المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ معنى السنة لغة واصطلاحا - حجية السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي

[عبد القادر بن حبيب الله السندي]

الفصل: ‌ معنى السنة لغة واصطلاحا

‌مدخل

حجية السنة النبوية

ومكانتها في التشريع الإسلامي

لفضيلة الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي المدرس بمعهد الحرم المكي

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على رسول الهدى محمد المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فهذه فذلكة مجملة، وكلمة مختصرة عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الأصل الثاني للتشريع الإسلامي العظيم، وإن كنت لست فارسا من فرسان هذا الميدان الخضم إلا أني حملت حبا عظيما، وشعورا فياضا، وعاطفة دينية في نفسي الصغيرة نحو أولئك الأمجاد الكرام من الصحابة التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين خدموا هذا الأصل العظيم خدمة ممتازة ضخمة لا نظير لها في تاريخ الإنسانية الطويل، فأتوا بالعجب العجاب في هذه الخدمة المشار إليها، فأحببت أن يكون لي في تمجيد هؤلاء ورفع شأنهم بعض الحظ حتى أقف به بين يدي المولى سبحانه وتعالى في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وبحب هؤلاء الكرام، وبجهودهم، وخدماتهم الطويلة، ورحلاتهم الشاسعة إلى أقطار العالم في سبيل حفظ هذا الأصل الأصيل - السنة المطهرة على صاحبها أفضل السلام وأتم التسليم - أتقرب إليه جل وعلا إن كان ليس عندي غير هذا العمل وسأذكر في هذه الكلمة المتواضعة:

ص: 87

1-

‌ معنى السنة لغة واصطلاحا

.

2-

مكانتها ومنزلتها من التشريع الإسلامي.

3-

ذكر بعض الجهود الضخمة التي قام بها العلماء المحدثون من الصحابة

ص: 87

والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين في حفظها، وصيانتها، وذكر بعض نماذج السير لرجالها الذين كانوا حماتها وحفاظها.

أما معنى السنة لغة: فهي على وزن فعلة بمعنى مفعولة، وجمعها السنن، قال العلامة الإمام ابن الأثير:"قد تكرر في الحديث ذكر السنة، وما تصرف منها، والأصل فيها الطريقة، والسيرة، وإذا أطلقت في الشرع، فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عنه، وندب إليه قولا، وفعلا مما لا ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال: في أدلة الشرع الكتاب والسنة. أي القرآن والحديث". وقال أيضاً: "ويجوز أن تكون من سننت الإبل إذا أحسنت رعيتها، والقيام عليها، ومنه الحديث: "أنه نزل المحصب، ولم يسنه" - أي لم يجعل سنة يعمل بها، وقد يفعل الشيء لسبب خاص لا يعم غيره"1 قلت: ورد هذا المعنى اللغوي في الأحاديث الكثيرة منها حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بسنة" - أي أنه لم يسنه لكافة الأمة، ولكن لسبب خاص وهو أن يرى المشركين قوة أصحابه، وهو مذهب ابن عباس وحده من الصحابة، وغيره يرى أن الرمل في طواف القدوم سنة2. ومنها حديث أخرجه الإمام مالك في موطئه عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عمر قال: "لا أدري ما أصنع بالمجوس، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: "أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" 3. فالمقصود أنها تطلق على الطريقة سواء كانت حسنة أو قبيحة كما جاء في حديث أخرجه مسلم في الصحيح والنسائي في السنن والإمام أحمد في المسند من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه مرفوعا: "من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها"4. ومنها حديث أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا، ذراعا ذراعا

1 النهاية لابن الأثير 1/186

2 أخرجه الأمام أحمد في المسند 1/229 وأبو داود في السنن، المناسك (50) .

3 فتح الباري 6/361 وانظر مسند الحافظ أبي يعلى برقم 456 والموطأ الزكاة (42)

4 مسلم العلم (15) النسائي الزكاة (64) مسند الإمام أحمد 4/357

ص: 88

حتى لو دخلوا حجر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ "1.

وبهذا المعنى اللغوي جاء به كتاب الله تعالى كقوله تعالى في سورة الأنفال: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} 2 وقال تعالى في سورة الحجر حاكيا عن الكفار الذين لا يؤمنون بهذا القرآن قال: {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} 3 وقال جل وعلا في سورة الإسراء: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} 4 وقال عز من قائل في سورة الكهف: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً} 5. قال جل وعلا في سورة الأحزاب: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} 6. وقال أيضاً في سورة الأحزاب: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} 7. وقال جل وعلا في سورة فاطر: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} 8 وقال أيضا في سورة غافر: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} 9 وقال جل وعلا في سورة الفتح: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} 10 وقال في سورة آل عمران: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} 11 وقال في سورة النساء: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} 12 فكلمة السنة الواردة في هذه الآيات الكريمات بمعناها اللغوي، وهو الطريقة، والسيرة، وقد اقتصرت على نقل هذه الكلمة من

1 البخاري: الاعتصام بالسنة (14)

2سورة الأنفال رقم الآية (38)

3 سورة الحجر رقم الآية (13)

4 سورة الإسراء رقم الآية (77)

5 سورة الكهف رقم الآية (55)

6 سورة الأحزاب رقم الآية (38)

7 سورة الأحزاب رقم الآية (62)

8 سورة فاطر رقم الآية (43)

9 سورة غافر رقم الآية (85)

10 سورة الفتح رقم الآية (23)

11 سورة آل عمران رقم الآية (137)

12سورة النساء رقم الآية 26 ومسلم العلم (6)

ص: 89