الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدون سَبْقِ غيرها، فافهمْ.
ثانيًا: هل فيما ذكره دليلٌ على أصحابنا؟
أقول: نعم.
ولنبدأ ب
تحقيق الكلام في حديث: "لا توتِروا بثلاثٍ
":
أولًا: حديث الدارقطني
(1)
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تُوتِروا بثلاث، أوتروا بخمسٍ أو سبعٍ، ولا تُشبِّهوا بصلاة المغرب". قال: كلهم ثقات. ورواه من طريق أخرى بمثله إلّا أنه قال: "بسبع".
قال الشارح
(2)
على الرواية الأولى: وأخرجه الحاكم في "المستدرك"
(3)
بهذا الإسناد والمتن، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه. وكذا أخرجه البيهقي
(4)
. وأخرجه الحاكم
(5)
أيضًا من جهة أخرى بقوله: حدثنا، وساق السند إلى عِراك بن مالك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تُوتروا بثلاثٍ تُشبِّهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ أو بإحدى عشرةَ أو بأكثر من ذلك". وأخرج محمد بن نصر المروزي في "قيام الليل"
(6)
له: حدثنا
…
(1)
في "سننه"(2/ 24، 25).
(2)
هو العلامة المحدث شمس الحق العظيم آبادي في "التعليق المغني على سنن الدارقطني"(2/ 24، 25).
(3)
(1/ 304).
(4)
في "السنن الكبرى"(3/ 31).
(5)
في "المستدرك"(1/ 304).
(6)
(ص 125).
إلخ، وساق السند إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحوه. وهكذا أخرجه ابن المنذر وابن حبان
(1)
، كما في "التلخيص"
(2)
.
وقال الحافظ في "فتح الباري"
(3)
: وقد صححه الحاكم من طريق عبد الله بن الفضل، وإسناده على شرط الشيخين، وقد صححه ابن حبان. انتهى.
وقال في "التلخيص"
(4)
: حديث أبي هريرة رجاله كلهم ثقات، ولا يضره وقفُ من أوقفَه. انتهى.
وقد صحح زين الدين العراقي إسنادَ طريقين: طريق عراك بن مالك، وطريق عبد الله بن الفضل، كما في "النيل"
(5)
. وصححه مجد الدين الفيروزابادي في "سفر السعادة"
(6)
، وكذا أقرَّ على صحته الحافظ ابن القيم في "إعلام الموقعين عن ربّ العالمين"
(7)
(8)
.
أقول: أما الحديث فقد صحَّ، وقد مرَّ جمعُ الحافظ بينه وبين أحاديث الوتر بثلاث ركعات، وفي النفس من ذلك شيء. والتحقيق أن يقال: إن هذا
(1)
رقم (2429).
(2)
"التلخيص الحبير"(2/ 15).
(3)
(2/ 481).
(4)
(2/ 15).
(5)
"نيل الأوطار"(3/ 43).
(6)
(ص 64) ط. دار القلم بيروت.
(7)
(2/ 354).
(8)
إلى هنا انتهى النقل من "التعليق المغني" للعظيم آبادي.
الحديث ورد بمتنينِ: أحدهما هو قوله: "لا توتروا بثلاثٍ، أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ، ولا تُشبِّهوا بصلاة المغرب". والثاني قوله: "لا توتروا بثلاثٍ تُشبِّهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ أو بإحدى عشرةَ أو بأكثر من ذلك". وظاهر المتن الأول أن قوله: "ولا تُشبِّهوا بصلاة المغرب" عطفُ تفسيرٍ لقوله: "لا تُوتِروا بثلاثٍ"، قيل لبيان علته، ويحتمل أن يكون نهيًا آخر. وأما المتن الثاني فإن "تُشبِّهوا" بدل من "لا تُوتِروا"، فلا يحتمل إلّا معناه.
وبيانه أن النهي عن التشبيه بصلاة المغرب هل هو فيما يتعلق بالكمّ وحده أو بالكيف وحده أو بهما معًا؟ فإن كان بالكمّ فقط امتنع أن يصلي في الليل ثنتين، ثم بعد وقتٍ يُصلِّي واحدة؛ لأن المجموع حينئذٍ ثلاث، وهي قدر المغرب. وإن كان بالكيف فقط امتنع أن يصلِّي ثلاثًا معًا وإن سبقَ قبلَها عددٌ من الشفع. وإن كان بهما معًا لم يمتنع إلا أن يُجمع بين الثلاث ويقتصر عليها.
فأقول: الحديث باللفظ الأول ظاهر في إرادة الكمّ محتملٌ للإطلاق، وباللفظ الثاني نصٌّ في إرادة الكمّ، فتعيَّن أن يكون الأول كذلك.
إذا تقرر هذا فالحديث نصٌّ في النهي عن التشبيه بالمغرب بالكمّ، ثم هذا الكمّ هل هو معتبر في الوتر بالإطلاق الأول أو بالإطلاق الثالث؟
أقول: الحديث باللفظ الأول محتملٌ للأمرين، وباللفظ الثاني متعين للإطلاق الأول كما مرَّ؛ لأن فيه:"أو بأحد عشر أو بأكثر من ذلك"، وغاية صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الليل ثلاثة عشر على نزاعٍ.
ثانيًا: لو كان من الإطلاق الثالث لاقتضى أن الأحد عشر تُصلَّى بتسليمةٍ واحدة، وكذا الأكثر من ذلك، وهو غريب.
ثالثًا: إن الوتر عند أصحابنا غايته أحد عشر، وهذا أربَى عليها، فثبتَ أن الوتر فيه من باب الإطلاق الأول، أي عبارة عن صلاة الليل يًصلِّيها صلى الله عليه وآله وسلم، مع قطع النظر عن النية وعن الوصل والفصل، وحينئذٍ فيتعين حمل اللفظ الأول عليه. فثبت أن مورد النهي عن التشبيه بالمغرب هو في الكمّ فقط، وفي مطلق صلاة الليل الذي كان يُصلِّيها صلى الله عليه وآله وسلم.
إذا تقرر ذلك فلو اقتصر في ليلةٍ على ثلاث ركعات عدا سنة العشاء والفجر فقد شبَّه، سواء وصلَها بتشهُّدٍ واحد أو تشهدين، أو فصلَها بزمن قصير أو طويل، مع اتحاد النية بأن نوى بها الوتر، أو تفريقها بأن نوى بالركعتين من قيام الليل ونوى بالركعة الوتر، وإذا صلَّى في ليلةٍ عدا سنة العشاء والفجر اثنتين وثلاثًا، أو أربعًا وثلاثًا، أو ستًّا وثلاثًا، أو ثمانيًا وثلاثًا، أو عشرًا وثلاثًا= لم يقع في التشبيه أصلًا، سواء وصلَ الثلاثَ بتشهد أو تشهدين، أو فصلَها بزمن قصير أو طويل، مع اتحاد النية أو تفريقها، وحينئذٍ فالجمع الصحيح بين هذا الحديث وبين ما ورد من الإيتار بثلاثٍ: أن ما ورد من إطلاق الإيتار بالثلاث فالمراد به جمعها بعد أن يسبقها عددٌ من الشفع، ومن استقرأ الآثار وجدها كذلك إلّا ما شذّ.
ويدلُّك على ذلك ظاهر وتر عمر أنه كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير، وما رُوِي عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاثٍ كالمغرب، وكفى بهؤلاء، ويبعد كل البعد أن لا يطلعوا على حديث النهي عن التشبيه بالمغرب، بل الظاهر أنهم كانوا أعلمَ به من غيرهم، حيث فهموا
أن مورده النهي عن التشبيه بالاقتصار على الثلاث في ليلة، لا التشبيه بالكيف، فكانوا رضي الله عنهم يُصلُّون ما شاء الله، ثم يُوتِرون بثلاثٍ كما عرفتَ.
نعم، قد يقال: إن التشبيه بالكيف يُحكَم بالنهي عنه قياسًا على التشبيه بالكمّ، ولاسيَّما وقد نصّ على العلة في نفس الحديث.
قلتُ: هذا قوي، ويدلُّ له أنَّ عامة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وتر الثلاث ليس فيه النصُّ على شيء أنه بتشهدين، وأما بتشهدٍ واحدٍ فكثير كما مرَّ. وأما فعلُ ابن مسعود وأنس وأبي العالية وظاهر ما رُوي عن عمر فمحمولٌ على أنهم لم يعتبروا القياس المذكور، كأنهم رأوا أن تشبيه النفل بالفرض ليس علةً كاملةً، إذ قد ورد صلاةُ أربعٍ قبل الظهر لا يُسلِّم إلّا في آخرهن، وذلك يُشبه الظهر. وقد مرّ حديث عائشة "أربعًا وأربعًا وثلاثًا" وغير ذلك. ولكن ظاهر الحديث خلاف ذلك، فاعتبار القياس قوي، وعليه فيمتنع الوتر بثلاثٍ بتشهدين ولو كان قد صلَّى قبلها عددًا من الشفع، وعليه فالجمع الذي ذكره الحافظ يعتبر لاعتبار الكيف، والله أعلم.
تنبيه
قد مرَّ في الفصل الأول أنه لابدّ أن يتقدم الواحدةَ شَفْعٌ غير سنةِ العشاء، كما يدلُّ عليه سياقُ حديث "صلاة الليل مثنى
…
" إلى آخره، وتقرر في هذا الفصل أن الشفع الذي يتقدم الواحدة لابدَّ أن يكون أربعًا فأكثر، ولا يُعتَدُّ فيه بسنة العشاء لما قرَّرناه أن لفظ: "لا توتِروا بثلاثٍ، أوتروا بخمسٍ
…
" إلخ من الإطلاق الأول، أي أن الوتر عبارة عما يَشملُ صلاةَ الليل إلى ثلاث عشرة ركعة، وسنة العشاء ليست من ذلك.
فتقرر أنه لابدَّ أن يُصلِّي الإنسان بعد سنة العشاء وقبل سنة الصبح خمسًا على الأقل، فإنه أقلُّ ما تُؤدَّى به السنةُ خارجًا من النهي، ومن أراد أدنى الكمال فلابدَّ من سبعٍ، لحديث عائشة المتقدم:"ولم يكن يُوتِر بأنقصَ من سبعٍ". والله أعلم.
* * * *
اللفظ الثاني
(1)
: "ولم يكن يُوتر بأنقصَ من سبعٍ"، إن قلتم: حقيقة، قلنا لكم: فكيف بقولها: "ولا بأكثر من ثلاث عشرة"؟ وتقدير: "ولا يصلي بأكثر من ثلاث عشرة" من الحذف، وقد مرَّ ما فيه، على أن الباء تدفع ذلك. وتقدير: "ولا يُوتِر بأكثر
…
" إلخ، وإن دفع الباء فهو لا يُجدِيْ شيئًا. على أنه لا يضرُّنا القول بأنه حقيقة لاحتمال الوصل، وليس في قولها: "بأربع وثلاثٍ" أنه لم يكن يُصلِّي السبع إلّا كذلك. وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم وَصْلُ السبع من عدة روايات.
وإن قلتم: مجاز، فهو بجميع طرقه لا يدلُّ على ما قلتم كما مرَّ، بل غاية ما فيه أن يحتمل ذلك، فيُطلب دليلٌ غيره، والدليل بيدنا.
وإن قلتم: حقيقة باعتبار مجاز باعتبار، فقد مرَّ ما فيه، وغاية ما فيه الاحتمال أيضًا.
اللفظ الثالث: "يُوتر بثلاث عشرة"، إما أن تقولوا: مجاز، أو حقيقة ومجاز باعتبارين، وكلُّ ذلك بأنواعه لا يُجدِيكم شيئًا، بل غايته الاحتمال.
اللفظ الرابع: "أوترَ بسبعٍ". إن قلتم: حقيقة، فلا بأس، لاحتمال الوصل، ولكن جَعْله مقابلًا لما بعده يُنافي ذلك.
اللفظ الخامس: ["لا تُوتِروا بثلاثٍ"]، كالذي قبله.
اللفظ السادس: "أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ أو بإحدى عشرة أو بأكثر من ذلك". يأتي فيه ما مرَّ في اللفظ الأول. وقد سبق ما يؤكِّد مجازية هذا الحديث فراجعه.
(1)
الكلام من هنا غير متصل بما قبله، وهكذا وُجد في الأصل ناقصًا.
والحق في الألفاظ الستة من الأحاديث الثلاثة أنها كلَّها مجازاتٌ عن صلاة الليل، فمعنى الحديث الأول: كان يُصلِّي بالليل أربعًا وثلاثًا، وستًّا وثلاثًا، وثمانيًا وثلاثًا، وعشرًا وثلاثًا. ولم يكن يُصلِّي في ليلةٍ أقلَّ من سبعٍ ولا أكثر من ثلاث عشرة.
فقولها: "أربع وثلاث، وستّ وثلاث، وثمان وثلاث" كرواية مسروق عند البخاري قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت:"سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر". وقولها: "وعشر وثلاث" كرواية عروة عند البخاري عنها أيضًا قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعةً، ثم يُصلِّي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين".
ومعنى الحديث الثاني: كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، فلما كَبُرَ وضعُفَ صلَّى سبعًا. وهو شبيهٌ بحديث عائشة.
ومعنى الحديث الثالث: لا تُصلُّوا في الليل ثلاثًا مقتصرةً عليها، تُشبهوا المغرب، صلُّوا خمسًا أو سبعًا أو تسعًا أو إحدى عشرة أو أكثر من ذلك. وقد مرَّ شرحه مستوفًى.
* * * *
قال
(1)
شيخ الإسلام
(2)
: "واستشكل وجوب الثلاثة عليه لضعف الخبر، وبجَمْعِ العلماء بين أخبار الضحى المتعارضة في سنيتها بأنه كان لا يداوم عليها، مخافةَ أن تُفرَض على أمته فيَعْجِزوا عنها، ولأنه قد صحَّ عنه أنه كان يُوتِر على بَعيرِه، ولو كان واجبًا عليه لامتنعَ ذلك. وقد يُجاب عن الأول باحتمال أنه اعتضد بغيره. وعن الثاني بأن صلاة الضحى واجبةٌ عليه بالجملة. وعن الثالث باحتمال أنه صلاها على الراحلة وهي واقفة، على أن جواز أدائها على الراحلة من خصائصه أيضًا".
قلت: هذه الأجوبة لا تُجدي شيئًا.
أما الأول: فإن مجرد احتمال الاعتضاد ليس اعتضادًا.
وأما الثاني: فلا نعرف معنى الوجوب على الجملة، هل معناه أن ركعتي الضحى وجبتْ عليه في العمر مرةً أو غير ذلك؟
وأما الثالث فاحتمال وقوف الراحلة يُبعِده حديث سعيد بن يسار عند البخاري
(3)
قال: "كنتُ أسير مع عبد الله بن عمر بطريقِ مكة، فقال سعيد: فلما خشيتُ الصبحَ نزلتُ فأوترتُ ثم لحِقْتُه. فقال عبد الله بن عمر: أين كنتَ؟ فقلتُ: خشيتُ الصبحَ فنزلتُ فأوترتُ، فقال عبد الله: أما لك في رسول الله أسوةٌ حسنة؟ قلتُ: بلى والله! قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُوتِر على البعير".
(1)
لم نجد الكلام المتعلق به في النسخة، وأبقيناه كما هو.
(2)
أي زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب"(3/ 98) ط. دار الكتب العلمية.
(3)
رقم (999).
قلتُ: فواقعةُ سعيد بن يسار كانت في حالة السير، كما يدلُّ عليه قوله:"ثم لَحِقتُه"، وقوله:"فقال: أين كنت؟ "، وذلك يدلُّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوتر عليها في حالِ السير.
وأما قوله: "على أن جواز أدائها على الراحلة من خصائصه أيضًا"، فهو مردود بما قلنا، ولنا أدلة أخرى على عدم وجوب الوتر عليه صلى الله عليه وآله وسلم، ربما نُشير إليها في المقالة الثانية.
وأما ما رواه البخاري
(1)
عن نافع "أن ابن عمر كان يُسلِّم بين الركعة والركعتين في الوتر"، فإنه وإن كان ظاهره إيقاع الوتر على الثلاث المفصولة، فليس لكم فيه دليل:
أولًا: أنه أطلق ذلك؛ لأن الناس كانوا يُوترون بثلاث، كما في البخاري
(2)
: "قال القاسم: ورأينا أناسًا منذُ أدركنا يُوترون بثلاث". وحكاه مالك
(3)
عن عمل أهل المدينة وإن لم يأخذ به، فصار عندهم لكثرة فعل الوتر ثلاثًا يتبادر منه عند الإطلاق تلك الثلاث حتى كأنه خاص بها، فلذلك عبَّر به نافع مع وجود الفصل.
ثانيًا: أن قوله: "في الوتر" ليس معناه: في وتره، وإنما معناه: في الثلاث التي تُوتِر الناسُ بها.
(1)
رقم (991).
(2)
رقم (993).
(3)
في "الموطأ"(1/ 125).
ثالثًا: روى الطحاوي
(1)
من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يَفصِل بين شَفْعِه ووترِه بتسليمةٍ، ذكره في "الفتح"
(2)
. وعامة الأحاديث والآثار على هذا كما شرحنا، مع أن غاية ما في قول نافع أن يكون أثرًا عن تابعي، فلا حجة فيه على كل حال.
وأما جوابكم عن المبحث الثاني فلا كلامَ لنا معكم فيه هنا؛ لأنا نُوافقكم في أن الوتر ليس ثلاثَ عشرة. وأما كون ذلك صلاةَ ليلٍ فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
وأما جوابكم عن المبحث الثالث، فقد مرَّ عند قولنا: "وأما حديث الشيخين عن عائشة: كان يُصلِّي من الليل عشرَ ركعاتٍ ويُوتِر بسجدةٍ
…
" إلخ. ومن أصحابنا من اختار أن أكثر الوتر ثلاث عشرة ركعةً، ووافق الأكثر في عدم اشتراط الوصل. وينحصر الجواب عليه بالوجه الثالث الذي ذكرناه عن حديث ابن أبي قيس، وهو أن عامة الأحاديث والآثار مُطبِقةٌ على إطلاق الوتر الشرعي على ما صُلِّي وترًا موصولًا دون غيره، وأن الوصل لم يثبت في أكثر من تسع.
وبذلك يتعيَّن كون إطلاق الوتر في هذه الثلاثة الأحاديث مجازًا عن صلاة الليل، كما أفاده الترمذي والنسائي في حديث أم سلمة، وأشار إليه أبو داود في حديث ابن أبي قيس، وظهر لنا رجحانُه في حديث أبي هريرة.
وهذا ما اقتضاه قولُ الحق الذي أوجبه الله على كلِّ مسلمٍ على مبلغِ
(1)
في "شرح معاني الآثار"(1/ 279).
(2)
(2/ 482).
علمه ومقدارِ فهمه. وليس فيما قلناه غضاضةٌ على أئمة مذهبنا، فإنهم حَفَظَةُ الدين وأئمة اليقين، وهم جبالُ العلم وبِحارُه، وشُموسُ الحقِّ وأقمارُه، وإنما معنا آثارُ فوائِدهم وأسْقاطُ موائدِهم. وحسبنا الله ونعم الوكيل.