المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثانيفي الاقتصار على ثلاث - حقيقة الوتر ومسماه في الشرع - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٦

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌الفصل الثانيفي الاقتصار على ثلاث

‌الفصل الثاني

في الاقتصار على ثلاث

أجازه أصحابنا لما مرَّ، وقد علمتَ الجواب عليه. وقال بعض الحنفية بتعيينه وصلًا، قال في "الفتح"

(1)

: "واحتج بعض الحنفية لما ذهب إليه من تعيين الوصلِ والاقتصارِ على ثلاثٍ: بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاثٍ موصولةٍ حسنٌ جائز، واختلفوا فيما عداه. قال: فأخذنا بما أجمعوا عليه، وتركنا ما اختلفوا فيه". هـ

أما تجويز أصحابنا فكما مرَّ في الاقتصار على الواحدة أن ظواهر ما استدلُّوا به لا تأبى ما قالوه، ومثلُ ذلك يُعمل به ما لم يعارضه أقوى منه.

قلت: وقد عارضه حديث عائشة المارّ، وفيه:"ولم يكن يُوتِر بأنقصَ من سبعٍ". وعارضه أيضًا ما ساقَه في "الفتح" في سياق الرد على الحنفي.

قال

(2)

: "وتعقَّبه محمد بن نصر المروزي بما رواه

(3)

من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا: "لا تُوتِروا بثلاثٍ تُشبِّهوا بصلاة المغرب"، وقد صححه الحاكم

(4)

من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة والأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه، وإسناده على شرط

(1)

(2/ 481).

(2)

(2/ 481).

(3)

ومن طريقه الحاكم في "المستدرك"(1/ 304).

(4)

في "المستدرك"(1/ 304).

ص: 297

الشيخين، وقد صححه ابن حبان

(1)

والحاكم

(2)

، ومن طريق مِقْسم عن ابن عباس وعائشة كراهية الوتر بثلاث، وأخرجه النسائي

(3)

أيضًا. وعن سليمان بن يسار أنه كره الثلاث في الوتر، وقال:"لا يُشبِه التطوعُ الفريضةَ". فهذه الآثار تقدح في الإجماع الذي نقلوه.

وأما قول محمد بن نصر: "لم نجد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبرًا ثابتًا صريحًا أنه أوتر بثلاثٍ موصولةً، نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاثٍ، لكن لم يبيِّن الراوي هل هي موصولة أم مفصولة". انتهى.

فيَرِدُ عليه ما رواه الحاكم

(4)

من حديث عائشة أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يُوتِر بثلاثٍ لا يقعد إلَّا في آخرهن. وروى النسائي

(5)

من حديث أبي بن كعب نحوه، ولفظه:"يُوتِر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ولا يُسلِّم إلّا في آخرهن". وبيَّن في عدة طرق أن السوَر الثلاث بثلاث ركعات.

ويُجاب عنه باحتمال أنهما لم يثبتا عنده.

والجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن

(1)

رقم (2429).

(2)

(1/ 304).

(3)

(3/ 239، 240).

(4)

في "المستدرك"(1/ 304). وفيه في المتن "لا يسلم"، وأشار في الهامش إلى "لا يقعد". وهو الصواب في هذه الرواية، كما نبَّه على ذلك شمس الحق العظيم آبادي في "التعليق المغني"(2/ 26، 27)، وبيَّن تحريف بعض الحنفية فيه.

(5)

(3/ 235، 236).

ص: 298

يُحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين، وقد فعله السلف أيضًا، فروى محمد بن نصر

(1)

من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير، ومن طريق المِسور بن مَخْرمة أن عمر أوتر بثلاثٍ لم يُسَلِّم إلّا في آخرهن، ومن طريق ابن طاوس عن أبيه أنه كان يُوتِر بثلاثٍ لا يَقعد بينهن، ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله. انتهى.

أقول: وقوله: "وقد فعله السلف

إلخ" يُوهِم أنه صلاة الثلاث بتشهدين وتسليمة واحدةٍ، ولم يذكر ما هو صريح في ذلك إلا ما يوهمه حديث عمر.

ثم قال بعدُ: وروى محمد بن نصر

(2)

عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاثٍ كالمغرب، وكأنهم لم يبلغهم النهي المذكور.

وسيأتي في هذا الباب قول القاسم بن محمد في تجويز الثلاث، ولكن النزاع في تعيُّن ذلك، فإن الأخبار الصحيحة تأباه. انتهى

(3)

.

أقول: قد سُقتُ هنا عبارة "الفتح" بطولها لأَبني عليها:

فأولًا: هل فيما ذكره دليلٌ لأصحابنا على جواز الاقتصار على

(4)

الثلاث؟

فنقول: يُوهِم ذلك قولُ محمد بن نصر: "نعم، ثبت عنه أنه أوتر

(1)

"مختصر قيام الليل وكتاب الوتر"(ص 122).

(2)

المصدر نفسه (ص 122، 123).

(3)

أي كلام الحافظ في "الفتح" مع ما تخلَّله من كلام المؤلف.

(4)

في الأصل: "عن" سهوًا.

ص: 299

بثلاثٍ

إلخ". والجواب عنه أن ما ثبت من ذلك هو بعدَ سَبْقِ شَفْعٍ، كما في حديث عائشة المتفق عليه

(1)

: "يُصلِّي أربعًا، فلا تسألْ عن حسنهن وطولهن، ثم يُصلِّي أربعًا، فلا تسألْ عن حسنهن وطولهن، ثم يُصلِّي ثلاثًا" الحديث. وكذا رواية عند مسلم

(2)

في حديث ابن عباس، وفيها:"فصلَّى ركعتين أطال فيهما، ثم انصرف فنام حتى نفخَ، ففعلَ ذلك ثلاثَ مراتٍ ستَّ ركعات، كلَّ ذلك يستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، يعني آخرَ آل عمران، ثم أوتَر بثلاثٍ" الحديثَ.

وعلى هذا يُحمل ما رواه الحاكم عن عائشة، وما رواه النسائي من حديث أبي بن كعب

(3)

، وكذا ما رُوي عن عُمر ومَن بعده، وأشار إليه من قول القاسم وقد مرَّ، وعلى ما ذكرناه هنا وفي الفصل الأول يدلُّ سياق الإمام النسائي في "سننه" حيث قال

(4)

: (باب كيف الوتر بواحدةٍ؟ ) ثم ساق حديث ابن عمر: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف فاركعْ واحدة" برواياته. ثم عقَّبه بحديث عائشة: "كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يُوتِر منها بواحدة" الحديث. ثم قال

(5)

: (باب كيف الوتر بثلاث؟ ) وساق حديث عائشة الذي مرَّ، وفيه:"أربعًا وأربعًا وثلاثًا". فأَفْهَمك بحِذْقِه أن ليس المراد من إطلاقِ "أوتر بواحدة"[و]"أوتر بثلاث" الاقتصار عليها

(1)

البخاري (1147) ومسلم (738).

(2)

رقم (763/ 191).

(3)

سبق تخريجهما.

(4)

(3/ 233).

(5)

(3/ 234).

ص: 300