواو، وفتح اللام جمع أولى كالأعلين فقراءة الجمهور رفع الأوليان على أنه مبتدأ خبره آخران أي الأوليان بأمر الميت آخران كما مرّ أو خبر مبتدأ مقدر أيهما الأوليان كأنه قيل من الآخران فقيل هما الأوليان أو هو بدل من آخران أو عطف بيان، وهذا يلزمه عدم اتفاق البيان، والمبين في التعريف، والتنكير مع أنهم شرطوه فيه حتى من جوّز تنكيره لكن بعضهم لم يشترطه، وقد نص عليه الزمخشري في آل عمران أو هو بدل من فاعل
يقومان أو صفة آخران لكن فيه وصف النكرة بالمعرفة، والأخفش أجازه هنا لأنه بالوصف قرب من المعرفة، وقال أبو حيان أنه هدم للقاعدة المؤسسة لكن المتقدمين ارتكبوه في مواضع كما في مررت بالرجل خير منك في أحد الأوجه قاله في الدرّ المصون، وهذا عكس، ولقد أمر على اللئيم يسبني فإنه يؤوّل فيه المعرفة بالنكرة، وهذا أوّل فيه النكرة بالمعرفة إذ جعلت في حكمها للوصف، ويمكن أن يكون منه بأن جعل الأوليان لعدم تعينهما كالنكرة أو هو نائب فاعل استحق لكن على هذا لا بد له من تأويل إما بتقدير مضاف أي إثم الأوليين وقدّره الزمخشري انتداب الأوليين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال، وهذا إعراب أبي عليّ الفارسي رحمه إلله تعالى، وتقدير الزمخشري أولى من تقدير الإئم لأنه لا يصح إلا بتأويل بعيد، وعلى غير هذا مرفوعه ضمير يعود على ما تقدم لفظاً أو سياقاً، وهو الإثم أو الإيصاء أو الوصية لتأويلها بما ذكر أو المال، وفي على في عليهم أوجه فقيل هي على أصلها كما مرّ أو بمعنى من أوفى، وأما قرإءة حفص بالبناء للفاعل فالأوليان فاعله، ومفعوله محذوف قدره بعضهم وصيتهما، وقدره الزمخشري أن يجرّد وهما للقيام بالشهادة، ويظهروا بهما كذب الكاذبين، وقدره ابن عطية مالهم، وتركتهم، وقراءة الأوّلين جمع أوّل المقابل للآخر فهو مجرور صفة الذين أو بدل منه أو من ضمير عليهم أو منصوب على المدح، ومعنى الأوّلية التقدّم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحق بها، وأعرف كما مرّ، وقيل إنهم أوّلون في الذكر لدخولهم في يا أيها الذين آمنوا، وقرأ الحسن الأوّلان بالرفع على ما وجهناه به، والأوليين مثنى نصبه على المدح، وأما قراءة الأولين كالأعلين فشاذة لم تعز لأحد، وهو جمع أولى، واعرابه كالأوّلين والأوّليين، وقد مرّ الوجوه فيها وقوله:) وقرأ حمزة الخ) الأوّلين جمع أوّل منصوب، وقوله وقرى الأوّلين يعني تثنية أوّل، وبقية كلامه ظاهرة وقوله: بدل منهما تبع فيه الزمخشري، وقال النحرير: الضمير راجع إلى لفظ آخران فحقه أن يكون مفردا لأنّ لفظ المثنى كآخرين لفظ واحد، وقوله: أو خبر آخران فيه الأخبار عن النكرة بالمعرفة، وهو مما اتفق على منعه في مثله، وقوله: أو من الضمير في يقومان، وكون المبدل منه في حكم الطرح ليس من كل الوجوه حتى يلزم خلوّ الصفة عن الضمير على أنه لو طرح وقام هذا مقامه كان من وضع الظاهر موضع المضمر فيكون رابطاً.
واعلم إن استحق هنا فسر بطلب الحق وبحق، وغلب. قوله:(فيقسمان الخ) معطوف
على يقومان، والسببية فيها ظاهرة، ولشهادتنا جواب القسم، وفسر أحق بأصدق، والاعتداء بتجاوز الحق، والظلم بارتكاب الباطل بتنزيله منزلة اللازم أو بتقدير مفعول أي أنفسهم، وقيل
الفرق بينهما بالعموم والخصوص. قوله: (ومعنى الآينبن إنّ المحتضر اذا أراد الوصية الخ) اعلم إنهم اختلفوا في معنى الشهادة في هذه الآية فقال قوم هي الشهادة على الوصية في السفر، وأجازوأ شهادة الذمي على المسلم في هذه الصورة وبه حكم بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وإليه ذهب ابن حتبل، والآية ليست بمنسوخة عندهم لحديث المائدة.
وقال آخرون الشهادة هنا بمعنى الحضور من شهدت كذا شهوداً وشهادة إذا حضرته،
وقيل هي أيمان الوصي إذا ارتاب الورثة فلا نسخ عليهما أيضاً، والأخير قول مجاهد وبعض الصحابة، واليمين قد تسمى شهادة وبها فسر قوله تعالى:{فشهاثه أحدهم أربع شهادات بالله} [سورة النور، الآية: 6] لكنه
بعيد لأنّ الشهادة إذا أطلقت فهي المتعارفة، وقوله: ولا نكتم شهادة الله صريح فيه فإنّ الإيمان لا تكتم وتأويل من غيركم بغير أقربائكم قال الجصاص لا وجه له لأنّ الخطاب توجه أوّلاً إلى أهل الإيمان فالمغايرة تعتبر فيه، ولم يجر للقراية ذكر ويدل عليه الحديث الآتي في سبب النزول، ثم إنّ الشهادة إذا حملت على الوصية هل تعم كل وصية أو تخص بما وقع في الحديث اختلف فيه، وهل هي منسوخة أو باق حكمها فقيل نسخت بقوله:{واستشهدوا شهيدين من رجالكم} فإنه آخر ما نزل، وقيل إنّ في هذه السورة ثماني عشرة فريضة لم ينسخ منها شيء.
واعلم أنّ الشهادة كيف تتصوّر هاهنا وشهادتهما إما على الميت، ولا وجه لها بعد موته، وانتقال الحق إلى الورثة، وحضورهم أو على الوارث المخاصم فكيف يشهد الخصم على خصمه فهذا يقتضي بالضرورة تأويل الشهادة فالظاهر أن تحمل في قوله شهادة بينكم على الحضور أو الإحضار أي إذا حضر الموت لمسافر فليحضر من يوصي إليه بإيصال ماله لوارثه مسملَا فإن لم يجد فكافر، والاحتياط أن يكونا اثنين فإذا جاءا بما عندهما، وحصل ريبة في كتم بعضه فليحلفا لأنهما مودعان مصدّقان بيمينهما فإن وجد ما خانا فيه، وادّعيا أنهما تملكاه منه بشراء، ونحوه، ولا بينة لهما على ذلك يحلف المدعى عليه على عدم العلم بما ادعياه، وإنه ملك لمورثهما لا نعلم انتقاله عن ملكه، والشهادة الثانية بمعنى العلم المشاهد، أو ما هو بمنزلته لأنّ الشهادة المعاينة فالتجوّز بها عن العلم صحيح قريب، والشهادة الثالثة إما بهذا المعنى أو بمعنى اليمين كما مرّ فلا نسخ في هذه الآية على هذا، ولا إشكال، ولله الحمد مما أفاضه الله عليّ ببركة كلامه.
وما ذكر كله تكلف لم يصف من الكدر لذوق ذائق، وسبب النزول، وفعل الرسول مبين
لما ذكرنا عودا على بدء، وقول المصنف من ذوي نسبه أو دينه إشارة إلى الوجهين السابقين، وقوله يوصي إشارة إلى حمل الشهادة على الوصية، والتغليظ بالزمان، والمكان مذهب الشافعي، وهو عندنا لا يلزم بل يجوز للحاكم فعله.
وقوله: قإنه لا يحلف الشاهد هو المشهور، وقيل إنه إن لم يجد من يزكيه يجوز تحليفه احتياطا كما وقع في بعض كتب الفتاوى الحنفية، وقوله: ورد اليمين هو مذهب الشافعي أيضا، وعندنا لا تردّ اليمين، وليس في الآية دليل عليه لما ذكرناه، وقوله: أو لتغير الدعوى أي انقلابها بأنّ المدعى عليه صار مدعيا للملك، والوارث مدعى عليه فلذا لزمته اليمين لا للرد كما مرّ، وهو الصحيح، وقوله:(إذ روي الخ) استدل بسبب النزول على ما ذكره آخرا، وهو الصحيح. قوله:(روي أنّ تميماً الخ) أخرجه البخاري وأبو داود، والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بسند صحيح عن تميم الداري في هذه الآية قال يرى الناس منها غيري، وغير عدي بن بدّاء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشأم لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بزيل بن أبي مريم بتجارة، وص مه جام من فضة يريد به الملك وهو أعظم تجارته فمرضى فاوصى إليهما، وأمرهما أن يبلغا ما ترث لورثته قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا ففقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأدّيت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أنّ عند صاحبي مثلها فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل ديته فحلف فأنزل الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا} الآية فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدفي بن بداء كذا
قال الترمذي: فيا لجامع، ثم قال هذا حديث غريب وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحق هذا الحديث هو عندي محمد بن السائب الكلبي يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير سمعت محمد بن إسماعيل يقول محمد بن السائب يكنى أبا النضر ولا نعرف لسالم أبي النضر رواية عن أبي صالح مولى أم هانى رضي الله تعالى عنها، وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما شيء من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه حدّثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي زائدة عن محمد
بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعديّ بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركتة فقدوا جاما من فضة محوّصا بالذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وجد الجام بمكة فقيل اشتريناه من تميم، ومن عديّ فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأنّ الجام لصاحبهم قال: وفيهم نزلت الآية وهذا حديث حسن غريب، وهو حديث ابن أبي زائدة، ومحمد بن القاسم كوفي قيل إنه صالح الحديث اهـ، وفي نور النبراس تميم الداري المذكور في هذه القصة نصراني من أهل دارين قاله مقاتل، وقيل هو تميم المعروف الداري منسوب إلى الدار، وهو بطن من لخم اهـ وبزيل بباء موحدة مضمومة وزاي معجمة مولى العاص بن وائل صاحب الجام، واختلف في ضبطه كما في كتاب المشتبه وبداء بياء موحدة، ودال مهملة مشددة ومد كشداد، ويقصر، وفي تفسير ابن مقاتل بنداء بنون قبل الدال، وهو غريب، وقال ابن حجر أنه اختلف في إسلامه، والمشهور إنه لم يسلم فقوله هنا، وبديل أي بدال مهملة هو ما في بعض النسخ، وفي الإصابة أنه بزيل، وقيل بريل براء مهملة بدل الدال، وبريل بن أبي مريم، وقيل ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاصي، ولا خلاف في أنه مسلم مهاجري اهـ فقول النحرير: قيل الصواب براء مفتوحة بعد الباء المضمومة عندي لا يخفى ما فيه، وقوله: دوّن أي كتب، وقوله: السهميان إشارة إلى أنهما وارثان له لأنه من بني سهم، وتخصيص العدد يعني باثنين من الورثة، وقوله: فأتاهم جعل الاثنين جمعاً تسمحا. قوله: (أي الحكم الذي تقدّم أو تحليف الخ) أي المشار إليه الحكم السابق تفصيله في هذه القضية أو تحليف الشاهدين، وقيل المشار إليه الحبس بعد الصلاة، وأدنى معنى أقرب، والى مقدّرة قبل أن المصدرية، والوجه بمعنى الذات، والحقيقة أي أقرب إلى الإتيان بها على
حقيقتها من غير تغيير لها، والى هذا أشار بقوله على نحو ما حملوها الخ. وعلى وجهها حال من الشهادة، والتقدير ذلك الحكم الذي ذكرناه أقرب ان يأتوا بالشهادة على وجهها مما كنتم تفعلونه، وأقرب إلى خوف الفضيحة فيمتنعوا من ذلك فعلى هذا أو يخافوا عطف على أن يأتوا على حد قوله:
علفتها تبنا وماء باردا
قوله: (واتقوا الله واسمعوا ما توصون به الخ) توصون مخفف أو مشدّد واتقوا قيل إنه معطوف على مقدّر أي احفظوا أحكام الله وأتقوا الخ وحمل السمع على القبول، والإجابة لما أوصوا به لأنه أفيد وأنسب، ولو عمم لصح وقوله:(فإن لم تتقوا الخ) حمله على ما ذكر لاً نه تذييل لتلك القصة فلا بد لشموله لمن هي فيهم، وقوله: فقوله تفريع على تقدير متعلق الهداية طريق الجنة لأنها تتضح في ذلك اليوم ويحتمل عوده إلى ما قبله كله أي الاهتداء إلى الحجة أو طريق الجنة كائن يوم يجمع الخ. قوله: (بدل من مفعول واتقوا الخ) وهو الله فيكون مفعولاً به أيضا، وقيل إنه على هذا لا بدّ من تقدير مضاف أي اتقوا عذاب الله لاشتمال اليوم على العذاب لا على الله لتنزهه عن الزمان، والمكان وردّ بأنّ بينهما ملابسة بغير الكلية، والبعضية بطريق اشتمال المبدل منه على البدل لا كاشتمال الظرف على المظروف بل بمعنى أنه ينتقل الذهن إليه في الجملة، ويقتضيه بوجه إجمالي مثلاً إذا قيل اتقوا الله يتبادر إلى الذهن أنه من أي أمر من أموره، وأيّ يوم من أيام أفعاله يجب الاتقاء يوم جمعه للرسل أم غير ذلك.
(وفيه بحث الأنه اشترط فيه أن لا تكون ظرفية، وهذا ظرف زمان لو أبدل منه لا، وهم ذلك، وفي الدرّ المصون، والاشتمال لا يوصف به الله، وفيه نظر فتامّل، وعلى نصبه باذكر فهو مفعول به أيضاً. قوله: (أيّ إجابة أجبتم الخ) أي ماذا يتعلق بقوله: أجبتم على أنه مفعول مطلق له لكونه بمعنى أفي إجابة وماذا كله استفهام، وهذا الوجه أرجح الوجوه، ولذا قدمه وتقدير بماذا أجبتم على أن يكون السؤال عن الجواب لا الإجابة، والتقدير بأي شيء أجبتم فحذف حرف الجرّ، وانتصب ضعيف لأن حذف حرف الجرّ وانتصاب مجروره لا يجورّ إلا في الضرورة كقوله.
تمرّون الديار ولم تعوجوا
وكذا تقديره مجرورا والمقصود وأن كان واحدا في المآل لكن الاعتبار والتعبير مختلف،
وأمّا تقدير ماذا أجبتم به كما قيل على
أنّ ما مبتدأ، أو ذا بمعنى الذي خبره وأجبتم صلته، والعائد محذوف أي به كما قاله العوفي ففيه أنه لا يجوز حذف العائد المجرور إلا إذا جر الموصول بمثل ذلك الحرف الجار واتحد متعلقاً هما كما تقرّر في النحو. قوله: (وهذا السؤال لتوييخ قومهم الخ الما كان على كل من السؤال، والجواب إشكال أمّا السؤال فلأنه تعالى علام الغيوب فما معنى سؤاله أجابوا بأنه لقصد التوبيخ للقوم كما يقع صريح الاستفهام لذلك، وتحقيق كونه مجازاً أو كناية، ومن أيّ الأنواع في شرح المفتاح، وأما الجواب فلأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد نفوا العلم عن أنفسهم مع علمهم بما أجيبوا به فيلزم الكذب عليهم فاجابوا عنه بوجو..
الآوّل: إنه ليس لنفي العلم بل كناية عن إظهار التشكي، والالتجاء إلى الله بتفويض الأمر
كله إليه.
الثاني: أنه على حقيقته لكن على خصوص في الزمان، وهو أوّل الأمر لذهولهم من الخوف، ثم يجيبون في ثاني الحال، وبعد رجوع العقل إليهم، وهو في حال شهادتهم على الأمم فلا يكون قولهم لا علم لنا منافيا لما أثبت الله تعالى لهم من الشهادة على أممهم. الثالث: إنه إشارة إلى أنّ علمهم في جنب علم الله بمنزلة العدم مع تفويض الأمر إليه
تعالى.
الرابع: أنه ليس لنفي العلم بجوابهم عند التبليغ، ومدة حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل كان منهم في عاقبة الأمر، وآخره الذي به الاعتبار، واعترض على هذا بأنهم يرون آثار سوء الخاتمة عليهم فلا يصح نفي العلم بحالهم، وبما كان منهم بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يقال هذا إنما يدل على سوء الخاتمة، وظهور الشقاوة في العاقبة لا على حقيقة الجواب بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلعلهم أجابوا إجابة قبول، ثم غلبت عليهم الشقوة لأنا نقول معلوم أنه ليس المراد بماذا أجبتم نفس الجواب الذي يقولونه أو الإجابة التي تحدث منهم بل ما كانوا عليه في أمر الشريعة من الامتثال، والانقياد، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي أو عكس ذلك فإن قيل قول عيسى عليه الصلاة والسلام فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم الخ. يدل على عدم علمه بحالهم بعده قيل هو إثبات لقبائحهم على الوجه الأبلغ واعتذار بأنه لم يكن له المنع بعد التوفي واظهار أنه لا ذنب له في ذلك، ولا تقصير فلا يدل على نفي العلم بحالهم بعده بل على نفي القدرة على التعيين فقول المصنف لتوبيخ دفع لما يرد
على السؤال، وقوله: لا علم لنا بما كنت تعلمه دفع لما يرد على الجواب بأنه ليس المقصود نفي علمهم بما سئلوا عنه بل نفي العلم بجميع ما علمه تعالى من الظواهر، والبواطن، وأشار بقوله وفيه الخ، إلى جواب آخر كما مرّ، وقوله: إلى جنب علمك أي بالقياس، وبالنسبة إليه، ولا يخفى أنّ هذا ما-له إلى ما ذكره أوّلاً فكيف ضعفه ومرضه، وما قيل إنّ ظاهر هذا المعنى لا يناسب جواب السؤال المذكوو فإن حمل على أنّ المراد لا علم لنا إلى جنب علمك فيما قاله القوم فهو راجع إلى ما ذكره المصنفا رحمه الله لا يخفى ما فيه وقوله:(أو لا علا لنا بما أحدثوا بعدنا الخ) جواب آخر، وقد مرّ ماله، وعليه. قوله:(وقرئ علام بالنصب الخ) إذا تم الكلام عند قوله إنك أنت يكون على طريقة قوله أنا أبو النجم، وشعري شعري أي أنت المعروف بنهاية الكمال، واحاطة العلم حتى إن ما ذكرنا يدل على ذاتك مغن عن صفاتك، وبه يفيد الحمل، ويتم المعنى، وإليه أشار المصنف بقوله أي أنك الموصوف الخ. وقوله: منصوب على الاختصاص عنى به النصب على المدح الاختصاص الذي ذكره النحوبون فإنّ له شروطا ليست مستوفاة هنا، وترك قول الزمخشري أنه صفة لاسم أن لأنّ الضمائر لا توصف على الصحيح، ولذا أوّلوه بأنّ مراده بالوصف البدل، وهو يطلقه عليه كثيراً، وفيه كلام كثير كفانا المصنف مؤنته بتركه، وأما قراءة الغيوب بالكسر فإنه سمع في كل جمع على وزن فعول بالضم كبيوت كسر أوّله لئلا يتوالى ضمتان وواو، وهو مفصل في كتب النحو. قوله:(وهو على طريقة ونادى أصحاب الجنة الخ) يعني كلمة إذ وقال الماضي عبر بهما عما في المستقبل مجازاً لتحققه، وهذا البدل لتفسير المبدل منه، وايضاح لأن الجواب جواب توبيخ الكفر وردّ لا قبول، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله:(والمعنى أثه الخ) يعني اذكر إنعامي عليك، وعلى والدتك حين جعلك قومك لزينة، وإذا بدتك تعليل أو توقيت، وبروح القدس أي التطهير من هذه الوصمة بما آتيتك من المعجزات ففيه مزيد توبيخ لهم بما
فعلوه مع ظهور المعجزاى المكذبة لهم.
قوله: (وقرىء آي! دتك) بالمدّ قال الزمخشريّ: وزنه افعل، وقال ابن عطية فاعل، وأمّا
أيد بالتشديد فوزنه فعل لا غير على الصحيح، ولا يحتاج في ثبوت هذه اللغة إلى سماع
المضارع نعم يحتاج إليه في كون وزنه أفعل أو فاعل كما قيل لأنه اكتفى بمضارع الآخر، ويكفي لثبوته القراءة به ومعناهما واحد، وقيل معناه بالمدّ القوّة، وبالتشديد النصر، وهما متقاربان لأنّ النصر قوّة. قوله:(بجبريل عليه الصلاة والسلام الخ) تقدّم الكلام عليه في البقرة، وأطلاقه على كلامه المذكور وهو ما أتي به من التوحيد، والشريعة على طريق التشبيه، وإضافته إلى القدس بمعنى التطهير المعنوي اختصاصية، وقوله ويؤيده أي يؤيد أنّ المراد بروح القدس الكلام قوله تكلم بعده لأنه كالبيان له. قوله:(والمعنى تكلمهم في الطفولة والكهولة الخ) أي قوله في المهد كناية عن كونه طفلاً صغيرا، وهي أبلغ من التصريح، وأولى لأنّ الصغير يسمى طفلَا إلى أن يبلغ الحلم فلذا عدل عنه، وقوله على سواء هو إشارة إلى دفع أنّ التكلم في الكهولة معهود من كل أحد فما معنى ذكره مع التكلم في الطفولة الذي هو من الآيات بأنّ القصد إلى عدم تفاوت الكلام في الحالين لا إلى أن كلاً منهما آية.
وقال الإمام: إنّ الثاني أيضاً معجزة مستقلة لأنّ المراد تكلم الناس في الطفولة وفي الكهولة حين تنزل من السماء لأنه حين رفع لم يكن كهلاً، وهذا مبني على تفسير الكهل فإن عيسى عليه الصلاة، والسلام رفع ابن ثلاث وثلاثين، وقيل ابن أربع وثلاثين، ودلالته على التسوية عقلية لأن ذكر تكلم الكهولة ليس لأنه آية بل ليجعلهما على حد سواء، وهو ظاهر فما قيل لا دلالة على التسوية، والأولى أن يجعل وكهلا تشبيها أي تكلمهم كائنا في المهد وكائنا كالكهل في التكلم، وحينئذ ينهدم الاستدلال به على أنه سينزل ليس بشيء لأنّ ما ذكره يفيد التسوية أيضاً وكون التشبيه يؤخذ من العطف لا وجه له وتقدير الكاف تكلف، وفي كلام المصنف رحمه الله نظر بعد ما سمعت كلام الإمام في وجه الاستدلال به لأنه لا يجعله مذكور للتسوية بل لإثبات كلامه لهم في الكهولة، وهو إنما يكون بعد النزول على ما مرّ في معناها وأمّا إذا قصد التسوية فلا يقتضي ثبوت الكهولة إذ معناه تكلمهم طفلا كما تكلمهم لو كنت
كهلَا. قوله: (سبق تفسيره الخ) وسبق الكلام عليه لكنه كرر باذني ها أربع مرّات وثمة مرّتين قالوا لأنه هنا للامتنان وهناك للاخبار فناسب تكواره هنا، وأنّ له زيادة تأييد بكؤنه مأذونا- من الله فيما فعله، والجمع في الطائر المراد به أنه اسم جمع كباقر لجماعة البقر، وسامر للقوم يسمرون، ونحوه، وإلا ففاعل ليس من أبنية الجمع، وقد صرّحوا به في النحو، وليس المراد أنه! مفرد أريد به مجازاً معنى الحمع ومعنى الآية علمتك الكتابة من غير معلم، والحكمة بحيث غلبت حكماء زمانك مع مهارتهم، وزدت عليهم بايجادك ذا اروح، ولم ينقادوا لك، وإنما قال باذني لأنّ تصوير الحيوان وجعله ذا روح لا يجوز ولا يليق به بغير اذن، رقؤله ما هذا إشارة إلى أنّ أن فيه نافية، وجعل الإشارة إلى عيسى صلى الله عليه وسلم للأخبار عنه بساحر، وأما جعل الإشارة إليه في القراءة الأولى، وجعل السحر بمعنى الساحر فلا حاجة إليه. قوله:(أي أمرتهم على ألسنة رسلي) إنما فسرءـ بهذ لأنّ الوحي مخصوص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم ليسوا كذلك فجعل أمرهم وحيا لكونه بواسطة الوحي إلى رسلهم قال الزجاج: الوحي في كلام العرب ورد بمعنى الأمر كقوله:
الحمد دلّه النني استقلت
باذنه السماء واطمأنت
أوحى لها القرار فاستقرت
أي أمرها أن تقرّ فامتثلت فما قيك الأظهر أنّ المرد بالإيحاء إلهامهم الإيمان لا وجه له،
وانما قال برسلي، ولم يقل برسولي ليطابق ما بعده لأنّ / المراد بالرسل الوسل الذين في زمن عيسى صلى الله عليه وسلم أو من تقدمه لأنهم يجب الإيمان بهم، وبما جاؤوا به ما لم ينسخ، كأنه إشارة إلى أنّ الشريعة لموسى ىلجب! ر كما مرّ فافهم فسقط ما قيل الظاهر على لسان رسولي بدليك قوله، واشهد بأننا مسلمون، وكون أن مصدرية أو مفسرة! ، ودخولها على الأمر مرّ تحممه، وفسر مسلمون
بمخلصون أو منقادون لأنه بهذا المعنى يطلق على من قبلنا، وفي العرف يختص بنا، وهو معنى آخر. وقوله:(فيكون تنبيهاً الخ) أي على جعله متعلقا بقالوا والمعية تفهم من كونهما في زمان واحد، وهو ظاهر. قوله:(لم يكق بعد عن تحقيق واستحكام معرف الخ) بعد سقط من نسخة إلى الآن أي حين تكلمهم بهذا لم يكن ما قالوه عن لحقيق منهم، ولا عن
معرفة بالله، وقدرته لأنهم لو حققوه، وعرفوه لم يقولوا هل يستطيع، ويقدر إذ لا يليق مثله بالمؤمن بالله، وتبع فيه الزمخشري في الجري على ظاهر الكلام من كون الحواريين شاكين في قدرة الله وفي صدق عيسى صلى الله عليه وسلم كاذبين في دعوى الإيمان والاخلاص، وذهب محيي السنة وغيره إلى أنهم كانوا مؤمنين، وسؤالهم للاطمئنان، والتثبت كما قال الخليل صلى الله عليه وسلم {أرتي كيف تحيي الموتى} [سورة البقرة، الآية: 260، وهل يستطيع سؤال عن الفعل دون القدر تعبيرا عن الفعل بلازمه أو عن المسبب بسببه، ومعنى إن كنتم مؤمنين إن كنتم كاملين في الإيمان، والاخلاص ومعنى، ونعلم أن قد صدفتنا علم مشاهدة، وعيان بعلم ما علمناه علم إيمان، وايقان بدليل إنّ المؤمنين أمروا بالتشبيه بالحواريين، وأجيب بأنّ الحواريين فرقتان مؤمنون هم خالص عيسى عليه الصلاة والسلام والمأمور بالتشبه بهم، وكافرون وهم أصحاب المائدة، وسؤال عيسى صلى الله عليه وسلم لنزول المائدة وإنزالها ليلزمهم الحجة وقال ابن عطية وغيره من المفسرين إنّ القول بكونهم غيره مؤمنين خارق للإجماع ولا نعلم خلافاً في إيمانهم، وأوّلوا الآية، وأجابوا عنها بما مرّ ونحوه، وقالوا صفة الحوارفي تنافي عدم إيمانهم، وهو الحق، وادّعاء أنهم فرقتان يحتاج إلى نقل، ولك أن تقول أنّ المصنف رحمه الله لم يذهب إلى ما ذهب إليه الكشاف، وأنّ مراده أن إخلاصهم الذي ادّعو. لم يكن محكما محققاً تحقيقاً لا تعتوره الأوهام، والوساوس الذي لا تضرّ المؤمن، ولا توقعه في مزلة الكفر فطلبوا إزالة ذلك طلب من يتثبت لانكارهم له، واستعظامه عندهم لا لشك منهم، ولكن خافوا أن يوقعهم الشيطان به في حبائله، وهذا تصرّف منه أخف من نسب الشك إليهم، ومخالفة ظاهر النظم كما يدل عليه ما سيأتي، وهذا هو النظر السديد عندي فتأمله. قوله: (وقيل هذه الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة) فكأنهم قالوا هل إرادة الله، وحكمته تعلقت بذلك أولاً لاً نه لا يقع شيء بدون تعلقهما به قبل، وقوله: {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين} [سورة المائدة، الآية: 57] لا يلائمه لأن السؤال عن مثله مما هو من علوم الغيب لا قصور فيه، وقد عرفت أنّ الجمهور أولوه كما مرّه قوله:(وقيل المعنى هل يطيع ربك الخ) فيستطيع بمعنى يطيع، ويطيع بمعنى يجيب مجازاً لأنّ المجيب مطيع، وذكر أبو شامة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد أبا طالب في مرض فقال له يا ابن أخي اح ربك أن يعافيني فقال:" اللهمّ اشف عمي) فقام كأنما نشط من عقال فقال يا ابن أخي إنّ ربك الذي تعبده ليطيعك فقال: " يا عم وأنت لو أطعته لكان يطيعك " أي يجيبك لمقصودك،
وحسنه في الحديث المشاكل فقد عرفت أنّ العرب استعملته بهذا المعنى، وفي الانتصاف قيل معنى يستطيع يفعل كما تقول للقادر على القيام هل تستطيع أن تقوم، ونقل هذا عن الحسن فعلى هذا يقون إيمانهم سالما عن الشك في القدرة والتعبير عن الفعل بالاستطاعة من التعبير عن المسبب بالسبب إذ هي من أسباب الإيجاد على عكس {إذا قمتم إلى الصلاة} [سورة المائدة، الآية: 6] وهذا التأويل الحسنيّ يعضد تأويل أبي حنيفة رحمه الله حيث جعل الطول المانع عن نكاح الأمة، وجود الحرة في العصمة، وعدمه أن لا يملك عصمة الحرّة، وان كان قادراً على ذلك فيباح له حينئذ الأمة، وحمل قوله:{ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} على معنى، ومن لم يملك منكم، وحمل النكاح على الوطء فجعل استطاعة الملك بمعنى الملك حتى أنّ القادر غير المالك عادم الطول عنده فينكح الأمة، وكنت أستبعده حتى وقفت على تفسير الحسن هذا، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك فنزهتهم عن أن ينسب إليهم مثل هذه المقالة الشيعة. قوله:(وقرأ الكسائي تستطيع ربك أي سؤال ربك) أي قرأها بالتاء خطابا بالعيسى صلى الله عليه وسلم، وربك منصوب على المفعولية، وبقراءته كانت تقرأ عائثة، ومعاذ وعليّ وابن عباس
في جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعلى هدّه القراءة فالأكثر أنّ فيها مضافاً مقدراً، وقيل لا حاجة إلى تقدير، والمعنى هل تستطيع أن ينزل ربك بدعائك، وهذا منقول عن الفارسيّ وفيه نظر وفي قوله هل تسأله ذلك إشارة إلى أنّ استطاعة السؤال هنا عبارة عن السؤال كما مرّ تحقيقه لأنّ قوله من غير صارف يأباه فتأمل. قوله:(والمائد الخوان إذا كان عليه الطعام من ماد الماء الخ) الخوان بضم الخاء، وكسرها، وفيه لغبة اخوان بهمزة مكسورة، وهو معرّب وقيل إنه عربيّ مأخوذ من تخوّنه أي نقص حقه لأنه يؤكل عليه فينقص، وهو بمعنى المائدة، وهي فاعلة من ماد يميد إذا تحرك أو من ماده بمعنى أعطاه فهي إما فاعلة بمعنى مفعول كعيشة راضية أو بجعلها للتمكن مما عليها كأنها بنفسها معطية كقولهم للشجرة المثمرة مطعمة، وتفسير المائدة بالخوان تفسير بالأعمّ لأنه لا يقال للخوان مائدة إلا وعليه طعام، والا فهو خوان كما لا يقال للقدح كأس إلا وفيه خمر، وله نظائر كثيرة ذكرها أهل اللغة. قوله: (بكمال قدرته وصحة نبوتي الا فرق بينهما في ابتغائهما، وإنما الفرق في تقدير متعلق الإيمان هل هو القدرة والنبوة
أو عدم تقديره، والمراد صادقين في الإيمان مطلقاً. قوله:(تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال الخ) هذا! لا ينافي ما سبق من كونهم لم تكن معرفتهم مستحكمة لأنهم ليسوا معاندين ولا جازمين بخلافه فلهم أن يعتذروا عن طلبه بأنّ،: مرادنا أن نتيقن، ويزول وهمنا، وعلى التأويلات السابقة لا اشكال فيه فما قيل إنه رد لما في الكشاف من كونهم شاكين، ويدل عليه. قوله:(لما رأى أنّ لهم غرضاً صحيحاً الخ الا يرد عليه أنه كيف يتمشى مع تصريحه أولاً بما ذكره الكشاف، وتقديمه على سائر الأقوال، ولهذا اكترض عليه بأنه غير منايسب لصدر كلامه، ولذا قال بانضمام علم المشاهدة إلى علم الاستدلال ليكون عين اليقين، ولا بعد في مثله من بعض الحواريين إذ قد يكون منهم من قرب عهده ثم تمحض بذلك خلوصه، ؤكلامه لا يخلو من اغلاق وادماج، وقوله عليها من الشاهدين مثل قوله: وكانوا فيه من الزاهدين. وقوله: (إذا استشهدتنا) يشعر بأنّ على صلة الشاهدين لكن فيه تقديم ما في حيز الصلة، وحرف الجر وكلاهما ممنوع فلا بد من تعلقه بمحذوف يفسره من الشاهديبن إن جوّزنا تفسير ما لا يعمل للعامل، وقد جوّز تقدمه بعض النحاة مطلقاً وبعضهم في الظرف، وجوّز أن يكون حالاً من اسم كان أي عاكفين عليها على ما مرّ في قوله تعالى {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة} ، والوجه الثاني لا اشعار فيه به، وقوله بكمالها إشارة إلى أنّ عندهم دليلَا لكنه غير تام، وهذ يؤيد ما اخترنا في تفسير كلامه. قوله:(اللهم ربنا الخ) قالوا ربنا نداء ثان لا بدل ولا صفة لأنّ لفظ اللهم لا يتبع، وفيه خلاف لبعض النحاة ومن السماء إما صفة مائدة أو متعلق بالفعل. قوله: (أي يكون يوم نزولها عيدا الخ الما كان العيد اسماً للزمان في المتعارف لم يصح الاخبار عن المائدة به فقدر نزولها يوم عيد ليصح الحمل فإن قلنا إنّ معناه السرور لا يحتاج إلى التأويل، ولكن يكون جعلها نفسها سرورا مبالغة مجازاً في الاسناد، والعيد العائد مشتق من العود لعوده في كل عام بالفرح والسرور، وكل ما عاد عليك في وقت فهو عيد قال الأعشى:
فوا كبدي من لا عج الحب والهوى إذا اعتاد قلبي من أميمة عيدها
وهو واوي لكنهم قالوا في جمعه أعياد، وكان القياس أعواداً ففعلوا ذلك فرقا بين جمع
عيد وعود، وقد فصلنا الكلام فيه في شرح درة الغواص، ومنهم من أعرب لنا خبرا وجعل عيداً حالاً. قوله:(بدل من لنا باعادة العامل الخ) ظاهره أنّ المبدل منه الضمير، ولكن أعيد
الجار لأنّ البدل في قوة تكرار العامل وهو تحكم لأنّ الظاهر أنّ الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور ثم إنّ ضمير الغائب يبدل منه وأمّا ضمير الحاضر، وهو المتكلم، والمخاطب فأجازه بعضهم مطلقاً، وهو ظاهر كلام المصنف، ومنعه قوم وفصل بعضهم فقال إن أفاد تأكيد أو إحاطة وشمولاً كما هنا جاز والا امتنع. قوله:(وقيل يثل منها أوّلنا وآخرنا) الآكل مأخوذ من المائدة، وقوله نريد أن نأكل منها، وكونها لأوّلهم، وآخرهم بأن يأكلوا منها جميعا من غير نقص، ولا تفاوت بين الأوّل، والآخر فيكون كقوله تعالى:{ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} [سورة مريم، الآية: 62]
والظاهر على هذا أن يكون لنا خبراً أي تكون قوتاً لنا أو نافعة لنا أوّلنا وآخرنا، وإنما ضعفه لأنّ الظاهر منه عموم كل بني إسرائيل بذلك والواقع خلافه فتأمل، وقراءة أولانا وأخرانا تأنيث الأوّل والآخر باعتبار الأمّة أو الطائفة، وهي قراءة زيد وابن محيصن والجحدري، وهي شاذة، وما قيل من أنّ المراد الدار الآخرة لا يصح والجملة صفة عيداً. قوله:) وارزقنا المائدة الخ الو عمم لكان أولى، وعلى هذا فالمراد بالمائدة ما عليها لأنها كما تطلق على الخوان تطلق على ما عليه. قوله:(أي تعذيباً (يعني أنه اسم مصدر بمعنى التعذيب كالمتاع بمعنى التمتيع أو اسم جعل بمعنى المصدر كالنبات بمعنى الانبات فيكون مفعولأ به مبالغة فينتصب به على التشبيه بالمفعول وفي التوسع يتعدّى الفعل إلى مفعول آخر بنفسه من غير تقدير حرف، والمنصوب على التشبيه بالمفعول ثلاثة المصدر، والظرف، ومعمول الصفة المشبهة، وليس هو الحذف والايصال، ولذا قال أبو البقاء فيه وجهان النصب على السعة أو الحذف، والإيصال، والأوّل أقيس لأنّ حذف الجار لا يطرد في غير أنّ، وأن عند عدم اللبس، وقيل المراد بالسعة الحذف، والايصال أي أعذب بعذاب، والعذاب ما يعذب به وربما يؤيده ما بعد.. قوله: (الضمير للمصدر الخ) قيل عذاباً مفعول مطلق إذ لو جعل اسماً لما يعذب به لقيل بعذاب لأنّ التعذيب لا يتعذى إلى مفعولين، والحذف، والإيصال خلاف الظاهر فلا يرجع إليه مع ظهور المصدرية فعلى هذا يكون ضمير لا أعذبه في موقع المفعول المطلق كما في ظننته زيداً قائما، ويقوم مقام العائد إلى الموصوف فإنّ قوله لا أعذبه صفة عذابأ، ويجوز أن يجعل من قبيل ضربته ضرب زيد أي عذابا لا أعذب تعذيباً مثله فيكون مع كونه في موقع المفعول المطلق عائداً إلى الموصوف.
(اقول) هدّا مأخوذ من كلام أبي البقاء، وحاصله أنّ الصفة لا بد لها من عائد، وهذا
الضمير إذا كان مفعولاً مطلقا يكون عائداً على المصدر المفهوم من الفعل كما في ظننته زيدا قائماً إذ لا مرجع له غيره وحينئذ تخلو الصفة من العائد فأجاب عنه بجوابين الأوّل أنه مصدر واقع بعد النفي فيعم ويشمل العذاب المتقدم ويحصل الربط بالعموم، وأورد عليه أنّ الربط بالعموم إنما ذكره النحويون في الجملة الواقعة خبرا نحو زيد نعم الرجل فلا يقاس عليه الصفة فإن قدر مثل يكون الضمير راجعاً على العذاب المتقدم والربط به، وقيل الضمير راجع إلى من بتقدير مضافين أي لا أعذب مثل عذابه، ولا بد من هذا التقدير ليصح المعنى. قوله:(من عالمي زمانهم أو العالمين مطلقاً الخ) السفرة بالضم الطعام بوضع للمسافر ثم شاع فيما يوضع فيه، والمثلة بالضم المراد بها هنا العقوبة، وأصلها عقوبة فيها قطع الأنف، والاً طراف للتكيل وهي المنهي عنها، وقال الطيبي المثلة العقوية الغريبة كالمسخ. قوله:(بلا فلوس) جمع فلس، وهو ما على جلد السمك من القشور، وهو على طريق التشبيه، وليس بمعنى اللمع الفضي كما قيل، والكراث بضم الكاف وتشديد الراء ورائحته كرائحة البصل تنفر منها الملائكة، وأهل الزهد والجبن معروف، وهم بضم الجيم والباء، وتشديد النون في اللغة الفصحى، وفيه لغة أخرى تسكين الباء وتخفيف النون كضد البخل، ولذا قال الشاعر:
وقالوا تدرع للشجاعة والوغى فقلت دعوني آكل الخبز بالجبن
وإنما جعلت هذه معها لأنها مشهية، والعسل دافع لضرر السمك، والقديد اللحم اليابس، وقوله أحيي بفتح الياء الأولى، وسكون الثانية أمر أي كوني حية ذات ووح، وقوله اضطربت أي تحركت بحلول الروح فيها، وغبا أي يوما بعد يوم ليكون أشهى وأحب، وفاء الفيء أي فيء الزوال وفاء ماض أي وجد ظله، وقوله استعفوا أي طلبوا العفو، وفي نسخة
استغفروا، وقوله فلم تنزل الصحيح رواية خلافه، وهذا مرويّ عن الحسن. قوله:(وعن بعض الصوفية الخ) أن قال إن المقصود من الآية هذا فلا وجه له وان
أراد أنه من البطون القرآنية فنعم، وتنزيل النظم عليه ظاهر. قوله: (توبيخ الكفرة وتبكيتهم الخ (يعني أنّ الاستفهام ليس حقيقياً، ولكن لا لتوبيخ عيسى صلى الله عليه وسلم بل لتوبيخ المتخذين، ولما كان هذا القول وقع من رؤسائهم في الضلال كان مقرّراً كالاتخاذ، وإنما المستفهم عنه صورة ممن صدر فلذا قدم المسند إليه لأنّ المستفهم عنه يلي الهمزة إلا لنكتة على المشهور عند أهل النحو والمعاني، ولام للناس للتبليغ، واتخذ بمعنى صير يتعدّى لاثنين، وقد يتعدى لواحد فالهين حال، ومن دون إما متعلق به أو بمحذوف صفة الهين وقيل التقديم لتقوية التوبيخ، وقوله وأمي دون مريم توبيخ على توبيخ أي مع أنك بشر تلد، وتولد قبل هذا، وقيل الاستفهام لاستنطاقه ليفتضحوا، وهذا ليس غير التوبيخ كما توهم. قوله: (ومعنى دون إما المغايرة الغ (لما كان معنى اتخذت فلانا صديقاً من دوني أنه استبدله به لا أنه جعله صديقاً معه، وهم لم يقولوا بذلك بل ثلثوا أوّلها بأن من أشرك مع الله غيره فقد نفاه معنى لأنه وحده لا شريك له منزه عن ذلك فاقراره بالله كلا اقرار فيكون من دون الله مجازاً عن مع الله أو المراد بمن دون التوسط بينهم وبين الله كما تقول اتخذ شفيعاً من دون السلطان أي بينك، وبينه فيكون الدون إشارة لقصور مرتبتهما عن مرتبته لأنهم قالوا هو كالشمس، وهذا كشعاعها، وهذا في الآخرة، ولذا ضعف ما قيل إنّ
أوّل من صلى المغرب عيسى صلى الله عليه وسلم شكر ألله حين خاطبه بقوله " نت قلت الخ، وكان ذلك بعد الغروب فالأولى لنفي الألوهية عن نفسه، والثانية لنفيها عن أمّه، والثالثة لاثباتها لله. قوله:(أي أنزهك تنزيها من أن يكون لك شريك الخ) إشارة إلى أنّ اتخاذهما إلهين تشريك لهما معك في الألوهية لا إفرادهما بذلك إذ لا شبهة في ألوهيتك، وأنت منزه عن الشركة فضلا عن أن يتخذ إلهان دونك على ما يشعر به ظاهر العبارة قيل: ويجوز أن يكون إشارة إلى أنّ من دون الله في موتع الصفة، والمعنى الهين سوى الله فيكون المجموع ثلاثة، وهذا إثبات للشريك فنزهه عنه، ومنه يعلم توجيه آخر لقوله من دون الله غير التوجيهين السابقين اللذين ذكرهما الراغب، وتبعه المصنف رحمه الله، وقوله أنزهك تنزيها إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية كما مرّ تفصيله في سورة البقرة، وقوله من أن يكون لك شريك بيان لمتعلق المنزه عته، وقدره ابن عطية من أن يقال هذا، وينطق به قيل وهو أنسب بقوله ما يكون لي أن أقول الخ. قوله:) ما ينبني لي أن أقول قولاً لا يحق لي أن أقوله) إشارة إلى أن ما يكون بمعنى ما ينبغي، ولا يليق، وهو أبلغ من لم أقله وقوله لا يحق لي إشارة إلى أنّ لي متعلقة بحق مقدمة عليه، وبحق خبر ليس، وليس بمتعين لاحتمال لي أن يكون للتبيين فيتعلق بمحذوف كما في سقيا لك، وقد أعربه المعربون كذلك فلا حاجة إلى تكلف وجه آخر، ولا يرد عليه ما قيل إنه يقتضي تعلق لي بحق وتقديم صلة المجرور على الجار ممتنع فلا بد من تقدير متعلق يفسره الظاهر، وأما القول بأنّ الباء زائدة فلا يفيد إذ لا فرق في المنع بين الزائد، وغيره إلا أن يذهب إلى القول بالجواز كما ذهب إليه بعض النحاة. قوله:(إن كنت قلتة) المعنى على المضي هنا، وأن تقلب الماضي مستقبلاً فلذا قيل معناه إن صح قوله ودعو أي ذلك فقد تبين عملك به، وأجاب عنه ابن يعيش بجوابين الأوّل عن المبرد أنّ كان قوية الدلالة على المضيّ فلا تقدران على تحويلها إلى الاستقبال الثاني عن ابن السراج أن التقديران أقل كنت قلته قال: وكذ ما كان من أمثاله، وفي تذكرة ابن هشام رحمه الله أنّ هذين الجوابين ضعيفان.
قوله: (تعلم ما أخفيه في نفسي كما تعلم الخ) قال الزجاج: النفس في كلامهم لمعنيين بمعنى الروج، وبمعنى الذات وحقيقة الشيء، وليس مراده الحصر فيهما لأنّ لها معاني أخر، وإذا كانت بمعنى الذات فقد ورد إطلاقها على الله من غير مشاكلة كقوله:{وكتب على نفسه الرحمة} وغيره وأمّا بالمعنى الأوّل فلا تطلق عليه تعالى إلا مشاكلة، وهنا إن كان المراد الذات على كل حال فيهما فليست المشاكلة في إطلاقها بل في لفظ في حيث جعلت علم عيسى صلى الله عليه وسلم، في ذاته بمعنى في ذهنه، وعقله كقولك كان كذا في نفسي، وعلم الله لا يرتسم في عقل، ودهن ولا يتوقف على آلة، ولذا قال الطيبي رحمه الله لا بد من المشاكلة، وان أريد الحقيقة
والذات من حيث إدخال في الظرفية لأنّ المراد به من جانب العبد ما في الضمير، والقلب، وقال الراغب:
يجوز أن يكون القصد إلى نفي النفس عنه فكأنه قال تعلم ما في نفسي، ولا نفس لك فأعلم ما فيها كقوله:
ولا ترى الضت بها ينجحر
ولذا قال في الكشاف في نفسي في قلبي، والمعنى تعلم معلومي، ولا أعلم معلومك،
ولكنه سلك بالكلام طريق المشاكلة، وهو من فصيح الكلام، وفي الدر المصون أنه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما فما قيل في شرحه المعنى لا أعلم ما في ذاتك فعبر عن الذات بالنفس لقوله:{ثعلم ما في نفسي} [سورة المائدة، الآية: 16 ا] وأنت خبير بأن لا أعلم ما في ذاتك، وحقيقتك ليس بكلام مرضيّ بل المراد أنه عبر عن لا أعلم معلومك بلا أعلم ما في نفسك لوقوع التعبير عن تعلم معلومي بتعلم ما في نفسي لا يخفى ما فيه من الخلل بعد ما عرفت ما حققناه، واذأ علمت أن للنفس معنيين يطلق أحدهما على إلله من غير مشاكلة، وهو الحقيقة والذات، والثاني متوقف عليها علمت ما في كتب الأصول من الخبط كما في العضد، وشروحه. قوله:(كما تعلم ما أعلته (يعني علمهما على حد سواء عنده أو المراد أنه يعلم بالطريق الأولى، وقوله: في نفسك للمشاكلة جار على ما حققناه لأنه لم يقل إطلاق النفس مشاكلة لكن قوله، وقيل المراد بالنفس الذات صحيح لأنه يقتضي أنه عليه لا يحتاج إلى المشاكلة، وهو كذلك لما عرفت أن علمه ليس بانتقاس في ذأته لا لما قيل إنّ ما في ذاتك لا يخرجه عن المشاكلة إذ لا تطلق النفس بمعنى الذات عليه تعالى إلا مشاكلة كما في شرح المقاصد الشريفي فإنه ليس كذلك، وادعاء أنّ ما وقع في الآيات مشاكلة تقديرية من سقط المتاع. قوله: (تقر-لر للجملتين باعتبار منطوقه ومفهومه الإفادته الحصر بضمير الفصل إن قلنا لا يشترط فيه تعريف الطرفين أو أفعل التفضيل أو تعريف الطرفين المفيد لإثبات علم الغيب له تعالى، ونفيه عمن سواه فالإثبات تقرير لتعلم ما في نفسي لأنّ ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب، والنفي تقرير للا أعلم ما في نفسك لأنه غيب، وغيرك لا يعلم الغيب، وهذا معنى قوله باعتبار منطوقه ومفهومه، وما قيل عليه من أنّ المفيد للحصر ضمير الفصل فيكون نفي العلم عن الغير أيضاً منطوقا إلا أن يريد نفي العلم عن نفسه، وهو مفهوم لكن لا يلايمه قوله: تصريح بنفي المستفهم عنه ليس بوارد لأن الصحيح أنّ مدلول الكلام الحصري الإثبات على الانفراد، ويلزمه النفي، وفرق بين الحصر بما والا، وإنما وبين غيرهما، ولذا لا يصحح العطف بلا النافية بعدهما دون غيرهما فهو مفهوم ولا منطوق فتأمّل. قوله: (تصريح بنفي المستفهم عنه الخ) وهو قوله للناس لأنّ المعنى ما قلت لهم إلا ما أمرتني به لا هذا، وما يدل
عليه قوله سبحانك الخ. قوله: (عطف بيان للضمير في به أو بدل الخ) قدم عطف البيان لسلامته عن الأشكال، وجوّز كونه بدل كل من كل رداً على الزمخشريّ لأنّ المبدل منه في حكم النسخ، والطرح فيلزم خلوا لصلة من العائد بطرحه وبين وجهه بأنه ليس كذلك مطلقا وقوله: مطلقاً يحتمل في كل حكم لأنه قد يعتبر طرحه في بعض الأحكام كما إذا وقع مبتدأ فإن الخبر للبدل في نحو زيد عيته حسنة، ولا يقال حسن فلولا اعتبار طرحه لزم أن يخبر عنه، ويحتمل أنه ليس كل بدل كذلك بلهو مخصوص ببدل الغلط فإنه يعتبر طرحه كما في شرح المفصل، ثم إنه اعترض على الزمخشريّ بتناقض كلامه فإنه صرح في المفصل بأنه ليس في حكم الطرح وأعرب الأوليان بدلاً من ضمير يقومان قبيل هذا مع أنّ الضمير عائد من الصفة إلى الموصوف، والجواب عنه، وإن شنع عليه شراح الكشاف أنّ هذا مذهب لبعض النحاة، ونقله الإسفندياري في شرح المفصل عن ابن السراج.
وقال في الدر المصون: إنّ الذاهبين إليه نصوا على أنه لا يجوز جاء الذي مررت به أبي
عبد الذ بجرّ أبي عبد الذ بدلاً من الهاء، وعللوه بأنه يلزم بقاء الموصوف بلا عائد، وأما كون المبدل منه، وهو الاسم الظاهر يصلح للربط فإنه عين المبتدأ ففيه خلاف لهم، وهذا دأب الزمخشريّ كما يعلم من تتغ كتابه وصرح به في الكشف في مواضع أنه يمشي على مذهب في آية ثم يذكر مذهبا آخر يخالفه في أخرى استيفاء للمذاهب، ومن لا يعرف مغزى كلامه يظنه تناقضاً منه، ولا يرد عليه ما قيل إنّ في المعنى أنّ عطف البيان في الجوامد بمنزلة النعت في المشتقات فكما أنّ الضمير لا ينعت لا يعطف عليه عطف بيان فإنّ كثيراً من النحاة جوّزوه، وليس متفقاً عليه، وقد أشار شراح المغني إلى رده، وجعله خبر مضمر أي، وهو أن اعبدوا
الخ أو منصوبا بأعني مقدّراً ظاهر غني عن البيان. قوله: (ولا يجورّ إبداله من ما أمرتني به فإن المصدر لا يكون مفعول القول الخ) أي لا يجوز إبداله من ما الموصولة التي هي بدل من مفعول القول لأنّ مفعوله إمّا جملة محكية أو ما يؤدي مؤداها كقلت قصيدة أو ما أريد به لفظه حكاية، وليس هذا واحداً منها وقيل عليه العبادة، وان لم تقل فالأمر بها يقال لأنّ أن الموصولة مع فعل الأمر لا تقدر بالعبادة، ولكن بالأمر بها فكأنه قيل ما قلت لهم إلا الأمر بعبادة الله والأمر مقول بل قول على أنّ جعل العبادة مقولة ليس ببعيد على طريقة ثم يعودون لما قالوا أي للوطء الذي قالوا قولاً يتعلق به، ومثله كثير في القرآن، وفي الفرائد معناه ما قلت لهم إلا عبادته أي الزموا عبادته، وهو المراد مما أمرتني، والجملة بدل من ما لأنها في حكم المفرد وكله تعسف. قوله:(ولا ان تكون أن مفسرة لأنّ الأمو الخ) إشارة إلى أنّ ما مر على تقدير
المصدرية ورده بوجهين أحدهما أنّ الأمر المسند إلى الله لا يصح تفسيره باعبدوا الله ربي وربكم بل باعبدوني أو اعبدوا الله، ونحوه ورد بأنه يجوز أن يكون حكاية بالمعنى، وأن يكون ربي وربكم من كلام عيسى صلى الله عليه وسلم كما مر في قوله:{إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم} رسول الله فليس من الحكاية بل إدماج أو على إضمار أعني، ونحوه وهذا لا ينافي التفسير كما قيل، وإن كان خروجا عن مقتضى الظاهر وفي أمالي ابن الحاجب إذا حكى حاك كلاما فله أن يصف المخبر عنه بما ليس في كلام المحكي عته، وقال الدماميني رحمه الله ولا يمتنع أن يكون الله قال لعيسى قل لهم اعبدوا الله ربي، وربكم فحكاه كما أمره به ولا إشكال، والوجه الثاني أنّ القول لا يفسر بل يحكي به ما بعده من الجمل، ونحوها، وهو ظاهري لأنه إن أريد به أنه لا يقترن بحرف التفسير المقول المحكي فمسلم لأنّ مقول القول في محل نصب على المفعولية والجملة المفسرة لا محل لها كما ذكره أبو حيان هنا لكن المقول هنا محذوف، وهو المحكي، وهذا تفسير له أي ما قلت لهم مقولاً، وفي الانتصاف أجاز بعضهم وقوع أن المفسرة بعد لفظ القول، ولم يقتصر بها على ما هو في معناه. قوله:(إلا أن يؤوّل القول بالآمر الخ) نقل عن الزمخشريّ في حواشيه كان الأصل ما أمرتهم إلا ما أمرتني به فوضع القول موضمع الأمر جريا على طريق الأدب الحسن لئلابجعل نفسه، وربه معا آمرين، ودل على الأصل بإقحام أن المفسرة قيل ولابتناء جعل القول في معنى الأمر على هذه القرينة، والنكتة لم يكن لك أن تجعل كل قول في معنى فعل فيه معنى القول فتجعل أن مفسرة له.
(قلت) هذا ردّ لقول الانتصاف إنّ هذا التأويل لتقع أن المفسرة بعد فعل في معنى القول،
وليس قولاً صريحا، وحمل القول على الأمر مما يصحح المذهب الآخر في إجازة وقوعها بعد القول مطلقاً فإنه لولا ما بين القول، والأمر من التناسب المعنوي لما جاز إطلاق أحدهما، وارادة الآخر، والعجب أنّ الأمر قسم من القول، وما بينهما إلا عموم، وخصوص، وليس في هذا التأويل الذي سلكه إلا كلفة لا طائل وراءها ولو كانت العوب تأبى وقوع المفسرة بعد القول لما أوقعتها بعد فعل ليس بقول، ثم عبرت عن ذلك الفعل بالقول لأنّ ذلك كالعود إلى ما وقع الفرأر منه، وهم بعداء من ذلك انتهى، وقال ابن هشام فإن قيل لعل الامتناع من إجازته لأنه أمر لا يتعدى بنفسه إلى المأمور به إلا قليلا يعني كقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
فكذا ما أوّل به قلنا هذا لازم له على توجيه التفسيرية، وهو ليس بشيء لأنه لا يلزم من
تأويل شيء بشيء أن يتعدى تعديته كما صرحوا به لأنّ التعدية تنظر إلى اللفعل، ثم إنه قيل في جعل أن مفسرة لفعل الأمر المذكور صلته مثل أمرته بهذا أن قم نظر أما في طريق القياس فلأن أحدهما مغن عن الآخر، وأما في الاستعمال فلأنه لم يوجد، وفي ادعاء القياس نظر لأنّ الأوّل
لإبهامه لا يغني عن الثاني، والثاني لا يغني عن الأوّل وللتفسير بعد الإبهام شأن ظاهر. قوله:(رقيباً عليهم أمنعهم أن يقولوا ذلك الخ) إشارة إلى أنّ الشهيد، والرقيب هنا بمعنى، ولكن تفنن في العبارة ليميز بين الشهيدين، والرقيبين لأنّ كونه صلى الله عليه وسلم رقيباً ليس كالرقيب الذي يمنع، ويلزم بل كالشاهد على المشهود عليه، ومنعه بمجرّد القول، وأنه تعالى هو الذي يمنع منع إلزام بالأدلة، والبينات
فإن قلت قوله: {فلما توفيتني} الخ بعد قوله: {وكنت عليهم شهيدا} الخ من قبيل ما مر في قوله قالوا لا علم لنا أي لا علم لنا بما كان منهم بعدنا إذالحكم للخاتمة، وقد رد هنا بأنه كيف يخفى عليه أمرهم، وقد رآهم سود الوجوه كما مر قلت: ليس هذا منه لأنه صلى الله عليه وسلم في صدد التنصل، والتبري عما نسب إليه واثباته لهم فأين هذا من ذاك فإن قيل إنه تعالى قبل توفيه هو المانع بالإرشاد لإرسال الرسل والبينات كما أنه كذلك بعد توفيه فلا تقابل بين قوله كنت أنت الرقيب، وقوله: كنت عليهم شهيداً على هذا التفسير فينبغي تفسيره بأني ما دمت فيهم كنت شاهدا لأحوالهم فيمكن لي بيانها، وبعد التوفي لا أعلم حالهم، ولا يمكنني بيانها قلت منعه من غير واسطة بل بالقول، والزجر، ومنع الله ليس كذلك فالتقابل واضح وتخصيصه بعد توفيه بالفعل بلا رسولط، والا فهو الهادي قبله، وبعده وهو ظاهر مما مر، وقوله: بالرفع إلى السماء إشارة إلى ما سبق من أنه لم يصلب، ولم يمت فلذا فسر التوفي برفعه، وأخذه من الأرض! كما يقال توفيت المال إذا قبضته. قوله:(ولا اعتراض على المالك الخ) وأما العباد فقد يعترض عليهم إذا فعلوا بمماليكهم ما لا يجوّزه الشرع لأنهم لا ملك لهم على الإطلاق، وقوله وفيه تنبيه لم يجعله معنى النظم لأنه ليس من منطوقه بل فيه إشارة إليه. قو! 4:) فلا هجز ولا استقباح الخ) وقع لبعض الطاعنين في القرآن من الملاحدة أن المناسب ما وقع في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه بدل العزيز الحكيم العزيز الغفور لأنه مقتضى قوله، وأن تغفر لهم كما نقله ابن الأنباري رحمه الله تعالى، وأجاب عنه لسوء فهمه ظن تعلقه بالشرط الثاني فقط لكونه جوابه، وليس كما توهم بفكره الفاسد بل هو متعلق بهما، ومن له الفعلى،
والترك عزيز حكيم فهذا أنسب، وأدق وأليق بالمقام، وما في كلام المصنف رحمه الله تعالى يمكن إرجاعه إلى هذا أو هو متعلق بالثاني، وأنه احتراس لأنّ ترك عقاب الجاني قد يكون لعجزينا في القدرة أو لإهمال ينافي الحكمة فبين أن ثوابه وعقابه مع القدرة التامة، والحكمة البالغة، وليس كما قيل:
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا
وقوله: لا عجز ولا اشقباح فإن كونه عزيزا غالبا ينفي العجز، وكونه حكيما ينفي استقباح فعله، ولذا قيل ليس قوله: إن تغفر لهم تعريضا بسؤاله العفو عنهم، وإنما هو لإظهار قدرطه على ما يريد وعلى مقتضى حكمه وحكمته، ولذا قال إنك أنت العزيز الحكيم تنبيها على أنه لا امتناع لأحد عن عزته فلا اعتراض! في حكمه وحكمته، ولم يقل الغفور الرحيم، وإن اقتضاهما الظاهر كما قال:
أذنبت ذنباعظيما وأنت للعفو أهل
فإن غفرت ففضل وان جزيت فعدل
قوله: (فإن المغفرة مستحسنة لكل مجرم الخ) في الكشاف ما قال إنك تغفر لهم، ولكنه
بني الكلام على أن غفرت فقال إن عذبتهم عدلت لأنهم أحقاء بالعذاب، وان غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأنّ المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول بل متى كان المجرم أعظم جرفاً كان العفو عنه أحسن يعني أنّ المغفرة، وان كانت قطعية الانتفاء بحسب الوجود لكنها لما كانت بحسب العقل تحتمل الوقوع واللاوقوع استعمل فيها كلمة إن فسقط ما يتوهم أن تعذيبهم مع أنه قطعيّ الوجود كيف استعمل فيه إن وأنما كان العفو أحسن لأنه أدخل في الكرم، وهذا لا ينافي كون العقوبة أحسن في حكم الشرع من جهات أخر، وعدم وقوع العفو بحكم النص، والإجماع، وفي كتب الكلام أنّ غفران الشرك جائز عقلاً عندنا وعند جمهور البصريين من المعتزلة لاًنّ العقاب حق الله على المذنب، وليس في إسقاطه مضرة فما ذكره في الانتصاف من أنّ هذا لا يوافق كلام أهل السنة، ولا المعتزلة ليس على ما ينيغي، وأما استعماله في الممتنع لذاته لنكتة أخرى فلا ينافي هذا، وبهذا التقرير علمت ما عني المصنف رحمه الله تعالى، وأنه ليس مخالفاً للكشاف كما توهم. قوله:(على أنه ظرف لقال وخبر هذا محذوف الخ) قراءة الجمهور بالرفع ظاهرة على الابتداء، والخبرية، وفراءة النصب خرجت على وجوه منها أنه ظرف
لقال، وهذا مبتدأ خبره محذوف أي كلام عيسى مج! في يوم ينفع
الصادقين أو هذا جزاء الصادقين، ونحوه أو هذا حق تصديقا لعيسى صلى الله عليه وسلم وتكذيباً لأمته، والظرف خبره أي هذا الذي قاله عيسى صلى الله عليه وسلم واقع ينفع الخ أو هذا مفعول به للقول لأنه بمعنى الكلام القصص أو مفعول مطلق لأنه بمعنى القول. قوله:(وليس بصحيح لأن المضاف إليه معرب) قال الكوفيون: الظرف مبني على الفتح إذا أضيف إلى جملة فعلية، وأن كانت معربة، واستدلوا بهذه القراءة وغيرها، وأما البصريون فلا يجيزون البناء إلا إذا صدرت الجملة المضاف إليها بفعل ماض كقوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا
وخرجوا هذه القراءة على ما ذكره، ونحوه فادعاء عدم صحته على مذهبهم، وألحق بالماضي الفعل المنفي بلا كما ذكره النحرير: وتفصيله في النحو. قوله: (والمراد بالصدق الصدق في الدنيا فإن النافع ما كان حال التكليف) ، والعمل لا ينفع في الدار الاخرة مطلقا وهو إشارة إلى ما قالوه من أنّ الكفار لا يكذبون في الآخرة، ولذا قالوا وكنا نكذب بيوم الدين، وأورد عليه أنه ليس بمطابق لما ورد فيه لأنه شهادة بصدق عيسى صلى الله عليه وسلم فيما قاله جواباً عن قوله:(أأنت قلت للناس الخ) فالأخبار بأن صدق الصادقين في الدنيا ينفعهم في الاخرة لا يلائم ذلك، وأجيب بأنّ المراد الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم إلى آخرتهم كما هنا فالنفع، والمجازاة تكون باعتبار تحققه في الدنيا، والمطابقة لما نحن فيه باعتبار تقرره، ووقوع بعض جزئياته في الآخرة، والمستمرّ هو الأمر الكلي الذي هو الاتصاف بالصدق، ولا يلزم من هذا أن يكون للصدق الأخروي مدخل في الجزاء ليعود المحذور ولا يحتاج إلى جعل الصدق الأخروي شرطا في نفع الصدق الدنيوي، والمجازاة عليه وقوله بيان للنفع يعني قوله لهم جنات إلى هنا تفسير للنفع، ولذا لم يعطف عليه. قوله:(تنبيه على كذب الخ) وجه التنبيه من تقديم الظرف لأنه المالك لا غيره فلا شريك له قيل، ويعلم منه تنزهه تعالى عن المكان. قوله:(وإنما لم يقل ومن فيهن الخ) لأنّ المعروف تغليب العقلاء لشرفهم على غيرهم، والوجه الأول مبني على اختصاصها بذوي العقول ف! طلاقها على ما يشملهم، ويجانسهم لنكتة، وهي الإشارة إلى قصور الجميع عن الربوبية لتجانسهم، والله لا يجانسه، ولا يثاكله شيء، وأنهم بمنزلة الجمادات في جنب عظمته، وكبرائه، والثاني إشارة إلى أنّ ما عامة للعقلاء، وغيرهم فاستعملت للعموم من غير تغليب لأنها لا تختص! بغير ذوي العقول بل تتناول الأجناس كلها
عقلاء، وغيرهم فكانت أولى بالعموم لمناسبتها لمقام إظهار العظمة، والكبرياء فما في ملكوته وتحت قدرته لا يصلح شيء منها للألوهية سواء فيه عيسى صلى الله عليه وسلم وأمه وغيرهما، والحديث الذي ذكره موضوع كما ذكره ابن الجوزي من حديث أبيّ رضي الله عنه المشهور. تمت سورة المائدة اللهم لا تحرمنا ببركتها من موائد كرمك، ولا تقطع عنا عوائد نعمك وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام في كل مبدأ وختام آمين.
تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع أوله سورة الأنعام